خطبه ۱۷۹ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۷۹ و من خطبه له ع

لَا یَشْغَلُهُ شَأْنٌ وَ لَا یُغَیِّرُهُ زَمَانٌ- وَ لَا یَحْوِیهِ مَکَانٌ وَ لَا یَصِفُهُ لِسَانٌ- لَا یَعْزُبُ عَنْهُ عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ وَ لَا نُجُومِ السَّمَاءِ- وَ لَا سَوَافِی الرِّیحِ فِی الْهَوَاءِ- وَ لَا دَبِیبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا- وَ لَا مَقِیلُ الذَّرِّ فِی اللَّیْلَهِ الظَّلْمَاءِ- یَعْلَمُ مَسَاقِطَ الْأَوْرَاقِ وَ خَفِیِّ طَرْفِ الْأَحْدَاقِ- وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ غَیْرَ مَعْدُولٍ بِهِ- وَ لَا مَشْکُوکٍ فِیهِ وَ لَا مَکْفُورٍ دِینُهُ- وَ لَا مَجْحُودٍ تَکْوِینُهُ شَهَادَهَ مَنْ صَدَقَتْ نِیَّتُهُ- وَ صَفَتْ دِخْلَتُهُ وَ خَلَصَ یَقِینُهُ وَ ثَقُلَتْ مَوَازِینُهُ- وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ الَمْجُتْبَىَ مِنْ خَلَائِقِهِ- وَ الْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ وَ الْمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ کَرَامَاتِهِ- وَ الْمُصْطَفَى لِکَرَائِمِ رِسَالَاتِهِ- وَ الْمُوَضَّحَهُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى وَ الْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِیبُ الْعَمَى لا یشغله أمر- لأن الحی الذی تشغله الأشیاء- هو الحی العالم بالبعض دون البعض- و القادر على البعض دون البعض- فأما من لا یغیب عنه شی‏ء أصلا- و لا یعجز عن شی‏ء أصلا- و لا یمنعه من إیجاد مقدوره إذا أراد مانع أصلا- فکیف یشغله شأن- .

و کذلک لا یغیره زمان لأنه واجب الوجود- و لا یحویه مکان لأنه لیس بجسم-و لا یصفه لسان لأن کنه ذاته غیر معلوم- و إنما المعلوم منه إضافات أو سلوب- . و لا یعزب عنه أمر من الأمور أی لا یفوته علم شی‏ء أصلا- . و السوافی التی تسفی التراب أی تذروه- . و الصفا مقصور الصخر الأملس- و لا وقف علیها هاهنا لأن المقصور لا یکون فی مقابله الممدود- و إنما الفقره المقابله للهواء هی الظلماء- و یکون الصفا فی أدراج الکلام أسوه بکلمه من الکلمات- و الذر صغار النمل- . و یعلم مساقط الأوراق من قوله تعالى- وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَهٍ إِلَّا یَعْلَمُها- . و طرف الأحداق مصدر طرف البصر یطرف طرفا- إذا انطبق أحد الجفنین على الآخر- و لکونه مصدرا وقع على الجماعه کما وقع على الواحد- فقال ع طرف الأحداق- کما قال سبحانه لا یَرْتَدُّ إِلَیْهِمْ طَرْفُهُمْ- . و غیر معدول به غیر مسوى بینه و بین أحد- . و الدخله بکسر الدال باطن الأمر و یجوز الدخله بالضم- .

و المعتام المختار و العیمه بالکسر خیار المال- اعتام الرجل إذا أخذ العیمه- . فإن قلت لفظه معتام و مختار تصلح للفاعل و المفعول- فما ذا یفصل بینهما- . قلت بما یقترن باللفظ من الکلام قبله و بعده- . فإن قلت فهل یختلفان فی التقدیر فی صناعه النحو- و إن اتفقا فی اللفظ- . قلت نعم فإن عین الکلمه یاء مفتوح ما قبلها- فإن أردت الفاعل فهی مکسوره- و تقدیره مختیر مثل مخترع- و إن کان مفعولا فهی مفتوحه-و تقدیره مختیر مثل مخترع- و على کلا التقدیرین لا بد من انقلاب الیاء ألفا- و اللفظ واحد- و لکن یقدر على الألف کسره للفاعل و فتحه للمفعول- و کذلک القول فی معتام و مضطر و نحوهما- .

و حکی أن بعض المتکلمین من المجبره قال- أسمی العبد مضطرا إلى الفعل إذا فعله- و لا أسمی الله تعالى مضطرا إلیه- . قیل فکیف تقول قال مضطر بکسر الطاء- فضحک أهل المجلس منه- . و العقائل جمع عقیله- و هی کریمه کل شی‏ء من الناس و الإبل و غیر ذلک- و یقال للذره عقیله البحر- . و أشراط الهدى علاماته و منه أشراط الساعه- قال تعالى فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها- . و الغربیب الأسود الشدید السواد- و یجلى به غربیب العمى- تکشف به ظلم الضلال و تستنیر بهدایته- و قوله تعالى وَ غَرابِیبُ سُودٌ- لیس على أن الصفه قد تقدمت على الموصوف- بل یجعل السود بدلا من الغرابیب- .

فإن قلت الهاء فی حقائقه إلى ما ذا ترجع- . قلت إلى البارئ سبحانه- و حقائقه حقائق توحیده و عدله فالمضاف محذوف- و معنى حقائق توحیده الأمور المحققه الیقینیه- التی لا تعتریها الشکوک و لا تتخالجها الشبه- و هی أدله أصحابنا المعتزله- التی استنبطوها بعقولهم بعد أن دلهم إلیها- و نبههم على طرق استنباطها رسول الله ص- بواسطه أمیر المؤمنین ع- لأنه إمام المتکلمین- الذی لم یعرف علم الکلام من أحد قبله‏:

أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ الدُّنْیَا تَغُرُّ الْمُؤَمِّلَ لَهَا وَ الْمُخْلِدَ إِلَیْهَا- وَ لَا تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِیهَا وَ تَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَیْهَا- وَ ایْمُ اللَّهِ مَا کَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِی غَضِّ نِعْمَهٍ مِنْ عَیْشٍ- فَزَالَ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوبٍ اجْتَرَحُوهَا- لِأَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ- وَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ حِینَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وَ تَزُولَ عَنْهُمُ النِّعَمُ- فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِیَّاتِهِمْ وَ وَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ- لَرَدَّ عَلَیْهِمْ کُلَّ شَارِدٍ وَ أَصْلَحَ لَهُمْ کُلَّ فَاسِدٍ- وَ إِنِّی لَأَخْشَى عَلَیْکُمْ أَنْ تَکُونُوا فِی فَتْرَهٍ- وَ قَدْ کَانَتْ أُمُورٌ مَضَتْ مِلْتُمْ فِیهَا مَیْلَهً- کُنْتُمْ فِیهَا عِنْدِی غَیْرَ مَحْمُودِینَ- وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَیْکُمْ أَمْرُکُمْ إِنَّکُمْ لَسُعَدَاءُ- وَ مَا عَلَیَّ إِلَّا الْجُهْدُ- وَ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ المخلدالمائل إلیها- قال تعالى وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ- . و لا تنفس بمن نافس فیها لا تضن به- أی من نافس فی الدنیا فإن الدنیا تهینه و لا تضن به- کما یضن بالعلق النفیس- . ثم قال و تغلب من غلب علیها- أی من غلب على الدنیا مقاهره- فسوف تغلبه الدنیا و تهلکه- .

ثم أقسم أنه ما کان قوم فی غض نعمه أی فی نعمه غضه- أی طریه ناضره- فزالت عنهم‏ إلا بذنوب اجترحوها أی اکتسبوها- و هذا یکاد یشعر بمذهب أهل التناسخ- و من قال إن الألم لا یحسن أن یفعله الحکیم سبحانه و تعالى- بالحیوانات إلا مستحقا فأما مذهب أصحابنا فلا یتخرج هذا الکلام علیه- لأنه یجوز عندهم أن تزول النعم عن الناس- لضرب من اللطف مضاف إلى عوض- یعوضهم الله تعالى به فی الآخره- فیجب أن یحمل هذا الکلام لا على عمومه- بل على الأکثر و الأغلب- . ثم قال ع- لو أن الناس عند حلول النقم بهم- و زوال النعم عنهم یلتجئون إلى الله تعالى تائبین من ذنوبهم- لرفع عنهم النقمه و أعاد إلیهم النعمه- . و الوله کالتحیر یحدث عند الخوف أو الوجد- و الشارد الذاهب- .

قوله و إنی لأخشى علیکم أن تکونوا فی فتره- أی فی أمر جاهلیه- لغلبه الضلال و الجهل على الأکثرین منهم- . و هذه خطبه خطب بها ع بعد قتل عثمان- فی أول خلافته ع- و قد تقدم ذکر بعضها و الأمور التی مالوا فیها علیه- اختیارهم عثمان و عدولهم عنه یوم الشورى- . و قال لئن رد علیکم أمرکم- أی أحوالکم التی کانت أیام رسول الله ص- من صلاح القلوب و النیات إنکم سعداء- . و الجهد بالضم الطاقه- . ثم قال لو أشاء أن أقول لقلت- أی لو شئت لذکرت سبب التحامل علی و تأخری عن غیری- و لکنی لا أشاء ذلک و لا أستصلح ذکره- .

ثم قال عفا الله عما سلف- لفظ مأخوذ من الکتاب العزیز- عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَ مَنْ عادَ- فَیَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَ اللَّهُ عَزِیزٌ ذُو انْتِقامٍ- . و هذا الکلام یدل على مذهب أصحابنا- فی أن ما جرى من عبد الرحمن و غیره فی یوم الشورى- و إن کان لم یقع على الوجه الأفضل- فإنه معفو عنه مغفور لفاعله- لأنه لو کان فسقا غیر مغفور- لم یقل أمیر المؤمنین ع عفا الله عما سلف

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۰

بازدیدها: ۱۶

خطبه ۱۷۸ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(معنى الحکمین)

۱۷۸ و من کلام له ع فی معنى الحکمین

فَأَجْمَعَ رَأْیُ مَلَئِکُمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَیْنِ- فَأَخَذْنَا عَلَیْهِمَا أَنْ یُجَعْجِعَا عِنْدَ الْقُرْآنِ وَ لَا یُجَاوِزَاهُ- وَ تَکُونُ أَلْسِنَتُهُمَا مَعَهُ وَ قُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ فَتَاهَا عَنْهُ- وَ تَرَکَا الْحَقَّ وَ هُمَا یُبْصِرَانِهِ- وَ کَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا وَ الِاعْوِجَاجُ دَأْبَهُمَا- وَ قَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَیْهِمَا فِی الْحُکْمِ بِالْعَدْلِ- وَ الْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْیِهِمَا وَ جَوْرَ حُکْمِهِمَا- وَ الثِّقَهُ فِی أَیْدِینَا لِأَنْفُسِنَا حِینَ خَالَفَا سَبِیلَ الْحَقِّ- وَ أَتَیَا بِمَا لَا یُعْرَفُ مِنْ مَعْکُوسِ الْحُکْمِ الملأ الجماعه- و یجعجعا یحبسا نفوسهما و آراءهما عند القرآن- جعجعت أی حبست- أخذت علیهما العهد و المیثاق أن یعملا بما فی القرآن- و لا یتجاوزاه- . فتاها عنه أی عدلا و ترکا الحق على علم منهما به- . و الدأب العاده و سوء رأیهما منصوب- لأنه مفعول سبق و الفاعل استثناؤنا- . ثم قال و الثقه فی أیدینا- أی نحن على برهان و ثقه من أمرنا- و لیس بضائر لنا ما فعلاه لأنهما خالفا الحق- و عدلا عن الشرط و عکسا الحکم- .

و روى الثوری عن أبی عبیده قال- أمر بلال بن أبی برده- و کان قاضیا بتفریق بین رجل و امرأته- فقال الرجل یا آل أبی موسى إنما خلقکم الله للتفریق بین المسلمین

کتاب معاویه إلى عمرو بن العاص و هو على مصر

کتب معاویه إلى عمرو بن العاص و هو على مصر- قد قبضها بالشرط الذی اشترط على معاویه- أما بعد فإن سؤال أهل الحجاز و زوار أهل العراق کثروا علی- و لیس عندی فضل عن أعطیات الحجاز- فأعنی بخراج مصر هذه السنه- فکتب عمرو إلیه-

معاوی إن تدرکک نفس شحیحه
فما مصر إلا کالهباءه فی الترب‏

و ما نلتها عفوا و لکن شرطتها
و قد دارت الحرب العوان على قطب‏

و لو لا دفاعی الأشعری و رهطه
لألفیتها ترغو کراغیه السقب‏

 ثم کتب فی ظاهر الکتاب- و رأیت أنا هذه الأبیات- بخط أبی زکریا یحیى بن علی الخطیب التبریزی رحمه الله-

معاوی حظی لا تغفل
و عن سنن الحق لا تعدل‏

أ تنسى مخادعتی الأشعری‏
و ما کان فی دومه الجندل‏

ألین فیطمع فی غرتی
و سهمی قد خاض فی المقتل‏

فألمظه عسلا باردا
و أخبأ من تحته حنظلی‏

و أعلیته المنبر المشمخر
کرجع الحسام إلى المفصل‏

فأضحی لصاحبه خالعا
کخلع النعال من الأرجل‏

و أثبتها فیک موروثه
ثبوت الخواتم فی الأنمل‏

وهبت لغیری وزن الجبال
و أعطیتنی زنه الخردل‏

و إن علیا غدا خصمنا
سیحتج بالله و المرسل‏

و ما دم عثمان منج لنا
فلیس عن الحق من مزحل‏

 فلما بلغ الجواب إلى معاویه- لم یعاوده فی شی‏ء من أمر مصر بعدها- . بعث عبد الملک روح بن زنباع- و بلال بن أبی برده بن أبی موسى- إلى زفر بن الحارث الکلابی بکلام- و حذرهما من کیده و خص بالتحذیر روحا- فقال یا أمیر المؤمنین إن أباه کان المخدوع یوم دومه الجندل لا أبی- فعلام تخوفنی الخداع و الکید- فغضب بلال و ضحک عبد الملک

