خطبه 127 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

127 و من كلام له ع قاله للخوارج أيضا

فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَزْعُمُوا أَنِّي أَخْطَأْتُ وَ ضَلَلْتُ- فَلِمَ تُضَلِّلُونَ عَامَّةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص بِضَلَالِي- وَ تَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَئِي- وَ تُكَفِّرُونَهُمْ بِذُنُوبِي- سُيُوفُكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ- تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ الْبُرْءِ وَ السُّقْمِ- وَ تَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ بِمَنْ لَمْ يُذْنِبْ- وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص رَجَمَ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ- ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ وَرَّثَهُ أَهْلَهُ- وَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَ وَرَّثَ مِيرَاثَهُ أَهْلَهُ- وَ قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ وَ جَلَدَ الزَّانِيَ غَيْرَ الْمُحْصَنِ- ثُمَّ قَسَمَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَيْ‏ءِ وَ نَكَحَا الْمُسْلِمَاتِ- فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص بِذُنُوبِهِمْ- وَ أَقَامَ حَقَّ اللَّهِ فِيهِمْ- وَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ- وَ لَمْ يُخْرِجْ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ- ثُمَّ أَنْتُمْ شِرَارُ النَّاسِ- وَ مَنْ رَمَى بِهِ الشَّيْطَانُ مَرَامِيَهُ وَ ضَرَبَ بِهِ تِيهَهُ- وَ سَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ- مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ- وَ مُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ- وَ خَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الْأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ- وَ الْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ- فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ- وَ إِيَّاكُمْ وَ الْفُرْقَةَ- فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ- كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ- أَلَا مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ- وَ لَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هَذِهِ- فَإِنَّمَا حُكِّمَ‏ الْحَكَمَانِ لِيُحْيِيَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ- وَ يُمِيتَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ- وَ إِحْيَاؤُهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ- وَ إِمَاتَتُهُ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ- فَإِنْ جَرَّنَا الْقُرْآنُ إِلَيْهِمْ اتَّبَعْنَاهُمْ- وَ إِنْ جَرَّهُمْ إِلَيْنَا اتَّبَعُونَا- فَلَمْ آتِ لَا أَبَا لَكُمْ بُجْراً- وَ لَا خَتَلْتُكُمْ عَنْ أَمْرِكُمْ- وَ لَا لَبَّسْتُهُ عَلَيْكُمْ- إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى اخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ- أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَلَّا يَتَعَدَّيَا الْقُرْآنَ فَتَاهَا عَنْهُ- وَ تَرَكَا الْحَقَّ وَ هُمَا يُبْصِرَانِهِ- وَ كَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا فَمَضَيَا عَلَيْهِ- وَ قَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكُومَةِ بِالْعَدْلِ- وَ الصَّمْدِ لِلْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَ جَوْرَ حُكْمِهِمَا ليس لقائل أن يقول له ع معتذرا عن الخوارج- إنهم إنما ضللوا عامة أمة محمد ص- و حكموا بخطئهم و كفرهم و قتلهم بالسيف خبطا- لأنهم وافقوك في تصويب التحكيم- و هو عندهم كفر فلم يؤاخذوهم بذنبك كما قلت لهم- و ذلك لأن أمير المؤمنين ع ما قال هذه المقالة- إلا لمن رأى منهم استعراض العامة- و قتل الأطفال حتى البهائم- فقد كان منهم قوم فعلوا ذلك- و قد سبق منا شرح أفعالهم و وقائعهم بالناس- و قالوا إن الدار دار كفر لا يجوز الكف- عن أحد من أهلها- فهؤلاء هم الذين وجه أمير المؤمنين ع إليهم خطابه و إنكاره- دون غيرهم من فرق الخوارج

مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر

و اعلم أن الخوارج كلها تذهب إلى تكفير أهل الكبائر- و لذلك كفروا عليا ع- و من اتبعه على تصويب التحكيم- و هذا الاحتجاج الذي احتج به عليهم‏لازم و صحيح- لأنه لو كان صاحب الكبيرة كافرا- لما صلى عليه رسول الله ص و لا ورثه من المسلم- و لا مكنه من نكاح المسلمات- و لا قسم عليه من الفي‏ء و لأخرجه عن لفظ الإسلام- . و قد احتجت الخوارج لمذهبها بوجوه- منها قوله تعالى- وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ- مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا- وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ- قالوا فجعل تارك الحج كافرا- . و الجواب أن هذه الآية مجملة لأنه تعالى لم يبين- وَ مَنْ كَفَرَ بما ذا- فيحتمل أن يريد تارك الحج- و يحتمل أن يريد تارك اعتقاد وجوبه- على من استطاع إليه سبيلا- فلا بد من الرجوع إلى دلالة- و الظاهر أنه أراد لزوم الكفر لمن كفر- باعتقاد كون الحج غير واجب أ لا تراه في أول الآية قال- وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ- فأنبأ عن اللزوم- ثم قال وَ مَنْ كَفَرَ بلزوم ذلك- و نحن نقول- إن من لم يقل لله على الناس حج البيت فهو كافر- .

و منها قوله تعالى إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ- إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ- قالوا و الفاسق لفسقه و إصراره عليه- آيس من روح الله فكان كافرا- . و الجواب أنا لا نسلم أن الفاسق آيس من روح الله- مع تجويزه تلافي أمره بالتوبة و الإقلاع- و إنما يكون اليأس مع القطع و ليس هذه صفة الفاسق- فأما الكافر الذي يجحد الثواب و العقاب- فإنه آيس من روح الله- لأنه لا تخطر له التوبة و الإقلاع- و يقطع على حسن معتقده- .
و منها قوله تعالى- وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ- فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ- و كل مرتكب للذنوب فقد حكم بغير ما أنزل الله- و لم يحكم بما أنزل الله- .

و الجواب أن هذا مقصور على اليهود- لأن ذكرهم هو المقدم في الآية- قال سبحانه و تعالى سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ- ثم قال عقيب قوله- هُمُ الْكافِرُونَ وَ قَفَّيْنا عَلى‏ آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ- فدل على أنها مقصورة على اليهود- . و منها قوله تعالى- فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى- لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى- الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى- قالوا و قد اتفقنا مع المعتزلة- على أن الفاسق يصلى النار فوجب أن يسمى كافرا- .

و الجواب أن قوله تعالى ناراً نكرة في سياق الإثبات- فلا تعم و إنما تعم النكرة في سياق النفي- نحو قولك ما في الدار من رجل- و غير ممتنع أن يكون في الآخرة نار مخصوصة- لا يصلاها إلا الذين كذبوا و تولوا- و يكون للفساق نار أخرى غيرها- . و منها قوله تعالى- وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ- قالوا و الفاسق تحيط به جهنم فوجب أن يكون كافرا- . و الجواب أنه لم يقل سبحانه- و إن جهنم لا تحيط إلا بالكافرين- و ليس يلزم من كونها محيطة بقوم ألا تحيط بقوم سواهم- . و منها قوله سبحانه يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ- فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ- أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ- فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ- قالواو الفاسق لا يجوز أن يكون ممن ابيضت وجوههم- فوجب أن يكون ممن اسودت- و وجب أن يسمى كافرا لقوله بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ- . و الجواب أن هذه القسمة ليست متقابلة- فيجوز أن يكون المكلفون ثلاثة أقسام- بيض الوجوه و سود الوجوه- و صنف آخر ثالث بين اللونين و هم الفساق- .

و منها قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ- ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ- وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ- أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ- قالوا و الفاسق على وجهه غبرة- فوجب أن يكون من الكفرة و الفجرة- . و الجواب أنه يجوز أن يكون الفساق قسما ثالثا- لا غبرة على وجوههم- و لا هي مسفرة ضاحكة- بل على ما كانت عليه في دار الدنيا- . و منها قوله تعالى- ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا- وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ- قالوا و الفاسق لا بد أن يجازى- فوجب أن يكون كفورا- .

و الجواب أن المراد بذلك- و هل نجازي بعقاب الاستئصال إلا الكفور- لأن الآية وردت في قصة أهل سبإ- لكونهم استؤصلوا بالعقوبة- . و منها أنه تعالى قال- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ- إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ- و قال في آية أخرى- إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ- وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ- فجعل الغاوي الذي يتبعه مشركا- . و الجواب أنا لا نسلم أن لفظة إنما تفيد الحصر- و أيضا فإنه عطف قوله-وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ- على قوله الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ- فوجب أن يثبت التغاير بين الفريقين- و هذا مذهبنا لأن الذين يتولونه هم الفساق- و الذين هم به مشركون هم الكفار- .

