۶۵ و من کلام له ع کان یقوله لأصحابه فی بعض أیام صفین
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِینَ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْیَهَ- وَ تَجَلْبَبُوا السَّکِینَهَ وَ عَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ- فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّیُوفِ عَنِ الْهَامِ وَ أَکْمِلُوا اللَّامَهَ- وَ قَلْقِلُوا السُّیُوفَ فِی أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا- وَ الْحَظُوا الْخَزْرَ وَ اطْعُنُوا الشَّزْرَ- وَ نَافِحُوا بِالظُّبَى وَ صِلُوا السُّیُوفَ بِالْخُطَا- وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ بِعَیْنِ اللَّهِ وَ مَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ- فَعَاوِدُوا الْکَرَّ وَ اسْتَحْیُوا مِنَ الْفَرِّ- فَإِنَّهُ عَارٌ فِی الْأَعْقَابِ وَ نَارٌ یَوْمَ الْحِسَابِ- وَ طِیبُوا عَنْ أَنْفُسِکُمْ نَفْساً- وَ امْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْیاً سُجُحاً- وَ عَلَیْکُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَ الرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ- فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ فَإِنَّ الشَّیْطَانَ کَامِنٌ فِی کِسْرِهِ- وَ قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَهِ یَداً وَ أَخَّرَ لِلنُّکُوصِ رَجُلًا- فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى یَنْجَلِیَ لَکُمْ عَمُودُ الْحَقِّ- وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَکُمْ وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمَالَکُمْ قوله استشعروا الخشیه- أی اجعلوا الخوف من الله تعالى من شعارکم- و الشعار من الثیاب ما یکون دون الدثار- و هو یلی الجلد و هو ألصق ثیاب الجسد- و هذه استعاره حسنه- و المراد بذلک أمرهم بملازمه الخشیه و التقوى- کما أن الجلد یلازم الشعار- .
قوله و تجلببوا السکینه- أی اجعلوا السکینه و الحلم و الوقار جلبابا لکم- و الجلباب الثوب المشتمل على البدن- . قوله و عضوا على النواجذ جمع ناجذ- و هو أقصى الأضراس- و للإنسان أربعه نواجذ فی کل شق- و النواجذ بعد الأرحاء- و یسمى الناجذ ضرس الحلم- لأنه ینبت بعد البلوغ و کمال العقل- و یقال إن العاض على نواجذه- ینبو السیف عن هامته نبوا ما- و هذا مما یساعد التعلیل الطبیعی علیه- و ذلک أنه إذا عض على نواجذه- تصلبت الأعصاب و العضلات المتصله بدماغه- و زال عنها الاسترخاء- فکانت على مقاومه السیف أقدر- و کان تأثیر السیف فیها أقل- . و قوله فإنه أنبى- الضمیر راجع إلى المصدر الذی دل الفعل علیه- تقدیره فإن العض أنبى- کقولهم من فعل خیرا کان له خیرا أی کان فعله خیرا- و أنبى أفعل من نبا السیف إذا لم یقطع- . قال الراوندی هذا کلام لیس على حقیقته- بل هو کنایه عن الأمر بتسکین القلب- و ترک اضطرابه و استیلاء الرعده علیه- إلى أن قال ذلک أشد إبعادا لسیف العدو عن هامتکم- . قوله و أکملوا اللأمه- اللأمه بالهمزه الدرع- و الهمزه ساکنه على فعله- مثل النأمه للصوت- و إکمالها أن یزاد علیها البیضه و السواعد و نحوها- و یجوز أن یعبر باللأمه عن جمیع أداه الحرب- کالدرع و الرمح و السیف- یرید أکملوا السلاح الذی تحاربون العدو به- . قوله و قلقلوا السیوف فی أغمادها قبل سلها- یوم الحرب- لئلا یدوم مکثها فی الأجفان- فتلحج فیها فیستصعب سلها وقت الحاجه إلیها- . و قوله و الحظوا الخزر- الخزر أن ینظر الإنسان بعینه- و کأنه ینظر بمؤخرها و هی أماره الغضب- و الذی أعرفه الخزر بالتحریک- قال الشاعر
إذا تخازرت و ما بی من خزر
ثم کسرت العین و ما بی من عور
ألفیتنی ألوى بعید المستمر
أحمل ما حملت من خیر و شر
فإن کان قد جاء مسکنا- فتسکینه جائز للسجعه الثانیه- و هی قوله و اطعنوا الشزر- و الطعن شزرا هو الطعن عن الیمین و الشمال- و لا یسمى الطعن تجاه الإنسان شزرا- و أکثر ما تستعمل لفظه الشزر فی الطعن- لما کان عن الیمین خاصه- و کذلک إداره الرحى- و خزرا و شزرا صفتان لمصدرین محذوفین- تقدیره الحظوا لحظا خزرا- و اطعنوا طعنا شزرا- و عین اطعنوا مضمومه- یقال طعنت بالرمح اطعن بالضم- و طعنت فی نسبه أطعن بالفتح أی قدحت- قال
یطوف بی عکب فی معد
و یطعن بالصمله فی قفیا
قوله نافحوا بالظبى- أی ضاربوا نفحه بالسیف أی ضربه- و نفحت الناقه برجلها أی ضربت- و الظبى جمع ظبه و هی طرف السیف- . قوله و صلوا السیوف بالخطا مثل قول الشاعر-
إذا قصرت أسیافنا کان وصلها
خطانا إلى أعدائنا فنضارب
قالوا بکسر نضارب- لأنه معطوف على موضع جزاء الشرط الذی هو إذا- . و قال آخر
نصل السیوف إذا قصرن بخطونا
یوما و نلحقها إذا لم تلحق
و أنشدنی شیخنا أبو القاسم الحسین بن عبد الله العکبری- و لم یسم قائله- و وجدته بعد لنابغه بنی الحارث بن کعب-
إن تسألی عنا سمی فإنه
یسمو إلى قحم العلا أدنانا
و تبیت جارتنا حصانا عفه
ترضى و یأخذ حقه مولانا
و نقوم إن رق المنون بسحره
لوصاه والدنا الذی أوصانا
ألا نفر إذا الکتیبه أقبلت
حتى تدور رحاهم و رحانا
و تعیش فی أحلامنا أشیاخنا
مردا و ما وصل الوجوه لحانا
و إذا السیوف قصرن طولها لنا
حتى تناول ما نرید خطانا
و قال حمید بن ثور الهلالی-
إلى أن نزلنا بالفضاء و ما لنا
به معقل إلا الرماح الشواجر
و وصل الخطا بالسیف و السیف بالخطا
إذا ظن أن المرء ذا السیف قاصر
و هذه الأبیات من قطعه لحمید جیده- و من جملتها
قضى الله فی بعض المکاره للفتى
برشد و فی بعض الهوى ما یحاذر
أ لم تعلمی أنی إذا الإلف قادنی
إلى الجور لا انقاد و الإلف جائر
و قد کنت فی بعض الصباوه أتقی
أمورا و أخشى أن تدور الدوائر
و أعلم أنی أن تغطیت مره
من الدهر مکشوف غطائی فناظر
و من المعنى الذی نحن فی ذکره- ما روی أن رجلا من الأزد رفع إلى المهلب سیفا له- فقال یا عم کیف ترى سیفی هذا- فقال إنه لجید لو لا أنه قصیر- قال أطوله یا عم بخطوتی- فقال و الله یا ابن أخی- أن المشی إلى الصین أو إلى آذربیجان- على أنیاب الأفاعی أسهل من تلک الخطوه- و لم یقل المهلب ذلک جبنا- بل قال ما توجبه الصوره- إذ کانت تلک الخطوه قریبه للموت- قال أبو سعد المخزومی فی هذا المعنى-
رب نار رفعتها و دجى اللیل
على الأرض مسبل الطیلسان
و أمون نحرتها لضیوف
و ألوف نقدتهن لجانی
و حروب شهدتها جامع القلب
فلم تنکر الکمأه مکانی
و إذا ما الحسام کان قصیرا
طولته إلى العدو بنانی
من الناس من یرویها فی دیوانه لجانی بالجیم- أی حملت الحماله عنه- و منهم من یرویها بالحاء یعنی الخمار- . و من المعنى المذکور أولا قول بعض الشعراء- یمدح صخر بن عمرو بن الشرید الأسلمی-
إن ابن عمرو بن الشرید
له فخار لا یرام
و حجا إذا عدم الحجا
و ندى إذا بخل الغمام
یصل الحسام بخطوه
فی الروع إن قصر الحسام
و مثله قول الراجز
یخطو إذا ما قصر العضب الذکر
خطوا ترى منه المنایا تبتدر
و مثله
و إنا لقوم ما نرى القتل سبه
إذا ما رأته عامر و سلول
یقصر ذکر الموت آجالنا لنا
و تکرهه آجالهم فتطول
و منها
و إن قصرت أسیافنا کان وصلها
خطانا إلى أعدائنا فتطول
و مثله قول وداک بن ثمیل المازنی-
مقادیم وصالون فی الروع خطوهم
بکل رقیق الشفرتین یمانی
إذا استنجدوا لم یسألوا من دعاهم
لأیه حرب أم بأی مکان
و قال آخر
إذا الکمأه تنحوا أن یصیبهم
حد السیوف وصلناها بأیدینا
و قال آخر
وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا
على الهول حتى أمکنتنا المضارب
و قال بعض الرجاز
الطاعنون فی النحور و الکلى
و الواصلون للسیوف بالخطا
قوله ع و اعلموا أنکم بعین الله- أی یراکم و یعلم أعمالکم- و الباء هاهنا کالباء فی قوله- أنت بمرأى منی و مسمع- . قوله فعاودوا الکر- أی إذا کررتم على العدو کره فلا تقتصروا علیها- بل کروا کره أخرى بعدها- ثم قال لهم- و استحیوا من الفرار فإنه عار فی الأعقاب- أی فی الأولاد- فإن الأبناء یعیرون بفرار الآباء- و یجوز أن یرید بالأعقاب جمع عقب- و هو العاقبه و ما یئول إلیه الأمر- قال سبحانه خَیْرٌ ثَواباً وَ خَیْرٌ عُقْباً- أی خیر عاقبه- فیعنى على هذا الوجه أن الفرار عار فی عاقبه أمرکم- و ما یتحدث به الناس فی مستقبل الزمان عنکم- .
ثم قال و نار یوم الحساب- لأن الفرار من الزحف ذنب عظیم- و هو عندأصحابنا المعتزله من الکبائر- قال الله تعالى وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ- إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلى فِئَهٍ- فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ- و الجهاد بین یدی الإمام کالجهاد بین یدی الرسول ع- . قوله ع و طیبوا عن أنفسکم نفسا- لما نصب نفسا على التمییز وحده- لأن التمییز لا یکون إلا واحدا- و إن کان فی معنى الجمع- تقول انعموا بالا- و لا تضیقوا ذرعا- و أبقى الأنفس على جمعها- لما لم یکن به حاجه إلى توحیدها- یقول وطنوا أنفسکم على الموت و لا تکرهوه- و هونوه علیکم- تقول طبت عن مالی نفسا إذا هونت ذهابه- . و قوله و امشوا إلى الموت مشیا سجحا أی سهلا- و السجاحه السهوله- یقال فی أخلاق فلان سجاحه- و من رواه سمحا أراد سهلا أیضا- . و السواد الأعظم یعنی به جمهور أهل الشام- .
قوله و الرواق المطنب- یرید به مضرب معاویه ذا الأطناب- و کان معاویه فی مضرب علیه قبه عالیه- و حوله صنادید أهل الشام- و ثبجه وسطه- و ثبج الإنسان ما بین کاهله إلى ظهره- . و الکسر جانب الخباء- و قوله فإن الشیطان کامن فی کسره- یحتمل وجهین- أحدهما أن یعنى به الشیطان الحقیقی- و هو إبلیس- و الثانی أن یعنى به معاویه- و الثانی هو الأظهر للقرینه التی تؤیده- و هی قوله قد قدم للوثبه یدا- و أخر للنکوص رجلا- أی إن جبنتم وثب- و إن شجعتم نکص أی تأخر و فر- و من حمله على الوجه الأول جعله من باب المجاز- أی إن إبلیس کالإنسان- الذی یعتوره دواع مختلفه بحسب المتجددات- فإن أنتم صدقتم عدوکم القتال فر عنکم بفرار عدوکم- و إن تخاذلتم و تواکلتم طمع فیکم بطمعه- و أقدم علیکم بإقدامه- .
و قوله ع فصمدا صمدا- أی اصمدوا صمدا صمدا- صمدت لفلان أی قصدت له- . و قوله حتى ینجلی لکم عمود الحق- أی یسطع نوره و ضوءه- و هذا من باب الاستعاره- و الواو فی قوله و أنتم الأعلون واو الحال- . و لن یترکم أعمالکم أی لن ینقصکم- و هاهنا مضاف محذوف تقدیره جزاء أعمالکم- و هو من کلام الله تعالى رصع به خطبته ع- . و هذا الکلام خطب به أمیر المؤمنین ع- فی الیوم الذی کانت عشیته لیله الهریر- فی کثیر من الروایات- . و فی روایه نصر بن مزاحم- أنه خطب به فی أول أیام اللقاء و الحرب بصفین- و ذلک فی صفر من سنه سبع و ثلاثین.
من أخبار یوم صفین
قال نصر کان علی ع یرکب بغله له یستلذها- قبل أن یلتقی الفئتان بصفین- فلما حضرت الحرب و بات تلک اللیله- یعبئ الکتائب حتى أصبح- قال ائتونی بفرس- فأتی بفرس له ذنوب أدهم- یقاد بشطنین یبحث الأرض بیدیه جمیعا- له حمحمهو صهیل- فرکبه و قال- سبحان الذی سخر لنا هذا و ما کنا له مقرنین- لا حول و لا قوه إلا بالله العلی العظیمقال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفی قال کان علی ع إذا سار إلى قتال- ذکر اسم الله قبل أن یرکب- کان یقول الحمد لله على نعمه علینا و فضله- سبحان الذی سخر لنا هذا و ما کنا له مقرنین- و إنا إلى ربنا لمنقلبون- ثم یستقبل القبله- و یرفع یدیه إلى السماء و یقول- اللهم إلیک نقلت الأقدام- و أتعبت الأبدان و أفضت القلوب- و رفعت الأیدی و شخصت الأبصار- رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ- وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفاتِحِینَ- ثم یقول سیروا على برکه الله- ثم یقول الله أکبر الله أکبر- لا إله إلا الله الله أکبر- یا الله یا أحد یا صمد- یا رب محمد اکفف عنا بأس الظالمین- الحمد لله رب العالمین- الرحمن الرحیم مالک یوم الدین- إیاک نعبد و إیاک نستعین- بسم الله الرحمن الرحیم- و لا حول و لا قوه إلا بالله العلی العظیم- قال و کانت هذه الکلمات شعاره بصفین
قال و روى سعد بن طریف عن الأصبغ بن نباته قال ما کان علی ع فی قتال إلا نادى یا کهیعصقال نصر و حدثنا قیس بن الربیع عن عبد الواحد بن حسان العجلی عمن حدثه أنه سمع علیا ع یقول- یوم لقائه أهل الشام بصفین- اللهم إلیک رفعت الأبصار- و بسطت الأیدی و نقلت الأقدام- و دعت الألسن و أفضت القلوب- و تحوکم إلیک فی الأعمال- فاحکم بیننا و بینهم بالحق و أنت خیر الفاتحین- اللهم إنا نشکو إلیک غیبه نبینا- و قله عددنا و کثره عدونا- و تشتت أهوائنا و شده الزمان و ظهور الفتن- فأعنا على ذلک بفتح منک تعجله- و نصر تعز به سلطان الحق و تظهره
قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن سلام بن سوید عن علی ع فی قوله وَ أَلْزَمَهُمْ کَلِمَهَ التَّقْوى- قال هی لا إله إلا الله- و فی قوله الله أکبر قال هی آیه النصرقال سلام- کانت شعاره ع یقولها فی الحرب- ثم یحمل فیورد و الله من اتبعه- و من حاده حیاض الموت- . قال نصر و حدثنا عمر بن سعد- عن عبد الرحمن بن جندب عن أبیه- قال لما کان غداه الخمیس لسبع خلون من صفر- من سنه سبع و ثلاثین- صلى علی ع الغداه فغلس- ما رأیت علیا غلس بالغداه أشد من تغلیسه یومئذ- و خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف نحوهم- و کان هو یبدؤهم فیسیر إلیهم- فإذا رأوه قد زحف استقبلوه بزحوفهم- .
قال نصر فحدثنی عمر بن سعد عن مالک بن أعین عن زید بن وهب قال لما خرج علی ع إلیهم غداه ذلک الیوم فاستقبلوه- رفع یدیه إلى السماء و قال- اللهم رب هذا السقف المحفوظ المکفوف- الذی جعلته محیطا باللیل و النهار- و جعلت فیه مجرى الشمس و القمر- و منازل الکواکب و النجوم- و جعلت سکانه سبطا من الملائکه لا یسأمون العباده- و رب هذه الأرض- التی جعلتها قرارا للأنام و الهوام و الأنعام- و ما لا یحصى مما یرى و مما لا یرى من خلقک العظیم- و رب الفلک التی تجری فی البحر المحیط- بما ینفع الناس- و رب السحاب المسخر بین السماء و الأرض- و رب البحرالمسجور المحیط بالعالمین- و رب الجبال الرواسی التی جعلتها للأرض أوتادا- و للخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا- فجنبنا البغی و سددنا للحق- و إن أظهرتهم علینا فارزقنا الشهاده- و اعصم بقیه أصحابی من الفتنه- .
قال فلما رأوه قد أقبل تقدموا إلیه بزحوفهم- و کان على میمنته یومئذ عبد الله بن بدیل- بن ورقاء الخزاعی- و على میسرته عبد الله بن العباس بن عبد المطلب- و قراء العراق مع ثلاثه نفر- عمار بن یاسر و قیس بن سعد بن عباده و عبد الله بن بدیل- و الناس على رایاتهم و مراکزهم- و علی ع فی القلب فی أهل المدینه جمهورهم الأنصار- و معه من خزاعه و من کنانه عدد حسن- .
قال نصر و کان علی ع رجلا ربعه أدعج العینین- کان وجهه القمر لیله البدر حسنا- ضخم البطن عریض المسربه- شثن الکفین ضخم الکسور- کأن عنقه إبریق فضه أصلع من خلفه شعر خفیف- لمنکبه مشاش کمشاش الأسد الضاری- إذا مشى تکفأ و مار به جسده- و لظهره سنام کسنام الثور لا یبین عضده من ساعده- قد أدمجت إدماجا- لم یمسک بذراع رجل قط إلا أمسک بنفسه- فلم یستطع أن یتنفس- و لونه إلى سمره ما و هو أذلف الأنف- إذا مشى إلى الحرب هرول- قد أیده الله تعالى فی حروبه بالنصر و الظفر- .
قال نصر و رفع معاویه قبه عظیمه- و ألقى علیها الکرابیس و جلس تحتها- . قال نصر و قد کان لهم قبل هذا الیوم أیام ثلاثه- و هی الرابع من صفر هذا- و الیوم الخامس و الیوم السادس- کانت فیها مناوشات و قتال لیس بذلک الکثیر- فأما الیوم الرابع- فأن محمد بن الحنفیه ع- خرج فی جمع من أهل العراق- فأخرج إلیه معاویه عبید الله بن عمر بن الخطاب- فی جمع من أهل الشام- فاقتتلوا- ثم إن عبید الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفیه- أن اخرج إلی أبارزک فقال نعم- ثم خرج إلیه فبصر بهما علی ع- فقال من هذان المتبارزان- قیل محمد بن الحنفیه و عبید الله بن عمر- فحرک دابته ثم دعا محمدا إلیه- فجاءه فقال أمسک دابتی فأمسکها- فمشى راجلا بیده سیفه نحو عبید الله- و قال له أنا أبارزک فهلم إلی- فقال عبید الله لا حاجه بی إلى مبارزتک- قال بلى فهلم إلی قال لا أبارزک- ثم رجع إلى صفه فرجع علی ع- فقال ابن الحنفیه یا أبت لم منعتنی من مبارزته- فو الله لو ترکتنی لرجوت أن أقتله- قال یا بنی لو بارزته أنا لقتلته- و لو بارزته أنت لرجوت لک أن تقتله- و ما کنت آمن أن یقتلک- فقال یا أبت أ تبرز بنفسک- إلى هذا الفاسق اللئیم عدو الله- و الله لو أبوه یسألک المبارزه لرغبت بک عنه- فقال یا بنی لا تذکر أباه- و لا تقل فیه إلا خیرا رحم الله أباه- .