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۰

بازدیدها: ۱۴

خطبه ۱۷۷ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۷۷ و من خطبه له ع

انْتَفِعُوا بِبَیَانِ اللَّهِ وَ اتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللَّهِ- وَ اقْبَلُوا نَصِیحَهَ اللَّهِ- فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَیْکُمْ بِالْجَلِیَّهِ وَ أَخَذَ عَلَیْکُمُ الْحُجَّهَ- وَ بَیَّنَ لَکُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَ مَکَارِهَهُ مِنْهَا- لِتَتَّبِعُوا هَذِهِ وَ تَجْتَنِبُوا هَذِهِ- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یَقُولُ- إِنَّ الْجَنَّهَ حُفَّتْ بِالْمَکَارِهِ- وَ إِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ- وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَهِ اللَّهِ شَیْ‏ءٌ إِلَّا یَأْتِی فِی کُرْهٍ- وَ مَا مِنْ مَعْصِیَهِ اللَّهِ شَیْ‏ءٌ إِلَّا یَأْتِی فِی شَهْوَهٍ- فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ وَ قَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ- فَإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَیْ‏ءٍ مَنْزِعاً- وَ إِنَّهَا لَا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِیَهٍ فِی هَوًى- وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا یُمْسِی وَ لَا یُصْبِحُ- إِلَّا وَ نَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ- فَلَا یَزَالُ زَارِیاً عَلَیْهَا وَ مُسْتَزِیداً لَهَا- فَکُونُوا کَالسَّابِقِینَ قَبْلَکُمْ وَ الْمَاضِینَ أَمَامَکُمْ- قَوَّضُوا مِنَ الدُّنْیَا تَقْوِیضَ الرَّاحِلِ وَ طَوَوْهَا طَیَّ الْمَنَازِلِ أعذر إلیکم- أوضح عذره فی عقابکم إذا خالفتم أوامره- و الجلیه الیقین- و إنما أعذر إلیهم بذلک- لأنه مکنهم من العلم الیقینی بتوحیده و عدله- و أوجب علیهم ذلک فی‏ عقولهم- فإذا ترکوه ساغ فی الحکمه تعذیبهم و عقوبتهم- فکأنه قد أبان لهم عذره أن لو قالوا لم تعاقبنا- . و محابه من الأعمال هی الطاعات التی یحبها- و حبه لها إراده وقوعها من المکلفین- و مکارهه من الأعمال القبائح التی یکرهها منهم- و هذا الکلام حجه لأصحابنا على المجبره- و الخبر الذی رواه ع مروی فی کتب المحدثین- و هو قول رسول الله ص حجبت الجنه بالمکاره و حفت النار بالشهوات- و من المحدثین من یرویه حفت فیهما- و لیس منهم من یرویه حجبت فی النار- و ذلک لأن لفظ الحجاب- إنما یستعمل فیما یرام دخوله- و ولوجه لمکان النفع فیه- و یقال حجب زید عن مأدبه الأمیر- و لا یقال حجب زید عن الحبس- .

ثم ذکر ع أنه لا طاعه إلا فی أمر تکرهه النفس- و لا معصیه إلا بمواقعه أمر تحبه النفس و هذا حق- لأن الإنسان ما لم یکن متردد الدواعی لا یصح التکلیف- و إنما تتردد الدواعی إذا أمر بما فیه مشقه- أو نهی عما فیه لذه و منفعه- . فإن قلت أ لیس قد أمر الإنسان بالنکاح و هو لذه- قلت ما فیه من ضرر الإنفاق- و معالجه أخلاق النساء یربی على اللذه الحاصله فیه مرارا- . ثم قال ع رحم الله امرأ نزع عن شهوته أی أقلع- . و قمع هوى نفسه أی قهره- . ثم قال فإن هذه النفس أبعد شی‏ء منزعا أی مذهبا- قال أبو ذؤیب

و النفس راغبه إذا رغبتها
و إذا ترد إلى قلیل تقنع‏

و من الکلامالمروی عنه ع و یروى أیضا عن غیره أیها الناس إن هذه النفوس طلعه- فإلا تقدعوها تنزع بکم إلى شر غایه- . و قال الشاعر-

و ما النفس إلا حیث یجعلها الفتى
فإن أطمعت تاقت و إلا تسلت‏

ثم قال ع نفس المؤمن ظنون عنده- الظنون البئر التی لا یدرى أ فیها ماء أم لا- فالمؤمن لا یصبح و لا یمسی إلا و هو على حذر من نفسه- معتقدا فیها التقصیر و التضجیع فی الطاعه- غیر قاطع على صلاحها و سلامه عاقبتها- . و زاریا علیها عائبا زریت علیه عبت- . ثم أمرهم بالتأسی بمن کان قبلهم- و هم الذین قوضوا من الدنیا خیامهم أی نقضوها- و طووا أیام العمر کما یطوی المسافر منازل طریقه: وَ اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِی لَا یَغُشُّ- وَ الْهَادِی الَّذِی لَا یُضِلُّ وَ الْمُحَدِّثُ الَّذِی لَا یَکْذِبُ- وَ مَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِیَادَهٍ أَوْ نُقْصَانٍ- زِیَادَهٍ فِی هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى- وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَیْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَهٍ- وَ لَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ‏غِنًى- فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِکُمْ- وَ اسْتَعِینُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِکُمْ- فَإِنَّ فِیهِ شِفَاءً مِنْ أَکْبَرِ الدَّاءِ- وَ هُوَ الْکُفْرُ وَ النِّفَاقُ وَ الْغَیُّ وَ الضَّلَالُ- فَاسْأَلُوا اللَّهَ بِهِ وَ تَوَجَّهُوا إِلَیْهِ بِحُبِّهِ- وَ لَا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ- إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ- وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَ قَائِلٌ مُصَدَّقٌ- وَ أَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ یَوْمَ الْقِیَامَهِ شُفِّعَ فِیهِ- وَ مَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ یَوْمَ الْقِیَامَهِ صُدِّقَ عَلَیْهِ- فَإِنَّهُ یُنَادِی مُنَادٍ یَوْمَ الْقِیَامَهِ- أَلَا إِنَّ کُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِی حَرْثِهِ وَ عَاقِبَهِ عَمَلِهِ- غَیْرَ حَرَثِهِ الْقُرْآنِ- فَکُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَ أَتْبَاعِهِ- وَ اسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّکُمْ وَ اسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِکُمْ- وَ اتَّهِمُوا عَلَیْهِ آرَاءَکُمْ وَ اسْتَغِشُّوا فِیهِ أَهْوَاءَکُمْ غشه یغشه بالضم غشا خلاف نصحه- و اللأواء الشده- . و شفع له القرآن شفاعه بالفتح- و هو مما یغلط فیه العامه فیکسرونه- و کذلک تبعت کذا بکذا أتبعته مفتوح أیضا- .

و محل به إلى السلطان قال عنه ما یضره- کأنه جعل القرآن یمحل یوم القیامه عند الله بقوم- أی یقول عنهم شرا و یشفع عند الله لقوم- أی یثنی علیهم خیرا- . و الحارث المکتسب و الحرث الکسب- و حرثه القرآن المتاجرون به الله- . و استنصحوه على أنفسکم- أی إذا أشار علیکم بأمر- و أشارت علیکم أنفسکم بأمر یخالفه- .فاقبلوا مشوره القرآن دون مشوره أنفسکم- و کذلک معنى قوله- و اتهموا علیه آراءکم و استغشوا فیه أهواءکم
فصل فی القرآن و ذکر الآثار التی وردت بفضله

و اعلم أن هذا الفصل- من أحسن ما ورد فی تعظیم القرآن و إجلاله- و قد قال الناس فی هذا الباب فأکثروا- . و من الکلام المروی عن أمیر المؤمنین ع فی ذکر القرآن أیضا مارواه ابن قتیبه فی کتاب عیون الأخبار عنه ع أیضا و هو مثل المؤمن الذی یقرأ القرآن کمثل الأترجه- ریحها طیب و طعمها طیب- و مثل المؤمن الذی لا یقرأ القرآن- کمثل التمره طعمها طیب و لا ریح لها- و مثل الفاجر الذی یقرأ القرآن کمثل الریحانه- ریحها طیب و طعمها مر- و مثل الفاجر الذی لا یقرأ القرآن مثل الحنظله طعمها مر- و ریحها منتنهو قال الحسن رحمه الله قراء القرآن ثلاثه- رجل اتخذه بضاعه فنقله من مصر إلى مصر- یطلب به ما عند الناس- و رجل حفظ حروفه و ضیع حدوده- و استدر به الولاه و استطال به على أهل بلاده- و قد کثر الله هذا الضرب من حمله القرآن- لا کثرهم الله- و رجل قرأ القرآن فبدأ بما یعلم من دواء القرآن- فوضعه على داء قلبه فسهر لیله- و انهملت عیناه و تسربل بالخشوع و ارتدى بالحزن- فبذاک و أمثاله یسقى الناس الغیث- و ینزل النصر و یدفع البلاء- و الله لهذا الضرب من حمله القرآن أعز- و أقل من الکبریت الأحمروفی الحدیث المرفوع إن من تعظیم جلال الله إکرام ذی الشیبه فی الإسلام- و إکرام الإمام العادل و إکرام حمله القرآنوفی الخبر المرفوع أیضا لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو- فإنی أخاف أن یناله العدو- . و کانت الصحابه تکره بیع المصاحف و تراه عظیما- و کانوا یکرهون أن یأخذ المعلم على تعلیم القرآن أجرا- . وکان ابن عباس یقول إذا وقعت فی آل حم- وقعت فی روضات دمثات أتأنق فیهنو قال ابن مسعود لکل شی‏ء دیباجه و دیباجه القرآن آل حمقیل لابن عباس أ یجوز أن یحلى المصحف بالذهب و الفضه- فقال حلیته فی جوفهوقال النبی ص أصفر البیوت جوف صفر من کتاب الله
– و قال الشعبی إیاکم و تفسیر القرآن- فإن الذی یفسره إنما یحدث عن الله- .

الحسن رحمه الله رحم الله امرأ عرض نفسه و عمله على کتاب الله فإن وافق حمد الله و سأله الزیاده- و إن خالف أعتب و راجع من قریب- . حفظ عمر بن الخطاب سوره البقره فنحر و أطعم- .وفد غالب بن صعصعه على علی ع و معه ابنه الفرزدق- فقال له من أنت فقال غالب بن صعصعه المجاشعی- قال ذو الإبل الکثیره قال نعم- قال ما فعلت إبلک- قال أذهبتها النوائب و ذعذعتها الحقوق- قال ذاک خیر سبلها-
ثم قال یا أبا الأخطل من هذا الغلام معک- قال ابنی و هو شاعر- قال علمه القرآن فهو خیر له من الشعر- فکان ذلک فی نفس الفرزدق حتى قید نفسه- و آلى ألا یحل قیده حتى یحفظ القرآن- فما حله حتى حفظه و ذلک قوله-

و ما صب رجلی فی حدید مجاشع
مع القد إلا حاجه لی أریدها

قلت تحت قوله ع یا أبا الأخطل- قبل أن یعلم أن ذلک الغلام ولده و أنه شاعر سر غامض- و یکاد یکون إخبارا عن غیب فلیلمح- . الفضیل بن عیاض- بلغنی أن صاحب القرآن إذا وقف على معصیه- خرج القرآن من جوفه فاعتزل ناحیه و قال أ لهذا حملتنی- . قلت و هذا القول على سبیل المثل- و التخویف من مواقعه المعاصی لمن یحفظ القرآن- .أنس قال قال لی رسول الله ص یا ابن أم سلیم- لا تغفل عن قراءه القرآن صباحا و مساء- فإن القرآن یحیی القلب المیت- و ینهى عن الفحشاء و المنکر- .

کان سفیان الثوری إذا دخل شهر رمضان ترک جمیع العباده- و أقبل على قراءه القرآن من المصحف- .کعب الأحبار قال الله تعالى لموسى ع- مثل کتاب محمد فی الکتب مثل سقاء فیه لبن- کلما مخضته استخرجت منه زبدا- . أسلم الخواص کنت أقرأ القرآن- فلا أجد له حلاوه فقلت لنفسی یا أسلم- اقرأ القرآن کأنک تسمعه من رسول الله ص- فجاءت حلاوه قلیله- فقلت اقرأه کأنک تسمعه من جبرئیل ع فازدادت الحلاوه- فقلت اقرأه کأنک تسمعه من الله عز و جل حین تکلم به- فجاءت الحلاوه کلها- .

بعض أرباب القلوب- إن الناس یجمزون فی قراءه القرآن ما خلا المحبین- فإن لهم خان إشارات إذا مروا به نزلوا- یرید آیات من القرآن یقفون عندها فیفکرون فیها- .فی الحدیث المرفوع ما من شفیع من ملک و لا نبی و لا غیرهما- أفضل من القرآنوفی الحدیث المرفوع أیضا من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتی أفضل مما أوتی- فقد استصغر عظمه اللهوجاء فی بعض الآثار إن الله تعالى خلق بعض القرآن قبل أن یخلق آدم- و قرأه على الملائکه- فقالوا طوبى لأمه ینزل علیها هذا- و طوبى لأجواف تحمل هذا- و طوبى لألسنه تنطق بهذا
وقال النبی ص إن القلوب تصدأ کما یصدأ الحدید- قیل یا رسول الله و ما جلاؤها- قال قراءه القرآن و ذکر الموت
وعنه ع ما أذن الله لشی‏ء أذنه لنبی حسن الترنم بالقرآنوعنه ع إن ربکم لأشد أذنا إلى قارئ القرآن- من صاحب القینه إلى قینته
وعنه ع أنت تقرأ القرآن ما نهاک- فإذا لم ینهک فلست تقرؤهابن مسعود رحمه الله ینبغی لحامل القرآن أن یعرف بلیله إذ الناس نائمون- و بنهاره إذ الناس مفطرون- و بحزنه إذ الناس یفرحون- و ببکائه إذ الناس یضحکون- و بخشوعه إذ الناس یختالون- و ینبغی لحامل القرآن أن یکون سکیتا زمیتا لینا- و لا ینبغی أن یکون جافیا و لا مماریا- و لا صیاحا و لا حدیدا و لا صخابا- .

