و من كلام له عليه السّلام في معنى الحكمين
فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ- فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَا عِنْدَ الْقُرْآنِ وَ لَا يُجَاوِزَاهُ- وَ تَكُونُ أَلْسِنَتُهُمَا مَعَهُ وَ قُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ فَتَاهَا عَنْهُ- وَ تَرَكَا الْحَقَّ وَ هُمَا يُبْصِرَانِهِ- وَ كَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا وَ الِاعْوِجَاجُ رَأْيَهُمَا- وَ قَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ- وَ الْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَ جَوْرَ حُكْمِهِمَا- وَ الثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا لِأَنْفُسِنَا حِينَ خَالَفَا سَبِيلَ الْحَقِّ- وَ أَتَيَا بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الْحُكْمِ أقول: هذا الفصل من خطبة خطبها بعد ما بلغه أمر الحكمين.
اللغة
و الإجماع: تصميم العزم.
و يجعجعا: يحبسا نفسهما على القرآن
المعنى
و الخطاب لمن أنكر عليه رضاه بالتحكيم بعد الرضا به، و قد حكى فيه إجماع رأى جماعتهم على اختيار الرجلين و هما أبو موسى الأشعرى و عمرو بن العاص و أخذه عليهما أن يحبسا نفسهما على العمل بالقرآن و لا يجاوزاه، و تكون ألسنتهما و قلوبهما معه، و اطلق لفظ القلوب على الميول الإراديّة مجازا إطلاقا لاسم السبب على المسبّب كقوله تعالى «فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما» و ذلك هو شرط رضاه عليه السّلام بالتحكيم. ثمّ حكى خروجهما عمّا اشترط عليهما و تيهه ما عن الكتاب و تركهما للحقّ مع إبصارهما له، و خروجه ما عن فضيلة العدل بحسب الهوى إلى رذيلة الجور و الاعوجاج عن طريقة الحقّ. و قوله: و قد سبق استثناؤنا. إعادة لذكر سبق الشرط في الحكم بالعدل، و سوء رأيهما منصوب لأنّه مفعول سبق. و قوله: و الثقة في أيدينا لأنفسنا. أى إنّا على برهان وثقة من أمرنا، و ليس بلازم لنا حكمهما لأنّهما خالفا الشرط و آتيا بما لا يعرف من الحكم المعكوس، و قد حكينا فيما سبق طرفا من حال التحكيم و خداع عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعرى. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحهى 367