google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
40-60 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 52 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

52 و من خطبة له ع

و قد تقدم مختارها برواية- و نذكر ما نذكره هنا برواية أخرى لتغاير الروايتين- : أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ وَ آذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ- وَ تَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا وَ أَدْبَرَتْ حَذَّاءَ- فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا- وَ تَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا- وَ قَدْ أَمَرَّ فِيهَا مَا كَانَ حُلْواً- وَ كَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً- فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الْإِدَاوَةِ- أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ- لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْيَانُ لَمْ يَنْقَعْ- فَأَزْمِعُوا عَبِادَ اللَّهِ- الرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ- وَ لَا يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ- وَ لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ- فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ- وَ دَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ- وَ جَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ- وَ خَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلَادِ- الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ- أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ- وَ حَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَكَانَ قَلِيلًا فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ- وَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ- وَ بِاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً- وَ سَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً- ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا- مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ- وَ لَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ- أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ- وَ هُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلْإِيمَانِ‏

تصرمت انقطعت و فنيت- و آذنت بانقضاء أعلمت بذلك- آذنته بكذا أي أعلمته- و تنكر معروفها جهل منها ما كان معروفا- . و الحذاء السريعة الذهاب- و رحم حذاء مقطوعة غير موصولة- و من رواه جذاء بالجيم- أراد منقطعة الدر و الخير- . و تحفر بالفناء سكانها تعجلهم و تسوقهم- و أمر الشي‏ء صار مرا- و كدر الماء بكسر الدال و يجوز كدر بضمها- و المصدر من الأول كدرا و من الثاني كدورة- . و السملة بفتح الميم البقية من الماء تبقى في الإناء- و المقلة بفتح الميم و تسكين القاف- حصاة القسم التي تلقى في الماء- ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم- و ذلك عند قلة الماء في المفاوز قال-

قذفوا سيدهم في ورطة
قذفك المقلة وسط المعترك‏

و التمزز تمصص الشراب قليلا قليلا- و الصديان العطشان- . و لم ينقع لم يرو و هذا يمكن أن يكون لازما- و يمكن أن يكون متعديا- تقول نقع الرجل بالماء- أي روي و شفى غليله- ينقع و نقع الماء الصدى ينقع أي سكنه- . فأزمعوا الرحيل أي اعزموا عليه- يقال أزمعت الأمر- و لا يجوز أزمعت على الأمر- و أجازه الفراء. قوله المقدور على أهلها الزوال أي المكتوب قال-

و اعلم بأن ذا الجلال قد قدر
في الصحف الأولى الذي كان سطر

أي كتب و الوله العجال- النوق الوالهة الفاقدة أولادها الواحدة عجول- و الوله ذهاب العقل و فقد التمييز- و هديل الحمام صوت نوحه- و الجؤار صوت مرتفع- و المتبتل المنقطع عن الدنيا- و انماث القلب أي ذاب- . و قوله و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم اعتراض في الكلام- . و أنعمه منصوب لأنه مفعول جزت- . و في هذا الكلام تلويح- و إشارة إلى مذهب البغداديين من أصحابنا- في أن الثواب على فعل الطاعة غير واجب- لأنه شكر النعمة فلا يقتضي وجوب ثواب آخر- و هو قوله ع لو انماثت قلوبكم انمياثا… إلى آخر الفصل- . و أصحابنا البصريون لا يذهبون إلى ذلك- بل يقولون إن الثواب واجب على الحكيم سبحانه- لأنه قد كلفنا ما يشق علينا- و تكليف المشاق كإنزال المشاق- فكما اقتضت الآلام و المشاق- النازلة بنا من جهته سبحانه أعواضا- مستحقه عليه تعالى عن إنزالها بنا- كذلك تقتضي التكليفات الشاقة ثوابا- مستحقا عليه تعالى عن إلزامه إيانا بها- قالوا فأما ما سلف من نعمه علينا فهو تفضل منه تعالى- و لا يجوز في الحكمة- أن يتفضل الحكيم على غيره بأمر من الأمور- ثم يلزمه أفعالا شاقة و يجعلها بإزاء ذلك التفضل- إلا إذا كان في تلك الأمور منافع عائدة على ذلك الحكيم- فكان ما سلف من المنافع جاريا مجرى الأجرة- كمن يدفع درهما إلى إنسان ليخيط له ثوبا- و البارئ تعالى منزه عن المنافع- و نعمه علينا منزهة- أن تجري مجرى الأجرة على تكليفنا المشاق- . و أيضا فقد يتساوى اثنان من الناس في النعم- المنعم بها عليهما و يختلفان في التكاليف-

