154 و من خطبة له ع
وَ نَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ- وَ يَعْرِفُ غَوْرَهُ وَ نَجْدَهُ- دَاعٍ دَعَا وَ رَاعٍ رَعَى- فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي وَ اتَّبِعُوا الرَّاعِي يقول إن قلب اللبيب له عين يبصر بها غايته- التي يجري إليها- و يعرف من أحواله المستقبلة ما كان مرتفعا أو منخفضا ساقطا- و النجد المرتفع من الأرض- و منه قولهم للعالم بالأمور طلاع أنجد- . ثم قال داع دعا موضع داع رفع لأنه مبتدأ محذوف الخبر- تقديره في الوجود داع دعا و راع رعى- و يعني بالداعي رسول الله ص و بالراعي نفسه ع: قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ- وَ أَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ- وَ أَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ وَ نَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ – نَحْنُ الشِّعَارُ وَ الْأَصْحَابُ وَ الْخَزَنَةُ وَ الْأَبْوَابُ- وَ لَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا- فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً
هذا كلام متصل بكلام لم يحكه الرضي رحمه الله- و هو ذكر قوم من أهل الضلال قد كان أخذ في ذمهم- و نعى عليهم عيوبهم- . و أرز المؤمنون أي انقبضوا- و المضارع يأرز بالكسر أرزا و أروزا- و رجل أروز أي منقبض- وفي الحديث إن الإسلام ليأرز إلى المدينة- كما تأرز الحية إلى جحرها- أي ينضم إليها و يجتمع- . ثم قال نحن الشعار و الأصحاب يشير إلى نفسه- و هو أبدا يأتي بلفظ الجمع و مراده الواحد- . و الشعار ما يلي الجسد من الثياب- فهو أقرب من سائرها إليه- و مراده الاختصاص برسول الله ص- .
و الخزنة و الأبواب- يمكن أن يعني به خزنة العلم و أبواب العلم-لقول رسول الله ص أنا مدينة العلم و علي بابها- فمن أراد الحكمة فليأت الباب- . و قوله فيه خازن علمي و قال تارة أخرى عيبة علمي- و يمكن أن يريد خزنة الجنة و أبواب الجنة- أي لا يدخل الجنة إلا من وافى بولايتنا- فقد جاء في حقه الخبر الشائع المستفيض- أنه قسيم النار و الجنة- و ذكر أبو عبيد الهروي في الجمع بين الغريبين- أن قوما من أئمة العربية فسروه فقالوا- لأنه لما كان محبه من أهل الجنة- و مبغضه من أهل النار- كأنه بهذا الاعتبار قسيم النار و الجنة- قال أبو عبيد و قال غير هؤلاء- بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة- يدخل قوما إلى الجنة و قوما إلى النار- و هذا الذي ذكره أبو عبيد أخيرا- هو ما يطابق الأخبار الواردة فيه- يقول للنار هذا لي فدعيه و هذا لك فخذيه- .
ثم ذكر أن البيوت لا تؤتى إلا من أبوابها- قال الله تعالى- وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُواالْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها- وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها- . ثم قال من أتاها من غير أبوابها سمي سارقا- و هذا حق ظاهرا و باطنا- أما الظاهر- فلأن من يتسور البيوت من غير أبوابها هو السارق- و أما الباطن فلأن من طلب العلم من غير أستاذ محقق- فلم يأته من بابه فهو أشبه شيء بالسارق
ذكر الأحاديث و الأخبار الواردة في فضائل علي
و اعلم أن أمير المؤمنين ع لو فخر بنفسه- و بالغ في تعديد مناقبه و فضائله بفصاحته- التي آتاه الله تعالى إياها و اختصه بها- و ساعده على ذلك فصحاء العرب كافة- لم يبلغوا إلى معشار ما نطق به الرسول الصادق ص في أمره- و لست أعني بذلك الأخبار العامة الشائعة- التي يحتج بها الإمامية على إمامته- كخبر الغدير و المنزلة و قصة براءة- و خبر المناجاة و قصة خيبر- و خبر الدار بمكة في ابتداء الدعوة- و نحو ذلك بل الأخبار الخاصة التي رواها فيه أئمة الحديث- التي لم يحصل أقل القليل منها لغيره- و أنا أذكر من ذلك شيئا يسيرا- مما رواه علماء الحديث الذين لا يتهمون فيه- و جلهم قائلون بتفضيل غيره عليه- فروايتهم فضائله توجب من سكون النفس- ما لا يوجبه رواية غيرهم- .
