google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
40 نامه ها شرح ابن ابی الحدیدنامه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

نامه 44 شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

44 و من كتاب له ع إلى زياد بن أبيه

و قد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه- : وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ-  يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَ يَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ-  فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ-  يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ-  وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ-  لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ وَ يَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ-  وَ قَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ-  مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ-  وَ نَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ-  لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ-  وَ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ وَ النَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ-  فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ قَالَ-  شَهِدَ بِهَا وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ-  وَ لَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِهِ حَتَّى ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ

قال الرضي رحمه الله تعالى-  قوله ع الواغل-  هو الذي يهجم على الشرب-  ليشرب معهم و ليس منهم-  فلا يزال مدفعا محاجزا-  و النوط المذبذب هو ما يناط برحل الراكب-  من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك-  فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره و استعجل سيره‏ يستزل لبك يطلب زلله و خطأه-  أي يحاول أن تزل-  و اللب العقل-  و يستفل غربك يحاول أن يفل حدك أي عزمك-  و هذا من باب المجاز-  ثم أمره أن يحذره و قال إنه يعني معاوية-  كالشيطان يأتي المرء من كذا و من كذا-  و هو مأخوذ من قول الله تعالى-  ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ-  وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ-  قالوا في تفسيره من بين أيديهم-  يطمعهم في العفو و يغريهم بالعصيان-  و من خلفهم يذكرهم مخلفيهم و يحسن لهم جمع المال و تركه لهم-  و عن أيمانهم يحبب إليهم الرئاسة و الثناء-  و عن شمائلهم يحبب إليهم اللهو و اللذات- .

و قال شقيق البلخي-  ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربعة مراصد-  من بين يدي و من خلفي و عن يميني و عن شمالي-  أما من بين يدي فيقول-  لا تخف فإن الله غفور رحيم-  فأقرأ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ-  وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏-  و أما من خلفي فيخوفني الضيعة على مخلفي-  فأقرأ وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها-  و أما من قبل يميني فيأتيني من جهة الثناء-  فأقرأ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ-  و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات-  فأقرأ وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ- . فإن قلت لم لم يقل و من فوقهم و من تحتهم-

  قلت لأن جهة فوق جهة نزول الرحمة-  و مستقر الملائكة و مكان العرش-  و الأنوار الشريفة و لا سبيل له إليها-  و أما من جهة تحت فلأن الإتيان منها يوحش-  و ينفر عنه لأنها الجهة المعروفة بالشياطين-  فعدل عنها إلى ما هو أدعى إلى قبول وساوسه و أضاليله- . و قد فسر قوم المعنى الأول فقالوا-  مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من جهة الدنيا-  و مِنْ خَلْفِهِمْ من جهة الآخرة-  و عَنْ أَيْمانِهِمْ الحسنات-  و عَنْ شَمائِلِهِمْ أي يحثهم على طلب الدنيا-  و يؤيسهم من الآخرة و يثبطهم عن الحسنات-  و يغريهم بالسيئات- .

قوله ليقتحم غفلته أي ليلج و يهجم عليه و هو غافل-  جعل اقتحامه إياه-  اقتحاما للغرة نفسها لما كانت غالبة عليه- . و يستلب غرته ليس المعنى باستلابه الغرة-  أن يرفعها و يأخذها لأنه لو كان كذلك-  لصار ذلك الغافل المغتر فاقدا للغفلة و الغرة-  و كان لبيبا فطنا فلا يبقى له سبيل عليه-  و إنما المعنى بقوله و يستلب غرته-  ما يعنيه الناس بقولهم أخذ فلان غفلتي و فعل كذا- . و معنى أخذها هنا أخذ ما يستدل به على غفلتي- . و فلتة أمر وقع من غير تثبت و لا روية- . و نزغة كلمة فاسدة من نزغات الشيطان-  أي من حركاته القبيحة التي يستفسد بها مكلفين-  و لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها إرث-  لأن المقر بالزناء لا يلحقه النسب-  و لا يرثه المولود لقوله ص الولد للفراش و للعاهر الحجر

نسب زياد بن أبيه و ذكر بعض أخباره و كتبه و خطبه

فأما زياد فهو زياد بن عبيد و من الناس من يقول-  عبيد بن فلان و ينسبه إلى‏ثقيف-  و الأكثرون يقولون إن عبيدا كان عبدا-  و إنه بقي إلى أيام زياد فابتاعه و أعتقه-  و سنذكر ما ورد في ذلك و نسبة زياد لغير أبيه لخمول أبيه-  و الدعوة التي استلحق بها-  فقيل تارة زياد بن سمية و هي أمه-  و كانت أمة للحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثقفي-  طبيب العرب و كانت تحت عبيد- . و قيل تارة زياد بن أبيه و قيل تارة زياد بن أمه-  و لما استلحق قال له أكثر الناس-  زياد بن أبي سفيان-  لأن الناس مع الملوك الذين هم مظنة الرهبة و الرغبة-  و ليس أتباع الدين بالنسبة إلى أتباع الملوك-  إلا كالقطرة في البحر المحيط-  فأما ما كان يدعى به قبل الاستلحاق فزياد بن عبيد-  و لا يشك في ذلك أحد- . و روى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب-  عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه-  عن أبي صالح عن ابن عباس-  أن عمر بعث زيادا في إصلاح فساد واقع باليمن-  فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبة لم يسمع مثلها-  و أبو سفيان حاضر و علي ع و عمرو بن العاص-  فقال عمرو بن العاص لله أبو هذا الغلام-  لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه-  فقال أبو سفيان إنه لقرشي-  و إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه-  فقال علي ع و من هو قال أنا-  فقال مهلا يا أبا سفيان فقال أبو سفيان- 

أما و الله لو لا خوف شخص
يراني يا علي من الأعادي‏

لأظهر أمره صخر بن حرب‏
و لم يخف المقالة في زياد

و قد طالت مجاملتي ثقيفا
و تركي فيهم ثمر الفؤاد

عنى بقوله لو لا خوف شخص عمر بن الخطاب‏

 

