و من کتاب له علیه السّلام إلى عثمان بن حنیف الأنصارى، و هو عامله على البصره
و قد بلغه أنه دعى إلى ولیمه قوم من أهلها فمضى إلیها أَمَّا بَعْدُ یَا ابْنَ حُنَیْفٍ- فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْیَهِ أَهْلِ الْبَصْرَهِ- دَعَاکَ إِلَى مَأْدُبَهٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَیْهَا- تُسْتَطَابُ لَکَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَیْکَ الْجِفَانُ- وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّکَ تُجِیبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ- عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِیُّهُمْ مَدْعُوٌّ- فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ- فَمَا اشْتَبَهَ عَلَیْکَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ- وَ مَا أَیْقَنْتَ بِطِیبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ- أَلَا وَ إِنَّ لِکُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً یَقْتَدِی بِهِ- وَ یَسْتَضِیءُ بِنُورِ عِلْمِهِ- أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَکُمْ قَدِ اکْتَفَى مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ- وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ- أَلَا وَ إِنَّکُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِکَ- وَ لَکِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّهٍ وَ سَدَادٍ- فَوَاللَّهِ مَا کَنَزْتُ مِنْ دُنْیَاکُمْ تِبْراً- وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً- وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً- بَلَى کَانَتْ فِی أَیْدِینَا فَدَکٌ مِنْ کُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ- فَشَحَّتْ عَلَیْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ- وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِینَ- وَ نِعْمَ الْحَکَمُ اللَّهُ- وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَکٍ وَ غَیْرِ فَدَکٍ- وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِی غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِی ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا- وَ تَغِیبُ أَخْبَارُهَا- وَ حُفْرَهٌ لَوْ زِیدَ فِی فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ یَدَا حَافِرِهَا- لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ- وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاکِمُ- وَ إِنَّمَا هِیَ نَفْسِی أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى- لِتَأْتِیَ آمِنَهً یَوْمَ الْخَوْفِ الْأَکْبَرِ- وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَیْتُ الطَّرِیقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ- وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ- وَ لَکِنْ هَیْهَاتَ أَنْ یَغْلِبَنِی هَوَایَ- وَ یَقُودَنِی جَشَعِی إِلَى تَخَیُّرِ الْأَطْعِمَهِ- وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْیَمَامَهِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِی الْقُرْصِ- وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ- أَوْ أَبِیتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِی بُطُونٌ غَرْثَى- وَ أَکْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَکُونَ کَمَا قَالَ الْقَائِلُ-
وَ حَسْبُکَ دَاءً أَنْ تَبِیتَ بِبِطْنَهٍ وَ حَوْلَکَ أَکْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِی بِأَنْ یُقَالَ- هَذَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ- وَ لَا أُشَارِکُهُمْ فِی مَکَارِهِ الدَّهْرِ- أَوْ أَکُونَ أُسْوَهً لَهُمْ فِی جُشُوبَهِ الْعَیْشِ- فَمَا خُلِقْتُ لِیَشْغَلَنِی أَکْلُ الطَّیِّبَاتِ- کَالْبَهِیمَهِ الْمَرْبُوطَهِ هَمُّهَا عَلَفُهَا- أَوِ الْمُرْسَلَهِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا- تَکْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا یُرَادُ بِهَا- أَوْ أُتْرَکَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً- أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَهِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِیقَ الْمَتَاهَهِ وَ کَأَنِّی بِقَائِلِکُمْ یَقُولُ- إِذَا کَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ- فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ- وَ مُنَازَلَهِ الشُّجْعَانِ- أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَهَ الْبَرِّیَّهَ أَصْلَبُ عُوداً- وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَهَ أَرَقُّ جُلُوداً- وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْیَهَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً- . وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ کَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ- وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ- وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِی لَمَا وَلَّیْتُ عَنْهَا- وَ لَوْ أَمْکَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَیْهَا- وَ سَأَجْهَدُ فِی أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْکُوسِ- وَ الْجِسْمِ الْمَرْکُوسِ-
حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَهُ مِنْ بَیْنِ حَبِّ الْحَصِیدِ إِلَیْکِ عَنِّی یَا دُنْیَا فَحَبْلُکِ عَلَى غَارِبِکِ- قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِکِ- وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِکِ- وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِی مَدَاحِضِکِ- أَیْنَ الْقُرُونُ الَّذِینَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِکِ- أَیْنَ الْأُمَمُ الَّذِینَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِکِ- فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِینُ اللُّحُودِ- وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتِ شَخْصاً مَرْئِیّاً وَ قَالَباً حِسِّیّاً- لَأَقَمْتُ عَلَیْکِ حُدُودَ اللَّهِ فِی عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِیِّ- وَ أُمَمٍ أَلْقَیْتِهِمْ فِی الْمَهَاوِی- وَ مُلُوکٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ- وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَ لَا صَدَرَ- هَیْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَکِ زَلِقَ- وَ مَنْ رَکِبَ لُجَجَکِ غَرِقَ- وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِکِ وُفِّقَ- وَ السَّالِمُ مِنْکِ لَا یُبَالِی إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ- وَ الدُّنْیَا عِنْدَهُ کَیَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ اعْزُبِی عَنِّی فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَکِ فَتَسْتَذِلِّینِی- وَ لَا أَسْلَسُ لَکِ فَتَقُودِینِی- وَ ایْمُ اللَّهِ یَمِیناً أَسْتَثْنِی فِیهَا بِمَشِیئَهِ اللَّهِ- لَأَرُوضَنَّ نَفْسِی رِیَاضَهً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ- إِذَا قَدَرْتُ عَلَیْهِ مَطْعُوماً- وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً- وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِی کَعَیْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِینُهَا- مُسْتَفْرِغَهً دُمُوعَهَا- أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَهُ مِنْ رِعْیِهَا فَتَبْرُکَ- وَ تَشْبَعُ الرَّبِیضَهُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ- وَ یَأْکُلُ عَلِیٌّ مِنْ زَادِهِ فَیَهْجَعَ- قَرَّتْ إِذاً عَیْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِینَ الْمُتَطَاوِلَهِ- بِالْبَهِیمَهِ الْهَامِلَهِ وَ السَّائِمَهِ الْمَرْعِیَّهِ- طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا- وَ عَرَکَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِی اللَّیْلِ غُمْضَهَا- حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْکَرَى عَلَیْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا- وَ تَوَسَّدَتْ کَفَّهَا- فِی مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُیُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ- وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ- وَ هَمْهَمَتْ بِذِکْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ- وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ- أُولئِکَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- فَاتَّقِ اللَّهَ یَا ابْنَ حُنَیْفٍ وَ لْتَکْفُفْ أَقْرَاصُکَ- لِیَکُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُکَ«»
اللغه
أقول: المأدبه بالضمّ: الطعام یدعى إلیه. و العائل: الفقیر. و القضم: الأکل بأدنى الفم. و الطمر: الثوب الخلق. و الوفر: المال الکثیر. و فدک: اسم قریه کانت لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله. و الجدث: القبر. و أضغطها: ضیّقها. و القمح: الحنطه. و النسائج: جمع نسجه بمعنى منسوجه. و الجشع. أشدّ الحرص على الطعام. و المبطان: عظیم البطن لکثره الأکل. و غرثى: جایعه. و البطنه: الکظّه و هی الامتلاء من الطعام و التقمّم: تتبّع القمامه و هی الکناسه. و تکترش: تملأ کرشها. و اسدى: الملقى المهمل. و الروائع: الأشجار الّتی تروع بنضارتها. و البدویّه: النباتات الّتی لا یسقیها إلّا ماء المطر. و المرکوس: المردود مقلوبا کالمنکوس. و المداحض: المزالق، و ازورّ أخذ جانبا. و اعزبی. ابعدی. یقال: عزب الرجل- بالفتح- : إذا بعد. و سلس الرجل یسلس بکسر اللام فی المستقبل: سهل قیاده. و الریاضه: التأدیب و التعوید. و الربیضه: الجماعه الرابضه من الغنم. و تجافت: أی بانت و ارتفعت. و الهمهمه: الصوت الخفیّ.
و فی الکتاب مقاصد:
الأوّل: أشار إلى ما یرید عتابه علیه
و هو إجابته إلى المأدبه مسرعا یستطاب له الألوان و تنقل إلیه الجفان، و أعلمه أنّه بلغه ذلک مقرّرا له لیحسن توبیخه، و ذلک فی قوله: أمّا بعد. إلى قوله: الجفان.
الثانی: أشار على وجه المعاتبه إلى تخطئته فی ذلک
بقوله: و ما ظننت أنّک إلى کذا: أى کان ظنّی فیک من الورع أنّک تنزّه نفسک عن الإجابه إلى طعام قوم لا یلتفتون إلى فقرائهم، و یقصرون الدعوه و الکرامه على أغنیائهم و امرائهم، و وجه الخطاء فی إجابه داعی هؤلاء أنّ تخصیصهم الأغنیاء دون الفقراء بالکرامه و الدعوه دلیل واضح على أنّهم إنّما یریدون بذلک الدنیا و السمعه و الرئاء دون وجه اللّه تعالى، و من کان کذلک فإجابته موافقه له على ذلک و رضى بفعله، و ذلک خطاء کبیر خصوصا من أمراء الدین المتمکّنین من إنکار المنکرات.
الثالث: أمره أن یحترز فیما یتّفق له أن یقع فیه من ذلک
بالنظر إلى ما یحضر من الطعام فما وجد فیه شبهه حرام و لم یحقّق حاله فلیترکه، و ما تیقّن حلّه و طیب وجه اکتسابه ببراءه عن الشبهه فینال منه، و کنّى عنه بالمقضم تحقیرا له و تقلیلا، و یفهم منه بحسب التأدیب الأوّل أنّ التنزّه عن هذا المباح أفضل له من تناوله.
الرابع: نبّهه بعد ذلک بقوله: ألا و إنّ. إلى قوله: علمه. على أنّ له إماما یجب أن یقتدى به
و هو تمثیل فی قوّه قیاس کامل حذفت صغراه. فأصل التمثیل مطلق الإمام و المأموم، و علّته کونهما إماما و مأموما، و فرعه هو علیه السّلام و عامله، و حکمه وجوب الاقتداء. و تقدیر القیاس: أنّک مأموم لإمام، و کلّ مأموم لإمام فیجب علیه أن یقتدی بإمامه، ینتج أنّه یجب علیک أن تقتدی بإمامک و یستضیء بنور علمه.
الخامس: أردف ذلک بالبیّنه على ما یجب أن یقتدی به فیه من حاله فی دنیاه
و هو اکتفاؤه من ملبوسها بما یستر بدنه من طمریه: و من مطعومها بما یسدّ به فوره جوعه من قرصیه غیر ملتفت فیما لبسه إلى زینته فإنّ طمریه کانا عمامه و مدرعه قد استحیا من راقعها، و لا مکترث فیما طعمه بلذّه و طیب فإنّ قرصیه کانا من شعیر غیر منخول واحد بالغداه واحد بالعشیّ.
السادس: نبّه أصحابه على أنّ ریاضته تلک لا یستطاع لهم
فإنّها قوّه مشروطه باستعداد لم یصلوا إلیه. ثمّ أمرهم إذ کانت الحال کذلک أن یقصروا فى معونته على أنفسهم و ریاضته بالورع، و أراد به هنا الکفّ عن المحارم ثمّ بالاجتهاد فی الطاعه، و یحتمل أن یرید بالورع لزوم الأعمال الجمیله. ثمّ الاجتهاد فیها.
السابع: نبّه بالقسم البارّ على ردّ ما عساه یعرض لبعض الأذهان الفاسده فی حقّه علیه السّلام أنّ زهده فی الدنیا مشوب بریاء و سمعه
و أنّ وراءه محبّتها و جمعها و ادّخارها خصوصا و هو إمام الوقت و خلیفه الأرض فعدّد أنواع ما أفاء اللّه على المسلمین منها ثمّ أقسم أنّه لم یأخذ منه إلّا قوته، و شبّهه فی القلّه و الحقاره بقوت الأتان الدبره، و خصّها لأنّ ضعفها بالدبر و شغلها بألمه یقلّل قوتها. ثمّ بالغ فى وصف حقاره دنیاهم عنده فأخبر أنّها فی نظره و اعتباره أهون من عفصه مقره، و ظاهر أنّ من کان کذلک کیف یتصوّر محبّته للدنیا و عمله لها.