فلو كان التكليف لأجل ما مضى من النعم- لوجب أن يقدر بحسبها- فإن قيل فعلى ما ذا يحمل كلام أمير المؤمنين ع- و فيه إشارة إلى مذهب البغداديين- . قيل إنه ع لم يصرح بمذهب البغداديين- و لكنه قال لو عبدتموه بأقصى ما ينتهي الجهد إليه- و ما وفيتم بشكر أنعمه و هذا حق غير مختلف فيه- لأن نعم البارئ تعالى لا تقوم العباد بشكرها- و إن بالغوا في عبادته و الخضوع له و الإخلاص في طاعته- و لا يقتضي صدق هذه القضية- و صحتها صحة مذهب البغداديين- في أن الثواب على الله تعالى غير واجب- لأن التكليف إنما كان باعتبار أنه شكر النعمة السالفة

ما قيل من الأشعار في ذم الدنيا

فأما ما قاله الناس في ذم الدنيا و غرورها- و حوادثها و خطوبها و تنكرها لأهلها- و الشكوى منها و العتاب لها و الموعظة بها- و تصرمها و تقلبها فكثير من ذلك قول بعضهم-

هي الدنيا تقول بمل‏ء فيها
حذار حذار من بطشي و فتكي‏

فلا يغرركم حسن ابتسامي‏
فقولي مضحك و الفعل مبك‏

 و قال آخر-

تنح عن الدنيا و لا تطلبنها
و لا تخطبن قتالة من تناكح‏

فليس يفي مرجوها بمخوفها
و مكروهها إما تأملت راجح‏

لقد قال فيها القائلون فأكثروا
و عندي لها وصف لعمرك صالح‏

سلاف قصاراها ذعاف و مركب‏
شهي إذا استلذذته فهو جامح‏

و شخص جميل يعجب الناس حسنه
و لكن له أفعال سوء قبائح‏

و قال أبو الطيب-

أبدا تسترد ما تهب الدنيا
فيا ليت جودها كان بخلا

و هي معشوقه على الغدر لا تحفظ
عهدا و لا تتم وصلا

كل دمع يسيل منها عليها
و بفك اليدين عنها تخلى‏

شيم الغانيات فيها و لا أدري‏
لذا أنث اسمها الناس أم لا

 و قال آخر-

إنما الدنيا عوار
و العواري مسترده‏

شدة بعد رخاء
و رخاء بعد شده‏

و قال محمد بن هانئ المغربي

و ما الناس إلا ظاعن فمودع
و ثاو قريح الجفن يبكي لراحل‏

فما الدهر إلا كالزمان الذي مضى‏
و لا نحن إلا كالقرون الأوائل

نساق من الدنيا إلى غير دائم
و نبكي من الدنيا على غير طائل‏

فما عاجل نرجوه إلا كآجل‏
و لا آجل نخشاه إلا كعاجل‏

و قال ابن المظفر المغربي

دنياك دار غرور
و نعمة مستعاره‏

و دار أكل و شرب‏
و مكسب و تجاره‏

و رأس مالك نفس
فخف عليها الخساره‏

و لا تبعها بأكل
و طيب عرف و شاره‏

فإن ملك سليمان‏
لا يفي بشراره‏

و قال أبو العتاهية

ألا إنما التقوى هي البر و الكرم
و حبك للدنيا هو الفقر و العدم‏

و ليس على عبد تقي غضاضة
إذا صحح التقوى و إن حاك أو حجم‏

و قال أيضا

تعلقت بآمال
طوال أي آمال‏

و أقبلت على الدنيا
ملحا أي إقبال‏

أيا هذا تجهز لفراق
الأهل و المال‏

فلا بد من الموت‏
على حال من الحال‏

 و قال أيضا

سكن يبقى له سكن
ما بهذا يؤذن الزمن‏

نحن في دار يخبرنا
ببلاها ناطق لسن‏

دار سوء لم يدم فرح
لامرئ فيها و لا حزن‏

في سبيل الله أنفسنا
كلنا بالموت مرتهن‏

كل نفس عند موتتها
حظها من مالها الكفن‏

إن مال المرء ليس له‏
منه إلا ذكره الحسن‏