قال نصر و أما الیوم الخامس- فإنه خرج فیه عبد الله بن العباس- فخرج إلیه الولید بن عقبه- فأکثر من سب بنی عبد المطلب- و قال یا ابن عباس قطعتم أرحامکم و قتلتم إمامکم- فکیف رأیتم صنع الله بکم- لم تعطوا ما طلبتم و لم تدرکوا ما أملتم- و الله إن شاء مهلککم و ناصرنا علیکم- فأرسل إلیه عبد الله بن العباس- أن ابرز إلی فأبى أن یفعل- و قاتل ابن عباس ذلک الیوم قتالا شدیدا- ثم انصرفوا و کل غیر غالب- .
قال نصر و خرج فی ذلک الیوم- شمر بن أبرهه بن الصباح الحمیری- فلحق بعلی ع فی ناس من قراء أهل الشام- ففت ذلک فی عضد معاویه و عمرو بن العاص- و قال عمرو یا معاویه- إنک ترید أن تقاتل بأهل الشام رجلا- له من محمد ص قرابه قریبه- و رحم ماسه و قدم فی الإسلام لا یعتد أحد بمثله- و حده فی الحرب لم تکن لأحد من أصحاب محمد ص- و إنه قد سار إلیک بأصحاب محمد المعدودین- و فرسانهم و قرائهم و أشرافهم- و قدمائهم فی الإسلام- و لهم فی النفوس مهابه- فبادر بأهل الشام مخاشن الأوعار و مضایق العیاض- و احملهم على الجهد- و ائتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم- فیحدث عندهم طول المقام مللا- فتظهر فیهم کآبه الخذلان- و مهما نسیت فلا تنس أنک على باطل- و أن علیا على حق- فبادر الأمر قبل اضطرابه علیک- فقام معاویه فی أهل الشام خطیبا- فقال أیها الناس أعیرونا جماجمکم و أنفسکم- لا تقتتلوا و لا تتجادلوا- فإن الیوم یوم خطار و یوم حقیقه و حفاظ- إنکم لعلى حق و بأیدیکم حجه- إنما تقاتلون من نکث البیعه و سفک الدم الحرام- فلیس له فی السماء عاذر- . قدموا أصحاب السلاح المستلئمه- و أخروا الحاسر و احملوا بأجمعکم- فقد بلغ الحق مقطعه و إنما هو ظالم و مظلوم- .
قال نصر و خطب علی ع أصحابه فیما حدثنا به عمر بن سعد عن أبی یحیى عن محمد بن طلحه عن أبی سنان عن أبیه قال کأنی أنظر إلیه متوکئا على قوسه- و قد جمع أصحاب رسول الله ص عنده- فهم یلونه کأنه أحب أن یعلم الناس- أن الصحابه متوافرون معه- فحمد الله و أثنى علیه و قال- أما بعد فإن الخیلاء من التجبر- و إن النخوه من التکبر- و إن الشیطان عدو حاضر یعدکم الباطل- ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابذوا و لا تخاذلوا- ألا إن شرائع الدین واحده و سبله قاصده- من أخذ بها لحق و من فارقها محق و من ترکها مرق- لیس المسلم بالخائن إذا اؤتمن- و لا بالمخلف إذا وعد و لا بالکذاب إذا نطق- نحن أهل بیت الرحمه و قولنا الصدق- و فعلنا القصد و منا خاتم النبیین- و فینا قاده الإسلام و فینا حمله الکتاب- ألا إنا ندعوکم إلى الله و إلى رسوله- و إلى جهاد عدوه و الشده فی أمره- و ابتغاء مرضاته و إقام الصلاه و إیتاء الزکاه- و حج البیت و صیام شهر رمضان- و توفیر الفیء على أهله- ألا و إن من أعجب العجائب- أن معاویه بن أبی سفیان الأموی- و عمرو بن العاص السهمی- أصبحا یحرضان الناس على طلب الدین بزعمهما- و لقد علمتم أنی لم أخالف رسول الله ص قط- و لم أعصه فی أمر- أقیه بنفسی فی المواطن التی ینکص فیها الأبطال- و ترعد فیها الفرائص- بنجده أکرمنی الله سبحانه بها و له الحمد- و لقد قبض رسول الله ص و إن رأسه لفی حجری- و لقد ولیت غسله بیدی وحدی- تقلبه الملائکه المقربون معی- و ایم الله ما اختلفت أمه قط بعد نبیها- إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا ما شاء الله قال أبو سنان الأسلمی فأشهد لقد سمعت عمار بن یاسر یقول للناس أما أمیر المؤمنین فقد أعلمکم- أن الأمه لم تستقم علیه أولا- و أنها لن تستقیم علیه آخرا- .
قال ثم تفرق الناس- و قد نفذت أبصارهم فی قتال عدوهم- فتأهبوا و استعدوا-قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن مالک بن أعین عن زید بن وهب أن علیا ع قال فی هذه اللیله- حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا- ثم قام فی الناس فقال- الحمد لله الذی لا یبرم ما نقض و لا ینقض ما أبرم- و لو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمه و لا من خلقه- و لا تنازع البشر فی شیء من أمره- و لا جحد المفضول ذا الفضل فضله- و قد ساقتنا و هؤلاء القوم الأقدار- حتى لفت بیننا فی هذا الموضع- و نحن من ربنا بمرأى و مسمع- و لو شاء لعجل النقمه و لکان منه النصر- حتى یکذب الله الظالم و یعلم الحق أین مصیره- و لکنه جعل الدنیا دار الأعمال- و الآخره دار الجزاء و القرار- لِیَجْزِیَ الَّذِینَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا- وَ یَجْزِیَ الَّذِینَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى- ألا إنکم لاقوا العدو غدا إن شاء الله- فأطیلوا اللیله القیام و أکثروا تلاوه القرآن- و اسألوا الله الصبر و النصر- و ألقوهم بالجد و الحزم و کونوا صادقین- .
قال فوثب الناس- إلى رماحهم و سیوفهم و نبالهم یصلحونها- و خرج ع فعبى الناس لیلته تلک کلها حتى أصبح- و عقد الألویه و أمر الأمراء و کتب الکتائب- و بعث إلى أهل الشام منادیا نادى فیهم- اغدوا على مصافکم- فضج أهل الشام فی معسکرهم- و اجتمعوا إلى معاویه فعبى خیله- و عقد ألویته و أمر أمراءه و کتب کتائبه- و أحاط به أهل حمص فی رایاتهم- و علیهم أبو الأعور السلمی- و أهل الأردن فی رایاتهم علیهم عمرو بن العاص- و أهل قنسرین و علیهم زفر بن الحارث الکلابی- و أهل دمشق و هم القلب-و علیهم الضحاک بن قیس الفهری- فأطافوا کلهم بمعاویه- و کان أهل الشام أکثر من أهل العراق بالضعف- و سار أبو الأعور و عمرو بن العاص و من معهما- حتى وقفا بحیال أهل العراق فنظرا إلیهم- و استقلا جمعهم و طمعا فیهم- و نصب لمعاویه منبر فقعد علیه فی قبه ضربها- ألقی علیها الثیاب و الأرائک- و أحاط به أهل یمن- و قال لا یقربن هذا المنبر أحد لا تعرفونه- إلا قتلتموه کائنا من کان- .
قال نصر و أرسل عمرو إلى معاویه- قد عرفت ما بیننا من العهد و العقد- فاعصب برأسی هذا الأمر- و أرسل إلى أبی الأعور فنحه عنی و دعنی و القوم- فأرسل معاویه إلى أبی الأعور- أن لأبی عبد الله رأیا و تجربه لیست لی و لا لک- و قد ولیته أعنه الخیل- فسر أنت حتى تقف بخیلک على تل کذا و دعه و القوم- . فسار أبو الأعور- و بقی عمرو بن العاص فیمن معه- واقفا بإزاء عسکر العراق- فنادى عمرو ابنیه عبد الله و محمدا- فقال لهما قدما هؤلاء الدرع و أخرا هؤلاء الحسر- و أقیما الصف قص الشارب- فإن هؤلاء قد جاءوا بخطه قد بلغت السماء- . فمشیا برایتهما فعدلا الصفوف- و سار بینهما عمرو فأحسن الصف ثانیه- ثم حمل قیسا و کلیبا و کنانه على الخیول- و رجل سائر الناس- . قال نصر و بات کعب بن جعیل التغلبی- شاعر أهل الشام تلک اللیله یرتجز و ینشد-
أصبحت الأمه فی أمر عجب
و الملک مجموع غدا لمن غلب
أقول قولا صادقا غیر کذب
إن غدا یهلک أعلام العرب
غدا نلاقی ربنا فنحتسب
غدا یصیرون رمادا قد ذهب
بعد الجمال و الحیاء و الحسب
یا رب لا تشمت بنا و لا تصب
من خلع الأنداد طرا و الصلب
قال نصر و قال معاویه- من فی میسره أهل العراق فقیل ربیعه- فلم یجد فی الشام ربیعه فجاء بحمیر- فجعلها بإزاء ربیعه على قرعه- أقرعها بین حمیر و عک- فقال ذو الکلاع الحمیری- باستک من سهم لم تبغ الضراب- کأنه أنف عن أن تکون حمیر بإزاء ربیعه- فبلغ ذلک حجدرا الحنفی- فحلف بالله إن عاینه لیقتلنه أو لیموتن دونه- فجاءت حمیر حتى وقفت بإزاء ربیعه- و جعل السکاسک و السکون بإزاء کنده- و علیهما الأشعث بن قیس- و جعل بإزاء همدان العراق الأزد- و بإزاء مذحج العراق عکا- . و قال راجز من أهل الشام-
ویل لأم مذحج من عک
و أمهم قائمه تبکی
نصکهم بالسیف أی صک
فلا رجال کرجال عک
قال و طرحت عک حجرا بین أیدیهم و قالوا لا نفر حتى یفر هذا الحکر بالکاف- و عک تقلب الجیم کافا- و صف القلب خمسه صفوف- و فعل أهل العراق أیضا مثل ذلک- و نادى عمرو بن العاص بأعلى صوته-
یا أیها الجند الصلیب الإیمان
قوموا قیاما و استعینوا الرحمن
إنی أتانی خبر ذو ألوان
إن علیا قتل ابن عفان
ردوا علینا شیخنا کما کان
فرد علیه أهل العراق و قالوا-
أبت سیوف مذحج و همدان
بأن ترد نعثلا کما کان
خلقا جدیدا مثل خلق الرحمن
ذلک شأن قد مضى و ذا شان
ثم نادى عمرو بن العاص ثانیه برفع صوته-
ردوا علینا شیخنا ثم بجل
أو لا تکونوا جزرا من الأسل
فرد علیه أهل العراق
کیف نرد نعثلا و قد قحل
نحن ضربنا رأسه حتى انجفل
و أبدل الله به خیر بدل
أعلم بالدین و أزکى بالعمل
و قال إبراهیم بن أوس بن عبیده من أهل الشام-
لله در کتائب جاءتکم
تبکی فوارسها على عثمان
تسعون ألفا لیس فیهم قاسط
یتلون کل مفصل و مثان
یسلون حق الله لا یعدونه
و مجیبکم للملک و السلطان
فأتوا ببینه على ما جئتم
أو لا فحسبکم من العدوان
و أتوا بما یمحو قصاص خلیفه
لله لیس بکاذب خوان
قال نصر و بات علی ع لیلته یعبئ الناس- حتى إذا أصبح زحف بهم- و خرج إلیه معاویه فی أهل الشام فجعل یقول- من هذه القبیله و من هذه القبیله- یعنی قبائل أهل الشام- فیسمون له حتى إذا عرفهم و عرف مراکزهم- قال للأزد اکفونی الأزد- و قال لخثعم اکفونی خثعما- و أمر کل قبیله من العراق- أن تکفیه أختها من أهل الشام- إلا قبیله لیس منهم بالعراق إلا القلیل مثل بجیله- فإن لخما کانت بإزائها- ثم تناهض القوم یوم الأربعاء سادس صفر- و اقتتلوا إلى آخر نهارهم و انصرفوا عند المساء- و کل غیر غالب- .
قال نصر فأما الیوم السابع- فکان القتال فیه شدیدا و الخطب عظیما- و کان عبد الله بن بدیل الخزاعی على میمنه العراق- فزحف نحو حبیب بن مسلمه و هو على میسره أهل الشام- فلم یزل یحوزه و یکشف خیله- حتى اضطر بهم إلى قبه معاویه وقت الظهر- . قال نصر فحدثنا عمر بن سعد قال- حدثنا مالک بن أعین عن زید بن وهب- أن عبد الله بن بدیل قام فی أصحابه فخطبهم- فقال ألا إن معاویه ادعى ما لیس له- و نازع الأمر أهله و من لیس مثله- و جادل بالباطل لیدحض به الحق- و صال علیکم بالأعراب و الأحزاب- و زین لهم الضلاله و زرع فی قلوبهم حب الفتنه- و لبس علیهم الأمور و زادهم رجسا إلى رجسهم- و أنتم و الله على نور و برهان مبین- قاتلوا الطغاه الجفاه قاتلوهم و لا تخشوهم- و کیف تخشونهم- و فی أیدیکم کتاب من ربکم ظاهر مبین- أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ- قاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَیْدِیکُمْ-وَ یُخْزِهِمْ وَ یَنْصُرْکُمْ عَلَیْهِمْ- وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ- و لقد قاتلتهم مع النبی ص- و الله ما هم فی هذه بأزکى و لا أتقى و لا أبر- انهضوا إلى عدو الله و عدوکم- .
قال نصر و حدثنا عمر بن سعد- قال حدثنی عبد الرحمن عن أبی عمرو عن أبیه- أن علیا ع خطب فی لیله هذا الیوم- فقال معاشر المسلمین استشعروا الخشیه- و تجلببوا السکینه و عضوا على النواجذ- فإنه أنبى للسیوف عن الهام…- الفصل بطوله إلى آخره- و هو المذکور فی الکتاب- .
و روى نصر أیضا بالإسناد المذکور أن علیا ع خطب ذلک الیوم و قال- أیها الناس إن الله تعالى ذکره- قد دلکم على تجاره تنجیکم من العذاب- و تشفی بکم على الخیر- إیمان بالله و رسوله و جهاد فی سبیله- و جعل ثوابه مغفره الذنوب- و مساکن طیبه فی جنات عدن- و رضوان من الله أکبر- و أخبرکم بالذی یحب فقال- إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا- کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ- فسووا صفوفکم کالبنیان المرصوص- و قدموا الدارع و أخروا الحاسر- و عضوا على الأضراس- فإنه أنبى للسیوف عن الهام- و أربط للجأش و أسکن للقلوب- و أمیتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل و أولى بالوقار- و التووا فی أطراف الرماح فإنه أمور للأسنه- و رایتکم فلا تمیلوها و لا تزیلوها- و لا تجعلوها إلا بأیدی شجعانکم المانعی الذمار- و الصبر عند نزول الحقائق- أهل الحفاظ الذین یحفون برایتکم و یکتنفونها- یضربون خلفها و أمامها و لا تضیعوها- أجزاء کل امرئ وقذ قرنه- و واسى أخاه بنفسه و لم یکل قرنه إلى أخیه- فیجمع علیه قرنه و قرن أخیه- فیکسب بذلک من الإثم و یأتی به دناءه- أنى هذا و کیف یکون هکذا- هذا یقاتل اثنین و هذا ممسک یده- قد خلى قرنه إلى أخیه هاربا منه أو قائما ینظر إلیه- من یفعل هذا یمقته الله فلا تعرضوا لمقت الله- فإنما مردکم إلى الله- قال الله تعالى لقوم عابهم- لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ- وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِیلًا- و ایم الله لئن فررتم من سیف العاجله- لا تسلمون من سیف الآخره- استعینوا بالصدق و الصبر- فإنه بعد الصبر ینزل النصر- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر- عن جابر عن الشعبی- عن مالک بن قدامه الأرحبی- قال قام سعید بن قیس یخطب أصحابه بقناصرین- فقال الحمد لله الذی هدانا لدینه و أورثنا کتابه- و امتن علینا بنبیه فجعله رحمه للعالمین- و سیدا للمرسلین و قائدا للمؤمنین و خاتما للنبیین- و حجه الله العظیم على الماضین و الغابرین- ثم کان فیما قضى الله و قدره- و له الحمد على ما أحببنا و کرهنا- أن ضمنا و عدونا بقناصرین- فلا یجمل بنا الیوم الحیاص- و لیس هذا بأوان انصراف- و لات حین مناص- و قد خصنا الله منه برحمه لا نستطیع أداء شکرها- و لا نقدر قدرها- إن أصحاب محمد المصطفین الأخیار معناو فی حیز- فو الله الذی هو بالعباد بصیر- أن لو کان قائدنا رجلا مجدعا- إلا أن معنا من البدریین سبعین رجلا- لکان ینبغی لنا أن تحسن بصائرنا و تطیب أنفسنا- فکیف و إنما رئیسنا ابن عم نبینا بدری صدق- صلى صغیرا و جاهد مع نبیکم کثیرا- و معاویه طلیق من وثاق الإسار و ابن طلیق- ألا إنه أغوى جفاه فأوردهم النار و أوردهم العار- و الله محل بهم الذل و الصغار- ألا إنکم ستلقون عدوکم غدا- فعلیکم بتقوى الله- من الجد و الحزم و الصدق و الصبر- فإن الله مع الصابرین- ألا إنکم تفوزون بقتلهم و یشقون بقتلکم- و الله لا یقتل رجل منکم رجلا منهم- إلا أدخل الله القاتل جنات عدن- و أدخل المقتول نارا تلظى- لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ- عصمنا الله و إیاکم بما عصم به أولیاءه- و جعلنا و إیاکم ممن أطاعه و اتقاه- و أستغفر الله العظیم لی و لکم و للمؤمنین- . ثم قال الشعبی و لقد صدق فعله ما قال فی خطبته- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر- عن جابر عن أبی جعفر و زید بن الحسن قالا- طلب معاویه إلى عمرو بن العاص- أن یسوی صفوف أهل الشام- فقال له عمرو على أن لی حکمی- أن قتل الله ابن أبی طالب- و استوثقت لک البلاد- فقال أ لیس حکمک فی مصر- قال و هل مصر تکون عوضا عن الجنه- و قتل ابن أبی طالب ثمنا لعذاب النار- الذی لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ- فقال معاویه إن لک حکمک أبا عبد الله- إن قتل ابن أبی طالب- رویدا لا یسمع أهل الشام کلامک- فقام عمرو فقال معاشر أهل الشام- سووا صفوفکم قص الشارب- و أعیرونا جماجمکم ساعه- فقد بلغ الحق مقطعه فلم یبق إلا ظالم أو مظلوم- . قال نصر و أقبل أبو الهیثم بن التیهان- و کان من أصحاب رسول الله ص- بدریا نقیبا عقبیا- یسوی صفوف أهل العراق و یقول- یا معشر أهل العراق- إنه لیس بینکم و بین الفتح فی العاجل- و الجنه فی الآجل- إلا ساعه من النهار- فأرسوا أقدامکم و سووا صفوفکم- و أعیروا ربکم جماجمکم- استعینوا بالله إلهکم- و جاهدوا عدو الله و عدوکم- و اقتلوهم قتلهم الله و أبادهم- و اصبروا فإن الأرض لله- یورثها من یشاء من عباده و العاقبه للمتقین- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن الفضل بن أدهم عن أبیه أن الأشتر قام یخطب الناس بقناصرین- و هو یومئذ على فرس أدهم- مثل حلک الغراب فقال- الحمد لله الذی خلق السموات العلى- الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى- لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ- وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى- أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء- حمدا کثیرا بکره و أصیلا- من هداه الله فقد اهتدى و من یضلل فقد غوى- أرسل محمدا بالصواب و الهدى- فأظهره على الدین کله و لو کره المشرکون صلى الله علیه و سلم- ثم قد کان مما قضى الله سبحانه- و قدر أن ساقتنا المقادیر إلى أهل هذه البلده من الأرض- فلفت بیننا و بین عدو الله و عدونا- فنحن بحمد الله و نعمه و منه و فضله- قریره أعیننا طیبه أنفسنا- نرجو بقتالهم حسن