بعض السلف- إن العبد لیفتتح سوره فتصلی علیه حتى یفرغ منها- و إن العبد لیفتتح سوره فتلعنه حتى یفرغ منها- قیل کیف ذاک قال إذا أحل حلالها- و حرم حرامها صلت علیه و إلا لعنته- .ابن مسعود أنزل الله علیهم القرآن لیعملوا به- فاتخذوا دراسته عملا- إن أحدهم لیقرأ القرآن من فاتحته- إلى خاتمته ما یسقط منه حرفا- و قد أسقط العمل بهابن عباس لأن أقرأ البقره و آل عمران أرتلهما و أتدبرهما- أحب إلی من أن أقرأ القرآن کله هذرمه- .

ثابت البنانی کابدت فی القرآن عشرین سنه- و تنعمت به عشرین سنهالْعَمَلَ الْعَمَلَ ثُمَّ النِّهَایَهَ النِّهَایَهَ- وَ الِاسْتِقَامَهَ الِاسْتِقَامَهَ ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ وَ الْوَرَعَ الْوَرَعَ- إِنَّ لَکُمْ نِهَایَهً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَایَتِکُمْ- وَ إِنَّ لَکُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِکُمْ- وَ إِنَّ لِلْإِسْلَامِ غَایَهً فَانْتَهُوا إِلَى غَایَتِهِ- وَ اخْرُجُوا إِلَى اللَّهِ مِمَّا افْتَرَضَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَقِّهِ- وَ بَیَّنَ لَکُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ- أَنَا شَاهِدٌ لَکُمْ وَ حَجِیجٌ یَوْمَ الْقِیَامَهِ عَنْکُمْ- أَلَا وَ إِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ- وَ الْقَضَاءَ الْمَاضِیَ قَدْ تَوَرَّدَ- وَ إِنِّی مُتَکَلِّمٌ بِعِدَهِ اللَّهِ وَ حُجَّتِهِ- قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِکْرُهُ- إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا- تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلائِکَهُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا- وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّهِالَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ- وَ قَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّهُ فَاسْتَقِیمُوا عَلَى کِتَابِهِ- وَ عَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ وَ عَلَى الطَّرِیقَهِ الصَّالِحَهِ مِنْ عِبَادَتِهِ- ثُمَّ لَا تَمْرُقُوا مِنْهَا وَ لَا تَبْتَدِعُوا فِیهَا- وَ لَا تُخَالِفُوا عَنْهَا- فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ یَوْمَ الْقِیَامَهِ النصب على الإغراء- و حقیقته فعل مقدر أی الزموا العمل- و کرر الاسم لینوب أحد اللفظین عن الفعل المقدر- و الأشبه أن یکون اللفظ الأول هو القائم مقام الفعل- لأنه فی رتبته- أمرهم بلزوم العمل ثم أمرهم بمراعاه العاقبه و الخاتمه- و عبر عنها بالنهایه- و هی آخر أحوال المکلف التی یفارق الدنیا علیها- إما مؤمنا أو کافرا أو فاسقا- و الفعل المقدر هاهنا راعوا- و أحسنوا و أصلحوا و نحو ذلک- . ثم أمرهم بالاستقامه و أن یلزموها و هی أداء الفرائض- .

ثم أمرهم بالصبر علیها و ملازمته و بملازمه الورع- . ثم شرع بعد هذا الکلام المجمل فی تفصیله فقال- إن لکم نهایه فانتهوا إلى نهایتکم- و هذالفظ رسول الله ص أیها الناس إن لکم معالم فانتهوا إلى معالمکم- و إن لکم غایه فانتهوا إلى غایتکم- و المراد بالنهایه و الغایه- أن یموت الإنسان على توبه من فعل القبیح- و الإخلال بالواجب- . ثم أمرهم بالاهتداء بالعلم المنصوب لهم- و إنما یعنی نفسه ع- . ثم ذکر أن للإسلام غایه و أمرهم بالانتهاء إلیها- و هی أداء الواجبات و اجتناب المقبحات- .

ثم أوضح ذلک بقوله- و اخرجوا إلى الله مما افترض علیکم من حقه- و بین لکم‏من وظائفه- فکشف بهذا الکلام معنى الغایه التی أجملها أولا- ثم ذکر أنه شاهد لهم و محاج یوم القیامه عنهم- و هذا إشاره إلى قوله تعالى- یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ- . و حجیج فعیل بمعنى فاعل و إنما سمى نفسه حجیجا عنهم- و إن لم یکن ذلک الموقف موقف مخاصمه لأنه إذا شهد لهم- فکأنه أثبت لهم الحجه فصار محاجا عنهم- . قوله ع ألا و إن القدر السابق قد وقع- یشیر به إلى خلافته- . و هذه الخطبه من أوائل الخطب- التی خطب بها أیام بویع بعد قتل عثمان- و فی هذا إشاره إلى أن رسول الله ص قد أخبره- أن الأمر سیفضى إلیه منتهى عمره و عند انقضاء أجله- .

ثم أخبرهم أنه سیتکلم بوعد الله تعالى- و محجته على عباده فی قوله- إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا… الآیه- و معنى الآیه أن الله تعالى وعد الذین أقروا بالربوبیه- و لم یقتصروا على الإقرار- بل عقبوا ذلک بالاستقامه أن ینزل علیهم الملائکه- عند موتهم بالبشرى- و لفظه ثم للتراخی- و الاستقامه مفضله على الإقرار باللسان- لأن الشأن کله فی الاستقامه و نحوها قوله تعالى- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ- ثُمَّ لَمْ یَرْتابُوا- أی ثم ثبتوا على الإقرار و مقتضیاته- و الاستقامه هاهنا- هی الاستقامه الفعلیه شافعه للاستقامه القولیه- و قد اختلف فیه قول أمیر المؤمنین ع و أبی بکر- فقال أمیر المؤمنین ع أدوا الفرائض- و قال أبو بکر استمروا على التوحید- .

و روی أن أبا بکر تلاها و قال ما تقولون فیها- فقالوا لم یذنبوا فقال حملتم الأمر على أشده- فقالوا قل قال لم یرجعوا إلى عباده الأوثان- و رأی أبی بکر فی هذا الموضع إن ثبت عنه- یؤکد مذهب الإرجاء- و قول أمیر المؤمنین ع یؤکد مذهب أصحابنا- . وروى سفیان بن عبد الله الثقفی قال قلت یا رسول الله أخبرنی بأمر أعتصم به- فقال قل لا إله إلا الله ثم استقم- فقلت ما أخوف ما تخافه علی فقال هذا- و أخذ بلسان نفسه صو تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلائِکَهُ عند الموت- أو فی القبر أو عند النشور- . و أَلَّا تَخافُوا أن بمعنى أی- أو تکون خفیفه من الثقیله- و أصله أنه لا تخافوا و الهاء ضمیر الشأن- .

و قد فسر أمیر المؤمنین الاستقامه المشترطه فی الآیه- فقال قد أقررتم بأن الله ربکم استقیموا على کتابه- و على منهاج أمره و على الطریقه الصالحه من عبادته- . لا تمرقوا منها مرق السهم إذا خرج من الرمیه مروقا- . و لا تبتدعوا لا تحدثوا ما لم یأت به الکتاب و السنه- . و لا تخالفوا عنها تقول خالفت عن الطریق أی عدلت عنها- . قال فإن أهل المروق منقطع بهم بفتح الطاء- انقطع بزید بضم الهمزه فهو منقطع به- إذا لم یجد بلاغا و وصولا إلى المقصد:

ثُمَّ إِیَّاکُمْ وَ تَهْزِیعَ الْأَخْلَاقِ وَ تَصْرِیفَهَا- وَ اجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً وَ لْیَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَهُ- فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ- وَ اللَّهِ مَا أَرَى عَبْداً یَتَّقِی تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى یَخْتَزِنَ لِسَانَهُ- وَ إِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ- وَ إِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ- لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ یَتَکَلَّمَ بِکَلَامٍ تَدَبَّرَهُ فِی نَفْسِهِ- فَإِنْ کَانَ خَیْراً أَبْدَاهُ وَ إِنْ کَانَ شَرّاً وَارَاهُ- وَ إِنَّ الْمُنَافِقَ یَتَکَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ- لَا یَدْرِی مَا ذَا لَهُ وَ مَا ذَا عَلَیْهِ- وَ لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص- لَا یَسْتَقِیمُ إِیمَانُ عَبْدٍ حَتَّى یَسْتَقِیمَ قَلْبُهُ- وَ لَا یَسْتَقِیمُ قَلْبُهُ حَتَّى یَسْتَقِیمَ لِسَانُهُ- فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْکُمْ أَنْ یَلْقَى اللَّهَ سُبْحَانَهُ- وَ هُوَ نَقِیُّ الرَّاحَهِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِینَ وَ أَمْوَالِهِمْ- سَلِیمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْیَفْعَلْ تهزیع الأخلاق تغییرها- و أصل الهزع الکسر- أسد مهزع یکسر الأعناق و یرض العظام- و لما کان المتصرف بخلقه- الناقل له من حال قد أعدم سمته الأولى- کما یعدم الکاسر صوره المکسور- اشترکا فی مسمى شامل لهما- فاستعمل التهزیع فی الخلق للتغییر و التبدیل مجازا- . قوله و اجعلوا اللسان واحدا- نهى عن النفاق و استعمال الوجهین- . قال و لیخزن الرجل لسانه أی لیحبسه- فإن اللسان یجمح بصاحبه فیلقیه فی الهلکه- .

ثم ذکر أنه لا یرى التقوى نافعه إلا مع حبس اللسان- قال فإن لسان المؤمن وراء قلبه- و قلب الأحمق وراء لسانه و شرح ذلک و بینه- . فإن قلت المسموع المعروف- لسان العاقل من وراء قلبه- و قلب الأحمق وراء لسانه- کیف نقله إلى المؤمن و المنافق- . قلت لأنه قل أن یکون المنافق إلا أحمق- و قل أن یکون العاقل إلا مؤمنا- فلأکثریه ذلک استعمل لفظ المؤمن و أراد العاقل- و لفظ المنافق و أراد الأحمق- . ثم روى الخبر المذکور عن النبی ص و هو مشهور- .

ثم أمرهم بالاجتهاد فی أن یلقوا الله تعالى- و کل منهم نقی الراحه من دماء المسلمین و أموالهم- سلیم اللسان من أعراضهم- وقد قال النبی ص إنما المسلم من سلم المسلمون من لسانه و یده- فسلامتهم من لسانه سلامه أعراضهم- و سلامتهم من یده سلامه دمائهم و أموالهم- و انتصاب تهزیع على التحذیر- و حقیقته تقدیر فعل- و صورته جنبوا أنفسکم تهزیع الأخلاق- فإیاکم قائم مقام أنفسکم- و الواو عوض عن الفعل المقدر- و أکثر ما یجی‏ء بالواو و قد جاء بغیر واو فی قول الشاعر-

إیاک إیاک المراء فإنه
إلى الشر دعاء و للشر جالب‏

و کان یقال ینبغی للعاقل أن یتمسک بست خصال- فإنها من المروءه- أن یحفظ دینه و یصون عرضه و یصل رحمه و یحمی جاره- و یرعى حقوق إخوانه و یخزن عن البذاء لسانه- وفی الخبر المرفوع من کفی شر قبقبه و ذبذبه و لقلقه دخل الجنه- .فالقبقب البطن و الذبذب الفرج و اللقلق اللسان- .

و قال بعض الحکماء- من علم أن لسانه جارحه من جوارحه أقل من اعتمالها- و استقبح تحریکها- کما یستقبح تحریک رأسه أو منکبه دائما: وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ یَسْتَحِلُّ الْعَامَ- مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ وَ یُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ- وَ أَنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لَا یُحِلُّ لَکُمْ شَیْئاً- مِمَّا حُرِّمَ عَلَیْکُمْ- وَ لَکِنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَ الْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ- فَقَدْ جَرَّبْتُمُ الْأُمُورَ وَ ضَرَّسْتُمُوهَا- وَ وُعِظْتُمْ بِمَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ وَ ضُرِبَتِ الْأَمْثَالُ لَکُمْ- وَ دُعِیتُمْ إِلَى الْأَمْرِ الْوَاضِحِ فَلَا یَصَمُّ عَنْ ذَلِکَ إِلَّا أَصَمُّ- وَ لَا یَعْمَى عَنْهُ إِلَّا أَعْمَى- وَ مَنْ لَمْ یَنْفَعْهُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ وَ التَّجَارِبِ- لَمْ یَنْتَفِعْ بِشَیْ‏ءٍ مِنَ الْعِظَهِ وَ أَتَاهُ التَّقْصِیرُ مِنْ أَمَامِهِ- حَتَّى یَعْرِفَ مَا أَنْکَرَ وَ یُنْکِرَ مَا عَرَفَ- فَإِنَّ النَّاسَ رَجُلَانِ مُتَّبِعٌ شِرْعَهً وَ مُبْتَدِعٌ بِدْعَهً- لَیْسَ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بُرْهَانُ سُنَّهٍ وَ لَا ضِیَاءُ حُجَّهٍ یقول إن الأحکام الشرعیه- لا یجوز بعد ثبوت الأدله علیها من طریق النص- أن تنقض باجتهاد و قیاس- بل کل ما ورد به النص تتبع مورد النص فیه- فما استحللته عاما أول فهو فی هذا العام حلال لک- و کذلک القول فی التحریم- و هذا هو مذهب أکثر أصحابنا- أن النص مقدم على القیاس- و قد ذکرناه فی کتبنا فی أصول الفقه- . و أول هاهنا لا ینصرف لأنه صفه على وزن أفعل- .