الثامن: أنّه لمّا قال فیما أقسم علیه من الدنیا: و لا حزت من أرضها شبرا.
استثنى من ذلک فدک
بقوله: بلى قد کانت لنا فدک من کلّ ما أظلّته السماء. و ذکرها فی معرض حکایه حاله و حال القوم معه على سبیل التشکّی و التظلّم ممن أخذها منهم إلى اللّه سبحانه و تسلیم الأمر له و الرضا بکونه حکما. و اعلم أنّ فدک کانت خاصّه لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و ذلک أنّه لمّا فرغ من أمر خیبر قذف اللّه فی قلوب أهل فدک الرعب فبعثوا إلیه صلّى اللّه علیه و آله یصالحونه على النصف فقبل ذلک منهم فکانت له خاصّه إذ لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب، و روى أنّه صالحهم على کلّها. ثمّ المشهور بین الشیعه و المتّفق علیه عندهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أعطاها فاطمه علیها السّلام، و رووا ذلک من طرق مختلفه: منها عن أبی سعید الخدری قال:
لمّا أنزلت وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أعطى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فاطمه علیها السّلام فدک فلمّا تولّى ابو بکر الخلافه عزم على أخذها منها. فأرسلت إلیه تطالبه بمیراثها من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و تقول: إنّه أعطانی فدکا فی حیاته و استشهدت على ذلک علیّا علیه السّلام و أمّ أیمن فشهدا لها بها. فأجابها عن المیراث بخبر رواه هو: نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث فما ترکناه فهو صدقه، و عن دعوى فدک أنّها لم تکن للنبیّ صلّى اللّه علیه و آله و إنّما کانت مالا للمسلمین فی یده یحمل به الرجال و ینفقه فی سبیل اللّه و أنا ألیه کما کان یلیه.
فلمّا بلغها ذلک لاثت خمارها و أقبلت فی لمّه من حفدتها و نساء قومها تطأ فی ذیولها حتّى دخلت علیه و معه جلّ المهاجرین و الأنصار فضربت بینها و بینهم قطیفه. ثمّ أنّت أنّه أجهش لها القوم بالبکاء. ثمّ أمهلت طویلا حتّى سکتوا من فورتهم«» و قالت: أبتدء بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد الحمد للّه على ما أنعم و له الشکر بما ألهم. ثمّ خطبت خطبه طویله قالت فی آخرها: فاتّقوا اللّه حقّ تقاته و أطیعوه فیما أمرکم فإنّما یخشى اللّه من عباده العلماء، و احمدوا اللّه الّذی بعظمته و نوره یبتغى من فی السماوات و من فی الأرض إلیه الوسیله، و نحن وسیلته فی خلقه، و نحن خاصّته و محلّ قدسه، و نحن حجّته فی غیبه، و نحن ورثه أنبیائه.
ثمّ قالت أنا فاطمه بنت محمّد. أقول عودا على بدء ما أقول ذلک شرفا و لا شططا فاسمعوا بأسماع واعیه. ثمّ قالت: لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ. فإن تعزوه تجدوه أبى دون آبائکم و أخا ابن عمّى دون رجالکم. ثمّ قالت: ثمّ أنتم تزعمون أن لا إرث لأبى أ فحکم الجاهلیه تبغون و من أحسن من اللّه حکما لقوم یوقنون ایها معشر الملّه. أفى کتاب اللّه أن ترث یا ابن أبی قحافه أباک و لا أرث أبى لقد جئت شیئا فریّا فدونکها مخطومه مرحوله تلقاک یوم حشرک فنعم الحکم اللّه و الزعیم محمّد و الموعد القیامه، و عندالساعه یخسر المبطلون، و لکلّ نبأ مستقرّ و سوف تعلمون من یأتیه عذاب مقیم قال: ثمّ التفتت إلى قبر أبیها فتمثّلت بقول هند بنت أمامه:
قد کان بعدک أنباء و هنبثه لو کنت شاهدها لم تکثر الخطب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم
لمّا قضیت و حالت دونک الترب
تجهّمتنا رجال و استخفّ بنا إذ غبت عنّا فنحن الیوم مغتصب
قال فلم یر الناس أکثر باکیا و باکیه منهم یومئذ. ثمّ عدلت إلى مسجد الأنصار، و قالت: یا معشر الأنصار و أعضاد الملّه و حضنه الإسلام ما هذه الفتره عن نصرتى و الونیه عن معونتی و الغمیزه فی حقّى و السنه عن ظلامتی أمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: المرء یحفظ فی ولده. سرعان ما أحدثتم، و عجلان ما آتیتم ألأن مات رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أمتّم دینه. ها إنّ موته لعمرى خطب جلیل استوسع وهیه و استنهر فتقه، و فقد راتقه، و أظلمت الأرض له، و خشعت الجبال، و أکدت الآمال. اضیع بعده الحریم و هتکت الحرمه و أزیلت المصونه، و تلک نازله أعلن بها کتاب اللّه قبل موته و أنبأکم بها قبل وفاته فقال: و ما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابکم و من ینقلب على عقبیه فلن یضرّ اللّه شیئا و سیجزی اللّه الشاکرین. ایها بنى قبیله أ اهضم تراث أبى و أنتم بمرأى و مسمع تبلغکم الدعوه و تشملکم الصوت، و فیکم العدّه و العدد، و لکم الدار و الجنن، و أنتم نجبه اللّه الّتى انتجت، و خیره اللّه الّتی اختار. فادیتم العرب، و ناطحتم الامم، و کافحتم البهم حتّى دارت بکم رحى الإسلام، و درّ حلبه و خبت نیران الحرب، و سکنت فوره الشرک، و هدأت دعوه الهرج، و استوثق نظام الدین. أفتأخّرتم بعد الإقدام، و جبنتم بعد الشجاعه عن قوم نکثوا أیمانهم من بعد إیمانهم و طعنوا فی دینکم. فقاتلوا أئمّه الکفر إنّهم لا أیمان لهم لعلّهم ینتهون.
ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض و رکنتم إلى الدعه و جحدتم الدین و وسّعتم الّذی سوّغتم. و إن تکفروا أنتم و من فی الأرض جمیعا فإنّ اللّه غنىّ حمید. ألا و قد قلت ما قلت على معرفه منّى بالخذله الّتی خامرتکم و خور القنا و ضعف الیقین فدونکموها فاحتبقوها مدبره الظهور ناقبه الخفّ باقیه العار موسومه الشنار موصوله بنار اللّه الموقده الّتى تطّلع على الأفئده فبعین اللّه ما تعملون. و سیعلم الذین ظلموا أىّ منقلب ینقلبون. ثمّ رجعت إلى بیتها و أقسمت أن لا تکلّم أبا بکر و لتدعونّ اللّه علیه، و لم تزل کذلک حتّى حضرتها الوفاه فأوصت أن لا یصلّى علیها فصلّى علیها العبّاس و دفنت لیلا، و روی أنّه لمّا سمع کلامها أحمد اللّه و أثنى علیه و صلّى على رسوله، ثمّ قال: یا خیره النساء و ابنه خیر الآباء و اللّه ما عدوت رأى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و لا عملت إلّا بأمره، و إنّ الرائد لا یکذب أهله قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت فغفر اللّه لنا و لک أمّا بعد فقد دفعت ألّه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و دابّته و حذاه إلى علىّ علیه السّلام، و أمّا ما سوى ذلک فإنّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول: إنّا معاشر الأنبیاء لا نورّث ذهبا و لا فضّه و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا و لکنّا نورّث الإیمان و الحکمه و العلم و السنّه، و قد عملت بما أمرنى و سمعت. فقالت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله قد وهبها لی. قال: فمن یشهد بذلک. فجاء علیّ بن أبی طالب و أمّ أیمن فشهدا لها بذلک فجاء عمر بن الخطاب و عبد الرحمن بن عوف فشهدا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقسّمها. فقال: أبو بکر صدقت یا ابنه رسول اللّه و صدق علىّ و صدقت أمّ أیمن و صدق عمر و صدق عبد الرحمن، و ذلک أنّ لک ما لأبیک کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یأخذ من فدک قوتکم و یقسّم الباقى و یحمل منه فی سبیل اللّه، و لک على اللّه أن أصنع بها کما کان یصنع. فرضیت بذلک و أخذت العهد علیه به. و کان یأخذ غلّتها فیدفع إلیهم منها ما یکفیهم. ثمّ فعلت الخلفاء بعده کذلک إلى أن ولّى معاویه فأقطع مروان ثلثها بعد الحسن علیه السّلام. ثمّ خلصت له فی خلافته و تداولها أولاده إلى أن انتهت إلى عمر بن عبد العزیز فردّها فی خلافته على أولاد فاطمه علیها السّلام قالت الشیعه: فکانت أوّل ظلامه ردّها. و قالت السنّه: بل استخلصها فی ملکه ثمّ وهبها لهم. ثمّ اخذت منهم بعده إلى أن انقضت دوله بنی أمیّه فردّها علیهم أبو العبّاس السفّاح. ثمّ قبضها المنصور. فردّها ابنه المهدى. ثمّ قبضها ولداه موسى و هرون. فلم یزل فی أیدى بنى العبّاس إلى زمن المأمون فردّها إلیهم و بقبت إلى عهد المتوکّل فأقطعها عبد اللّه بن عمر البازیار، و روى أنّه کان فیها إحدى عشره نخله غرسها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله بیده فکانت بنو فاطمه یهدون ثمرها إلى الحاجّ فیصلونهم عن ذلک بمال جلیل فبعث البازیار رجلا فصرمها و عاد إلى البصره ففلج، و فی هذه القصّه خبط کثیر بین الشیعه و مخالفیهم، و لکلّ من الفریقین کلام طویل. و لنرجع إلى المتن.
فنقول: أشار بالنفوس الّتی شحّت بها إلى أبی بکر و عمر و أتباعهما، و بالنفوس الّتی سمحت بها إلى وجوه بنى هاشم و من مال میلهم.
التاسع: استفهم عمّا یصنع بفدک و غیرها من القینات الدنیویّه
استفهام إنکار لوجه حاجته إلیها تسلیه لنفسه عنها و جذبا له عن الدنیا إلى الأعمال الصالحه بذکر غایه النفوس منها، و هی صیرورتها إلى الجدث، و لوازم تلک الغایه من انقطاع الآثار و غیبه الأخبار فیها و سایر ما عدّده من صفات الجدث، و إنّما عدّد هذه الأمور لأنّ الأوهام تنفر عنها و تخشع القلوب لذکرها. فتفزع إلى اللّه تعالى و یجذب إلى الأعمال الصالحه الّتی بها الخلاص من أهوال الموت و ما بعده.
و الواو فی قوله: و النفس. للحال.
العاشر: لمّا نبّه على أنّ فدک و غیرها من قینات الدنیا لا حاجه إلیها
أشار إلى حصر حاجته و غایته لنفسه و هى ریاضتها بالتقوى، و الضمیر کهو فی قوله فیما سبق: و إنّما هى الکوفه. و التقدیر: و إنّما همّتى و حاجتى ریاضه نفسى بالتقوى.