الثواب و الأمن من العقاب- معنا ابن عم نبینا- و سیف من سیوف الله علی بن أبی طالب- صلى مع رسول الله- لم یسبقه إلى الصلاهذکر حتى کان شیخا- لم تکن له صبوه و لا نبوه و لا هفوه و لا سقطه- فقیه فی دین الله تعالى عالم بحدود الله- ذو رأی أصیل و صبر جمیل و عفاف قدیم- فاتقوا الله و علیکم بالحزم و الجد- و اعلموا أنکم على الحق و أن القوم على الباطل- إنما تقاتلون معاویه- و أنتم مع البدریین قریب من مائه بدری- سوى من حولکم من أصحاب محمد- أکثر ما معکم رایات قد کانت مع رسول الله- و مع معاویه رایات- قد کانت مع المشرکین على رسول الله- فما یشک فی قتال هؤلاء إلا میت القلب- أنتم على إحدى الحسنیین إما الفتح و إما الشهاده- عصمنا الله و إیاکم بما عصم به من أطاعه و اتقاه- و ألهمنا و إیاکم طاعته و تقواه- و أستغفر الله لی و لکم- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر- عن جابر عن الشعبی عن صعصعه بن صوحان- عن زامل بن عمرو الجذامی- قال طلب معاویه إلى ذی الکلاع- أن یخطب الناس و یحرضهم على قتال علی ع- و من معه من أهل العراق- فعقد فرسه و کان من أعظم أصحاب معاویه خطرا- و خطب الناس فقال- الحمد لله حمدا کثیرا نامیا واضحا منیرا- بکره و أصیلا- أحمده و أستعینه و أومن به- و أتوکل علیه و کفى بالله وکیلا- و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له- و أشهد أن محمدا عبده و رسوله- أرسله بالفرقان إماما و بالهدى و دین الحق- حین ظهرت المعاصی و درست الطاعه- و امتلأت الأرض جورا و ضلاله- و اضطرمت الدنیا نیرانا و فتنه- و ورک عدو الله إبلیس- على أن یکون قد عبد فی أکنافها- و استولى على جمیع أهلها- فکان محمد ص هو الذی أطفأ الله به نیرانها- و نزع به أوتادها و أوهن بهقوى إبلیس- و آیسه مما کان قد طمع فیه من ظفره بهم- و أظهره على الدین کله و لو کره المشرکون- ثم کان من قضاء الله- أن ضم بیننا و بین أهل دیننا بصفین- و إنا لنعلم أن فیهم قوما- قد کانت لهم مع رسول الله ص سابقه- ذات شأن و خطر عظیم- و لکنی ضربت الأمر ظهرا و بطنا- فلم أر یسعنی أن یهدر دم عثمان صهر نبینا ص- الذی جهز جیش العسره- و ألحق فی مصلى رسول الله ص بیتا- و بنى سقایه بایع له نبی الله بیده الیمنى على الیسرى- و اختصه بکریمتیه أم کلثوم و رقیه- فإن کان قد أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خیر منه- قال الله سبحانه لنبیه- لِیَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَ ما تَأَخَّرَ- و قتل موسى نفسا ثم استغفر الله فغفر له- و قد أذنب نوح ثم استغفر الله فغفر له- و قد أذنب أبوکم آدم ثم استغفر الله فغفر له- و لم یعر أحدکم من الذنوب- و إنا لنعلم أنه قد کانت لابن أبی طالب سابقه حسنه- مع رسول الله ص- فإن لم یکن مالأ على قتل عثمان فلقد خذله- و إنه لأخوه فی دینه و ابن عمه و سلفه و ابن عمته- ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا شامکم- و بلادکم و بیضتکم- و إنما عامتهم بین قاتل و خاذل- فاستعینوا بالله و اصبروا- فلقد ابتلیتم أیتها الأمه- و لقد رأیت فی منامی فی لیلتی هذه- لکانا و أهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسیوفنا- و نحن فی ذلک جمیعا ننادی- ویحکم الله و مع أنا و الله لا نفارق العرصه حتى نموت- فعلیکم بتقوى الله و لتکن النیات لله- فإنی سمعت عمر بن الخطاب یقول سمعت رسول الله ص یقول إنما یبعث المقتتلون على النیات – أفرغ الله علینا و علیکم الصبر و أعز لنا و لکم النصر- و کان لنا و لکم فی کل أمر- و أستغفر الله لی و لکم- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر- عن ابن عامر عن صعصعه العبدی- عن أبرهه بن الصباح قال- قام یزید بن أسد البجلی فی أهل الشام- یخطب الناس بصفین- و علیه قباء من خز و عمامه سوداء- آخذا بقائم سیفه- واضعا نصل السیف فی الأرض متوکئا علیه- قال صعصعه فذکر لی أبرهه- أنه کان یومئذ من أجمل العرب و أکرمها و أبلغها- فقال الحمد لله الواحد الفرد- ذی الطول و الجلال العزیز الجبار- الحکیم الغفار الکبیر المتعال- ذی العطاء و الفعال و السخاء و النوال- و البهاء و الجمال و المن و الإفضال- مالک الیوم الذی لا بیع فیه و لا خلال- أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء- و فی کل حال من شده أو رخاء- أحمده على نعمه التؤام و آلائه العظام- حمدا یستنیر باللیل و النهار- و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له- کلمه النجاه فی الحیاه و عند الوفاه- و فیها الخلاص یوم القصاص- و أشهد أن محمدا عبده و رسوله- النبی المصطفى و إمام الهدى ص- ثم کان من قضاء الله أن جمعنا و أهل دیننا- فی هذه الرقعه من الأرض- و الله یعلم أنی کنت کارها لذلک- و لکنهم لم یبلعونا ریقنا- و لم یترکونا نرتاد لأنفسنا- و ننظر لمعادنا حتى نزلوا بین أظهرنا- و فی حریمنا و بیضتنا- و قد علمنا أن فی القوم أحلاما و طغاما- و لسنا نأمن من طغامهم على ذرارینا و نسائنا- و لقد کنا نحب ألا نقاتل أهل دیننا- فأخرجونا حتى صارت الأمور- إلى أن قاتلناهم غدا حمیه- فإنا لله و إنا إلیه راجعون و الحمد لله رب العالمین- .
أما و الذی بعث محمدا بالرساله- لوددت أنی مت منذ سنه- و لکن الله إذا أراد أمرا لم یستطع العباد رده- فنستعین بالله العظیم و أستغفر الله لی و لکم- . قال نصر و حدثنا عمرو عن أبی روق الهمدانی- أن یزید بن قیس الأرحبی- حرض أهل العراق بصفین یومئذ- فقال إن المسلم السلیم من سلم دینه و رأیه- و إن هؤلاء القوم- و الله ما أن یقاتلوننا على إقامه دین رأونا ضیعناه- و لا على إحیاء حق رأونا أمتناه- و لا یقاتلوننا إلا على هذه الدنیا- لیکونوا فیها جبابره و ملوکا- و لو ظهروا علیکم- لا أراهم الله ظهورا و لا سرورا- إذا لولیکم مثل سعید- و الولید و عبد الله بن عامر السفیه- یحدث أحدهم فی مجلسه بذیت و ذیت- و یأخذ مال الله و یقول لا إثم علی فیه- کأنما أعطی تراثه من أبیه- کیف إنما هو مال الله- أفاءه علینا بأسیافنا و رماحنا- قاتلوا عباد الله القوم الظالمین- الحاکمین بغیر ما أنزل الله- و لا تأخذکم فیهم لومه لائم- إنهم أن یظهروا علیکم- یفسدوا علیکم دینکم و دنیاکم- و هم من قد عرفتم و جربتم- و الله ما أرادوا باجتماعهم علیکم إلا شرا- و أستغفر الله العظیم لی و لکم- . قال نصر و ارتجز عمرو بن العاص و أرسل بها إلى علی-
لا تأمننا بعدها أبا حسن
إنا نمر الأمر إمرار الرسن
و یروى
خذها إلیک و اعلمن أبا حسن
لتصبحن مثلها أم لبن
طاحنه تدقکم دق الحفن
قال فأجابه شاعر من شعراء أهل العراق-
ألا احذروا فی حربکم أبا حسن
لیثا أبا شبلین محذور فطن
یدقکم دق المهاریس الطحن
لتغبنن یا جاهلا أی غبن
حتى تغض الکف أو تقرع سن
قال نصر فحدثنا عمرو بن شمر عن جابر- عن الشعبی أن أول فارسین التقیا فی هذا الیوم- و هو الیوم السابع من صفر- و کان من الأیام العظیمه فی صفین- ذا أهوال شدیده حجر الخیر و حجر الشر- أما حجر الخیر فهو حجر بن عدی- صاحب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ع- و أما حجر الشر فابن عمه کلاهما من کنده- و کان من أصحاب معاویه- فأطعنا برمحیهما و خرج رجل من بنی أسد یقال له خزیمه- من عسکر معاویه- فضرب حجر بن عدی ضربه برمحه- فحمل أصحاب علی ع فقتلوا خزیمه الأسدی- و نجا حجر الشر هاربا فالتحق بصف معاویه- ثم برز حجر الشرثانیه- فبرز إلیه الحکم بن أزهر من أهل العراق- فقتله حجر الشر- فخرج إلیه رفاعه بن ظالم الحمیری من صف العراق- فقتله و عاد إلى أصحابه یقول- الحمد لله الذی قتل حجر الشر بالحکم بن أزهر- .
ثم إن علیا ع دعا أصحابه- إلى أن یذهب واحد منهم بمصحف کان فی یده- إلى أهل الشام- فقال من یذهب إلیهم- فیدعوهم إلى ما فی هذا المصحف- فسکت الناس و أقبل فتى اسمه سعید- فقال أنا صاحبه فأعاد القول ثانیه- فسکت الناس و تقدم الفتى فقال أنا صاحبه- فسلمه إلیه فقبضه بیده- ثم أتاهم فأنشدهم الله- و دعاهم إلى ما فیه فقتلوه- فقال علی ع لعبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعی- احمل علیهم الآن- فحمل علیهم بمن معه من أهل المیمنه- و علیه یومئذ سیفان و درعان- فجعل یضرب بسیفه قدما و یقول-
لم یبق غیر الصبر و التوکل
و الترس و الرمح و سیف مقصل
ثم التمشی فی الرعیل الأول
مشى الجمال فی حیاض المنهل
فلم یزل یحمل حتى انتهى إلى معاویه- و الذین بایعوه إلى الموت- فأمرهم أن یصمدوا لعبد الله بن بدیل- و بعث إلى حبیب بن مسلمه الفهری و هو فی المیسره- أن یحمل علیه بجمیع من معه- و اختلط الناس و اضطرم الفیلقان- میمنه أهل العراق و میسره أهل الشام- و أقبل عبد الله بن بدیل یضرب الناس بسیفه قدما- حتى أزال معاویه عن موقفه و جعل ینادی- یا ثارات عثمان و إنما یعنی أخا له قد قتل- و ظن معاویه و أصحابه أنه یعنی عثمان بن عفان- و تراجع معاویه عن مکانه القهقرى کثیرا- و أشفق على نفسه- و أرسل إلى حبیب بن مسلمه مره ثانیه و ثالثه- یستنجده و یستصرخه- و یحمل حبیب حمله شدیده- بمیسره معاویه على میمنه العراق- فکشفها حتى لم یبق مع ابن بدیل- إلا نحو مائه إنسان من القراء- فاستند بعضهم إلى بعض یحمون أنفسهم- و لجج ابن بدیل فی الناس و صمم على قتل معاویه- و جعل یطلب موقفه و یصمد نحوه حتى انتهى إلیه- و مع معاویه عبد الله بن عامر واقفا- فنادى معاویه فی الناس- ویلکم الصخر و الحجاره إذا عجزتم عن السلاح- فرضخه الناس بالصخر و الحجاره حتى أثخنوه فسقط- فأقبلوا علیه بسیوفهم فقتلوه- . و جاء معاویه و عبد الله بن عامر حتى وقفا علیه- فأما عبد الله بن عامر فألقى عمامته على وجهه- و ترحم علیه و کان له أخا صدیقا من قبل- فقال معاویه اکشف عن وجهه- فقال لا و الله لا یمثل به و فی روح- فقال معاویه اکشف عن وجهه- فإنا لا نمثل به قد وهبناه لک- فکشف ابن عامر عن وجهه- فقال معاویه هذا کبش القوم و رب الکعبه- اللهم أظفرنی بالأشتر النخعی و الأشعث الکندی- و الله ما مثل هذا إلا کما قال الشاعر-
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها
و إن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
و یحمی إذا ما الموت کان لقاؤه
قدى الشبر یحمی الأنف أن یتأخرا
کلیث هزبر کان یحمی ذماره
رمته المنایا قصدها فتقطرا
ثم قال إن نساء خزاعه- لو قدرت على أن تقاتلنی فضلا عن رجالها لفعلت- . قال نصر فحدثنا عمرو عن أبی روق- قال استعلى أهل الشام عند قتل ابن بدیل- على أهل العراق یومئذ- و انکشف أهل العراق من قبل المیمنه- و أجفلوا إجفالا شدیدا- فأمر علی ع سهل بن حنیف- فاستقدم من کان معه لیرفد المیمنه و یعضدها- فاستقبلهم جموع أهل الشام فی خیل عظیمه- فحملت علیهم فألحقتهم بالمیمنه- و کانت میمنه أهل العراق متصله بموقف علی ع- فی القلب فی أهل الیمن- فلما انکشفوا انتهت الهزیمه إلى علی ع- فانصرف یمشی نحو المیسره- فانکشف مضر عن المیسره أیضا- فلم یبق مع علی ع من أهل العراق- إلا ربیعه وحدها فی المیسره- . قال نصر فحدثنا عمرو قال- حدثنا مالک بن أعین عن زید بن وهب قال- لقد مر علی ع یومئذ و معه بنوه نحو المیسره- و معه ربیعه وحدها- و إنی لأرى النبل یمر بین عاتقه و منکبیه- و ما من بنیه إلا من یقیه بنفسه- فیکره علی ع ذلک- فیتقدم علیه و یحول بینه و بین أهل الشام- و یأخذه بیده إذا فعل ذلک فیلقیه من ورائه- و یبصر به أحمر مولى بنی أمیه و کان شجاعا- و قال علی ع و رب الکعبه- قتلنی الله إن لم أقتلک فأقبل نحوه- فخرج إلیه کیسان مولى علی ع- فاختلفا ضربتین فقتله أحمر- و خالط علیا لیضربه بالسیف و ینتهزه علی- فتقع یده فی جیب درعه فجذبه عن فرسه- فحمله على عاتقه- فو الله لکأنی أنظر إلى رجلی أحمر- تختلفان على عنق علی- ثم ضرب به الأرض فکسر منکبه و عضدیه- و شد ابنا علی حسین و محمد- فضرباه بأسیافهما حتى برد- فکأنی أنظر إلى علی قائما- و شبلاه یضربان الرجل حتى إذا أتیا علیه- أقبلا على أبیهما- و الحسن قائم معه فقال له علی یا بنی- ما منعک أن تفعل کما فعل أخواک- فقال کفیانی یا أمیر المؤمنین- .
قال ثم إن أهل الشام دنوا منه یریدونه- و الله ما یزیده قربهم منه- و دنوهم إلیه سرعه فی مشیته- فقال له الحسن ما ضرک لو أسرعت- حتى تنتهی إلى الذین صبروا لعدوک من أصحابک- قال یعنی ربیعه المیسره- فقال علی یا بنی إن لأبیک یوما- لن یعدوه و لا یبطئ به عند السعی- و لا یقربه إلیه الوقوف- إن أباک لا یبالی- أن وقع على الموت أو وقع الموت علیه- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبی إسحاق قال خرج علی ع یوما من أیام صفین و فی یده عنزه- فمر على سعید بن قیس الهمدانی- فقال له سعد أ ما تخشى یا أمیر المؤمنین- أن یغتالک أحد و أنت قرب عدوک- فقال علی ع إنه لیس من أحد إلا و علیه من الله حفظه- یحفظونه من أن یتردى فی قلیب- أو یخر علیه حائط أو تصیبه آفه- فإذا جاء القدر خلوا بینه و بینه- .
قال نصر و حدثنا عمرو عن فضیل بن خدیج قال- لما انهزمت میمنه العراق یومئذ- أقبل علی ع نحو المیسره یرکض- یستثیب الناس و یستوقفهم- و یأمرهم بالرجوع نحو الفزع-فمر بالأشتر فقال یا مالک- قال لبیک یا أمیر المؤمنین- قال ائت هؤلاء القوم فقل لهم- أین فرارکم من الموت الذی لن تعجزوه- إلى الحیاه التی لا تبقى لکم- فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمین- فقال لهم الکلمات و ناداهم- إلى أیها الناس أنا مالک بن الحارث یکررها- فلم یلو أحد منهم علیه- و ظن أنالأشتر أعرف فی الناس- من مالک بن الحارث- فجعل ینادی ألا أیها الناس- فأنا الأشتر- فانقلب نحوه طائفه و ذهبت عنه طائفه- فقال عضضتم بهن أباکم- ما أقبح و الله ما فعلتم الیوم- أیها الناس غضوا الأبصار و عضوا على النواجذ- و استقبلوا القوم بهامکم- و شدوا علیهم شده قوم موتورین- بآبائهم و أبنائهم و إخوانهم- حنقا على عدوهم- قد وطنوا على الموت أنفسهم کی لا یسبقوا بثأر- إن هؤلاء القوم و الله لن یقاتلوکم إلا عن دینکم- لیطفئوا السنه و یحیوا البدعه- و یدخلوکم فی أمر قد أخرجکم الله منه بحسن البصیره- فطیبوا عباد الله نفسا بدمائکم دون دینکم- فإن الفرار فیه سلب العز و الغلبه على الفیء- و ذل المحیا و الممات و عار الدنیا و الآخره- و سخط الله و ألیم عقابه- .
ثم قال أیها الناس أخلصوا إلى مذحجا- فاجتمعت إلیه مذحج- فقال لهم عضضتم بصم الجندل- و لله ما أرضیتم الیوم ربکم و لا نصحتم له فی عدوه- و کیف ذلک و أنتم أبناء الحرب و أصحاب الغارات- و فتیان الصباح و فرسان الطراد- و حتوف الأقران و مذحج الطعان- الذین لم یکونوا سبقوا بثأرهم و لم تطل دماؤهم- و لم یعرفوا فی موطن من المواطن بخسف- و أنتم ساده مصرکم و أعز حی فی قومکم- و ما تفعلوا فی هذا الیوم فهو مأثور بعد الیوم- فاتقوا مأثور الحدیث فی غد- و اصدقوا عدوکم اللقاء- فإن الله مع الصابرین- و الذی نفس مالک بیده ما من هؤلاء- و أشار بیده إلى أهل الشام- رجل على مثل جناح البعوضه من دین الله- لله أنتم ما أحسنتم الیوم القراع- احبسوا سواد وجهی یرجع فیه دمی- علیکم هذا السواد الأعظم- فإن الله لو قد فضه تبعه من بجانبیه- کما یتبع السیل مقدمه- .
فقالوا خذ بنا حیث أحببت- فصمد بهم نحو عظمهم- و استقبله أشباههم من همدان- و هم نحو ثمانمائه مقاتل قد انهزموا آخر الناس- و کانوا قد صبروا فی میمنه علی ع- حتى قتل منهم مائه و ثمانون رجلا- و أصیب منهم أحد عشر رئیسا- کلما قتل منهم رئیس أخذ الرایه آخر- و هم بنو شریح الهمدانیون- و غیرهم من رؤساء العشیره- فأول من أصیب منهم کریب بن شریح- و شرحبیل بن شریح و مرثد بن شریح- و هبیره بن شریح و هریم بن شریح- و شهر بن شریح و شمر بن شریح- قتل هؤلاء الإخوه السته فی وقت واحد- . ثم أخذ الرایه سفیان بن زید ثم کرب بن زید- ثم عبد بن زید- فقتل هؤلاء الإخوه الثلاثه أیضا- ثم أخذ الرایه عمیر بن بشر ثم أخوه الحارث بن بشر- فقتلا جمیعا- ثم أخذ الرایه أبو القلوص وهب بن کریب- فقال له رجل من قومه- انصرف یرحمک الله بهذه الرایه- ترحها الله فقد قتل الناس حولها- فلا تقتل نفسک و لا من بقی معک- فانصرفوا و هم یقولون- لیت لنا عدیدا من العرب یحالفوننا على الموت- ثم نستقدم نحن و هم فلا ننصرف حتى نظفر أو نقتل- فمروا بالأشتر و هم یقولون هذا القول- فقال لهم الأشتر- أنا أحالفکم و أعاقدکم على ألا نرجع أبدا- حتى نظفر أو نهلک- فوقفوا معه على هذه النیه و العزیمه- فهذا معنى قول کعب بن جعیل-
و همدان زرق تبتغی من تحالف- .
