خطبه ۲۳۸ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(الخطبه بالقاصعه)(الاوّل)

۲۳۸ و من خطبه له ع- و من الناس من یسمی هذه الخطبه بالقاصعه

و هی تتضمن ذم إبلیس لعنه الله- على استکباره و ترکه السجود لآدم ع- و أنه أول من أظهر العصبیه و تبع الحمیه- و تحذیر الناس من سلوک طریقته- : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَبِسَ الْعِزَّ وَ الْکِبْرِیَاءَ- وَ اخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ- وَ جَعَلَهُمَا حِمًى وَ حَرَماً عَلَى غَیْرِهِ- وَ اصْطَفَاهُمَا لِجَلَالِهِ- وَ جَعَلَ اللَّعْنَهَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِیهِمَا مِنْ عِبَادِهِ- ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذَلِکَ مَلَائِکَتَهُ الْمُقَرَّبِینَ- لِیَمِیزَ الْمُتَوَاضِعِینَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَکْبِرِینَ- فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ- وَ مَحْجُوبَاتِ الْغُیُوبِ إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ- فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ- فَسَجَدَ الْمَلائِکَهُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِیسَ- اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِیَّهُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ- وَ تَعَصَّبَ عَلَیْهِ لِأَصْلِهِ- فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِینَ وَ سَلَفُ الْمُسْتَکْبِرِینَ- الَّذِی وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِیَّهِ وَ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَ الْجَبَرِیَّهِ- وَ ادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ وَ خَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ- أَلَا یَرَوْنَ کَیْفَ صَغَّرَهُ اللَّهُ بِتَکَبُّرِهِ- وَ وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِی الدُّنْیَا مَدْحُوراً- وَ أَعَدَّ لَهُ فِی الآْخِرَهِ سَعِیراً

یجوز أن تسمى هذه الخطبه القاصعه- من قولهم قصعت الناقه بجرتها- و هو أن تردها إلى جوفها- أو تخرجها من جوفها فتملأ فاها- فلما کانت الزواجر و المواعظ فی هذه الخطبه- مردده من أولها إلى آخرها- شبهها بالناقه التی تقصع الجره- و یجوز أن تسمى القاصعه- لأنها کالقاتله لإبلیس و أتباعه من أهل العصبیه- من قولهم قصعت القمله إذا هشمتها و قتلتها- و یجوز أن تسمى القاصعه- لأن المستمع لها المعتبر بها یذهب کبره و نخوته- فیکون من قولهم قصع الماء عطشه- أی أذهبه و سکنه- قال ذو الرمه بیتا فی هذا المعنى-

فانصاعت الحقب لم تقصع صرائرها
و قد تشح فلا ری و لا هیم‏

 الصرائر جمع صریره و هی العطش- و یجوز أن تسمى القاصعه- لأنها تتضمن تحقیر إبلیس و أتباعه و تصغیرهم- من قولهم قصعت الرجل إذا امتهنته و حقرته- و غلام مقصوع أی قمی‏ء لا یشب و لا یزداد- . و العصبیه على قسمین عصبیه فی الله و هی محموده- و عصبیه فی الباطل و هی مذمومه- و هی التی نهى أمیر المؤمنین ع عنها و کذلک الحمیه- و جاء فی الخبر العصبیه فی الله تورث الجنه- و العصبیه فی الشیطان تورث النار – .

و جاء فی الخبر العظمه إزاری و الکبریاء ردائی- فمن نازعنی فیهما قصمته – و هذا معنى قوله ع اختارهما لنفسه دون خلقه- إلى آخر قوله من عباده- . قال ع ثم اختبر بذلک ملائکته المقربین- مع علمه بمضمراتهم و ذلک لأن اختباره سبحانه لیس لیعلم- بل لیعلم غیره من خلقه طاعه من یطیع و عصیان من یعصی- و کذلک قوله سبحانه- وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَهَ الَّتِی کُنْتَ عَلَیْها- إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ یَتَّبِعُ‏الرَّسُولَ مِمَّنْ یَنْقَلِبُ عَلى‏ عَقِبَیْهِ- النون فی لنعلم نون الجمع لا نون العظمه- أی لتصیر أنت و غیرک من المکلفین- عالمین لمن یطیع و من یعصی کما أنا عالم بذلک- فتکونوا کلکم مشارکین لی فی العلم بذلک- . فإن قلت و ما فائده وقوفهم على ذلک و علمهم به- قلت لیس بممتنع أن یکون ظهور حال العاصی و المطیع- و علم المکلفین أو أکثرهم أو بعضهم به- یتضمن لطفا فی التکلیف- .

فإن قلت إن الملائکه لم تکن تعلم ما البشر- و لا تتصور ماهیته فکیف قال لهم- إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ- قلت قد کان قال لهم- إنی خالق جسما من صفته کیت و کیت- فلما حکاه اقتصر على الاسم- و یجوز أن یکون عرفهم من قبل- أن لفظه بشر على ما ذا تقع ثم قال لهم- إنی خالق هذا الجسم المخصوص الذی أعلمتکم- أن لفظه بشر واقعه علیه من طین- . قوله تعالى فَإِذا سَوَّیْتُهُ أی إذا أکملت خلقه- . فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ أمرهم بالسجود له- و قد اختلف فی ذلک فقال قوم- کان قبله کما الکعبه الیوم قبله- و لا یجوز السجود إلا لله- و قال آخرون بل کان السجود له تکرمه و محنه- و السجود لغیر الله غیر قبیح فی العقل- إذا لم یکن عباده و لم یکن فیه مفسده- .

و قوله تعالى وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی- أی أحللت فیه الحیاه و أجریت الروح إلیه فی عروقه- و أضاف الروح إلیه تبجیلا لها- و سمى ذلک نفخا على وجه الاستعاره- لأن العرب تتصور من الروح معنى الریح- و النفخ یصدق على الریح- فاستعار لفظه النفخ توسعا- .

و قالت الحکماء هذا عباره عن النفس الناطقه- . فإن قلت هل کان إبلیس من الملائکه أم لا- قلت قد اختلف فی ذلک- فمن جعله منهم احتج بالاستثناء- و من جعله من غیرهم احتج بقوله تعالى کانَ مِنَ الْجِنِّ- و جعل الاستثناء منقطعا- و بأن له نسلا و ذریه قال تعالى- أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِی- و الملائکه لا نسل لهم و لا ذریه- و بأن أصله نار و الملائکه أصلها نور- و قد مر لنا کلام فی هذا فی أول الکتاب- .

قوله فافتخر على آدم بخلقه و تعصب علیه لأصله- کانت خلقته أهون من خلقه آدم ع- و کان أصله من نار و أصل آدم ع من طین- . فإن قلت کیف حکم على إبلیس بالکفر- و لم یکن منه إلا مخالفه الأمر- و معلوم أن تارک الأمر فاسق لا کافر- قلت إنه اعتقد أن الله أمره بالقبیح- و لم یر أمره بالسجود لآدم ع حکمه- و امتنع من السجود تکبرا- و رد على الله أمره و استخف بمن أوجب الله إجلاله- و ظهر أن هذه المخالفه عن فساد عقیده فکان کافرا- . فإن قلت هل کان کافرا فی الأصل أم کان مؤمنا ثم کفر- قلت أما المرجئه فأکثرهم یقول- کان فی الأصل کافرا- لأن المؤمن عندهم لا یجوز أن یکفر- و أما أصحابنا فلما کان هذا الأصل عندهم باطلا- توقفوا فی حال إبلیس و جوزوا کلا الأمرین- .

قوله ع رداء الجبریه الباء مفتوحه- یقال فیه جبریه و جبروه و جبروت- و جبوره کفروجه أی کبر و أنشدوا-

فإنک إن عادیتنی غضب الحصا
علیک و ذو الجبوره المتغطرف‏

– . و جعله مدحورا أی مطرودا مبعدا- دحره الله دحورا أی أقصاه و طرده: وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ- یَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ضِیَاؤُهُ وَ یَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ- وَ طِیبٍ یَأْخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ- وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ الْأَعْنَاقُ خَاضِعَهً- وَ لَخَفَّتِ الْبَلْوَى فِیهِ عَلَى الْمَلَائِکَهِ- وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَبْتَلِی خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا یَجْهَلُونَ أَصْلَهُ- تَمْیِیزاً بِالِاخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْیاً لِلِاسْتِکْبَارِ عَنْهُمْ- وَ إِبْعَاداً لِلْخُیَلَاءِ مِنْهُمْ- فَاعْتَبِرُوا بِمَا کَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِیسَ- إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِیلَ وَ جَهْدَهُ الْجَهِیدَ- وَ کَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّهَ آلَافِ سَنَهٍ- لَا یُدْرَى أَ مِنْ سِنِی الدُّنْیَا أَمْ مِنْ سِنِی الآْخِرَهِ- عَنْ کِبْرِ سَاعَهٍ وَاحِدَهٍ- فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِیسَ یَسْلَمُ عَلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِیَتِهِ- کَلَّا مَا کَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِیُدْخِلَ الْجَنَّهَ بَشَراً- بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَکاً- إِنْ حُکْمَهُ فِی أَهْلِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ- وَ مَا بَیْنَ اللَّهِ وَ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَهٌ- فِی إِبَاحَهِ حِمًى حَرَّمَهُ عَلَى الْعَالَمِینَ خطفت الشی‏ء بکسر الطاء أخطفه- إذا أخذته بسرعه استلابا- و فیه لغه أخرى‏خطف بالفتح- و یخطف بالفتح و یخطف بالکسر- و هی لغه ردیئه قلیله لا تکاد تعرف و قد قرأ بها یونس فی قوله تعالى- یَکادُ الْبَرْقُ یَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ- . و الرواء بالهمزه و المد المنظر الحسن- و العرف الریح الطیبه- . و الخیلاء بضم الخاء و کسرها الکبر- و کذلک الخال و المخیله- تقول اختال الرجل و خال أیضا أی تکبر- .

و أحبط عمله أبطل ثوابه- و قد حبط العمل حبطا بالتسکین و حبوطا- و المتکلمون یسمون إبطال الثواب إحباطا- و إبطال العقاب تکفیرا- . و جهده بفتح الجیم اجتهاده و جده- و وصفه بقوله الجهید أی المستقصى- من قولهم مرعى جهید- أی قد جهده المال الراعی و استقصى رعیه- .

و کلامه ع یدل على أنه کان یذهب- إلى أن إبلیس من الملائکه لقوله- أخرج منها ملکا و الهواده الموادعه و المصالحه- یقول إن الله تعالى خلق آدم من طین- و لو شاء أن یخلقه من النور الذی یخطف- أو من الطیب الذی یعبق لفعل- و لو فعل لهال الملائکه أمره و خضعوا له- فصار الابتلاء و الامتحان و التکلیف بالسجود له- خفیفا علیهم لعظمته فی نفوسهم- فلم یستحقوا ثواب العمل الشاق- و هذا یدل على أن الملائکه تشم الرائحه کما نشمها نحن- و لکن الله تعالى یبتلی عباده- بأمور یجهلون أصلها اختبارا لهم- . فإن قلت ما معنى قوله ع تمییزا بالاختبار لهم- قلت لأنه میزهم عن غیرهم من مخلوقاته- کالحیوانات العجم و أبانهم عنهم- و فضلهم علیهم بالتکلیف و الامتحان- .

قال و نفیا للاستکبار عنهم- لأن العبادات خضوع و خشوع و ذله- ففیها نفی الخیلاء و التکبر عن فاعلیها- فأمرهم بالاعتبار بحال إبلیس الذی عبد الله سته آلاف سنه- لا یدرى أ من سنی الدنیا أم من سنی الآخره- و هذا یدل على أنه قد سمع فیه نصا من رسول الله ص- مجملا لم یفسره له أو فسره له خاصه- و لم یفسره أمیر المؤمنین ع للناس- لما یعلمه فی کتمانه عنهم من المصلحه- . فإن قلت قوله لا یدرى- على ما لم یسم فاعله یقتضی أنه هو لا یدری- قلت إنه لا یقتضی ذلک- و یکفی فی صدق الخبر إذا ورد بهذه الصیغه- أن یجهله الأکثرون- . فأما القول فی سنی الآخره کم هی- فاعلم أنه قد ورد فی الکتاب العزیز آیات مختلفات- إحداهن قوله تَعْرُجُ الْمَلائِکَهُ وَ الرُّوحُ إِلَیْهِ- فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَهٍ- .

و الأخرى قوله یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ- ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ- کانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَهٍ مِمَّا تَعُدُّونَ- . و الثالثه قوله- وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَهٍ مِمَّا تَعُدُّونَ- . و أولى ما قیل فیها- أن المراد بالآیه الأولى مده عمر الدنیا- و سمی ذلک یوما- و قال إن الملائکه لا تزال تعرج إلیه- بأعمال البشر طول هذه المده حتى ینقضی التکلیف- و ینتقل الأمر إلى دار أخرى- و أما الآیتان الأخیرتان- فمضمونهما بیان کمیه أیام الآخره- و هو أن کل یوم منها مثل ألف سنه من سنی الدنیا- .

فإن قلت فعلى هذا کم تکون مده عباده إبلیس- إذا کانت سته آلاف سنه من سنی الآخره- قلت یکون ما یرتفع من ضرب أحد المضروبین فی الآخره- و هو ألفا ألف ألف ثلاث لفظات- الأولى منهم مثناه و مائه ألف ألف لفظتان- و ستون ألف ألف سنه لفظتان أیضا من سنی الدنیا- و لما رأى أمیر المؤمنین ع هذا المبلغ عظیما جدا- علم أن أذهان السامعین لا تحتمله- فلذلک أبهم القول علیهم و قال- لا یدرى أ من سنی الدنیا أم من سنی الآخره- . فإن قلت فإذا کنتم قد رجحتم قول من یقول- إن عمر الدنیا خمسون ألف سنه- فکم یکون عمرها إن کان الله تعالى- أراد خمسین ألف سنه من سنی الآخره- لأنه لا یؤمن أن یکون أراد ذلک- إذا کانت السنه عنده عباره عن مده غیر هذه المده- التی قد اصطلح علیها الناس- قلت یکون ما یرتفع من ضرب خمسین ألفا- فی ثلاثمائه و ستین ألف من سنی الدنیا- و مبلغ ذلک ثمانیه عشر ألف ألف ألف سنه- من سنی الدنیا ثلاث لفظات- و هذا القول قریب من القول المحکی عن الهند- .

و روى أبو جعفر محمد بن جریر الطبری فی تاریخه- روایات کثیره بأسانید أوردها- عن جماعه من الصحابه- أن إبلیس کان إلیه ملک السماء و ملک الأرض- و کان من قبیله من الملائکه یقال لهم الجن- و إنما سموا الجن لأنهم کانوا خزان الجنان- و کان إبلیس رئیسهم و مقدمهم- و کان أصل خلقهم من نار السموم و کان اسمه الحارث- قال و قد روی أن الجن کانت فی الأرض- و أنهم أفسدوا فیها- فبعث الله إلیهم إبلیس فی جند من الملائکه- فقتلهم و طردهم إلى جزائر البحار- ثم تکبر فی نفسه- و رأى أنه قد صنع شیئا عظیما لم یصنعه غیره- قال و کان شدید الاجتهاد فی العباده- .

و قیل کان اسمه عزازیل- و أن الله تعالى جعله حکما و قاضیا بین سکان الأرض- قبل خلق آدم فدخله الکبر و العجب- لعبادته و اجتهاده- و حکمه فی سکان الأرض و قضائه بینهم- فانطوى على المعصیه- حتى کان من أمره مع آدم ع ما کان- قلت و لا ینبغی أن نصدق من هذه الأخبار و أمثالها- إلا ما ورد فی القرآن العزیز- الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه و لا من خلفه- أو فی السنه أو نقل عمن یجب الرجوع إلى قوله- و کل ما عدا ذلک فالکذب فیه أکثر من الصدق- و الباب مفتوح- فلیقل کل أحد فی أمثال هذه القصص ما شاء- و اعلم أن کلام أمیر المؤمنین فی هذا الفصل- یطابق مذهب أصحابنا فی أن الجنه لا یدخلها ذو معصیه- أ لا تسمع قوله- فمن بعد إبلیس یسلم على الله بمثل معصیته- کلا ما کان الله لیدخل الجنه بشرا- بأمر أخرج به منها ملکا- إن حکمه فی أهل السماء و الأرض لواحد- .

فإن قلت أ لیس من قولکم- إن صاحب الکبیره إذا تاب دخل الجنه- فهذا صاحب معصیه و قد حکمتم له بالجنه- قلت إن التوبه أحبطت معصیته فصار کأنه لم یعص- . فإن قلت إن أمیر المؤمنین ع إنما قال- فمن ذا بعد إبلیس یسلم على الله بمثل معصیته- و لم یقل بالمعصیه المطلقه- و المرجئه لا تخالف- فی أن من وافى القیامه بمثل معصیه إبلیس- لم یکن من أهل الجنه- قلت کل معصیه کبیره فهی مثل معصیته- و لم یکن إخراجه من الجنه لأنه کافر- بل لأنه عاص مخالف للأمر- أ لا ترى أنه قال سبحانه- قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیها- فعلل إخراجه من الجنه بتکبره لا بکفره- . فإن قلت هذا مناقض لما قدمت فی شرح الفصل الأول-قلت کلا لأنی فی الفصل الأول- عللت استحقاقه اسم الکفر- بأمر زائد على المعصیه المطلقه و هو فساد اعتقاده- و لم أجعل ذلک عله فی خروجه من الجنه- و هاهنا عللت خروجه من الجنه- بنفس المعصیه فلا تناقض- .

فإن قلت ما معنى قول أمیر المؤمنین ع- ما کان الله لیدخل الجنه بشرا- بأمر أخرج به منها ملکا- و هل یظن أحد أو یقول- إن الله تعالى یدخل الجنه أحدا من البشر- بالأمر الذی أخرج به هاهنا إبلیس- کلا هذا ما لا یقوله أحد- و إنما الذی یقوله المرجئه- إنه یدخل الجنه من قد عصى و خالف الأمر- کما خالف الأمر إبلیس- برحمته و عفوه و کما یشاء- لا أنه یدخله الجنه بالمعصیه- و کلام أمیر المؤمنین ع یقتضی- نفی دخول أحد الجنه بالمعصیه- لأن الباء للسببیه- قلت الباء هاهنا لیست للسببیه- کما یتوهمه هذا المعترض- بل هی کالباء فی قولهم خرج زید بثیابه- و دخل زید بسلاحه أی خرج لابسا- و دخل متسلحا أی یصحبه الثیاب و یصحبه السلاح- فکذلک قوله ع بأمر أخرج به منها ملکا- معناه أن الله تعالى لا یدخل الجنه بشرا- یصحبه أمر أخرج الله به ملکا منها: فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ عَدُوَّ اللَّهِ أَنْ یُعْدِیَکُمْ بِدَائِهِ- وَ أَنْ یَسْتَفِزَّکُمْ بِخَیْلِهِ وَ رَجْلِهِ- فَلَعَمْرِی لَقَدْ فَوَّقَ لَکُمْ سَهْمَ الْوَعِیدِ- وَ أَغْرَقَ إِلَیْکُمْ بِالنَّزْعِ الشَّدِیدِ- وَ رَمَاکُمْ مِنْ مَکَانٍ قَرِیبٍ- فَقَالَ رَبِّ بِما أَغْوَیْتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ- وَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ- قَذْفاً بِغَیْبٍ بَعِیدٍ وَ رَجْماً بِظَنٍّغَیْرِ مُصِیبٍ- صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ الْحَمِیَّهِ وَ إِخْوَانُ الْعَصَبِیَّهِ- وَ فُرْسَانُ الْکِبْرِ وَ الْجَاهِلِیَّهِ- حَتَّى إِذَا انْقَادَتْ لَهُ الْجَامِحَهُ مِنْکُمْ- وَ اسْتَحْکَمَتِ الطَّمَاعِیَهُ مِنْهُ فِیکُمْ- فَنَجَمَتْ فِیهِ الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِیِّ إِلَى الْأَمْرِ الْجَلِیِّ- اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُهُ عَلَیْکُمْ- وَ دَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَکُمْ- فَأَقْحَمُوکُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ- وَ أَحَلُّوکُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ- وَ أَوْطَئُوکُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَهِ طَعْناً فِی عُیُونِکُمْ- وَ حَزّاً فِی حُلُوقِکُمْ وَ دَقّاً لِمَنَاخِرِکُمْ- وَ قَصْداً لِمَقَاتِلِکُمْ وَ سَوْقاً بِخَزَائِمِ الْقَهْرِ- إِلَى النَّارِ الْمُعَدَّهِ لَکُمْ- فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فِی دِینِکُمْ حَرْجاً- وَ أَوْرَى فِی دُنْیَاکُمْ قَدْحاً- مِنَ الَّذِینَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِینَ وَ عَلَیْهِمْ مُتَأَلِّبِینَ- فَاجْعَلُوا عَلَیْهِ حَدَّکُمْ وَ لَهُ جِدَّکُمْ- فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ فَخَرَ عَلَى أَصْلِکُمْ- وَ وَقَعَ فِی حَسَبِکُمْ وَ دَفَعَ فِی نَسَبِکُمْ- وَ أَجْلَبَ بِخَیْلِهِ عَلَیْکُمْ وَ قَصَدَ بِرَجْلِهِ سَبِیلَکُمْ- یَقْتَنِصُونَکُمْ بِکُلِّ مَکَانٍ وَ یَضْرِبُونَ مِنْکُمْ کُلَّ بَنَانٍ- لَا تَمْتَنِعُونَ بِحِیلَهٍ وَ لَا تَدْفَعُونَ بِعَزِیمَهٍ- فِی حَوْمَهِ ذُلٍّ وَ حَلْقَهِ ضِیقٍ- وَ عَرْصَهِ مَوْتٍ وَ جَوْلَهِ بَلَاءٍ- فَأَطْفِئُوا مَا کَمَنَ فِی قُلُوبِکُمْ- مِنْ نِیرَانِ الْعَصَبِیَّهِ وَ أَحْقَادِ الْجَاهِلِیَّهِ- فَإِنَّمَا تِلْکَ الْحَمِیَّهُ تَکُونُ فِی الْمُسْلِمِ- مِنْ خَطَرَاتِ الشَّیْطَانِ وَ نَخَوَاتِهِ وَ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ- وَ اعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَى رُءُوسِکُمْ- وَ إِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِکُمْ- وَ خَلْعَ التَّکَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِکُمْ- وَ اتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ- مَسْلَحَهً بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ عَدُوِّکُمْ إِبْلِیسَ وَ جُنُودِهِ- فَإِنَّ لَهُ مِنْ کُلِّ أُمَّهٍ جُنُوداً وَ أَعْوَاناً- وَ رَجْلًا وَ فُرْسَاناً- وَ لَا تَکُونُوا کَالْمُتَکَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ- مِنْ غَیْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِیهِ- سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَهِ الْحَسَبِ- وَ قَدَحَتِ الْحَمِیَّهُ فِی قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ- وَ نَفَخَ الشَّیْطَانُ فِی أَنْفِهِ مِنْ رِیحِ الْکِبْرِ- الَّذِی أَعْقَبَهُ اللَّهُ بِهِ النَّدَامَهَ- وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِینَ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَهِ

موضع أن یعدیکم- نصب على البدل من عدو الله- و قال الراوندی یجوز أن یکون مفعولا ثانیا- و هذا لیس بصحیح لأن حذر لا یتعدى إلى المفعولین- و العدوى ما یعدی من جرب أو غیره- أعدى فلان فلانا من خلقه أو من علته- و هو مجاوزته من صاحبه إلى غیره- و فی الحدیث لا عدوى فی الإسلام – .