و اعلم أنّ ریاضه النفس تعود إلى نهیها عن هواها و أمرها بطاعه مولاها و هى مأخوذه من ریاضه البهیمه و هى منعها عن الإقدام على حرکات غیر صالحه لصاحبها و لا موافقه لمراده، و تمرینها على ما یوافق مراده من الحرکات، و القوّه الحیوانیّه الّتى هى مبدأ الإدراکات و الأفاعیل الحیوانیّه فی الإنسان إذا لم یکن لها طاعه القوّه العاقله ملکه کانت بمنزله بهیمه لم ترض فهى تتبع الشهوه تاره و الغضب اخرى، و غالب أحوالها أن تخرج فی حرکاتها عن العدل إلى أحد طرفى الإفراط و التفریط بحسب الدواعى المختلفه المتخیّله و المتوهّمه و یستخدم القوّه العاقله فی تحصیل مراداتها فتکون هى أمّاره و العاقله مؤتمره لها. أمّا إذا راضتها القوّه العاقله و منعتها عن التخیّلات و التوهّمات و الإحساسات و الأفاعیل المثیره للشهوه و الغضب و مرّنتها على ما یقتضیه العقل العملیّ و أدّبتها على طاعته بحیث یأتمر بأمرها و ینتهى لها کانت العقلیّه مطمئنّه لا تفعل أفعالا مختلفه المبادی و کانت باقى القوى مؤتمره
مسالمه لها. إذا عرفت ذلک فنقول: لمّا کان الغرض الأقصى من الریاضه إنّما هو نیل الکمال الحقیقىّ، و کان ذلک موقوفا على الاستعداد له، و کان حصول ذلک الاستعداد موقوفا على زوال الموانع الخارجیّه و الداخلیّه کان للریاضه أغراض ثلاثه: أحدها: حذف کلّ محبوب و مرغوب عدا الحقّ الأوّل سبحانه عن درجه الاعتبار و مستنّ الایثار. و هى الموانع الخارجیّه. و الثانی: تطویع النفس الأمّاره للنفس المطمئنّه لیجذب التخیّل و التوهّم عن الجانب السفلى إلى العلوى و یتبعهما سایر القوى فیزول الدواعى الحیوانیّه المذکوره. و هى الموانع الداخلیّه. الثالث: بعث السرّ و توجیهه إلى الجنّه العالیه لتلقّى السوانح الإلهیّه و تهیّئه لقبولها. و یعین على الغرض الأوّل الزهد الحقیقى و هی الإعراض عن متاع الدنیا و طیّباتها بالقلب، و على الثانی العباده المشفوعه بالفکر فی ملکوت السماوات و الأرض و ما خلق اللّه من شیء و عظمه الخالق سبحانه و الأعمال الصالحه المنویّه لوجهه خالصا. و عبّر علیه السّلام بالتقوى الّتی روّض بها نفسه عن هذه الامور المعیّنه و الأسباب المعدّه، و نبّه على غرضه الأقصى من الریاضه و هو الکمال الحقیقى و اللذّه به بذکر بعض لوازمه و هى أن یأتی نفسه آمنه من الفزع یوم الخوف الأکبر و هو یوم القیامه، و أن یثبت على جوانب المزلق و هو الصراط المستقیم فلا تمیل به الدواعی المختلفه عنه إلى أبواب جهنّم و مهاوى الهلاک. و استعار لفظ المزالق: لمظانّ زلل أقدام العقول فی الطریق إلى اللّه و جذب المیول الشهویّه و الغضبیّه عنها إلى الرذائل الموبقه.
الحادی عشر: نبّه على أنّ زهده فی الدنیا و اقتصاره منها
على الطمرین و القرصین و ترک ما سوى ذلک لیس عن عجزه عن تحصیل طیّبات مطعوماتها و ملبوساتها، و أنّه لو شاء لاهتدى إلى تحصیل تلک الطیّبات و لباب القمح و مصفّى العسل لأنّ الهریسه و العسل من أشهر الطیّبات بمکّه و الحجاز، و إنّما ترکه مع القدره علیه ریاضه لنفسه و إعدادا لها لتحصیل الکمالات الباقیه. و استثنى هنا نقیض الملزوم و هو عدم غلبه هواه لعقله و عدم قود جشعه له إلى تخیّر الأطعمه، و نبّه عن ذلک العدم بقوله: هیهات. فإنّ ما استبعد وقوعه من نفسه و أنکره فقد نفاه عنها و حکم بعدمه.
و أمّا أنّ ذلک العدم هو نقیض الملزوم بعینه فلأنّ الملزوم هنا هو المشیئه لتخیّر الطیّبات و غلبه الهوى للعقل على مقتضى رأیه فی ترکها و التنزّه عنها وقود الشهوه له إلى الموافقه على استعمالها، و المستثنى هاهنا هو عدم ذلک بعینه، و أمّا جواز استثنائه لنقیض المقدّم فلأنّ مشیئه تلک شرط مسا و لتخیّر الطیّبات و الاهتداء إلیها، و کان عدمه مستلزما لعدم مشروطه و أکثر استعمال لو فی لغه العرب على وجه أنّ الملزوم علّه للازمه أو شرط مساو له، و یستثنى نقیض الملزوم. و الواو فی قوله: و لعلّ. للحال: أى هیهات أن یغلبنی هواى إلى تخیّر الأطعمه حال ما یحتمل أن یکون بالحجاز و الیمامه من هو بصفه کذا. و قوله: أو أبیت. عطف على یقودنی داخل فیما استبعده من نفسه. و الواو فی قوله: و حولی. للحال، و العامل أبیت، و کذلک قوله: أو أن أکون. عطف على أبیت، و هما لازمان من لوازم نتیجه القیاس الاستثنائى فإنّ عدم إرادته لتخیّر الطیّبات لمّا استلزمه هنا عدم تناولها و استمتاعه بها استلزم ذلک أن لا یبیت مبطانا و حوله أکباد جائعه و أن لا یلحقه عار بذلک. و البیت تمثیل. غرضه التنفیر عن العار اللازم عن الاستمتاع بالطیّبات مع وجود ذوى الحاجه إلى یسیر الطعام، و نبّه على حسن هذه اللوازم بما قارن نقایضها من الأحوال المذکوره. و البیت لحاتم بن عبد اللّه الطائی من قطعه أوّلها:
أیا ابنه عبد اللّه و ابنه مالک و یا ابنه ذى البردین و الفرس النهد
إذا ما صنعت الزاد فالتمسى له أکیلا فإنّى لست آکله و حدى
قصیّا بعیدا أو قریبا فإنّنی
أخاف إذا متّ الأحادیث من بعدى
کفى بک عارا أن تبیت ببطنه و حولک أکباد تحنّ إلى القدّ
و إنّی لعبد الضیف ما دام نازلا
و ما فیّ لولا هذه شیمه العبد
و یروى حسبک داء. و أطلق علیه اسم الداء باعتبار أنّه رذیله تنفیرا عنه، و روى قوله: أو أبیت و قوله: أو أکون. مرفوعین، و الوجه فیه أن لا یکون أو حرف عطف بل تکون الهمزه للاستفهام. و الواو بعدها متحرّکه کالفاء فی قوله «أ فأصفاکم ربّکم بالبین» و یکون استفهام إنکار لبیانه مبطانا و لکونه کما قال القائل، و کذلک الاستفهام فی قوله: و أقنع من نفسی. فی معرض الإنکار لرضاء نفسه بأن یدعى أمیر المؤمنین و لا یشارکهم فی مکاره الدهر و جشوبه المطعم. و الواو فی قوله: و لا. للحال. و أو أکون عطف على اشارکهم فی حکم النفى.