الخبر الأول يا علي إن الله قد زينك بزينة- لم يزين العباد بزينة أحب إليه منها- هي زينة الأبرار عند الله تعالى الزهد في الدنيا- جعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا- و لا ترزأ الدنيا منك شيئا و وهب لك حب المساكين- فجعلك ترضى بهم أتباعا و يرضون بك إمامارواه أبو نعيم الحافظ في كتابه المعروف ب حلية الأولياء- و زاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند فطوبى لمن أحبك و صدق فيك- و ويل لمن أبغضك و كذب فيك الخبر الثاني قال لوفد ثقيف- لتسلمن أو لأبعثن إليكم رجلا مني- أو قال عديل نفسي فليضربن أعناقكم و ليسبين ذراريكم- و ليأخذن أموالكم- قال عمر فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ- و جعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول هو هذا- فالتفت فأخذ بيد علي و قال هو هذا مرتين- .
رواه أحمد في المسند ورواه في كتاب فضائل علي ع
أنه قال لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي- يمضي فيكم أمري يقتل المقاتلة و يسبي الذرية قال أبو ذر فما راعني إلا برد كف عمر في حجزتي من خلفي- يقول من تراه يعني فقلت إنه لا يعنيك- و إنما يعني خاصف النعل و إنه قال هو هذا الخبر الثالث إن الله عهد إلي في علي عهدا- فقلت يا رب بينه لي قال اسمع- إن عليا راية الهدى و إمام أوليائي و نور من أطاعني- و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين- من أحبه فقد أحبني و من أطاعه فقد أطاعني- فبشره بذلك فقلت قد بشرته يا رب- فقال أنا عبد الله و في قبضته- فإن يعذبني فبذنوبي لم يظلم شيئا- و إن يتم لي ما وعدني فهو أولى- و قد دعوت له فقلت اللهم اجل قلبه- و اجعل ربيعه الإيمان بك- قال قد فعلت ذلك غير أني مختصه بشيء من البلاء- لم أختص به أحدا من أوليائي فقلت رب أخي و صاحبي- قال إنه سبق في علمي أنه لمبتل و مبتلى ذكره أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أبي برزة الأسلمي ثم رواه بإسناد آخر بلفظ آخر عن أنس بن مالك أن رب العالمين عهد في علي إلي عهدا- أنه راية الهدى و منار الإيمان و إمام أوليائي- و نور جميع من أطاعني- إن عليا أميني غدا في القيامة و صاحب رايتي- بيد علي مفاتيح خزائن رحمة ربيالخبر الرابع من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه- و إلى آدم في علمه و إلى إبراهيم في حلمه- و إلى موسى في فطنته و إلى عيسى في زهده- فلينظر إلى علي بن أبي طالب
رواه أحمد بن حنبل في المسند و رواه أحمد البيهقي في صحيحه
الخبر الخامس من سره أن يحيا حياتي و يموت ميتتي- و يتمسك بالقضيب من الياقوتة التي خلقها الله تعالى بيده- ثم قال لها كوني فكانت فليتمسك بولاء علي بن أبي طالبذكره أبو نعيم الحافظ في كتاب حلية الأولياء و رواه أبو عبد الله بن حنبل في المسند في كتاب فضائل علي بن أبي طالب و حكاية لفظ أحمد رضي الله عنه من أحب أن يتمسك بالقضيب الأحمر- الذي غرسه الله في جنة عدن بيمينه- فليتمسك بحب علي بن أبي طالبالخبر السادس و الذي نفسي بيده- لو لا أن تقول طوائف من أمتي فيك- ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا- لا نمر بملإ من المسلمين- إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة
ذكره أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند
الخبر السابع خرج ص على الحجيج عشية عرفة- فقال لهم إن الله قدباهى بكم الملائكة عامة و غفر لكم عامة- و باهى بعلي خاصة و غفر له خاصة- إني قائل لكم قولا غير محاب فيه لقرابتي- إن السعيد كل السعيد حق السعيد- من أحب عليا في حياته و بعد موته
رواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في كتاب فضائل علي ع و في المسند أيضا
الخبر الثامن رواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في الكتابين المذكورين أنا أول من يدعى به يوم القيامة- فأقوم عن يمين العرش في ظله ثم أكسى حلة- ثم يدعى بالنبيين بعضهم على أثر بعض- فيقومون عن يمين العرش و يكسون حللا- ثم يدعى بعلي بن أبي طالب لقرابته مني و منزلته عندي- و يدفع إليه لوائي لواء الحمد- آدم و من دونه تحت ذلك اللواء- ثم قال لعلي- فتسير به حتى تقف بيني و بين إبراهيم الخليل- ثم تكسى حلة و ينادي مناد من العرش- نعم العبد أبوك إبراهيم و نعم الأخ أخوك علي- أبشر فإنك تدعى إذا دعيت- و تكسى إذا كسيت و تحيا إذا حييت
الخبر التاسع يا أنس اسكب لي وضوءا ثم قام فصلى ركعتين- ثم قال أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين- و سيد المسلمين و يعسوب الدين- و خاتم الوصيين و قائد الغر المحجلين- قال أنس فقلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار- و كتبت دعوتي فجاء علي فقال ص- من جاء يا أنس فقلت علي- فقام إليه مستبشرا فاعتنقه- ثم جعل يمسح عرق وجهه- فقال علي يا رسول الله صلى الله عليك و آلك- لقد رأيت منك اليوم تصنع بي شيئا ما صنعته بي قبل- قال و ما يمنعني و أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي- و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي:
رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء:
الخبر العاشر ادعوا لي سيد العرب عليا- فقالت عائشة أ لست سيد العرب- فقال أنا سيد ولد آدم و علي سيد العرب- فلما جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه- فقال لهم يا معشر الأنصار- أ لا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا- قالوا بلى يا رسول الله قال هذا علي- فأحبوه بحبي و أكرموه بكرامتي- فإن جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز و جلرواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء
الخبر الحادي عشر مرحبا بسيد المؤمنين و إمام المتقين- فقيل لعلي ع كيف شكرك- فقال أحمد الله على ما آتاني- و أسأله الشكر على ما أولاني- و أن يزيدني مما أعطاني
ذكره صاحب الحلية أيضا
الخبر الثاني عشر من سره أن يحيا حياتي و يموت مماتي- و يسكن جنة عدن التي غرسها ربي- فليوال عليا من بعدي و ليوال وليه- و ليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي- خلقوا من طينتي و رزقوا فهما و علما- فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي- لا أنالهم الله شفاعتي
ذكره صاحب الحلية أيضا
الخبر الثالث عشر بعث رسول الله ص خالد بن الوليد في سرية- و بعث عليا ع في سرية أخرى و كلاهما إلى اليمن- و قال إن اجتمعتما فعلي على الناس- و إن افترقتما فكل واحد منكما على جنده- فاجتمعا و أغارا و سبيا نساء و أخذا أموالا و قتلا ناسا- و أخذ علي جارية فاختصها لنفسه- فقال خالد لأربعة من المسلمين منهم بريدة الأسلمي- اسبقوا إلى رسول الله ص فاذكروا له كذا- و اذكروا له كذا لأمور عددها على علي فسبقوا إليه- فجاء واحد من جانبه فقال إن عليا فعل كذا فأعرض عنه- فجاء