فإن قلت فإذا کان النبی ص قد أبطل أمر العدوى- فکیف قال أمیر المؤمنین فاحذروه أن یعدیکم- قلت إن النبی ص- أبطل ما کانت العرب تزعمه- من عدوى الجرب فی الإبل و غیرها- و أمیر المؤمنین ع حذر المکلفین- من أن یتعلموا من إبلیس الکبر و الحمیه- و شبه تعلمهم ذلک منه بالعدوى- لاشتراک الأمرین- فی الانتقال من أحد الشخصین إلى الآخر- . قوله ع یستفزکم أی یستخفکم- و هو من ألفاظ القرآن- وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ- أی أزعجه و استخفه و أطر قلبه- و الخیل الخیاله و منه الحدیث یا خیل الله ارکبی – . و الرجل اسم جمع لراجل کرکب اسم جمع لراکب- و صحب اسم جمع لصاحب- و هذه أیضا من ألفاظ القرآن العزیز- وَ أَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَ رَجِلِکَ- و قرئ و رجلک- بکسر الجیم على أن فعلا بالکسر- بمعنى فاعل نحو تعب و تاعب-و معناه و قد تضم الجیم أیضا- فیکون مثل قولک- رجل حدث و حدث و ندس و ندس- .

فإن قلت فهل لإبلیس خیل ترکبها جنده- قلت یجوز أن یکون ذلک- و قد فسره قوم بهذا- و الصحیح أنه کلام خرج مخرج المثل- شبهت حاله فی تسلطه على بنی آدم- بمن یغیر على قوم بخیله فیستأصلهم- و قیل بصوتک أی بدعائک إلى القبیح- و خیله و رجله کل ماش و راکب- من أهل الفساد من بنی آدم قوله و فوقت السهم جعلت له فوقا- و هو موضع الوتر و هذا کنایه عن الاستعداد- و لا یجوز أن یفسر قوله- فقد فوق لکم سهم الوعید- بأنه وضع الفوق فی الوتر لیرمی به- لأن ذلک لا یقال فیه قد فوق- بل یقال أفقت السهم و أوفقته أیضا- و لا یقال أفوقته و هو من النوادر- .

و قوله و أغرق إلیکم بالنزع- أی استوفى مد القوس و بالغ فی نزعها- لیکون مرماه أبعد و وقع سهامه أشد- . قوله و رماکم من مکان قریب- لأنه کما جاء فی الحدیث یجری من ابن آدم مجرى الدم و یخالط القلب – و لا شی‏ء أقرب من ذلک- . و الباء فی قوله فَبِما أَغْوَیْتَنِی- متعلق بفعل محذوف تقدیره- أجازیک بما أغویتنی تزیینی لهم القبیح- فما على هذا مصدریه- أی أجازیک بإغوائک لی تزیینی لهم القبیح- فحذف المفعول- و یجوز أن تکون الباء قسما- کأنه أقسم بإغوائه إیاه لیزینن لهم- . فإن قلت و أی معنى فی أن یقسم بإغوائه- و هل هذا مما یقسم به- قلت نعم لأنه لیس إغواء الله تعالى إیاه- خلق الغی و الضلال فی قلبه- بل تکلیفه‏إیاه السجود- الذی وقع الغی عنده من الشیطان لا من الله- فصار حیث وقع عنده کأنه موجب عنه فنسب إلى الباری- و التکلیف تعریض للثواب و لذه الأبد- فکان جدیرا أن یقسم به و قد أقسم فی موضع آخر- فقال فَبِعِزَّتِکَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ- فأقسم بالعزه و هاهنا أقسم بالأمر و التکلیف- و یجوز فیه وجه ثالث- و هو ألا تکون الباء قسما و یقدر قسم محذوف- و یکون المعنى بسبب ما کلفتنی فأفضى إلى غوایتی- أقسم لأفعلن بهم نحو ما فعلت بی- و هو أن أزین لهم المعاصی التی تکون سبب هلاکهم- .

فإن قلت لیس هذا نحو ما فعله الباری به- لأن الباری أمره بالحسن فأباه- و عدل عنه إلى القبیح- و الشیطان لا یأمرنا بالحسن فنکرهه- و نعدل عنه إلى القبیح- فکیف یکون ذلک نحو واقعته مع الباری- قلت المشابهه بین الواقعتین- فی أن کل واحده منهما تقع عندها المعصیه- لا على وجه الإجبار و القسر بل على قصد الاختیار- لأن معصیه إبلیس کانت من نفسه- و وقعت عند الأمر بالسجود- اختیارا منه لا فعلا من الباری- و معصیتنا نحن عند التزیین و الوسوسه- تقع اختیارا منا لا اضطرارا یضطرنا إبلیس إلیه- فلما تشابهت الصورتان فی هذا المعنى حسن قوله- بما فعلت بی کذا لأفعلن بهم نحوه- .

فإن قلت ما معنى قوله فِی الْأَرْضِ- و من أین کان یعلم إبلیس أن آدم سیصیر له ذریه فی الأرض- قلت أما علمه بذلک فمن قول الله تعالى له و للملائکه- إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَهً- و أما لفظه الأرض فالمراد بها هاهنا الدنیا- التی هی دار التکلیف کقوله تعالى-وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ- لیس یرید به الأرض بعینها بل الدنیا- و ما فیها من الملاذ و هوى الأنفس- . قوله ع قذفا بغیب بعید- أی قال إبلیس هذا القول قذفا بغیب بعید- و العرب تقول للشی‏ء المتوهم على بعد- هذا قذف بغیب بعید- و القذف فی الأصل رمی الحجر و أشباهه- و الغیب الأمر الغائب- و هذه اللفظه من الألفاظ القرآنیه قال الله تعالى فی کفار قریش- وَ یَقْذِفُونَ بِالْغَیْبِ مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ- أی یقولون هذا سحر أو هذا من تعلیم أهل الکتاب- أو هذه کهانه و غیر ذلک مما کانوا یرمونه ع به- و انتصب قذفا على المصدر الواقع موقع الحال- و کذلک رجما- و قال الراوندی انتصبا لأنهما مفعول له- و لیس بصحیح- لأن المفعول له ما یکون عذرا و عله لوقوع الفعل- و إبلیس ما قال ذلک الکلام لأجل القذف و الرجم- فلا یکون مفعولا له- .

فإن قلت کیف قال ع- قذفا من مکان بعید و رجما بظن غیر مصیب- و قد صح ما توهمه و أصاب فی ظنه- فإن إغواءه و تزیینه تم على الناس کلهم- إلا على المخلصین- قلت أما أولا فقد روی و رجما بظن مصیب- بحذف غیر و یؤکد هذه الروایه قوله تعالى- وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَیْهِمْ إِبْلِیسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِیقاً- و أما ثانیا على الروایه التی هی أشهر فنقول- أما قذفا من مکان بعید- فإنه قال ما قال على سبیل التوهم و الحسبان- لأمر مستبعد لا یعلم صحته و لا یظنها- و لیس وقوع ما وقع من المعاصی و صحه ما توهمه- بمخرج لکون قوله الأول قذفا بغیب بعید- و أما رجما بظن غیر مصیب-فیجب أن یحمل قوله لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ- على الغوایه بمعنى الشرک أو الکفر- و یکون الاستثناء و هو قوله- إِلَّا عِبادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ- معناه إلا المعصومین من کل معصیه- و هذا ظن غیر مصیب- لأنه ما أغوى کل البشر الغوایه التی هی الکفر و الشرک- إلا المعصومین العصمه المطلقه- بل أغوى بعضهم کذلک- و بعضهم بأن زین له الفسق دون الکفر- فیکون ظنه أنه قادر على إغواء البشر کافه- بمعنى الضلال بالکفر ظنا غیر مصیب- . قوله صدقه به أبناء الحمیه موضع صدقه جر- لأنه صفه ظن و قد روی- صدقه أبناء الحمیه من غیر ذکر الجار و المجرور- و من رواه بالجار و المجرور کان معناه- صدقه فی ذلک الظن أبناء الحمیه فأقام الباء مقام فی- .

قوله حتى إذا انقادت له الجامحه منکم- أی الأنفس الجامحه أو الأخلاق الجامحه- . قوله فنجمت فیه الحال أی ظهرت- و قد روی فنجمت الحال من السر الخفی- من غیر ذکر الجار و المجرور- و من رواه بالجار و المجرور فالمعنى- فنجمت الحال فی هذا الشأن المذکور- بینه و بینکم من الخفاء إلى الجلاء- . و استفحل سلطانه قوی و اشتد و صار فحلا- و استفحل جواب قوله حتى إذا- . دلف بجنوده تقدم بهم- . و الولجات جمع ولجه بالتحریک- و هی موضع أو کهف یستتر فیه الماره من مطر أو غیره- . و أقحموکم أدخلوکم و الورطه الهلکه- . قوله و أوطئوکم إثخان الجراحه- أی جعلوکم واطئین لذلک- و الإثخان مصدر أثخن فی القتل- أی أکثر منه و بالغ حتى کثف شأنه- و صار کالشی‏ء الثخین- و معنى‏إیطاء الشیطان ببنی آدم ذلک- إلقاؤه إیاهم فیه و توریطهم و حمله لهم علیه- فالإثخان على هذا منصوب لأنه مفعول ثان- لا کما زعم الراوندی أنه انتصب بحذف حرف الخفض- .

قوله ع طعنا فی عیونکم- انتصب طعنا على المصدر و فعله محذوف- أی فعلوا بکم هذه الأفعال فطعنوکم فی عیونکم طعنا- فأما من روى و أوطئوکم لإثخان الجراحه- باللام فإنه یجعل طعنا منصوبا على أنه مفعول به- أی أوطئوکم طعنا و حزا- کقولک أوطأته نارا و أوطأته عشوه- و یکون لإثخان الجراحه مفعولا له- أی أوطئوکم الطعن لیثخنوا جراحکم- و ینبغی أن یکون قصدا و سوقا- خالصین للمصدریه لأنه یبعد أن یکون مفعولا به- . و اعلم أنه لما ذکر الطعن نسبه إلى العیون- و لما ذکر الحز و هو الذبح نسبه إلى الحلوق- و لما ذکر الدق و هو الصدم الشدید أضافه إلى المناخر- و هذا من صناعه الخطابه التی علمه الله إیاها بلا تعلیم- و تعلمها الناس کلهم بعده منه- . و الخزائم جمع خزامه- و هی حلقه من شعر تجعل فی وتره أنف البعیر- فیشد فیها الزمام- . و تقول قد ورى الزند أی خرجت ناره- و هذا الزند أورى من هذا- أی أکثر إخراجا للنار- یقول فأصبح الشیطان أضر علیکم- و أفسد لحالکم من أعدائکم الذین أصبحتم مناصبین لهم- أی معادین و علیهم متألبین أی مجتمعین- .

فإن قلت أما أعظم فی الدین حرجا فمعلوم- فأی معنى لقوله و أورى فی دنیاکم قدحا- و هل یفسد إبلیس أمر الدنیا کما یفسد أمر الدین- قلت نعم لأن أکثر القبائح الدینیه- مرتبطه بالمصالح و المفاسد الدنیویه- أ لا ترى أنه إذا أغرى السارق بالسرقه- أفسد حال السارق من جهه الدین- و حال المسروق منه من جهه الدنیا-و کذلک القول فی الغصب و القتل- و ما یحدث من مضار الشرور الدنیویه- من اختلاط الأنساب و اشتباه النسل- و ما یتولد من شرب الخمر و السکر الحاصل عنها- من أمور یحدثها السکران خبطا بیده و قذفا بلسانه- إلى غیر ذلک من أمثال هذه الأمور و أشباهها- .

قوله ع فاجعلوا علیه حدکم- أی شباتکم و بأسکم- . و له جدکم من جددت فی الأمر جدا- أی اجتهدت فیه و بالغت- . ثم ذکر أنه فخر على أصل بنی آدم- یعنی أباهم آدم ع- حیث امتنع من السجود له و قال أنا خیر منه- . و وقع فی حسبکم أی عاب حسبکم و هو الطین- فقال إن النار أفضل منه و دفع فی نسبکم مثله- و أجلب بخیله علیکم أی جمع خیالته و فرسانه و ألبها- . و یقتنصونکم یتصیدونکم- و البنان أطراف الأصابع و هو جمع واحدته بنانه- و یجمع فی القله على بنانات و یقال بنان مخضب- لأن کل جمع لیس بینه و بین واحده إلا الهاء- فإنه یذکر و یوحد- . و الحومه معظم الماء و الحرب و غیرهما- و موضع هذا الجار و المجرور نصب على الحال- أی یقتنصونکم فی حومه ذل- . و الجوله الموضع الذی تجول فیه- . و کمن فی قلوبکم استتر و منه الکمین فی الحرب- . و نزغات الشیطان وساوسه التی یفسد بها و نفثاته مثله- . قوله و اعتمدوا وضع التذلل على رءوسکم- و إلقاء التعزز تحت أقدامکم- کلام شریف جلیل المحل- و کذلک قوله ع و اتخذوا التواضع- مسلحه بینکم و بین عدوکم إبلیس و جنوده- و المسلحه خیل معده للحمایه و الدفاع- .

ثم نهاهم أن یکونوا کقابیل- الذی حسد أخاه هابیل فقتله- و هما أخوان لأب و أم- و إنما قال ابن أمه فذکر الأم دون الأب- لأن الأخوین من الأم أشد حنوا و محبه- و التصاقا من الأخوین من الأب- لأن الأم هی ذات الحضانه و التربیه- . و قوله من غیر ما فضل- ما هاهنا زائده و تعطی معنى التأکید- نهاهم ع أن یحسدوا النعم- و أن یبغوا و یفسدوا فی الأرض- فإن آدم لما أمر ولده بالقربان- قرب قابیل شر ماله و کان کافرا- و قرب هابیل خیر ماله و کان مؤمنا- فتقبل الله تعالى من هابیل و أهبط من السماء نارا فأکلته- قالوا لأنه لم یکن فی الأرض حینئذ فقیر- یصل القربان إلیه- فحسده قابیل و کان أکبر منه سنا- فقال لأقتلنک قال هابیل إنما یتقبل الله من المتقین- أی بذنبک و جرمک کان عدم قبول قربانک- لانسلاخک من التقوى- فقتله فأصبح نادما- لا ندم التوبه بل ندم الحیر و رقه الطبع البشری- و لأنه تعب فی حمله کما ورد فی التنزیل- أنه لم یفهم ما ذا یصنع به حتى بعث الله الغراب- .

قوله ع و ألزمه آثام القاتلین إلى یوم القیامه- لأنه کان ابتدأ بالقتل- و من سن سنه شر کان علیه وزرها- و وزر من عمل بها إلى یوم القیامه- کما أن من سن سنه خیر کان له أجرها- و أجر من عمل بها إلى یوم القیامه و روى أبو جعفر محمد بن جریر الطبری فی تاریخه- أن الروایات اختلفت فی هذه الواقعه- فروى قوم أن الرجلین کانا من بنی إسرائیل- و لیسا من ولد آدم لصلبه- و الأکثرون خالفوا فی ذلک- . ثم اختلف الأکثرون- فروى قوم أن القربان من قابیل و هابیل کان ابتداء- و الأکثرون قالوا بل أراد آدم ع- أن یزوج هابیل أخت قابیل توأمته- و یزوج‏قابیل أخت هابیل توأمته- فأبى قابیل لأن توأمته کانت أحسن- فأمرهما أبوهما بالقربان- فمن تقبل قربانه نکح الحسناء- فتقبل قربان هابیل- فقتله أخوه کما ورد فی الکتاب العزیز- .

و روى الطبری مرفوعا أنه ص قال ما من نفس تقتل ظلما- إلا کان على ابن آدم ع الأول کفل منها- و ذلک بأنه أول من سن القتل و هذا یشید قول أمیر المؤمنین ع: أَلَا وَ قَدْ أَمْعَنْتُمْ فِی الْبَغْیِ وَ أَفْسَدْتُمْ فِی الْأَرْضِ- مُصَارَحَهً لِلَّهِ بِالْمُنَاصَبَهِ- وَ مُبَارَزَهً لِلْمُؤْمِنِینَ بِالْمُحَارَبَهِ- فَاللَّهَ اللَّهَ فِی کِبْرِ الْحَمِیَّهِ وَ فَخْرِ الْجَاهِلِیَّهِ- فَإِنَّهُ مَلَاقِحُ الشَّنَئَانِ وَ مَنَافِخُ الشَّیْطَانِ- الَّتِی خَدَعَ بِهَا الْأُمَمَ الْمَاضِیَهَ وَ الْقُرُونَ الْخَالِیَهَ- حَتَّى أَعْنَقُوا فِی حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ وَ مَهَاوِی ضَلَالَتِهِ- ذُلُلًا عَنْ سِیَاقِهِ سُلُساً فِی قِیَادِهِ- أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِیهِ وَ تَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَیْهِ- وَ کِبْراً تَضَایَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ- أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَهِ سَادَاتِکُمْ وَ کُبَرَائِکُمْ- الَّذِینَ تَکَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَ تَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ- وَ أَلْقَوُا الْهَجِینَهَ عَلَى رَبِّهِمْ- وَ جَاحَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ- مُکَابَرَهً لِقَضَائِهِ وَ مُغَالَبَهً لآِلَائِهِ- فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ آسَاسِ الْعَصَبِیَّهِ- وَ دَعَائِمُ أَرْکَانِ الْفِتْنَهِ وَ سُیُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِیَّهِ- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَکُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَیْکُمْ أَضْدَاداً- وَ لَا لِفَضْلِهِ عِنْدَکُمْ حُسَّاداً-وَ لَا تُطِیعُوا الْأَدْعِیَاءَ الَّذِینَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِکُمْ کَدَرَهُمْ- وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِکُمْ مَرَضَهُمْ وَ أَدْخَلْتُمْ فِی حَقِّکُمْ بَاطِلَهُمْ- وَ هُمْ آسَاسُ الْفُسُوقِ وَ أَحْلَاسُ الْعُقُوقِ- اتَّخَذَهُمْ إِبْلِیسُ مَطَایَا ضَلَالٍ- وَ جُنْداً بِهِمْ یَصُولُ عَلَى النَّاسِ- وَ تَرَاجِمَهً یَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ- اسْتِرَاقاً لِعُقُولِکُمْ وَ دُخُولًا فِی عُیُونِکُمْ- وَ نَفْثاً فِی أَسْمَاعِکُمْ- فَجَعَلَکُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ وَ مَوْطِئَ قَدَمِهِ وَ مَأْخَذَ یَدِهِ- فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُسْتَکْبِرِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ- مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَ صَوْلَاتِهِ وَ وَقَائِعِهِ وَ مَثُلَاتِهِ- وَ اتَّعِظُوا بِمَثَاوِی خُدُودِهِمْ وَ مَصَارِعُ جُنُوبِهِمْ- وَ اسْتَعِیذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْکِبْرِ- کَمَا تَسْتَعِیذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ أمعنتم فی البغی بالغتم فیه- من أمعن فی الأرض أی ذهب فیها بعیدا- و مصارحه لله أی مکاشفه- .

و المناصبه المعاداه- . و ملاقح الشنئان قال الراوندی- الملاقح هی الفحول التی تلقح و لیس بصحیح- نص الجوهری على أن الوجه لواقح کما جاء فی القرآن- وَ أَرْسَلْنَا الرِّیاحَ لَواقِحَ- و قال هو من النوادر لأن الماضی رباعی- و الصحیح أن ملاقح هاهنا جمع ملقح و هو المصدر- من لقحت کضربت مضربا و شربت مشربا- و یجوز فتح النون من الشنئان و تسکینها و هو البغض- . و منافخ الشیطان جمع منفخ- و هو مصدر أیضا من نفخ- و نفخ الشیطان و نفثه‏واحد و هو وسوسته و تسویله- و یقال للمتطاول إلى ما لیس له- قد نفخ الشیطان فی أنفه- . و فی کلامه ع یقوله لطلحه و هو صریع- و قد وقف علیه و أخذ سیفه سیف طالما جلى به الکرب عن وجه رسول الله ص- و لکن الشیطان نفخ فی أنفه – .