و روى أحمد بن يحيى البلاذري قال-  تكلم زياد و هو غلام حدث-  بحضرة عمر كلاما أعجب الحاضرين-  فقال عمرو بن العاص لله أبوه-  لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه-  فقال أبو سفيان أما و الله إنه لقرشي-  و لو عرفته لعرفت أنه خير من أهلك-  فقال و من أبوه قال أنا و الله وضعته في رحم أمه-  فقال فهلا تستلحقه-  قال أخاف هذا العير الجالس-  أن يخرق علي إهابي- . و روى محمد بن عمر الواقدي قال قال أبو سفيان-  و هو جالس عند عمر و علي هناك-  و قد تكلم زياد فأحسن-  أبت المناقب إلا أن تظهر في شمائل زياد-  فقال علي ع من أي بني عبد مناف هو قال ابني-  قال كيف قال أتيت أمه في الجاهلية سفاحا-  فقال علي ع مه يا أبا سفيان-  فإن عمر إلى المساءة سريع-  قال فعرف زياد ما دار بينهما فكانت في نفسه- . و روى علي بن محمد المدائني قال لما كان زمن علي ع-  ولى زيادا فارس أو بعض أعمال فارس-  فضبطها ضبطا صالحا و جبى خراجها و حماها-  و عرف ذلك معاوية فكتب إليه-  أما بعد فإنه غرتك قلاع تأوي إليها ليلا-  كما تأوي الطير إلى وكرها-  و ايم الله لو لا انتظاري بك ما الله أعلم به-  لكان لك مني ما قاله العبد الصالح-  فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها-  وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ-  و كتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته- 

تنسى أباك و قد شالت نعامته
إذ يخطب الناس و الوالي لهم عمر

 فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس و قال-  العجب من ابن آكلة الأكباد و رأس النفاق-  يهددني و بيني و بينه ابن عم رسول الله ص-  و زوج سيدة نساء العالمين و أبو السبطين-  و صاحب الولاية و المنزلة و الإخاء في مائة ألف-من المهاجرين و الأنصار و التابعين لهم بإحسان-  أما و الله لو تخطى هؤلاء أجمعين إلي-  لوجدني أحمر مخشا ضرابا بالسيف-  ثم كتب إلى علي ع و بعث بكتاب معاوية في كتابه- .

 فكتب إليه علي ع و بعث بكتابه أما بعد فإني قد وليتك ما وليتك-  و أنا أراك لذلك أهلا-  و إنه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيام عمر-  من أماني التيه و كذب النفس-  لم تستوجب بها ميراثا و لم تستحق بها نسبا-  و إن معاوية كالشيطان الرجيم-  يأتي المرء من بين يديه و من خلفه-  و عن يمينه و عن شماله-  فاحذره ثم احذره ثم احذره و السلام

و روى أبو جعفر محمد بن حبيب قال-  كان علي ع قد ولى زيادا قطعة من أعمال فارس-  و اصطنعه لنفسه-  فلما قتل علي ع بقي زياد في عمله-  و خاف معاوية جانبه و علم صعوبة ناحيته-  و أشفق من ممالأته الحسن بن علي ع فكتب إليه-  من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان-  إلى زياد بن عبيد أما بعد-  فإنك عبد قد كفرت النعمة و استدعيت النقمة-  و لقد كان الشكر أولى بك من الكفر-  و إن الشجرة لتضرب بعرقها و تتفرع من أصلها-  إنك لا أم لك بل لا أب لك قد هلكت و أهلكت-  و ظننت أنك تخرج من قبضتي-  و لا ينالك سلطاني هيهات-  ما كل ذي لب يصيب رأيه-  و لا كل ذي رأي ينصح في مشورته-  أمس عبد و اليوم أمير-  خطة ما ارتقاها مثلك يا ابن سمية-  و إذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة و البيعة-  و أسرع الإجابة-  فإنك أن تفعل فدمك حقنت-  و نفسك تداركت و إلا اختطفتك‏ بأضعف ريش-  و نلتك بأهون سعي-  و أقسم قسما مبرورا إلا أوتى بك إلا في زمارة-  تمشي حافيا من أرض فارس إلى الشام-  حتى أقيمك في السوق و أبيعك عبدا-  و أردك إلى حيث كنت فيه و خرجت منه و السلام- .

فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا-  و جمع الناس و صعد المنبر فحمد الله ثم قال-  ابن آكلة الأكباد و قاتلة أسد الله-  و مظهر الخلاف و مسر النفاق و رئيس الأحزاب-  و من أنفق ماله في إطفاء نور الله-  كتب إلي يرعد و يبرق عن سحابة جفل لا ماء فيها-  و عما قليل تصيرها الرياح قزعا-  و الذي يدلني على ضعفه تهدده قبل القدرة-  أ فمن إشفاق علي تنذر و تعذر كلا-  و لكن ذهب إلى غير مذهب-  و قعقع لمن ربي بين صواعق تهامة-  كيف أرهبه و بيني و بينه ابن بنت رسول الله ص-  و ابن ابن عمه في مائة ألف من المهاجرين و الأنصار-  و الله لو أذن لي فيه أو ندبني إليه-  لأريته الكواكب نهارا و لأسعطته ماء الخردل-  دونه الكلام اليوم و الجمع غدا-  و المشورة بعد ذلك إن شاء الله ثم نزل- .

و كتب إلى معاوية أما بعد فقد وصل إلي كتابك يا معاوية-  و فهمت ما فيه-  فوجدتك كالغريق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب-  و يتعلق بأرجل الضفادع طمعا في الحياة-  إنما يكفر النعم-  و يستدعي النقم من حاد الله و رسوله-  و سعى في الأرض فسادا-  فأما سبك لي فلو لا حلم ينهاني عنك-  و خوفي أن أدعى سفيها-  لأثرت لك مخازي لا يغسلها الماء-  و أما تعييرك لي بسمية-  فإن كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة-  و أما زعمك أنك تختطفني بأضعف ريش-  و تتناولني بأهون سعي-  فهل رأيت بازيا يفزعه صغير القنابر-  أم هل سمعت بذئب أكله خروف-  فامض الآن لطيتك و اجتهد جهدك-  فلست أنزل إلا بحيث تكره-  و لا أجتهد إلا فيما يسوؤك-  و ستعلم أينا الخاضع لصاحبه الطالع إليه و السلام- .

فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه و أحزنه-  و بعث إلى المغيرة بن شعبة فخلا به و قال-  يا مغيرة إني أريد مشاورتك في أمر أهمني-  فانصحني فيه و أشر علي برأي المجتهد-  و كن لي أكن لك فقد خصصتك بسري-  و آثرتك على ولدي-  قال المغيرة فما ذاك-  و الله لتجدني في طاعتك أمضى من الماء إلى الحدور-  و من ذي الرونق في كف البطل الشجاع-  قال يا مغيرة إن زيادا قد أقام بفارس-  يكش لنا كشيش الأفاعي-  و هو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة-  جوال الفكر مصيب إذا رمى-  و قد خفت منه الآن ما كنت آمنه-  إذ كان صاحبه حيا و أخشى ممالأته حسنا-  فكيف السبيل إليه و ما الحيلة في إصلاح رأيه-  قال المغيرة أنا له إن لم أمت-  إن زيادا رجل يحب الشرف و الذكر و صعود المنابر-  فلو لاطفته المسألة و ألنت له الكتاب-  لكان لك أميل و بك أوثق-  فاكتب إليه و أنا الرسول-  فكتب معاوية إليه-  من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان-  إلى زياد بن أبي سفيان-  أما بعد فإن المرء ربما طرحه الهوى في مطارح العطب-  و إنك للمرء المضروب به المثل-  قاطع الرحم و واصل العدو-  و حملك سوء ظنك بي و بغضك لي-  على أن عققت قرابتي و قطعت رحمي-  و بتت نسبي و حرمتي حتى كأنك لست أخي-  و ليس صخر بن حرب أباك و أبي-  و شتان ما بيني و بينك-  أطلب بدم ابن أبي العاص و أنت تقاتلني-  و لكن أدركك عرق الرخاوة من قبل النساء-  فكنت‏

 

 كتاركة بيضها بالعراء
و ملحفة بيض أخرى جناحا

و قد رأيت أن أعطف عليك-  و لا أؤاخذك بسوء سعيك و أن أصل رحمك-  و أبتغي الثواب في أمرك-  فاعلم أبا المغيرة إنك لو خضت البحر في طاعة القوم-  فتضرب بالسيف حتى انقطع متنه-  لما ازددت منهم إلا بعدا-  فإن بني عبد شمس أبغض إلى بني هاشم-  من الشفرة إلى الثور الصريع و قد أوثق للذبح-  فارجع رحمك الله إلى أصلك و اتصل بقومك-  و لا تكن كالموصول بريش غيره-  فقد أصبحت ضال النسب-  و لعمري ما فعل بك ذلك إلا اللجاج فدعه عنك-  فقد أصبحت على بينة من أمرك-  و وضوح من حجتك-  فإن أحببت جانبي و وثقت بي فأمره بأمره-  و إن كرهت جانبي و لم تثق بقولي-  ففعل جميل لا علي و لا لي و السلام- . فرحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس-  فلما رآه زياد قربه و أدناه و لطف به-  فدفع إليه الكتاب فجعل يتأمله و يضحك-  فلما فرغ من قراءته وضعه تحت قدمه-  ثم قال حسبك يا مغيرة-  فإني أطلع على ما في ضميرك-  و قد قدمت من سفرة بعيدة-  فقم و أرح ركابك- 

قال أجل فدع عنك اللجاج يرحمك الله-  و ارجع إلى قومك و صل أخاك-  و انظر لنفسك و لا تقطع رحمك-  قال زياد إني رجل صاحب أناة-  و لي في أمري روية فلا تعجل علي-  و لا تبدأني بشي‏ء حتى أبدأك-  ثم جمع الناس بعد يومين أو ثلاثة-  فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه-  ثم قال أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم-  و ارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم-  فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان-  و فكرت فيهم فوجدتهم كالأضاحي-  في كل عيد يذبحون و لقد أفنى هذان اليومان-  يوم الجمل و صفين ما ينيف على مائة ألف-  كلهم يزعم أنه طالب حق و تابع إمام-  و على بصيرة من أمره-  فإن كان الأمر هكذا فالقاتل و المقتول في الجنة-  كلاليس كذلك-  و لكن أشكل الأمر و التبس على القوم-  و إني لخائف أن يرجع الأمر كما بدأ-  فكيف لامرئ بسلامة دينه-  و قد نظرت في أمر الناس فوجدت أحد العاقبتين العافية-  و سأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته و مغبته-  فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله ثم نزل و كتب جواب الكتاب-  أما بعد فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن شعبة-  و فهمت ما فيه-  فالحمد لله الذي عرفك الحق و ردك إلى الصلة-  و لست ممن يجهل معروفا و لا يغفل حسبا-  و لو أردت أن أجيبك بما أوجبته الحجة-  و احتمله الجواب لطال الكتاب و كثر الخطاب-  و لكنك إن كنت كتبت كتابك هذا-  عن عقد صحيح و نية حسنة-  و أردت بذلك برا فستزرع في قلبي مودة و قبولا-  و إن كنت إنما أردت مكيدة و مكرا و فساد نية-  فإن النفس تأبى ما فيه العطب-  و لقد قمت يوم قرأت كتابك مقاما يعبأ به الخطيب المدره-  فتركت من حضر لا أهل ورد و لا صدر-  كالمتحيرين بمهمة ضل بهم الدليل-  و أنا على أمثال ذلك قدير-  و كتب في أسفل الكتاب- 

إذا معشري لم ينصفوني وجدتني
أدافع عني الضيم ما دمت باقيا

و كم معشر أعيت قناتي عليهم‏
فلاموا و ألفوني لدى العزم ماضيا

و هم به ضاقت صدور فرجته
و كنت بطبي للرجال مداويا

أدافع بالحلم الجهول مكيدة
و أخفى له تحت العضاه الدواهيا

فإن تدن مني أدن منك و إن تبن
تجدني إذا لم تدن مني نائيا

 فأعطاه معاوية جميع ما سأله-  و كتب إليه بخط يده ما وثق به-  فدخل إليه الشام فقربه و أدناه-  و أقره على ولايته ثم استعمله على العراق- .

 

و روى علي بن محمد المدائني قال-  لما أراد معاوية استلحاق زياد و قد قدم عليه الشام-  جمع الناس و صعد المنبر-  و أصعد زيادا معه فأجلسه بين يديه على المرقاة-  التي تحت مرقاته-  و حمد الله و أثنى عليه ثم قال-  أيها الناس-  إني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد-  فمن كان عنده شهادة فليقم بها-  فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبي سفيان-  و أنهم سمعوا ما أقر به قبل موته-  فقام أبو مريم السلولي و كان خمارا في الجاهلية-  فقال أشهد يا أمير المؤمنين-  أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف-  فأتاني فاشتريت له لحما و خمرا و طعاما-  فلما أكل قال يا أبا مريم أصب لي بغيا-  فخرجت فأتيت بسمية فقلت لها-  إن أبا سفيان ممن قد عرفت شرفه و جوده-  و قد أمرني أن أصيب له بغيا فهل لك-  فقالت نعم يجي‏ء الآن عبيد بغنمه و كان راعيا-  فإذا تعشى و وضع رأسه أتيته-  فرجعت إلى أبي سفيان فأعلمته-  فلم نلبث أن جاءت تجر ذيلها-  فدخلت معه فلم تزل عنده حتى أصبحت-  فقلت له لما انصرفت كيف رأيت صاحبتك-  قال خير صاحبة لو لا ذفر في إبطيها- .