الثانی عشر: نبّه على بعض العلل الحامله له على ترک الطیّبات و الزهد فی الدنیا.
و هو کونه لم یخلق لیشغله أکل الطیّبات عمّا یراد منه، و ذلک فی قوله: فما خلقت. إلى قوله: المتاهه، و نفّر عن الاشتغال بأکل الطیّبات بذکر ما یلزم المشتغل بذلک من مشابهه البهیمه، و أشار إلى وجه الشبه بقوله: همّها علفها. إلى قوله: یراد بها. و ذلک أنّ المشتغل بها إن کان غنیّا أشبه البهیمه المعلوفه فی اهتمامه بما یعتلفه من طعامه الحاضر، و إن کان فقیرا کان اهتمامه بما یکسبه و یقمّمه من حطام الدنیا ثمّ تعلیفه، و یملأ کرشه مع غفلته عمّا یراد منه کالسائمه الّتی همّها الاکتراش لقممه من الکناسات مع غفلتها عمّا یؤول إلیه حالها و یراد بها من ذبح و استخدام، و استعار لفظ الحبل و جرّه، و کنّى بذلک عن الاهمال و الإرسال کما ترسل البهیمه.
الثالث عشر: أشار إلى بعض ما عساه یعرض للأذهان الضعیفه من الشبهه،
و هی اعتقاد ضعفه عن قتال الأقران بسبب ذلک القوت النزر، و ذلک بقوله: و کأنّی.
إلى قوله: الشجعان.
ثمّ نبّه على الجواب عن ذلک من خمسه أوجه:
الأوّل: التمثیل بالشجره البریّه
قیاس نفسه علیها فی القوّه. فالأصل هو الشجره البریّه، و الفرع هو علیه السّلام، و المشترک الجامع بینهما هو قلّه الغذاء و جشوبه المطعم کقلّه غذاء الشجره البریّه و سوء رعیها، و الحکم عن ذلک هو صلابه أعضائه و قوّته کصلابه عود الشجره البریّه و قوّتها. ذلک دافع للشبهه المذکوره.
الثانی: تمثیل خصومه و أقرانه کمعاویه بالروائع الخضره
و هی الأصل فی هذا التمثیل، و الفرع هو خصومه و أقرانه، و المشترک الجامع بینهما هو الخضره و النضاره الحاصله عن الترفّه و لین المطعم، و الحکم اللازم عن ذلک هو رقّه الجلود و لینها و الضعف عن المقاومه و قلّه الصبر على المنازله و المیل إلى الدعه و الرفاهیّه، و الغرض أن یعلم کون أقرانه أضعف منه. فیندفع الشبهه.
الثالث: تمثیله بالنباتات العذیه
و هو کتمثیله بالشجره البرّیّه و الحکم هنا هو کونه أقوى على سعیر نار الحرب و أصبر على وقدها و أبطأ فتورا فیها و خمودا کالنباتات العذیه فی النار.
الرابع: تمثیله نفسه من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله بالضوء من الضوء.
و أصل هذا التمثیل هو الضوء من الضوء و فرعه نسبه نفسه من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و علّته الجامعه هی کون علومه و کمالاته النفسانیّه المشرقه مستفاده و مقتبسه من مصباح علم النبوّه و کمالاتها کالمعلول من العلّه و المصباح من الشعله.
الخامس: تمثیله منه صلّى اللّه علیه و آله بالذراع من العضد.
و الأصل فیه الذراع مع نسبته إلى العضد، و الفرع هو علیه السّلام منسوبا إلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله، و العلّه الجامعه هی قربه منه و قوّته به و کونه ظهیرا له و وسیله إلى حصول مقصوده من تمام الدین و کماله، و کون الرسول صلّى اللّه علیه و آله أصلا فی ذلک کقرب الذراع من العضد، و کون العضد أصلا له، و کون الذراع وسیله إلى التصرّف و البطش بالعضد، و الحکم فی هذین التمثیلین واحد و هو کونه علیه السّلام لا یضعف عن قتال الأقران و منازله الشجعان، و وجه لزوم هذا الحکم عن المشترک الأوّل أنّه لمّا کانت علومه الیقینیّه و بصیرته فی الدین یناسب بصیره رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله ذلک أعظم أمر یشجّعه و یقوّیه على قتال الأقران حمیه للدین، و کذلک عن المشترک الثانی.
ثمّ لمّا أثبت ذلک الحکم و نفى عنه الضعف المتوهّم فیه أکدّ ذلک بالقسم البارّ أنّه لو تعاونت العرب على قتاله لما ولّى عنها، و لو أمکنت الفرصه من رقابها یسارع إلیها: أی حین القتال و استحقاقهم للقتل بعداوتهم للدین و قبح العفو عنهم ملاحظه تشبّهه برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فی ذلک فی مبدء الإسلام فإنّه لم یکن لیضع العفو إلّا فی موضعه، و روی أنّه قتل فی یوم واحد ألف إنسان صبرا فی مقام واحد لما رأى فی ذلک من مصلحه الدین.