قوله و أعنقوا أصرعوا- و فرس معناق و السیر العنق- قال الراجز- یا ناق سیری عنقا فسیحا إلى سلیمان فنستریحا- . و الحنادس الظلم- . و المهاوی جمع مهواه بالفتح- و هی الهوه یتردى الصید فیها- و قد تهاوى الصید فی المهواه- إذا سقط بعضه فی أثر بعض- . قوله ع ذللا عن سیاقه انتصب على الحال- جمع ذلول و هو السهل المقاده- و هو حال من الضمیر فی أعنقوا- أی أسرعوا منقادین لسوقه إیاهم- . و سلسا جمع سلس و هو السهل أیضا- و إنما قسم ذللا و سلسا بین سیاقه و قیاده- لأن المستعمل فی کلامهم- قدت الفرس فوجدته سلسا أو صعبا- و لا یستحسنون سقته فوجدته سلسا أو صعبا- و إنما المستحسن عندهم سقته فوجدته ذلولا أو شموسا- .

قوله ع أمرا منصوب بتقدیر فعل- أی اعتمدوا أمرا و کبرا معطوف علیه- أو ینصب کبرا على المصدر- بأن یکون اسما واقعا موقعه- کالعطاء موضع الإعطاء- . و قال الراوندی أمرا منصوب هاهنا لأنه مفعول به- و ناصبه المصدر الذی هو سیاقه و قیاده- تقول سقت و قدت قیادا- و هذا غیر صحیح لأن مفعول هذین المصدرین محذوف- تقدیره عن سیاقه إیاهم و قیاده إیاهم- و هذا هو معنى الکلام- و لو فرضنا مفعول‏أحد هذین المصدرین- أمرا لفسد معنى الکلام- و قال الراوندی أیضا و یجوز أن یکون أمرا حالا- و هذا أیضا لیس بشی‏ء- لأن الحال وصف هیئه الفاعل أو المفعول- و أمرا لیس کذلک- . قوله ع تشابهت القلوب فیه- أی أن الحمیه و الفخر و الکبر و العصبیه- ما زالت القلوب متشابهه متماثله فیها- . و تتابعت القرون علیه جمع قرن بالفتح- و هی الأمه من الناس- . و کبرا تضایقت الصدور به أی کبر فی الصدور- حتى امتلأت به و ضاقت عنه لکثرته- . ثم أمر بالحذر من طاعه الرؤساء أرباب الحمیه- و فیه إشاره إلى قوله تعالى- إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ کُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِیلَا- . و قد کان أمر فی الفصل الأول بالتواضع لله- و نهى هاهنا عن التواضع للرؤساء- و قد جاء فی الخبر المرفوع ما أحسن تواضع الأغنیاء للفقراء- و أحسن منه تکبر الفقراء على الأغنیاء – . الذین تکبروا عن حسبهم أی جهلوا أنفسهم- و لم یفکروا فی أصلهم من النطف المستقذره- من الطین المنتن- قال الشاعر

ما بال من أوله نطفه
و جیفه آخره یفخر

یصبح لا یملک تقدیم ما
یرجو و لا تأخیر ما یحذر

قوله ع و ألقوا الهجینه على ربهم- روی الهجینه على فعیله کالطبیعه و الخلیقه- و روی الهجنه على فعله کالمضغه و اللقمه- و المراد بهما الاستهجان من قولک هو یهجن کذا- أی یقبحه و یستهجنه أی یستقبحه- أی نسبوا ما فی الأنساب‏من القبح بزعمهم إلى ربهم- مثل أن یقولوا للرجل أنت عجمی و نحن عرب- فإن هذا لیس إلى الإنسان- بل هو إلى الله تعالى فأی ذنب له فیه- . قوله و جاحدوا الله- أی کابروه و أنکروا صنعه إلیهم- . و آساس بالمد جمع أساس- . و اعتزاء الجاهلیه قولهم یا لفلان- و سمع أبی بن کعب رجلا یقول یا لفلان فقال- عضضت بهن أبیک فقیل له- یا أبا المنذر ما کنت فحاشا- قال سمعت رسول الله ص یقول من تعزى بعزاء الجاهلیه- فأعضوه بهن أبیه و لا تکنوا – . قوله فلا تکونوا لنعمه الله أضدادا- لأن البغی و الکبر- یقتضیان زوال النعمه و تبدلها بالنقمه- .

قوله و لا تطیعوا الأدعیاء- مراده هاهنا بالأدعیاء- الذین ینتحلون الإسلام و یبطنون النفاق- . ثم وصفهم فقال الذین شربتم بصفوکم کدرهم- أی شربتم کدرهم مستبدلین ذلک بصفوکم- و یروى الذین ضربتم أی مزجتم- و یروى شریتم أی بعتم و استبدلتم- . و الأحلاس جمع حلس و هو کساء رقیق- یکون على ظهر البعیر ملازما له- فقیل لکل ملازم أمر هو حلس ذلک الأمر- . و الترجمان بفتح التاء- هو الذی یفسر لسانا بلسان غیره- و قد تضم التاء- و یروى و نثا فی أسماعکم- من نث الحدیث أی أفشاه‏:

فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ فِی الْکِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ- لَرَخَّصَ فِیهِ لِخَاصَّهِ أَنْبِیَائِهِ- وَ لَکِنَّهُ سُبْحَانَهُ کَرَّهَ إِلَیْهِمُ التَّکَابُرَ- وَ رَضِیَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ- فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ- وَ عَفَّرُوا فِی التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ- وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِینَ- وَ کَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِینَ- قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَهِ وَ ابْتَلَاهُمْ بِالْمَجْهَدَهِ- وَ امْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَحَّصَهُمْ بِالْمَکَارِهِ- فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَا وَ السُّخْطَ بِالْمَالِ وَ الْوَلَدِ- جَهْلًا بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَهِ- وَ الِاخْتِبَارِ فِی مَوْضِعِ الْغِنَى وَ الْإِقْتَارِ- فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى- أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ- نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ التکابر التعاظم- و الغرض مقابله لفظه التواضع- لتکون الألفاظ مزدوجه- . و عفر وجهه ألصقه بالعفر- . و خفضوا أجنحتهم ألانوا جانبهم- . و المخمصه الجوع و المجهده المشقه- و أمیر المؤمنین ع کثیر الاستعمال لمفعل و مفعله- بمعنى المصدر- إذا تصفحت کلامه عرفت ذلک- . و محصهم أی طهرهم- و روی مخضهم بالخاء و الضاد المعجمه- أی حرکهم و زلزلهم- .

ثم نهى أن یعتبر رضا الله و سخطه- بما نراه من إعطائه الإنسان مالا و ولدا- فإن ذلک جهل بمواقع الفتنه و الاختبار- . و قوله تعالى أَ یَحْسَبُونَ الآیه- دلیل على ما قاله ع- و الأدله العقلیه أیضا دلت- على أن کثیرا من الآلام و الغموم و البلوى- إنما یفعله الله تعالى للألطاف و المصالح- و ما الموصوله فی الآیه- یعود إلیها محذوف و مقدر لا بد منه- و إلا کان الکلام غیر منتظم- و غیر مرتبط بعضه ببعض- و تقدیره نسارع لهم فی الخیرات: فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَکْبِرِینَ فِی أَنْفُسِهِمْ- بِأَوْلِیَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِینَ فِی أَعْیُنِهِمْ- وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ ع- عَلَى فِرْعَوْنَ وَ عَلَیْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ- وَ بِأَیْدِیهِمَا الْعِصِیُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ- بَقَاءَ مُلْکِهِ وَ دَوَامِ عِزِّهِ- فَقَالَ أَ لَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَیْنِ یَشْرِطَانِ لِی دَوَامَ الْعِزِّ- وَ بَقَاءَ الْمُلْکِ- وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَ الذُّلِّ- فَهَلَّا أُلْقِیَ عَلَیْهِمَا أَسَاوِرَهٌ مِنْ ذَهَبٍ- إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ- وَ احْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ- وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِیَائِهِ- حَیْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ یَفْتَحَ لَهُمْ کُنُوزَ الذِّهْبَانِ- وَ مَعَادِنَ الْعِقْیَانِ وَ مَغَارِسَ الْجِنَانِ- وَ أَنْ یَحْشُرَ مَعَهُمْ طُیُورَ السَّمَاءِ وَ وُحُوشَ الْأَرَضِینَ- لَفَعَلَ- وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وَ بَطَلَ الْجَزَاءُ- وَ اضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِینَ أُجُورُ الْمُبْتَلَیْنَ- وَ لَا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِینَ- وَ لَا لَزِمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِیَهَا- وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِی قُوَّهٍ فِی عَزَائِمِهِمْ- وَ ضَعَفَهً فِیمَاتَرَى الْأَعْیُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ- مَعَ قَنَاعَهٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَ الْعُیُونَ غِنًى- وَ خَصَاصَهٍ تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَ الْأَسْمَاعَ أَذًى مدارع الصوف جمع مدرعه بکسر المیم- و هی کالکساء- و تدرع الرجل و تمدرع إذا لبسها- و العصی جمع عصا- .

و تقول هذا سوار المرأه و الجمع أسوره- و جمع الجمع أساوره- و قرئ فَلَوْ لا أُلْقِیَ عَلَیْهِ أَسْوِرَهٌ مِنْ ذَهَبٍ- و قد یکون جمع أساور- قال سبحانه یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ- قال أبو عمرو بن العلاء أساور هاهنا- جمع إسوار و هو السوار- . و الذهبان بکسر الذال جمع ذهب- کخرب لذکر الحبارى و خربان- و العقیان الذهب أیضا قوله ع و اضمحلت الأنباء أی تلاشت و فنیت- و الأنباء جمع نبأ و هو الخبر- أی لسقط الوعد و الوعید و بطلا- . قوله ع و لا لزمت الأسماء معانیها- أی من یسمى مؤمنا أو مسلما حینئذ- فإن تسمیته مجاز لا حقیقه- لأنه لیس بمؤمن إیمانا من فعله و کسبه- بل یکون ملجأ إلى الإیمان بما یشاهده من الآیات العظیمه- . و المبتلین بفتح اللام جمع مبتلى- کالمعطین و المرتضین جمع معطى و مرتضى- . و الخصاصه الفقر- .

و هذا الکلام هو ما یقوله أصحابنا بعینه- فی تعلیل أفعال الباری سبحانه بالحکمه و المصلحه- و أن الغرض بالتکلیف هو التعریض للثواب- و أنه یجب أن یکون خالصا من الإلجاء- و من أن یفعل الواجب بوجه غیر وجه وجوبه- یرتدع عن القبیح لوجه غیر وجه قبحه- . و روى أبو جعفر محمد بن جریر الطبری فی التاریخ- أن موسى قدم هو و أخوه هارون مصر على فرعون- لما بعثهما الله تعالى إلیه- حتى وقفا على بابه یلتمسان الإذن علیه- فمکثا سنین یغدوان على بابه و یروحان لا یعلم بهما- و لا یجترئ أحد على أن یخبره بشأنهما- و قد کانا قالا لمن بالباب- إنا رسولا رب العالمین إلى فرعون- حتى دخل علیه بطال له یلاعبه و یضحکه- فقال له أیها الملک إن على الباب رجلا- یقول قولا عجیبا عظیما و یزعم أن له إلها غیرک- قال ببابی قال نعم قال أدخلوه- فدخل و بیده عصاه و معه هارون أخوه- فقال أنا رسول رب العالمین إلیک- و ذکر تمام الخبر- . فإن قلت أی خاصیه فی الصوف و لبسه- و لم اختاره الصالحون على غیره- قلت ورد فی الخبر أن أول لباس- لبسه آدم لما هبط إلى الأرض- صوف کبش قیضه الله له- و أمره أن یذبحه فیأکل لحمه و یلبس صوفه- لأنه أهبط عریان من الجنه- فذبحه و غزلت حواء صوفه فلبس آدم منه ثوبا- و ألبس حواء ثوبا آخر- فلذلک صار شعار الأولیاء و انتسبت إلیه الصوفیه:
وَ لَوْ کَانَتِ الْأَنْبِیَاءُ أَهْلَ قُوَّهٍ لَا تُرَامُ وَ عِزَّهٍ لَا تُضَامُ- وَ مُلْکٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَیْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ- لَکَانَ ذَلِکَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِی الِاعْتِبَارِ- وَ أَبْعَدَ لَهُمْ مِنَ الِاسْتِکْبَارِ- وَ لآَمَنُوا عَنْ رَهْبَهٍ قَاهِرَهٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَهٍ مَائِلَهٍ بِهِمْ- فَکَانَتِ النِّیَّاتُ مُشْتَرَکَهً وَ الْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَهً- وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ یَکُونَ الِاتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ- وَ التَّصْدِیقُ بِکُتُبِهِ وَ الْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ- وَ الِاسْتِکَانَهُ لِأَمْرِهِ وَ الِاسْتِسْلَامُ لِطَاعَتِهِ- أُمُوراً لَهُ خَاصَّهً لَا یَشُوبُهَا مِنْ غَیْرِهَا شَائِبَهٌ تمد نحوه أعناق الرجال أی لعظمته- أی یؤمله المؤملون و یرجوه الراجون- و کل من أمل شیئا فقد طمح ببصره إلیه معنى لا صوره- فکنى عن ذلک بمد العنق- . و تشد إلیه عقد الرحال یسافر أرباب الرغبات إلیه- یقول لو کان الأنبیاء ملوکا ذوی بأس و قهر- لم یمکن إیمان الخلق و انقیادهم إلیهم- لأن الإیمان فی نفسه واجب عقلا- بل کان لرهبه لهم أو رغبه فیهم- فکانت النیات مشترکه- هذا فرض سؤال و جواب عنه کأنه قال لنفسه- لم لا یجوز أن یکون إیمانهم على هذا التقدیر لوجوبه- و لخوف ذلک النبی أو لرجاء نفع ذلک النبی ص- فقال لأن النیات تکون حینئذ مشترکه- أی یکون المکلف قد فعل الإیمان لکلا الأمرین- و کذلک تفسیر قوله و الحسنات مقتسمه- قال و لا یجوز أن تکون طاعه الله تعالى تعلو- إلا لکونها طاعه له لا غیر- و لا یجوز أن یشوبها و یخالطها من غیرها شائبه- .

فإن قلت ما معنى قوله- لکان ذلک أهون على الخلق فی الاعتبار- و أبعد لهم من الاستکبار- قلت أی لو کان الأنبیاء کالملوک فی السطوه و البطش- لکان المکلف لا یشق علیه الاعتبار- و الانزجار عن القبائح مشقته علیه- إذا ترکه لقبحه لا لخوف السیف- و کان بعد المکلفین عن الاستکبار و البغی- لخوف السیف و التأدیب- أعظم من بعدهم عنهما إذا ترکوهما لوجه قبحهما- فکان یکون ثواب المکلف إما ساقطا و إما ناقصا: وَ کُلَّمَا کَانَتِ الْبَلْوَى وَ الِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ- کَانَتِ الْمَثُوبَهُ وَ الْجَزَاءُ أَجْزَلَ- أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ- الْأَوَّلِینَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ ص إِلَى الآْخِرِینَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ- بِأَحْجَارٍ لَا تَضُرُّ وَ لَا تَنْفَعُ وَ لَا تُبْصِرُ وَ لَا تَسْمَعُ- فَجَعَلَهَا بَیْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِی جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ قِیَاماً- ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً- وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْیَا مَدَراً- وَ أَضْیَقِ بُطُونِ الْأَوْدِیَهِ قُطْراً- بَیْنَ جِبَالٍ خَشِنَهٍ وَ رِمَالٍ دَمِثَهٍ- وَ عُیُونٍ وَشِلَهٍ وَ قُرًى مُنْقَطِعَهٍ- لَا یَزْکُو بِهَا خُفٌّ وَ لَا حَافِرٌ وَ لَا ظِلْفٌ- ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ ع وَ وَلَدَهُ أَنْ یَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ- فَصَارَ مَثَابَهً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَ غَایَهً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ- تَهْوِی إِلَیْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَهِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِیقَهٍ- وَ مَهَاوِی فِجَاجٍ عَمِیقَهٍ وَ جَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَهٍ- حَتَّى یَهُزُّوا مَنَاکِبَهُمْ ذُلُلًا- یُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَ یَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ- شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِیلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ- وَ شَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ- ابْتِلَاءً عَظِیماً وَ امْتِحَاناً شَدِیداً- وَ اخْتِبَاراً مُبِیناً وَ تَمْحِیصاً بَلِیغاً- جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَ وُصْلَهً إِلَى جَنَّتِهِ-وَ لَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ- أَنْ یَضَعَ بَیْتَهُ الْحَرَامَ وَ مَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ- بَیْنَ جَنَّاتٍ وَ أَنْهَارٍ وَ سَهْلٍ وَ قَرَارٍ- جَمَّ الْأَشْجَارِ دَانِیَ الثِّمَارِ- مُلْتَفَّ الْبُنَى مُتَّصِلَ الْقُرَى- بَیْنَ بُرَّهٍ سَمْرَاءَ وَ رَوْضَهٍ خَضْرَاءَ- وَ أَرْیَافٍ مُحْدِقَهٍ وَ عِرَاصٍ مُغْدِقَهٍ- وَ زُرُوعٍ نَاضِرَهٍ وَ طُرُقٍ عَامِرَهٍ- لَکَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ- وَ لَوْ کَانَ الْأَسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَیْهَا- وَ الْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا- مِنْ زُمُرُّدَهٍ خَضْرَاءَ وَ یَاقُوتَهٍ حَمْرَاءَ وَ نُورٍ وَ ضِیَاءٍ- لَخَفَّفَ ذَلِکَ مُصَارَعَهَ الشَّکِّ فِی الصُّدُورِ- وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَهَ إِبْلِیسَ عَنِ الْقُلُوبِ- وَ لَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّیْبِ مِنَ النَّاسِ- وَ لَکِنَّ اللَّهَ یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ- وَ یَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ- وَ یَبْتَلِیهِمْ بِضُرُوبِ الْمَکَارِهِ- إِخْرَاجاً لِلتَّکَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ- وَ إِسْکَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِی نُفُوسِهِمْ- وَ لِیَجْعَلَ ذَلِکَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ- وَ أَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِهِ کانت المثوبه أی الثواب- . و أجزل أکثر و الجزیل العظیم- و عطاء جزل و جزیل و الجمع جزال- و قد أجزلت له من العطاء أی أکثرت- . و جعله للناس قیاما أی عمادا- و فلان قیام أهله أی یقیم شئونهم- و منه قوله تعالى- وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ قِیاماً- .
و أوعر بقاع الأرض حجرا أی أصعبها- و مکان وعر بالتسکین صعب المسلک أو المقام- .

و أقل نتائق الدنیا مدرا- أصل هذه اللفظه من قولهم- امرأه منتاق أی کثیره الحبل و الولاده- و یقال ضیعه منتاق أی کثیره الریع- فجعل ع الضیاع ذوات المدر التی تثار للحرث نتائق- و قال إن مکه أقلها صلاحا للزرع لأن أرضها حجریه- . و القطر الجانب و رمال دمثه سهله- و کلما کان الرمل أسهل کان أبعد عن أن ینبت- . و عیون وشله أی قلیله الماء- و الوشل بفتح الشین الماء القلیل- و یقال وشل الماء وشلانا أی قطر- .

قوله لا یزکو بها خف- أی لا تزید الإبل فیها أی لا تسمن- و الخف هاهنا هو الإبل- و الحافر الخیل و الحمیر و الظلف الشاه- أی لیس حولها مرعى یرعاه الغنم فتسمن- . و أن یثنوا أعطافهم نحوه أی یقصدوه و یحجوه- و عطفا الرجل جانباه- . و صار مثابه أی یثاب إلیه- و یرجع نحوه مره بعد أخرى- و هذه من ألفاظ الکتاب العزیز- . قوله ع لمنتجع أسفارهم أی لنجعتها- و النجعه طلب الکلأ فی الأصل- ثم سمی کل من قصد أمرا یروم النفع منه منتجعا- . قوله و غایه لملقى رحالهم- أی صار البیت هو الغایه التی هی الغرض و المقصد- و عنده تلقى الرحال أی تحط رحال الإبل عن ظهورها- و یبطل السفر لأنهم قد انتهوا إلى الغایه المقصوده- .

قوله تهوی إلیه ثمار الأفئده- ثمره الفؤاد هو سویداء القلب- و منه قولهم للولد هو ثمره الفؤاد- و معنى تهوی إلیه أی تتشوقه و تحن نحوه- . و المفاوز هی جمع مفازه الفلاه سمیت مفازه- إما لأنها مهلکه من قولهم فوز الرجل أی هلک- و أما تفاؤلا بالسلامه و الفوز- و الروایه المشهوره من مفاوز قفار بالإضافه- و قد روى قوم من مفاوز بفتح الزاء- لأنه لا ینصرف و لم یضیفوا- جعلوا قفار صفه- . و السحیقه البعیده- . و المهاوی المساقط- . و الفجاج جمع فج و هو الطریق بین الجبلین- . قوله ع حتى یهزوا مناکبهم- أی یحرکهم الشوق نحوه إلى أن یسافروا إلیه- فکنى عن السفر بهز المناکب- . و ذللا حال إما منهم و إما من المناکب- و واحد المناکب منکب بکسر الکاف- و هو مجمع عظم العضد و الکتف- .

قوله و یهللون یقولون لا إله إلا الله- و روی یهلون لله أی یرفعون أصواتهم بالتلبیه و نحوها- . و یرملون الرمل السعی فوق المشی قلیلا- . شعثا غبرا لا یتعهدون شعورهم و لا ثیابهم و لا أبدانهم- قد نبذوا السرابیل و رموا ثیابهم و قمصانهم المخیطه- . و شوهوا بإعفاء الشعور- أی غیروا و قبحوا محاسن صورهم- بأن أعفوا شعورهم فلم یحلقوا ما فضل منها- و سقط على الوجه و نبت فی غیره من الأعضاء- التی جرت العاده بإزالتها عنها- .و التمحیص التطهیر- من محصت الذهب بالنار إذا صفیته مما یشوبه- و التمحیص أیضا الامتحان و الاختبار- و المشاعر معالم النسک- . قوله و سهل و قرار أی فی مکان سهل- یستقر فیه الناس و لا ینالهم من المقام به مشقه- . و جم الأشجار کثیرها و دانی الثمار قریبها- . و ملتف البنى مشتبک العماره- . و البره الواحده من البر و هو الحنطه- . و الأریاف جمع ریف و هو الخصب و المرعى فی الأصل- و هو هاهنا السواد و المزارع- و محدقه محیطه و مغدقه غزیره- و الغدق الماء الکثیر- . و ناضره ذات نضاره و رونق و حسن- .