فقال زياد من فوق المنبر يا أبا مريم-  لا تشتم أمهات الرجال فتشتم أمك- . فلما انقضى كلام معاوية و مناشدته قام زياد-  و أنصت الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال-  أيها الناس إن معاوية و الشهود قد قالوا ما سمعتم-  و لست أدري حق هذا من باطله-  و هو و الشهود أعلم بما قالوا-  و إنما عبيد أب مبرور و وال مشكور-  ثم نزل- . و روى شيخنا أبو عثمان أن زيادا مر-  و هو والي البصرة بأبي العريان العدوي-  و كان شيخا مكفوفا ذا لسن و عارضة شديدة-  فقال أبو العريان ما هذه الجلبة-  قالوا زياد بن أبي سفيان-  قال و الله ما ترك أبو سفيان-  إلا يزيد و معاوية و عتبة و عنبسة و حنظلة و محمدا-  فمن أين جاء زياد-  فبلغ الكلام زيادا و قال له قائل-  لو سددت‏عنك فم هذا الكلب-  فأرسل إليه بمائتي دينار فقال له رسول زياد-  إن ابن عمك زيادا الأمير-  قد أرسل إليك مائتي دينار لتنفقها-  فقال وصلته رحم إي و الله ابن عمي حقا-  ثم مر به زياد من الغد في موكبه-  فوقف عليه فسلم و بكى أبو العريان-  فقيل له ما يبكيك-  قال عرفت صوت أبي سفيان في صوت زياد-  فبلغ ذلك معاوية فكتب إلى أبي العريان- 

ما ألبثتك الدنانير التي بعثت
أن لونتك أبا العريان ألوانا

أمسى إليك زياد في أرومته‏
نكرا فأصبح ما أنكرت عرفانا

لله در زياد لو تعجلها
كانت له دون ما يخشاه قربانا

فلما قرئ كتاب معاوية على أبي العريان قال- اكتب جوابه يا غلام-

أحدث لنا صلة تحيا النفوس بها
قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا

أما زياد فقد صحت مناسبه‏
عندي فلا أبتغي في الحق بهتانا

من يسد خيرا يصبه حين يفعله
أو يسد شرا يصبه حيثما كانا

و روى أبو عثمان أيضا قال-  كتب زياد إلى معاوية ليستأذنه في الحج-  فكتب إليه إني قد أذنت لك و استعملتك على الموسم-  و أجزتك بألف ألف درهم-  فبينا هو يتجهز إذ بلغ ذلك أبا بكرة أخاه-  و كان مصارما له-  منذ لجلج في الشهادة على المغيرة بن شعبة-  أيام عمر-  لا يكلمه قد لزمته أيمان عظيمة ألا يكلمه أبدا-  فأقبل أبو بكرة يدخل القصر يريد زيادا-  فبصر به الحاجب فأسرع إلى زياد قائلا-  أيها الأمير هذا أخوك أبو بكرة قد دخل القصر-  قال ويحك أنت رأيته-  قال ها هو ذا قد طلع-  و في حجر زياد بني يلاعبه-  و جاء أبو بكرة حتى وقف عليه-  فقال للغلام كيف أنت يا غلام-  إن أباك ركب في الإسلام عظيما-  زنى أمه و انتفى من أبيه-  و لا و الله ما علمت سمية رأت‏ أبا سفيان قط-  ثم أبوك يريد أن يركب ما هو أعظم من ذلك-  يوافي الموسم غدا-  و يوافي أم حبيبة بنت أبي سفيان-  و هي من أمهات المؤمنين-  فإن جاء يستأذن عليها فأذنت له-  فأعظم بها فرية على رسول الله ص و مصيبة-  و إن هي منعته فأعظم بها على أبيك فضيحة-  ثم انصرف-  فقال جزاك الله يا أخي عن النصيحة خيرا-  ساخطا كنت أو راضيا-  ثم كتب إلى معاوية إني قد اعتللت عن الموسم-  فليوجه إليه أمير المؤمنين من أحب-  فوجه عتبة بن أبي سفيان- .

فأما أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب-  فإنه قال لما ادعى معاوية زيادا في سنة أربع و أربعين-  و ألحقه به أخا-  زوج ابنته من ابنه محمد بن زياد-  ليؤكد بذلك صحة الاستلحاق-  و كان أبو بكرة أخا زياد لأمه أمهما جميعا سمية-  فحلف ألا يكلم زيادا أبدا-  و قال هذا زنى أمه و انتفى من أبيه-  و لا و الله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قبل-  ويله ما يصنع بأم حبيبة أ يريد أن يراها-  فإن حجبته فضحته و إن رآها فيا لها مصيبة-  يهتك من رسول الله ص حرمة عظيمة- . و حج زياد مع معاوية-  و دخل المدينة فأراد الدخول على أم حبيبة-  ثم ذكر قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك-  و قيل إن أم حبيبة حجبته-  و لم تأذن له في الدخول عليها-  و قيل إنه حج و لم يرد المدينة من أجل قول أبي بكرة-  و إنه قال جزى الله أبا بكرة خيرا-  فما يدع النصيحة في حال-  و روى أبو عمر بن عبد البر في هذا الكتاب قال-  دخل بنو أمية و فيهم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية-  أيام ما استلحق زيادا-  فقال له عبد الرحمن يا معاوية-  لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلة و ذلة-  يعني على بني أبي العاص-  فأقبل معاوية على مروان و قال أخرج عنا هذا الخليع-  فقال مروان إي و الله إنه لخليع ما يطاق-  فقال معاوية و الله لو لا حلمي و تجاوزي-  لعلمت أنه يطاق-  أ لم يبلغني شعره في و في زياد-  ثم قال مروان أسمعنيه فأنشد- 

   ألا أبلغ معاوية بن حرب
لقد ضاقت بما يأتي اليدان‏

أ تغضب أن يقال أبوك عف‏
و ترضى أن يقال أبوك زان‏

فأشهد أن رحمك من زياد
كرحم الفيل من ولد الأتان‏

و أشهد أنها حملت زيادا
و صخر من سمية غير دان‏

ثم قال و الله لا أرضى عنه- حتى يأتي زيادا فيترضاه و يعتذر إليه- فجاء عبد الرحمن إلى زياد معتذرا- يستأذن عليه فلم يأذن له- فأقبلت قريش إلى زياد تكلمه في أمر عبد الرحمن- فلما دخل سلم فتشاوس له زياد بعينه- و كان يكسر عينه- فقال له زياد أنت القائل ما قلت- قال عبد الرحمن ما الذي قلت قال قلت ما لا يقال- قال أصلح الله الأمير- إنه لا ذنب لمن أعتب و إنما الصفح عمن أذنب- فاسمع مني ما أقول قال هات فأنشده-

