و من كلام له عليه السّلام لما عزموا على بيعة عثمان
لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي- وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ
الْمُسْلِمِينَ- وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً- الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ- وَ زُهْداً
فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ
اللغة
أقول: الزخرف: الزينة،
و يقال: الذهب.
و الزبرج: النقش و الزينة بالحلية أيضا.
المعنى
و قوله: لقد علمتم أنّى أحقّ بها. يشير إلى ما علموه من وجه استحقاقه للخلافة و هو استجماعه للفضايل الداخليّة و الخارجيّة، و الضمير في بها للخلافة و هو إمّا أن يعود إلى ذكرها في فصل تقدّم متّصلا بهذا الفصل أو لشهرتها، و كون الحديث فيها قرينة معيّنة لها كما قال قبل: لقد تقمّصها.
و قوله: و اللّه لاسلّمنّ ما سلمت امور المسلمين. أى لأتركنّ المنافسة في هذا الأمر مهما سلمت امور المسلمين من الفتنة. و فيه إشارة إلى أنّ غرضه عليه السّلام من المنافسة في هذا الأمر هو صلاح حال المسلمين و استقامة امورهم و سلامتهم عن الفتن و قد كان لهم بمن سلف من الخلفاء قبله استقامة أمر و إن كانت لا تبلغ عنده كمال استقامتها لو ولى هو هذا الأمر فلذلك أقسم ليسلمنّ ذلك الأمر و لا ينازع فيه إذ لو نازع فيه لثارث الفتنة بين المسلمين و انشقّت عصا الإسلام و ذلك ضدّ مطلوب الشارع، و إنّما يتعيّن عليه النزاع و القتال عند خوف الفتنة و قيامها.
فإن قلت: السؤال من وجهين: الأوّل: ما وجه منافسته في هذا الأمر مع أنّه منصب يتعلّق بامور الدنيا و صلاحها مع ما اشتهر منه عليه السّلام من الزهد فيها و الإعراض عنها و ذمّها و رفضها. الثاني: كيف سلّم هاهنا خوف الفتنة و لم يسلّم لمعاوية و لطلحة و الزبير مع قيام الفتنة في حربهم. قلت: الجواب عن الأوّل: أنّ منصب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليس منصبا دنيا ويّا و إن كان متعلّقا بإصلاح أحوال الدنيا لكن لا لكونها دنيا بل لأنّها مضمار الآخرة و مزرعتها و الغرض من إصلاحها إنّما هو نظام أحوال الخلق في معاشهم و معادهم فمنافسته عليه السّلام في هذا الأمر على هذا الوجه من الامور المندوب إليها إذا اعتقد أنّ غيره لا يغنى غناه في القيام به فضلا أن يقال: إنّها لا تجوز.
و عن الثاني: أنّ الفرق بين الخلفاء الثلاثة و بين معاوية في إقامة حدود اللّه و العمل بمقتضى أوامره و نواهيه ظاهر. و قوله: و لم يكن فيها جور إلّا علىّ خاصّة. تظلّم ممّن عدل بها عنه، و نسبة لهم إلى الجور دون من استحقّها في أنظارهم. فأوصلوها إليه من ساير الخلفاء. و خاصّة نصب على الحال. و قوله: إليها التماسا لأجر ذلك. إلى آخره.
التماسا مفعول له و العامل لاسلمنّ: أى ألتمس ثواب اللّه و فضله بتسليمى و صبري
و كذلك قوله: و زهدا. مفعول له، و فيه إيماء إلى أنّ مقصود غيره من طلب هذا الأمر و المنافسة فيه ليس إلّا الدنيا و زخرفها. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 2 ، صفحهى 206