الآخر من الجانب الآخر- فقال إن عليا فعل كذا فأعرض عنه- فجاء بريدة الأسلمي فقال يا رسول الله- إن عليا فعل ذلك فأخذ جارية لنفسه فغضب ص حتى احمر وجهه و قال- دعوا لي عليا يكررها إن عليا مني و أنا من علي- و إن حظه في الخمس أكثر مما أخذ- و هو ولي كل مؤمن من بعدي رواه أبو عبد الله أحمد في المسند غير مرة و رواه في كتاب فضائل علي و رواه أكثر المحدثين الخبر الرابع عشر كنت أنا و علي نورا بين يدي الله عز و جل- قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام- فلما خلق آدم قسم ذلك فيه- و جعله جزءين فجزء أنا و جزء علي
رواه أحمد في المسند و في كتاب فضائل علي ع
وذكره صاحب كتاب الفردوس و زاد فيه ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب- فكان لي النبوة و لعلي الوصيةالخبر الخامس عشر النظر إلى وجهك يا علي عبادة- أنت سيد في الدنيا و سيد في الآخرة من أحبك أحبني- و حبيبي حبيب الله و عدوك عدوي و عدوي عدو الله- الويل لمن أبغضكرواه أحمد في المسند قال و كان ابن عباس يفسره و يقول- إن من ينظر إليه يقول سبحان الله- ما أعلم هذا الفتى سبحان الله ما أشجع هذا الفتى- سبحان الله ما أفصح هذا الفتىالحديث السادس عشر لما كانت ليلة بدر قال رسول الله ص من يستقي لنا ماء- فأحجم الناس فقام علي فاحتضن قربة- ثم أتى بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها- فأوحى الله إلى جبريل و ميكائيل و إسرافيل- أن تأهبوا لنصر محمد و أخيه و حزبه فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر من يسمعه- فلما حاذوا البئر سلموا عليه من عند آخرهم إكراما له و إجلالا
رواه أحمد في كتاب فضائل علي ع
و زاد فيه في طريق أخرى عن أنس بن مالك لتؤتين يا علي يوم القيامة بناقة من نوق الجنة فتركبها- و ركبتك مع ركبتي و فخذك مع فخذي حتى تدخل الجنةالحديث السابع عشر خطب ص يوم جمعة فقال أيها الناس قدموا قريشا و لا تقدموها- و تعلموا منها و لا تعلموها- قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم- و أمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم- أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرباها- أخي و ابن عمي علي بن أبي طالب- لا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق- من أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني- و من أبغضني عذبه الله بالنار
رواه أحمد رضي الله عنه في كتاب فضائل علي ع
الحديث الثامن عشر الصديقون ثلاثة- حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى- و مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه- و علي بن أبي طالب و هو أفضلهم
رواه أحمد في كتاب فضائل علي ع
الحديث التاسع عشر أعطيت في علي خمسا هن أحب إلي من الدنيا و ما فيها- أما واحدة فهو كاب بين يدي الله عز و جل- حتى يفرغ من حساب الخلائق- و أما الثانيةفلواء الحمد بيده آدم و من ولد تحته- و أما الثالثة فواقف على عقر حوضي- يسقي من عرف من أمتي- و أما الرابعة فساتر عورتي و مسلمي إلى ربي- و أما الخامسة فإني لست أخشى عليه أن يعود كافرا بعد إيمان- و لا زانيا بعد إحصان
رواه أحمد في كتاب الفضائل
الحديث العشرون كانت لجماعة من الصحابة أبواب شارعة- في مسجد الرسول ص- فقال ع يوما- سدوا كل باب في المسجد إلا باب علي فسدت- فقال في ذلك قوم حتى بلغ رسول الله ص فقام فيهم- فقال إن قوما قالوا في سد الأبواب و تركي باب علي- إني ما سددت و لا فتحت و لكني أمرت بأمر فاتبعته