إليك أبا المغيرة تبت مما
جرى بالشام من خطل اللسان‏

و أغضبت الخليفة فيك حتى‏
دعاه فرط غيظ إن هجاني‏

و قلت لمن لحاني في اعتذاري
إليك اذهب فشأنك غير شأني‏

عرفت الحق بعد ضلال رأيي
و بعد الغي من زيغ الجنان‏

زياد من أبي سفيان غصن‏
تهادى ناضرا بين الجنان‏

أراك أخا و عما و ابن عم
فما أدري بعيب ما تراني‏

و إن زيادة في آل حرب‏
أحب إلي من وسطي بناني‏

ألا أبلغ معاوية بن حرب
فقد ظفرت بما تأتي اليدان‏

فقال زياد أراك أحمق صرفا شاعرا ضيع اللسان-  يسوغ لك ريقك ساخطا و مسخوطا-  و لكنا قد سمعنا شعرك و قبلنا عذرك-  فهات حاجتك-  قال تكتب إلى أمير المؤمنين بالرضا عني قال نعم-  ثم دعا كاتبه فكتب له بالرضا عنه-  فأخذ كتابه و مضى حتى دخل على معاوية-  فلما قرأه قال لحا الله زيادا لم يتنبه لقوله-و إن زيادة في آل حرب‏- . ثم رضي عن عبد الرحمن و رده إلى حالته- . و أما أشعار يزيد بن مفرغ الحميري-  و هجاؤه عبيد الله و عبادا-  ابني زياد بالدعوة فكثيرة مشهورة نحو قوله- 

 أ عباد ما للؤم عنك تحول
و لا لك أم من قريش و لا أب‏

و قل لعبيد الله ما لك والد
بحق و لا يدري امرؤ كيف تنسب‏

 و نحو قوله

شهدت بأن أمك لم تباشر
أبا سفيان واضعة القناع‏

و لكن كان أمر فيه لبس
على حذر شديد و ارتياع‏

إذا أودى معاوية بن حرب‏
فبشر شعب قعبك بانصداع‏

 و نحو قوله-

إن زيادا و نافعا و أبا بكرة
عندي من أعجب العجب‏

هم رجال ثلاثة خلقوا
في رحم أنثى و كلهم لأب‏

ذا قرشي كما تقول و ذا
مولى و هذا بزعمه عربي‏

 كان عبيد الله بن زياد يقول- ما شجيت بشي‏ء أشد علي من قول ابن مفرغ-

فكر ففي ذاك إن فكرت معتبر
هل نلت مكرمة إلا بتأمير

عاشت سمية ما عاشت و ما علمت‏
أن ابنها من قريش في الجماهير

 و يقال إن الأبيات النونية المنسوبة- إلى عبد الرحمن بن أم الحكم ليزيد بن مفرغ- و إن أولها-

أ لا أبلغ معاوية بن حرب
مغلغلة من الرجل اليماني‏

و نحو قوله- و قد باع برد غلامه- لما حبسه عباد بن زياد بسجستان-

يا برد ما مسنا دهر أضر بنا
من قبل هذا و لا بعنا له ولدا

لامتني النفس في برد فقلت لها
لا تهلكي إثر برد هكذا كمدا

لو لا الدعي و لو لا ما تعرض بي
من الحوادث ما فارقته أبدا

 و نحو قوله-

أبلغ لديك بني قحطان مألكة
عضت بأير أبيها سادة اليمن‏

أضحى دعي زياد فقع قرقرة
يا للعجائب يلهو بابن ذي يزن‏

 

و روى ابن الكلبي أن عبادا استلحقه زياد-  كما استلحق معاوية زيادا كلاهما لدعوة-  قال لما أذن لزياد في الحج تجهز-  فبينا هو يتجهز و أصحاب القرب يعرضون عليه قربهم-  إذ تقدم عباد و كان خرازا-  فصار يعرض عليه و يحاوره و يجيبه-  فقال زياد ويحك من أنت قال أنا ابنك-  قال ويحك و أي بني-  قال قد وقعت على أمي فلانة-  و كانت من بني كذا فولدتني-  و كنت في بني قيس بن ثعلبة و أنا مملوك لهم-  فقال صدقت و الله إني لأعرف ما تقول-  فبعث فاشتراه و ادعاه و ألحقه-  و كان يتعهد بني قيس بن ثعلبة بسببه و يصلهم-  و عظم أمر عباد-  حتى ولاه معاوية سجستان بعد موت زياد-  و ولى أخاه عبيد الله البصرة-  فتزوج عباد الستيرة ابنة أنيف بن زياد الكلبي-  فقال الشاعر يخاطب أنيفا و كان سيد كلب في زمانه- 

  أبلغ لديك أبا تركان مألكة
أ نائما كنت أم بالسمع من صمم‏

أنكحت عبد بني قيس مهذبة
آباؤها من عليم معدن الكرم‏

أ كنت تجهل عبادا و محتده
لا در درك أم أنكحت من عدم‏

أ بعد آل أبي سفيان تجعله‏
صهرا و بعد بني مروان و الحكم‏

أعظم عليك بذا عارا و منقصة
ما دمت حيا و بعد الموت في الرحم‏

و قال الحسن البصري ثلاث كن في معاوية-  لو لم تكن فيه إلا واحدة منهن لكانت موبقة-  انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها-  و استلحاقه زيادا مراغمة لقول رسول الله الولد للفراش و للعاهر الحجر-  و قتله حجر بن عدي-  فيا ويله من حجر و أصحاب حجر- .

 

و روى الشرقي بن القطامي قال-  كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس-  شيعة لعلي بن أبي طالب ع-  فلما قدم زياد الكوفة طلبه و أخافه-  فأتى الحسن بن علي ع مستجيرا به-  فوثب زياد على أخيه و ولده و امرأته فحبسهم-  و أخذ ماله و نقض داره-  فكتب الحسن بن علي ع إلى زياد أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين-  له ما لهم و عليه ما عليهم-  فهدمت داره و أخذت ماله-  و حبست أهله و عياله-  فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره-  و اردد عليه عياله و ماله-  و شفعني فيه فقد أجرته و السلام

فكتب إليه زياد-  من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة-  أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي-  و أنت طالب حاجة و أنا سلطان و أنت سوقة-  و تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته-  كتبت إلي في فاسق آويته-  إقامة منك على سوء الرأي و رضا منك بذلك-  و ايم الله لا تسبقني به و لو كان بين جلدك و لحمك-  و إن نلت بعضك غير رفيق بك و لا مرع عليك-  فإن أحب لحم علي أن آكله-  للحم الذي أنت منه-  فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك-  فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه-  و إن قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك الفاسق-  و السلام- .