و منها قوله تعالى- وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ- إلى قوله تعالى- وَ قِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ- الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ- فجعل الفاسق مكذبا- . و الجواب أن المراد به الذين فسقوا عن الدين- أي خرجوا عنه بكفرهم- و لا شبهة أن من كان فسقه من هذا الوجه فهو كافر مكذب- و لا يلزم منه أن كل فاسق على الإطلاق- فهو مكذب و كافر- .

و منها قوله تعالى- وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ- قالوا فأثبت الظالم جاحدا و هذه صفة الكفار- . و الجواب أن المكلف قد يكون ظالما بالسرقة و الزنا- و إن كان عارفا بالله تعالى- و إذا جاز إثبات ظالم ليس بكافر- و لا جاحد بآيات الله تعالى- جاز إثبات فاسق ليس بكافر- . و منها قوله تعالى- وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ- فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ- . و الجواب أن هذه الآية تدل على أن الكافر فاسق- و لا تدل على أن الفاسق كافر- . و منها قوله تعالى- فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ- فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ- فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ- تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ- أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ- فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- .

فنص سبحانه على أن من تخف موازينه يكون مكذبا- و الفاسق تخف موازينه- فكان مكذبا و كل مكذب كافر- . الجواب أن ذلك لا يمنع من قسم ثالث- و هم الذين لا تخف موازينهم و لا تثقل و هم الفساق- و لا يلزم من كون كل من خفت موازينه يدخل النار- ألا يدخل النار إلا من خفت موازينه- . و منها قوله تعالى- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ- و هذا يقتضي أن من لا يكون مؤمنا فهو كافر- و الفاسق ليس بمؤمن- فوجب أن يكون كافرا- . و الجواب أن من هاهنا للتبعيض- و ليس في ذكر التبعيض نفي الثالث- كما أن قوله وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى‏ رِجْلَيْنِ- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى‏ أَرْبَعٍ- لا ينفي وجود دابة تمشي على أكثر- من أربع كبعض الحشرات- . ثم نعود إلى الشرح- قوله ع و من رمى به الشيطان مراميه- أي أضله كأنه رمى به مرمى بعيدا- فضل عن الطريق و لم يهتد إليها- . قوله و ضرب به تيهه أي حيره و جعله تائها- . ثم قال ع يهلك في رجلان- فأحدهما من أفرط حبه له و اعتقاده فيه- حتى ادعى له الحلول كما ادعت النصارى ذلك في المسيح ع- و الثاني من أفرط بغضه له حتى حاربه أو لعنه- أو برئ منه أو أبغضه- هذه المراتب الأربع و البغض أدناها- و هو موبق مهلك- و في الخبر الصحيح المتفق عليه أنه لا يحبه إلا مؤمن- و لا يبغضه إلا منافق- و حسبك بهذا الخبر ففيه وحده كفاية

فصل في ذكر الغلاة من الشيعة و النصيرية و غيرهم

فأما الغلاة فيه فهالكون- كما هلك الغلاة في عيسى ع- وقد روى المحدثون أن رسول الله ص قال له ع فيك مثل من عيسى ابن مريم- أبغضته اليهود فبهتت أمه- و أحبته النصارى فرفعته فوق قدره- و قد كان أمير المؤمنين عثر على قوم من أصحابه خرجوا من حد محبته- باستحواذ الشيطان عليهم أن كفروا بربهم- و جحدوا ما جاء به نبيهم- فاتخذوه ربا و ادعوه إلها- و قالوا له أنت خالقنا و رازقنا- فاستتابهم و استأنى و توعدهم فأقاموا على قولهم- فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها- طمعا في رجوعهم فأبوا فحرقهم- و قال