رواه أحمد في المسند مرارا و في كتاب الفضائل
الحديث الحادي و العشرون دعا ص عليا في غزاة الطائف فانتجاه- و أطال نجواه حتى كره قوم من الصحابة ذلك- فقال قائل منهم لقد أطال اليوم نجوى ابن عمه- فبلغه ع ذلك فجمع منهم قوما- ثم قال إن قائلا قال لقد أطال اليوم نجوى ابن عمه- أما إني ما انتجيته و لكن الله انتجاه
رواه أحمد رحمه الله في المسند
الحديث الثاني و العشرون أخصمك يا علي بالنبوة فلا نبوة بعدي- و تخصم الناس بسبع لا يجاحد فيها أحد من قريش- أنت أولهم إيمانا بالله و أوفاهم بعهد الله- و أقومهم بأمر الله و أقسمهم بالسوية- و أعدلهم في الرعية و أبصرهم بالقضية- و أعظمهم عند الله مزية
رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء
الخبر الثالث و العشرون قالت فاطمة إنك زوجتني فقيرا لا مال له- فقال زوجتك أقدمهم سلما و أعظمهم حلما و أكثرهم علما- أ لا تعلمين أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة- فاختار منها أباك- ثم اطلع إليها ثانية فاختار منها بعلك
رواه أحمد في المسند
الحديث الرابع و العشرون لما أنزل إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ- بعد انصرافه ع من غزاة حنين- جعل يكثر من سبحان الله أستغفر الله- ثم قال يا علي إنه قد جاء ما وعدت به جاء الفتح- و دخل الناس في دين الله أفواجا- و إنه ليس أحد أحق منك بمقامي- لقدمك في الإسلام و قربك مني و صهرك- و عندك سيدة نساء العالمين- و قبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب عندي حين نزل القرآن- فأنا حريص على أن أراعي ذلك لولده
رواه أبو إسحاق الثعلبي في تفسير القرآن
و اعلم أنا إنما ذكرنا هذه الأخبار هاهنا- لأن كثيرا من المنحرفين عنه ع إذا مروا على كلامه- في نهج البلاغة- و غيره المتضمن التحدث بنعمة الله عليه من اختصاص الرسول له ص- و تميزه إياه عن غيره ينسبونه إلى التيه و الزهو و الفخر- و لقد سبقهم بذلك قوم من الصحابة- قيل لعمر ول عليا أمر الجيش و الحرب- فقال هو أتيه من ذلك- و قال زيد بن ثابت ما رأينا أزهى من علي و أسامة- . فأردنا بإيراد هذه الأخبار هاهنا عند تفسير قوله- نحن الشعار و الأصحاب و نحن الخزنة و الأبواب- أن ننبه على عظم منزلته عند الرسول ص- و أن من قيل في حقه ما قيل- لو رقي إلى السماء و عرج في الهواء- و فخر على الملائكة و الأنبياء تعظما و تبجحا- لم يكن ملوما بل كان بذلك جديرا- فكيف و هو ع لم يسلك قط مسلك التعظم و التكبر- في شيء من أقواله و لا من أفعاله- و كان ألطف البشر خلقا و أكرمهم طبعا- و أشدهم تواضعا و أكثرهم احتمالا- و أحسنهم بشرا و أطلقهم وجها- حتى نسبه من نسبه إلى الدعابة و المزاح- و هما خلقان ينافيان التكبر و الاستطالة-
و إنما كان يذكر أحيانا ما يذكره من هذا النوع- نفثة مصدور و شكوى مكروب و تنفس مهموم- و لا يقصد به إذا ذكره إلا شكر النعمة- و تنبيه الغافل على ما خصه الله به من الفضيلة- فإن ذلك من باب الأمر بالمعروف- و الحض على اعتقاد الحق و الصواب في أمره- و النهي عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه في الفضل- فقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال- أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ- أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى- فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَمِنْهَا- فِيهِمْ كَرَائِمُ الْإِيمَانِ وَ هُمْ كُنُوزُ الرَّحْمَنِ- إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا وَ إِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا- فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَ لْيُحْضِرْ عَقْلَهُ- وَ لْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ- فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَ إِلَيْهَا يَنْقَلِبُ- فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ- يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ- فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ وَ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ- فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ- فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِإِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ- وَ الْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ- فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ قوله فيهم يرجع إلى آل محمد ص الذين عناهم بقوله- نحن الشعار و الأصحاب و هو يطلق دائما هذه الصيغ الجمعية- و يعني نفسه و في القرآن كثير من ذلك- نحو قوله تعالى- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ- إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً- وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ- . و كرائم الإيمان جمع كريمة و هي المنفسات منه قال الشاعر
ماض من العيش لو يفدى بذلت له
كرائم المال من خيل و من نعم
فإن قلت أ يكون في الإيمان كرائم و غير كرائم- قلت نعم لأن الإيمان عند أكثر أصحابنا- اسم للطاعات كلها واجبها و نفلها- فمن كانت نوافله أكثر كانت كرائم الإيمان عنده أكثر- و من قام بالواجبات فقط من غير نوافل- كان عنده الإيمان و لم يكن عنده كرائم الإيمان- . فإن قلت فعلى هذا تكون النوافل أكرم من الواجبات- . قلت هي أكرم منها باعتبار- و الواجبات أكرم منها باعتبار آخر- أما الأول فلأن صاحبها إذا كان قد قام بالواجبات- كان أعلى مرتبة في الجنة ممن اقتصر على الواجبات فقط- و أما الثاني فلأن المخل بها لا يعاقب- و المخل بالواجبات يعاقب- . قوله و هم كنوز الرحمن- لأن الكنز مال يدخر لشديدة أو ملمة تلم بالإنسان- و كذلك هؤلاء قد ذخروا- لإيضاح المشكلات الدينية على المكلفين- .
ثم قال إن نطقوا صدقوا- و إن سكتوا لم يكن سكوتهم عن عي يوجب كونهم مسبوقين- لكنهم ينطقون حكما و يصمتون حلما- . ثم أمر ع بالتقوى و العمل الصالح- و قال ليصدق رائد أهله- الرائد الذاهب من الحي يرتاد لهم المرعى- و في أمثالهم الرائد لا يكذب أهله- و المعنى أنه ع أمر الإنسان بأن يصدق نفسه- و لا يكذبها بالتسويف و التعليل قال الشاعر
أخي إذا خاصمت نفسك فاحتشد
لها و إذا حدثت نفسك فاصدق
و في المثل المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور- . فإنه منها قدم قد قيل- إن الله تعالى خلق أرواح البشر قبل أجسادهم- و الخبر في ذلك مشهور و الآية أيضا و هي قوله- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ- و يمكن أن يفسر على وجه آخر- و ذلك أن الآخرة اليوم عدم محض- و الإنسان قدم من العدم و إلى العدم ينقلب- فقد صح أنه قدم من الآخرة و يرجع إلى الآخرة- .
