خطبه 112 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

112 و من خطبة له ع

وَ أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ- وَ لَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ- قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا- وَ غَرَّتْ بِزِينَتِهَا- دَارٌ هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلَالَهَا بِحَرَامِهَا- وَ خَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَ حَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَ حُلْوَهَا بِمُرِّهَا- لَمْ يُصْفِهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ- وَ لَمْ يَضِنَّ بِهَا عَنْ أَعْدَائِهِ- خَيْرُهَا زَهِيدٌ وَ شَرُّهَا عَتِيدٌ- وَ جَمْعُهَا يَنْفَدُ وَ مُلْكُهَا يُسْلَبُ وَ عَامِرُهَا يَخْرَبُ- فَمَا خَيْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ- وَ عُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ الزَّادِ- وَ مُدَّةٍ تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّيْرِ- اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلِبَتِكُمْ وَ اسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ كَمَا سَأَلَكُمْ- وَ أَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ- آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ- إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَ إِنْ ضَحِكُوا- وَ يَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَ إِنْ فَرِحُوا- وَ يَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَ إِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا- قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الآْجَالِ- وَ حَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الآْمَالِ- فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الآْخِرَةِ- وَ الْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الآْجِلَةِ- وَ إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ- مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ- وَ سُوءُ الضَّمَائِرِ- فَلَا تَوَازَرُونَ وَ لَا تَنَاصَحُونَ- وَ لَا تَبَاذَلُونَ وَ لَا تَوَادُّونَ- مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ- وَ لَا يَحْزُنُكُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الآْخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ- وَ يُقْلِقُكُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ- حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي‏ وُجُوهِكُمْ- وَ قِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ- كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ وَ كَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَيْكُمْ- وَ مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ- إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ- قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الآْجِلِ وَ حُبِّ الْعَاجِلِ- وَ صَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ- صَنِيعَ مَنْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَ أَحْرَزَ رِضَا سَيِّدِهِ قوله ع- فإنها منزل قلعة بضم القاف و سكون اللام- أي ليست بمستوطنة و يقال هذا مجلس قلعة- إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة- و يقال هم على قلعة أي على رحلة- و من هذا الباب قولهم فلان قلعة- إذا كان ينقلع عن سرجه- و لا يثبت في البطش و الصراع- و القلعة أيضا المال العارية- وفي الحديث بئس المال القلعة- .

و النجعة طلب الكلأ في موضعه- و فلان ينتجع الكلأ- و منه انتجعت فلانا إذا أتيته تطلب معروفه- . ثم وصف هوان الدنيا على الله تعالى- فقال من هوانها أنه خلط حلالها بحرامها… الكلام- مراده تفضيل الدار الآتية على هذه الحاضرة- فإن تلك صفو كلها و خير كلها- و هذه مشوبة- و الكدر و الشر فيها أغلب من الصفو و الخير- و من كلام بعض الصالحين- من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها- و لا ينال ما عنده إلا بتركها- و يروى و لم يضن بها على أعدائه- و الرواية المشهورة عن أعدائه- و كلاهما مستعمل- .

و الزهيد القليل و العتيد الحاضر- و السير سير المسافر- . ثم أمرهم- بأن يجعلوا الفرائض الواجبة عليهم من جملة مطلوباتهم- و أن يسألوا الله من الإعانة و التوفيق- على القيام بحقوقه الواجبة كما سألهم- أي كما ألزمهم و افترض عليهم- فسمى ذلك سؤالا لأجل المقابلة بين اللفظين- كما قال سبحانه- وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها و كماقال النبي ص فإن الله لا يمل حتى تملوا- و كما قال الشاعر-

ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ثم أمرهم أن يسمعوا أنفسهم- دعوة الموت قبل أن يحضر الموت فيحل بهم- و مثل قوله تبكي قلوبهم و إن ضحكوا قول الشاعر- و إن لم يكن هذا المقصد بعينه قصد-

كم فاقة مستورة بمروءة
و ضرورة قد غطيت بتجمل‏

و من ابتسام تحته قلب شج‏
قد خامرته لوعة ما تنجلي‏

و المقت البغض و اغتبطوا فرحوا- . و قوله أملك بكم مثل أولى بكم- و قوله و العاجلة أذهب بكم من الآجلة- أي ذهبت العاجلة بكم- و استولت عليكم أكثر مما ذهبت بكم الآخرة- و استولت عليكم- . ثم ذكر أن الناس كلهم مخلوقون على فطرة واحدة- و هي دين الله و توحيده- و إنما اختلفوا و تفرقوا باعتبار أمر خارجي عن ذلك- و هو خبث سرائرهم و سوء ضمائرهم- فصاروا إلى حال لا يتوازرون أي لا يتعاونون- و الأصل الهمز آزرته- ثم تقلب الهمزة واوا و أصل قوله فلا توازرون فلا تتوازرون- فحذفت إحدى التاءين- كقوله تعالى ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ- أي لا تتناصرون- و التبادل أن يجود بعضهم على بعض بماله و يبذله له- .و مثل قوله ع ما بالكم تفرحون بكذا- و لا تحزنون لكذا- و يقلقكم اليسير من الدنيا يفوتكم- من هذا قول الرضي رحمه الله-

نقص الجديدين من عمري يزيد على
ما ينقصان على الأيام من مالي‏

دهر تؤثر في جسمي نوائبه‏
فما اهتمامي أن أودي بسربالي‏

و الضمير في يخاف راجع إلى الأخ لا إلى المستقبل له- أي ما يخافه الأخ من مواجهته بعينه- . قوله و صار دين أحدكم لعقة على لسانه- أخذه الفرزدق فقال للحسين بن علي ع- و قد لقيه قادما إلى العراق- و سأله عن الناس- أما قلوبهم فمعك و أما سيوفهم فعليك- و الدين لعقة على ألسنتهم- فإذا امتحصوا قل الديانون- و اللفظة مجاز و أصل اللعقة شي‏ء قليل- يؤخذ بالملعقة من الإناء- يصف دينهم بالنزارة و القلة كتلك اللعقة- و لم يقنع بأن جعله لعقة- حتى جعله على ألسنتهم فقط- أي ليس في قلوبهم

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن‏ أبي‏ الحديد) ج 7 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.