قال و زحف الأشتر نحو المیمنه- و ثاب إلیه أناس تراجعوا- من أهل الصبر و الوفاءو الحیاء- فأخذ لا یصمد لکتیبه إلا کشفها- و لا لجمع إلا حازه و رده- فإنه لکذلک إذا مر بزیاد بن النضر مستلحما- فقال الأشتر هذا و الله الصبر الجمیل- هذا و الله الفعل الکریم إلی- و قد کان هو و أصحابه فی میمنه العراق- فتقدم فرفع رایته لهم فصبروا و قاتل حتى صرع- ثم لم یلبث الأشتر إلا یسیرا کلا شیء- حتى مر بهم یزید بن قیس الأرحبی- مستلحما أیضا محمولا- فقال الأشتر من هذا قالوا یزید بن قیس- لما صرع زیاد بن النضر دفع رایته لأهل المیمنه- فقاتل تحتها حتى صرع- فقال الأشتر هذا و الله الصبر الجمیل- هذا و الله الفعل الکریم- أ لا یستحیی الرجل أن ینصرف أ یقتل- و لم یقتل و لم یشف به على القتل- . قال نصر و حدثنا عمرو عن الحارث بن الصباح- قال کان بید الأشتر یومئذ صفیحه له یمانیه- إذا طأطأها خلت فیها ماء ینصب- و إذا رفعها یکاد یعشی البصر شعاعها- و مر یضرب الناس بها قدما و یقول-الغمرات ثم ینجلینا- .
قال فبصر به الحارث بن جمهان الجعفی- و الأشتر مقنع فی الحدید فلم یعرفه- فدنا منه و قال له جزاک الله منذ الیوم- عن أمیر المؤمنین و عن جماعه المسلمین خیرا- فعرفه الأشتر فقال یا ابن جمهان- أ مثلک یتخلف الیوم عن مثل موطنی هذا- فتأمله ابن جمهان فعرفه- و کان الأشتر من أعظم الرجال و أطولهم- إلا أن فی لحمه خفه قلیله- فقال له جعلت فداک لا و الله- ما علمت مکانک حتى الساعه- و لا و الله لا أفارقک حتى أموت- . قال نصر و حدثنا عمرو عن الحارث بن الصباح- قال رأى الأشتر یومئذ منقذا و حمیرا ابنی قیس الیقظیان- فقال منقذ لحمیر ما فی العرب رجل مثل هذا- إن کان ما أرى من قتاله على نیه- فقال له حمیر و هل النیه إلا ما ترى- قال إنی أخاف أن یکون یحاول ملکا- . قال نصر و حدثنا عمرو- عن فضیل بن خدیج عن مولى الأشتر قال- لما اجتمع مع الأشتر عظم من کان انهزم من المیمنه- حرضهم فقال لهم- عضوا على النواجذ من الأضراس- و استقبلوا القوم بهامکم- فإن الفرار من الزحف فیه ذهاب العز- و الغلبه على الفیء و ذل المحیا و الممات- و عار الدنیا و الآخره- .ثم حمل على صفوف أهل الشام حتى کشفهم- فألحقهم بمضارب معاویه و ذلک بین العصر و المغرب- .
قال نصر و حدثنا عمرو عن مالک بن أعین عن زید بن وهب أن علیا ع لما رأى میمنته- قد عادت إلى موقفها و مصافها- و کشفت من بإزائها- حتى ضاربوهم فی مواقفهم و مراکزهم- أقبل حتى انتهى إلیهم فقال- إنی قد رأیت جولتکم و انحیازکم من صفوفکم- یحوزکم الجفاه الطغاه و أعراب أهل الشام- و أنتم لهامیم العرب و السنام الأعظم- و عمار اللیل بتلاوه القرآن- و أهل دعوه الحق إذ ضل الخاطئون- فلو لا إقبالکم بعد إدبارکم و کرکم بعد انحیازکم- وجب علیکم ما وجب على المولی یوم الزحف دبره- و کنتم فیما أرى من الهالکین- و لقد هون علی بعض وجدی- و شفى بعض لاعج نفسی- إنی رأیتکم بأخره حزتموهم کما حازوکم- و أزلتموهم عن مصافهم کما أزالوکم- تحشونهم بالسیوف- یرکب أولهم آخرهم کالإبل المطروده الهیم- فالآن فاصبروا نزلت علیکم السکینه- و ثبتکم الله بالیقین- و لیعلم المنهزم أنه یسخط ربه و یوبق نفسه- و فی الفرار موجده الله علیه- و الذل اللازم له و فساد العیش- و أن الفار لا یزید الفرار فی عمره و لا یرضی ربه- فموت الرجل محقا قبل إتیان هذه الخصال- خیر من الرضا بالتلبس بها و الإصرار علیها- .
قال نصر و حدثنا عمرو- قال حدثنا أبو علقمه الخثعمی- أن عبد الله بن حنش الخثعمی رأس خثعم الشام- أرسل إلى أبی کعب الخثعمی رأس خثعم العراق- إن شئت تواقفنا فلم نقتتل- فإن ظهر صاحبکم کنا معکم- و إن ظهر صاحبنا کنتم معنا- و لا یقتلبعضنا بعضا- فأبى أبو کعب ذلک- فلما التقت خثعم و خثعم- و زحف الناس بعضهم إلى بعض- قال عبد الله بن حنش لقومه یا معشر خثعم- إنا قد عرضنا على قومنا من أهل العراق الموادعه- صله لأرحامها و حفظا لحقها فأبوا إلا قتالنا- و قد بدءونا بالقطیعه- فکفوا أیدیکم عنهم حفظا لحقهم أبدا ما کفوا عنکم- فإن قاتلوکم فقاتلوهم- فخرج رجل من أصحابه فقال- إنهم قد ردوا علیک رأیک- و أقبلوا إلیک یقاتلونک- ثم برز فنادى رجل یا أهل العراق- فغضب عبد الله بن حنش- قال اللهم قیض له وهب بن مسعود- یعنی رجلا من خثعم الکوفه- کان شجاعا یعرفونه فی الجاهلیه- لم یبارزه رجل قط إلا قتله- فخرج إلیه وهب بن مسعود فقتله- ثم اضطربوا ساعه و اقتتلوا أشد قتال- فجعل أبو کعب یقول لأصحابه- یا معشر خثعم خدموا- أی اضربوا موضع الخدمه و هی الخلخال- یعنی اضربوهم فی سوقهم- فناداه عبد الله بن حنش- یا أبا کعب الکل قومک فأنصف-.
قال إی و الله و أعظم و اشتد قتالهم- فحمل شمر بن عبد الله الخثعمی- من خثعم الشام على أبی کعب فطعنه فقتله- ثم انصرف یبکی- و یقول یرحمک الله أبا کعب- لقد قتلتک فی طاعه قوم أنت أمس بی رحما منهم- و أحب إلی منهم نفسا- و لکنی و الله لا أدری ما أقول- و لا أرى الشیطان إلا قد فتننا- و لا أرى قریشا إلا و قد لعبت بنا- قال و وثب کعب بن أبی کعب إلى رایه أبیه- فأخذها ففقئت عینه و صرع- ثم أخذها شریح بن مالک الخثعمی- فقاتل القوم تحتها- حتى صرع منهم حول رایتهم نحو ثمانین رجلا- و أصیب من خثعم الشام مثلهم- ثم ردها شریح بن مالک بعد ذلک إلى کعب بن أبی کعب- . قال نصر و حدثنا عمرو- قال حدثنا عبد السلام بن عبد الله بن جابر- أن رایه بجیله فی صفین مع أهل العراق- کانت فی أحمس مع أبی شداد- قیس بن المکشوح بنهلال بن الحارث بن عمرو بن عوف- بن عامر بن علی بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار- قالت له بجیله خذ رایتنا- فقال غیری خیر لکم منی- قالوا لا نرید غیرک- قال فو الله لئن أعطیتمونیها- لا أنتهی بکم دون صاحب الترس المذهب- قالوا و کان على رأس معاویه رجل قائم معه ترس مذهب- یستره من الشمس- فقالوا اصنع ما شئت- فأخذها ثم زحف بها و هم حوله یضربون الناس- حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب- و هو فی خیل عظیمه من أصحاب معاویه- و کان عبد الرحمن بن خالد بن الولید- فاقتتل الناس هناک قتالا شدیدا- و شد أبو شداد بسیفه نحو صاحب الترس- فتعرض له رومی من دونه لمعاویه- فضرب قدم أبی شداد فقطعها- و ضرب أبو شداد ذلک الرومی فقتله- و أسرعت إلیه الأسنه- فقتل فأخذ الرایه بعده عبد الله بن قلع الأحمسی- و ارتجز و قال-
لا یبعد الله أبا شداد
حیث أجاب دعوه المنادی
و شد بالسیف على الأعادی
نعم الفتى کان لدى الطراد
و فی طعان الخیل و الجلاد
ثم قاتل حتى قتل- فأخذها بعده أخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل حتى قتل- ثم أخذها عفیف بن إیاس الأحمسی- فلم تزل بیده حتى تحاجز الناس- .
قال نصر و حدثنا عمرو قال حدثنا عبد السلام- قال قتل یومئذ من بنی أحمس حازم بن أبی حازم- أخو قیس بن أبی حازم- و نعیم بن شهید بن التغلبیه- فأتى سمیه- ابن عمه نعیم بن الحارث بن التغلبیه معاویه- و کان من أصحابه- فقال إن هذا القتیل ابن عمی فهبه لی أدفنه- فقال لا تدفنوهم فلیسوا لذلک بأهل- و الله ما قدرنا على دفن عثمان بینهم إلا سرا- قال و الله لتأذنن لی فی دفنه- أو لألحقن بهم و لأدعنک- قال ویحک ترى أشیاخ العرب لا نواریهم- و أنت تسألنی فی دفن ابن عمک- ادفنه إن شئت- أو دعه فأتاه فدفنه- .
قال نصر و حدثنا عمرو- قال حدثنا أبو زهیر العبسی- عن النضر بن صالح- أن رایه غطفان العراق کانت مع عیاش بن شریک- بن حارثه بن جندب بن زید بن خلف بن رواحه- فخرج رجل من آل ذی الکلاع فسأل المبارزه- فبرز إلیه قائد بن بکیر العبسی- فبارزه فشد علیه الکلاعی فأوهطه- فقال أبو سلیم عیاش بن شریک لقومه- إنی مبارز هذا الرجل- فإن أصبت فرأسکم الأسود بن حبیب بن جمانه- بن قیس بن زهیر- فإن أصیب فرأسکم هرم بن شتیر بن عمرو بن جندب- فإن أصیب فرأسکم عبد الله بن ضرار- من بنی حنظله بن رواحه- ثم مشى نحو الکلاعی فلحقه هرم بن شتیر فأخذ بظهره- و قال لیمسک رحم لا تبرز إلى هذا الطوال- فقال هبلتک الهبول و هل هو إلا الموت- قال و هل الفرار إلا منه- قال و هل منه بد و الله لأقتلنه- أو لیلحقنیبقائد بن بکیر- فبرز له و معه حجفه من جلود الإبل فدنا منه- فإذا الحدید مفرغ على الکلاعی- لا یبین من نحره- إلا مثل شراک النعل من عنقه بین بیضته و درعه- فضربه الکلاعی فقطع جحفته إلا نحوا من شبر- فضربه عیاش على ذلک الموضع- فقطع نخاعه فقتله- و خرج ابن الکلاعی ثائرا بأبیه- فقتله بکیر بن وائل- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر- عن الصلت بن زهیر النهدی أن رایه بنی نهد بالعراق- أخذها مسروق بن الهیثم بن سلمه فقتل- ثم أخذها صخر بن سمی فارتث- ثم أخذها علی بن عمیر- فقاتل حتى ارتث- ثم أخذها عبد الله بن کعب فقتل- ثم أخذها سلمه بن خذیم بن جرثومه- فارتث و صرع- ثم أخذها عبد الله بن عمرو بن کبشه فارتث- ثم أخذها أبو مسبح بن عمرو فقتل- ثم أخذها عبد الله بن النزال فقتل- ثم أخذها ابن أخیه عبد الرحمن بن زهیر فقتل- ثم أخذها مولاه مخارق فقتل- حتى صارت إلى عبد الرحمن بن مخنف الأزدی- . قال نصر فحدثنا عمرو- قال حدثنا الصلت بن زهیر- قال حدثنی عبد الرحمن بن مخنف- قال صرع یزید بن المغفل إلى جنبی- فقتلت قاتله و قمت على رأسه- ثم صرع أبو زینب بن عروه فقتلت قاتله- و قمت على رأسه و جاءنی سفیان بن عوف- فقال أ قتلتم یزید بن المغفل- فقلت إی و اللهإنه لهذا الذی ترانی قائما على رأسه- قال و من أنت حیاک الله- قلت أنا عبد الرحمن بن مخنف- فقال الشریف الکریم- حیاک الله و مرحبا بک یا ابن عم- أ فلا تدفعه إلی فأنا عمه سفیان بن عوف بن المغفل- فقلت مرحبا بک- أما الآن فنحن أحق به منک- و لسنا بدافعیه إلیک- و أما ما عدا ذلک فلعمری أنت عمه و وارثه- .
قال نصر حدثنا عمرو- قال حدثنا الحارث بن حصین عن أشیاخ الأزد- أن مخنف بن سلیم خطب- لما ندبت أزد العراق إلى قتال أزد الشام- فقال الحمد لله و الصلاه على محمد رسوله- ثم قال إن من الخطب الجلیل و البلاء العظیم- إنا صرفنا إلى قومنا و صرفوا إلینا- و الله ما هی إلا أیدینا نقطعها بأیدینا- و ما هی إلا أجنحتنا نحذفها بأسیافنا- فإن نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا- و لم نواس جماعتنا و إن نحن فعلنا- فعزنا آلمنا و نارنا أخمدنا- . و قال جندب بن زهیر الأزدی- و الله لو کنا آباؤهم ولدناهم- أو کانوا آباؤنا ولدونا- ثم خرجوا عن جماعتنا و طعنوا على إمامنا- و وازروا الظالمین الحاکمین بغیر الحق- على أهل ملتنا و دیننا- ما افترقنا بعد إن اجتمعنا- حتى یرجعوا عما هم علیه- و یدخلوا فیما ندعوهم إلیه- أو تکثر القتلى بیننا و بینهم- .
فقال مخنف أعزبک الله فی التیه- و الله ما علمتک صغیرا و لا إلا کبیرا مشئوما- و الله ما میلنا فی الرأی بین أمرین قط- أیهما نأتی و أیهما ندع فی جاهلیه و لا إسلام-إلا اخترت أعسرهما و أنکدهما- اللهم أن تعافینا أحب إلی من أن تبتلینا- اللهم أعط کل رجل منا ما سألک- . فتقدم جندب بن زهیر- فبارز أزدیا من أزد الشام فقتله الشامی- . قال نصر و حدثنا عمرو عن الحارث بن حصین عن أشیاخ الحی- أن عتبه بن جویره قال یوم صفین لأهله و أصحابه- ألا إن مرعى الدنیا قد أصبح هشیما- و أصبح شجرها حصیدا و جدیدها سملا و حلوها مرا- ألا و إنی أنبئکم نبأ امرئ صادق- أنی قد سئمت الدنیا و عزفت نفسی عنها- و لقد کنت أتمنى الشهاده و أتعرض لها فی کل حین- فأبى الله إلا أن یبلغنی هذا الیوم- إلا و إنی متعرض ساعتی هذه لها- و قد طمعت ألا أحرمها- فما تنظرون عباد الله من جهاد أعداء الله- أخوف الموت القادم علیکم الذاهب بنفوسکم- أو من ضربه کف أو جبین بالسیف- أ تستبدلون الدنیا بالنظر إلى وجه الله- و مرافقه النبیین و الصدیقین و الشهداء- و الصالحین فی دار القرار- ما هذا بالرأی السدید- .
ثم قال یا إخوتاه- إنی قد بعت هذه الدار بالدار التی أمامها- و هذا وجهی إلیها لا یبرح الله وجوهکم- و لا یقطع أرحامکم- . فتبعه أخواه عبد الله و عوف- فقالا لا نطلب ورق العیش دونک قبح الله الدنیا بعدک- اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندک- . فاستقدموا جمیعا و قاتلوا حتى قتلوا- .
قال نصر و حدثنا عمرو قال- حدثنی رجل من آل الصلت بن خارجه- أن تمیما لما ذهبت لتهزم ذلک الیوم- ناداهم مالک بن حری النهشلی- ضاع الضراب الیوم و الذی إنا له عبد یا بنی تمیم- فقالوا أ لا ترى الناس قد انهزموا- فقال ویحکم أ فرارا و اعتذارا- ثم نادى بالأحساب فجعل یکررها- فقال له قوم منهم أ تنادی بنداء الجاهلیه- إن هذا لا یحل فقال الفرار ویلکم أقبح- إن لم تقاتلوا على الدین و الیقین فقاتلوا على الأحساب- ثم جعل یقاتل و یرتجز فیقول-
إن تمیما أخلفت عنک ابن مر
و قد أراهم و هم الحی الصبر
فإن یفروا أو یخیموا لا أفر
فقتل مالک ذلک الیوم- أخوه نهشل بن حری التمیمی یرثیه-
تطاول هذا اللیل ما کاد ینجلی
کلیل التمام ما یرید انصراما
و بت بذکرى مالک بکآبه
أؤرق من بعد العشاء نیاما
أبى جزعی فی مالک غیر ذکره
فلا تعذلینی إن جزعت أماما
فأبکی أخی ما دام صوت حمامه
یؤرق من وادی البطاح حماما
و أبعث أنواحا علیه بسحره
و تذرف عینای الدموع سجاما
و أدعو سراه الحی تبکی لمالک
و أبعث نوحا یلتدمن قیاما
یقلن ثوى رب السماحه و الحجا
و ذو عزه یأبى بها أن یضاما
و فارس خیل لا تنازل خیله
إذا اضطرمت نار العدو ضراما
و أحیا عن الفحشاء من ذات کله
یرى ما یهاب الصالحون حراما
و أجرأ من لیث بخفان مخدر
و أمضی إذا رام الرجال صداما
و قال أیضا یرثیه-
بکى الفتى الأبیض البهلول سنته
عند النداء فلا نکسا و لا ورعا
بکى على مالک الأضیاف إذ نزلوا
حین الشتاء و عز الرسل فانقطعا
و لم یجد لقراهم غیر مربعه
من العشار تزجی تحتها ربعا
أهوى لها السیف صلتا و هی راتعه
فأوهن السیف عظم الساق فانجذعا
فجاءهم بعد رفد الناس أطیبها
و أشبعت منهم من نام و اضطجعا
یا فارس الروع یوم الروع قد علموا
و صاحب العزم لا نکسا و لا طبعا
و مدرک التبل فی الأعداء یطلبه
و إن طلبت بتبل عنده منعا
قالوا أخوک أتى الناعی بمصرعه
فانشق قلبی غده القول فانصدعا
ثم ارعوى القلب شیئا بعد طربته
و النفس تعلم أن قد أثبتت وجعا
قال نصر و حدثنا عمرو قال- حدثنی یونس بن أبی إسحاق قال- قال لنا أدهمبن محرز الباهلی و نحن معه بأذرح- هل رأى أحد منکم شمر بن ذی الجوشن- فقال عبد الله بن کبار النهدی- و سعید بن حازم البلوی نحن رأیناه- قال فهل رأیتما ضربه بوجهه قالا نعم- قال أنا و الله ضربته تلک الضربه بصفین- .
قال نصر و حدثنا عمرو قال- قد کان خرج أدهم بن محرز من أصحاب معاویه- إلى شمر بن ذی الجوشن فی هذا الیوم- فاختلفا ضربتین فضربه أدهم على جبینه- فأسرع فیه السیف حتى خالط العظم- و ضربه شمر فلم یصنع شیئا فرجع إلى عسکره- فشرب ماء و أخذ رمحا ثم أقبل و هو یقول-
إنی زعیم لأخی باهله
بطعنه إن لم أمت عاجله
و ضربه تحت الوغى فاصله
شبیهه بالقتل أو قاتله
ثم حمل على أدهم و هو یعرف وجهه- و أدهم ثابت له لم ینصرف فطعنه- فوقع عن فرسه و حال أصحابه دونه- فانصرف شمر و قال هذه بتلک- . قال نصر و خرج سوید بن قیس بن یزید الأرحبی- من عسکر معاویه یسأل المبارزه- فخرج إلیه من عسکر العراق- أبو العمرطه قیس بن عمرو بن عمیر بن یزید- و هو ابن عم سوید- و کان کل منهما لا یعرف صاحبه- فلما تقاربا تعارفا و تواقفا و تساءلا- و دعا کل واحد منهما صاحبه إلى دینه- فقال أبو العمرطه أما أنا فو الله الذی لا إله إلا هو- لئن استطعت لأضربن بسیفی هذه القبه البیضاء- یعنی القبه التی کان فیها معاویه- ثم انصرف کل واحد منهما إلى أصحابه- .
قال نصر ثم خرج رجل من عسکر الشام- من أزد شنوءه یسأل المبارزه- فخرج إلیه رجل من أهل العراق فقتله الأزدی- فخرج إلیه الأشتر فما ألبثه أن قتله- فقال قائل کان هذا ریحا فصارت إعصارا- . قال نصر و قال رجل من أصحاب علی ع- أما و الله لأحملن على معاویه حتى أقتله- فرکب فرسا ثم ضربه حتى قام على سنابکه- ثم دفعه فلم ینهنهه شیء عن الوقوف على رأس معاویه- فهرب معاویه و دخل خباء- فنزل الرجل عن فرسه و دخل علیه- فخرج معاویه من جانب الخباء الآخر- فخرج الرجل فی أثره- فاستصرخ معاویه بالناس فأحاطوا به و حالوا بینهما- فقال معاویه ویحکم- إن السیوف لم یؤذن لها فی هذا- و لو لا ذلک لم یصل إلیکم فعلیکم بالحجاره- فرضخوه بالحجاره حتى همد فعاد معاویه إلى مجلسه- قال نصر و حمل رجل من أصحاب علی ع یدعى أبا أیوب- و لیس بأبی أیوب الأنصاری على صف أهل الشام- ثم رجع فوافق رجلا من أهل الشام صادرا- قد حمل على صف أهل العراق ثم رجع فاختلفا ضربتین- فنفحه أبو أیوب بالسیف- فأبان عنقه فثبت رأسه على جسده کما هو- و کذب الناس أن یکون هو ضربه فأرابهم ذلک- حتى إذا أدخلته فرسه فی صف أهل الشام ندر رأسه- و وقع میتا- فقال علی ع- و الله لأنا من ثبات رأس الرجل أشد تعجبا من الضربه- و إن کان إلیها ینتهی وصف الواصفین- . و جاء أبو أیوب فوقف بین یدی علی ع- فقال له أنت و الله کما قال الشاعر-
و علمنا الضرب آباؤنا
و نحن نعلم أیضا بنینا
قال نصر فلما انقضى هذا الیوم بما فیه- أصبحوا فی الیوم الثامن من صفین و الفیلقان متقابلان- فخرج رجل من أهل الشام فسأل المبارزه- فخرج إلیه رجل من أهل العراق-فاقتتلا بین الصفین قتالا شدیدا- ثم إن العراقی اعتنقه فوقعا جمیعا و غار الفرسان- ثم إن العراقی قهره فجلس على صدره- و کشف المغفر عنه یرید ذبحه- فإذا هو أخوه لأبیه و أمه- فصاح به أصحاب علی ع ویحک أجهز علیه- قال إنه أخی قالوا فاترکه- قال لا و الله حتى یأذن أمیر المؤمنین- فأخبر علی ع بذلک فأرسل إلیه أن دعه فترکه- فقام فعاد إلى صف معاویه- . قال نصر و حدثنا محمد بن عبید الله عن الجرجانی قال- کان فارس معاویه- الذی یعده لکل مبارز و لکل عظیم حریث مولاه- و کان یلبس سلاح معاویه متشبها به- فإذا قاتل قال الناس ذاک معاویه- و إن معاویه دعاه فقال له یا حریث اتق علیا- و ضع رمحک حیث شئت- فأتاه عمرو بن العاص فقال یا حریث- إنک و الله لو کنت قرشیا لأحب لک معاویه أن تقتل علیا- و لکن کره أن یکون لک حظها- فإن رأیت فرصه فاقتحم- قال و خرج علی ع فی هذا الیوم أمام الخیل- فحمل علیه حریث- .
قال نصر فحدثنی عمرو بن شمر عن جابر قال برز حریث مولى معاویه هذا الیوم- و کان شدیدا أیدا ذا بأس لا یرام- فصاح یا علی هل لک فی المبارزه- فأقدم أبا حسن إن شئت- فأقبل علی ع و هو یقول-
أنا علی و ابن عبد المطلب
نحن لعمر الله أولى بالکتب
منا النبی المصطفى غیر کذب
أهل اللواء و المقام و الحجب
نحن نصرناه على کل العرب
ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربه واحده فقطعه نصفین- . قال نصر فحدثنا محمد بن عبید الله قال- حدثنی الجرجانی قال- جزع معاویه على حریث جزعا شدیدا- و عاتب عمرا فی إغرائه إیاه بعلی ع- و قال فی ذلک شعرا-
حریث أ لم تعلم و جهلک ضائر
بأن علیا للفوارس قاهر
و أن علیا لم یبارزه فارس
من الناس إلا أقصدته الأظافر
أمرتک أمرا حازما فعصیتنی
فجدک إذ لم تقبل النصح عاثر
و دلاک عمرو و الحوادث جمه
غرورا و ما جرت علیک المقادر
و ظن حریث أن عمرا نصیحه
و قد یهلک الإنسان من لا یحاذر
قال نصر فلما قتل حریث برز عمرو بن الحصین السکسکی- فنادى یا أبا حسن هلم إلى المبارزه- فأومأ ع إلى سعید بن قیس الهمدانی- فبارزه فضربه بالسیف فقتله- .و قال نصر و کان لهمدان بلاء عظیم فی نصره علی ع فی صفین- و من الشعر الذی لا یشک أن قائله علی ع لکثره الرواه له-
دعوت فلبانی من القوم عصبه
فوارس من همدان غیر لئام
فوارس من همدان لیسوا بعزل
غداه الوغى من شاکر و شبام
بکل ردینی و عضب تخاله
إذا اختلف الأقوام شعل ضرام
لهمدان أخلاق کرام تزینهم
و بأس إذا لاقوا و حد خصام
و جد و صدق فی الحروب و نجده
و قول إذا قالوا بغیر أثام
متى تأتهم فی دارهم تستضیفهم
تبت ناعما فی خدمه و طعام
جزى الله همدان الجنان فإنها
سمام العدا فی کل یوم زحام
فلو کنت بوابا على باب جنه
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
قال نصر فحدثنی عمرو بن شمر قال- ثم قام علی ع بین الصفین و نادى یا معاویه یکررها- فقال معاویه سلوه ما شأنه- قال أحب أن یظهر لی فأکلمه کلمه واحده- فبرز معاویه و معه عمرو بن العاص- فلما قارباه لم یلتفت إلى عمرو- و قال لمعاویه ویحک علام یقتل الناس بینی و بینک- و یضرب بعضهم بعضا- ابرز إلی فأینا قتل صاحبه فالأمر له- فالتفت معاویه إلى عمرو فقال ما ترى یا أبا عبد الله- قال قد أنصفک الرجل- و اعلم أنک إن نکلت عنه لم یزل سبه علیک و على عقبک- ما بقی على ظهر الأرض عربی- فقال معاویه یا ابن العاص لیس مثلی یخدع عن نفسه- و الله ما بارز ابن أبی طالب شجاع قط إلا و سقی الأرض من دمه- ثم انصرف معاویه راجعا- حتى انتهى إلى آخر الصفوف و عمرو معه- فلما رأى علی ع ذلک ضحک و عاد إلى موقفه- . قال نصر و فی حدیث الجرجانی أن معاویه قال لعمرو- ویحک ما أحمقک تدعونی إلى مبارزته- و دونی عک و جذام و الأشعرون- . قال نصر قال و حقدها معاویه على عمرو باطنا- و قال له ظاهرا- ما أظنک قلت ما قلته یا أبا عبد الله إلا مازحا- فلما جلس معاویه مجلسه- أقبل عمرو یمشی حتى جلس إلى جانبه فقال معاویه-
یا عمرو إنک قد قشرت لی العصا
برضاک لی وسط العجاج برازی
یا عمرو إنک قد أشرت بظنه
حسب المبارز خطفه من بازی
و لقد ظننتک قلت مزحه مازح
و الهزل یحمله مقال الهازی
فإذا الذی منتک نفسک حاکیا
قتلی جزاک بما نویت الجازی
و لقد کشفت قناعها مذمومه
و لقد لبست بها ثیاب الخازی
فقال عمرو أیها الرجل أ تجبن عن خصمک و تتهم نصیحک- و قال مجیبا له
معاوی إن نکلت عن البراز
و خفت فإنها أم المخازی
معاوی ما اجترمت إلیک ذنبا
و لا أنا فی الذی حدثت خازی
و ما ذنبی بأن نادى علی
و کبش القوم یدعى للبراز
و لو بارزته بارزت لیثا
حدید الناب یخطف کل بازی
و تزعم أننی أضمرت غشا
جزانی بالذی أضمرت جازی
و روى ابن قتیبه فی کتابه المسمى عیون الأخبار قال- قال أبو الأغر التمیمی- بینا أنا واقف بصفین مر بی العباس- بن ربیعه بن الحارث بن عبد المطلب- مکفرا بالسلاح و عیناه تبصان من تحت المغفر- کأنهما عینا أرقم و بیده صفیحه یمانیه یقلبها- و هو على فرس له صعب- فبینا هو یمغثه و یلین من عریکته- هتف به هاتف من أهل الشام یعرف بعرار بن أدهم- یا عباس هلم إلى البراز- قال العباس فالنزول إذا فإنه إیاس من القفول- فنزل الشامی و هو یقول-
إن ترکبوا فرکوب الخیل عادتنا
أو تنزلون فإنا معشر نزل
و ثنى العباس رجله و هو یقول-
و یصد عنک مخیله الرجل العریض
موضحه عن العظم
بحسام سیفک أو لسانک و الکلم
الأصیل کأرغب الکلم
ثم عصب فضلات درعه فی حجزته- و دفع فرسه إلى غلام له أسود یقال له أسلم-کأنی و الله أنظر إلى فلافل شعره- ثم دلف کل واحد منهما إلى صاحبه- فذکرت قول أبی ذؤیب-
فتنازلا و تواقفت خیلاهما
و کلاهما بطل اللقاء مخدع
و کفت الناس أعنه خیولهم ینظرون ما یکون من الرجلین- فتکافحا بسیفیهما ملیا من نهارهما- لا یصل واحد منهما إلى صاحبه لکمال لأمته- إلى أن لحظ العباس وهنا فی درع الشامی- فأهوى إلیه بیده فهتکه إلى ثندوته- ثم عاد لمجاولته و قد أصحر له مفتق الدرع- فضربه العباس ضربه انتظم بها جوانح صدره- فخر الشامی لوجهه- و کبر الناس تکبیره ارتجت لها الأرض من تحتهم- و سما العباس فی الناس فإذا قائل یقول من ورائی- قاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَیْدِیکُمْ- وَ یُخْزِهِمْ وَ یَنْصُرْکُمْ عَلَیْهِمْ- وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ- وَ یُذْهِبْ غَیْظَ قُلُوبِهِمْ وَ یَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ یَشاءُ- فالتفت فإذا أمیر المؤمنین-
فقال لی یا أبا الأغر من المنازل لعدونا- قلت هذا ابن أخیکم هذا العباس بن ربیعه- فقال و إنه لهو یا عباس أ لم أنهک و ابن عباس- أن تخلا بمراکزکما و أن تباشرا حربا- قال إن ذلک کان قال فما عدا مما بدا- قال یا أمیر المؤمنین أ فأدعى إلى البراز فلا أجیب- قال نعم طاعه إمامک أولى من إجابه عدوک- ثم تغیظ و استطار حتى قلت الساعه الساعه- ثم سکن و تطامن و رفع یدیه مبتهلا فقال- اللهم اشکر للعباس مقامه و اغفر ذنبه- إنی قد غفرت له فاغفر له- قال و لهف معاویه على عرار و قال- متى ینتطح فحل لمثله أ یطل دمه لاها الله إذا- ألا رجل یشری نفسه لله یطلب بدم عرار- فانتدب له رجلان من لخم
فقال لهما اذهبا فأیکما قتل العباس برازا فله کذا- فأتیاه فدعواه للبراز- فقال إن لی سیدا أرید أن أؤامره- فأتى علیا ع فأخبره الخبر-
فقال ع و الله لود معاویه أنه ما بقی من بنی هاشم نافخ ضرمه- إلا طعن فی بطنه- إطفاء لنور الله و یأبى الله إلا أن یتم نوره- و لو کره المشرکون- أما و الله لیملکنهم منا رجال و رجال یسومونهم الخسف- حتى یحتفروا الآبار و یتکففوا الناس- و یتوکلوا على المساحی- ثم قال یا عباس ناقلنی سلاحک بسلاحی فناقله و وثب على فرس العباس و قصد اللخمیین- فما شکا أنه هو فقالا إذن لک صاحبک- فحرج أن یقول نعم فقال- إذن للذین یقاتلون بأنهم ظلموا- و إن الله على نصرهم لقدیر- فبرز إلیه أحدهما فکأنما اختطفه- ثم برز له الآخر فألحقه بالأول ثم أقبل و هو یقول- الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص- فمن اعتدى علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدى علیکم- ثم قال یا عباس خذ سلاحک و هات سلاحی- فإن عاد لک أحد فعد إلی- . قال فنمی الخبر إلى معاویه فقال قبح الله اللجاج- إنه لقعود ما رکبته قط إلا خذلت- .
فقال عمرو بن العاص- المخذول و الله اللخمیان لا أنت- فقال اسکت أیها الرجل و لیست هذه من ساعاتک- قال و إن لم یکن فرحم الله اللخمیین و ما أراه یفعل- قال فإن ذاک و الله أخسر لصفقتک و أضیق لحجزتک- . قال قد علمت ذاک و لو لا مصر لرکبت المنجاه منها- قال هی أعمتک و لولاها ألقیت بصیرا- .
قال نصر بن مزاحم و حدثنا عمرو قال- حدثنی فضیل بن خدیج قال- خرج رجل من أهل الشام یدعو إلى المبارزه- فخرج إلیه عبد الرحمن بن محرز الکندی ثم الطمحی- فتجاولا ساعه- ثم إن عبد الرحمن حمل على الشامی- فطعنه فی نقره نحره فصرعه- ثم نزل إلیه فسلبه درعه و سلاحه- فإذا هو عبد أسود- فقال إنا لله أخطرت نفسی بعبد أسود- قال و خرج رجل من عک فسأل البراز- فخرج إلیه قیس بن فهران الکندی- فما ألبثه أن طعنه فقتله و قال-
لقد علمت عک بصفین أننا
إذا ما تلاقى الخیل نطعنها شزرا
و نحمل رایات القتال بحقها
فنوردها بیضا و نصدرها حمرا
قال و حمل عبد الله بن الطفیل البکائی على صفوف أهل الشام- فلما انصرف حمل علیه رجل من بنی تمیم- یقال له قیس بن فهد الحنظلی الیربوعی- فوضع الرمح بین کتفی عبد الله- فاعترضه یزید بن معاویه البکائی- ابن عم عبد الله بن الطفیل فوضع الرمح بین کتفی التمیمی- و قال و الله لئن طعنته لأطعننک- فقال علیک عهد الله- لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبک لترفعنه عن ظهری- قال نعم لک العهد و المیثاق بذلک- فرفع السنان عن ظهر عبد الله- فرفع یزید السنان عن التمیمی- فوقف التمیمی و قال لیزید ممن أنت قال من بنی عامر- قال جعلنی الله فداکم أینما لقیناکم کراما- أما و الله إنی لآخر أحد عشر رجلا من بنی تمیم- قتلتموهم الیوم- . قال نصر- فبعد ذلک بدهر عتب یزید على عبد الله بن الطفیل- فأذکره ما صنع معه یوم صفین فقال-
أ لم ترنی حامیت عنک مناصحا
بصفین إذ خلاک کل حمیم
و نهنهت عنک الحنظلی و قد أتى
على سابح ذی میعه و هزیم
قال نصر و خرج ابن مقیده الحمار الأسدی- و کان ذا بأس و شجاعه و هو من فرسان الشام- فطلب البراز فقام المقطع العامری و کان شیخا کبیرا- فقال علی ع له اقعد- فقال یا أمیر المؤمنین لا تردنی- إما أن یقتلنی فأتعجل الجنه- و أستریح من الحیاه الدنیا فی الکبر و الهرم- أو أقتله فأریحک منه- . و قال له ع ما اسمک فقال المقطع- قال ما معنى ذلک- قال کنت أدعى هشیما فأصابتنی جراحه منکره- فدعیت المقطع منها- فقال له ع اخرج إلیه و أقدم علیه- اللهم انصر المقطع على ابن مقیده الحمار- فحمل على ابن مقیده الحمار فأدهشه لشده الحمله- فهرب و هو یتبعه حتى مر بمضرب معاویه حیث یراه- و المقطع على أثره فجاوزا معاویه بکثیر- فلما رجع المقطع و رجع ابن مقیده الحمار- ناداه معاویه لقد شمص بک العراقی- قال أما إنه قد فعل أیها الأمیر- ثم عاد المقطع فوقف فی موقفه- .
قال نصر فلما کان عام الجماعه و بایع الناس معاویه- سأل عن المقطع العامری حتى أدخل علیه و هو شیخ کبیر- فلما رآه قال آه لو لا أنک على مثل هذه الحال لما أفلت منی- قال نشدتک الله إلا قتلتنی و أرحتنی من بؤس الحیاه- و أدنیتنی إلى لقاء الله- قال إنی لا أقتلک و إن بی إلیک لحاجه- قال ما هی قال أحب أن تؤاخینی- قال أنا و إیاکم افترقنا فی الله- فلا نجتمع حتى یحکم الله بیننا فی الآخره- .