قوله و لو کانت الإساس- یقول لو کانت إساس البیت التی حمل البیت علیها- و أحجاره التی رفع بها من زمرده و یاقوته- فالمحمول و المرفوع کلاهما مرفوعان- لأنهما صفه اسم کان و الخبر من زمرده- و روی بین زمرده- و یجوز أن تحمل لفظتا المفعول- و هما المحمول و المرفوع ضمیر البیت- فیکون قائما مقام اسم الفاعل- و یکون موضع الجار و المجرور نصبا- و یجوز ألا تحملهما ذلک الضمیر- و یجعل الجار و المجرور هو الساد مسد الفاعل- فیکون موضعه رفعا- . و روی مضارعه الشک بالضاد المعجمه- و معناه مقارنه الشک و دنوه من النفس- و أصله من مضارعه القدر إذا حان إدراکها- و من مضارعه الشمس إذا دنت للمغیب- . و قال الراوندی فی تفسیر هذه الکلمه- من مضارعه الشک أی مماثلته و مشابهته- و هذا بعید لأنه لا معنى للمماثله و المشابهه هاهنا- و الروایه الصحیحه بالصاد المهمله- . قوله ع و لنفى متعلج الریب أی اعتلاجه- أی و لنفى اضطراب الشک فی القلوب- و روی یستعبدهم و یتعبدهم و الثانیه أحسن- .و المجاهد جمع مجهده و هی المشقه- . و أبوابا فتحا أی مفتوحه و أسبابا ذللا أی سهله- . و اعلم أن محصول هذا الفصل- أنه کلما کانت العباده أشق کان الثواب علیها أعظم- و لو أن الله تعالى جعل العبادات سهله على المکلفین- لما استحقوا علیها من الثواب إلا قدرا یسیرا- بحسب ما یکون فیها من المشقه الیسیره- .

فإن قلت- فهل کان البیت الحرام موجودا أیام آدم ع- ثم أمر آدم و ولده أن یثنوا أعطافهم نحوه- قلت نعم هکذا روى أرباب السیر و أصحاب التواریخ- روى أبو جعفر محمد بن جریر الطبری فی تاریخه عن ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى آدم لما أهبطه إلى الأرض- أن لی حرما حیال عرشی فانطلق فابن لی بیتا فیه- ثم طف به کما رأیت ملائکتی تحف بعرشی- فهنالک أستجیب دعاءک و دعاء من یحف به من ذریتک- فقال آدم إنی لست أقوى على بنائه و لا أهتدی إلیه- فقیض الله تعالى له ملکا فانطلق به نحو مکه- و کان آدم فی طریقه کلما رأى روضه أو مکانا یعجبه- سأل الملک أن ینزل به هناک لیبنی فیه- فیقول الملک إنه لیس هاهنا حتى أقدمه مکه- فبنى البیت من خمسه جبال- طور سیناء و طور زیتون و لبنان و الجودی- و بنى قواعده من حراء- فلما فرغ خرج به الملک إلى عرفات- فأراه المناسک کلها التی یفعلها الناس الیوم- ثم قدم به مکه و طاف بالبیت أسبوعا- ثم رجع إلى أرض الهند فمات – .

و روى الطبری فی التاریخ- أن آدم حج من أرض الهند إلى الکعبه- أربعین حجه على رجلیه- .و قد روی أن الکعبه أنزلت من السماء- و هی یاقوته أو لؤلؤه على اختلاف الروایات- و أنها بقیت على تلک الصوره- إلى أن فسدت الأرض بالمعاصی أیام نوح- و جاء الطوفان فرفع البیت- و بنى إبراهیم هذه البنیه على قواعده القدیمه و روى أبو جعفر عن وهب بن منبه أن آدم دعا ربه فقال یا رب أ ما لأرضک هذه عامر- یسبحک و یقدسک فیها غیری- فقال الله إنی سأجعل فیها- من ولدک من یسبح بحمدی و یقدسنی- و سأجعل فیها بیوتا ترفع لذکری- یسبحنی فیها خلقی و یذکر فیها اسمی- و سأجعل من تلک البیوت بیتا أختصه بکرامتی- و أوثره باسمی فأسمیه بیتی- و علیه وضعت جلالتی و خصصته بعظمتی- و أنا مع ذلک فی کل شی‏ء- أجعل ذلک البیت حرما آمنا یحرم بحرمته من حوله- و من تحته و من فوقه- فمن حرمه بحرمتی استوجب کرامتی- و من أخاف أهله فقد أباح حرمتی و استحق سخطی- و أجعله بیتا مبارکا یأتیه بنوک شعثا غبرا- على کل ضامر من کل فج عمیق- یرجون بالتلبیه رجیجا و یعجون بالتکبیر عجیجا- من اعتمده لا یرید غیره- و وفد إلی و زارنی و استضاف بی أسعفته بحاجته- و حق على الکریم أن یکرم وفده و أضیافه- تعمره یا آدم ما دمت حیا ثم تعمره الأمم و القرون- و الأنبیاء من ولدک أمه بعد أمه و قرنا بعد قرن – .

قال ثم أمر آدم أن یأتی إلى البیت الحرام- الذی أهبط له إلى الأرض فیطوف به- کما کان یرى الملائکه تطوف حول العرش- و کان البیت حینئذ من دره أو من یاقوته- فلما أغرق الله تعالى قوم نوح رفعه- و بقی أساسه فبوأه الله لإبراهیم فبناه‏:

فَاللَّهَ اللَّهَ فِی عَاجِلِ الْبَغْیِ- وَ آجِلِ وَخَامَهِ الظُّلْمِ وَ سُوءِ عَاقِبَهِ الْکِبْرِ- فَإِنَّهَا مَصْیَدَهُ إِبْلِیسَ الْعُظْمَى وَ مَکِیدَتُهُ الْکُبْرَى- الَّتِی تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَهَ السُّمُومِ الْقَاتِلَهِ- فَمَا تُکْدِی أَبَداً وَ لَا تُشْوِی أَحَداً- لَا عَالِماً لِعِلْمِهِ وَ لَا مُقِلًّا فِی طِمْرِهِ- وَ عَنْ ذَلِکَ مَا حَرَسَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِینَ- بِالصَّلَوَاتِ وَ الزَّکَوَاتِ- وَ مُجَاهَدَهِ الصِّیَامِ فِی الْأَیَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ- تَسْکِیناً لِأَطْرَافِهِمْ وَ تَخْشِیعاً لِأَبْصَارِهِمْ- وَ تَذْلِیلًا لِنُفُوسِهِمْ وَ تَخْفِیضاً لِقُلُوبِهِمْ- وَ إِذْهَاباً لِلْخُیَلَاءِ عَنْهُمْ- وَ لِمَا فِی ذَلِکَ مِنْ تَعْفِیرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً- وَ الْتِصَاقِ کَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالْأَرْضِ تَصَاغُراً- وَ لُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّیَامِ تَذَلُّلًا- مَعَ مَا فِی الزَّکَاهِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ- وَ غَیْرِ ذَلِکَ إِلَى أَهْلِ الْمَسْکَنَهِ وَ الْفَقْرِ- انْظُرُوا إِلَى مَا فِی هَذِهِ الْأَفْعَالِ- مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ وَ قَدْعِ طَوَالِعِ الْکِبْرِ بلده وخمه و وخیمه بینه الوخامه أی وبیئه- . مصیده إبلیس بسکون الصاد و فتح الیاء- آلته التی یصطاد بها- . و تساور قلوب الرجال تواثبها- و سار إلیه یسور أی وثب و المصدر السور- و مصدر تساور المساوره- و یقال إن لغضبه سوره و هو سوار أی وثاب معربد- .

و سوره الشراب وثوبه فی الرأس- و کذلک مساوره السموم التی ذکرها أمیر المؤمنین ع- . و ما تکدی ما ترد عن تأثیرها- من قولک أکدى حافر الفرس إذا بلغ الکدیه- و هی الأرض الصلبه فلا یمکنه أن یحفر- . و لا تشوی أحدا- لا تخطئ المقتل و تصیب غیره- و هو الشوى و الشوى الأطراف کالید و الرجل- . قال لا ترد مکیدته عن أحد لا عن عالم لأجل علمه- و لا عن فقیر لطمره و الطمر الثوب الخلق- . و ما فی قوله و عن ذلک ما حرس الله زائده مؤکده- أی عن هذه المکاید التی هی البغی و الظلم و الکبر- حرس الله عباده فعن متعلقه بحرس- و قال الراوندی یجوز أن تکون مصدریه- فیکون موضعها رفعا بالابتداء- و خبر المبتدأ قوله لما فی ذلک- و قال أیضا یجوز أن تکون نافیه- أی لم یحرس الله عباده عن ذلک إلجاء و قهرا- بل فعلوه اختیارا من أنفسهم- و الوجه الأول باطل لأن عن على هذا التقدیر- تکون من صله المصدر فلا یجوز تقدیمها علیه-

و أیضا فإن لما فی ذلک لو کان هو الخبر- لتعلق لام الجر بمحذوف- فیکون التقدیر حراسه الله لعباده عن ذلک- کائنه لما فی ذلک من تعفیر الوجوه بالتراب- و هذا کلام غیر مفید و لا منتظم- إلا على تأویل بعید لا حاجه إلى تعسفه- و الوجه الثانی باطل- لأن سیاقه الکلام تدل على فساده- أ لا ترى قوله تسکینا و تخشیعا- و قوله لما فی ذلک من کذا- و هذا کله تعلیل الحاصل الثابت لا تعلیل المنفی المعدوم- .

ثم بین ع الحکمه فی العبادات- فقال إنه تعالى حرس عباده بالصلوات-التی افترضها علیهم من تلک المکاید- و کذلک بالزکاه و الصوم لیسکن أطرافهم- و یخشع أبصارهم- فجعل التسکین و التخشیع عذرا و عله للحراسه- و نصب اللفظات على أنها مفعول له- . ثم علل السکون و الخشوع الذی هو عله الحراسه- لما فی الصلاه من تعفیر الوجه على التراب- فصار ذلک عله العله- قال و ذلک لأن تعفیر عتاق الوجوه بالتراب تواضعا- یوجب هضم النفس و کسرها و تذلیلها- . و عتاق الوجوه کرائمها- . و إلصاق کرائم الجوارح بالأرض- کالیدین و الساقین تصاغرا یوجب الخشوع و الاستسلام- و الجوع فی الصوم الذی یلحق البطن فی المتن- یقتضی زوال الأشر و البطر- و یوجب مذله النفس و قمعها عن الانهماک فی الشهوات- و ما فی الزکاه من صرف فواضل المکاسب- إلى أهل الفقر و المسکنه- یوجب تطهیر النفوس و الأموال- و مواساه أرباب الحاجات بما تسمح به النفوس من الأموال- و عاصم لهم من السرقات و ارتکاب المنکرات- ففی ذلک کله دفع مکاید الشیطان- . و تخفیض القلوب حطها عن الاعتلاء و التیه- . و الخیلاء التکبر- و المسکنه أشد الفقر فی أظهر الرأیین- . و القمع القهر- . و النواجم جمع ناجمه- و هی ما یظهر و یطلع من الکبر و غیره- . و القدع بالدال المهمله الکف- قدعت الفرس و کبحته باللجام أی کففته- . و الطوالع کالنواجم‏:

وَ لَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِینَ- یَتَعَصَّبُ لِشَیْ‏ءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ إِلَّا عَنْ عِلَّهٍ- تَحْتَمِلُ تَمْوِیهَ الْجُهَلَاءِ- أَوْ حُجَّهٍ تَلِیطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَیْرَکُمْ- فَإِنَّکُمْ تَتَعَصَّبُونَ لِأَمْرٍ مَا یُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَ لَا عِلَّهٌ- أَمَّا إِبْلِیسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لِأَصْلِهِ- وَ طَعَنَ عَلَیْهِ فِی خِلْقَتِهِ- فَقَالَ أَنَا نَارِیٌّ وَ أَنْتَ طِینِیٌّ- وَ أَمَّا الْأَغْنِیَاءُ مِنْ مُتْرَفَهِ الْأُمَمِ- فَتَعَصَّبُوا لآِثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ- فَقَالُوا نَحْنُ أَکْثَرُ أَمْوَالًا وَ أَوْلَاداً- وَ مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ- فَإِنْ کَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِیَّهِ- فَلْیَکُنْ تَعَصُّبُکُمْ لِمَکَارِمِ الْخِصَالِ- وَ مَحَامِدِ الْأَفْعَالِ وَ مَحَاسِنِ الْأُمُورِ- الَّتِی تَفَاضَلَتْ فِیهَا الْمُجَدَاءُ وَ النُّجَدَاءُ- مِنْ بُیُوتَاتِ الْعَرَبِ وَ یَعَاسِیبِ القَبَائِلِ- بِالْأَخْلَاقِ الرَّغِیبَهِ وَ الْأَحْلَامِ الْعَظِیمَهِ- وَ الْأَخْطَارِ الْجَلِیلَهِ وَ الآْثَارِ الْمَحْمُودَهِ- فَتَعَصَّبُوا لِخِلَالِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ- وَ الْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ وَ الطَّاعَهِ لِلْبِرِّ- وَ الْمَعْصِیَهِ لِلْکِبْرِ وَ الْأَخْذِ بِالْفَضْلِ- وَ الْکَفِّ عَنِ الْبَغْیِ وَ الْإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ- وَ الْإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَ الْکَظْمِ لِلْغَیْظِ- وَ اجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ قد روی تحتمل بالتاء- و روی تحمل و المعنى واحد- . و التمویه التلبیس- من موهت النحاس إذا طلیته بالذهب لیخفى- . و لاط الشی‏ء بقلبی یلوط و یلیط أی التصق- . و المترف الذی أطغته النعمه- .

و تفاضلت فیها أی تزایدت- . و المجداء جمع ماجد و المجد الشرف فی الآباء- و الحسب و الکرم یکونان فی الرجل- و إن لم یکونا فی آبائه- هکذا قال ابن السکیت- و قد اعترض علیه بأن المجید من صفات الله تعالى- قال سبحانه ذُو الْعَرْشِ الْمَجِیدُ- على قراءه من رفع- و الله سبحانه یتعالى عن الآباء- و قد جاء فی وصف القرآن المجید قال سبحانه- بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِیدٌ- . و النجداء الشجعان واحدهم نجید- و أما نجد و نجد بالکسر و الضم- فجمعه أنجاد مثل یقظ و أیقاظ- . و بیوتات العرب قبائلها- و یعاسیب القبائل رؤساؤها- و الیعسوب فی الأصل ذکر النحل و أمیرها- . و الرغیبه الخصله یرغب فیها- . و الأحلام العقول و الأخطار الأقدار- .

ثم أمرهم بأن یتعصبوا لخلال الحمد و عددها- و ینبغی أن یحمل قوله ع- فإنکم تتعصبون لأمر ما یعرف له سبب و لا عله- على أنه لا یعرف له سبب مناسب- فکیف یمکن أن یتعصبوا لغیر سبب أصلا- . و قیل إن أصل هذه العصبیه و هذه الخطبه- أن أهل الکوفه کانوا- قد فسدوا فی آخر خلافه أمیر المؤمنین- و کانوا قبائل فی الکوفه- فکان الرجل یخرج من منازل قبیلته- فیمر بمنازل قبیله أخرى فینادی باسم قبیلته- یا للنخع مثلا أو یا لکنده نداء عالیا- یقصد به الفتنه و إثاره الشر- فیتألب علیه فتیان القبیله- التی مر بها فینادون- یا لتمیم‏و یا لربیعه- و یقبلون إلى ذلک الصائح فیضربونه- فیمضی إلى قبیلته فیستصرخها- فتسل السیوف و تثور الفتن- و لا یکون لها أصل فی الحقیقه- إلا تعرض الفتیان بعضهم ببعض: وَ احْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَکُمْ- مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الْأَفْعَالِ وَ ذَمِیمِ الْأَعْمَالِ- فَتَذَکَّرُوا فِی الْخَیْرِ وَ الشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ- وَ احْذَرُوا أَنْ تَکُونُوا أَمْثَالَهُمْ- فَإِذَا تَفَکَّرْتُمْ فِی تَفَاوُتِ حَالَیْهِمْ- فَالْزَمُوا کُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّهُ بِهِ حَالَهُمْ- وَ زَاحَتِ الْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ- وَ مُدَّتِ الْعَافِیَهُ بِهِ عَلَیْهِمْ- وَ انْقَادَتِ النِّعْمَهُ لَهُ مَعَهُمْ وَ وَصَلَتِ الْکَرَامَهُ عَلَیْهِ حَبْلَهُمْ- مِنَ الِاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَهِ وَ اللُّزُومِ لِلْأُلْفَهِ- وَ التَّحَاضِّ عَلَیْهَا وَ التَّوَاصِی بِهَا- وَ اجْتَنِبُوا کُلَّ أَمْرٍ کَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وَ أَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ- مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ وَ تَشَاحُنِ الصُّدُورِ- وَ تَدَابُرِ النُّفُوسِ وَ تَخَاذُلِ الْأَیْدِی المثلات العقوبات- . و ذمیم الأفعال ما یذم منها- . و تفاوت حالیهم اختلافهما- و زاحت الأعداء بعدت و له أی لأجله- . و التحاض علیها تفاعل یستدعی وقوع الحض- و هو الحث من الجهتین أی یحث بعضهم بعضا- . و الفقره واحده فقر الظهر- و یقال لمن قد أصابته مصیبه شدیده- قد کسرت فقرته- .

و المنه القوه- . و تضاغن القلوب و تشاحنها واحد- و تخاذل الأیدی ألا ینصر الناس بعضهم بعضا: وَ تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ قَبْلَکُمْ- کَیْفَ کَانُوا فِی حَالِ التَّمْحِیصِ وَ الْبَلَاءِ- أَ لَمْ یَکُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً- وَ أَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلَاءً وَ أَضْیَقَ أَهْلِ الدُّنْیَا حَالًا- اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَهُ عَبِیداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ- وَ جَرَّعُوهُمْ جُرَعَ الْمُرَارِ- فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِی ذُلِّ الْهَلَکَهِ وَ قَهْرِ الْغَلَبَهِ- لَا یَجِدُونَ حِیلَهً فِی امْتِنَاعٍ وَ لَا سَبِیلًا إِلَى دِفَاعٍ- حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ- جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِی مَحَبَّتِهِ- وَ الِاحْتِمَالَ لِلْمَکْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ- جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَایِقِ الْبَلَاءِ فَرَجاً- فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَکَانَ الذُّلِّ وَ الْأَمْنَ مَکَانَ الْخَوْفِ- فَصَارُوا مُلُوکاً حُکَّاماً وَ أَئِمَّهً أَعْلَاماً- وَ قَدْ بَلَغَتِ الْکَرَامَهُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ- مَا لَمْ تَذْهَبِ الآْمَالُ إِلَیْهِ بِهِمْ تدبروا أی تأملوا- و التمحیص التطهیر و التصفیه- . و الأعباء الأثقال واحدها عب‏ء- . و أجهد العباد أتعبهم- . و الفراعنه العتاه و کل عات فرعون- .

و ساموهم سوء العذاب ألزموهم إیاه- و هذا إشاره إلى قوله تعالى- یَسُومُونَکُمْ سُوءَالْعَذابِ- یُذَبِّحُونَ أَبْناءَکُمْ وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَکُمْ- وَ فِی ذلِکُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ- . و المرار بضم المیم شجر مر فی الأصل- و استعیر شرب المرار لکل من یلقى شدید المشقه- . و رأى الله منهم جد الصبر أی أشده- . و أئمه أعلاما أی یهتدى بهم کالعلم فی الفلاه: فَانْظُرُوا کَیْفَ کَانُوا حَیْثُ کَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَهً- وَ الْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَهً وَ الْقُلُوبُ مُعْتَدِلَهً- وَ الْأَیْدِی مُتَرَادِفَهً وَ السُّیُوفُ مُتَنَاصِرَهً- وَ الْبَصَائِرُ نَافِذَهً وَ الْعَزَائِمُ وَاحِدَهً- أَ لَمْ یَکُونُوا أَرْبَاباً فِی أَقْطَارِ الْأَرَضِینَ- وَ مُلُوکاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِینَ- فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَیْهِ فِی آخِرِ أُمُورِهِمْ- حِینَ وَقَعَتِ الْفُرْقَهُ وَ تَشَتَّتَتِ الْأُلْفَهُ- وَ اخْتَلَفَتِ الْکَلِمَهُ وَ الْأَفْئِدَهُ- تَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِینَ وَ تَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِینَ- وَ قَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ کَرَامَتِهِ- وَ سَلَبَهُمْ غَضَارَهَ نِعْمَتِهِ- وَ بَقِیَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِیکُمْ- عِبْرَهً لِلْمُعْتَبِرِینَ مِنْکُمْ الأملاء الجماعات الواحد ملأ- .

و مترادفه متعاونه- البصائر نافذه یقال نفذت بصیرتی فی هذا الخبر- أی اجتمع همی علیه- و لم یبق عندی تردد فیه لعلمی به و تحقیقی إیاه- . و أقطار الأرضین نواحیها- و تشتتت تفرقت- . و تشعبوا صاروا شعوبا و قبائل مختلفین- . و تفرقوا متحزبین اختلفوا أحزابا- و روی متحازبین- . و غضاره النعمه الطیب اللین منها- .