و قال أيضا

ألا إننا كلنا بائد
و أي بني آدم خالد

و بدؤهم كان من ربهم‏
و كل إلى ربه عائد

فوا عجبا كيف يعصي الإله
أم كيف يجحده الجاحد

و في كل شي‏ء له آية
تدل على أنه الواحد

و قال الرضي الموسوي

يا آمن الأيام بادر صرفها
و اعلم بأن الطالبين حثاث‏

خذ من ثرائك ما استطعت فإنما
شركاؤك الأيام و الوراث‏

لم يقض حق المال إلا معشر
نظروا الزمان يعيث فيه فعاثوا

تحثو على عيب الغني يد الغنى‏
و الفقر عن عيب الفتى بحاث‏

المال مال المرء ما بلغت به
الشهوات أو دفعت به الأحداث‏

ما كان منه فاضلا عن قوته‏
فليعلمن بأنه ميراث‏

ما لي إلى الدنيا الدنية حاجة
فليجن ساحر كيدها النفاث‏

طلقتها ألفا لأحسم داءها
و طلاق من عزم الطلاق ثلاث‏

و ثباتها مرهوبة و عداتها
مكذوبة و حبالها أنكاث‏

أم المصائب لا تزال تروعنا
منها ذكور حوادث و إناث‏

إني لأعجب للذين تمسكوا
بحبائل الدنيا و هن رثاث‏

كنزوا الكنوز و اعقلوا شهواتهم‏
فالأرض تشبع و البطون غراث‏

أ تراهم لم يعلموا أن التقى
أزوادنا و ديارنا الأجداث‏

و قال آخر

هذه الدنيا إذا صرفت
وجهها لم تنفع الحيل‏

و إذا ما أقبلت لعم‏
بصرته كيف يفتعل‏

و إذا ما أدبرت لذكي
غاب عنه السهل و الجبل‏

فهي كالدولاب دائرة
ترتقي طورا و تستفل‏

في زمان صار ثعلبة
أسدا و استذاب الحمل‏

فالذنابى فيه ناصية
و النواصي خشع ذلل‏

فاصبري يا نفس و احتملي
إن نفس الحر تحتمل‏

و قال أبو الطيب

نعد المشرفية و العوالي
و تقتلنا المنون بلا قتال‏

و نرتبط السوابق مقربات‏
و ما ينجين من خبب الليالي‏

و من لم يعشق الدنيا قديما
و لكن لا سبيل إلى الوصال‏

نصيبك في حياتك من حبيب‏
نصيبك في منامك من خيال‏

رماني الدهر بالأرزاء حتى
فؤادي في غشاء من نبال‏

فصرت إذا أصابتني سهام‏
تكسرت النصال على النصال‏

و هان فما أبالي بالرزايا
لأني ما انتفعت بأن أبالي‏

يدفن بعضنا بعضا و يمشي‏
أواخرنا على هام الأوالي‏

و كم عين مقبلة النواحي
كحيل في الجنادل و الرمال‏

و مغض كان لا يغضي لخطب
و بال كان يفكر في الهزال‏

 و قال أبو العتاهية في أرجوزته-

المشهورة في ذم الدنيا و فيها أنواع مختلفة من الحكمة-

ما زالت الدنيا لنا دار أذى
ممزوجة الصفو بألوان القذى‏

الخير و الشر بها أزواج‏
لذا نتاج و لذا نتاج‏

من لك بالمحض و ليس محض
يخبث بعض و يطيب بعض‏

لكل إنسان طبيعتان‏
خير و شر و هما ضدان‏

و الخير و الشر إذا ما عدا
بينهما بون بعيد جدا

إنك لو تستنشق الشحيحا
وجدته أنتن شي‏ء ريحا

حسبك مما تبتغيه القوت
ما أكثر القوت لمن يموت‏

الفقر فيما جاوز الكفافا
من اتقى الله رجا و خافا

هي المقادير فلمني أو فذر
إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر

لكل ما يؤذي و إن قل ألم‏
ما أطول الليل على من لم ينم‏

ما انتفع المرء بمثل عقله
و خير ذخر المرء حسن فعله‏

إن الفساد ضده الصلاح‏