فلما ورد الكتاب على الحسن ع قرأه و تبسم-  و كتب بذلك إلى معاوية-  و جعل كتاب زياد عطفه و بعث به إلى الشام-  و كتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثة لهما-  من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية أما بعد فإن رسول الله ص قال-  الولد للفراش و للعاهر الحجر-  و السلام

 فلما قرأ معاوية كتاب زياد إلى الحسن ضاقت به الشام-  و كتب إلى زياد-  أما بعد فإن الحسن بن علي بعث إلي بكتابك إليه-  جوابا عن كتاب كتبه‏ إليك في ابن سرح-  فأكثرت العجب منك و علمت أن لك رأيين-  أحدهما من أبي سفيان و الآخر من سمية-  فأما الذي من أبي سفيان فحلم و حزم-  و أما الذي من سمية فما يكون من رأي مثلها-  من ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه-  و تعرض له بالفسق و لعمري إنك الأولى بالفسق من أبيه-  فأما أن الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك-  فإن ذلك لا يضعك لو عقلت-  و أما تسلطه عليك بالأمر-  فحق لمثل الحسن أن يتسلط-  و أما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك-  فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك-  فإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد بن أبي سرح-  و ابن له داره و اردد عليه ماله و لا تعرض له-  فقد كتبت إلى الحسن أن يخيره-  إن شاء أقام عنده و إن شاء رجع إلى بلده-  و لا سلطان لك عليه لا بيد و لا لسان-  و أما كتابك إلى الحسن باسمه و اسم أمه-  و لا تنسبه إلى أبيه-  فإن الحسن ويحك من لا يرمى به الرجوان-  و إلى أي أم وكلته لا أم لك-  أ ما علمت أنها فاطمة بنت رسول الله ص-  فذاك أفخر له لو كنت تعلمه و تعقله-  و كتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته- 

 أما حسن فابن الذي كان قبله
إذا سار سار الموت حيث يسير

و هل يلد الرئبال إلا نظيره‏
و ذا حسن شبه له و نظير

و لكنه لو يوزن الحلم و الحجا
بأمر لقالوا يذبل و ثبير

و روى الزبير بن بكار في الموفقيات- أن عبد الملك أجرى خيلا فسبقه عباد بن زياد- فأنشد عبد الملك-

سبق عباد و صلت لحيته
و كان خرازا تجود قربته‏

فشكا عباد قول عبد الملك إلى خالد بن يزيد بن معاوية-  فقال له أما و الله لأنصفنك منه بحيث يكره-  فزوجه أخته فكتب الحجاج إلى عبد الملك-  يا أمير المؤمنين إن مناكح آل أبي سفيان قد ضاعت-  فأخبر عبد الملك خالدا بما كتب به الحجاج-  فقال خالد يا أمير المؤمنين-  ما أعلم امرأة منا ضاعت و نزلت-  إلا عاتكة بنت يزيد بن معاوية فإنها عندك-  و لم يعن الحجاج غيرك-  قال عبد الملك بل عنى الدعي ابن الدعي عبادا-  قال خالد يا أمير المؤمنين ما أنصفتني-  أدعي رجلا ثم لا أزوجه-  إنما كنت ملوما لو زوجت دعيك-  فأما دعيي فلم لا أزوجه- . فأما أول ما ارتفع به زياد-  فهو استخلاف ابن عباس له على البصرة-  في خلافة علي ع-  و بلغت عليا عنه هنات فكتب إليه يلومه و يؤنبه-  فمنها الكتاب الذي ذكر الرضي رحمه الله بعضه-  و قد شرحنا فيما تقدم ما ذكر الرضي منه-  و كان علي ع أخرج إليه سعدا مولاه-  يحثه على حمل مال البصرة إلى الكوفة-  و كان بين سعد و زياد ملاحاة و منازعة-  و عاد سعد و شكاه إلى علي ع و عابه- 

 فكتب علي ع إليه أما بعد فإن سعدا ذكر أنك شتمته ظلما-  و هددته و جبهته تجبرا و تكبرا-  فما دعاك إلى التكبر و قد قال رسول الله ص-  الكبر رداء الله-  فمن نازع الله رداءه قصمه-  و قد أخبرني أنك تكثر من الألوان المختلفة في الطعام-  في اليوم الواحد-و تدهن كل يوم فما عليك لو صمت لله أياما-  و تصدقت ببعض ما عندك محتسبا-  و أكلت طعامك مرارا قفارا-  فإن ذلك شعار الصالحين-  أ فتطمع و أنت متمرغ في النعيم-  تستأثر به على الجار و المسكين و الضعيف و الفقير-  و الأرملة و اليتيم-  أن يحسب لك أجر المتصدقين-  و أخبرني أنك تتكلم بكلام الأبرار و تعمل عمل الخاطئين-  فإن كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت و عملك أحبطت-  فتب إلى ربك يصلح لك عملك و اقتصد في أمرك-  و قدم إلى ربك الفضل ليوم حاجتك و ادهن غبا-  فإني سمعت رسول الله ص يقول-  ادهنوا غبا و لا تدهنوا رفها- .

فكتب إليه زياد أما بعد يا أمير المؤمنين-  فإن سعدا قدم علي فأساء القول و العمل-  فانتهرته و زجرته-  و كان أهلا لأكثر من ذلك-  و أما ما ذكرت من الإسراف و اتخاذ الألوان-  من الطعام و النعم-  فإن كان صادقا فأثابه الله ثواب الصالحين-  و إن كان كاذبا فوقاه الله أشد عقوبة الكاذبين-  و أما قوله إني أصف العدل و أخالفه إلى غيره-  فإني إذن من الأخسرين-  فخذ يا أمير المؤمنين بمقال قلته في مقام قمته-  الدعوى بلا بينة كالسهم بلا نصل-  فإن أتاك بشاهدي عدل-  و إلا تبين لك كذبه و ظلمه- . و من كلام زياد تأخير جزاء المحسن لؤم-  و تعجيل عقوبة المسي‏ء طيش- . و كتب إليه معاوية أما بعد-  فاعزل حريث بن جابر عن العمل-  فإني لا أذكر مقاماته بصفين إلا كانت حزازة في صدري-  فكتب إليه زياد-  أما بعد فخفض عليك يا أمير المؤمنين-  فإن حريثا قد سبق شرفا لا يرفعه معه عمل-  و لا يضعه معه عزل- .

 

و قال لابنه عبيد الله عليك بالحجاب-  و إنما اجترأت الرعاة على السباع بكثرة نظرها إليها- . و من كلامه أحسنوا إلى أهل الخراج-  فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا- . قدم رجل خصما له إلى زياد في حق له عليه و قال-  أيها الأمير-  إن هذا يدل بخاصة ذكر أنها له منك-  قال زياد صدق-  و سأخبرك بما ينفعه عندي من خاصته و مودته-  إن يكن له الحق عليك آخذك به أخذا عنيفا-  و إن يكن الحق لك قضيت عليه ثم قضيت عنه- . و قال ليس العاقل من يحتال للأمر إذا وقع فيه-  لكن العاقل من يحتال للأمر ألا يقع فيه- .