و القصص الحدیث- . یقول انظروا فی أخبار من قبلکم من الأمم- کیف کانت حالهم فی العز و الملک- لما کانت کلمتهم واحده- و إلى ما ذا آلت حالهم حین اختلفت کلمتهم- فاحذروا أن تکونوا مثلهم- و أن یحل بکم إن اختلفتم مثل ما حل بهم: فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِیلَ- وَ بَنِی إِسْحَاقَ وَ بَنِی إِسْرَائِیلَ ع- فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الْأَحْوَالِ وَ أَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الْأَمْثَالِ- تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِی حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ- لَیَالِیَ کَانَتِ الْأَکَاسِرَهُ وَ الْقَیَاصِرَهُ أَرْبَاباً لَهُمْ- یَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِیفِ الآْفَاقِ وَ بَحْرِ الْعِرَاقِ- وَ خُضْرَهِ الدُّنْیَا إِلَى مَنَابِتِ الشِّیحِ- وَ مَهَافِی الرِّیحِ وَ نَکَدِ الْمَعَاشِ- فَتَرَکُوهُمْ عَالَهً مَسَاکِینَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ- أَذَلَّ الْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً- لَا یَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَهٍ یَعْتَصِمُونَ بِهَا- وَ لَا إِلَى ظِلِّ أُلْفَهٍ یَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا- فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَهٌ وَ الْأَیْدِی مُخْتَلِفَهٌ- وَ الْکَثْرَهُ مُتَفَرِّقَهٌ- فِی بَلَاءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ- مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَهٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَهٍ- وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَهٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَهٍ

لقائل أن یقول- ما نعرف أحدا من بنی إسحاق و بنی إسرائیل- احتازتهم الأکاسره و القیاصره- عن ریف الآفاق إلى البادیه و منابت الشیح- إلا أن یقال یهود خیبر و النضیر- و بنی قریظه و بنی قینقاع- و هؤلاء نفر قلیل لا یعتد بهم- و یعلم من فحوى الخطبه أنهم غیر مرادین بالکلام- و لأنه ع قال ترکوهم إخوان دبر و وبر- و هؤلاء لم یکونوا من أهل الوبر و الدبر- بل من أهل المدر لأنهم کانوا ذوی حصون و آطام- و الحاصل أن الذین احتازتهم- الأکاسره و القیاصره من الریف إلى البادیه- و صاروا أهل وبر ولد إسماعیل- لا بنو إسحاق و بنو إسرائیل- و الجواب أنه ع ذکر فی هذه الکلمات- و هی قوله فاعتبروا بحال ولد إسماعیل- و بنی إسحاق و بنی إسرائیل- المقهورین و القاهرین جمیعا- أما المقهورون فبنو إسماعیل- و أما القاهرون فبنو إسحاق و بنو إسرائیل- لأن الأکاسره من بنی إسحاق- ذکر کثیر من أهل العلم أن فارس من ولد إسحاق- و القیاصره من ولد إسحاق أیضا- لأن الروم بنو العیص بن إسحاق- و على هذا یکون الضمیر فی أمرهم- و تشتتهم و تفرقهم یرجع إلى بنی إسماعیل خاصه- .

فإن قلت فبنو إسرائیل أی مدخل لهم هاهنا- قلت لأن بنی إسرائیل لما کانوا ملوکا بالشام- فی أیام أجاب الملک و غیره- حاربوا العرب من بنی إسماعیل غیر مره- و طردوهم عن الشام- و ألجئوهم على المقام ببادیه الحجاز- و یصیر تقدیر الکلام- فاعتبروا بحال ولد إسماعیل- مع بنی إسحاق و بنی إسرائیل- فجاء بهم فی صدر الکلام على العموم- ثم خصص فقال الأکاسره و القیاصره- و هم داخلون فی عموم ولد إسحاق- و إنما لم یخصص عموم بنی إسرائیل- لأن العرب لم تکن تعرف ملوک‏ ولد یعقوب- فیذکر لهم أسماءهم فی الخطبه- بخلاف ولد إسحاق فإنهم کانوا یعرفون ملوکهم- من بنی ساسان و من بنی الأصفر- .

قوله ع فما أشد اعتدال الأحوال- أی ما أشبه الأشیاء بعضها ببعض- و إن حالکم لشبیهه بحال أولئک فاعتبروا بهم- . قوله یحتازونهم عن الریف یبعدونهم عنه- و الریف الأرض ذات الخصب و الزرع- و الجمع أریاف و رافت الماشیه أی رعت الریف- و قد أرفنا أی صرنا إلى الریف- و أرافت الأرض أی أخصبت- و هی أرض ریفه بتشدید الیاء- . و بحر العراق دجله و الفرات- أما الأکاسره فطردوهم عن بحر العراق- و أما القیاصره فطردوهم عن ریف الآفاق- أی عن الشام و ما فیه من المرعى و المنتجع- . قوله ع أربابا لهم أی ملوکا- و کانت العرب تسمى الأکاسره أربابا- و لما عظم أمر حذیفه بن بدر عندهم سموه رب معد- . و منابت الشیح أرض العرب- و الشیح نبت معروف- . و مهافی الریح المواضع التی تهفو فیها- أی تهب و هی الفیافی و الصحاری- . و نکد المعاش ضیقه و قلته- . و ترکوهم عاله أی فقراء جمع عائل- و العائل ذو العیله و العیله الفقر- قال تعالى- وَ إِنْ خِفْتُمْ عَیْلَهً فَسَوْفَ یُغْنِیکُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ- قال الشاعر

تعیرنا أننا عاله
صعالیک نحن و أنتم ملوک‏

نظیره قائد و قاده و سائس و ساسه- . و قوله إخوان دبر و وبر- الدبر مصدر دبر البعیر أی عقره القتب- و الوبر للبعیر بمنزله الصوف للضأن و الشعر للمعز- . قوله أذل الأمم دارا- لعدم المعاقل و الحصون المنیعه فیها- . و أجدبهم قرارا لعدم الزرع و الشجر و النخل بها- و الجدب المحل- . و لا یأوون لا یلتجئون و لا ینضمون- . و الأزل الضیق- و أطباق جهل جمع طبق- أی جهل متراکم بعضه فوق بعض- . و غارات مشنونه متفرقه و هی أصعب الغارات

فصل فی ذکر الأسباب التی دعت العرب إلى وأد البنات

من بنات موءوده- کان قوم من العرب یئدون البنات- قیل إنهم بنو تمیم خاصه- و إنه استفاض منهم فی جیرانهم- و قیل بل کان ذلک فی تمیم و قیس و أسد- و هذیل و بکر بن وائل- قالوا و ذلک أن رسول الله ص دعا علیهم-
فقال اللهم اشدد وطأتک على مضر- و اجعل علیهم سنین کسنی یوسف – فأجدبوا سبع سنین حتى أکلوا الوبر بالدم- و کانوا یسمونه العلهز- فوأدوا البنات لإملاقهم و فقرهم- و قد دل على ذلک بقوله- وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ خَشْیَهَ إِمْلاقٍ- قال وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ- . و قال قوم بل وأدوا البنات أنفه- و زعموا أن تمیما منعت النعمان الإتاوه- سنه من‏السنین- فوجه إلیهم أخاه الریان بن المنذر- و جل من معه من بکر بن وائل- فاستاق النعم و سبى الذراری- و فی ذلک یقول بعض بنی یشکر-

لما رأوا رایه النعمان مقبله
قالوا ألا لیت أدنى دارنا عدن‏

یا لیت أم تمیم لم تکن عرفت‏
مرا و کانت کمن أودى به الزمن‏

إن تقتلونا فأعیار مخدعه
أو تنعموا فقدیما منکم المنن‏

منکم زهیر و عتاب و محتضن‏
و ابنا لقیط و أودى فی الوغى قطن‏

فوفدت بنو تمیم إلى النعمان و استعطفوه- فرق علیهم و أعاد علیهم السبی- و قال کل امرأه اختارت أباها ردت إلیه- و إن اختارت صاحبها ترکت علیه- فکلهن اخترن آباءهن إلا ابنه قیس بن عاصم- فإنها اختارت من سباها- و هو عمرو بن المشمرخ الیشکری- فنذر قیس بن عاصم المنقری التمیمی- ألا یولد له بنت إلا وأدها- و الوأد أن یخنقها فی التراب- و یثقل وجهها به حتى تموت- ثم اقتدى به کثیر من بنی تمیم قال سبحانه- وَ إِذَا الْمَوْؤُدَهُ سُئِلَتْ بِأَیِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ- أی على طریق التبکیت و التوبیخ لمن فعل ذلک أو أجازه- کما قال سبحانه یا عِیسَى ابْنَ مَرْیَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ- اتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلهَیْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ- . و من جید شعر الفرزدق قوله فی هجاء جریر-

أ لم تر أنا بنی دارم
زراره منا أبو معبد

و منا الذی منع الوائدات‏
و أحیا الولید فلم یوأد

أ لسنا بأصحاب یوم النسار
و أصحاب ألویه المربد

أ لسنا الذین تمیم بهم
تسامى و تفخر فی المشهد

و ناجیه الخیر و الأقرعان‏
و قبر بکاظمه المورد

إذا ما أتى قبره عائذ
أناخ على القبر بالأسعد

أ یطلب مجد بنی دارم‏
عطیه کالجعل الأسود

قرنبى یحک قفا مقرف
لئیم مآثره قعدد

و مجد بنی دارم فوقه‏
مکان السماکین و الفرقد

و فی الحدیث أن صعصعه بن ناجیه بن عقال- لما وفد على رسول الله ص قال- یا رسول الله إنی کنت أعمل فی الجاهلیه عملا صالحا- فهل ینفعنی ذلک الیوم- قال ع و ما عملت- قال ضللت ناقتین عشراوین- فرکبت جملا و مضیت فی بغائهما- فرفع لی بیت حرید فقصدته- فإذا شیخ جالس بفنائه فسألته عن الناقتین- فقال ما نارهما قلت میسم بنی دارم- قال هما عندی و قد أحیا الله بهما- قوما من أهلک من مضر- فجلست معه لیخرجهما إلى- فإذا عجوز قد خرجت من کسر البیت- فقال لها ما وضعت- إن کان سقبا شارکنا فی أموالنا- و إن کان حائلا وأدناها- فقالت العجوز وضعت أنثى- فقلت له أ تبیعها قال و هل تبیع العرب أولادها- قلت إنما أشتری حیاتها و لا أشتری رقها- قال فبکم قلت احتکم قال بالناقتین و الجمل- قلت أ ذاک لک على أن یبلغنی الجمل و إیاها- قال بعتک فاستنقذتهامنه بالجمل و الناقتین- و آمنت بک یا رسول الله- و قد صارت لی سنه فی العرب- أن أشتری کل موءوده بناقتین عشراوین و جمل- فعندی إلى هذه الغایه- ثمانون و مائتا موءوده قد انقذتهن- قال ع لا ینفعک ذاک لأنک لم تبتغ به وجه الله- و أن تعمل فی إسلامک عملا صالحا تثب علیه – .

و روى الزبیر فی الموفقیات- أن أبا بکر قال فی الجاهلیه لقیس بن عاصم المنقری- ما حملک على أن وأدت- قال مخافه أن یخلف علیهن مثلک فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَیْهِمْ- حِینَ بَعَثَ إِلَیْهِمْ رَسُولًا- فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ- کَیْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَهُ عَلَیْهِمْ جَنَاحَ کَرَامَتِهَا- وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِیمِهَا- وَ الْتَفَّتِ الْمِلَّهُ بِهِمْ فِی عَوَائِدِ بَرَکَتِهَا- فَأَصْبَحُوا فِی نِعْمَتِهَا غَرِقِینَ- وَ فِی خُضْرَهِ عَیْشِهَا فَاکِهِینَ- قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ فِی ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ- وَ آوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى کَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ- وَ تَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَیْهِمْ فِی ذُرَى مُلْکٍ ثَابِتٍ- فَهُمْ حُکَّامٌ عَلَى الْعَالَمِینَ- وَ مُلُوکٌ فِی أَطْرَافِ الْأَرَضِینَ- یَمْلِکُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَنْ کَانَ یَمْلِکُهَا عَلَیْهِمْ- وَ یُمْضُونَ الْأَحْکَامَ فِیمَنْ کَانَ یُمْضِیهَا فِیهِمْ- لَا تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاهٌ وَ لَا تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاهٌ لما ذکر ما کانت العرب علیه من الذل و الضیم و الجهل- عاد فذکر ما أبدل الله‏به حالهم- حین بعث إلیهم محمدا ص- فعقد علیهم طاعتهم کالشی‏ء المنتشر المحلول- فعقدها بمله محمد ص- .

و الجداول الأنهر- . و التفت المله بهم أی کانوا متفرقین- فالتفت مله محمد بهم أی جمعتهم- و یقال التف الحبل بالحطب أی جمعه- و التف الحطب بالحبل أی اجتمع به- . و فی فی قوله فی عوائد برکتها متعلقه بمحذوف- و موضع الجار و المجرور نصب على الحال- أی جمعتهم المله کائنه فی عوائد برکتها- و العوائد جمع عائده و هی المنفعه- تقول هذا أعود علیک أی أنفع لک- و روی و التقت المله بالقاف أی اجتمعت بهم- من اللقاء و الروایه الأولى أصح- . و أصبحوا فی نعمتها غرقین- مبالغه فی وصف ما هم فیه من النعمه- .

و فاکهین ناعمین- و روی فکهین أی أشرین- و قد قرئ بهما فی قوله تعالى وَ نَعْمَهٍ کانُوا فِیها فاکِهِینَ- و قال الأصمعی فاکهین مازحین- و المفاکهه الممازحه و من أمثالهم- لا تفاکه أمه و لا تبل على أکمه- فأما قوله تعالى فَظَلْتُمْ تَفَکَّهُونَ- فقیل تندمون و قیل تعجبون- .

و عن فی قوله و عن خضره عیشها- متعلقه بمحذوف تقدیره فأصبحوا فاکهین- فکاهه صادره عن خضره عیشها- أی خضره عیش النعمه سبب لصدور الفکاهه و المزاح عنه- . و تربعت الأمور بهم أی أقامت- من قولک ربع بالمکان أی أقام به- .و آوتهم الحال بالمد أی ضمتهم و أنزلتهم- قال تعالى آوى‏ إِلَیْهِ أَخاهُ أی ضمه إلیه و أنزله- و یجوز أوتهم بغیر مد- أفعلت فی هذا المعنى و فعلت واحد عن أبی زید- . و الکنف الجانب- و تعطفت الأمور علیهم کنایه عن السیاده و الإقبال- یقال قد تعطف الدهر على فلان- أی أقبل حظه و سعادته بعد أن لم یکن کذلک- . و فی ذرا ملک بضم الذال أی فی أعالیه- جمع ذروه و یکنى عن العزیز الذی لا یضام- فیقال لا یغمز له قناه أی هو صلب- و القناه إذا لم تلن فی ید الغامز- کانت أبعد عن الحطم و الکسر- . و لا تقرع لهم صفاه- مثل یضرب لمن لا یطمع فی جانبه لعزته و قوته: أَلَا وَ إِنَّکُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَیْدِیَکُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَهِ- وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَیْکُمْ بِأَحْکَامِ الْجَاهِلِیَّهِ- فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَّ عَلَى جَمَاعَهِ هَذِهِ الْأُمَّهِ- فِیمَا عَقَدَ بَیْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ الْأُلْفَهِ- الَّتِی یَتَقَلَّبُونَ فِی ظِلِّهَا وَ یَأْوُونَ إِلَى کَنَفِهَا- بِنِعْمَهٍ لَا یَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِینَ لَهَا قِیمَهً- لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ کُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلُّ مِنْ کُلِّ خَطَرٍ- وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَهِ أَعْرَاباً- وَ بَعْدَ الْمُوَالَاهِ أَحْزَاباً- مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِاسْمِهِ- وَ لَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِیمَانِ إِلَّا رَسْمَهُ- تَقُولُونَ النَّارَ وَ لَا الْعَارَ- کَأَنَّکُمْ تُرِیدُونَ أَنْ تُکْفِئُوا الْإِسْلَامَ عَلَى وَجْهِهِ- انْتِهَاکاً لِحَرِیمِهِ وَ نَقْضاً لِمِیثَاقِهِ الَّذِی وَضَعَهُ اللَّهُ لَکُمْ- حَرَماً فِی أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَیْنَ خَلْقِهِ- وَ إِنَّکُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَیْرِهِ حَارَبَکُمْ أَهْلُ الْکُفْرِ- ثُمَّ لَا جَبْرَائِیلَ‏وَ لَا مِیکَائِیلَ- وَ لَا مُهَاجِرِینَ وَ لَا أَنْصَارَ یَنْصُرُونَکُمْ- إِلَّا الْمُقَارَعَهَ بِالسَّیْفِ حَتَّى یَحْکُمَ اللَّهُ بَیْنَکُمْ- وَ إِنَّ عِنْدَکُمُ الْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَ قَوَارِعِهِ- وَ أَیَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ- فَلَا تَسْتَبْطِئُوا وَعِیدَهُ جَهْلًا بِأَخْذِهِ- وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَ یَأْساً مِنْ بَأْسِهِ- فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ یَلْعَنِ الْقُرُونَ الْمَاضِیَهَ بَیْنَ أَیْدِیکُمْ- إِلَّا لِتَرْکِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ- فَلَعَنَ اللَّهُ السُّفَهَاءَ لِرُکُوبِ الْمَعَاصِی وَ الْحُلَمَاءَ لِتَرْکِ التَّنَاهِی نفضتم أیدیکم کلمه تقال فی اطراح الشی‏ء و ترکه- و هی أبلغ من أن تقول ترکتم حبل الطاعه- لأن من یخلی الشی‏ء من یده ثم ینفض یده منه- یکون أشد تخلیه له ممن لا ینفضها- بل یقتصر على تخلیته فقط- لأن نفضها إشعار و إیذان بشده الاطراح و الإعراض- .

و الباء فی قوله بأحکام الجاهلیه متعلقه بثلمتم- أی ثلمتم حصن الله بأحکام الجاهلیه- التی حکمتم بها فی مله الإسلام- . و الباء فی قوله بنعمه لا یعرف متعلقه بامتن- و فی من قوله فیما عقد متعلقه بمحذوف- و موضعها نصب على الحال و هذا إشاره إلى قوله تعالى- لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ما أَلَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ- وَ لکِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ- و قوله فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً- .

و روی تتقلبون فی ظلها- .قوله صرتم بعد الهجره أعرابا- الأعراب على عهد رسول الله ص- من آمن به من أهل البادیه و لم یهاجر إلیه- و هم ناقصو المرتبه عن المهاجرین لجفائهم و قسوتهم- و توحشهم و نشئهم فی بعد من مخالطه العلماء- و سماع کلام الرسول ص و فیهم أنزل- الْأَعْرابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفاقاً- وَ أَجْدَرُ أَلَّا یَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ- و لیست هذه الآیه عامه فی کل الأعراب بل خاصه ببعضهم- و هم الذین کانوا حول المدینه- و هم جهینه و أسلم و أشجع و غفار- و إلیهم أشار سبحانه بقوله- وَ مِمَّنْ حَوْلَکُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ- و کیف یکون کل الأعراب مذموما- و قد قال تعالى وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ- وَ یَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ- و صارت هذه الکلمه جاریه مجرى المثل- . و أنشد الحجاج على منبر الکوفه-

قد لفها اللیل بعصلبی
أروع خراج من الدوی‏
مهاجر لیس بأعرابی‏

و قال عثمان لأبی ذر أخشى أن تصیر بعد الهجره أعرابیا- . و روی و لا یعقلون من الإیمان- . و قولهم النار و لا العار منصوبتان بإضمار فعل- أی ادخلوا النار و لا تلتزموا العار- و هی کلمه جاریه مجرى المثل أیضا- یقولها أرباب الحمیه و الإباء- فإذا قیلت فی حق کانت صوابا- و إذا قیلت فی باطل کانت خطأ- . و أکفأت الإناء و کفأته لغتان أی کببته- .

قوله ثم لا جبرائیل و لا میکائیل و لا مهاجرین- الروایه المشهوره هکذا بالنصب و هو جائز على التشبیه بالنکره- کقولهم معضله و لا أبا حسن لها قال الراجز-

لا هیثم اللیله للمطی‏

و قد روی بالرفع فی الجمیع- . و المقارعه منصوبه على المصدر- و قال الراوندی هی استثناء منقطع و الصواب ما ذکرناه- و قد روی إلا المقارعه بالرفع- تقدیره و لا نصیر لکم بوجه من الوجوه إلا المقارعه- . و الأمثال التی أشار إلیها أمیر المؤمنین ع- هی ما تضمنه القرآن من أیام الله و نقماته على أعدائه- و قال تعالى وَ ضَرَبْنا لَکُمُ الْأَمْثالَ- . و التناهی مصدر تناهى القوم عن کذا- أی نهى بعضهم بعضا- یقول لعن الله الماضین من قبلکم- لأن سفهاءهم ارتکبوا المعصیه- و حلماءهم لم ینهوهم عنها- و هذا من قوله تعالى کانُوا لا یَتَناهَوْنَ عَنْ مُنکَرٍ فَعَلُوهُ- لَبِئْسَ ما کانُوا یَفْعَلُونَ: أَلَا وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَیْدَ الْإِسْلَامِ- وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْکَامَهُ- أَلَا وَ قَدْ أَمَرَنِیَ اللَّهُ- بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْیِ وَ النَّکْثِ وَ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ- فَأَمَّا النَّاکِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ- وَ أَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ- وَ أَمَّا الْمَارِقَهُ فَقَدْ دَوَّخْتُ- وَ أَمَّا شَیْطَانُ الرَّدْهَهِ فَقَدْ کُفِیتُهُ- بِصَعْقَهٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَهُ قَلْبِهِ وَ رَجَّهُ صَدْرِهِ-وَ بَقِیَتْ بَقِیَّهٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْیِ- وَ لَئِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِی الْکَرَّهِ عَلَیْهِمْ- لَأُدِیلَنَّ مِنْهُمْ إِلَّا مَا یَتَشَذَّرُ فِی أَطْرَافِ الْبِلَادِ تَشَذُّراً قد ثبت عن النبی ص أنه قال له ع- ستقاتل بعدی الناکثین و القاسطین و المارقین – فکان الناکثون أصحاب الجمل لأنهم نکثوا بیعته ع- و کان القاسطون أهل الشام بصفین- و کان المارقون الخوارج فی النهروان- و فی الفرق الثلاث قال الله تعالى- فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ- و قال وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَکانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً- و قال النبی ص یخرج من ضئضئ هذا قوم- یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیه- ینظر أحدکم فی النصل فلا یجد شیئا- فینظر فی الفوق فلا یجد شیئا- سبق الفرث و الدم – و هذا الخبر من أعلام نبوته ص- و من أخباره المفصله بالغیوب- .