و قال إن ما أحدث الناس لا یحل لکم شیئا مما حرم علیکم- أی ما أحدثوه من القیاس و الاجتهاد- و لیس هذا بقادح فی القیاس- و لکنه مانع من تقدیمه على النص و هکذا یقول أصحابنا- . قوله و ضرستموها بالتشدید- أی أحکمتموها تجربه و ممارسه- یقال قد ضرسته الحرب و رجل مضرس- . قوله فلا یصم عن ذلک إلا أصم- أی لا یصم عنه إلا من هو حقیق أن یقال عنه إنه أصم- کما تقول ما یجهل هذا الأمر إلا جاهل- أی بالغ فی الجهل- .

ثم قال من لم ینفعه الله بالبلاء- أی بالامتحان و التجربه لم تنفعه المواعظ- و جاءه النقص من بین یدیه- حتى یتخیل فیما أنکره أنه قد عرفه- و ینکر ما قد کان عارفا به- و سمى اعتقاد العرفان و تخیله عرفانا على المجاز- . ثم قسم الناس إلى رجلین- إما متبع طریقه و منهاجا أو مبتدع ما لا یعرف- و لیس بیده حجه فالأول المحق و الثانی المبطل- . و الشرعه المنهاج و البرهان الحجه: فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ یَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ- فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِینُ وَ سَبَبُهُ الْأَمِینُ- وَ فِیهِ رَبِیعُ الْقَلْبِ وَ یَنَابِیعُ الْعِلْمِ- وَ مَا لِلْقَلْبِ جَلَاءٌ غَیْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَکِّرُونَ- وَ بَقِیَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ- فَإِذَا رَأَیْتُمْ خَیْراً فَأَعِینُوا عَلَیْهِ- وَ إِذَا رَأَیْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یَقُولُ- یَا ابْنَ آدَمَ اعْمَلِ الْخَیْرَ وَ دَعِ الشَّرَّ- فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ

إنما جعله حبل الله- لأن الحبل ینجو من تعلق به من هوه- و القرآن ینجو من الضلال من یتعلق به- . و جعله متینا أی قویا لأنه لا انقطاع له أبدا- و هذه غایه المتانه و القوه- . و متن الشی‏ء بالضم أی صلب و قوی- و سببه الأمین مثل حبله المتین- و إنما خالف بین اللفظین على قاعده الخطابه- . و فیه ربیع القلب- لأن القلب یحیا به کما تحیا الأنعام برعی الربیع- . و ینابیع العلم- لأن العلم منه یتفرع کما یخرج الماء من الینبوع- و یتفرع إلى الجداول- و الجلاء بالکسر مصدر جلوت السیف- یقول- لا جلاء لصدأ القلوب من الشبهات و الغفلات إلا القرآن- . ثم قال إن المتذکرین قد ذهبوا و ماتوا- و بقی الناسون الذین لا علوم لهم- أو المتناسون الذین عندهم العلوم- و یتکلفون إظهار الجهل لأغراض دنیویه تعرض لهم- و روی و المتناسون بالواو- .

ثم قال أعینوا على الخیر إذا رأیتموه- بتحسینه عند فاعله و بدفع الأمور المانعه عنه- و بتسهیل أسبابه و تسنیه سبله- و إذا رأیتم الشر فاذهبوا عنه- و لا تقاربوه و لا تقیموا أنفسکم فی مقام الراضی به- الموافق على فعله ثم روى لهم الخبر- . و الجواد القاصد السهل السیر- لا سریع یتعب بسرعته و لا بطی‏ء یفوت الغرض ببطئه‏: أَلَا وَ إِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَهٌ- فَظُلْمٌ لَا یُغْفَرُ وَ ظُلْمٌ لَا یُتْرَکُ- وَ ظُلْمٌ مَغْفُورٌ لَا یُطْلَبُ- فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِی لَا یُغْفَرُ فَالشِّرْکُ بِاللَّهِ- قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ- وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِی یُغْفَرُ- فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ- وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِی لَا یُتْرَکُ- فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً- الْقِصَاصُ هُنَاکَ شَدِیدٌ لَیْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى- وَ لَا ضَرْباً بِالسِّیَاطِ وَ لَکِنَّهُ مَا یُسْتَصْغَرُ ذَلِکَ مَعَهُ- فَإِیَّاکُمْ وَ التَّلَوُّنَ فِی دِینِ اللَّهِ- فَإِنَّ جَمَاعَهً فِیمَا تَکْرَهُونَ مِنَ الْحَقِّ- خَیْرٌ مِنْ فُرْقَهٍ فِیمَا تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ- وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ یُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَهٍ خَیْراً مِمَّنْ مَضَى- وَ لَا مِمَّنْ بَقِیَ- یَا أَیُّهَا النَّاسُ- طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَیْبُهُ عَنْ عُیُوبِ النَّاسِ- وَ طُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَیْتَهُ وَ أَکَلَ قُوتَهُ- وَ اشْتَغَلَ بِطَاعَهِ رَبِّهِ وَ بَکَى عَلَى خَطِیئَتِهِ- فَکَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِی شُغُلٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَهٍ قسمع الظلم ثلاثه أقسام- أحدها ظلم لا یغفر و هو الشرک بالله- أی أن یموت الإنسان مصرا على الشرک- و یجب عند أصحابنا أن یکون أراد الکبائر- و إن لم یذکرها لأن حکمها حکم الشرک عندهم- .

و ثانیها الهنات المغفوره و هی صغائر الذنوب- هکذا یفسر أصحابنا کلامه ع- . و ثالثها ما یتعلق بحقوق البشر بعضهم على بعض- فإن ذلک لا یترکه الله هملا- بل لا بد من عقاب فاعله- و إنما أفرد هذا القسم مع دخوله فی القسم الأول- لتمیزه بکونه متعلقا بحقوق بنی آدم بعضهم على بعض- و لیس الأول کذلک- . فإن قلت لفظه ع مطابق للآیه- و هی قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ- وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاءُ- و الآیه و لفظه ع صریحان فی مذهب المرجئه- لأنکم إذا فسرتم قوله لمن یشاء- بأن المراد به أرباب التوبه قیل لکم- فالمشرکون هکذا حالهم یقبل الله توبتهم- و یسقط عقاب شرکهم بها- فلأی معنى خصص المشیئه بالقسم الثانی و هو ما دون الشرک- و هل هذا إلا تصریح بأن الشرک لا یغفر لمن مات علیه- و ما دونه من المعاصی إذا مات الإنسان علیه- لا یقطع له بالعقاب و لا لغیره بل أمره إلى الله- .

قلت الأصوب فی هذا الموضع- ألا یجعل قوله لمن یشاء معنیا به التائبون- بل نقول- المراد أن الله لا یستر فی موقف القیامه من مات مشرکا- بل یفضحه على رءوس الأشهاد کما قال تعالى- وَ یَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِینَ کَذَبُوا عَلى‏ رَبِّهِمْ- . و أما من مات على کبیره من أهل الإسلام- فإن الله تعالى یستره فی الموقف و لا یفضحه بین الخلائق- و إن کان من أهل النار- و یکون معنى المغفره فی هذه الآیه الستر- و تغطیه حال العاصی فی موقف الحشر- و قد یکون من أهل الکبائر- ممن یقر بالإسلام‏لعظیم کبائره جدا- فیفضحه الله تعالى فی الموقف کما یفضح المشرک- فهذا معنى قوله وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاءُ- . فأما الکلام المطول فی تأویلات هذه الآیه- فمذکور فی کتبنا الکلامیه- .

و اعلم أنه لا تعلق للمرجئه و لا جدوى علیهم من عموم لفظ الآیه- لأنهم قد وافقونا على أن الفلسفی غیر مغفور له و لیس بمشرک- فإذا أراد بقوله تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ- و من جرى مجرى المشرکین قیل لهم و نحن نقول- إن الزانی و القاتل یجریان مجرى المشرکین- کما أجریتم الفلاسفه مجرى المشرکین- فلا تنکروا علینا ما لم تنکروه على أنفسکم- . ثم ذکر ع أن القصاص فی الآخره شدید- لیس کما یعهده الناس من عقاب الدنیا الذی هو ضرب السوط- و غایته أن یذوق الإنسان طعم الحدید- و هو معنى قوله جرحا بالمدى جمع مدیه و هی السکین- بل هو شی‏ء آخر عظیم لا یعبر النطق عن کنهه و شده نکاله و ألمه

فصل فی الآثار الوارده فی شدید عذاب جهنم

قال الأوزاعی فی مواعظه للمنصور

روی لی عن رسول الله ص لو أن ثوبا من ثیاب أهل النار- علق بین السماء و الأرض لأحرق أهل الأرض قاطبه- فکیف بمن یتقمصه- و لو أن ذنوبا من حمیم جهنم صب على ماء الأرض کله- لأجنه حتى لا یستطیع مخلوق شربه- فکیف بمن یتجرعه- و لو أن حلقه من سلاسل النار وضعت على جبل- لذاب کما یذوب الرصاص- فکیف بمن یسلک فیها و یرد فضلها على عاتقه وروى أبو هریره عن النبی ص لو کان فی هذا المسجد مائه ألف أو یزیدون- و أخرج إلیهم رجل من النار فتنفس و أصابهم نفسه- لأحرق المسجد و من فیه وروی أن رسول الله ص قال لجبریل- ما لی لا أرى میکائیل ضاحکا- قال إن میکائیل لم یضحک منذ خلقت النار و رآهاوعنه ص لما أسری بی سمعت هده- فسألت جبریل عنها فقال حجر أرسله الله من شفیر جهنم- فهو یهوی منذ سبعین خریفا حتى بلغ الآن فیهوروی عن النبی ص فی قوله تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِیها کالِحُونَ- قال تتقلص شفته العلیا حتى تبلغ وسط رأسه- و تسترخی شفته السفلى حتى تضرب سرتهوروى عبید بن عمیر اللیثی عنه ع لتزفرن جهنم زفره لا یبقى ملک و لا نبی- إلا خر مرتعده فرائصه- حتى إن إبراهیم الخلیل لیجثو على رکبتیه فیقول- یا رب إنی لا أسألک إلا نفسیأبو سعید الخدری مرفوعا لو ضربت جبال الدنیا بمقمع من تلک المقامع الحدید- لصارت غبارا- .

الحسن البصری قال- الأغلال لم تجعل فی أعناق أهل النار- لأنهم أعجزوا الرب- و لکن إذا أصابهم اللهب أرسبتهم فی النار- ثم خر الحسن صعقا و قال و دموعه تتحادر- یا ابن آدم نفسک نفسک- فإنما هی نفس واحده إن نجت نجوت- و إن هلکت لم ینفعک من نجا- . طاوس أیها الناس- إن النار لما خلقت طارت أفئده الملائکه- فلما خلقتم سکنت- .

مطرف بن الشخیر- إنکم لتذکرون الجنه- و إن ذکر النار قد حال بینی و بین أن أسأل الله الجنه- . منصور بن عمار یا من البعوضه تقلقه و البقه تسهره- أ مثلک یقوى على وهج السعیر- أو تطیق صفحه خده لفح سمومها- و رقه أحشائه خشونه ضریعها- و رطوبه کبده تجرع غساقها- . قیل لعطاء السلمی- أ یسرک أن یقال لک- قع فی جهنم فتحرق فتذهب- فلا تبعث أبدا لا إلیها و لا إلى غیرها- فقال و الله الذی لا إله إلا هو لو سمعت أن یقال لی- لظننت أنی أموت فرحا قبل أن یقال لی ذلک- . الحسن و الله ما یقدر العباد قدر حرها- روینا لو أن رجلا کان بالمشرق و جهنم بالمغرب- ثم کشف عن غطاء واحد منها لغلت جمجمته- و لو أن دلوا من صدیدها صب فی الأرض- ما بقی على وجهها شی‏ء فیه روح إلا مات- . کان الأحنف یصلی صلاه اللیل و یضع المصباح قریبا منه- فیضع إصبعه علیه و یقول یا حنیف- ما حملک على ما صنعت یوم کذا حتى یصبح

فصل فی العزله و الاجتماع و ما قیل فیهما

ثم نهاهم ع عن التفرق فی دین الله- و هو الاختلاف و الفرقه- ثم أمرهم باجتماع الکلمه و قال- إن الجماعه فی الحق المکروه إلیکم- خیر لکم من الفرقه فی الباطل المحبوب عندکم- فإن الله لم یعط أحدا خیرا بالفرقه- لا ممن مضى و لا ممن بقی- .و قد تقدم ذکر ما ورد عن النبی ص فی الأمر بلزوم الجماعه- و النهی عن الاختلاف و الفرقه- . ثم أمر ع بالعزله و لزوم البیت و الاشتغال بالعباده- و مجانبه الناس و متارکتهم- و اشتغال الإنسان بعیب نفسه عن عیوبهم- .

و قد ورد فی العزله أخبار و آثار کثیره- و اختلف الناس قدیما و حدیثا فیها- ففضلها قوم على المخالطه و فضل قوم المخالطه علیها- . فممن فضل العزله سفیان الثوری- و إبراهیم بن أدهم و داود الطائی- و الفضیل بن عیاض و سلیمان الخواص و یوسف بن أسباط- و بشر الحافی و حذیفه المرعشی- و جمع کثیر من الصوفیه- و هو مذهب أکثر العارفین- و قول المتألهین من الفلاسفه- . و ممن فضل المخالطه على العزله ابن المسیب و الشعبی- و ابن أبی لیلى و هشام بن عروه و ابن شبرمه- و القاضی شریح و شریک بن عبد الله و ابن عیینه و ابن المبارک- .