و قال في خطبة له-  إلا رب مسرور بقدومنا لا نسره و خائف ضرنا لا نضره- . كان مكتوبا في الحيطان الأربعة-  في قصر زياد كتابة بالجص-  أربعة أسطر أولها-  الشدة في غير عنف و اللين في غير ضعف-  و الثاني المحسن مجازى بإحسانه و المسي‏ء يكافأ بإساءته-  و الثالث العطيات و الأرزاق في إبانها و أوقاتها-  و الرابع لا احتجاب عن صاحب ثغر و لا عن طارق ليل- . و قال يوما على المنبر-  إن الرجل ليتكلم بالكلمة يشفي بها غيظه-  لا يقطع بها ذنب عنز فتضره-  لو بلغتنا عنه لسفكنا دمه- . و قال ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت عقله منه- . و قال في خطبة استوصوا بثلاثة منكم خيرا-  الشريف و العالم و الشيخ-  فو الله لا يأتيني وضيع بشريف يستخف به إلا انتقمت منه-  أو شاب بشيخ يستخف به إلا أوجعته ضربا-  و لا جاهل بعالم يستخف به إلا نكلت به- .

 

و قيل لزياد ما الحظ-  قال أن يطول عمرك و ترى في عدوك ما يسرك- . قيل كان زياد يقول-  هما طريقان للعامة الطاعة و السيف- . و كان المغيرة يقول-  لا و الله حتى يحملوا على سبعين طريقا غير السيف- . و قال الحسن البصري لرجل-  أ لا تحدثني بخطبتي زياد و الحجاج حين دخلا العراق-  قال بلى أما زياد فلما قدم البصرة-  حمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد-  فإن معاوية غير مخوف على قومه-  و لم يكن ليلحق بنسبة من ليس منه-  و قد شهدت الشهود بما قد بلغكم-  و الحق أحق أن يتبع-  و الله حيث وضع البينات كان أعلم-  و قد رحلت عنكم و أنا أعرف صديقي من عدوي-  ثم قدمت عليكم و قد صار العدو صديقا مناصحا-  و الصديق عدوا مكاشحا-  فليشتمل كل امرئ على ما في صدره-  و لا يكونن لسانه شفرة تجري على أوداجه-  و ليعلم أحدكم إذا خلا بنفسه أني قد حملت سيفي بيدي-  فإن أشهره لم أغمده و إن أغمده لم أشهره-  ثم نزل-  و أما الحجاج فإنه قال-  من أعياه داؤه فعلي دواؤه-  و من استبطأ أجله فعلي أن أعجله-  ألا إن الحزم و العزم استلبا مني سوطي-  و جعلا سوطي سيفي-  فنجاده في عنقي و قائمه بيدي-  و ذبابه قلادة لمن اغتر بي- .

فقال الحسن البؤس لهما ما أغرهما بربهما-  اللهم اجعلنا ممن يعتبر بهما- . و قال بعضهم ما رأيت زيادا كاسرا إحدى عينيه-  واضعا إحدى رجليه على الأخرى-  يخاطب رجلا إلا رحمت المخاطب- . و من كلامه نعم الشي‏ء الإمارة-  لو لا قعقعة لجام البريد و تسنم ذروة المنبر- .

قال لحاجبه يا عجلان-  إني قد وليتك هذا الباب و عزلتك عن أربعة-  المنادي إذا جاء يؤذن بالصلاة-  فإنها كانت كتابا موقوتا-  و رسول صاحب الثغر-  فإنه إن أبطأ ساعة فسد تدبير سنة-  و طارق الليل فشر ما جاء به-  و الطباخ إذا فرغ من الطعام-  فإنه متى أعيد عليه التسخين فسد- . و كان حارثة بن بدر الغداني قد غلب على زياد-  و كان حارثة مشتهرا بالشراب-  فقيل لزياد في ذلك فقال-  كيف بإطراح رجل هو يسايرني منذ قدمت العراق-  فلا يصل ركابه ركابي-  و لا تقدمني قط فنظرت إلى قفاه-  و لا تأخر عني فلويت عنقي إليه-  و لا أخذ علي الشمس في شتاء قط-  و لا الروح في صيف قط-  و لا سألته عن علم إلا ظننته لا يحسن غيره- . و من كلامه كفى بالبخل عارا أن اسمه لم يقع في حمد قط-  و كفى بالجود فخرا أن اسمه لم يقع في ذم قط- . و قال ملاك السلطان الشدة على المريب-  و اللين للمحسن و صدق الحديث و الوفاء بالعهد- . و قال ما أتيت مجلسا قط-  إلا تركت منه ما لو أخذته لكان لي-  و ترك ما لي أحب إلي من أخذ ما ليس لي- . و قال ما قرأت مثل كتب الربيع بن زياد الحارثي-  ما كتب إلي كتابا قط إلا في اجترار منفعة-  أو دفع مضرة-  و لا شاورته يوما قط في أمر مبهم إلا و سبق إلى الرأي- .

و قال يعجبني من الرجل-  إذا أتى مجلسا أن يعلم أين مكانه منه-  فلا يتعداه إلى غيره-  و إذا سيم خطة خسف أن يقول لا بمل‏ء فيه- . فأما خطبة زياد المعروفة بالبتراء-  و إنما سميت بذلك لأنه لم يحمد الله فيها-  و لا صلى على رسوله-  فقد ذكرها علي بن محمد المدائني قال-  قدم زياد البصرة أميرا عليها أيام معاوية-  و الفسق فيها فاش جدا-  و أموال الناس منتهبة و السياسة ضعيفة-  فصعد المنبر فقال-أما بعد فإن الجاهلية الجهلاء و الضلالة العمياء-  و الغي الموفد لأهله على النار-  ما فيه سفهاؤكم و يشتمل عليه حلماؤكم-  من الأمور العظام-  ينبت فيها الصغير و لا يتحاشى منها الكبير-  كأنكم لم تقرءوا كتاب الله-  و لم تستمعوا ما أعد من الثواب الكثير لأهل طاعته-  و العذاب الأليم لأهل معصيته-  في الزمن السرمد الذي لا يزول- . أ تكونون كمن طرفت عينه الدنيا-  و سدت مسامعه الشهوات و اختار الفانية على الباقية-  لا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث-  الذي لم تسبقوا به-  من ترككم الضعيف يقهر و يؤخذ ماله-  و الضعيفة المسلوبة في النهار المبصر- 

هذا و العدد غير قليل- . أ لم يكن منكم نهاه تمنع الغواة-  عن دلج الليل و غارة النهار-  قربتم القرابة-  و باعدتم الذين يعتذرون بغير العذر-  و يعطون على المختلس-  كل امرئ منكم يذب عن سيفه-  صنيع من لا يخاف عاقبة و لا يرجو معادا-  ما أنتم بالحلماء و قد اتبعتم السفهاء-  فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم-  حتى انتهكوا حرمة الإسلام-  ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب-  حرم علي الطعام و الشراب-  حتى أسويها بالأرض هدما و إحراقا-  إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله-  لين في غير ضعف و شدة في غير عنف-  و أنا أقسم بالله لآخذن الولي بالولي و الظاعن بالظاعن-  و المقبل بالمدبر و الصحيح منكم في نفسه بالسقيم-  حتى يلقى الرجل أخاه فيقول-  انج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم- .

