خطبه 167 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

167 و من خطبة له ع

لِيَتَأَسَّ صَغِيرُكُمْ بِكَبِيرِكُمْ- وَ لْيَرْأَفْ كَبِيرُكُمْ بِصَغِيرِكُمْ- وَ لَا تَكُونُوا كَجُفَاةِ الْجَاهِلِيَّةِ- لَا فِي الدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ وَ لَا عَنِ اللَّهِ يَعْقِلُونَ- كَقَيْضِ بَيْضٍ فِي أَدَاحٍ- يَكُونُ كَسْرُهَا وِزْراً وَ يُخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً أمرهم ع أن يتأسى الصغير منهم بالكبير- في أخلاقه و آدابه- فإن الكبير لكثرة التجربة أحزم و أكيس- و أن يرأف الكبير بالصغير- و الرأفة الرحمة لأن الصغير مظنة الضعف و الرقة- .

ثم نهاهم عن خلق الجاهلية في الجفاء و القسوة- و قال إنهم لا يتفقهون في دين- و لا يعقلون عن الله ما يأمرهم به- و هذا من قول الله سبحانه- صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ- و روي تتفقهون بتاء الخطاب- . ثم شبههم ببيض الأفاعي في الأعشاش- يظن بيض القطا فلا يحل لمن رآه أن يكسره- لأنه يظنه بيض القطا- و حضانه يخرج شرا لأنه يفقص عن أفعى- .

و استعار لفظة الأداحي للأعشاش مجازا- لأن الأداحي لا تكون إلا للنعام- تدحوها بأرجلها و تبيض فيها- و دحوها توسيعها من دحوت الأرض- . و القيض الكسر و الفلق قضت القارورة و البيضة- و انقاضت هي و انقاض الجدار انقياضا- أي تصدع من غير أن يسقط- فإن سقط قيل تقيض تقيضا و تقوض تقوضا و قوضته أنا- و تقول للبيضة إذا تكسرت فلقا تقيضت تقيضا- فإن تصدعت و لم تنفلق- قلت انقاضت فهي منقاضة و القارورة مثله: مِنْهَا- افْتَرَقُوا بَعْدَ أُلْفَتِهِمْ وَ تَشَتَّتُوا عَنْ أَصْلِهِمْ- فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ مَالَ مَعَهُ- عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ- كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ- يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ- ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَاباً- يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ- حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَيْهِ قَارَةٌ- وَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ- وَ لَمْ يَرُدَّ سُنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ وَ لَا حِدَابُ أَرْضٍ- يُذَعْذِعُهُمُ اللَّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِهِ-

ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ- يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ- وَ يُمَكِّنُ لِقَوْمٍ فِي دِيَارِ قَوْمٍ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَ التَّمْكِينِ- كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ- أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ- وَ لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ- لَمْ‏ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ- وَ لَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ- لَكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ- وَ لَعَمْرِي لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ التِّيْهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً- بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ- وَ قَطَعْتُمُ الْأَدْنَى وَ وَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ- وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ- سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ وَ كُفِيتُمْ مَئُونَةَ الِاعْتِسَافِ- وَ نَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ هو ع يذكر حال أصحابه و شيعته بعده- فيقول افترقوا بعد ألفتهم أي بعد اجتماعهم- .

و تشتتوا عن أصلهم أي عني بعد مفارقتي فمنهم آخذ بغصن- أي يكون منهم من يتمسك بمن أخلفه بعدي من ذرية الرسول- أينما سلكوا سلكوا معهم- و تقدير الكلام و منهم من لا يكون هذه حاله لكنه لم يذكره ع- اكتفاء بذكر القسم الأول لأنه دال على القسم الثاني- . ثم قال على أن هؤلاء القوم- من ثبت منهم على عقيدته فينا و من لم يثبت- لا بد أن يجمعهم الله تعالى لشر يوم لبني أمية و كذا كان- فإن الشيعة الهاشمية اجتمعت على إزالة ملك بني مروان- من كان منهم ثابتا على ولاء علي بن أبي طالب ع- و من حاد منهم عن ذلك- و ذلك في أواخر أيام مروان الحمار- عند ظهور الدعوة الهاشمية- .