و رب جد جره المزاح‏

من جعل النمام عينا هلكا
مبلغك الشر كباغيه لكا

إن الشباب و الفراغ و الجده‏
مفسدة للمرء أي مفسده‏

يغنيك عن كل قبيح تركه
قد يوهن الرأي الأصيل شكه‏

ما عيش من آفته بقاه‏
نغص عيشا ناعما فناه‏

يا رب من أسخطنا بجهده
قد سرنا الله بغير حمده‏

ما تطلع الشمس و لا تغيب‏
إلا لأمر شأنه عجيب‏

لكل شي‏ء قدر و جوهر
و أوسط و أصغر و أكبر

و كل شي‏ء لاحق بجوهره‏
أصغره متصل بأكبره‏

من لك بالمحض و كل ممتزج
وساوس في الصدر منك تعتلج‏

عجبت و استغرقني السكوت‏
حتى كأني حائر مبهوت‏

إذا قضى الله فكيف أصنع
و الصمت إن ضاق الكلام أوسع‏

و قال أيضا

كل على الدنيا له حرص
و الحادثات لنا بها قرص‏

و كان من واروه في جدث‏
لم يبد منه لناظر شخص‏

يهوى من الدنيا زيادتها
و زيادة الدنيا هي النقص‏

ليد المنية في تلطفها
عن ذخر كل نفيسة فحص‏

و قال أيضا

أبلغ الدهر في مواعظه بل
زاد فيهن لي من الإبلاغ‏

أي عيش يكون أطيب من عيش‏
كفاف قوت بقدر البلاغ‏

غصبتني الأيام أهلي و مالي
و شبابي و صحتي و فراغي‏

صاحب البغي ليس يسلم منه‏
و على نفسه بغي كل باغ‏

رب ذي نعمة تعرض منها
حائل بينه و بين المساغ‏

و قال ابن المعتز

حمدا لربي و ذما للزمان فما
أقل في هذه الدنيا مسراتي‏

كفت يدي أملى عن كل مطلب‏
و أغلقت بابها من دون حاجاتي‏

و له أيضا

أ لست ترى يا صاح ما أعجب الدهرا
فذما له لكن للخالق الشكرا

لقد حبب الموت البقاء الذي أرى‏
فيا حبذا مني لمن سكن القبرا

و سبحان ربي راضيا بقضائه
و كان اتقائي الشر يغري بي الشرا

 و له

قل لدنياك قد تمكنت مني
فافعلي ما أردت أن تفعلي بي‏

و اخرقي كيف شئت خرق جهول‏
إن عندي لك اصطبار لبيب‏

 و قال أبو العلاء المعري-

و الدهر إبرام و نقض و تفريق
و جمع و نهار و ليل‏

لو قال لي صاحبه سمه‏
ما جزت عن ناجية أو بديل‏

و قال آخر

و الدهر لا يبقى على حالة
لا بد أن يدبر أو يقبلا

و قال أبو الطيب

ما لي و للدنيا طلابي نجومها
و مسعاي منها في شدوق الأراقم‏

و قال آخر

لعمرك ما الأيام إلا معارة
فما اسطعت من معروفها فتزود

و قال آخر

لعمرك ما الأيام إلا كما ترى
رزية مال أو فراق حبيب‏

 الوزير المهلبي

أ لا موت يباع فأشتريه
فهذا العيش ما لا خير فيه‏

أ لا رحم المهيمن نفس حر
تصدق بالممات على أخيه‏

 و له

أشكو إلى الله أحداثا من الزمن
يبرينني مثل بري القدح بالسفن‏

لم يبق بالعيش لي إلا مرارته‏
إذا تذوقته و الحلو منه فني‏

لا تحسبن نعما سرتك صحبتها
إلا مفاتيح أبواب من الحزن‏

 عبيد الله بن عبد الله بن طاهر-

ألا أيها الدهر الذي قد مللته
سألتك إلا ما سللت حياتي‏

فقد و جلال الله حببت جاهدا
إلي على كره الممات مماتي‏

 و له

أ لم تر أن الدهر يهدم ما بنى
و يسلب ما أعطى و يفسد ما أسدى‏

فمن سره ألا يرى ما يسوءه‏
فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا

 البحتري

كان الليالي أغريت حادثاتها
بحب الذي نأبى و بغض الذي نهوى‏

و من عرف الأيام لم ير خفضها
نعيما و لم يعدد مضرتها بلوى‏

 أبو بكر الخوارزمي

ما أثقل الدهر على من ركبه
حدثني عنه لسان التجربه‏

لا تشكر الدهر لخير سببه‏
فإنه لم يتعمد بالهبه‏

و إنما أخطأ فيك مذهبه
كالسيل قد يسقي مكانا أخربه‏
و السم يستشفي به من شربه‏

و قال آخر

يسعى الفتى في صلاح العيش مجتهدا
و الدهر ما عاش في إفساده ساعى‏

آخر

يغر الفتى مر الليالي سليمة
و هن به عما قليل عواثر

 آخر

إذا ما الدهر جر على أناس
كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا

آخر

قل لمن أنكر حالا منكره
و رأى من دهره ما حيره‏

ليس بالمنكر ما أنكرته‏
كل من عاش رأى ما لم يره‏

 ابن الرومي

سكن الزمان و تحت سكنته
دفع من الحركات و البطش‏

كالأفعوان تراه منبطحا
بالأرض ثم يثور للنهش‏

أبو الطيب

أنا لفي زمن ترك القبيح به
من أكثر الناس إحسان و إجمال‏

ذكر الفتى عمره الثاني و حاجته‏
ما قاته و فضول العيش أشغال‏

و قال آخر

جار الزمان علينا في تصرفه
و أي حر عليه الدهر لم يجر

عندي من الدهر ما لو أن أيسره‏
يلقى على الفلك الدوار لم يدر

آخر

هذا الزمان الذي كنا نحاذره
فيما يحدث كعب و ابن مسعود

إن دام هذا و لم تعقب له غير
لم يبك ميت و لم يفرح بمولود

 آخر

يا زمانا ألبس
الأحرار ذلا و مهانه‏

لست عندي بزمان‏
إنما أنت زمانه‏

أ جنون ما نراه
منك يبدو أم مجانه‏

 الرضي الموسوي-

تأبى الليالي أن تديما
بؤسا لخلق أو نعيما

و المرء بالإقبال يبلغ‏
وادعا خطرا جسيما

فإذا انقضى إقباله
رجع الشفيع له خصيما

و هو الزمان إذا نبا
سلب الذي أعطى قديما

كالريح ترجع عاصفا
من بعد ما بدأت نسيما

أبو عثمان الخالدي-

ألفت من حادثات الدهر أكبرها
فما أعادي على أحداثها الصغر

تزيدني قسوة الأيام طيب نثا
كأنني المسك بين الفهر و الحجر

 السري الرفاء

تنكد هذا الدهر فيما يرومه
على أنه فيما نحاذره ندب‏

فسير الذي نرجوه سير مقيد
و سير الذي نخشى غوائله وثب‏

ابن الرومي

ألا إن في الدنيا عجائب جمة
و أعجبها ألا يشيب وليدها

إذا ذل في الدنيا الأعزاء و اكتست‏
أذلتها عزا و ساد مسودها

هناك فلا جادت سماء بصوبها
و لا أمرعت أرض و لا اخضر عودها

أرى الناس مخسوفا بهم غير أنهم‏