فأما کلام أمیر المؤمنین ع- فیقتضی عند إمعان النظر فیه أن العزله خیر لقوم- و أن المخالطه خیر لقوم آخرین- على حسب أحوال الناس و اختلافهم- . و قد احتج أرباب المخالطه یقول الله تعالى- فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً- و بقوله وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا و هذا ضعیف لأن المراد بالآیه- تفرق الآراء و اختلاف المذاهب فی أصول الدین- و المرادبتألیف القلوب- و بالأخوه عدم الإحن و الأحقاد بینهم- بعد استعار نارها فی الجاهلیه- و هذا أمر خارج عن حدیث العزله- . و احتجوابقول النبی ص المؤمن إلف مألوف و لا خیر فیمن لا یألف و لا یؤلف- و هذا أیضا ضعیف- لأن المراد منه ذم سوء الخلق و الأمر بالرفق و البشر- فلا یدخل تحته الإنسان الحسن الخلق- الذی لو خولط لألف و ألف- و إنما یمنعه من المخالطه طلب السلامه من الناس- .

و احتجوا بقوله- من شق عصا المسلمین فقد خلع ربقه الإسلام عن عنقه- و هذا ضعیف أیضا لأنه مختص بالبغاه- و المارقین عن طاعه الإمام- فلا یتناول أهل العزله الذین هم أهل طاعه للأئمه- إلا أنهم لا یخالطون الناس- . و احتجوا بنهیه ص عن هجر الإنسان أخاه فوق ثلاث- و هذا ضعیف لأن المراد منه النهی عن الغضب و اللجاج- و قطع الکلام و السلام لثوران الغیظ- فهذا أمر خارج عن الباب الذی نحن فیه- . و احتجوابأن رجلا أتى جبلا یعبد فیه- فجاء أهله إلى رسول الله ص فنهاه و قال له- إن صبر المسلم فی بعض مواطن الجهاد یوما واحدا- خیر له من عباده أربعین سنه- .

و هذا ضعیف لأنه إنما کان ذلک فی ابتداء الإسلام- و الحث على جهاد المشرکین- . و احتجوا بماروی عنه ص أنه قال الشیطان ذئب- و الناس کالغنم یأخذ القاصیه و الشاذه- إیاکم و الشعاب و علیکم بالعامه و الجماعه و المساجد- و هذا ضعیف لأن المراد به من اعتزل الجماعه و خالفها- .

و احتج من رجح العزله و آثرها على المخالطه- بالآثار الکثیره الوارده فی ذلک- نحو قول عمر خذوا بحظکم من العزله- . و قول ابن سیرین العزله عباده- . و قول الفضیل کفى بالله محبوبا و بالقرآن مؤنسا- و بالموت واعظا اتخذ الله صاحبا و دع الناس جانبا- . و قال ابن الربیع الزاهد لداود الطائی عظنی- فقال صم عن الدنیا و اجعل فطرک للآخره- و فر من الناس فرارک من الأسد- . و قال الحسن کلمات أحفظهن من التوراه قنع ابن آدم فاستغنى و اعتزل الناس فسلم- ترک الشهوات فصار حرا ترک الحسد فظهرت مروءته- صبر قلیلا فتمتع طویلا- . و قال وهب بن الورد بلغنا أن الحکمه عشره أجزاء- تسعه منها الصمت و العاشر فی العزله عن الناس- . و قال یوسف بن مسلم لعلی بن بکار- ما أصبرک على الوحده و کان قد لزم البیت- فقال کنت و أنا شاب أصبر على أشد من هذا- کنت أجالس الناس و لا أکلمهم- . و قال الثوری هذا وقت السکوت و ملازمه البیوت- . و قال بعضهم- کنت فی سفینه و معنا شاب علوی- فمکث معنا سبعا لا نسمع له کلاما- فقلنا له قد جمعنا الله و إیاک منذ سبع- و لا نراک تخالطنا و لا تکلمنا- فأنشد

قلیل الهم لا ولد یموت
و لیس بخائف أمرا یفوت‏

قضى وطر الصبا و أفاد علما
فغایته التفرد و السکوت‏

و أکبر همه مما علیه
تناجز من ترى خلق و قوت‏

قال النخعی لصاحب له تفقه ثم اعتزل- . و کان مالک بن أنس الفقیه یشهد الجنائز- و یعود المرضى و یعطی الإخوان حقوقهم- ثم ترک واحدا واحدا من ذلک إلى أن ترک الجمیع- و قال لیس یتهیأ للإنسان أن یخبر بکل عذر له- . و قیل لعمر بن عبد العزیز- لو تفرغت لنا- فقال ذهب الفراغ فلا فراغ إلا عند الله تعالى- .

و قال الفضیل بن عیاض- إنی لأجد للرجل عندی یدا- إذا لقینی ألا یسلم علی و إذا مرضت ألا یعودنی- . و قال الدارانی- بینا ابن خثیم جالس على باب داره- إذ جاء حجر فصک وجهه فسجد و جعل یمسح الدم و یقول- لقد وعظت یا ربیع ثم قام فدخل الدار- فما جلس بعد ذلک على بابه حتى مات- . و کان سعد بن أبی وقاص و سعید بن زید- قد لزما بیوتهما بالعقیق- فلم یکونا یأتیان المدینه لا لحاجه لهما و لا لغیرهما- حتى ماتا بالعقیق- .

قال بشر أقلل من معرفه الناس- فإنک لا تدری ما تکون یوم القیامه- فإن تکن فضیحه کان من یعرفک أقل- . و أحضر بعض الأمراء حاتما الأصم فکلمه- ثم قال له أ لک حاجه قال نعم ألا ترانی و لا أراک- . و قیل للفضیل إن ابنک یقول- لوددت أنی فی مکان أرى الناس و لا یروننی- فبکى الفضیل و قال یا ویح علی أ لا أتمها- فقال و لا أراهم- .

و من کلام الفضیل أیضا- من سخافه عقل الرجل کثره معارفه- . و قد جاء فی الأحادیث المرفوعه ذکر العزله و فضلها-نحو قوله ع لعبد الله بن عامر الجهنی- لما سأله عن طریق النجاه- فقال له لیسعک بیتک أمسک علیک دینک- و ابک على خطیئتکو قیل له ص أی الناس أفضل- فقال رجل معتزل فی شعب من الشعاب- یعبد ربه و یدع الناس من شرهوقال ع إن الله یحب التقی النقی الخفی

ذکر فوائد العزله

و فی العزله فوائد منها الفراغ للعباده- و الذکر و الاستئناس بمناجاه الله عن مناجاه الخلق- فیتفرغ لاستکشاف أسرار الله تعالى- فی أمر الدنیا و الآخره و ملکوت السماوات و الأرض- لأن ذلک لا یمکن إلا بفراغ و لا فراغ مع المخالطه- و لذلک کان رسول الله ص فی ابتداء أمره- یتبتل فی جبل حراء و یعتزل فیه حتى أتته النبوه- . و قیل لبعض الحکماء- ما الذی أرادوا بالخلوه و العزله- فقال دوام الفکر و ثبات العلوم فی قلوبهم- لیحیوا حیاه طیبه و یموتوا موتا طیبا- . و قیل لبعضهم- ما أصبرک على الوحده فقال لست وحدی- أنا جلیس ربی إذا شئت أن یناجینی قرأت کتابه- و إذا شئت أن أناجیه صلیت- .

و قال سفیان بن عیینه- لقیت إبراهیم بن أدهم فی بلاد الشام- فقلت له یا إبراهیم‏ترکت خراسان- فقال ما تهنأت بالعیش إلا هاهنا- أفر بدینی من شاهق إلى شاهق- فمن رآنی قال موسوس أو حمال- . و قیل للحسن یا أبا سعید- هاهنا رجل لم نره قط جالسا إلا وحده خلف ساریه- فقال الحسن إذا رأیتموه فأخبرونی- فنظروا إلیه ذات یوم- فقالوا للحسن و أشاروا إلیه- فمضى نحوه و قال له- یا عبد الله لقد حببت إلیک العزله- فما یمنعک من مجالسه الناس- قال أمر شغلنی عنهم- قال فما یمنعک أن تأتی هذا الرجل الذی یقال له الحسن- فتجلس إلیه قال أمر شغلنی عن الناس و عن الحسن- قال و ما ذلک الشغل یرحمک الله- قال إنی أمسی و أصبح بین نعمه و ذنب- فأشغل نفسی بشکر الله على نعمه- و الاستغفار من الذنب- فقال الحسن أنت أفقه عندی یا عبد الله من الحسن- فالزم ما أنت علیه- .

و جاء هرم بن حیان إلى أویس فقال له ما حاجتک- قال جئت لآنس بک- قال ما کنت أعرف أحدا یعرف ربه فیأنس بغیره- . و قال الفضیل إذا رأیت اللیل مقبلا فرحت به- و قلت أخلو بربی و إذا رأیت الصبح أدرکنی- استرجعت کراهیه لقاء الناس- و أن یجی‏ء إلی من یشغلنی عن ربی- . و قال مالک بن دینار- من لم یأنس بمحادثه الله عن محادثه المخلوقین- فقد قل علمه و عمی قلبه و ضاع عمره- . و قال بعض الصالحین- بینا أنا أسیر فی بعض بلاد الشام- إذا أنا بعابد خارج من بعض تلک الجبال- فلما نظر إلی تنحى إلى أصل شجره و تستر بها- فقلت سبحان الله أ تبخل علی بالنظر إلیک- فقال یا هذا إنی أقمت فی هذا الجبل دهرا طویلا- أعالج قلبی فی الصبر عن الدنیا و أهلها- فطال فی ذلک تعبی و فنی عمری- ثم سألت الله تعالى-ألا یجعل حظی من أیامی فی مجاهده قلبی فقط- فسکنه الله عن الاضطراب و آلفه الوحده و الانفراد- فلما نظرت إلیک و تریدنی- خفت أن أقع فی الأمر الأول فأعود إلى ألف المخلوقین- فإلیک عنی فإنی أعوذ من شرک برب العارفین- و حبیب التائبین ثم صاح وا غماه من طول المکث فی الدنیا ثم حول وجهه عنی- ثم نفض یده و قال إلیک عنی یا دنیا- لغیری فتزینی و أهلک فغری ثم قال سبحان من أذاق العارفین من لذه الخدمه- و حلاوه الانقطاع إلیه ما ألهى قلوبهم عن ذکر الجنان- و الحور الحسان فإنی فی الخلوه آنس بذکر الله- و أستلذ بالانقطاع إلى الله ثم أنشد-

و إنی لأستغشی و ما بی نعسه
لعل خیالا منک یلقى خیالیا

و أخرج من بین البیوت لعلنی‏
أحدث عنک النفس فی السر خالیا

و قال بعض العلماء- إنما یستوحش الإنسان من نفسه- لخلو ذاته عن الفضیله- فیتکثر حینئذ بملاقاه الناس- و یطرد الوحشه عن نفسه بهم- فإذا کانت ذاته فاضله طلب الوحده- لیستعین بها على الفکره و یستخرج العلم و الحکمه- و کان یقال الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس- . و منها التخلص بالعزله عن المعاصی- التی یتعرض الإنسان لها غالبا بالمخالطه- و هی الغیبه و الریاء و ترک الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر- و سرقه الطبع بعض الأخلاق الردیئه- و الأعمال الخبیثه من الغیر- .

أما الغیبه فإن التحرز منها مع مخالطه الناس- صعب شدید لا ینجو من ذلک إلا الصدیقون- فإن عاده أکثر الناس التمضمض بأعراض من یعرفونه- و التنقل بلذهذلک- فهی أنسهم الذی یستریحون إلیه فی الجلوه و المفاوضه- فإن خالطتهم و وافقت أثمت- و إن سکت کنت شریکا فالمستمع أحد المغتابین- و إن أنکرت ترکوا ذلک المغتاب و اغتابوک- فازدادوا إثما على إثمهم- . فأما الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر- فإن من خالط الناس لا یخلو عن مشاهده المنکرات- فإن سکت عصى الله- و إن أنکر تعرض بأنواع من الضرر- و فی العزله خلاص عن ذلک- و فی الأمر بالمعروف إثاره للخصام- و تحریک لکوامن ما فی الصدور- و قال الشاعر-

و کم سقت فی آثارکم من نصیحه
و قد یستفید الظنه المتنصح‏

و من تجرد للأمر بالمعروف ندم علیه فی الأکثر- کجدار مائل یرید الإنسان أن یقیمه وحده- فیوشک أن یقع علیه- فإذا سقط قال یا لیتنی ترکته مائلا- نعم لو وجد الأعوان حتى یحکم ذلک الحائط و یدعمه استقام- و لکنک لا تجد القوم أعوانا- على الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر- فدع الناس و انج بنفسک- . و أما الریاء فلا شبهه أن من خالط الناس داراهم- و من داراهم راءاهم و من راءاهم کان منافقا- و أنت تعلم أنک إذا خالطت متعادیین- و لم تلق کل واحد منهما بوجه یوافقه- صرت بغیضا إلیهما جمیعا- و إن جاملتهما کنت من شرار الناس و صرت ذا وجهین- و أقل ما یجب فی مخالطه الناس- إظهار الشوق و المبالغه فیه- و لیس یخلو ذلک عن کذب- إما فی الأصل- و إما فی الزیاده بإظهار الشفقه بالسؤال عن الأحوال- فقولک کیف أنت و کیف أهلک- و أنت فی الباطن فارغ القلب عن همومه نفاق محض- . قال السری السقطی- لو دخل علی أخ فسویت لحیتی بیدی لدخوله- خشیت أن أکتب فی جریده المنافقین- .

کان الفضیل جالسا وحده فی المسجد- فجاء إلیه أخ له فقال ما جاء بک قال المؤانسه- قال هی و الله بالمواحشه أشبه- هل ترید إلا أن تتزین لی و أتزین لک- و تکذب لی و أکذب لک- إما أن تقوم عنی و إما أن أقوم عنک- . و قال بعض العلماء- ما أحب الله عبدا إلا أحب ألا یشعر به خلقه- .