قال فزوجنی ابنتک- قال قد منعتک ما هو أهون علی من ذلک- قال فاقبل منی صله قال لا حاجه لی فیما قبلک- . قال فخرج من عنده و لم یقبل منه شیئا- . قال نصر ثم التقى الناس فاقتتلوا قتالا شدیدا- و حاربت طیئ مع أمیر المؤمنین ع حربا عظیما- و تداعت و ارتجزت فقتل منها أبطال کثیرون- و فقئت عین بشر بن العوس الطائی- و کان من رجال طیئ و فرسانها- فکان یذکر بعد ذلک أیام صفین فیقول- وددت أنی کنت قتلت یومئذ- و وددت أن عینی هذه الصحیحه فقئت أیضا- و قال
ألا لیت عینی هذه مثل هذه
و لم امش بین الناس إلا بقائد
و یا لیت رجلی ثم طنت بنصفها
و یا لیت کفی ثم طاحت بساعدی
و یا لیتنی لم أبق بعد مطرف
و سعد و بعد المستنیر بن خالد
فوارس لم تغد الحواضن مثلهم
إذا هی أبدت عن خدام الخرائد
قال نصر- و أبلت محارب یومئذ مع أمیر المؤمنین ع بلاء حسنا- و کان عنتر بن عبید بن خالد بن المحاربی- أشجع الناس یومئذ- فلما رأى أصحابه متفرقین ناداهم- یا معشر قیس أ طاعه الشیطان أبر عندکم من طاعه الرحمن- ألا إن الفرار فیه معصیه الله و سخطه- و إن الصبر فیه طاعه و رضوانه- أ فتختارون سخط الله على رضوانه و معصیته على طاعته- ألا إنما الراحه بعد الموت لمن مات محتسبا لنفسه- ثم یرتجز فیقول-
لا وألت نفس امرئ ولى الدبر
أنا الذی لا أنثنی و لا أفر
و لا یرى مع المعازیل الغدر
و قاتل حتى ارتث- . قال نصر- و قاتلت النخع مع علی ع ذلک الیوم قتالا شدیدا- و قطعت رجل علقمه بن قیس النخعی و قتل أخوه أبی بن قیس- فکان علقمه یقول بعد- ما أحب أن رجلی أصح ما کانت لما أرجو بها من حسن الثواب- و کان یقول لقد کنت أحب أن أبصر أخی فی نومی- فرأیته فقلت له یا أخی ما الذی قدمتم علیه- فقال لی التقینا نحن و أهل الشام بین یدی الله سبحانه- فاحتججنا عنده فحججناهم- فما سررت بشیء منذ عقلت سروری بتلک الرؤیا- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن سوید بن حبه البصری- عن الحضین بن المنذر الرقاشی قال إن ناسا أتوا علیا ع قبل الوقعه فی هذا الیوم- فقالوا له إنا لا نرى خالد بن المعمر السدوسی- إلا قد کاتب معاویه و قد خشینا أن یلتحق به و یبایعه- فبعث إلیه علی ع و إلى رجال من أشراف ربیعه- فجمعهم فحمد الله و أثنى علیه- و قال یا معشر ربیعه أنتم أنصاری و مجیبو دعوتی- و من أوثق أحیاء العرب فی نفسی- و قد بلغنی أن معاویه قد کاتب صاحبکم هذا- و هو خالد بن المعمر و قد أتیت به- و جمعتکم لأشهدکم علیه و تسمعوا منی و منه- ثم أقبل علیه فقال یا خالد بن المعمر- إن کان ما بلغنی عنک حقا- فإنی أشهد من حضرنی من المسلمین أنک آمن- حتى تلحق بالعراق أو بالحجاز- أو بأرض لا سلطان لمعاویه فیها- و إن کنت مکذوبا علیک- فأبر صدورنا بإیمان نطمئن إلیها- فحلف له خالد بالله ما فعل- و قال رجال منا کثیر- و الله یا أمیر المؤمنین لو نعلم أنه فعل لقتلناه- .
و قال شقیق بن ثور السدوسی- ما وفق الله خالد بن المعمر- حین ینصر معاویه و أهل الشام- على علی و أهل العراق و ربیعه- فقال له زیاد بن خصفه- یا أمیر المؤمنین استوثق من ابن المعمر بالأیمان- لا یغدر بک- فاستوثق منه ثم انصرفوا- . فلما تصاف الناس فی هذا الیوم و حمل بعضهم على بعض- تضعضعت میمنه أهل العراق- فجاءنا علی ع و معه بنوه حتى انتهى إلینا- فنادى بصوت عال جهیر لمن هذه الرایات- فقلنا رایات ربیعه- فقال بل هی رایات الله عصم الله أهلها- و صبرهم و ثبت أقدامهم- ثم قال لی و أنا حامل رایه ربیعه یومئذ یا فتى- أ لا تدنی رایتک هذه ذراعا- فقلت بلى و الله و عشره أذرع ثم ملت بها هکذا فأدنیتها- فقال لی حسبک مکانک- . قال نصر و حدثنا عمرو قال- حدثنی یزید بن أبی الصلت التیمی قال- سمعت أشیاخ الحی من بنی تیم بن ثعلبه یقولون- کانت رایه ربیعه کلها کوفیتها و بصریتها- مع خالد بن المعمر السدوسی من ربیعه البصره- ثم نافسه فی الرایه شقیق بن ثور- من بکر بن وائل من أهل الکوفه- فاصطلحا على أن یولیا الرایه- لحضین بن المنذر الرقاشی و هو من أهل البصره أیضا- و قالوا هذا فتى له حسب- تعطیه الرایه إلى أن نرى رأینا- و کان الحضین یومئذ شابا حدث السن- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر قال أقبل الحضین بن المنذر یومئذ- و هو غلام یزحف برایه ربیعه و کانت حمراء- فأعجب علیا ع زحفه و ثباته- فقال
لمن رایه حمراء یخفق ظلها
إذا قیل قدمها حضین تقدما
و یدنو بها فی الصف حتى یزیرها
حمام المنایا تقطر الموت و الدما
تراه إذا ما کان یوم عظیمه
أبى فیه إلا عزه و تکرما
جزى الله قوما صابروا فی لقائهم
لدى الناس حرا ما أعف و أکرما
و أحزم صبرا یوم یدعى إلى الوغى
إذا کان أصوات الکمأه تغمغما
ربیعه أعنی إنهم أهل نجده
و بأس إذا لاقوا خمیسا عرمرما
و قد صبرت عک و لحم و حمیر
لمذحج حتى لم یفارق دم دما
و نادت جذام یا ل مذحج ویحکم
جزى الله شرا أینا کان أظلما
أ ما تتقون الله فی حرماتکم
و ما قرب الرحمن منها و عظما
أذقنا ابن حرب طعننا و ضرابنا
بأسیافنا حتى تولى و أحجما
و فر ینادى الزبرقان و ظالما
و نادى کلاعا و الکریب و أنعما
و عمرا و سفیانا و جهما و مالکا
و حوشب و الغاوی شریحا و أظلما
و کرز بن تیهان و عمرو بن جحدر
و صباحا القینی یدعو و أسلما
قلت هکذا روى نصر بن مزاحم- و سائر الرواه رووا له ع الأبیات السته الأولى- و رووا باقی الأبیات من قوله و قد صبرت عک- للحضین بن المنذر صاحب الرایه- . قال نصر و أقبل ذو الکلاع فی حمیر و من لف لفها- و معهم عبید الله بن عمربن الخطاب فی أربعه آلاف- من قراء أهل الشام- و ذو الکلاع فی حمیر فی المیمنه- و عبید الله فی القراء فی المیسره- فحملوا على ربیعه و هم فی میسره أهل العراق- و فیهم عبید الله بن العباس حمله شدیده- فتضعضعت رایات ربیعه- . ثم إن أهل الشام انصرفوا فلم یمکثوا إلا قلیلا- حتى کروا ثانیه و عبید الله بن عمر فی أوائلهم- یقول یا أهل الشام هذا الحی من العراق- قتله عثمان بن عفان و أنصار علی بن أبی طالب- و لئن هزمتم هذه القبیله أدرکتم ثأرکم من عثمان- و هلک علی و أهل العراق- فشدوا على الناس شده عظیمه فثبتت لهم ربیعه- و صبرت صبرا حسنا إلا قلیلا من الضعفاء- .
فأما أهل الرایات و ذوو البصائر منهم و الحفاظ- فثبتوا و قاتلوا قتالا شدیدا- و أما خالد بن المعمر فإنه لما رأى بعض أصحابه قد انصرفوا انصرف معهم- فلما رأى أهل الرایات ثابتین صابرین رجع إلیهم- و صاح بمن انهزم و أمرهم بالرجوع- فکان من یتهمه من قومه یقول إنه فر- فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلینا- و قال هو لما رأیت رجالا منا قد انهزموا- رأیت أن أستقبلهم ثم أردهم إلى الحرب فجاء بأمر مشتبه- .
قال نصر- و کان فی جمله ربیعه من عنزه وحدها أربعه آلاف مجفف- . قلت لا ریب عند علماء السیره- أن خالد بن المعمر کان له باطن سوء مع معاویه- و أنه انهزم هذا الیوم لیکسر المیسره على علی ع- ذکر ذلک الکلبی و الواقدی و غیرهما- و یدل على باطنه هذا- أنه لما استظهرت ربیعه على معاویه- و على صفوف أهل الشام فی الیوم الثانی من هذا- أرسل معاویه إلى خالد بن المعمر- أن کف عنی و لک إماره خراسان ما بقیت- فکف عنه فرجع بربیعه و قد شارفوا أخذه من مضربه- و سیأتی ذکر ذلک- .
قال نصر- فلما رجع خالد بن المعمر و استوت صفوف ربیعه کما کانت- خطبهم فقال یا معشر ربیعه- إن الله تعالى قد أتى بکل رجل منکم من منبته و مسقط رأسه- فجمعکم فی هذا المکان جمعا لم تجتمعوا مثله قط- منذ أفرشکم الله الأرض- و إنکم إن تمسکوا أیدیکم- و تنکلوا عن عدوکم و تحولوا عن مصافکم- لا یرضى الرب فعلکم- و لا تعدموا معیرا یقول فضحت ربیعه الذمار- و خاموا عن القتال و أتیت من قبلهم العرب- فإیاکم أن یتشاءم بکم الیوم المسلمون- و إنکم إن تمضوا مقدمین و تصبروا محتسبین- فإن الإقدام منکم عاده و الصبر منکم سجیه- فاصبروا و نیتکم صادقه تؤجروا- فإن ثواب من نوى ما عند الله- شرف الدنیا و کرامه الآخره- و الله لا یضیع أجر من أحسن عملا- . فقام إلیه رجل من ربیعه و قال- قد ضاع و الله أمر ربیعه حین جعلت أمرها إلیک- تأمرنا ألا نحول و لا نزول- حتى نقتل أنفسنا و نسفک دماءنا- .
فقام إلیه رجال من قومه فتناولوه بقسیهم- و لکزوه بأیدیهم- و قالوا لخالد بن المعمر أخرجوا هذا من بینکم- فإن هذا أن بقی فیکم ضرکم- و إن خرج منکم لم ینقصکم عددا- هذا الذی لا ینقص العدد و لا یملأ البلد- ترحک الله من خطیب قوم- لقد جنبک الخیر قبح الله ما جئت به- .
قال نصر و اشتد القتال بین ربیعه و حمیر- و عبید الله بن عمر حتى کثرت القتلى- و جعل عبید الله یحمل و یقول أنا الطیب ابن الطیب- فتقول له ربیعه بل أنت الخبیث ابن الطیب- . ثم خرج نحو خمسمائه فارس أو أکثر من أصحاب علی ع- على رءوسهم البیض و هم غائصون فی الحدید- لا یرى منهم إلا الحدق- و خرج إلیهم من أهل الشام نحوهم فی العده- فاقتتلوا بین الصفین و الناس وقوف تحت رایاتهم- فلم یرجع من هؤلاء و لا من هؤلاء مخبر- لا عراقی و لا شامی قتلوا جمیعا بین الصفین- . قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن تمیم قال- نادى منادی أهل الشام- ألا إن معنا الطیب ابن الطیب عبید الله بن عمر- فنادى منادی أهل العراق بل هو الخبیث ابن الطیب- و نادى منادی أهل العراق- ألا إن معنا الطیب ابن الطیب محمد بن أبی بکر- فنادى منادی أهل الشام بل الخبیث ابن الطیب- . قال نصر و کان بصفین تل تلقى علیه جماجم الرجال- فکان یدعى تل الجماجم- فقال عقبه بن مسلم الرقاشی من أهل الشام-
و لم أر فرسانا أشد حفیظه
و امنع منا یوم تل الجماجم
غداه غدا أهل العراق کأنهم
نعام تلافى فی فجاج المخارم
إذا قلت قد ولوا تثوب کتیبه
ململمه فی البیض شمط المقادم
و قالوا لنا هذا علی فبایعوا
فقلنا صه بل بالسیوف الصوارم
و قال شبث بن ربعی التمیمی-
وقفنا لدیهم یوم صفین بالقنا
لدن غدوه حتى هوت لغروب
و ولى ابن حرب و الرماح تنوشه
و قد أرضت الأسیاف کل غضوب
نجالدهم طورا و طورا نشلهم
على کل محبوک السراه شبوب
فلم أر فرسانا أشد حفیظه
إذا غشی الآفاق رهج جنوب
أکر و أحمى بالغطاریف و القنا
و کل حدید الشفرتین قضوب
قال نصر ثم ذهب هذا الیوم بما فیه- فأصبحوا فی الیوم التاسع من صفر- و قد خطب معاویه أهل الشام و حرضهم فقال- إنه قد نزل بکم من الأمر ما ترون و حضرکم ما حضرکم- فإذا نهدتم إلیهم إن شاء الله فقدموا الدارع- و أخروا الحاسر و صفوا الخیل و أجنبوها- و کونوا کقص الشارب و أعیرونا جماجمکم ساعه- فإنما هو ظالم أو مظلوم و قد بلغ الحق مقطعه- . قال نصر و روى الشعبی- قال قام معاویه فخطب الناس بصفین فی هذا الیوم- فقال الحمد لله الذی دنا فی علوه و علا فی دنوه- و ظهر و بطن و ارتفع فوق کل ذی منظر- هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن- یقضی فیفصل و یقدر فیغفر و یفعل ما یشاء- إذا أراد أمرا أمضاه و إذا عزم على شیء قضاه- لا یؤامر أحدا فیما یملک- و لا یسأل عما یفعل و هم یسألون- و الحمد لله رب العالمین على ما أحببنا و کرهنا- و قد کان فیما قضاه الله إن ساقتنا المقادیر- إلى هذه البقعه من الأرض- و لف بیننا و بین أهل العراق- فنحن من الله بمنظر- و قد قال الله سبحانه وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا- وَ لکِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یُرِیدُ- . انظروا یا أهل الشام- إنکم غدا تلقون أهل العراق- فکونوا على إحدى ثلاث خصال- إما أن تکونوا قوما- طلبتم ما عند الله فی قتال قوم بغوا علیکم- فأقبلوا من بلادهم حتى نزلوا فی بیضتکم- و إما أن تکونوا قوما تطلبون بدم خلیفتکم و صهر نبیکم- و إما أن تکونوا قوما تذبون عن نسائکم و أبنائکم- فعلیکم بتقوى الله و الصبر الجمیل- أسأل الله لنا و لکم النصر- و أن یفتح بیننا و بین قومنا بالحق و هو خیر الفاتحین- . فقام ذو الکلاع فقال- یا معاویه إنا نحن الصبر الکرام لا ننثنی عند الخصام- بنو الملوک العظام ذوی النهى و الأحلام- لا یقربون الآثام- . فقال معاویه صدقت- .
قال نصر- و کانت التعبیه فی هذا الیوم کالتعبیه فی الذی قبله- و حمل عبید الله بن عمر فی قراء أهل الشام- و معه ذو الکلاع فی حمیر على ربیعه- و هی فی میسره علی ع فقاتلوا قتالا شدیدا- فأتى زیاد بن خصفه إلى عبد القیس- فقال لهم لا بکر بن وائل بعد الیوم- إن ذا الکلاع و عبید الله أبادا ربیعه- فانهضوا لهم و إلا هلکوا- فرکبت عبد القیس و جاءت کأنها غمامه سوداء- فشدت أزر المیسره فعظم القتال- فقتل ذو الکلاع الحمیری- قتله رجل من بکر بن وائل اسمه خندف- و تضعضعت أرکان حمیر- و ثبتت بعد قتل ذی الکلاع تحارب مع عبید الله بن عمر- و أرسل عبید الله إلى الحسن بن علی ع- أن لی إلیک حاجه فالقنی فلقیه الحسن ع- فقال له عبید الله إن أباک قد وتر قریشا أولا و آخرا- و قد شنئه الناس- فهل لک فی خلعه و أن تتولى أنت هذا الأمر- فقال کلا و الله لا یکون ذلک ثم قال یا ابن الخطاب- و الله لکأنی أنظر إلیک مقتولا فی یومک أو غدک- أما إن الشیطان قد زین لک و خدعک- حتى أخرجک مخلقا بالخلوق ترى نساء أهل الشام موقفک- و سیصرعک الله و یبطحک لوجهک قتیلا- .