و قزع الخريف جمع قزعة- و هي سحب صغار تجتمع فتصير ركاما- و هو ما كثف‏من السحاب- و ركمت الشي‏ء أركمه إذا جمعته و ألقيت بعضه على بعض- . و مستثارهم موضع ثورتهم- . و الجنتان هما اللتان قال الله تعالى فيهما- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ- و سلط الله عليهما السيل- قال الله تعالى فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ- فشبه ع سيلان الجيوش إلى بني أمية- بالسيل المسلط على تينك الجنتين- . فإنه لم تسلم عليه قارة و هي الجبيل الصغير و لم تثبت له أكمة و هي التلعة من الأرض- . و لم يرد سننه أي طريقه- طود مرصوص أي جبل شديد التصاق الأجزاء بعضها ببعض- و لا حداب أرض جمع حدبة و هي الروابي و النجاد- .

ثم قال يذعذعهم الله الذعذعة بالذال المعجمة مرتين- التفريق و ذعذعة الشر إذاعته- . ثم يسلكهم ينابيع في الأرض من ألفاظ القرآن- و المراد أنه كما أن الله تعالى ينزل من السماء ماء- فيستكن في أعماق الأرض- ثم يظهر منها ينابيع إلى ظاهرها كذلك هؤلاء القوم- يفرقهم الله تعالى في بطون الأودية و غوامض الأغوار- ثم‏يظهرهم بعد الاختفاء- فيأخذ بهم من قوم حقوق آخرين- و يمكن منهم قوما من ملك قوم و ديارهم- . ثم أقسم ليذوبن ما في أيدي بني أمية- بعد علوهم و تمكينهم كما تذوب الألية على النار- و همزة الألية مفتوحة و جمعها أليات بالتحريك- و التثنية أليان بغير تاء- قال الراجز

ترتج ألياه ارتجاج الوطب‏

و جمع الألية ألاء على فعال- و كبش آلى على أفعل و نعجة ألياء- و الجمع ألي على فعل- و يقال أيضا كبش أليان بالتحريك و كباش أليانات- و رجل أليأ أي عظيم الألية- و امرأة عجزاء و لا تقل ألياء و قد قاله بعضهم- و قد ألي الرجل بالكسر يألى عظمت أليته- . ثم قال لو لا تخاذلكم لم يطمع فيكم من هو دونكم- . و تهنوا مضارع وهن أي ضعف- و هو من ألفاظ القرآن أيضا- . و تهتم متاه بني إسرائيل حرتم و ضللتم الطريق- و

قد جاء في المسانيد الصحيحة أن رسول الله ص قال لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل- و القذة بالقذة- حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه- فقيل يا رسول الله اليهود و النصارى قال فمن إذاو
من الأخبار الصحيحة أيضا أ متهوكون أنتم كما تهوكت اليهود و النصارىو
في صحيحي البخاري و مسلم رحمهما الله أنه سيجاء يوم القيامة بأناس من أمتي-فيؤخذ بهم ذات الشمال فإذا رأيتهم اختلجوا دوني- قلت أي رب أصحابي فيقال لي إنك لا تدري ما عملوا بعدك- فأقول ما قال العبد الصالح- وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ- فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ- وَ أَنْتَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ

الإسناد في هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه وفي الصحيحين أيضا عن زينب بنت جحش قالت استيقظ رسول الله ص يوما من نومه محمرا وجهه- و هو يقول لا إله إلا الله- ويل للعرب من شر قد اقترب- فقلت يا رسول الله أ نهلك و فينا الصالحون- فقال نعم إذا كثر الخبث و في الصحيحين أيضا يهلك أمتي هذا الحي من قريش- قالوا يا رسول الله فما تأمرنا- قال لو أن الناس اعتزلوهم

رواه أبو هريرة عنه ص- .ثم قال ع ليضعفن لكم التيه من بعدييعني الضلال- يضعفه لكم الشيطان- و أنفسكم بما خلفتم الحق وراء ظهوركم- أي لأجل ترككم الحق- و قطعكم الأدنى يعني نفسه- و وصلكم الأبعد يعني معاوية- و يروى إن اتبعتم الراعي لكم بالراء- . و الاعتساف سلوك غير الطريق- و الفادح الثقل فدحه الدين أثقله

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 9

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.