و دخل طاوس على هشام بن عبد الملک- فقال کیف أنت یا هشام فغضب و قال- لم لم تخاطبنی بإمره المؤمنین- قال لأن جمیع الناس ما اتفقوا على خلافتک- فخشیت أن أکون کاذبا- . فمن أمکنه أن یحترز هذا الاحتراز فلیخالط الناس- و إلا فلیرض بإثبات اسمه فی جریده المنافقین إن خالطهم- و لا نجاه من ذلک إلا بالعزله- . و أما سرقه الطبع من الغیر فالتجربه تشهد بذلک- لأن من خالط الأشرار اکتسب من شرهم- و کلما طالت صحبه الإنسان لأصحاب الکبائر- هانت الکبائر عنده- و فی المثل فإن القرین بالمقارن یقتدی- . و منها الخلاص من الفتن- و الحروب بین الملوک و الأمراء على الدنیا- .

روى أبو سعید الخدری عن النبی ص أنه قال یوشک أن یکون خیر مال المسلم غنیمات- یتبع بها شعاف الجبال و مواضع القطر- یفر بدینه من الفتنوروى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ص ذکر الفتن فقال- إذا رأیت الناس قد مرجت عهودهم و خفت أمانتهم- و کانوا هکذا و شبک‏ بأصابعه فقلت ما تأمرنی- فقال الزم بیتک و املک علیک لسانک- و خذ ما تعرف و دع ما تنکر- و علیک بأمر الخاصه و دع عنک أمر العامه

وروى ابن مسعود عنه ص أنه قال سیأتی على الناس زمان لا یسلم لذی دین دینه- إلا من فر من قریه إلى قریه- و من شاهق إلى شاهق کالثعلب الرواغ- قیل و متى ذلک یا رسول الله- قال إذا لم تنل المعیشه إلا بمعاصی الله سبحانه- فإذا کان ذلک الزمان- کان هلاک الرجل على ید أبویه- فإن لم یکن له أبوان فعلى ید زوجته و ولده- و إن لم یکن فعلى ید قرابته- قالوا کیف ذلک یا رسول الله- قال یعیرونه بالفقر و ضیق الید- فیکلفونه ما لا یطیقه- حتى یورده ذلک موارد الهلکه

وروى ابن مسعود أیضا أنه ص ذکر الفتنه فقال الهرج- فقلت و ما الهرج یا رسول الله- قال حین لا یأمن المرء جلیسه- قلت فبم تأمرنی یا رسول الله إن أدرکت ذلک الزمان- قال کف نفسک و یدک و ادخل دارک- قلت أ رأیت إن دخل علی داری قال ادخل بیتک- قلت إن دخل علی البیت قال ادخل مسجدک و اصنع هکذا- و قبض على الکوع و قل ربی الله حتى تموت- .

و منها الخلاص من شر الناس- فإنهم یؤذونک تاره بالغیبه- و تاره بسوء الظن و التهمه- و تاره بالاقتراحات و الأطماع الکاذبه- التی یعسر الوفاء بها- و تاره بالنمیمه و الکذب مما یرونه منک من الأعمال- و الأقوال مما لا تبلغ عقولهم کنهه- فیدخرون ذلک فی نفوسهم عده- لوقت ینتهزون فیه فرصه الشر- و من یعتزلهم یستغن عن التحفظ لذلک- . و قال بعض الحکماء لصاحبه- أعلمک شعرا هو خیر لک من عشره آلاف درهم و هو-

اخفض الصوت إن نطقت بلیل
و التفت بالنار قبل المقال‏

لیس للقول رجعه حین یبدو
بقبیح یکون أو بجمال‏

و من خالط الناس لا ینفک من حاسد و طاعن- و من جرب ذلک عرف- . ومن الکلام المأثور عن علی ع اخبر تقلهقال الشاعر-

من حمد الناس و لم یبلهم
ثم بلاهم ذم من یحمد

و صار بالوحده مستأنسا
یوحشه الأقرب و الأبعد

و قیل لسعد بن أبی وقاص أ لا تأتی المدینه- قال ما بقی فیها إلا حاسد نعمه أو فرح بنقمه- . و قال ابن السماک- کتب إلینا صاحب لنا أما بعد- فإن الناس کانوا دواء یتداوى به- فصاروا داء لا دواء لهم ففر منهم فرارک من الأسد- . و کان بعض الأعراب یلازم شجره و یقول- هذه ندیمی و هو ندیم فیه ثلاث خصال- إن سمع لم ینم علی و إن تفلت فی وجهه احتمل- و إن عربدت علیه لم یغضب فسمع الرشید هذا الخبر- فقال قد زهدنی سماعه فی الندماء- .

و کان بعضهم یلازم الدفاتر و المقابر- فقیل له فی ذلک- قال لم أر أسلم من الوحده و لا أوعظ من قبر- و لا أمتع من دفتر- . و قال الحسن مره- إنی أرید الحج فجاء إلی ثابت البنانی- و قال بلغنی أنک ترید الحج فأحببت أن نصطحب- فقال الحسن دعنا نتعاشر بستر الله- إنی أخاف أن نصطحب فیرى بعضنا من بعض ما نتماقت علیه- . و قال بعض الصالحین- کان الناس ورقا لا شوک فیه- فالناس الیوم شوک لا ورق فیه- . و قال سفیان بن عیینه- قال لی سفیان الثوری- فی الیقظه فی حیاته و فی المنام بعد وفاته- أقلل معرفه الناس فإن التخلص منهم شدید- و لا أحسبنی رأیت ما أکره إلا ممن عرفت- .

و قال بعضهم جئت إلى مالک بن دینار- و هو قاعد وحده و عنده کلب رابض قریبا منه- فذهبت أطرده فقال دعه فإنه لا یضر و لا یؤذی- و هو خیر من الجلیس السوء- . و قال أبو الدرداء- اتقوا الله و احذروا الناس- فإنهم ما رکبوا ظهر بعیر إلا أدبروه- و لا ظهر جواد إلا عقروه- و لا قلب مؤمن إلا أخربوه- . و قال بعضهم أقلل المعارف- فإنه أسلم لدینک و قلبک و أخف لظهرک- و أدعى إلى سقوط الحقوق عنک- لأنه کلما کثرت المعارف کثرت الحقوق- و عسر القیام بالجمیع- . و قال بعضهم إذا أردت النجاه فأنکر من تعرف- و لا تتعرف إلى من لا تعرف- . و منها أن فی العزله بقاء الستر على المروءه- و الخلق و الفقر و سائر العورات- و قد مدح الله تعالى المستترین فقال- یَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِیاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ- . و قال الشاعر-

و لا عار أن زالت عن الحر نعمه
و لکن عارا أن یزول التجمل‏

 و لیس یخلو الإنسان فی دینه و دنیاه- و أفعاله عن عورات یتقین و یجب سترها- و لا تبقى السلامه مع انکشافها- و لا سبیل إلى ذلک إلا بترک المخالطه- . و منها أن ینقطع طمع الناس عنک- و ینقطع طمعک عن الناس- أما انقطاع طمع الناس عنک ففیه نفع عظیم- فإن رضا الخلق غایه لا تدرک- لأن أهون حقوق الناس‏ و أیسرها حضور الجنازه- و عیاده المریض و حضور الولائم و الإملاکات- و فی ذلک تضییع الأوقات و التعرض للآفات- ثم یعوق عن بعضها العوائق و تستثقل فیها المعاذیر- و لا یمکن إظهار کل الأعذار- فیقول لک قائل إنک قمت بحق فلان- و قصرت فی حقی و یصیر ذلک سبب عداوه- فقد قیل إن من لم یعد مریضا فی وقت العیاده- یشتهی موته خیفه من تخجیله إیاه إذا برأ من تقصیره- فأما من یعم الناس کلهم بالحرمان فإنهم یرضون کلهم عنه- و متى خصص وقع الاستیحاش و العتاب- و تعمیمهم بالقیام بجمیع الحقوق- مما لا قدره علیه للمتجرد لیله و نهاره- فکیف من له مهم یشغله دینی أو دنیوی- . و من کلام بعضهم کثره الأصدقاء زیاده الغرماء- . و قال الشاعر-

عدوک من صدیقک مستفاد
فلا تستکثرن من الصحاب‏

فإن الداء أکثر ما تراه‏
یکون من الطعام أو الشراب‏

و أما انقطاع طمعک عنهم ففیه أیضا فائده جزیله- فإن من نظر إلى زهره الدنیا و زخرفها تحرک حرصه- و انبعث بقوه الحرص طمعه- و أکثر الأطماع یتعقبها الخیبه فیتأذى الإنسان بذلک- و إذا اعتزل لم یشاهد- و إذا لم یشاهد لم یشته و لم یطمع- و لذلک قال الله تعالى لنبیه ص- وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً- مِنْهُمْ زَهْرَهَ الْحَیاهِ الدُّنْیا وقال ع انظروا إلى من دونکم- و لا تنظروا إلى من هو فوقکم- فإنه أجدر ألا تزدروا نعمه الله علیکم- .

و قال عون بن عبد الله کنت أجالس الأغنیاء- فلا أزال مغموما أرى ثوبا أحسن من ثوبی- و دابه أفره من دابتی- فجالست الفقراء فاسترحت – . و خرج المزنی صاحب الشافعی- من باب جامع الفسطاط بمصر و کان فقیرا مقلا- فصادف ابن عبد الحکم قد أقبل فی موکبه- فبهره ما رأى من حاله و حسن هیأته فتلا قوله تعالى- وَ جَعَلْنا بَعْضَکُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَهً أَ تَصْبِرُونَ- ثم قال نعم أصبر و أرضى- . المعتزل عن الناس فی بیته لا یبتلى بمثل هذه الفتن- فإن من شاهد زینه الدنیا- إما أن یقوى دینه و یقینه فیصبر- فیحتاج إلى أن یتجرع مراره الصبر- و هو أمر من الصبر- أو تنبعث رغبته فیحتال فی طلب الدنیا- فیهلک دنیا و آخره- أما فی الدنیا فبالطمع الذی فی أکثر الأوقات- یتضمن الذل المعجل- و أما فی الآخره فلإیثاره متاع الدنیا على ذکر الله- و التقرب إلیه و لذلک قال الشاعر-

إذا کان باب الذل من جانب الغنى
سموت إلى العلیاء من جانب الفقر

 أشار إلى أن الطمع یوجب فی الحال ذلا- . و منها الخلاص من مشاهده الثقلاء- و الحمقى و معاناه أخلاقهم- فإن رؤیه الثقیل هی العمى الأصغر- قیل للأعمش بم عمشت عیناک قال بالنظر إلى الثقلاء- . و دخل على أبی حنیفه رحمه الله فقال له- روینا فی الخبر أن من سلب کریمتیه عوضه الله ما هو خیر منهما- فما الذی عوضک- قال کفانی رؤیه ثقیل مثلک یمازحه- . و قال الشافعی رحمه الله- ما جالست ثقیلا إلا وجدت الجانب الذی یلیه من بدنی- کأنه أثقل علی من الجانب الآخر- . و هذه المقاصد و إن کان بعضها دنیویا- إلا أنها تضرب فی الدین بنصیب- و ذلک لأن‏من تأذى برؤیه ثقیل لم یلبث أن یغتابه و یثلبه- و ذلک فساد فی الدین و فی العزله السلامه عن جمیع ذلک- .

و اعلم أن کلام أمیر المؤمنین ع تختلف مناهجه- فقد رجح العزله فی هذا الفصل على المخالطه- و نهى عن العزله فی موضع آخر- سیأتی ذکره فی الفصل الذی أوله- أنه دخل على العلاء بن زیاد الحارثی عائدا- و یجب أن یحمل ذلک- على أن من الناس من العزله خیر له من المخالطه- و منهم من هو بالضد من ذلک- و قد قال الشافعی قریبا من ذلک- قال لیونس بن عبد الأعلى صاحبه- یا یونس الانقباض عن الناس مکسبه للعداوه- و الانبساط إلیهم مجلبه لقرناء السوء- فکن بین المنقبض و المنبسط- .

فإذا أردت العزله- فینبغی للمعتزل أن ینوی بعزلته- کف شره عن الناس أولا- ثم طلب السلامه من شر الأشرار ثانیا- ثم الخلاص من آفه القصور عن القیام بحقوق المسلمین ثالثا- ثم التجرد بکنه الهمه بعباده الله تعالى رابعا- فهذه آداب نیته- ثم لیکن فی خلوته مواظبا على العلم و العمل- و الذکر و الفکر لیجتنی ثمره العزله- و یجب أن یمنع الناس عن أن یکثروا غشیانه و زیارته- فیتشوش وقته- و أن یکف نفسه عن السؤال عن أخبارهم و أحوالهم- و عن الإصغاء إلى أراجیف الناس و ما الناس مشغولون به- فإن کل ذلک ینغرس فی القلب حتى ینبعث على الخاطر و البال- وقت الصلاه و وقت الحاجه إلى إحضار القلب- فإن وقوع الأخبار فی السمع کوقوع البذر فی الأرض- لا بد أن ینبت و تتفرع عروقه و أغصانه- و إحدى مهمات المعتزل- قطع الوساوس الصارفه عن ذکر الله- و لا ریب أن الأخبار ینابیع الوساوس و أصولها- . و یجب أن یقنع بالیسیر من المعیشه- و إلا اضطره التوسع إلى الناس و احتاج إلى مخالطتهم- .

و لیکن صبورا على ما یلقاه من أذى الجیران- إذ یسد سمعه عن الإصغاء- إلى ما یقول فیه من أثنى علیه بالعزله- و قدح فیه بترک المخالطه- فإن ذلک لا بد أن یؤثر فی القلب و لو مده یسیره- و حال اشتغال القلب به- لا بد أن یکون واقفا عن سیره فی طریق الآخره- فإن السیر فیها إما یکون بالمواظبه على ورد- أو ذکر مع حضور قلب- و إما بالفکر فی جلال الله و صفاته- و أفعاله و ملکوت سماواته- و إما بالتأمل فی دقائق الأعمال و مفسدات القلب- و طلب طرق التخلص منها- و کل ذلک یستدعی الفراغ- و لا ریب أن الإصغاء إلى ما ذکرناه یشوش القلب- .