و أما شیطان الردهه فقد قال قوم- إنه ذو الثدیه صاحب النهروان- و رووا فی ذلک خبرا عن النبی ص- و ممن ذکر ذلک و اختاره الجوهری صاحب الصحاح- و هؤلاء یقولون إن ذا الثدیه لم یقتل بسیف- و لکن الله رماه یوم النهروان بصاعقه- و إلیها أشار ع بقوله فقد کفیته بصعقه- سمعت لها وجبهقلبه- و قال قوم شیطان الردهه أحد الأبالسه المرده- من أعوان عدو الله إبلیس- و رووا فی ذلک خبرا عن النبی ص و أنه کان یتعوذ منه- و الردهه شبه نقره فی الجبل یجتمع فیها الماء- و هذا مثل قوله ع هذا أزب العقبه أی شیطانها- و لعل أزب العقبه هو شیطان الردهه بعینه- فتاره یرد بهذا اللفظ و تاره یرد بذلک اللفظ- و قال قوم شیطان الردهه مارد یتصور فی صوره حیه- و یکون على الردهه- و إنما أخذوا هذا من لفظه الشیطان لأن الشیطان الحیه- و منه قولهم شیطان الحماطه و الحماطه شجره مخصوصه- و یقال إنها کثیره الحیات- .

قوله و یتشذر فی أطراف الأرض یتمزق و یتبدد- و منه قولهم ذهبوا شذر مذر- . و البقیه التی بقیت من أهل البغی معاویه و أصحابه- لأنه ع لم یکن أتى علیهم بأجمعهم- و إنما وقفت الحرب بینه و بینهم بمکیده التحکیم- . قوله ع و لئن أذن الله فی الکره علیهم- أی إن مد لی فی العمر لأدیلن منهم- أی لتکونن الدوله لی علیهم- أدلت من فلان أی غلبته و قهرته و صرت ذا دوله علیه

استدلال قاضی القضاه على إمامه أبی بکر و رد المرتضى علیه

و اعلم أن أصحابنا قد استدلوا على صحه إمامه أبی بکر- بقوله تعالى یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ- فَسَوْفَ یَأْتِی اللَّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ- أَذِلَّهٍعَلَى الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّهٍ عَلَى الْکافِرِینَ- یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَهَ لائِمٍ- ثم قال قاضی القضاه فی المعنى و هذا خبر من الله تعالى- و لا بد أن یکون کائنا على ما أخبر به- و الذین قاتلوا المرتدین هم أبو بکر و أصحابه- فوجب أن یکونوا هم الذین عناهم الله سبحانه بقوله- یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ و ذلک یوجب أن یکونوا على صواب- .

و اعترض المرتضى رحمه الله على هذا الاحتجاج- فی الشافی فقال من أین قلت- إن الآیه نزلت فی أبی بکر و أصحابه- فإن قال لأنهم الذین قاتلوا المرتدین بعد رسول الله ص- و لا أحد قاتلهم سواهم قیل له- و من الذی سلم لک ذلک- أ و لیس أمیر المؤمنین ع قد قاتل الناکثین- و القاسطین و المارقین بعد الرسول ص- و هؤلاء عندنا مرتدون عن الدین- و یشهد بصحه التأویل زائدا على احتمال القول له- ما روی عن أمیر المؤمنین ع من قوله یوم البصره- و الله ما قوتل أهل الآیه حتى الیوم و تلاها- و قد روی عن عمار و حذیفه و غیرهما مثل ذلک- . فإن قال دلیلی على أنها فی أبی بکر و أصحابه- قول أهل التفسیر قیل له- أ و کل أهل التفسیر قال ذلک- فإن قال نعم کابر لأنه قد روی عن جماعه- التأویل الذی ذکرناه- و لو لم یکن إلا ما روی عن أمیر المؤمنین ع- و وجوه أصحابه الذین ذکرناهم لکفى- و إن قال حجتی قول بعض المفسرین- قلنا و أی حجه فی قول البعض- و لم صار البعض الذی قال ما ذکرت أولى بالحق- من البعض الذی قال ما ذکرنا- . ثم یقال له قد وجدنا الله تعالى- قد نعت المذکورین فی الآیه بنعوت- یجب أن‏تراعیها لنعلم أ فی صاحبنا هی أم فی صاحبک- و قد جعله الرسول ص فی خیبر- حین فر من فر من القوم عن العدو صاحب هذه الأوصاف- فقال لأعطین الرایه غدا رجلا یحب الله و رسوله- و یحبه الله و رسوله کرارا غیر فرار- فدفعها إلى أمیر المؤمنین ع – .

ثم قوله تعالى أَذِلَّهٍ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ- أَعِزَّهٍ عَلَى الْکافِرِینَ یقتضی ما ذکرنا- لأنه من المعلوم بلا خلاف- حال أمیر المؤمنین ع فی التخاشع و التواضع- و ذم نفسه و قمع غضبه- و أنه ما رئی قط طائشا- و لا متطیرا فی حال من الأحوال- و معلوم حال صاحبیکم فی هذا الباب- أما أحدهما فإنه اعترف طوعا- بأن له شیطانا یعتریه عند غضبه- و أما الآخر فکان معروفا بالجد و العجله- مشهورا بالفظاظه و الغلظه و أما العزه على الکافرین- فإنما تکون بقتالهم و جهادهم و الانتقام منهم- و هذه حال لم یسبق أمیر المؤمنین ع إلیها سابق- و لا لحقه فیها لاحق- .

ثم قال تعالى- یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَهَ لائِمٍ- و هذا وصف أمیر المؤمنین المستحق له بالإجماع- و هو منتف عن أبی بکر و صاحبه إجماعا- لأنه لا قتیل لهما فی الإسلام- و لا جهاد بین یدی الرسول ص- و إذا کانت الأوصاف المراعاه فی الآیه- حاصله لأمیر المؤمنین ع و غیر حاصله لمن ادعیتم- لأنها فیهم على ضربین ضرب معلوم انتفاؤه کالجهاد- و ضرب مختلف فیه کالأوصاف التی هی غیر الجهاد- و على من أثبتها لهم الدلاله على حصولها- و لا بد أن یرجع فی ذلک إلى غیر ظاهر الآیه- لم یبق فی یده من الآیه دلیل- .

هذه جمله ما ذکره المرتضى رحمه الله- و لقد کان یمکنه التخلص من الاحتجاج بالآیه-على وجه ألطف و أحسن و أصح مما ذکره- فیقول المراد بها من ارتد على عهد رسول الله ص- فی واقعه الأسود العنسی بالیمن- فإن کثیرا من المسلمین ضلوا به و ارتدوا عن الإسلام- و ادعوا له النبوه و اعتقدوا صدقه- و القوم الذین یحبهم الله و یحبونه- القوم الذین کاتبهم رسول الله ص- و أغراهم بقتله و الفتک به- و هم فیروز الدیلمی و أصحابه و القصه مشهوره و قد کان له أیضا أن یقول لم قلت- إن الذین قاتلهم أبو بکر و أصحابه کانوا مرتدین- فإن المرتد من ینکر دین الإسلام- بعد أن کان قد تدین به- و الذین منعوا الزکاه لم ینکروا أصل دین الإسلام- و إنما تأولوا فأخطئوا لأنهم تأولوا قول الله تعالى- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَهً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَکِّیهِمْ بِها- وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ- فقالوا إنما ندفع زکاه أموالنا إلى من صلاته سکن لنا- و لم یبق بعد وفاه النبی ص من هو بهذه الصفه- فسقط عنا وجوب الزکاه- لیس هذا من الرده فی شی‏ء- و إنما سماهم الصحابه أهل الرده على سبیل المجاز- إعظاما لما قالوه و تأولوه- .

فإن قیل إنما الاعتماد على قتال أبی بکر و أصحابه- لمسیلمه و طلیحه اللذین ادعیا النبوه- و ارتد بطریقهما کثیر من العرب- لا على قتال مانعی الزکاه- قیل إن مسیلمه و طلیحه جاهدهما رسول الله ص قبل موته- بالکتب و الرسل- و أنفذ لقتلهما جماعه من المسلمین- و أمرهم أن یفتکوا بهما غیله إن أمکنهم ذلک- و استنفر علیهما قبائل من العرب- و کل ذلک مفصل مذکور فی کتب السیره و التواریخ- فلم لا یجوز أن یکون أولئک النفر- الذین بعثهم رسول الله ص للفتک بهما- هم المعنیون بقوله یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ إلى آخر الآیه- و لم یقل فی الآیه یجاهدون‏فیقتلون- و إنما ذکر الجهاد فقط- و قد کان الجهاد من أولئک النفر حاصلا و إن لم یبلغوا الغرض- کما کان الجهاد حاصلا عند حصار الطائف- و إن لم یبلغ فیه الغرض- .

و قد کان له أیضا أن یقول- سیاق الآیه لا یدل على ما ظنه المستدل بها- من أنه من یرتدد عن الدین- فإن الله یأتی بقوم یحبهم و یحبونه- یحاربونه لأجل ردته- و إنما الذی یدل علیه سیاق الآیه- أنه من یرتد منکم عن دینه- بترک الجهاد مع رسول الله ص- و سماه ارتدادا على سبیل المجاز- فسوف یأتی الله بقوم یحبهم و یحبونه- یجاهدون فی سبیل الله معه عوضا عنکم- و کذلک کان کل من خذل النبی ص- و قعد عن النهوض معه فی حروبه- أغناه الله تعالى عنه بطائفه أخرى من المسلمین- جاهدوا بین یدیه- . و أما قول المرتضى رحمه الله- إنها أنزلت فی الناکثین و القاسطین و المارقین- الذین حاربهم أمیر المؤمنین ع فبعید- لأنهم لا یطلق علیهم لفظ الرده عندنا- و لا عند المرتضى و أصحابه- أما اللفظ فبالاتفاق و إن سموهم کفارا- و أما المعنى فلأن فی مذهبهم أن من ارتد- و کان قد ولد على فطره الإسلام بانت امرأته منه- و قسم ماله بین ورثته- و کان على زوجته عده المتوفى عنها زوجها- و معلوم أن أکثر محاربی أمیر المؤمنین ع- کانوا قد ولدوا فی الإسلام- و لم یحکم فیهم بهذه الأحکام- .

و قوله إن الصفات غیر متحققه فی صاحبکم- فلعمری إن حظ أمیر المؤمنین ع منها هو الحظ الأوفى- و لکن الآیه ما خصت الرئیس بالصفات المذکوره- و إنما أطلقها على المجاهدین- و هم الذین یباشرون الحرب- فهب أن أبا بکر و عمر ما کانا بهذه الصفات- لم لا یجوز أن یکون مدحا- لمن جاهد بین أیدیهما من المسلمین و باشر الحرب- و هم شجعان المهاجرین و الأنصار- الذین فتحوا الفتوح و نشروا الدعوه و ملکوا الأقالیم- .

و قد استدل قاضی القضاه أیضا عن صحه إمامه أبی بکر- و أسند هذا الاستدلال إلى شیخنا أبی علی بقوله تعالى- سَیَقُولُ لَکَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ- شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا- یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ- و قال تعالى فَإِنْ رَجَعَکَ اللَّهُ إِلى‏ طائِفَهٍ مِنْهُمْ- فَاسْتَأْذَنُوکَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً- وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا- إِنَّکُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّهٍ- فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِینَ- و قال تعالى- سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى‏ مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها- ذَرُونا نَتَّبِعْکُمْ یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلامَ اللَّهِ- قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا کَذلِکُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ یعنی قوله تعالى- لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا- ثم قال سبحانه قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ- أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ- فَإِنْ تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً- وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا کَما تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ یُعَذِّبْکُمْ عَذاباً أَلِیماً- فبین أن الذی یدعو هؤلاء المخلفین من الأعراب- إلى قتال قوم أولی بأس شدید غیر النبی ص- لأنه تعالى قد بین أنهم لا یخرجون معه- و لا یقاتلون معه عدوا بآیه متقدمه- و لم یدعهم بعد النبی ص إلى قتال الکفار- إلا أبو بکر و عمر و عثمان- لأن أهل التأویل لم یقولوا فی هذه الآیه- غیر وجهین من التأویل فقال بعضهم- عنى بقوله سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ- بنی حنیفه و قال بعضهم عنى فارس و الروم- و أبو بکر هو الذی دعا إلى قتال بنی حنیفه- و قتال آل فارس و الروم- و دعاهم بعده إلى قتال فارس و الروم عمر- فإذا کان الله تعالى قد بین- أنهم بطاعتهم لهما یؤتهم أجرا حسنا- و إن تولوا عن طاعتهما یعذبهم عذابا ألیما- صح أنهما على حق- و أن طاعتهما طاعه لله تعالى- و هذا یوجب صحه إمامتهما- .

فإن قیل إنما أراد الله بذلک أهل الجمل و صفین- قیل هذا فاسد من وجهین- أحدهما قوله تعالى تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ- و الذین حاربوا أمیر المؤمنین کانوا على الإسلام- و لم یقاتلوا على الکفر- و الوجه الثانی- أنا لا نعرف من الذین عناهم الله تعالى بهذا- من بقی إلى أیام أمیر المؤمنین ع- کما علمنا أنهم کانوا باقین فی أیام أبی بکر- . اعترض المرتضى رحمه الله على هذا الکلام من وجهین- أحدهما أنه نازع فی اقتضاء الآیه- داعیا یدعو هؤلاء المخلفین غیر النبی ص- و ذلک لأن قوله تعالى- سَیَقُولُ لَکَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ- شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا- یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ- قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ لَکُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً- إِنْ أَرادَ بِکُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِکُمْ نَفْعاً- بَلْ کانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً- بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ یَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ- إِلى‏ أَهْلِیهِمْ أَبَداً وَ زُیِّنَ ذلِکَ فِی قُلُوبِکُمْ- وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ کُنْتُمْ قَوْماً بُوراً- .

إنما أراد به سبحانه الذین تخلفوا عن الحدیبیه- بشهاده جمیع أهل النقل و إطباق المفسرین- . ثم قال تعالى سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ- إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى‏ مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْکُمْ- یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلامَ اللَّهِ- قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا کَذلِکُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ- فَسَیَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا- بَلْ کانُوا لا یَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِیلًا- و إنما التمس هؤلاء المخلفون- أن یخرجوا إلى غنیمه خیبر فمنعهم الله تعالى من ذلک- و أمر نبیه أن یقول لهم لن تتبعونا إلى هذه الغزاه- لأن الله تعالى کان حکم من قبل- بأن غنیمه خیبر لمن شهد الحدیبیه- و أنه لا حظ لمن لم یشهدها- و هذا هو معنى قوله تعالى- یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلامَ اللَّهِ- و قوله کَذلِکُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ- ثم قال تعالى قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ‏ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ- أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ – و إنما أراد أن الرسول سیدعوکم فیما بعد- إلى قتال قوم أولی بأس شدید- و قد دعاهم النبی ص بعد ذلک إلى غزوات کثیره- إلى قوم أولی بأس شدید- کمؤته و حنین و تبوک و غیرهما- فمن أین یجب أن یکون الداعی لهؤلاء غیر النبی ص- مع ما ذکرناه من الحروب التی کانت بعد خیبر- . و قوله إن معنى قوله تعالى کَذلِکُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ- إنما أراد به ما بینه فی قوله- فَإِنْ رَجَعَکَ اللَّهُ إِلى‏ طائِفَهٍ مِنْهُمْ- فَاسْتَأْذَنُوکَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً- وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا بتبوک سنه تسع- و آیه الفتح نزلت فی سنه ست فکیف یکون قبلها- . و لیس یجب أن یقال فی القرآن بالإراده- و بما یحتمل من الوجوه فی کل موضع- دون الرجوع إلى تاریخ نزول الآی- و الأسباب التی وردت علیها و تعلقت بها- .

و مما یبین لک أن هؤلاء المخلفین غیر أولئک- لو لم نرجع فی ذلک إلى نقل و تاریخ- قوله تعالى فی هؤلاء- فَإِنْ تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً- وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا کَما تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ- یُعَذِّبْکُمْ عَذاباً أَلِیماً- فلم یقطع منهم على طاعه و لا معصیه- بل ذکر الوعد و الوعید على ما یفعلونه- من طاعه أو معصیه- و حکم المذکورین فی آیه سوره التوبه- بخلاف هذه لأنه تعالى بعد قوله- إِنَّکُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّهٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِینَ- وَ لا تُصَلِّ عَلى‏ أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً- وَ لا تَقُمْ عَلى‏ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ- وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ- وَ لا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ- إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الدُّنْیا- وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ کافِرُونَ- و اختلاف أحکامهم و صفاتهم یدلعلى اختلافهم- و أن المذکورین فی آیه سوره الفتح- غیر المذکورین فی آیه سوره التوبه- .

و أما قوله لأن أهل التأویل لم یقولوا فی هذه الآیه- غیر وجهین من التأویل فذکرهما باطل- لأن أهل التأویل قد ذکروا شیئا آخر لم یذکره- لأن المسیب روى عن أبی روق عن الضحاک فی قوله تعالى- سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ الآیه- قال هم ثقیف- و روى هشیم عن أبی یسر سعید بن جبیر- قال هم هوازن یوم حنین- .

و روى الواقدی عن معمر عن قتاده- قال هم هوازن و ثقیف- فکیف ذکر من أقوال المفسرین ما یوافقه- مع اختلاف الروایه عنهم- على أنا لا نرجع فی کل ما یحتمله تأویل القرآن- إلى أقوال المفسرین- فإنهم ربما ترکوا مما یحتمله القول وجها صحیحا- و کم استخرج جماعه من أهل العدل- فی متشابه القرآن من الوجوه الصحیحه- التی ظاهر التنزیل بها أشبه- و لها أشد احتمالا مما لم یسبق إلیه المفسرون- و لا دخل فی جمله تفسیرهم و تأویلهم- . و الوجه الثانی- سلم فیه أن الداعی هؤلاء المخلفین غیر النبی ص- و قال لا یمتنع أن یعنى بهذا الداعی أمیر المؤمنین ع لأنه قاتل بعده- الناکثین و القاسطین و المارقین- و بشره النبی ص بأنه یقاتلهم- و قد کانوا أولی بأس شدید بلا شبهه- . قال فأما تعلق صاحب الکتاب بقوله أَوْ یُسْلِمُونَ- و أن الذین حاربهم أمیر المؤمنین ع کانوا مسلمین-

فأول ما فیه أنهم غیر مسلمین عنده و عند أصحابه- لأن الکبائر تخرج من الإسلام عندهم- کما تخرج عن الإیمان- إذ کان الإیمان هو الإسلام‏على مذهبهم- ثم إن مذهبنا فی محاربی أمیر المؤمنین ع معروف- لأنهم عندنا کانوا کفارا بمحاربته لوجوه الأول منها أن من حاربه کان مستحلا لقتاله- مظهرا أنه فی ارتکابه على حق- و نحن نعلم أن من أظهر استحلال شرب جرعه خمر- هو کافر بالإجماع- و استحلال دماء المؤمنین فضلا عن أفاضلهم و أکابرهم- أعظم من شرب الخمر و استحلاله- فیجب أن یکونوا من هذا الوجه کفارا- .

الثانی أنه ع قال له بلا خلاف بین أهل النقل حربک یا علی حربی و سلمک سلمی – و نحن نعلم أنه لم یرد إلا التشبیه بینهما فی الأحکام- و من أحکام محاربی النبی ص الکفر بلا خلاف- .

الثالث أن النبی ص قال له بلا خلاف أیضا اللهم وال من والاه و عاد من عاداه- و انصر من نصره و اخذل من خذله – و قد ثبت عندنا أن العداوه من الله- لا تکون إلا للکفار الذین یعادونه- دون فساق أهل المله- .

الرابع قوله إنا لا نعلم ببقاء هؤلاء المخلفین- إلى أیام أمیر المؤمنین ع فلیس بشی‏ء- لأنه إذا لم یکن ذلک معلوما و مقطوعا علیه- فهو مجوز و غیر معلوم خلافه- و الجواز کاف لنا فی هذا الموضع- . و لو قیل له- من أین علمت بقاء المخلفین المذکورین فی الآیه- على سبیل القطع إلى أیام أبی بکر- لکان یفزع إلى أن یقول- حکم الآیه یقتضی بقاءهم- حتى یتم کونهم مدعوین إلى قتال أولی البأس الشدید- على وجه یلزمهم فیه الطاعه- و هذا بعینه یمکن أن یقال له- و یعتمد فی بقائهم إلى أیام أمیر المؤمنین ع- على ما یوجبه حکم الآیه- .

فإن قیل کیف یکون أهل الجمل و صفین کفارا- و لم یسر أمیر المؤمنین ع‏فیهم بسیره الکفار- لأنه ما سباهم و لا غنم أموالهم و لا تبع مولیهم- قلنا أحکام الکفر تختلف- و إن شملهم اسم الکفر- لأن فی الکفار من یقتل و لا یستبقى- و فیهم من یؤخذ منه الجزیه- و لا یحل قتله إلا بسبب طارئ غیر الکفر- و منهم من لا یجوز نکاحه على مذهب أکثر المسلمین- فعلى هذا یجوز أن یکون أکثر هؤلاء القوم کفارا- و إن لم یسر فیهم بجمیع سیره أهل الکفر- لأنا قد بینا اختلاف أحکام الکفار- و یرجع فی أن حکمهم مخالف لأحکام الکفار- إلى فعله ع و سیرته فیهم- على أنا لا نجد فی الفساق- من حکمه أن یقتل مقبلا و لا یقتل مولیا- و لا یجهز على جریحه- إلى غیر ذلک من الأحکام- التی سیرها فی أهل البصره و صفین- .

