101 و من خطبة له ع تجري هذا المجرى- :
وَ ذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَ الآْخِرِينَ- لِنِقَاشِ الْحِسَابِ وَ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ- خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ- وَ رَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ- فَأَحْسَنُهُمُ حَالًا مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً- وَ لِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً هذا شرح حال يوم القيامة- و النقاش مصدر ناقش أي استقصى في الحساب-
و في الحديث من نوقش الحساب عذب- . و ألجمهم العرق سال منهم- حتى بلغ إلى موضع اللجام من الدابة و هو الفم- . و رجفت بهم تحركت و اضطربت- رجف يرجف بالضم و الرجفة الزلزلة- و الرجاف من أسماء البحر- سمي بذلك لاضطرابه- .
ثم وصف الزحام الشديد الذي يكون هناك- فقال أحسن الناس حالا هناك- من وجد لقدميه موضعا- و من وجد مكانا يسعه: وَ مِنْهَا فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ- لَا تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ وَ لَا تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ- تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً- يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا وَ يَجْهَدُهَا رَاكِبُهَا- أَهْلُهَا قَوْمٌ شَدِيدٌ كَلَبُهُمْ- قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ- يُجَاهِدُهُمْ فِي اللَّهِ قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِينَ- فِي الْأَرْضِ مَجْهُولُونَ- وَ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ- فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذَلِكِ- مِنْ جَيْشٍ مِنْ نِقَمِ اللَّهِ- لَا رَهَجَ لَهُ وَ لَا حِسَّ- وَ سَيُبْتَلَى أَهْلُكِ بِالْمَوْتِ الْأَحْمَرِ- وَ الْجُوعِ الْأَغْبَرِ قطع الليل جمع قطع و هو الظلمة- قال تعالى فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ- .
قوله لا تقوم لها قائمة- أي لا تنهض بحربها فئة ناهضة- أو لا تقوم لتلك الفتن قائمة من قوائم الخيل- يعني لا سبيل إلى قتال أهلها- و لا يقوم لها قلعة قائمة أو بنية قائمة بل تنهدم- . قوله و لا يرد لها راية أي لا تنهزم و لا تفر- لأنها إذا فرت فقد ردت على أعقابها- . قوله مزمومة مرحولة- أي تامة الأدوات كاملة الآلات- كالناقة التي عليها رحلها و زمامها قد استعدت لأن تركب- . يحفزها يدفعها- و يجهدها يحمل عليها في السير فوق طاقتها- جهدت دابتي بالفتح و يجوز أجهدت- و المراد أن أرباب تلك الفتن يجتهدون- و يجدون في إضرام نارها رجلا و فرسانا- فالرجل كنى عنهم بالقائد- و الفرسان كنى عنهم بالراكب- . و الكلب الشدة من البرد و غيره- و مثله الكلبة و قد كلب الشتاء- و كلب القحط و كلب العدو و الكلب أيضا الشر- دفعت عنك كلب فلان أي شره و أذاه- .و قوله قليل سلبهم- أي همهم القتل لا السلب- كما قال أبو تمام-
إن الأسود أسود الغاب همتها
يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
ثم ذكر ع- أن هؤلاء أرباب الفتن يجاهدهم قوم أذلة- كما قال الله تعالى- أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ- و ذلك من صفات المؤمنين- . ثم قال هم مجهولون عند أهل الأرض- لخمولهم قبل هذا الجهاد- و لكنهم معروفون عند أهل السماء- و هذا إنذار بملحمة تجري في آخر الزمان- و قد أخبر النبي ص بنحو ذلك- و قد فسر هذا الفصل قوم- و قالوا إنه أشار به إلى الملائكة- لأنهم مجهولون في الأرض معروفون في السماء- و اعتذروا عن لفظة قوم- فقالوا يجوز أن يقال في الملائكة قوم- كما قيل في الجن قوم- قال سبحانه- فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ- إلا أن لفظ أذلة عند المتكبرين يبعد هذا التفسير- .
ثم أخبر بهلاك البصرة بجيش من نقم الله- لا رهج له و لا حس الرهج الغبار- و كنى بهذا الجيش عن جدب و طاعون- يصيب أهلها حتى يبيدهم- و الموت الأحمر كناية عن الوباء و الجوع- . الأغبر كناية عن المحل- و سمي الموت الأحمر لشدته- و منهالحديث كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله- و وصف الجوع بأنه أغبر- لأن الجائع يرى الآفاق كأن عليها غبرة و ظلاما- و فسر قوم هذا الكلام بوقعة صاحب الزنج- و هو بعيد لأن جيشه كان ذا حس و رهج- و لأنه أنذر البصرة بهذا الجيش- عند حدوث تلك الفتن- أ لا تراه قال فويل لك يا بصرة عند ذلك- و لم يكن قبل خروج صاحب الزنج فتن شديدة- على الصفات التي ذكرها أمير المؤمنين ع
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 7