أ لا تروني قد حفرت حفرا
أني إذا رأيت أمرا منكرا
أوقدت ناري و دعوت قنبرا

وروى أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين و روي أيضا عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته أن عليا ع مر بقوم- و هم يأكلون في شهر رمضان نهارا- فقال أ سفر أم مرضى- قالوا لا و لا واحدة منهما- قال فمن أهل الكتاب أنتم- فتعصمكم الذمة و الجزية- قالوا لا- قال فما بال الأكل في نهار رمضان- فقاموا إليه فقالوا أنت أنت- يؤمون إلى ربوبيته- فنزل ع عن فرسه- فألصق خده بالأرض- و قال ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله- فاتقوا الله و ارجعوا إلى الإسلام- فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على كفرهم- فنهض إليهم و قال شدوهم وثاقا- و علي بالفعلة و النار و الحطب- ثم أمربحفر بئرين فحفرتا- إحداهما سربا و الأخرى مكشوفة- و ألقى الحطب في المكشوفة- و فتح بينهما فتحا- و ألقى النار في الحطب فدخن عليهم- و جعل يهتف بهم- و يناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام- فأبوا فأمر بالحطب و النار فألقى عليهم- فأحرقوا- فقال الشاعر

لترم بي المنية حيث شاءت
إذا لم ترمني في الحفرتين‏

إذا ما حشتا حطبا بنار
فذاك الموت نقدا غير دين‏

قال فلم يبرح ع حتى صاروا حمما- . ثم استترت هذه المقالة سنة أو نحوها- ثم ظهر عبد الله بن سبإ و كان يهوديا- يتستر بالإسلام بعد وفاة أمير المؤمنين ع فأظهرها- و اتبعه قوم فسموا السبئية- و قالوا إن عليا ع لم يمت و إنه في السماء- و الرعد صوته و البرق صوته- و إذا سمعوا صوت الرعد- قالوا السلام عليك يا أمير المؤمنين- و قالوا في رسول الله ص أغلظ قول- و افتروا عليه أعظم فرية- فقالوا كتم تسعة أعشار الوحي- فنعى عليهم قولهم- الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية رضي الله عنه في رسالته- التي يذكر فيها الإرجاء- رواها عنه سليمان بن أبي شيخ- عن الهيثم بن معاوية- عن عبد العزيز بن أبان- عن عبد الواحد بن أيمن المكي- قال شهدت الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية- يملي هذه الرسالة فذكرها و قال فيها- و من قول هذه السبئية- هدينا لوحي ضل عنه الناس و علم خفي عنهم- و زعموا أن رسول الله ص كتم تسعة أعشار الوحي- و لو كتم ص شيئا مما أنزل الله عليه- لكتم شأن امرأة زيد- و قوله تعالى تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ- .

ثم ظهر المغيرة بن سعيد مولى بجيلة- فأراد أن يحدث لنفسه مقالة يستهوي بها قوما- و ينال بها ما يريد الظفر به من الدنيا- فغلا في علي ع- و قال لو شاء علي لأحيا عادا و ثمود و قرونا بين ذلك كثيرا- . و روى علي بن محمد النوفلي- قال جاء المغيرة بن سعيد- فاستأذن على أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين- و قال له أخبر الناس أني أعلم الغيب- و أنا أطعمك العراق- فزجره أبو جعفر زجرا شديدا- و أسمعه ما كره فانصرف عنه- فأتى أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية رحمه الله- فقال له مثل ذلك- و كان أبو هاشم أيدا- فوثب عليه فضربه ضربا شديدا أشفى به على الموت- فتعالج حتى برئ- ثم أتى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن رحمه الله- و كان محمد سكيتا- فقال له كما قال للرجلين- فسكت محمد فلم يجبه- فخرج و قد طمع فيه بسكوته-

و قال أشهد أن هذا هو المهدي- الذي بشر به رسول الله ص- و أنه قائم أهل البيت- و ادعى أن علي بن الحسين ع- أوصى إلى محمد بن عبد الله بن الحسن- ثم قدم المغيرة الكوفة و كان مشعبذا- فدعا الناس إلى قوله- و استهواهم و استغواهم- فاتبعه خلق كثير- و ادعى على محمد بن عبد الله أنه أذن له- في خنق الناس و إسقائهم السموم- و بث أصحابه في الأسفار يفعلون ذلك بالناس- فقال له بعض أصحابه- إنا نخنق من لا نعرف- فقال لا عليكم إن كان من أصحابكم عجلتموه إلى الجنة- و إن كان من عدوكم عجلتموه إلى النار- و لهذا السبب كان المنصور يسمي محمد بن عبد الله الخناق- و ينحله ما ادعاه عليه المغيرة- .