قال نصر فو الله ما کان إلا بیاض ذلک الیوم- حتى قتل عبید الله- و هو فی کتیبه رقطاء و کانت تدعى الخضریه- کانوا أربعه آلاف علیهم ثیاب خضر- فمر الحسن ع فإذا رجل متوسد برجل قتیل- قد رکز رمحه فی عینه و ربط فرسه برجله- فقال الحسن ع لمن معه انظروا من هذا- فإذا رجل من همدان- و إذا القتیل عبید الله بن عمر بن الخطاب- قد قتله الهمدانی فی أول اللیل- و بات علیه حتى أصبح- . قال نصر و قد اختلف الرواه فی قاتل عبید الله- فقالت همدان نحن قتلناه- قتله هانئ بن الخطاب الهمدانی و رکز رمحه فی عینه- و ذکر الحدیث- و قالت حضرموت نحن قتلناه قتله مالک بن عمرو الحضرمی- و قالت بکر بن وائل نحن قتلناه- قتله محرزبن الصحصح من بنی تیم اللات بن ثعلبه- و أخذ سیفه الوشاح- . فلما کان عام الجماعه- طلب معاویه السیف من ربیعه الکوفه فقالوا- إنما قتله رجل من ربیعه البصره- یقال له محرز بن الصحصح- فبعث إلیه معاویه فأخذ السیف منه- . قال نصر و قد روی أن قاتله حریث بن جابر الحنفی- و کان رئیس بنی حنیفه یوم صفین مع علی ع- حمل عبید الله بن عمر على صف بنی حنیفه و هو یقول-
أنا عبید الله ینمینی عمر
خیر قریش من مضى و من غبر
إلا رسول الله و الشیخ الأغر
قد أبطأت عن نصر عثمان مضر
و الربعیون فلا أسقوا المطر
و سارع الحی الیمانون الغرر
و الخیر فی الناس قدیما یبتدر
فحمل علیه حریث بن جابر الحنفی و قال-
قد سارعت فی نصرها ربیعه
فی الحق و الحق لها شریعه
فاکفف فلست تارک الوقیعه
فی العصبه السامعه المطیعه
حتى تذوق کأسها الفظیعه
و طعنه فصرعه- . قال نصر فقال کعب بن جعیل التغلبی یرثی عبید الله- و کان کعب شاعر أهل الشام-
ألا إنما تبکی العیون لفارس
بصفین أجلت خیله و هو واقف
تبدل من أسماء أسیاف وائل
و أی فتى لو أخطأته المتالف
ترکتم عبید الله فی القاع مسلما
یمج دماء و العروق نوازف
ینوء و تغشاه شآبیب من دم
کما لاح فی جیب القمیص الکفائف
دعاهن فاستسمعن من أین صوته
فأقبلن شتى و العیون ذوارف
تحللن عنه زر درع حصینه
و ینکر منه بعد ذاک معارف
و قرت تمیم سعدها و ربابها
و خالفت الخضراء فیمن یخالف
و قد صبرت حول ابن عم محمد
لدى الموت شهباء المناکب شارف
بمرج ترى الرایات فیه کأنها
إذا جنحت للطعن طیر عواکف
فما برحوا حتى رأى الله صبرهم
و حتى أسرت بالأکف المصاحف
جزى الله قتلانا بصفین خیر ما
أثیب عباد غادرتها المواقف
قلت هذا الشعر نظمه کعب بن جعیل- بعد رفع المصاحف و تحکیم الحکمین- یذکر فیه ما مضى لهم من الحرب على عاده شعراء العرب- و الضمیر فی قوله دعاهن فاستسمعن من أین صوته- یرجع إلى نساء عبید الله- و کانت تحته أسماء بنت عطارد بن حاجب بن زراره التمیمی و بحریه بنت هانئ بن قبیصه الشیبانی- و کان عبید الله قد أخرجهما معه إلى الحرب ذلک الیوم- لینظرا إلى قتاله فوقفتا راجلتین- و إلى أسماء بنت عطارد أشار کعب بن جعیل بقوله- تبدل من أسماء أسیاف وائل- . و الشعر یدل على أن ربیعه قتلته لا همدان و لا حضرموت- . و یدل أیضا على ذلک ما رواه إبراهیم بن دیزیل الهمدانی- فی کتاب صفین قال شدت ربیعه الکوفه و علیها زیاد بن خصفه- على عبید الله بن عمر ذلک الیوم- و کان معاویه قد أقرع بین الناس- فخرج سهم عبید الله بن عمر على ربیعه فقتلته- فلما ضرب فسطاط زیاد بن خصفه- بقی طنب من الأطناب لم یجدوا له وتدا- فشدوه برجل عبید الله بن عمر- و کان ناحیه فجروه حتى ربطوا الطنب برجله- و أقبلت امرأتاه حتى وقفتا علیه فبکتا علیه و صاحتا- فخرج زیاد بن خصفه فقیل له- هذه بحریه ابنه هانئ بن قبیصه الشیبانی ابنه عمک- فقال لها ما حاجتک یا ابنه أخی قالت تدفع زوجی إلی- فقال نعم خذیه فجیء ببغل فحملته علیه- فذکروا أن یدیه و رجلیه خطتا بالأرض عن ظهر البغل- . قال نصر و مما رثى به کعب بن جعیل عبید الله بن عمر قوله-
یقول عبید الله لما بدت له
سحابه موت تقطر الحتف و الدما
ألا یا لقومی فاصبروا إن صبرکم
أعف و أحجى عفه و تکرما
فلما تدانى القوم خر مجدلا
صریعا تلاقى الترب کفیه و الفما
و خلف أطفالا یتامى أذله
و عرسا علیه تسکب الدمع أیما
حلالا لها الخطاب لا یمنعنهم
و قد کان یحمی غیره أن تکلما
و قال الصلتان العبدی یذکر مقتل عبید الله- و أن حریث بن جابر الحنفی قتله-
ألا یا عبید الله ما زلت مولعا
ببکر لها تهدی القرى و التهددا
و کنت سفیها قد تعودت عاده
و کل امرئ جار على ما تعودا
فأصبحت مسلوبا على شر آله
صریع القنا تحت العجاجه مفردا
تشق علیک جیبها ابنه هانئ
مسلبه تبدی الشجا و التلددا
و کانت ترى ذا الأمر قبل عیانه
و لکن حکم الله أهدى لک الردى
و قالت عبید الله لا تأت وائلا
فقلت لها لا تعجلی و انظری غدا
فقد جاء ما قد مسها فتسلبت
علیک و أمسى الجیب منها مقددا
حباک أخو الهیجا حریث بن جابر
بجیاشه تحکی بها النهر مزبدا
کان حماه الحی بکر بن وائل
بذی الرمث أسد قد تبوأن غرقدا
قال نصر فأما ذو الکلاع فقد ذکرنا مقتله- و أن قاتله خندف البکری- . و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال- لما حمل ذو الکلاع ذلک الیوم بالفیلق العظیم من حمیر- على صفوف أهل العراق- ناداهم أبو شجاع الحمیری و کان من ذوی البصائر مع علی ع- فقال یا معشر حمیر تبت أیدیکم- أ ترون معاویه خیرا من علی ع أضل الله سعیکم- ثم أنت یا ذا الکلاع قد کنا نرى أن لک نیه فی الدین- فقال ذو الکلاع إیها یا أبا شجاع- و الله إنی لأعلم ما معاویه بأفضل من علی ع- و لکنی أقاتل على دم عثمان- قال فأصیب ذو الکلاع حینئذ- قتله خندف بن بکر البکری فی المعرکه- . قال نصر فحدثنا عمرو قال- حدثنا الحارث بن حصیره أن ابن ذی الکلاع-أرسل إلى الأشعث بن قیس رسولا- یسأله أن یسلم إلیه جثه أبیه- فقال الأشعث إنی أخاف أن یتهمنی أمیر المؤمنین فی أمره- فأطلبه من سعید بن قیس فهو فی المیمنه- فذهب إلى معاویه فاستأذنه أن یدخل إلى عسکر علی ع- یطلب أباه بین القتلى- فقال له إن علیا قد منع أن یدخل أحد منا إلى معسکره- یخاف أن یفسد علیه جنده- فخرج ابن ذی الکلاع- فأرسل إلى سعید بن قیس الهمدانی یستأذنه فی ذلک- فقال سعید إنا لا نمنعک من دخول العسکر- إن أمیر المؤمنین لا یبالی من دخل منکم إلى معسکره- فأدخل فدخل من قبل المیمنه فطاف فلم یجده- ثم أتى المیسره فطاف فلم یجده- ثم وجده و قد ربطت رجله بطنب- من أطناب بعض فساطیط العسکر- فجاء فوقف على باب الفسطاط- فقال السلام علیکم یا أهل البیت- فقیل له و علیک السلام- فقال أ تأذنون لنا فی طنب من أطناب فسطاطکم و معه عبد أسود لم یکن معه غیره- فقالوا قد أذنا لکم- و قالوا له معذره إلى الله و إلیکم- أما إنه لو لا بغیه علینا ما صنعنا به ما ترون- فنزل ابنه إلیه فوجده قد انتفخ- و کان من أعظم الناس خلقا فلم یطق احتماله- فقال هل من فتى معوان فخرج إلیه خندف البکری- فقال تنحوا عنه- فقال ابنه و من الذی یحمله إذا تنحینا عنه- قال یحمله قاتله- فاحتمله خندف حتى رمى به على ظهر بغل- ثم شده بالحبال فانطلقا به- . قال نصر و قال معاویه لما قتل ذو الکلاع- لأنا أشد فرحا بقتل ذی الکلاع منی بفتح مصر لو فتحتها- قال لأن ذا الکلاع- کان یحجر على معاویه فی أشیاء کان یأمر بها- . قال نصر فلما قتل ذو الکلاع اشتدت الحرب- و شدت عک و لخم و جذام و الأشعریون من أهل الشام على مذحج من أهل العراق- جعلهم معاویه بإزائهم و نادى منادی عک-
ویل لأم مذحج من عک
لنترکن أمهم تبکی
نقتلهم بالطعن ثم الصک
بکل قرن باسل مصک
فلا رجال کرجال عک
فنادى منادی مذحج یا لمذحج خدموا- أی اضربوا السوق مواضع الخدمه و هی الخلاخیل- فاعترضت مذحج سوق القوم فکان فیه بوار عامتهم- و نادى منادی جذام حین طحنت رحى القوم- و خاضت الخیل و الرجال فی الدماء- . الله الله فی جذام أ لا تذکرون الأرحام- أفنیتم لخما الکرام و الأشعرین و آل ذی حمام- أین النهى و الأحلام هذی النساء تبکی الأعلام- . و نادى منادی عک- یا عک أین المفر الیوم تعلم ما الخبر- لأنکم قوم صبر کونوا کمجتمع المدر- لا تشمتن بکم مضر حتى یحول ذا الخبر- . و نادى منادی الأشعریین- یا مذحج من للنساء غدا إذا أفناکم الردى- الله الله فی الحرمات أ ما تذکرون نساءکم و البنات- أ ما تذکرون فارس و الروم و الأتراک- لقد أذن الله فیکم بالهلاک- .
قال و القوم ینحر بعضهم بعضا و یتکادمون بالأفواه- . قال نصر و حدثنی عمرو بن الزبیر- لقد سمعت الحضین بن المنذر یقول- أعطانی علی ع ذلک الیوم رایه ربیعه- و قال باسم الله سر یا حضین- و اعلم أنه لا تخفق على رأسک رایه مثلها أبدا- هذه رایه رسول الله ص- قال فجاء أبو عرفاء جبله بن عطیه الذهلی إلى الحضین- و قال هل لک أن تعطینی الرایه أحملها لک- فیکون لک ذکرها و یکون لی أجرها- فقال الحضین و ما غنای یا عم عن أجرها مع ذکرها- قال إنه لا غنى بک عن ذلک- و لکن أعرها عمک ساعه فما أسرع ما ترجع إلیک- قال الحضین فقلت إنه قد استقتل- و إنه یرید أن یموت مجاهدا- فقلت له خذها فأخذها- ثم قال لأصحابه إن عمل الجنه کره کله و ثقیل- و إن عمل النار خف کله و خبیث- إن الجنه لا یدخلها إلا الصابرون- الذین صبروا أنفسهم على فرائض الله و أمره- و لیس شیء مما افترض الله على العباد أشد من الجهاد- هو أفضل الأعمال ثوابا عند الله- فإذا رأیتمونی قد شددت فشدوا- ویحکم أ ما تشتاقون إلى الجنه- أ ما تحبون أن یغفر الله لکم- فشد و شدوا معه فقاتلوا قتالا شدیدا- فقتل أبو عرفاء رحمه الله تعالى- و شدت ربیعه بعده شده عظیمه- على صفوف أهل الشام فنقضتها- و قال مجزاه بن ثور-
أضربهم و لا أرى معاویه
الأبرج العین العظیم الحاویه
هوت به فی النار أم هاویه
جاوره فیها کلاب عاویه
أغوى طغاما لا هدته هادیه
قال نصر و کان حریث بن جابر- یومئذ نازلا بین الصفین فی قبه له حمراء- یسقی أهل العراق اللبن و الماء و السویق- و یطعمهم اللحم و الثرید- فمن شاء أکل و من شاء شرب- ففی ذلک یقول شاعرهم-
فلو کان بالدهنا حریث بن جابر
لأصبح بحرا بالمفازه جاریا
قلت هذا حریث بن جابر- هو الذی کتب معاویه إلى زیاد فی أمره بعد عام الجماعه- و حریث عامل لزیاد على همدان- أما بعد فاعزل حریث بن جابر عن عمله- فما ذکرت مواقفه بصفین إلا کانت حزازه فی صدری فکتب إلیه زیاد خفض علیک یا أمیر المؤمنین- فإن حریثا قد بلغ من الشرف مبلغا لا تزیده الولایه- و لا ینقصه العزل- . قال نصر فاضطرب الناس یومئذ بالسیوف- حتى تقطعت و تکسرت و صارت کالمناجل- و تطاعنوا بالرماح حتى تقصفت و تناثرت أسنتها- ثم جثوا على الرکب فتحاثوا بالتراب- یحثو بعضهم التراب فی وجه بعض- ثم تعانقوا و تکادموا بالأفواه- ثم تراموا بالصخر و الحجاره ثم تحاجزوا- فکان الرجل من أهل العراق یمر على أهل الشام- فیقول کیف آخذ إلى رایات بنی فلان- فیقولون هاهنا لا هداک الله- و یمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق- فیقول کیف آخذ إلى رایه بنی فلان- فیقولون هاهنا لا حفظک الله و لا عافاک- .
قال نصر و قال معاویه لعمرو بن العاص- أ ما ترى یا أبا عبد الله إلى ما قد دفعنا- کیف ترى أهل العراق غدا صانعین- إنا لبمعرض خطر عظیم- فقال له إن أصبحت غدا ربیعه و هم متعطفون حول علی ع- تعطف الإبل حول فحلها- لقیت منهم جلادا صادقا و بأسا شدیدا- و کانت التی لا یتعزى لها- فقال معاویه أ یجوز أنک تخوفنا یا أبا عبد الله- قال إنک سألتنی فأجبتک- فلما أصبحوا فی الیوم العاشر أصبحوا- و ربیعه محدقه بعلی ع إحداق بیاض العین بسوادها- .
قال نصر فحدثنی عمرو قال- لما أصبح علی ع هذا الیوم- جاء فوقف بین رایات ربیعه فقال عتاب بن لقیط البکری- من بنی قیس بن ثعلبه یا معشر ربیعه- حاموا عن علی منذ الیوم فإن أصیب فیکم افتضحتم- أ لا ترونه قائما تحت رایاتکم- و قال لهم شقیق بن ثور یا معشر ربیعه- لیس لکم عذر عند العرب إن وصل إلى علی و فیکم رجل حی- فامنعوه الیوم و اصدقوا عدوکم اللقاء- فإنه حمد الحیاه تکسبونه- فتعاهدت ربیعه و تحالفت بالأیمان العظیمه منها- تبایع سبعه آلاف على ألا ینظر رجل منهم خلفه- حتى یردوا سرادق معاویه- فقاتلوا ذلک الیوم قتالا شدیدا لم یکن قبله مثله- و أقبلوا نحو سرادق معاویه- فلما نظر إلیهم قد أقبلوا قال-
إذا قلت قد ولت ربیعه أقبلت
کتائب منها کالجبال تجالد
ثم قال لعمرو یا عمرو ما ترى- قال أرى ألا تحنث أخوالی الیوم- فقام معاویه و خلى لهم سرادقه و رحله و خرج فارا عنه- لائذا ببعض مضارب العسکر فی أخریات الناس فدخله- و انتهبت ربیعه سرادقه و رحله- و بعث إلى خالد بن المعمر إنک قد ظفرت- و لک إمره خراسان أن لم تتم فقطع خالد القتال و لم یتمه- و قال لربیعه قد برت أیمانکم فحسبکم- فلما کان عام الجماعه و بایع الناس معاویه- أمره معاویه على خراسان و بعثه إلیها- فمات قبل أن یبلغها- . قال نصر فی حدیث عمرو بن سعد- أن علیا ع صلى بهم هذا الیوم صلاه الغداه- ثم زحف بهم- فلما أبصروه قد خرج استقبلوه بزحوفهم- فاقتتلوا قتالا شدیدا- ثم إن خیل أهل الشام حملت على خیل أهل العراق- فاقتطعوا من أصحاب علی ع ألف رجل أو أکثر- فأحاطوا بهم و حالوا بینهم و بین أصحابهم فلم یروهم- فنادى علی ع یومئذ- أ لا رجل یشری نفسه لله و یبیع دنیاه بآخرته- فأتاه رجل من جعف یقال له عبد العزیز بن الحارث- على فرس أدهم کأنه غراب مقنع فی الحدید- لا یرى منه إلا عیناه- فقال یا أمیر المؤمنین مرنی بأمرک- فو الله لا تأمرنی بشیء إلا صنعته- فقال علی ع
سمحت بأمر لا یطاق حفیظه
و صدقا و إخوان الوفاء قلیل
جزاک إله الناس خیرا فإنه
لعمرک فضل ما هناک جزیل
یا أبا الحارث شد الله رکنک احمل على أهل الشام- حتى تأتی أصحابک فتقول لهم- إن أمیر المؤمنین یقرأ علیکم السلام- و یقول لکم هللوا و کبروا من ناحیتکم- و نهلل نحن و نکبر من هاهنا- و احملوا من جانبکم و نحمل نحن من جانبنا على أهل الشام- فضرب الجعفی فرسه حتى إذا أقامه على أطراف سنابکه- حمل على أهل الشام المحیطین بأصحاب علی ع- فطاعنهم ساعه و قاتلهم- فأفرجوا له حتى خلص إلى أصحابه- فلما رأوه استبشروا به و فرحوا- و قالوا ما فعل أمیر المؤمنین- قال صالح یقرئکم السلام و یقول لکم- هللوا و کبروا و احملوا حمله شدیده من جانبکم- و نهلل نحن و نکبر و نحمل من جانبنا- ففعلوا ما أمرهم به و هللوا و کبروا- و هلل علی ع و کبر هو و أصحابه- و حمل على أهل الشام و حملوا هم من وسط أهل الشام- فانفرج القوم عنهم و خرجوا- و ما أصیب منهم رجل واحد- و لقد قتل من فرسان الشام یومئذ زهاء سبعمائه إنسان- قال علی ع من أعظم الناس الیوم غناء- فقالوا أنت یا أمیر المؤمنین- فقال کلا و لکنه الجعفی- .
قال نصر- و کان علی ع لا یعدل بربیعه أحدا من الناس- فشق ذلک على مضر و أظهروا لهم القبیح و أبدوا ذات أنفسهم- فقال الحضین بن المنذر الرقاشی شعرا أغضبهم به- من جملته
أرى مضرا صارت ربیعه دونها
شعار أمیر المؤمنین و ذا الفضل
فأبدوا لنا مما تجن صدورهم
هو السوء و البغضاء و الحقد و الغل
فأبلوا بلانا أو أقروا بفضلنا
و لن تلحقونا الدهر ما حنت الإبل
فقام أبو الطفیل عامر بن واثله الکنانی- و عمیر بن عطارد بن حاجب بن زراره التمیمی- و قبیصه بن جابر الأسدی و عبد الله بن الطفیل العامری- فی وجوه قبائلهم فأتوا علیا ع- فتکلم أبو الطفیل فقال أنا و الله یا أمیر المؤمنین- ما نحسد قوما خصهم الله منک بخیر- و إن هذا الحی من ربیعه قد ظنوا أنهم أولى بک منا- فاعفهم عن القتال أیاما- و اجعل لکل امرئ منا یوما یقاتل فیه- فإنا إذا اجتمعنا اشتبه علیک بلاؤنا- فقال علی ع نعم أعطیکم ما طلبتم- و أمر ربیعه أن تکف عن القتال- و کانت بإزاء الیمن من صفوف أهل الشام- فغدا أبو الطفیل عامر بن واثله فی قومه من کنانه- و هم جماعه عظیمه فتقدم أمام الخیل- و یقول طاعنوا و ضاربوا ثم حمل و ارتجز فقال-
قد ضاربت فی حربها کنانه
و الله یجزیها به جنانه
من أفرغ الصبر علیه زانه
أو غلب الجبن علیه شانه
أو کفر الله فقد أهانه
غدا یعض من عصى بنانه
فاقتتلوا قتالا شدیدا- ثم انصرف أبو الطفیل إلى علی ع- فقال یا أمیر المؤمنین إنک أنبأتنا أن أشرف القتل الشهاده- و أحظى الأمر الصبر و قد و الله صبرنا حتى أصبنا- فقتیلنا شهید و حینا سعید- فلیطلب من بقی ثأر من مضى- فإنا و إن کنا قد ذهب صفونا و بقی کدرنا- فإن لنا دینا لا یمیل به الهوى و یقینا لا تزحمه الشبهه- فأثنى علی ع علیه خیرا- . ثم غدا فی الیوم الثانی عمیر بن عطارد بجماعه من بنی تمیم- و هو یومئذ سید مضر الکوفه- فقال یا قوم إنی أتبع آثار أبی الطفیل- فاتبعوا آثار کنانه- ثم قدم رایته و ارتجز فقال-
قد ضاربت فی حربها تمیم
إن تمیما خطبها عظیم
لها حدیث و لها قدیم
إن الکریم نسله کریم
دین قویم و هوى سلیم
إن لم تردهم رایتی فلوموا
ثم طعن برایته حتى خضبها- و قاتل أصحابه قتالا شدیدا حتى أمسوا- و انصرف عمیر إلى علی ع و علیه سلاحه- فقال یا أمیر المؤمنین قد کان ظنی بالناس حسنا- و قد رأیت منهم فوق ظنی بهم قاتلوا من کل جهه- و بلغوا من عفوهم جهد عدوهم و هم لهم إن شاء الله- . ثم غدا فی الیوم الثالث- قبیصه بن جابر الأسدی فی بنی أسد- و قال لأصحابه یا بنی أسد أما أنا فلا أقصر دون صاحبی- و أما أنتم فذاک إلیکم- ثم تقدم برایته و قال-
قد حافظت فی حربها بنو أسد
ما مثلها تحت العجاج من أحد
أقرب من یمن و أنأى من نکد
کأننا رکنا ثبیر أو أحد
لسنا بأوباش و لا بیض البلد
لکننا المحه من ولد معد
فقاتل القوم إلى أن دخل اللیل ثم انصرفوا- . ثم غدا فی الیوم الرابع- عبد الله بن الطفیل العامری فی جماعه هوازن- فحارب بهم حتى اللیل ثم انصرفوا- . قال نصر فانتصفوا المضریه من الربعیه- و ظهر أثرها و عرف بلاؤها- و قال أبو الطفیل
و حامت کنانه فی حربها
و حامت تمیم و حامت أسد
و حامت هوازن یوم اللقا
فما خام منا و منهم أحد
لقینا الفوارس یوم الخمیس
و العید و السبت ثم الأحد
لقینا قبائل أنسابهم
إلى حضرموت و أهل الجند
فأمدادهم خلف آذانهم
و لیس لنا من سوانا مدد
فلما تنادوا بآبائهم
دعونا معدا و نعم المعد
فظلنا نفلق هاماتهم
و لم نک فیها ببیض البلد
و نعم الفوارس یوم اللقا
فقل فی عدید و قل فی عدد
و قل فی طعان کفرغ الدلاء
و ضرب عظیم کنار الوفد
و لکن عصفنا بهم عصفه
و فی الحرب یمن و فیها نکد
طحنا الفوارس وسط العجاج
و سقنا الزعانف سوق النقد
و قلنا علی لنا والد
و نحن له طاعه کالولد
قال نصر و حدثنا عمرو- عن الأشعث بن سوید عن کردوس قال- کتب عقبه بن مسعود عامل علی على الکوفه- إلى سلیمان بن صرد الخزاعی- و هو مع علی بصفین- أما بعد فإنهم إن یظهروا علیکم یرجموکم- أو یعیدوکم فی ملتهم و لن تفلحوا إذا أبدا- فعلیک بالجهاد و الصبر مع أمیر المؤمنین و السلام- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن سعد و عمرو بن شمر عن جابر عن أبی جعفر قال قام علی ع فخطب الناس بصفین فقال- الحمد لله على نعمه الفاضله على جمیع من خلق- من البر و الفاجر- و على حججه البالغه على خلقه من أطاعه فیهم و من عصاه- أن یرحم فبفضله و منه و إن عذب فبما کسبت أیدیهم- و إن الله لیس بظلام للعبید- أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء- و أستعینه على ما نابنا من أمر الدنیا و الآخره- و أتوکل علیه و کفى بالله وکیلا- ثم إنی أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له- و أشهد أن محمدا عبده و رسوله- أرسله بالهدى و دین الحق- ارتضاه لذلک و کان أهله- و اصطفاه لتبلیغ رسالته و جعله رحمه منه على خلقه- فکان علمه فیه رءوفارحیما- أکرم خلق الله حسبا و أجملهم منظرا و أسخاهم نفسا- و أبرهم لوالد و أوصلهم لرحم- و أفضلهم علما و أثقلهم حلما- و أوفاهم لعهد و آمنهم على عقد- لم یتعلق علیه مسلم و لا کافر بمظلمه قط- بل کان یظلم فیغفر و یقدر فیصفح- حتى مضى ص مطیعا لله صابرا على ما أصابه- مجاهدا فی الله حق جهاده حتى أتاه الیقین ص- فکان ذهابه أعظم المصیبه على أهل الأرض البر و الفاجر- ثم ترک فیکم کتاب الله یأمرکم بطاعه الله- و ینهاکم عن معصیته- و قد عهد إلى رسول الله عهدا فلست أحید عنه- و قد حضرتم عدوکم و علمتم أن رئیسهم منافق- یدعوهم إلى النار- و ابن عم نبیکم معکم و بین أظهرکم- یدعوکم إلى الجنه و إلى طاعه ربکم- و العمل بسنه نبیکم- و لا سواء من صلى قبل کل ذکر- لم یسبقنی بصلاه مع رسول الله أحد- و أنا من أهل بدر و معاویه طلیق و ابن طلیق- و الله أنا على الحق و إنهم على الباطل- فلا یجتمعن على باطلهم و تتفرقوا عن حقکم- حتى یغلب باطلهم حقکم- قاتلوهم یعذبهم الله بأیدیکم- فإن لم تفعلوا یعذبهم بأیدی غیرکم- فقام أصحابه فقالوا یا أمیر المؤمنین- انهض بنا إلى عدونا و عدوک إذا شئت- فو الله ما نرید بک بدلا- بل نموت معک و نحیا معک- فقال لهم و الذی نفسی بیده- لنظر إلى النبی ص أضرب بین یدیه بسیفی هذا- فقال لا سیف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علی- و قال لی یا علی أنت منی بمنزله هارون من موسى إلا أنه لا نبی بعدیو موتک و حیاتک یا علی معی- و الله ما کذب و لا کذبت و لا ضل و لا ضللت- و لا ضل بی و لا نسیت ما عهد إلى- و إنی على بینه من ربی و على الطریق الواضح- ألقطه لقطا- .