الرابع عشر: تواعد أن یجتهد فی تطهیر الأرض من هذا الشخص المعکوس و الجسم المرکوس
و أراد معاویه، و إنّما قال: شخصا و جسما ترجیحا لجانب البدن على النفس باعتبار عنایته بکمال بدنه دون کمال نفسه فکأنّه جسم و شخص فقط، و أشار بکونه معکوسا و مرکوسا إلى التفاته عن الجنبه العالیه و انتکاسه عن تلقّى الکمالات الروحانیّه إلى الجنبه السافله و ارتکاسه فی الدنیا و انعکاس وجه عقله إلى تحصیلها لذاتها و الاعتناء بجمعها [بجمیعها خ] فإن غرض العنایه الإلهیّه من خلق الإنسان أن یترقّى فی مدارج الکمال بعد حفظ فطرته الأصلیّه عن الدنس برذائل الأخلاق فإذا جذبته دواعى الأمّاره إلى الدنیا و غرّته بحبّها حتّى التفت إلیها لم یزل ینحطّ فی درکات محبّتها و بحسب ذلک یکون انتکاسه عن مراتب الکمال و ارتکاسه فی الرذائل و مهاوى الضلال، و تقیّده فیها بالسلاسل و الأغلال. و قوله: حتّى تخرج المدره من بین حبّ الحصید. إشعار لفظ المدره لمعاویه و حبّ الحصید للمؤمنین، و وجه المشابهه أنّه مخلص المؤمنین من وجود معاویه بینهم لیزکوا إیمانهم و یستقیم دینهم. إذ کان وجوده فیهم سببا عظیما لفساد عقائدهم و هلاک دینهم کما یفعل أهل البیادر من تصفیه الغلال و إخراج ما یشوبها و یفسدها من المدر و غیره. و قال الشارح عبد الحمید بن أبی- الحدید کما أنّ الزرّاع یجتهدون فی إخراج المدر و الحجر و الشوک و نحوه من بین الزرع کیلا یفسد منابته فیفسد ثمرته. و فیه نظر لأنّه لا معنى لإخراج الطین من الزرع، و لأنّ لفظ حبّ الحصید لا یفهم منه ذلک.
الخامس عشر: تمثّل الدنیا بصوره من یعقل
و خاطبها بخطاب العقلاء لیکون ذلک أوقع فی النفوس لغرابته. ثمّ أمرها بالتنحّى و البعد عنه کالمطلّق لها. و حبلک على غاربک کنایه عن الطلاق تمثیل. و أصله: أنّ الناقه إذا أرید إهمالها لترعى وضع حبلها على غاربها فضرب مثلا لکلّ من اهمل و اطلق عن الحکم. ثمّ جعلها ذات مخالب استعاره بالکنایه عن کونها کالأسد فی جذبها للإنسان بما فیها من الشهوات و القینات إلى الهلاک الأبد کما یجرّ الأسد فریسته، و کذلک جعلها ذات حبائل، و کنّى بهذا الوصف المستعار عن کونها تصید قلوب الرجال بشهواتها الوهمیّه فهی لها کحبائل الصاید، و استعار لفظ مداحضها لشهواتها و ملذّاتها أیضا باعتبار کونها مزالق أقدام العقول عن طریق اللّه و مصارع لها، و عبّر بجمیع ذلک عن زهده فیها و إبعادها فیها عن نفسه. ثمّ أخذ فی سؤالها عن القوم الّذین غرّتهم بمداعبها و الامم الّذین فتنتهم بزخارفها سؤالا على سبیل التوبیخ لها و الذمّ على فعلها ذلک بهم فی معرض التنفیر عنها، و هو من قبیل تجاهل العارف، و استعار لها لفظ المداعب جمع مدعبه بمعنى دعابه، و وجه المشابهه أنّها عند صفاء لذّاتها للخلق و اغترارهم بها ثمّ کرّها علیهم بعد ذلک بالأمر الجدّ یشبه من یمزح مع غیره و ینبسط معه بالأقوال و الأفعال اللیّنه لیغترّ به ثمّ یأتیه بعد ذلک بالأمر الجدّ فیؤذیه أو یهلکه، و إنّما نسب الغرور إلیها لکونها سببا مادّیا لذلک. و فی نسخه الرضی- رحمه اللّه- غرّرتیهم بإثبات الیاء، و وجهه أنّها حدثت من إشباع الکسره.
السادس عشر: أشار إلى غایتهم الّتى صاروا إلیها
و هی کونهم رهائن القبور و مضامین اللحود، و نبّه فی ذلک على أنّ غرورهم و فتنتهم بما لم یخلصهم من هذه الغایه کلّ ذلک الغرض التنفیر عنها. و ها للتنبیه، و استعار لفظ الرهائن لهم عتبار کونهم موثّقین فی القبور بأعمالهم کالرهن، و یحتمل أن یکون حقیقه، و یکون رهینه بمعنى راهنه و هى الأشخاص المقیمه بقبورها.
السابع عشر: أقسم أنّها لو کانت شخصا مرئیّا و قالبا حسّیّا
لأقام علیها حدود اللّه فی عباد غرّتهم بالأمانیّ و أوردتهم موارد البلاء حیث لا ورد و لا صدر: أی أنّ تلک الموارد لیس من شأنها أن یکون إلیها ورود و عنها صدر. ثمّ لمّا کان فی هذا الخطاب کالمعلم لها أنّه قد اطّلع على خداعها و غرورها قال کالمؤیس لها من نفسه هیهات: أی بعد اغترارى بک و رکونی إلیک. ثمّ نبّه على بعض العلل الحامله على على البعد عنها و النفره عن قربها و هی ما یلزم وطىء دحضها من الزلق، و رکوب لججها من الغرق، و الازورار عن حبائلها من التوفیق للسلامه، و ما یلزم السالم منها من عدم مبالاته بضیق مناخه، و کلّ مناخ أناخ به من فقر و سجن و مرض و بلاء بعد السلامه منها فهو فسیح رحب بالقیاس إلى ما یستلزم التفسّح فى سعتها و الجرى فى فی میادین شهواتها من العذاب الألیم فی الآخره، و هى عنده فی القصر و عدم الالتفات إلیها کیوم حان انسلاخه. و ألفاظ المداحض و اللجج و الحبال مستعار لشهواتها و لذّاتها.