و روي أن العالم بالبصر أي بالبصيرة- فيكون هو و قوله فالناظر بالقلب سواء و إنما قاله تأكيدا- و على هذا الوجه لا يحتاج إلى تفسير و تأويل- فأما الرواية المشهورة فالوجه في تفسيرها أن يكون قوله- فالناظر مبتدأ و العامل صفة له- و قوله بالبصر يكون مبتدأ عمله- جملة مركبة من مبتدأ و خبر موضعها رفع- لأنها خبر المبتدأ الذي هو فالناظر- و هذه الجملة المذكورة قد دخلت عليها كان- فالجار و المجرور و هو الكلمة الأولى منها منصوبة الموضع- لأنها خبر كان- و يكون قوله فيما بعد أن يعلم منصوب الموضع- لأنه بدل من البصر الذي هو خبر يكون- و المراد بالبصر هاهنا البصيرة- فيصير تقدير الكلام فالناظر بقلبه- العامل بجوارحه يكون مبتدأ عمله بالفكر و البصيرة- بأن يعلم أ عمله له أم عليه- . و يروى كالسابل على غير طريق و السابل طالب السبيل- و قد جاء في الخبر المرفوع من عمل بغير هدى لم يزدد من الله إلا بعدا- و في كلام الحكماء العامل بغير علم كالرامي من غير وتر:
وَ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ- فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ- وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ- وَ قَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ ص- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ وَ يُبْغِضُ عَمَلَهُ- وَ يُحِبُّ الْعَمَلَ وَ يُبْغِضُ بَدَنَهُ هذا الكلام مشتق من قوله تعالى- وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ- وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً- و هو تمثيل ضربه الله تعالى- لمن ينجع فيه الوعظ و التذكير من البشر- و لمن لا يؤثر ذلك فيه- مثله بالأرض العذبة الطيبة تخرج النبت- و الأرض السبخة الخبيثة لا تنبت- و كلام أمير المؤمنين ع إلى هذا المعنى يومئ- يقول إن لكلتا حالتي الإنسان الظاهرة- أمرا باطنا يناسبها من أحواله- و الحالتان الظاهرتان ميله إلى العقل و ميله إلى الهوى- فالمتبع لمقتضى عقله يرزق السعادة و الفوز- فهذا هو الذي طابظاهره و طاب باطنه- و المتبع لمقتضى هواه و عادته و دين أسلافه- يرزق الشقاوة و العطب- و هذا هو الذي خبث ظاهره و خبث باطنه- .
فإن قلت فلم قال فما طاب و هلا قال فمن طاب- و كذلك في خبث- قلت كلامه في الأخلاق و العقائد و ما تنطوي عليه الضمائر- يقول ما طاب من هذه الأخلاق و الملكات- و هي خلق النفس الربانية المريدة للحق من حيث هو حق- سواء كان ذلك مذهب الآباء و الأجداد أو لم يكن- و سواء كان ذلك مستقبحا مستهجنا عند العامة أو لم يكن- و سواء نال به من الدنيا حظا أو لم ينل- يستطيب باطنه يعني ثمرته و هي السعادة- و هذا المعنى من مواضع ما لا من مواضع من- .
فأما الخبر المروي فإنه مذكور في كتب المحدثين- و قد فسره أصحابنا المتكلمون فقالوا- إن الله تعالى قد يحب المؤمن و محبته له إرادة إثابته- و يبغض عملا من أعماله و هو ارتكاب صغيرة من الصغائر- فإنها مكروهة عند الله- و ليست قادحة في إيمان المؤمن لأنها تقع مكفرة- و كذلك قد يبغض العبد بأن يريد عقابه- نحو أن يكون فاسقا لم يتب- و يحب عملا من أعماله- نحو أن يطيع ببعض الطاعات و حبه لتلك الطاعة- هي إرادته تعالى أن يسقط عنه بها- بعض ما يستحقه من العقاب المتقدم:
وَ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً- وَ كُلُّ نَبَاتٍ لَا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ- وَ الْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وَ حَلَتْ ثَمَرَتُهُ- وَ مَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَ أَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ السقي مصدر سقيت و السقي بالكسر النصيب من الماء- . و أمر الشيء أي صار مرا- . و هذا الكلام مثل في الإخلاص و ضده- و هو الرياء و حب السمعة- فكل عمل يكون مدده الإخلاص لوجهه تعالى لا غير- فإنه زاك حلو الجنى- و كل عمل يكون الرياء و حب الشهرة مدده فليس بزاك و تكون ثمرته مرة المذاق
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 9