فإذا قیل فی جواب ذلک أحکام الفسق مختلفه- و فعل أمیر المؤمنین هو الحجه- فی أن حکم أهل البصره و صفین ما فعله- قلنا مثل ذلک حرفا بحرف- و یمکن مع تسلیم أن الداعی لهؤلاء المخلفین أبو بکر- أن یقال لیس فی الآیه دلاله- على مدح الداعی و لا على إمامته- لأنه قد یجوز أن یدعو إلى الحق و الصواب من لیس علیهما- فیلزم ذلک الفعل من حیث کان واجبا فی نفسه- لا لدعاء الداعی إلیه- و أبو بکر إنما دعا إلى دفع أهل الرده عن الإسلام- و هذا یجب على المسلمین بلا دعاء داع- و الطاعه فیه طاعه لله تعالى- فمن أین له أن الداعی کان على حق و صواب- و لیس فی کون ما دعا إلیه طاعه ما یدل على ذلک- . و یمکن أیضا أن یکون قوله تعالى- سَتُدْعَوْنَ إنما أراد به دعاء الله تعالى لهم- بإیجاب القتال علیهم- لأنه إذا دلهم على وجوب قتال المرتدین- و رفعهم عن بیضه الإسلام فقد دعاهم إلى القتال- و وجبت علیهم الطاعه- و وجب لهم الثواب إن أطاعوا و هذا أیضا تحتمله الآیه- .

فهذه جمله ما ذکره المرتضى رحمه الله فی هذا الموضع- و أکثره جید لا اعتراض علیه- و قد کان یمکنه أن یقول- لو سلمنا بکل هذا لکان لیس فی قوله- لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً الآیه- ما یدل على أن النبی ص- لا یکون هو الداعی لهم- إلى القوم أولی البأس الشدید- لأنه لیس فیها إلا محض الإخبار عنهم- بأنهم لا یخرجون معه- و لا یقاتلون العدو معه- و لیس فی هذا ما ینفی کونه داعیا لهم- کما أنه ع قال أبو لهب لا یؤمن بی – لم یکن هذا القول نافیا لکونه یدعوه إلى الإسلام- . و قوله فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِینَ- لیس بأمر على الحقیقه و إنما هو تهدید کقوله- اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ- و لا بد للمرتضى و لقاضی القضاه جمیعا- من أن یحملا صیغه افعل على هذا المحمل- لأنه لیس لأحدهما بمسوغ- أن یحمل الأمر على حقیقته- لأن الشارع لا یأمر بالقعود و ترک الجهاد- مع القدره علیه و کونه قد تعین وجوبه- .

فإن قلت لو قدرنا أن هذه الآیه- و هی قوله تعالى قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الْأَعْرابِ- سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ- أنزلت بعد غزوه تبوک و بعد نزول سوره براءه- التی تتضمن قوله تعالى لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً- و قدرنا أن قوله تعالى لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً- لیس إخبارا محضا- کما تأولته أنت و حملت الآیه علیه- بل معناه لا أخرجکم معی- و لا أشهدکم حرب العدو هل کان یتم الاستدلال- قلت لا لأن للإمامیه أن تقول- یجوز أن یکون الداعی إلى حرب القوم- أولی البأس الشدید مع تسلیم هذه المقدمات کلها- هو رسول الله ص لأنه دعاهم إلى حرب الروم- فی سریه أسامه بن زید فی صفر من سنه إحدى عشره- لما سیره إلى البلقاء و قال له- سر إلى الروم مقتل أبیک فأوطئهم الخیول- و حشد معه أکثر المسلمین- فهذا الجیش قد دعی فیه المخلفون من الأعراب- الذین قعدوا عن الجهادفی غزاه تبوک- إلى قوم أولی بأس شدید- و لم یخرجوا مع رسول الله ص و لا حاربوا معه عدوا- .

فإن قلت إذا خرجوا مع أسامه- فکأنما خرجوا مع رسول الله- و إذا حاربوا مع أسامه العدو- فکأنما حاربوا مع رسول الله ص- و قد کان سبق أنهم لا یخرجون مع رسول الله ص- و لا یحاربون معه عدوا- قلت و إذا خرجوا مع خالد بن الولید و غیره- فی أیام أبی بکر- و مع أبی عبیده و سعد فی أیام عمر- فکأنما خرجوا مع رسول الله ص- و حاربوا العدو معه أیضا- .

فإن اعتذرت بأنه و إن شابه الخروج معه- و الحرب معه إلا أنه على الحقیقه لیس معه- و إنما هو مع امرئ من قبل خلفائه- قیل لک و کذلک خروجهم مع أسامه- و محاربه العدو معه- و إن شابه الخروج مع النبی و محاربه العدو معه- إلا أنه على الحقیقه لیس معه- و إنما هو مع بعض أمرائه- . و یمکن أن یعترض الاستدلال بالآیه- فیقال لا یجوز حملها على بنی حنیفه- لأنهم کانوا مسلمین- و إنما منعوا الزکاه مع قولهم- لا إله إلا الله محمد رسول الله ص- و منع الزکاه لا یخرج به الإنسان- عن الإسلام عند المرجئه- و الإمامیه مرجئه- و لا یجوز حملها على فارس و الروم- لأنه تعالى أخبر أنه لا واسطه بین قتالهم و إسلامهم- کما تقول إما کذا و إما کذا- فیقتضی ذلک نفی الواسطه- و قتال فارس و الروم بینه و بین إسلامهم واسطه- و هو دفع الجزیه- و إنما تنتفی هذه الواسطه فی قتال العرب- لأن مشرکی العرب لا تؤخذ منهم الجزیه- فالآیه إذن داله على أن المخلفین- سیدعون إلى قوم أولی بأس شدید الحکم فیهم- إما قتالهم و إما إسلامهم- و هؤلاء هم مشرکو العرب- و لم یحارب مشرکی العرب إلا رسول الله ص- فالداعی لهم إذا هو رسول الله و بطل الاستدلال بالآیه:

أَنَا وَضَعْتُ بِکَلَاکِلِ الْعَرَبِ- وَ کَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِیعَهَ وَ مُضَرَ- وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص- بِالْقَرَابَهِ الْقَرِیبَهِ وَ الْمَنْزِلَهِ الْخَصِیصَهِ- وَضَعَنِی فِی حَجْرِهِ وَ أَنَا وَلِیدٌ یَضُمُّنِی إِلَى صَدْرِهِ- وَ یَکْنُفُنِی فِی فِرَاشِهِ وَ یُمِسُّنِی جَسَدَهُ- وَ یُشِمُّنِی عَرْفَهُ- وَ کَانَ یَمْضَغُ الشَّیْ‏ءَ ثُمَّ یُلْقِمُنِیهِ- وَ مَا وَجَدَ لِی کَذْبَهً فِی قَوْلٍ وَ لَا خَطْلَهً فِی فِعْلٍ- وَ لَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ ص- مِنْ لَدُنْ أَنْ کَانَ فَطِیماً أَعْظَمَ مَلَکٍ مِنْ مَلَائِکَتِهِ- یَسْلُکُ بِهِ طَرِیقَ الْمَکَارِمِ- وَ مَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَیْلَهُ وَ نَهَارَهُ- وَ لَقَدْ کُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِیلِ أَثَرَ أُمِّهِ- یَرْفَعُ لِی فِی کُلِّ یَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً- وَ یَأْمُرُنِی بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ- وَ لَقَدْ کَانَ یُجَاوِرُ فِی کُلِّ سَنَهٍ بِحِرَاءَ- فَأَرَاهُ وَ لَا یَرَاهُ غَیْرِی- وَ لَمْ یَجْمَعْ بَیْتٌ وَاحِدٌ یَوْمَئِذٍ فِی الْإِسْلَامِ- غَیْرَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ خَدِیجَهَ وَ أَنَا ثَالِثُهُمَا- أَرَى نُورَ الْوَحْیِ وَ الرِّسَالَهِ وَ أَشُمُّ رِیحَ النُّبُوَّهِ- وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّهَ الشَّیْطَانِ حِینَ نَزَلَ الْوَحْیُ عَلَیْهِ ص- فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّهُ- فَقَالَ هَذَا الشَّیْطَانُ قَدْ أَیِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ- إِنَّکَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى- إِلَّا أَنَّکَ لَسْتَ بِنَبِیٍّ وَ لَکِنَّکَ لَوَزِیرٌ- وَ إِنَّکَ لَعَلَى خَیْرٍ الباء فی قوله بکلاکل العرب زائده- و الکلاکل الصدور الواحد کلکل- و المعنى أنی أذللتهم و صرعتهم إلى الأرض- .

و نواجم قرون ربیعه و مضر- من نجم منهم و ظهر و علا قدره و طار صیته- . فإن قلت أما قهره لمضر فمعلوم فما حال ربیعه- و لم نعرف أنه قتل منهم أحدا- قلت بلى قد قتل بیده و بجیشه- کثیرا من رؤسائهم فی صفین و الجمل- فقد تقدم ذکر أسمائهم من قبل- و هذه الخطبه خطب بها بعد انقضاء أمر النهروان- . و العرف بالفتح الریح الطیبه- و مضغ الشی‏ء یمضغه بفتح الضاد- . و الخطله فی الفعل الخطأ فیه و إیقاعه على غیر وجهه- . و حراء اسم جبل بمکه معروف- . و الرنه الصوت

ذکر ما کان من صله علی برسول الله فی صغره

و القرابه القریبه بینه و بین رسول الله ص- دون غیره من الأعمام کونه رباه فی حجره- ثم حامى عنه و نصره- عند إظهار الدعوه دون غیره من بنی هاشم- ثم ما کان بینهما من المصاهره- التی أفضت إلى النسل الأطهر دون غیره من الأصهار- و نحن نذکر ما ذکره أرباب السیر من معانی هذا الفصل- .

روى الطبری فی تاریخه قال حدثنا ابن حمید- قال حدثنا سلمه قال حدثنی محمد بن إسحاق- قال حدثنی عبد الله بن نجیح عن مجاهد- قال کان من نعمه الله عز و جل على علی بن أبی طالب ع- و ما صنع الله له و أراده به من الخیر- أن قریشا أصابتهم أزمه شدیده- و کان أبو طالب ذا عیال کثیر- فقال رسول الله ص للعباس و کان من أیسر بنی هاشم- یا عباس إن أخاک أبا طالب کثیر العیال- و قد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمه- فانطلق بنا فلنخفف عنه من عیاله- آخذ من بیته واحدا و تأخذ واحدا-فنکفیهما عنه فقال العباس نعم- فانطلقا حتى أتیا أبا طالب فقالا له- إنا نرید أن نخفف عنک من عیالک- حتى ینکشف عن الناس ما هم فیه- فقال لهما إن ترکتما لی عقیلا فاصنعا ما شئتما- فأخذ رسول الله ص علیا فضمه إلیه- و أخذ العباس جعفرا رضی الله عنه فضمه إلیه- فلم یزل علی بن أبی طالب ع مع رسول الله ص- حتى بعثه الله نبیا- فاتبعه علی ع فأقر به و صدقه- و لم یزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه- .

قال الطبری و حدثنا ابن حمید- قال حدثنا سلمه قال حدثنا محمد بن إسحاق- قال کان رسول الله ص إذا حضرت الصلاه- خرج إلى شعاب مکه- و خرج معه علی بن أبی طالب ع- مستخفیا من عمه أبی طالب- و من جمیع أعمامه و سائر قومه- فیصلیان الصلوات فیها فإذا أمسیا رجعا- فمکثا کذلک ما شاء الله أن یمکثا- . ثم إن أبا طالب عثر علیهما و هما یصلیان- فقال لرسول الله ص یا ابن أخی- ما هذا الذی أراک تدین به- قال یا عم هذا دین الله و دین ملائکته- و دین رسله و دین أبینا إبراهیم- أو کما قال بعثنی الله به رسولا إلى العباد- و أنت یا عم أحق من بذلت له النصیحه- و دعوته إلى الهدى- و أحق من أجابنی إلیه- و أعاننی علیه أو کما قال فقال أبو طالب یا ابن أخی- إنی لا أستطیع أن أفارق دینی و دین آبائی- و ما کانوا علیه- و لکن و الله لا یخلص إلیک شی‏ء تکرهه ما بقیت- . قال الطبری و قد روى هؤلاء المذکورون- أن أبا طالب قال لعلی ع- یا بنی ما هذا الذی أنت علیه- فقال یا أبت إنی آمنت بالله و برسوله- و صدقته بماجاء به و صلیت لله معه- قال فزعموا أنه قال له- أما إنه لا یدعو إلا إلى خیر فالزمه- .

و روى الطبری فی تاریخه أیضا قال حدثنا أحمد بن الحسین الترمذی قال حدثنا عبد الله بن موسى قال أخبرنا العلاء عن المنهال بن عمر و عن عبد الله بن عبد الله قال سمعت علیا ع یقول أنا عبد الله و أخو رسوله و أنا الصدیق الأکبر- لا یقولها بعدی إلا کاذب مفتر- صلیت قبل الناس بسبع سنین – . و فی غیر روایه الطبری أنا الصدیق الأکبر و أنا الفاروق الأول- أسلمت قبل إسلام أبی بکر- و صلیت قبل صلاته بسبع سنین – کأنه ع لم یرتض أن یذکر عمر- و لا رآه أهلا للمقایسه بینه و بینه- و ذلک لأن إسلام عمر کان متأخرا- .

و روى الفضل بن عباس رحمه الله- قال سألت أبی عن ولد رسول الله ص الذکور- أیهم کان رسول الله ص له أشد حبا- فقال علی بن أبی طالب ع- فقلت له سألتک عن بنیه- فقال إنه کان أحب إلیه من بنیه جمیعا و أرأف- ما رأیناه زایله یوما من الدهر منذ کان طفلا- إلا أن یکون فی سفر لخدیجه- و ما رأینا أبا أبر بابن منه لعلی- و لا ابنا أطوع لأب من علی له- .

و روى الحسین بن زید بن علی بن الحسین ع- قال سمعت زیدا أبی ع یقول- کان رسول الله یمضغ اللحمه و التمره حتى تلین- و یجعلهما فی فم علی ع و هو صغیر فی حجره- و کذلک کان أبی علی بن الحسین ع یفعل بی- و لقد کان یأخذ الشی‏ء من الورک و هو شدید الحراره- فیبرده فی الهواء أو ینفخ علیه حتى یبرد- ثم یلقمنیه أ فیشفق علی من حراره لقمه- و لا یشفق علی من النار- لو کان أخی إماما بالوصیه کما یزعم هؤلاء- لکان أبی أفضى بذلک إلی و وقانی من حر جهنم- .

و روى جبیر بن مطعم قال- قال أبی مطعم بن عدی لنا و نحن صبیان بمکه- أ لا ترون حب هذا الغلام یعنی علیا لمحمد- و اتباعه له دون أبیه- و اللات و العزى- لوددت أن ابنی بفتیان بنی نوفل جمیعا- . و روى سعید بن جبیر قال سألت أنس بن مالک- فقلت أ رأیت قول عمر عن السته- إن رسول الله ص مات و هو عنهم راض- أ لم یکن راضیا عن غیرهم من أصحابه- فقال بلى مات رسول الله ص- و هو راض عن کثیر من المسلمین- و لکن کان عن هؤلاء أکثر رضا- فقلت له فأی الصحابه کان رسول الله ص له أحمد- أو کما قال قال ما فیهم أحد- إلا و قد سخط منه فعلا- و أنکر علیه أمرا إلا اثنان- علی بن أبی طالب و أبو بکر بن أبی قحافه- فإنهما لم یقترفا منذ أتى الله بالإسلام أمرا- أسخطا فیه رسول الله ص

ذکر حال رسول الله فی نشوئه

و ینبغی أن نذکر الآن ما ورد فی شأن رسول الله ص- و عصمته بالملائکه- لیکون ذلک تقریرا و إیضاحا لقوله ع- و لقد قرن الله به من لدن کان فطیما أعظم ملک من ملائکته- و أن نذکر حدیث مجاورته ع بحراء- و کون علی ع معه هناک- و أن نذکر ما ورد فی أنه- لم یجمع بیت واحد یومئذ فی الإسلام- غیر رسول الله ص و علیا و خدیجه- و أن نذکر ما ورد فی سماعه رنه الشیطان- و أن نذکر ما ورد فی کونه ع وزیرا للمصطفى ص- أما المقام الأول- فروى محمد بن إسحاق بن یسار فی کتاب السیره النبویه- و رواه أیضا محمد بن جریر الطبری فی تاریخه- قال کانت حلیمه بنت أبی ذؤیب السعدیه-أم رسول الله ص التی أرضعته- تحدث أنها خرجت من بلدها و معها زوجها و ابن لها- ترضعه فی نسوه من بنی سعد بن بکر یلتمسن الرضاع بمکه- فی سنه شهباء لم تبق شیئا- قالت فخرجت على أتان لنا قمراء عجفاء- و معنا شارف لنا ما تبض بقطره- و لا ننام لیلنا أجمع من بکاء صبینا الذی معنا من الجوع- ما فی ثدیی ما یغنیه- و لا فی شارفنا ما یغدیه- و لکنا نرجو الغیث و الفرج- فخرجت على أتانی تلک- و لقد أراثت بالرکب ضعفا و عجفا- حتى شق ذلک علیهم- حتى قدمنا مکه نلتمس الرضاع- فما منا امرأه إلا و قد عرض علیها محمد ص فتأباه- إذا قیل لها إنه یتیم- و ذلک أنا إنما کنا نرجو المعروف من أبی الصبی- فکنا نقول یتیم ما عسى أن تصنع أمه و جده- فکنا نکرهه لذلک- فما بقیت امرأه ذهبت معی إلا أخذت رضیعا غیری- فلما اجتمعنا للانطلاق قلت لصاحبی-

و الله إنی لأکره أن أرجع من بین صواحبی لم آخذ رضیعا- و الله لأذهبن إلى ذلک الیتیم فلآخذنه- قال لا علیک أن تفعلی- و عسى الله أن یجعل لنا فیه برکه فذهبت إلیه فأخذته- و ما یحملنی على أخذه إلا أنی لم أجد غیره- قالت فلما أخذته رجعت إلى رحلی- فلما وضعته فی حجری أقبل علیه ثدیای بما شاء من لبن- فرضع حتى روی و شرب معه أخوه حتى روی- و ما کنا ننام قبل ذلک من بکاء صبینا جوعا فنام- و قام زوجی إلى شارفنا تلک فنظر إلیها فإذا أنها حافل- فحلب منها ما شرب و شربت حتى انتهینا ریا و شبعا- فبتنا بخیر لیله- قالت یقول صاحبی حین أصبحنا- أ تعلمین و الله یا حلیمه لقد أخذت نسمه مبارکه- فقلت و الله إنی لأرجو ذلک- ثم خرجنا و رکبت أتانی تلک و حملته معی علیها- فو الله لقطعت بالرکب ما یقدر علیها شی‏ء من حمیرهم- حتى إن صواحبی لیقلن لی ویحک یا بنت أبی ذؤیب- اربعی علینا- أ لیس هذه أتانک التی کنت خرجت علیها- فأقول لهن بلى و الله- إنها لهی فیقلن و الله إن لها لشأنا- .

قالت ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنی سعد- و ما أعلم أرضا من أرض العرب أجدب منها- فکانت غنمی تروح علی حین قدمنا به معنا شباعا ملأى لبنا- فکنا نحتلب و نشرب- و ما یحلب إنسان قطره لبن- و لا یجدها فی ضرع- حتى إن الحاضر من قومنا لیقولون لرعاتهم ویلکم- اسرحوا حیث یسرح راعی ابنه أبی ذؤیب فیفعلون- فتروح أغنامهم جیاعا ما تبض بقطره- و تروح غنمی شباعا لبنا- فلم نزل نعرف من الله الزیاده و الخیر به- حتى مضت سنتاه و فصلته- فکان یشب شبابا لا یشبه الغلمان فلم یبلغ سنتیه- حتى کان غلاما جفرا- فقدمنا به على أمه آمنه بنت وهب- و نحن أحرص شی‏ء على مکثه فینا- لما کنا نرى من برکته فکلمنا أمه- و قلنا لها لو ترکته عندنا حتى یغلظ- فإنا نخشى علیه وباء مکه- فلم نزل بها حتى ردته معنا- .

فرجعنا به إلى بلاد بنی سعد- فو الله إنه لبعد ما قدمنا- بأشهر مع أخیه فی بهم لنا خلف بیوتنا- إذ أتانا أخوه یشتد- فقال لی و لأبیه ها هو ذاک أخی القرشی- قد جاءه‏ رجلان علیهما ثیاب بیاض- فأضجعاه و شقا بطنه فهما یسوطانه- قالت فخرجت أنا و أبوه نشتد نحوه- فوجدناه قائما ممتقعا وجهه- فالتزمته و التزمه أبوه و قلنا ما لک یا بنی- قال جاءنی رجلان علیهما ثیاب بیض- فأضجعانی ثم شقا بطنی- فالتمسا فیه شیئا لا أدری ما هو- قالت فرجعنا به إلى خبائنا- و قال لی أبوه یا حلیمه- لقد خشیت أن یکون هذا الغلام قد أصیب فألحقیه بأهله- قالت فاحتملته حتى قدمت به على أمه- فقالت ما أقدمک به یا ظئر- و قد کنت حریصه علیه و على مکثه عندک- فقلت لها قد بلغ الله بابنی و قضیت الذی علی- و تخوفت علیه الأحداث و أدیته إلیک کما تحبین- قالت أ تخوفت علیه الشیطان قلت نعم- قالت کلا و الله ما للشیطان علیه من سبیل- و إن لابنی شأنا أ فلا أخبرک خبره قلت بلى- قالت رأیت حین حملت به أنه خرج منی نور- أضاءت له قصور بصرى من الشام ثم حملت به- فو الله ما رأیت حملا قط کان أخف و لا أیسر منه- ثم وقع حین ولدته و إنه لواضع یدیه بالأرض- و رافع رأسه إلى السماء- دعیه عنک و انطلقی راشده- .