على الأرض لم يقلب عليهم صعيدها

و ما الخسف أن يلفى أسافل بلدة
أعاليها بل أن يسود عبيدها

السري الرفاء

لنا من الدهر خصم لا نطالبه
فما على الدهر لو كفت نوائبه‏

يرتد عنه جريحا من يسالمه‏
فكيف يسلم منه من يحاربه‏

و لو أمنت الذي تجنى أراقمه
علي هان الذي تجنى عقاربه‏

أبو فراس بن حمدان

تصفحت أحوال الزمان و لم يكن
إلى غير شاك للزمان وصول‏

أ كل خليل هكذا غير منصف‏
و كل زمان بالكرام بخيل‏

ابن الرومي

رأيت الدهر يرفع كل وغد
و يخفض كل ذي شيم شريفه‏

كمثل البحر يغرق فيه حي‏
و لا ينفك تطفو فيه جيفه‏

أو الميزان يخفض كل واف
و يرفع كل ذي زنة خفيفه‏

 ابن نباتة

و أصغر عيب في زمانك أنه
به العلم جهل و العفاف فسوق‏

و كيف يسر الحر فيه بمطلب‏
و ما فيه شي‏ء بالسرور حقيق‏

 أبو العتاهية-

لتجذبني يد الدنيا بقوتها
إلى المنايا و إن نازعتها رسني‏

لله دنيا أناس دائبين لها
قد ارتعوا في غياض الغي و الفتن‏

كسائمات رواع تبتغي سمنا
و حتفها لو درت في ذلك السمن‏

 و له أيضا-

أنساك محياك المماتا
فطلبت في الدنيا الثباتا

و قال يزيد بن مفرغ الحميري-

لا ذعرت السوام في فلق الصبح
مغيرا و لا دعيت يزيدا

يوم أعطى من المخافة ضيما
و المنايا يرصدنني أن أحيدا

و قال آخر-

لا تحسبيني يا أمامة
عاجزا دنسا ثيابه‏

إني إذا خفت الهوان‏
مشيع ذلل ركابه‏

مثله قول عنترة-

ذلل ركابي حيث شئت مشايعي
لبي و أحفزه برأي مبرم‏

 و قال آخر-

أ خشية الموت در دركم
أعطيتم القوم فوق ما سألوا

إنا لعمر الإله نأبى الذي قالوا
و لما تقصف الأسل‏

نقبل ضيما و نحن نعرفه
ما دام منا بظهرها رجل‏

 و قال آخر-

و رب يوم حبست النفس مكرهة
فيه لأكبت أعداء أحاشيها

آبى و آنف من أشياء آخذها
رث القوى و ضعيف القوم يعطيها

مثله للشداخ-

أبينا فلا نعطي مليكا ظلامة
و لا سوقة إلا الوشيج المقوما

تروم الخلد في دار التفاني
و كم قد رام قبلك ما تروم‏

لأمر ما تصرمت الليالي‏
و أمر ما تقلبت النجوم‏

تنام و لم تنم عنك المنايا
تنبه للمنية يا نئوم‏

إلى ديان يوم الدين نمضي‏
و عند الله تجتمع الخصوم‏

حسبنا الله وحده- و صلواته على خيرته من خلقه سيدنا محمد و آله الطاهرين- تم الجزء الثالث و يليه الجزء الرابع- و أوله في ذكر يوم النحر و صفة الأضحية