ثم تفاقم أمر الغلاة بعد المغيرة- و أمعنوا في الغلو- فادعوا حلول الذات الإلهية المقدسة- في قوم من سلالة أمير المؤمنين ع- و قالوا بالتناسخ و جحدوا البعث و النشور- و أسقطوا الثواب و العقاب- و قال قوم منهم- إن الثواب و العقاب إنما هو ملاذ هذه الدنيا و مشاقها- و تولدت من هذه المذاهب القديمة- التي قال بها سلفهم مذاهب أفحش منها قال بها خلفهم- حتى صاروا إلى المقالة المعروفة بالنصيرية- و هي التي أحدثها محمد بن نصير النميري- و كان من أصحاب الحسن العسكري ع- و المقالة المعروفة بالإسحاقية- و هي التي أحدثها إسحاق بن زيد بن الحارث- و كان من أصحاب عبد الله بن معاوية- بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب- كان يقول بالإباحة و إسقاط التكاليف- و يثبت لعلي ع شركة مع رسول الله ص في النبوة على وجه- غير هذا الظاهر الذي يعرفه الناس- و كان محمد بن نصير- من أصحاب الحسن بن علي بن محمد بن الرضا- فلما مات ادعى وكالة لابن الحسن- الذي تقول الإمامية بإمامته- ففضحه الله تعالى بما أظهره- من الإلحاد و الغلو و القول بتناسخ الأرواح- ثم ادعى أنه رسول الله و نبي من قبل الله تعالى- و أنه أرسله علي بن محمد بن الرضا- و جحد إمامة الحسن العسكري و إمامة ابنه- و ادعى بعد ذلك الربوبية و قال بإباحة المحارم- . و للغلاة أقوال كثيرة طويلة عريضة- و قد رأيت أنا جماعة منهم- و سمعت أقوالهم و لم أر فيهم محصلا- و لا من يستحق أن يخاطب- و سوف أستقصي ذكر فرق الغلاة و أقوالهم- في الكتاب الذي كنت متشاغلا بجمعه- و قطعني عنه اهتمامي بهذا الشرح- و هو الكتاب المسمى بمقالات الشيعة إن شاء الله تعالى- .

قوله ع و الزموا السواد الأعظم و هو الجماعة- وقد جاء في الخبر عن‏ رسول الله ص هذه اللفظة التي ذكرها ع و هي يد الله على الجماعة و لا يبالي بشذوذ من شذ- و جاء في معناها كثير نحوقوله ع الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد و قوله لا تجتمع أمتي على خطإو قوله سألت الله ألا تجتمع أمتي على خطإ فأعطانيها وقوله ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسنوقوله لا تجتمع أمتي على ضلالة- و سألت ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها- و لم يكن الله ليجمع أمتي على ضلال و لا خطإوقوله ع عليكم بالسواد الأعظموقوله من خرج من الجماعة قيد شبر- فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقهوقوله من فارق الجماعة مات ميتة جاهليةوقوله من سره بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة- .

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا- . ثم قال ع- من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه يعني الخوارج- و كان شعارهم أنهم يحلقون وسط رءوسهم- و يبقى الشعر مستديرا حوله كالإكليل- . قال و لو كان تحت عمامتي هذه- أي لو اعتصم و احتمى بأعظم الأشياء حرمة- فلا تكفوا عن قتله- . ثم ذكر أنه إنما حكم الحكمان- ليحييا ما أحياه القرآن- أي ليجتمعا على ما شهد القرآن باستصوابه و استصلاحه- و يميتا ما أماته القرآن- أي ليفترقا و يصدا و ينكلا- عما كرهه القرآن و شهد بضلاله- . و البجر بضم الباء الشر العظيم- قال الراجز أرمي عليها و هي شي‏ء بجر أي داهية- . و لا ختلتكم أي خدعتكم- ختله و خاتله أي خدعه- و التخاتل التخادع- و لا لبسته عليكم أي جعلته مشتبها ملتبسا- ألبست عليهم الأمر ألبسه بالكسر- . و الملأ الجماعة من الناس و الصمد القصد- . قال سبق شرطنا سوء رأيهما- لأنا اشترطنا عليهما في كتاب الحكومة ما لا مضرة علينا- مع تأمله فيما فعلاه من اتباع الهوى و ترك النصيحة للمسلمين

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 8

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.