قال و روى الطبری فی تاریخه عن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله ص یحدث عن نفسه- و یذکر ما جرى له و هو طفل فی أرض بنی سعد بن بکر- قال لما ولدت استرضعت فی بنی سعد- فبینا أنا ذات یوم منتبذ من‏أهلی فی بطن واد- مع أتراب لی من الصبیان نتقاذف بالجله- إذا أتانی رهط ثلاثه- معهم طشت من ذهب مملوءه ثلجا- فأخذونی من بین أصحابی- فخرج أصحابی هرابا حتى انتهوا إلى شفیر الوادی- ثم عادوا إلى الرهط- فقالوا ما أربکم إلى هذا الغلام- فإنه لیس منا هذا ابن سید قریش- و هو مسترضع فینا غلام یتیم لیس له أب- فما ذا یرد علیکم قتله- و ما ذا تصیبون من ذلک- و لکن إن کنتم لا بد قاتلیه- فاختاروا منا أینا شئتم فاقتلوه مکانه- و دعوا هذا الغلام فإنه یتیم- .

فلما رأى الصبیان أن القوم لا یحیرون لهم جوابا- انطلقوا هرابا مسرعین إلى الحی- یؤذنونهم و یستصرخونهم على القوم- فعمد أحدهم فأضجعنی إضجاعا لطیفا- ثم شق ما بین مفرق صدری إلى منتهى عانتی- و أنا أنظر إلیه فلم أجد لذلک حسا- ثم أخرج بطنی فغسلها بذلک الثلج- فأنعم غسلها ثم أعادها مکانها- ثم قام الثانی منهم- فقال لصاحبه تنح فنحاه عنی- ثم أدخل یده فی جوفی و أخرج قلبی و أنا أنظر إلیه- فصدعه ثم أخرج منه مضغه سوداء فرماها- ثم قال بیده یمنه منه و کأنه یتناول شیئا- فإذا فی یده خاتم من نور- تحار أبصار الناظرین دونه فختم به قلبی- ثم أعاده مکانه فوجدت برد ذلک الخاتم فی قلبی دهرا-

ثم قال الثالث لصاحبه تنح عنه- فأمر یده ما بین مفرق صدری إلى منتهى عانتی- فالتأم ذلک الشق- ثم أخذ بیدی فأنهضنی من مکانی إنهاضا لطیفا- و قال للأول الذی شق بطنی- زنه بعشره من أمته فوزننی بهم فرجحتهم- فقال دعوه فلو وزنتموه بأمته کلها لرجحهم- ثم ضمونی إلى صدرهم- و قبلوا رأسی و ما بین عینی- و قالوا یا حبیب الله لا ترع- إنک لو تدری ما یراد بک من الخیر لقرت عیناک- فبینا أنا کذلک إذا أنا بالحی قد جاءوا بحذافیرهم- و إذا أمی و هی‏ظئری أمام الحی تهتف بأعلى صوتها- و تقول یا ضعیفاه فانکب علی أولئک الرهط- فقبلوا رأسی و ما بین عینی- و قالوا حبذا أنت من ضعیف- ثم قالت ظئری یا وحیداه- فانکبوا علی و ضمونی إلى صدورهم- و قبلوا رأسی و ما بین عینی- ثم قالوا حبذا أنت من وحید و ما أنت بوحید-

إن الله و ملائکته معک و المؤمنین من أهل الأرض- ثم قالت ظئری یا یتیماه- استضعفت من بین أصحابک فقتلت لضعفک- فانکبوا علی و ضمونی إلى صدورهم- و قبلوا رأسی و ما بین عینی- و قالوا حبذا أنت من یتیم- ما أکرمک على الله لو تعلم ما یراد بک من الخیر- قال فوصل الحی إلى شفیر الوادی- فلما بصرت بی أمی و هی ظئری- نادت یا بنی أ لا أراک حیا بعد- فجاءت حتى انکبت علی- و ضمتنی إلى صدرها- فو الذی نفسی بیده- إنی لفی حجرها قد ضمتنی إلیها- و إن یدی لفی ید بعضهم- فجعلت ألتفت إلیهم- و ظننت أن القوم یبصرونهم فإذا هم لا یبصرونهم- فیقول بعض القوم إن هذا الغلام قد أصابه لمم- أو طائف من الجن- فانطلقوا به إلى کاهن بنی فلان- حتى ینظر إلیه و یداویه- فقلت ما بی شی‏ء مما یذکرون نفسی سلیمه- و إن فؤادی صحیح لیست بی قلبه- فقال أبی و هو زوج ظئری- أ لا ترون کلامه صحیحا- إنی لأرجو ألا یکون على ابنی بأس- .

فاتفق القوم على أن یذهبوا إلى الکاهن بی- فاحتملونی حتى ذهبوا بی إلیه فقصوا علیه قصتی- فقال اسکتوا حتى أسمع من الغلام- فهو أعلم بأمره منکم- فسألنی فقصصت علیه أمری- و أنا یومئذ ابن خمس سنین- فلما سمع قولی وثب و قال یا للعرب- اقتلوا هذا الغلام فهو و اللات و العزى- لئن عاش لیبدلن دینکم و لیخالفن أمرکم- و لیأتینکم بما لم تسمعوا به قط- فانتزعتنی ظئری من حجره- و قالت لو علمت أن هذا یکون من قولک ما أتیتک به-ثم احتملونی فأصبحت و قد صار فی جسدی أثر الشق- ما بین صدری إلى منتهى عانتی کأنه الشراک

و روی أن بعض أصحاب أبی جعفر محمد بن علی الباقر ع- سأله عن قول الله عز و جل- إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ- فَإِنَّهُ یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً- فقال ع یوکل الله تعالى بأنبیائه ملائکه یحصون أعمالهم- و یؤدون إلیه تبلیغهم الرساله- و وکل بمحمد ص ملکا عظیما- منذ فصل عن الرضاع یرشده إلى الخیرات و مکارم الأخلاق- و یصده عن الشر و مساوئ الأخلاق- و هو الذی کان ینادیه- السلام علیک یا محمد یا رسول الله و هو شاب- لم یبلغ درجه الرساله بعد- فیظن أن ذلک من الحجر و الأرض- فیتأمل فلا یرى شیئا

و روى الطبری فی التاریخ عن محمد بن الحنفیه عن أبیه علی ع قال سمعت رسول الله ص یقول ما هممت بشی‏ء مما کان أهل الجاهلیه- یعملون به غیر مرتین- کل ذلک یحول الله تعالى بینی و بین ما أرید من ذلک- ثم ما هممت بسوء حتى أکرمنی الله برسالته- قلت لیله لغلام من قریش کان یرعى معی بأعلى مکه- لو أبصرت لی غنمی حتى أدخل مکه- فأسمر بها کما یسمر الشباب فخرجت أرید ذلک- حتى إذا جئت أول دار من دور مکه- سمعت عزفا بالدف و المزامیر- فقلت ما هذا- قالوا هذا فلان تزوج ابنه فلان- فجلست أنظر إلیهم- فضرب الله على أذنی فنمت- فما أیقظنی إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبی- فقال ما فعلت فقلت ما صنعت شیئا ثم أخبرته الخبر- ثم قلت له لیله أخرى مثل ذلک- فقال أفعل فخرجت فسمعت حین دخلت مکه- مثل ما سمعت حین دخلتها تلک اللیله- فجلست‏أنظر فضرب الله على أذنی- فما أیقظنی إلا مس الشمس- فرجعت إلى صاحبی فأخبرته الخبر- ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أکرمنی الله برسالته

و روى محمد بن حبیب فی أمالیه- قال قال رسول الله ص أذکر و أنا غلام ابن سبع سنین- و قد بنى ابن جدعان دارا له بمکه- فجئت مع الغلمان- نأخذ التراب و المدر فی حجورنا فننقله- فملأت حجری ترابا فانکشفت عورتی- فسمعت نداء من فوق رأسی- یا محمد أرخ إزارک- فجعلت أرفع رأسی فلا أرى شیئا- إلا أنی أسمع الصوت فتماسکت و لم أرخه- فکأن إنسانا ضربنی على ظهری- فخررت لوجهی و انحل إزاری فسترنی- و سقط التراب إلى الأرض- فقمت إلى دار أبی طالب عمی و لم أعد – .

و أما حدیث مجاورته ع بحراء فمشهور- و قد ورد فی الکتب الصحاح- أنه کان یجاور فی حراء من کل سنه شهرا- و کان یطعم فی ذلک الشهر من جاءه من المساکین- فإذا قضى جواره من حراء- کان أول ما یبدأ به إذا انصرف- أن یأتی باب الکعبه قبل أن یدخل بیته- فیطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلک ثم یرجع إلى بیته- حتى جاءت السنه التی أکرمه الله فیها بالرساله- فجاور فی حراء شهر رمضان و معه أهله خدیجه و علی بن أبی طالب و خادم لهم- فجاءه جبریل بالرساله- و قال ع جاءنی و أنا نائم بنمط فیه کتاب- فقال اقرأ قلت ما أقرأ- فغتنی حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلنی- فقال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ- إلى قوله عَلَّمَ الْإِنْسانَ‏ما لَمْ یَعْلَمْ فقرأته- ثم انصرف عنی فانتبهت من نومی- و کأنما کتب فی قلبی کتاب – و ذکر تمام الحدیث- .

و أما حدیث أن الإسلام لم یجتمع علیه بیت واحد یومئذ- إلا النبی و هو ع و خدیجه- فخبر عفیف الکندی مشهور و قد ذکرناه من قبل- و أن أبا طالب قال له أ تدری من هذا قال لا- قال هذا ابن أخی محمد بن عبد الله بن عبد المطلب- و هذا ابنی علی بن أبی طالب- و هذه المرأه خلفهما خدیجه بنت خویلد- زوجه محمد ابن أخی- و ایم الله- ما أعلم على الأرض کلها أحدا على هذا الدین- غیر هؤلاء الثلاثه- .

و أما رنه الشیطان- فروى أبو عبد الله أحمد بن حنبل فی مسنده عن علی بن أبی طالب ع قال کنت مع رسول الله ص صبیحه اللیله التی أسری به فیها- و هو بالحجر یصلی فلما قضى صلاته- و قضیت صلاتی سمعت رنه شدیده- فقلت یا رسول الله ما هذه الرنه- قال أ لا تعلم هذه رنه الشیطان- علم أنی أسری بی اللیله إلى السماء- فأیس من أن یعبد فی هذه الأرض – .

و قد روی عن النبی ص ما یشابه هذا لما بایعه الأنصار السبعون لیله العقبه- سمع من العقبه صوت عال فی جوف اللیل- یا أهل مکه هذا مذمم و الصباه معه قد أجمعوا على حربکم- فقال رسول الله ص للأنصار- أ لا تسمعون ما یقول- هذا أزب العقبه- یعنی شیطانها و قد روی أزبب العقبه ثم التفت إلیه- فقال استمع یا عدو الله أما و الله لأفرغن لک

و روی عن جعفر بن محمد الصادق ع قال کان علی ع یرى مع رسول الله ص قبل الرساله الضوء- و یسمع الصوت- و قال له ص- لو لا أنی خاتم الأنبیاء لکنت شریکا فی النبوه- فإن لا تکن نبیا فإنک وصی نبی و وارثه- بل أنت سید الأوصیاء و إمام الأتقیاء و أما خبر الوزاره فقد ذکره الطبری فی تاریخه- عن عبد الله بن عباس عن علی بن أبی طالب ع قال لما أنزلت هذه الآیه- وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ على رسول الله ص دعانی- فقال یا علی إن الله أمرنی أن أنذر عشیرتک الأقربین- فضقت بذلک ذرعا- و علمت أنی متى أنادهم بهذا الأمر أر منهم ما أکره- فصمت حتى جاءنی جبریل ع- فقال یا محمد إنک إن لم تفعل ما أمرت به یعذبک ربک- فاصنع لنا صاعا من طعام- و اجعل علیه رجل شاه- و املأ لنا عسا من لبن- ثم اجمع بنی عبد المطلب حتى أکلمهم- و أبلغهم ما أمرت به- ففعلت ما أمرنی به- ثم دعوتهم و هم یومئذ أربعون رجلا- یزیدون رجلا أو ینقصونه و فیهم أعمامه- أبو طالب و حمزه و العباس و أبو لهب- فلما اجتمعوا إلیه دعا بالطعام الذی صنعت لهم- فجئت به فلما وضعته- تناول رسول الله ص بضعه من اللحم فشقها بأسنانه- ثم ألقاها فی نواحی الصحفه- ثم قال کلوا باسم الله- فأکلوا حتى ما لهم إلى شی‏ء من حاجه- و ایم الله الذی نفس علی بیده- إن کان الرجل الواحد منهم لیأکل ما قدمته لجمیعهم- ثم قال اسق القوم یا علی- فجئتهم بذلک العس فشربوا منه حتى رووا جمیعا- و ایم الله إن کان الرجل منهم لیشرب مثله- فلما أراد رسول الله ص أن یکلمهم- بدره أبو لهب إلى الکلام- فقال لشد ما سحرکم صاحبکم فتفرق القوم- و لم یکلمهم رسول الله ص- فقال من الغد یا علی- إن هذا الرجل قد سبقنی‏إلى ما سمعت من القول- فتفرق القوم قبل أن أکلمهم- فعد لنا الیوم إلى مثل ما صنعت بالأمس- ثم اجمعهم لی ففعلت ثم جمعتهم- ثم دعانی بالطعام فقربته لهم- ففعل کما فعل بالأمس- فأکلوا حتى ما لهم بشی‏ء حاجه- ثم قال اسقهم فجئتهم بذلک العس- فشربوا منه جمیعا حتى رووا- ثم تکلم رسول الله ص- فقال یا بنی عبد المطلب- إنی و الله ما أعلم أن شابا فی العرب- جاء قومه بأفضل مما جئتکم به- إنی قد جئتکم بخیر الدنیا و الآخره- و قد أمرنی الله أن أدعوکم إلیه- فأیکم یوازرنی على هذا الأمر- على أن یکون أخی و وصیی و خلیفتی فیکم- فأحجم القوم عنها جمیعا- و قلت أنا و إنی لأحدثهم سنا و أرمصهم عینا- و أعظمهم بطنا و أحمشهم ساقا- أنا یا رسول الله أکون وزیرک علیه- فأعاد القول فأمسکوا و أعدت ما قلت- فأخذ برقبتی- ثم قال لهم هذا أخی و وصیی و خلیفتی فیکم- فاسمعوا له و أطیعوا- فقام القوم یضحکون- و یقولون لأبی طالب قد أمرک أن تسمع لابنک و تطیع – .

و یدل على أنه وزیر رسول الله ص- من نص الکتاب و السنه قول الله تعالى- وَ اجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی- هارُونَ أَخِی اشْدُدْ بِهِ أَزْرِی- وَ أَشْرِکْهُ فِی أَمْرِی و قال النبی ص فی الخبر المجمع على روایته بین سائر فرق الإسلام أنت منی بمنزله هارون من موسى إلا أنه لا نبی بعدی – فأثبت له جمیع مراتب هارون عن موسى- فإذن هو وزیر رسول الله ص و شاد أزره- و لو لا أنه خاتم النبیین لکان شریکا فی أمره- .

و روى أبو جعفر الطبری أیضا فی التاریخ أن رجلا قال لعلی ع یا أمیر المؤمنین- بم ورثت ابن عمک دون عمک- فقال علی ع هاؤم ثلاث مرات- حتى اشرأب الناس و نشروا آذانهم- ثم قال جمع رسول الله ص بنی عبد المطلب بمکه- و هم رهطه کلهم- یأکل الجذعه و یشرب الفرق- فصنع مدا من طعام- حتى أکلوا و شبعوا و بقی الطعام کما هو کأنه لم یمس- ثم دعا بغمر فشربوا و رووا- و بقی الشراب کأنه لم یشرب- ثم قال یا بنی عبد المطلب- إنی بعثت إلیکم خاصه و إلى الناس عامه- فأیکم یبایعنی على أن یکون أخی و صاحبی و وارثی- فلم یقم إلیه أحد فقمت إلیه- و کنت من أصغر القوم- فقال اجلس ثم قال ذلک ثلاث مرات- کل ذلک أقوم إلیه- فیقول اجلس حتى کان فی الثالثه- فضرب بیده على یدی- فعند ذلک ورثت ابن عمی دون عمی وَ لَقَدْ کُنْتُ مَعَهُ ص لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَیْشٍ- فَقَالُوا لَهُ یَا مُحَمَّدُ إِنَّکَ قَدِ ادَّعَیْتَ عَظِیماً- لَمْ یَدَّعِهِ آبَاؤُکَ وَ لَا أَحَدٌ مِنْ بَیْتِکَ- وَ نَحْنُ نَسْأَلُکَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَیْهِ وَ أَرَیْتَنَاهُ- عَلِمْنَا أَنَّکَ نَبِیٌّ وَ رَسُولٌ- وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّکَ سَاحِرٌ کَذَّابٌ- فَقَالَ ص وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا- تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَهَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا- وَ تَقِفَ بَیْنَ یَدَیْکَ فَقَالَ ص- إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِ‏شَیْ‏ءٍ قَدِیرٌ- فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ ذَلِکَ أَ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ- قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّی سَأُرِیکُمْ مَا تَطْلُبُونَ- وَ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّکُمْ لَا تَفِیئُونَ إِلَى خَیْرٍ- وَ أَنَّ فِیکُمْ مَنْ یُطْرَحُ فِی الْقَلِیبِ وَ مَنْ یُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ- ثُمَّ قَالَ ص یَا أَیَّتُهَا الشَّجَرَهُ- إِنْ کُنْتِ تُؤْمِنِینَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الآْخِرِ- وَ تَعْلَمِینَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعِی بِعُرُوقِکِ- حَتَّى تَقِفِی بَیْنَ یَدَیَّ بِإِذْنِ اللَّهِ- وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا- وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِیٌّ شَدِیدٌ- وَ قَصْفٌ کَقَصْفِ أَجْنِحَهِ الطَّیْرِ- حَتَّى وَقَفَتْ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ ص مُرَفْرِفَهً- وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص- وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْکِبِی وَ کُنْتُ عَنْ یَمِینِهِ ص- فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِکَ قَالُوا عُلُوّاً وَ اسْتِکْبَاراً- فَمُرْهَا فَلْیَأْتِکَ نِصْفُهَا وَ یَبْقَى نِصْفُهَا- فَأَمَرَهَا فَأَقْبَلَ إِلَیْهِ نِصْفُهَا- کَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِیّاً- فَکَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص- فَقَالُوا کُفْراً وَ عُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ- فَلْیَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ کَمَا کَانَ- فَأَمَرَهُ ص فَرَجَعَ- فَقُلْتُ أَنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّی أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ- وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَهَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى- تَصْدِیقاً بِنُبُوَّتِکَ وَ إِجْلَالًا لِکَلِمَتِکَ- فَقَالَ الْقَوْمُ کُلُّهُمْ بَلْ سَاحِرٌ کَذَّابٌ- عَجِیبُ السِّحْرِ خَفِیفٌ فِیهِ- وَ هَلْ یُصَدِّقُکَ فِی أَمْرِکَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا یَعْنُونَنِی- وَ إِنِّی لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِی اللَّهِ لَوْمَهُ لَائِمٍ- سِیمَاهُمْ سِیمَا الصِّدِّیقِینَ وَ کَلَامُهُمْ کَلَامُ الْأَبْرَارِ- عُمَّارُ اللَّیْلِ وَ مَنَارُ النَّهَارِ- مُتَمَسِّکُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ یُحْیُونَ سُنَنَ اللَّهِ وَ سُنَنَ رَسُولِهِ- لَا یَسْتَکْبِرُونَ وَ لَا یَعْلُونَ- وَ لَا یَغُلُّونَ وَ لَا یُفْسِدُونَ- قُلُوبُهُمْ فِی الْجِنَانِ وَ أَجْسَادُهُمْ فِی الْعَمَلِ‏

الملأ الجماعه و لا تفیئون لا ترجعون- و من یطرح فی القلیب کعتبه و شیبه- ابنی ربیعه بن عبد شمس- و عمرو بن هشام بن المغیره المکنى أبا جهل و غیرهم- طرحوا فی قلیب بدر بعد انقضاء الحرب- و من یحزب الأحزاب أبو سفیان صخر بن حرب بن أمیه- . و القصف و القصیف الصوت- و سیماهم علامتهم و مثله سیمیاء- . و معنى قوله ع- قلوبهم فی الجنان و أجسادهم فی العمل- أن قلوبهم ملتذه بمعرفه الله تعالى- و أجسادهم نصبه بالعباده- . و أما أمر الشجره التی دعاها رسول الله ص- فالحدیث الوارد فیها کثیر مستفیض- قد ذکره المحدثون فی کتبهم- و ذکره المتکلمون فی معجزات الرسول ص- و الأکثرون رووا الخبر فیها- على الوضع الذی جاء فی خطبه أمیر المؤمنین- و منهم من یروی ذلک مختصرا- أنه دعا شجره فأقبلت تخد إلیه الأرض خدا- .

و قد ذکر البیهقی فی کتاب دلائل النبوه حدیث الشجره- و رواه أیضا محمد بن إسحاق بن یسار- فی کتاب السیره و المغازی على وجه آخر- قال محمد بن إسحاق کان رکانه- بن عبد یزید بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف- أشد قریش کلها- فخلا یوما برسول الله ص فی بعض شعاب مکه- فقال له رسول الله ص یا رکانه أ لا تتقی الله- و تقبل ما أدعوک إلیه- قال لو أعلم أن الذی تقول حق لاتبعتک- قال أ فرأیت إن صرعتک- أ تعلم أن ما أقول لک حق قال نعم- قال فقم حتى أصارعک فقام رکانه- فلما بطش به رسول الله ص- أضجعه لا یملک من نفسه شیئا- فقال عد یا محمد فعاد فصرعه- فقال یا محمد إن هذا لعجب حین تصرعنی- فقال رسول الله ص و أعجب من ذلک إن شئت أریتکه- إن اتقیت الله و اتبعت أمری-قال ما هو قال أدعو لک هذه الشجره التی تراها- فتأتی قال فادعها فدعاها- فأقبلت حتى وقفت بین یدی رسول الله ص- ثم قال ارجعی إلى مکانک فرجعت إلى مکانها- فرجع رکانه إلى قومه و قال- یا بنی عبد مناف ساحروا بصاحبکم أهل الأرض- فما رأیت أسحر منه قط- ثم أخبرهم بالذی رأى و الذی صنع

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۳

بازدیدها: ۳۸۵

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.