ثم نهض إلى القوم- فاقتتلوا من حین طلعت الشمس حتى غاب الشفق الأحمر- و ما کانت صلاه القوم فی ذلک الیوم إلا تکبیرا- . قال و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر- عن الشعبی عن صعصعه بن صوحان قال- برز فی بعض أیام صفین رجل من حمیر- من آل ذی یزن اسمه کریب بن الصباح- لیس فی الشام یومئذ رجل أشهر بالبأس و النجده منه- فنادى من یبارز- فخرج إلیه المرتفع بن الوضاح الزبیدی فقتله- ثم نادى من یبارز فخرج إلیه الحارث بن الجلاح فقتله- ثم نادى من یبارز- فخرج إلیه عابد بن مسروق الهمدانی فقتله- ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض- و قام علیها بغیا و اعتداء و نادى من یبارز- فخرج إلیه علی و ناداه ویحک یا کریب- إنی أحذرک الله و بأسه و نقمته- و أدعوک إلى سنه الله و سنه رسوله- ویحک لا یدخلنک معاویه النار- فکان جوابه له أن قال- ما أکثر ما قد سمعت منک هذه المقاله- و لا حاجه لنا فیها أقدم إذا شئت- من یشتری سیفی و هذا أثره- فقال علی لا حول و لا قوه إلا بالله- ثم مشى إلیه فلم یمهله أن ضربه ضربه- خر منها قتیلا یشحط فی دمه- ثم نادى من یبرز- فبرز إلیه الحارث بن وداعه الحمیری فقتله- ثم نادى من یبرز- فبرز إلیه المطاع بن مطلب العنسی فقتله- ثم نادى من یبرز فلم یبرز إلیه أحد- فنادى یا معشر المسلمین- الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص- فمن اعتدى علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدى علیکم- و اتقوا الله و اعلموا أن الله مع المتقین- ویحک یا معاویه هلم إلی فبارزنی- و لا یقتلن الناس فیما بیننا- فقال عمرو بن العاص اغتنمه منتهزا- قد قتل ثلاثه من أبطال العرب- و إنی أطمع أن یظفرک الله به- فقال معاویه و الله لن ترید إلا أن أقتل فتصیب الخلافه بعدی- اذهب إلیک عنی فلیس مثلی یخدع- .
قال نصر و حدثنا عمرو قال- حدثنا خالد بن عبد الواحد الجریری قال- حدثنی من سمع عمرو بن العاص قبل الوقعه العظمى بصفین- و هو یحرض أهل الشام- و قد کان منحنیا على قوس فقال- الحمد لله العظیم فی شأنه القوی فی سلطانه- العلی فی مکانه الواضح فی برهانه- أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء- فی کل رزیه من بلاء أو شده أو رخاء- و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له- و أن محمدا عبده و رسوله- ثم إنا نحتسب عند الله رب العالمین- ما أصبح فی أمه محمد ص من اشتعال نیرانها- و اضطراب حبلها و وقوع بأسها بینها- فإنا لله و إنا إلیه راجعون و الحمد لله رب العالمین- أ و لا تعلمون أن صلاتنا و صلاتهم- و صیامنا و صیامهم و حجنا و حجهم- و قتلنا و قتلهم و دیننا و دینهم واحد- و لکن الأهواء مختلفه- اللهم أصلح هذه الأمه بما أصلحت به أولها- و احفظ فی ما بینها- مع أن القوم قد وطئوا بلادکم و نعوا علیکم- فجدوا فی قتال عدوکم- و استعینوا بالله ربکم و حافظوا على حرماتکم- ثم جلس-
قال نصر و خطب عبد الله بن العباس- أهل العراق یومئذ فقال- الحمد لله رب العالمین- الذی دحا تحتنا سبعا و سمک فوقنا سبعا- و خلق فیما بینهن خلقا و أنزل لنا منهن رزقا- ثم جعل کل شیء قدرا یبلى و یفنى غیر وجهه الحی القیوم- الذی یحیا و یبقى- إن الله تعالى بعث أنبیاء و رسلا- فجعلهم حججا على عباده عذرا أو نذرا- لا یطاع إلا بعلمه و إذنه- یمن بالطاعه على من یشاء من عباده ثم یثیب علیها- و یعصى بعلم منه فیعفو و یغفر بحلمه- لا یقدر قدره و لا یبلغ شیء مکانه- أحصى کل شیء عددا و أحاط بکل شیء علما- و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له- و أشهد أن محمدا عبده و رسوله- إمام الهدى و النبی المصطفى- و قد ساقنا قدر الله إلى ما ترون- حتى کان مما اضطرب من حبل هذه الأمه و انتشر من أمرها- أن معاویه بن أبی سفیان وجد من طغام الناس أعوانا- على علی ابن عم رسول الله و صهره و أول ذکر صلى معه- بدری قد شهد مع رسول الله ص کل مشاهده- التی فیها الفضل- و معاویه مشرک کان یعبد الأصنام- و الذی ملک الملک وحده و بان به و کان أهله- لقد قاتل علی بن أبی طالب مع رسول الله- و هو یقول صدق الله و رسوله- و معاویه یقول کذب الله و رسوله- فعلیکم بتقوى الله و الجد و الحزم و الصبر- و الله إنا لنعلمإنکم لعلى حق و إن القوم لعلى باطل- فلا یکونن أولى بالجد على باطلهم منکم فی حقکم- و إنا لنعلم أن الله سیعذبهم بأیدیکم أو بأیدی غیرکم- اللهم أعنا و لا تخذلنا- و انصرنا على عدونا و لا تحل عنا- و افتح بیننا و بین قومنا بالحق و أنت خیر الفاتحین
قال نصر و حدثنا عمرو قال حدثنا عبد الرحمن بن جندب عن جندب بن عبد الله قال قام عمار یوم صفین فقال انهضوا معی عباد الله- إلى قوم یزعمون أنهم یطلبون بدم ظالم- إنما قتله الصالحون المنکرون للعدوان- الآمرون بالإحسان- فقال هؤلاء الذین لا یبالون- إذا سلمت لهم دنیاهم و لو درس هذا الدین- لم قتلتموه فقلنا لإحداثه- فقالوا إنه لم یحدث شیئا- و ذلک لأنه مکنهم من الدنیا فهم یأکلونها و یرعونها- و لا یبالون لو انهدمت الجبال- و الله ما أظنهم یطلبون بدم- و لکن القوم ذاقوا الدنیا فاستحلوها و استمرءوها- و علموا أن صاحب الحق- لو ولیهم لحال بینهم و بین ما یأکلون و یرعون منها- إن القوم لم یکن لهم سابقه فی الإسلام- یستحقون بها الطاعه و الولایه- فخدعوا أتباعهم بأن قالوا قتل إمامنا مظلوما- لیکونوا بذلک جبابره و ملوکا- تلک مکیده قد بلغوا بها ما ترون- و لولاها ما بایعهم من الناس رجل- اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت- و إن تجعللهم الأمر- فادخر لهم بما أحدثوا لعبادک العذاب الألیم- ثم مضى و مضى معه أصحابه فدنا من عمرو بن العاص- فقال یا عمرو بعت دینک بمصر فتبا لک- و طالما بغیت للإسلام عوجا- ثم قال اللهم إنک تعلم- أنی لو أعلم أن رضاک فی أن أقذف بنفسی فی هذا البحر لفعلت- اللهم إنک تعلم- أنی لو أعلم أن رضاک أن أضع ظبه سیفی فی بطنی- ثم انحنى علیه حتى یخرج من ظهری لفعلت- اللهم إنی أعلم مما علمتنی- أنی لا أعمل عملا صالحا هذا الیوم- هو أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقین- و لو أعلم الیوم عملا هو أرضى لک منه لفعلته- .
قال نصر و حدثنی عمرو بن سعید عن الشعبی قال- نادى عمار عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له- بعت دینک بالدنیا من عدو الله و عدو الإسلام معاویه- و طلبت هوى أبیک الفاسق- فقال لا و لکنی أطلب بدم عثمان الشهید المظلوم- قال کلا أشهد على علمی فیک- أنک أصبحت لا تطلب بشیء من فعلک وجه الله- و أنک إن لم تقتلالیوم فستموت غدا- فانظر إذا أعطى الله العباد على نیاتهم ما نیتک- . و روى ابن دیزیل فی کتاب صفین عن صیف الضبی قال- سمعت الصعب بن حکیم بن شریک بن نمله المحاربی- یروی عن أبیه عن جده شریک قال- کان الناس من أهل العراق و أهل الشام- یقتتلون أیام صفین و یتزایلون- فلا یستطیع الرجل أن یرجع إلى مکانه- حتى یسفر الغبار عنه- فاقتتلوا یوما و تزایلوا و أسفر الغبار- فإذا علی تحت رایتنا یعنی بنی محارب-فقال هل من ماء فأتیته بإداوه فخنثتها له لیشرب- فقال لا إنا نهینا أن نشرب من أفواه الأسقیه- ثم علق سیفه و إنه لمخضب بالدم من ظبته إلى قائمه- فصببت له على یدیه فغسلهما حتى أنقاهما- ثم شرب بیدیه حتى إذا روى رفع رأسه- ثم قال أین مضر- فقلت أنت فیهم یا أمیر المؤمنین- فقال من أنتم بارک الله فیکم- فقلنا نحن بنو محارب- فعرف موقفه ثم رجع إلى موضعه- . قلت خنثت الإداوه إذا ثنیت فاها إلى خارج- و إنما نهى رسول الله ص عن اختناث الأسقیه- لأن رجلا اختنث سقاء فشرب- فدخل إلى جوفه حیه کانت فی السقاء- .
قال ابن دیزیل و روى إسماعیل بن أبی أویس قال حدثنی عبد الملک بن قدامه بن إبراهیم بن حاطب الجمحی عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال لی رسول الله ص- کیف بک یا عبد الله إذا بقیت فی حثاله من الناس- قد مرجت عهودهم و مواثیقهم و کانوا هکذا- و خالف بین أصابعه- فقلت تأمرنی بأمرک یا رسول الله- قال تأخذ مما تعرف و تدع ما تنکر- و تعمل بخاصه نفسک و تدع الناس و هوام أمرهم- .
قال فلما کان یوم صفین قال له أبوه عمرو بن العاص- یا عبد الله اخرج فقاتل- فقالیا أبتاه أ تأمرنی أن أخرج فأقاتل- و قد سمعت ما سمعت یوم عهد إلى رسول الله ص ما عهد- فقال أنشدک الله یا عبد الله- أ لم یکن آخر ما عهد إلیک رسول الله ص- أن أخذ بیدک فوضعها فی یدی فقال أطع أباک- فقال اللهم بلى- قال فإنی أعزم علیک أن تخرج فتقاتل- فخرج عبد الله بن عمرو فقاتل یومئذ متقلدا سیفین- قال و إن من شعر عبد الله بن عمرو بعد ذلک یذکر علیا بصفین-
فلو شهدت جمل مقامی و مشهدی
بصفین یوما شاب منها الذوائب
عشیه جا أهل العراق کأنهم
سحاب ربیع رفعته الجنائب
إذا قلت قد ولت سراعا بدت لنا
کتائب منهم و ارجحنت کتائب
و جئناهم فرادى کأن صفوفنا
من البحر مد موجه متراکب
فدارت رحانا و استدارت رحاهم
سراه النهار ما تولى المناکب
فقالوا لنا إنا نرى أن تبایعوا
فقلنا بلى إنا نرى أن تضاربوا
و روى ابن دیزیل عن یحیى بن سلیمان الجعفی قال- حدثنا مسهر بن عبد الملک بن سلع الهمدانی قال- حدثنی أبی عن عبد خیر الهمدانی قال- کنت أنا و عبد خیر فی سفر قلت یا أبا عماره- حدثنی عن بعض ما کنتم فیه بصفین- فقال لی یا ابن أخی و ما سؤالک- فقلت أحببت أن أسمع منک شیئا- فقال یا ابن أخی إنا کنا لنصلی الفجر- فنصف و یصف أهل الشام- و نشرع الرماح إلیهم و یشرعون بها نحونا- أما لو دخلت تحتها لأظلتک- و الله یا ابن أخی- إنا کنا لنقف و یقفون فی الحرب لا نفتر و لا یفترون- حتى نصلیالعشاء الآخره- ما یعرف الرجل منا طول ذلک الیوم- من عن یمینه و لا من عن یساره- من شده الظلمه و النقع إلا بقرع الحدید بعضه على بعض- فیبرز منه شعاع کشعاع الشمس- فیعرف الرجل من عن یمینه و من عن یساره- حتى إذا صلینا العشاء الآخره- جررنا قتلانا إلینا فتوسدناهم حتى نصبح- و جروا قتلاهم فتوسدوهم حتى یصبحوا- قال قلت له یا أبا عماره هذا و الله الصبر- .
و روى ابن دیزیل قال- کان عمرو بن العاص إذا مر علیه رجل من أصحاب علی- فسأل عنه فأخبر به فقال- یرى علی و معاویه أنهما بریئان من دم هذا- . قال ابن دیزیل و روى ابن وهب عن مالک بن أنس قال- جلس عمرو بن العاص بصفین فی رواق- و کان أهل العراق یدفنون قتلاهم- و أهل الشام یجعلون قتلاهم فی العباء و الأکسیه- یحملونهم فیها إلى مدافنهم- فکلما مر علیه برجل قال من هذا- فیقال فلان فقال عمرو کم من رجل أحسن فی الله- عظیم الحال لم ینج من قتله فلان و فلان- قال یعنی علیا و معاویه- .
قلت لیت شعری لم برأ نفسه و کان رأسا فی الفتنه- بل لولاه لم تکن- و لکن الله تعالى أنطقه بهذا الکلام و أشباهه- لیظهر بذلک شکه و أنه لم یکن على بصیره من أمره- . و روى نصر بن مزاحم قال حدثنی یحیى بن یعلى قال- حدثنی صباح المزنی عن الحارث بن حصن- عن زید بن أبی رجاء عن أسماء بن حکیم الفزاری قال- کنا بصفین مع علی تحت رایه عمار بن یاسر- ارتفاع الضحى و قد استظللنا برداء أحمر- إذ أقبل رجل یستقری الصف حتى انتهى إلینا- فقال أیکم عمار بن یاسر فقال عمار أنا عمار- قال أبو الیقظان قال نعم- قال إن لی إلیک حاجه أ فأنطق بهاسرا أو علانیه- قال اختر لنفسک أیهما شئت- قال لا بل علانیه قال فانطق- قال إنی خرجت من أهلی مستبصرا فی الحق- الذی نحن علیه- لا أشک فی ضلاله هؤلاء القوم و أنهم على الباطل- فلم أزل على ذلک مستبصرا حتى لیلتی هذه- فإنی رأیت فی منامی منادیا تقدم- فأذن و شهد أن لا إله إلا الله- و أن محمدا رسول الله ص- و نادى بالصلاه و نادى منادیهم مثل ذلک- ثم أقیمت الصلاه فصلینا صلاه واحده- و تلونا کتابا واحدا و دعونا دعوه واحده- فأدرکنی الشک فی لیلتی هذه- فبت بلیله لا یعلمها إلا الله تعالى حتى أصبحت- فأتیت أمیر المؤمنین فذکرت ذلک له- فقال هل لقیت عمار بن یاسر قلت لا- قال فالقه فانظر ما ذا یقول لک عمار فاتبعه- فجئتک لذلک فقال عمار- تعرف صاحب الرایه السوداء المقابله لی- فإنها رایه عمرو بن العاص- قاتلتها مع رسول الله ص ثلاث مرات- و هذه الرابعه فما هی بخیرهن و لا أبرهن- بل هی شرهن و أفجرهن- أ شهدت بدرا و أحدا و یوم حنین- أو شهدها أب لک فیخبرک عنها قال لا- قال فإن مراکزنا الیوم على مراکز رایات رسول الله ص- یوم بدر و یوم أحد و یوم حنین- و إن مراکز رایات هؤلاء- على مراکز رایات المشرکین من الأحزاب- فهل ترى هذا العسکر و من فیه- و الله لوددت أن جمیع من فیه- ممن أقبل مع معاویه یرید قتالنا- مفارقا للذی نحن علیه کانوا خلقا واحدا- فقطعته و ذبحته- و الله لدماؤهم جمیعا أحل من دم عصفور- أ فترى دم عصفور حراما قال لا بل حلال- قال فإنهم حلال کذلک- أ ترانی بینت لک قال قد بینت لی- قال فاختر أی ذلک أحببت- .
فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال- أما إنهم سیضربونکم بأسیافهم- حتى یرتاب المبطلون منکم- فیقولوا لو لم یکونوا على حق ما أظهروا علینا- و الله ما هم من الحق على ما یقذى عین ذباب- و الله لو ضربونا بأسیافهم حتى یبلغونا سعفات هجر- لعلمنا أنا على حق و أنهم على باطل- .
قال نصر و حدثنا یحیى بن یعلى عن الأصبغ بن نباته قال جاء رجل إلى علی فقال- یا أمیر المؤمنین هؤلاء القوم الذین نقاتلهم- الدعوه واحده و الرسول واحد- و الصلاه واحده و الحج واحد فما ذا نسمیهم- قال سمهم بما سماهم الله فی کتابه- قال ما کل ما فی الکتاب أعلمه- قال أ ما سمعت الله تعالى یقول- تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ- إلى قوله وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ- مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّناتُ- وَ لکِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ کَفَرَ- فلما وقع الاختلاف- کنا نحن أولى بالله و بالکتاب و بالنبی و بالحق- فنحن الذین آمنوا و هم الذین کفروا- و شاء الله قتالهم فقاتلهم بمشیئته و إرادته
شرح نهج البلاغه(ابن أبی الحدید) ج ۵
بازدیدها: ۳۳۰