فالأوّل: باعتبار کون شهواتها مظنّه أن تحبّ فینجرّ الإنسان عند استعمالها إلى الاستکثار منها أو تجاوز القدر المعتدل إلى المحرّم فتزّل قدم نفسه عن صراط اللّه فیقع فی مهاوى الهلاک و المئاثم. و الثانی: باعتبار أنّ مطالبها و الآمال فیها غیر متناهیه فمن لوازم المشتغل بها و المنهمک فى الدنیا أن یغرق نفسه فى بهر لا ساحل له منها فینقطع عن قبول رحمه الله الى الهلاک الابدى کالملقى نفسه فى بحر لجى. الثالث: باعتبار أن الانسان إذا اغترّ بها و حصل فی محبّه مشتهیاتها عاقته عن النهوض و التخلّص إلى جناب اللّه و منعته أن یطیر بجناحی قوّته العقلیّه فی حضره قدس اللّه و منازل أولیائه الأبرار کما تعوق حبائل الصائد جناح الطائر. و لفظ الوطى و الرکوب و الزلق و الغرق ترشیح. ثمّ کرّر الأمر لها بالبعد عنه و أقسم أنّه لا یذلّ لها فیستذلّه و لا یسلس لها قیاده فیقوده، و فیه تنبیه على أنّها لا یذلّ فیها إلّا من أذلّ نفسه و عبّدها لها و لا یملک إلّا قیاد من أسلس لها قیاده و هو ظاهر. إذ الإنسان ما دام قامعا لقوّته الحیوانیّه مصرفا لها بزمام عقله فإنّه من المحال أن یذلّه الدنیا و یستعبده أهلها و مهما اتّبع شهوته فیما تمثّل إلیه فإنّها تذلّه أشدّ إذلال و تستعبده أقوى استعباد کما قال علیه السّلام: عبد الشهوه أذلّ من عبد الرق. و استعار وصف إسلاس القیاد للتسهیل فی متابعه النفس العاقله للنفس الأمّاره و عدم التشدّد فی ضبطها باستعمال العقل عن متابعتها.
الثامن عشر: أقسم لیوقّعن ما صمّم عزمه علیه
و هو بصدده من ریاضه نفسه. و وصف تلک الریاضه فی قوّتها باستلزام أمرین: أحدهما: کون نفسه یهشّ معها إلى القرص و ترضى به إذا قدرت علیه مطعوما و تقنع بالملح مأدوما. و تلک ریاضه القوّه الشهویّه، و لمّا کانت عدوّا للنفس و أکثر الفساد یلحق بسبها خصّها بالذکر و قوّه العزم، و یحتمل أن یرید ریاضه جمیع القوى و إنّما وصفها بکون النفس تهش معها إلى القرص لأنّ ضبط الشهوه أعظم من ضبط سائر القوى و أصعب و کانت الإشاره إلى ضبطها إلى الحدّ المذکور أبلغ فی وصف الریاضه بالشدّه، و استثنى فی یمینه بمشیئه اللّه أدبا لقوله تعالى وَ لا تَقُولَنَّ لِشَیْءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ غَداً إِلَّا أَنْ یَشاءَ«» و تنبیها على استناد جمیع الامور فی سلسله الحاجه إلى اللّه تعالى. الثانی: کونه یدع مقلته فی تلک الریاضه کعین ماء نضب ماؤها، و وجه الشبه أن یفنى دموعها و یستفرغها بالبکاء شوقا إلى الملأ الأعلى و ما اعدّ لأولیاء اللّه من السعاده الأبدیّه و خوفا من حرمانها. و من کان فی مقام الغربه و محلّ الوحشه کیف لا یشتاق إلى وطنه الأصلیّ و مقام انسه الأوّلىّ. و مطعوما و مأدوما و مستفرغه أحوال. ثمّ أخذ فی تمثیل نفسه بالسائمه و الربیضه على تقدیر أن یرضى بمثل حالهما و غایتهما من الدنیا فی معرض الإنکار لذلک الرضا من نفسه، و الأصل فی ذلک التمثیل البهیمه، و الفرع هو علیه السّلام، و المشترک الجامع هو الرعى و الشبع و البروک و النوم و الراحه. و لمّا کان الأصل المقیس علیه فی غایه من الخسّه بالقیاس إلى الإنسان الکامل استلزم ذلک التشبیه به قوّه النفره عمّا یستلزم التشبیه من الصفات. و قوله: قرّت إذن عینه. إخبار فی معرض الإنکار و الاستهزاء باللذّه کقوله تعالى ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْکَرِیمُ«»،
التاسع عشر: نبّه على أنّ النفس إذا کانت بالصفات المذکوره فلها استحقاق طوبى.
و جمع فی تلک الصفات أکثر مکارم الأخلاق: فالاولى: القیام بواجب طاعه اللّه و ما افترضه علیها. الثانیه: قوله: و عرکت بجنبها بؤسها. کنایه عن الصبر على نزول المصائب.
یقال: عرک فلان بجنبه الأذى، إذا أغضى عمّن یؤذیه و صبر على فعله به. و یلازم ذلک عدّه فضائل کالحلم و الکرم و العفو و الصفح و التجاوز و کظم الغیظ و احتمال المکروه و العفّه و نحوها. الثالثه: أن تهجر باللیل غمضها، و هو کنایه عن إحیاء لیلها بعباده ربّها و اشتغالها بذکره حتّى إذا غلب النوم علیها افترشت أرضها و توسّدت کفّها: أى لم یکن لها کلفه فی تهیّه فراش و طیب و ساد بل کانت بریّه عن کلّ کلفه عریّه عن کلّ قینه منزّهه عن کلّ ترفه. و قوله: فی معشر. یصلح تعلّقه بکلّ من أفعال النفس المذکوره: أى فعلت هذه الأفعال فی جمله معشر من شأنهم کذا. و عرّفهم بصفات أربع: أحدها: کونهم أسهر عیونهم خوف معادهم. الثانی: و تجافت جنوبهم من مضاجعهم. و هو کنایه عن اشتغالهم لیلا بعباده ربّهم کقوله تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ«». الثالث: و همهمت بذکر ربّهم شفاهم کقوله تعالى یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً«».الرابع: و تقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم، و هو لازم عن الثلاثه الاولى أو ثمره لها، و استعار لفظ التقشّع لانمحاء ذنوبهم، و وجه المشابهه أنّ الذنوب و الهیئات البدنیّه فی تسویدها لألواح النفوس و تغطیتها و حجبها لها عن قبول أنوار اللّه یشبه المتراکم الحاجب لوجه الأرض عن قبول نور الشمس و الاستعداد بها للنبات و غیره فاستعار لزوالها و انمحائها من ألواح النفوس لفظ التقشّع. کلّ ذلک للترغیب فی طاعه اللّه و الجذب إلى الدخول فی زمره أولیائه و باللّه التوفیق.
شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۵ ، صفحهى ۹۹
بازدیدها: ۳۱