إن كذبة المنبر تلفى مشهورة-  فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي-  من نقب عليه منكم فأنا ضامن لما ذهب منه-  فإياكم و دلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه-  و قد أجلتكم بقدر ما يأتي الخبر الكوفة و يرجع إليكم- . إياكم و دعوى الجاهلية-  فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه-  و قد أحدثتم أحداثا و قد أحدثنا لكل ذنب عقوبة-  فمن غرق بيوت قوم غرقناه-  و من حرق على قوم حرقناه-  و من نقب على أحد بيتا نقبنا على قلبه-  و من نبش قبرا دفناه فيه حيا- .

كفوا عني أيديكم و ألسنتكم أكف عنكم يدي و لساني-  و لا يظهرن من أحدكم خلاف ما عليه عامتكم فأضرب عنقه-  و قد كانت بيني و بين أقوام إحن-  فقد جعلت ذلك وراء أذني و تحت قدمي-  فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا-  و من كان مسيئا فلينزع عن إساءته-  إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السلال من بغضي-  لم أكشف عنه قناعا-  و لم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته-  فإذا فعل لم أناظره-  فاستأنفوا أموركم و أعينوا على أنفسكم-  فرب مبتئس بقدومنا سيسر و مسرور بقدومنا سيبأس أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة و عنكم ذادة-  نسوسكم بسلطان الله الذي أعطاناه-  و نذود عنكم بفي‏ء الله الذي خولناه-  فلنا عليكم السمع و الطاعة فيما أحببنا-  و لكم علينا العدل و الإنصاف فيما ولينا-  فاستوجبوا عدلنا و فيئنا بمناصحتكم لنا- 

و اعلموا أني مهما قصرت عنه فلن أقصر عن ثلاث-  لست محتجبا عن طالب حاجة منكم- و لا حابسا عطاء و لا مجمرا بعثا-  فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم-  فإنهم ساستكم المؤدبون و كهفكم الذي إليه تأوون-  و متى يصلحوا تصلحوا-  فلا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم-  و يطول لذلك حزنكم-  و لا تدركوا حاجتكم-  مع أنه لو استجيب لأحد منكم لكان شرا لكم-  أسأل الله أن يعين كلا على كل-  و إذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فانفذوه على أذلاله-  و ايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة-  فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي- . فقام عبد الله بن الأهتم فقال أشهد أيها الأمير-  لقد أوتيت الحكمة و فصل الخطاب- .

فقال كذبت ذاك نبي الله داود- . فقام الأحنف فقال إنما الثناء بعد البلاء-  و الحمد بعد العطاء و إنا لا نثني حتى نبتلى-  و لا نحمد حتى نعطى فقال زياد صدقت-  فقام أبو بلال مرداس بن أدية يهمس و يقول-  أنبأنا الله بغير ما قلت فقال-  وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى-  أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏-  فسمعها زياد فقال يا أبا بلال-  إنا لا نبلغ ما نريد بأصحابك-  حتى نخوض إليهم الباطل خوضا- . و روى الشعبي قال-  قدم زياد الكوفة لما جمعت له مع البصرة-  فدنوت من المنبر لأسمع كلامه-  فلم أر أحدا يتكلم فيحسن-  إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يسي‏ء-  إلا زيادا فإنه كان لا يزداد إكثارا إلا ازداد إحسانا-  فكنت أتمنى ألا يسكت- .

 

و روى الشعبي أيضا قال-  لما خطب زياد خطبته البتراء بالبصرة-  و نزل سمع تلك الليلة أصوات الناس يتحارسون-  فقال ما هذا قالوا إن البلد مفتونة-  و إن المرأة من أهل المصر لتأخذها الفتيان الفساق-  فيقال لها نادي ثلاث أصوات-  فإن أجابك أحد و إلا فلا لوم علينا فيما نصنع-  فغضب فقال ففيم أنا و فيم قدمت-  فلما أصبح أمر فنودي في الناس-  فاجتمعوا فقال أيها الناس-  إني قد نبئت بما أنتم فيه و سمعت ذروا منه-  و قد أنذرتكم و أجلتكم شهرا مسير الرجل إلى الشام-  و مسيره إلى خراسان و مسيره إلى الحجاز-  فمن وجدناه بعد شهر-  خارجا من منزله بعد العشاء الآخرة فدمه هدر-  فانصرف الناس يقولون-  هذا القول كقول من تقدمه من الأمراء-  فلما كمل الشهر دعا صاحب شرطته-  عبد الله بن حصين اليريوعي-  و كانت رجال الشرطة معه أربعة آلاف-  فقال له هيئ خيلك و رجلك-  فإذا صليت العشاء الآخرة-  و قرأ القارئ مقدار سبع من القرآن-  و رفع الطن القصب من القصر-  فسر و لا تلقين أحدا عبيد الله بن زياد فمن دونه-  إلا جئتني برأسه-  و إن راجعتني في أحد ضربت عنقك- .

قال فصبح على باب القصر تلك الليلة سبعمائة رأس-  ثم خرج الليلة الثانية فجاء بخمسين رأسا-  ثم خرج الليلة الثالثة فجاء برأس واحد-  ثم لم يجي‏ء بعدها بشي‏ء-  و كان الناس إذا صلوا العشاء الآخرة-  أحضروا إلى منازلهم شدا حثيثا-  و قد يترك بعضهم نعاله- . كتبت عائشة إلى زياد كتابا-  فلم تدر ما تكتب عنوانه-  إن كتبت زياد بن عبيد أو ابن أبيه أغضبته-  و إن كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت-  فكتبت من أم المؤمنين إلى ابنها زياد-  فلما قرأه ضحك و قال-  لقد لقيت أم المؤمنين من هذا العنوان نصبا

 

 

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=