74 و من كلام له ع لما بلغه اتهام بني أمية له- بالمشاركة في دم عثمان
أَ وَ لَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفِي- أَ وَ مَا وَزَعَ الْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي- وَ لَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَانِي- أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ وَ خَصِيمُ النَّاكِثِينَ الْمُرْتَابِينَ- وَ عَلَى كِتَابِ اللَّه تُعْرَضُ الْأَمْثَالُ- وَ بمَا في الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ القرف العيب قرفته بكذا أي عبته- و وزع كف و ردع و منه قوله لا بد للناس من وزعة جمع وازع- أي من رؤساء و أمراء- و التهمة بفتح الهاء هي اللغة الفصيحة- و أصل التاء فيه واو- . و الحجيج كالخصيم ذو الحجاج و الخصومة- يقول ع أ ما كان في علم بني أمية بحالي- ما ينهاها عن قرفي بدم عثمان و حاله التي أشار إليها- و ذكر أن علمهم بها يقتضي ألا يقرفوه بذلك- هي منزلته في الدين التي لا منزلة أعلى منها- و ما نطق به الكتاب الصادق من طهارته- و طهارة بنيه و زوجته في قوله- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ- وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراًو قول النبي ص أنت مني بمنزلة هارون من موسى- و ذلك يقتضي عصمته عن الدم الحرام-كما أن هارون معصوم عن مثل ذلك- و ترادف الأقوال و الأفعال من رسول الله ص في أمره- التي يضطر معها الحاضرون لها و المشاهدون إياها- إلى أن مثله لا يجوز أن يسعى في إراقة دم أمير مسلم- لم يحدث حدثا يستوجب به إحلال دمه- .
و هذا الكلام صحيح معقول- و ذاك أنا نرى من يظهر ناموس الدين- و يواظب على نوافل العبادات- و نشاهد من ورعه و تقواه ما يتقرر- معه في نفوسنا استشعاره الدين و اعتقاده إياه- فيصرفنا ذلك عن قرفه بالعيوب الفاحشة- و نستبعد مع ذلك طعن من يطعن فيه- و ننكره و ناباه و نكذبه- فكيف ساغ لأعداء أمير المؤمنين ع- مع علمهم بمنزلته العالية في الدين- التي لم يصل إليها أحد من المسلمين- أن يطلقوا ألسنتهم فيه- و ينسبوه إلى قتل عثمان أو الممالاة عليه- لا سيما و قد اتصل بهم و ثبت عندهم- أنه كان من أنصاره لا من المجلبين عليه- و أنه كان أحسن الجماعة فيه قولا و فعلا- . ثم قال أ لم تزع الجهال و تردعهم سابقتي عن تهمتي- و هذا الكلام تأكيد للقول الأول- .
ثم قال إن الذي وعظهم الله تعالى به في القرآن- من تحريم الغيبة و القذف و تشبيه ذلك- بأكل لحم الميت أبلغ من وعظي لهم- لأنه لا عظة أبلغ من عظة القرآن- . ثم قال أنا حجيج المارقين و خصيم المرتابين- يعني يوم القيامة-روي عنه ع أنه قال أنا أول من يجثو للحكومة بين يدي الله تعالىو قد روي عن النبي ص مثل ذلك مرفوعا في قوله تعالى- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ- و أنه ص سئل عنها- فقال علي و حمزة و عبيدة و عتبة و شيبة و الوليد- و كانت حادثتهم أول حادثة وقعت فيها- مبارزة أهل الإيمان لأهل الشرك- و كان المقتول الأول بالمبارزة الوليد بن عتبة- قتله علي ع ضربه على رأسه فبدرت عيناه على وجنته-فقال النبي ص فيه و في أصحابه ما قال- و كان علي ع يكثر من قوله أنا حجيج المارقين- و يشير إلى هذا المعنى- . ثم أشار إلى ذلك بقوله على كتاب الله تعرض الأمثال- يريد قوله تعالى هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ- .
ثم قال و بما في الصدور تجازى العباد- إن كنت قتلت عثمان أو مالأت عليه- فإن الله تعالى سيجازيني بذلك- و إلا فسوف يجازي بالعقوبة و العذاب من اتهمني به- و نسبه إلي- . و هذا الكلام يدل على ما يقوله أصحابنا- من تبرؤ أمير المؤمنين ع من دم عثمان- و فيه رد و إبطال لما يزعمه الإمامية- من كونه رضي به و أباحه- و ليس يقول أصحابنا أنه ع لم يكن ساخطا أفعال عثمان- و لكنهم يقولون إنه و إن سخطها و كرهها- و أنكرها لم يكن مبيحا لدمه و لا ممالئا على قتله- و لا يلزم من إنكار أفعال الإنسان إحلال دمه- فقد لا يبلغ الفعل في القبح إلى أن يستحل به الدم- كما في كثير من المناهي
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 6