و یجب أن یکون للمعتزل أهل صالح أو جلیس صالح- لتستریح نفسه إلیه ساعه عن کد المواظبه- ففی ذلک عون له على بقیه الساعات- و لیس یتم للإنسان الصبر على العزله- إلا بقطع الطمع عن الدنیا- و ما الناس منهمکون فیه- و لا ینقطع طمعه إلا بقصر الأمل- و ألا یقدر لنفسه عمرا طویلا- بل یصبح على أنه لا یمسی و یمسی على أنه لا یصبح- فیسهل علیه صبر یوم- و لا یسهل علیه العزم على صبر عشرین سنه- لو قدر تراخی أجله- و لیکن کثیر الذکر للموت و وحده القبر- مهما ضاق قلبه من الوحده- و لیتحقق أن من لم یحصل فی قلبه من ذکر الله- و معرفته ما یأنس به- فإنه لا یطیق وحشه الوحده بعد الموت- و أن من أنس بذکر الله و معرفته فإن الموت لا یزیل أنسه- لأن الموت لیس یهدم محل الأنس و المعرفه- بل یبقى حیا بمعرفته و أنسه فرحا بفضل الله علیه- قال سبحانه وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً- بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ- فَرِحِینَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ- . و کل من یجرد نفسه فی ذات الله- فهو شهید مهما أدرکه الموت- فالمجاهد من‏ جاهد نفسه و هواه کما صرح به ع- وقال لأصحابه رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأکبر- فالجهاد الأصغر محاربه المشرکین- و الجهاد الأکبر جهاد النفس- . و هذا الفصل فی العزله- نقلناه على طوله من کلام أبی حامد الغزالی- فی إحیاء علوم الدین- و هذبنا منه ما اقتضت الحال تهذیبه

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۰

بازدیدها: ۱۸۷

خطبه ۱۷۶ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۷۶ من خطبه له ع

أَیُّهَا النَّاسُ غَیْرُ الْمَغْفُولِ عَنْهُمْ- وَ التَّارِکُونَ وَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ- مَا لِی أَرَاکُمْ عَنِ اللَّهِ ذَاهِبِینَ وَ إِلَى غَیْرِهِ رَاغِبِینَ- کَأَنَّکُمْ نَعَمٌ أَرَاحَ بِهَا سَائِمٌ إِلَى مَرْعًى وَبِیٍّ وَ مَشْرَبٍ دَوِیٍّ- وَ إِنَّمَا هِیَ کَالْمَعْلُوفَهِ لِلْمُدَى لَا تَعْرِفُ مَا ذَا یُرَادُ بِهَا- إِذَا أُحْسِنَ إِلَیْهَا تَحْسَبُ یَوْمَهَا دَهْرَهَا وَ شِبَعَهَا أَمْرَهَا- وَ اللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ کُلَّ رَجُلٍ مِنْکُمْ- بِمَخْرَجِهِ وَ مَوْلِجِهِ وَ جَمِیعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ- وَ لَکِنْ أَخَافُ أَنْ تَکْفُرُوا فِیَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص- أَلَا وَ إِنِّی مُفْضِیهِ إِلَى الْخَاصَّهِ مِمَّنْ یُؤْمَنُ ذَلِکَ مِنْهُ- وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَ اصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ- مَا أَنْطِقُ إِلَّا صَادِقاً- وَ لَقَدْ عَهِدَ إِلَیَّ بِذَلِکَ کُلِّهِ وَ بِمَهْلِکِ مَنْ یَهْلِکُ- وَ مَنْجَى مَنْ یَنْجُو وَ مَآلِ هَذَا الْأَمْرِ- وَ مَا أَبْقَى شَیْئاً یَمُرُّ عَلَى رَأْسِی إِلَّا أَفْرَغَهُ فِی أُذُنِی- وَ أَفْضَى بِهِ إِلَیَّ- أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی وَ اللَّهِ مَا أَحُثُّکُمْ عَلَى طَاعَهٍ- إِلَّا وَ أَسْبِقُکُمْ إِلَیْهَا- وَ لَا أَنْهَاکُمْ عَنْ مَعْصِیَهٍ إِلَّا وَ أَتَنَاهَى قَبْلَکُمْ عَنْهَا خاطب المکلفین کافه و قال- إنهم غافلون عما یراد بهم و منهم- و لیسوا بمغفول عنهم بل أعمالهم محفوظه مکتوبه- .

ثم قال و التارکون أی یترکون الواجبات- . ثم قابل ذلک بقوله و المأخوذ منهم- لأن الأخذ فی مقابله الترک- و معنى الأخذ منهم انتقاص أعمارهم و انتقاض قواهم- و استلاب أحبابهم و أموالهم- . ثم شبههم بالنعم التی تتبع نعما أخرى- . سائمه أی راعیه- و إنما قال ذلک لأنها إذا اتبعت أمثالها- کان أبلغ فی ضرب المثل بجهلها- من الإبل التی یسیمها راعیها و المرعى الوبی- ذو الوباء و المرض و المشرب الدوی ذو الداء- و أصل الوبی اللین الوبی‏ء المهموز و لکنه لینه- یقال أرض وبیئه على فعیله و وبئه على فعله- و یجوز أوبأت فهی موبئه- .و الأصل فی الدوی دو بالتخفیف- و لکنه شدده للازدواج- .

ثم ذکر أن هذه النعم الجاهله- التی أوقعت أنفسها فی هذا المرتع- و المشرب المذمومین کالغنم و غیرها من النعم المعلوفه- . للمدى جمع مدیه و هی السکین لا تعرف ما ذا یراد بها- و تظن أن ذلک العلف إحسان إلیها على الحقیقه- . و معنى قوله تحسب یومها دهرها- أی تظن أن ذلک العلف و الإطعام- کما هو حاصل لها ذلک الیوم یکون حاصلا لها أبدا- . و شبعها أمرها مثل ذلک- أی تظن أنه لیس أمرها و شأنها- إلا أن یطعمها أربابها لتشبع و تحسن و تسمن- لیس یریدون بها غیر ذلک- . ثم خرج ع من هذا الفن إلى فن آخر- فأقسم أنه لو شاء أن یخبر کل واحد منهم من أین خرج- و کیفیه خروجه من منزله و أین یلج و کیفیه ولوجه- و جمیع شأنه من مطعمه و مشربه- و ما عزم علیه من أفعاله و ما أکله- و ما ادخره فی بیته- و غیر ذلک من شئونه و أحواله لفعل- .

و هذا کقول المسیح ع- وَ أُنَبِّئُکُمْ بِما تَأْکُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ- . قال إلا أنی أخاف أن تکفروا فی برسول الله ص- أی أخاف علیکم الغلو فی أمری- و أن تفضلونی على رسول الله ص- بل أخاف علیکم أن تدعوا فی الإلهیه- کما ادعت النصارى ذلک فی المسیح- لما أخبرهم بالأمور الغائبه- . ثم قال ألا و إنی مفضیه إلى الخاصه- أی مفض به و مودع إیاه خواص أصحابی- و ثقاتی الذین آمن منهم الغلو- و أعلم أنهم لا یکفرون فی بالرسول ص لعلمهم- أن ذلک من إعلام نبوته إذ یکون تابع من أتباعه- و صاحب من أصحابه بلغ إلى هذه المنزله الجلیله- .

ثم أقسم قسما ثانیا أنه ما ینطق إلا صادقا- و أن رسول الله ص عهد بذلک کله إلیه- و أخبره بمهلک من یهلک من الصحابه و غیرهم من الناس- و بنجاه من ینجو و بمآل هذا الأمر- یعنی ما یفضی إلیه أمر الإسلام و أمر الدوله و الخلافه- و أنه ما ترک شیئا یمر على رأسه ع- إلا و أخبره به و أسره إلیه

فصل فی ذکر بعض أقوال الغلاه فی علی

و اعلم أنه غیر مستحیل أن تکون بعض الأنفس- مختصه بخاصیه تدرک بها المغیبات- و قد تقدم من الکلام فی ذلک ما فیه کفایه- و لکن لا یمکن أن تکون نفس تدرک کل المغیبات- لأن القوه المتناهیه لا تحیط بأمور غیر متناهیه- و کل قوه فی نفس حادثه فهی متناهیه- فوجب أن یحمل کلام أمیر المؤمنین ع- لا على أن یرید به عموم العالمیه-بل بعلم أمورا محدوده من المغیبات- مما اقتضت حکمه البارئ سبحانه أن یؤهله لعلمه- و کذلک القول فی رسول الله ص- إنه إنما کان یعلم أمورا معدوده لا أمورا غیر متناهیه- و مع أنه ع قد کتم ما علمه حذرا من أن یکفروا فیه برسول الله ص- فقد کفر کثیر منهم و ادعوا فیه النبوه- و ادعوا فیه أنه شریک الرسول فی الرساله- و ادعوا فیه أنه هو کان الرسول- و لکن الملک غلط فیه- و ادعوا أنه هو الذی بعث محمدا ص إلى الناس- و ادعوا فیه الحلول و ادعوا فیه الاتحاد- و لم یترکوا نوعا من أنواع الضلاله فیه- إلا و قالوه و اعتقدوه- و قال شاعرهم فیه من أبیات-

و من أهلک عادا و
ثمودا بدواهیه‏

و من کلم موسى فوق‏
طور إذ ینادیه‏

و من قال على المنبر
یوما و هو راقیه‏

سلونی أیها الناس‏
فحاروا فی معانیه‏

و قال بعض شعرائهم-

إنما خالق الخلائق من زعزع
أرکان حصن خیبر جذبا

قد رضینا به إماما و مولى‏
و سجدنا له إلها و ربا

جمله من إخبار علی بالأمور الغیبیه

و قد ذکرنا فیما تقدم من إخباره ع- عن الغیوب طرفا صالحا- و من عجیب ما وقفت علیه من ذلک- قوله فی الخطبه التی یذکر فیها الملاحم- و هو یشیر إلى القرامطه-ینتحلون لنا الحب و الهوى و یضمرون لنا البغض و القلى- و آیه ذلک قتلهم وراثنا و هجرهم أحداثنا- . و صح ما أخبر به- لأن القرامطه قتلت من آل أبی طالب ع خلقا کثیرا- و أسماؤهم مذکوره فی کتاب مقاتل الطالبیین- لأبی الفرج الأصفهانی- .

و مر أبو طاهر سلیمان بن الحسن الجنابی فی جیشه بالغری و بالحائر- فلم یعرج على واحد منهما و لا دخل و لا وقف- . و فی هذه الخطبه قال و هو یشیر إلى الساریه- التی کان یستند إلیها فی مسجد الکوفه- کأنی بالحجر الأسود منصوبا هاهنا ویحهم- إن فضیلته لیست فی نفسه بل فی موضعه و أسسه- یمکث هاهنا برهه ثم هاهنا برهه- و أشار إلى البحرین ثم یعود إلى مأواه و أم مثواه- . و وقع الأمر فی الحجر الأسود بموجب ما أخبر به ع- .

و قد وقفت له على خطب مختلفه فیها ذکر الملاحم- فوجدتها تشتمل على ما یجوز أن ینسب إلیه- و ما لا یجوز أن ینسب إلیه- و وجدت فی کثیر منها اختلالا ظاهرا- و هذه المواضع التی أنقلها لیست من تلک الخطب المضطربه- بل من کلام له وجدته متفرقا فی کتب مختلفه- و من ذلکأن تمیم بن أسامه بن زهیر بن درید التمیمی اعترضه- و هو یخطب على المنبر و یقول- سلونی قبل أن تفقدونی- فو الله لا تسألونی عن فئه تضل مائه- أو تهدی مائه إلا نبأتکم بناعقها و سائقها- و لو شئت لأخبرت کل واحد منکم- بمخرجه و مدخله و جمع شأنه- فقال فکم فی رأسی طاقه شعر- فقال له أما و الله إنی لأعلم ذلک- و لکن أین برهانه لو أخبرتک به- و لقد أخبرتک بقیامک و مقالک- و قیل لی إن على کل‏شعره من شعر رأسک- ملکا یلعنک و شیطانا یستفزک- و آیه ذلک أن فی بیتک سخلا یقتل ابن رسول الله ص و یحض على قتله- .