الجزء الرابع

تتمة الخطب و الأوامر

بسم الله الرحمن الرحيم- الحمد لله الواحد العدل الحكيم- و صلى الله على رسوله الكريم 

تتمة الخطبة الثانية و الخمسين

وَ مِنْهَا فِي ذِكْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَ صِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ: وَ مِنْ تَمَامِ الْأُضْحِيَّةِ اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا وَ سَلَامَةُ عَيْنِهَا- فَإِذَا سَلِمَتِ الْأُذُنُ وَ الْعَيْنُ سَلِمَتِ الْأُضْحِيَّةُ وَ تَمَّتْ- وَ لَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى الْمَنْسَكِ قال الرضي رحمه الله- و المنسك هاهنا المذبح الأضحية ما يذبح يوم النحر- و ما يجري مجراه أيام التشريق من النعم- و استشراف أذنها انتصابها و ارتفاعها- أذن شرفاء أي منتصبة- . و العضباء المكسورة القرن- و التي تجر رجلها إلى المنسك كناية عن العرجاء- و يجوز المنسك بفتح السين و كسرها

اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية

و اختلف الفقهاء في وجوب الأضحية- فقال أبو حنيفة هي واجبة على المقيمين من أهل‏الأمصار- و يعتبر في وجوبها النصاب- و به قال مالك و الثوري إلا أن مالكا لم يعتبر الإقامة- . و قال الشافعي الأضحية سنة مؤكدة- و به قال أبو يوسف و محمد و أحمد- . و اختلفوا في العمياء هل تجزئ أم لا- فأكثر الفقهاء على أنها لا تجزئ- و كلام أمير المؤمنين ع في هذا الفصل يقتضي ذلك- لأنه قال إذا سلمت العين سلمت الأضحية- فيقتضي أنه إذا لم تسلم العين لم تسلم الأضحية- و معنى انتفاء سلامة الأضحية انتفاء أجزائها- . و حكي عن بعض أهل الظاهر أنه قال تجزئ العمياء- .

و قال محمد بن النعمان- المعروف بالمفيد رضي الله تعالى عنه- أحد فقهاء الشيعة في كتابه المعروف بالمقنعة-إن الصادق ع سئل عن الرجل يهدي الهدي أو الأضحية- و هي سمينة فيصيبها مرض- أو تفقأ عينها أو تنكسر- فتبلغ يوم النحر و هي حية أ تجزئ عنه فقال نعم- .

فأما الأذن فقال أحمد لا يجوز التضحية بمقطوعة الأذن- و كلام أمير المؤمنين ع يقتضي ذلك- و قال سائر الفقهاء تجزئ إلا أنه مكروه- . و أما العضباء- فأكثر الفقهاء على أنها تجزئ إلا أنه مكروه- و كلام أمير المؤمنين ع يقتضي ذلك- و كذلك الحكم في الجلحاء- و هي التي لم يخلق لها قرن- و القصماء و هي التي انكسر غلاف قرنها- و الشرفاء و هي التي انثقبت أذنها من الكي- و الخرقاء و هي التي شقت أذنها طولا- . و قال مالك إن كانت العضباء يخرج من قرنها دم لم تجزئ- . و قال أحمد و النخعي لا تجوز التضحية بالعضباء- .

فأما العرجاء التي كنى عنها بقوله- تجر رجلها إلى المنسك- فأكثر الفقهاء على أنها لا تجزئ- و كلام أمير المؤمنين ع يقتضي أنها تجزئ- و قد نقل أصحاب الشافعي عنه في أحد قوليه- أن الأضحية إذا كانت مريضة مرضا يسيرا أجزأت- . و قال الماوردي من الشافعية- في كتابه المعروف بالحاوي- إن عجزت عن أن تجر رجلها خلقة أجزأت- و إن كان ذلك عن مرض لم تجزئ

شرح‏ نهج ‏البلاغة(ابن‏ أبي ‏الحديد)، ج 3 -4

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=