فکان الأمر بموجب ما أخبر به ع- کان ابنه حصین بالصاد المهمله یومئذ طفلا صغیرا یرضع اللبن- ثم عاش إلى أن صار على شرطه عبید الله بن زیاد- و أخرجه عبید الله إلى عمر بن سعد- یأمره بمناجزه الحسین ع و یتوعده على لسانه إن أرجأ ذلک- فقتل ع صبیحه الیوم- الذی ورد فیه الحصین بالرساله فی لیلته- . و من ذلکقوله ع للبراء بن عازب یوما- یا براء أ یقتل الحسین و أنت حی فلا تنصره- فقال البراء لا کان ذلک یا أمیر المؤمنین- . فلما قتل الحسین ع کان البراء یذکر ذلک- و یقول أعظم بها حسره إذ لم أشهده و أقتل دونه- . و سنذکر من هذا النمط- فیما بعد إذا مررنا بما یقتضی ذکره- ما یحضرنا إن شاء الله

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۲

خطبه ۱۷۵ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

الجزء العاشر

تتمه باب الخطب و الأوامر

بسم الله الرحمن الرحیم- الحمد لله الواحد العدل

۱۷۵ و من کلام له ع فی معنى طلحه بن عبید الله

قَدْ کُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ- وَ لَا أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ- وَ أَنَا عَلَى مَا وَعَدَنِی رَبِّی مِنَ النَّصْرِ- وَ اللَّهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ- إِلَّا خَوْفاً مِنْ أَنْ یُطَالَبَ بِدَمِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ- وَ لَمْ یَکُنْ فِی الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَیْهِ مِنْهُ- فَأَرَادَ أَنْ یُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِیهِ- لِیَلْتَبِسَ الْأَمْرُ وَ یَقَعَ الشَّکُّ- . وَ وَ اللَّهِ مَا صَنَعَ فِی أَمْرِ عُثْمَانَ وَاحِدَهً مِنْ ثَلَاثٍ- لَئِنْ کَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً کَمَا کَانَ یَزْعُمُ- لَقَدْ کَانَ یَنْبَغِی لَهُ أَنْ یُؤازِرَ قَاتِلِیهِ- وَ أَنْ یُنَابِذَ نَاصِرِیهِ- . وَ لَئِنْ کَانَ مَظْلُوماً- لَقَدْ کَانَ یَنْبَغِی لَهُ أَنْ یَکُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِینَ عَنْهُ- وَ الْمُعَذِّرِینَ فِیهِ- وَ لَئِنْ کَانَ فِی شَکٍّ مِنَ الْخَصْلَتَیْنِ- لَقَدْ کَانَ یَنْبَغِی لَهُ أَنْ یَعْتَزِلَهُ- وَ یَرْکُدَ جَانِباً وَ یَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ- فَمَا فَعَلَ وَاحِدَهً مِنَ الثَّلَاثِ- وَ جَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ یُعْرَفْ بَابُهُ وَ لَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِیرُهُ‏ کان هاهنا تامه و الواو واو الحال- أی خلقت و وجدت و أنا بهذه الصفه- کما تقول خلقنی الله و أنا شجاع- .

و یجوز أن تکون الواو زائده- و تکون کان ناقصه و خبرها ما أهدد- کما فی المثل لقد کنت و ما أخشى بالذئب- . فإن قلت إذا کانت ناقصه- لزم أن تکون الآن بخلاف ما مضى- فیکون الآن یهدد و یرهب- . قلت لا یلزم ذلک- لأن کان الناقصه للماضی من حیث هو ماض- و لیس یشترط فی ذلک أن یکون منقطعا بل قد یکون دائما- کقوله تعالى وَ کانَ اللَّهُ عَلِیماً حَکِیماً- .

ثم ذکر ع أنه على ما وعده ربه من النصر- و أنه واثق بالظفر و الغلبه الآن- کما کانت عادته فیما سبق- . ثم شرح حال طلحه و قال- إنه تجرد للطلب بدم عثمان مغالطه للناس- و إیهاما لهم أنه بری‏ء من دمه- فیلتبس الأمر و یقع الشک- . و قد کان طلحه أجهد نفسه فی أمر عثمان- و الإجلاب علیه و الحصر له و الإغراء به- و منته نفسه الخلافه بل تلبس بها- و تسلم بیوت الأموال و أخذ مفاتیحها- و قاتل الناس و أحدقوا به- و لم یبق إلا أن یصفق بالخلافه على یده‏

ذکر ما کان من أمر طلحه مع عثمان

ذکر أبو جعفر محمد بن جریر الطبری فی کتاب التاریخ قال حدثنی عمر بن شبه عن علی بن محمد عن عبد ربه عن نافع عن إسماعیل بن أبی خالد عن حکیم بن جابر قال قال علی ع لطلحه و عثمان محصور- أنشدک الله إلا رددت الناس عن عثمان- قال لا و الله حتى تعطی بنو أمیه الحق من أنفسها- .

و روى الطبری أن عثمان کان له على طلحه خمسون ألفا- فخرج عثمان یوما إلى المسجد- فقال له طلحه قد تهیأ مالک فاقبضه- فقال هو لک یا أبا محمد معونه لک على مروءتک- . قال فکان عثمان یقول و هو محصور جزاء سنمار- . و روى الطبری أیضا- أن طلحه باع أرضا له من عثمان بسبعمائه ألف فحملها إلیه- فقال طلحه إن رجلا یبیت و هذه عنده و فی بیته- لا یدری ما یطرقه من أمر الله لغریر بالله- فبات و رسله تختلف بها فی سکک المدینه یقسمها- حتى أصبح و ما عنده منها درهم واحد- . قال الطبری روى ذلک الحسن البصری- و کان إذا روى ذلک یقول- ثم جاء إلینا یطلب الدینار و الدرهم- أو قال و الصفراء و البیضاء- .

و روى الطبری أیضا قال قال ابن عباس رحمه الله لما حججت بالناس نیابه عن عثمان و هو محصور- مررت بعائشه بالصلصل- فقالت یا ابن عباس أنشدک الله فإنک قد أعطیت لسانا و عقلا- أن تخذل الناس عن طلحه- فقد بانت لهم بصائرهم فی عثمان و أنهجت- و رفعت لهم المنار و تحلبوا من البلدان لأمر قد حم- و إن طلحه فیما بلغنی قد اتخذ رجالا على بیوت الأموال- و أخذ مفاتیح الخزائن- و أظنه یسیر إن شاء الله بسیره ابن عمه أبی بکر- فقال یا أمه لو حدث بالرجل حدث- ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا- فقالت إیها عنک یا ابن عباس- إنی لست أرید مکابرتک و لا مجادلتک- .

و روى المدائنی فی کتاب مقتل عثمان- أن طلحه منع من دفنه ثلاثه أیام- و أن علیا ع لم یبایع الناس- إلا بعد قتل عثمان- بخمسه أیام- و أن حکیم بن حزام أحد بنی أسد بن عبد العزى- و جبیر بن مطعم بن الحارث بن نوفل- استنجدا بعلی ع على دفنه- فأقعد طلحه لهم فی الطریق ناسا بالحجاره- فخرج به نفر یسیر من أهله- و هم یریدون به حائطا بالمدینه یعرف بحش کوکب- کانت الیهود تدفن فیه موتاهم- فلما صار هناک رجم سریره و هموا بطرحه- فأرسل علی ع إلى الناس یعزم علیهم لیکفوا عنه فکفوا- فانطلقوا به حتى دفنوه فی حش کوکب- .

و روى الطبری نحو ذلک إلا أنه لم یذکر طلحه بعینه- و زاد فیه أن معاویه لما ظهر على الناس- أمر بذلک الحائط فهدم حتى أفضى به إلى البقیع- و أمر الناس أن یدفنوا موتاهم حول قبره- حتى اتصل ذلک بمقابر المسلمین- . و روى المدائنی فی هذا الکتاب قال- دفن عثمان بین المغرب و العتمه- و لم یشهد جنازته إلا مروان بن الحکم- و ابنه عثمان و ثلاثه من موالیه- فرفعت ابنته صوتها تندبه- و قد جعل طلحه ناسا هناک أکمنهم کمینا- فأخذتهم الحجاره و صاحوا نعثل نعثل- فقالوا الحائط الحائط فدفن فی حائط هناک- . و روى الواقدی قال لما قتل عثمان تکلموا فی دفنه- فقال طلحه یدفن بدیر سلع یعنی مقابر الیهود- .

و ذکر الطبری فی تاریخه هذا- إلا أنه روى عن طلحه فقال قال رجل- یدفن بدیر سلع- فقال حکیم بن حزام و الله لا یکون هذا أبدا- و أحد من ولد قصی حی حتى کاد الشر یلتحم- فقال ابن عدیس البلوی أیها الشیخ- و ما یضرک أین دفن قال لا یدفن إلا ببقیع الغرقد- حیث دفن سلفه و رهطه- فخرج به حکیم بن حزام فی اثنی عشر رجلا- منهم الزبیر بن العوام فمنعهم الناس عن البقیع- فدفنوه بحش کوکب- .

و روى الطبری فی التاریخ أن عثمان لما حصر- کان علی ع بخیبر فی أمواله- فلما قدم أرسل إلیه یدعوه- فلما دخل علیه قال له إن لی علیک حقوقا- حق الإسلام و حق النسب- و حق ما لی علیک من العهد و المیثاق- و و الله أن لو لم یکن من هذا کله شی‏ء و کنا فی جاهلیه- لکان عارا على بنی عبد مناف أن یبتزهم أخو تیم ملکهم- یعنی طلحه- فقال له ع سیأتیک الخبر- ثم قام فدخل المسجد فرأى أسامه بن زید جالسا- فدعاه فاعتمد على یده و خرج یمشی إلى طلحه- فدخل داره و هی دحاس من الناس- فقام ع فقال یا طلحه ما هذا الأمر الذی وقعت فیه- فقال یا أبا أحسن أ بعد ما مس الحزام الطبیین- فانصرف علی ع و لم یحر إلیه شیئا حتى أتى بیت المال- فنادى افتحوا هذا الباب فلم یقدروا على فتحه- فقال اکسروه فکسر فقال أخرجوا هذا المال- فجعلوا یخرجونه و هو یعطی الناس- و بلغ الذین فی دار طلحه ما صنع علی ع- فجعلوا یتسللون إلیه حتى بقی طلحه وحده و بلغ الخبر عثمان- فسر بذلک ثم أقبل طلحه یمشی عامدا إلى دار عثمان فاستأذن علیه- فلما دخل قال یا أمیر المؤمنین أستغفر الله و أتوب إلیه- لقد رمت أمرا حال الله بینی و بینه- فقال عثمان إنک و الله ما جئت تائبا- و لکن جئت مغلوبا و الله حسیبک یا طلحه- . ثم قسم ع حال طلحه فقال- لا یخلو إما أن یکون معتقدا حل دم عثمان أو حرمته- أو یکون شاکا فی الأمرین- فإن کان یعتقد حله لم یجز له أن ینقض البیعه- لنصره إنسان حلال الدم- و إن کان یعتقد حرمته- فقد کان یجب علیه أن ینهنه عنه الناس أی یکفهم- .

و أن یعذر فیه بالتشدید أی یقصر و لم یفعل ذلک- و إن کان شاکا- فقد کان یجب علیه أن یعتزل الأمر و یرکد جانبا- و لم یعتزل و إنما صلی بنار الفتنه و أصلاها غیره- . فإن قلت یمکن أن یکون طلحه- اعتقد إباحه دم عثمان أولا- ثم تبدل ذلک الاعتقاد بعد قتله- فاعتقد أن قتله حرام- و أنه یجب أن یقتص من قاتلیه- . قلت لو اعترف بذلک لم یقسم علی ع هذا التقسیم- و إنما قسمه لبقائه على اعتقاد واحد- و هذا التقسیم مع فرض بقائه- على اعتقاد واحد صحیح لا مطعن فیه- و کذا کان حال طلحه فإنه لم ینقل عنه- أنه قال ندمت على ما فعلت بعثمان- فإن قلت کیف قال أمیر المؤمنین ع- فما فعل واحده من الثلاث و قد فعل واحده منها- لأنه وازر قاتلیه حیث کان محصورا- . قلت مراده ع أنه إن کان عثمان ظالما- وجب أن یؤازر قاتلیه بعد قتله- یحامی عنهم و یمنعهم ممن یروم دماءهم- و معلوم أنه لم یفعل ذلک و إنما وازرهم و عثمان حی- و ذلک غیر داخل فی التقسیم

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۸

خطبه ۱۷۴ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۷۴ و من خطبه له ع

أَمِینُ وَحْیِهِ وَ خَاتَمُ رُسُلِهِ- وَ بَشِیرُ رَحْمَتِهِ وَ نَذِیرُ نِقْمَتِهِ- أَیُّهَا النَّاسُ- إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَیْهِ- وَ أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ فِیهِ- فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ- وَ لَعَمْرِی لَئِنْ کَانَتِ الْإِمَامَهُ لَا تَنْعَقِدُ- حَتَّى تَحْضُرَهَا عَامَّهُ النَّاسِ مَا إِلَى ذَلِکَ سَبِیلٌ- وَ لَکِنْ أَهْلُهَا یَحْکُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا- ثُمَّ لَیْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ یَرْجِعَ وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ یَخْتَارَ- أَلَا وَ إِنِّی أُقَاتِلُ رَجُلَیْنِ- رَجُلًا ادَّعَى مَا لَیْسَ لَهُ وَ آخَرَ مَنَعَ الَّذِی عَلَیْهِ صدر الکلام فی ذکر رسول الله ص و یتلوه فصول- .

أولها أن أحق الناس بالإمامه أقواهم علیها- و أعلمهم بحکم الله فیها- و هذا لا ینافی مذهب أصحابنا البغدادیین- فی صحه إمامه المفضول- لأنه ما قال إن إمامه غیر الأقوى فاسده- و لکنه قال إن الأقوى أحق- و أصحابنا لا ینکرون أنه ع أحق ممن تقدمه بالإمامه- مع قولهم بصحه إمامه المتقدمین- لأنه لا منافاه بین کونه أحق و بین صحه إمامه غیره- .

فإن قلت- أی فرق بین أقواهم علیه و أعلمهم بأمر الله فیه- قلت أقواهم أحسنهم سیاسه- و أعلمهم بأمر الله أکثرهم علما- و إجراء للتدبیر بمقتضى العلم- و بین الأمرین فرق واضح- فقد یکون سائسا حاذقا و لا یکون عالما بالفقه- و قد یکون سائسا فقیها- و لا یجری التدبیر على مقتضى علمه و فقهه- .

و ثانیها أن الإمامه لا یشترط فی صحه انعقادها- أن یحضرها الناس کافه- لأنه لو کان ذلک مشترطا- لأدى إلى ألا تنعقد إمامه أبدا- لتعذر اجتماع المسلمین من أطراف الأرض- و لکنها تنعقد بعقد العلماء- و أهل الحل و العقد الحاضرین- ثم لا یجوز بعد عقدها لحاضریها- أن یرجعوا من غیر سبب یقتضی رجوعهم- و لا یجوز لمن غاب عنها أن یختار غیر من عقد له- بل یکون محجوجا بعقد الحاضرین- مکلفا طاعه الإمامه المعقود له- و على هذا جرت الحال فی خلافه أبی بکر و عمر و عثمان- و انعقد إجماع المسلمین علیه- و هذا الکلام تصریح بصحه مذهب أصحابنا- فی أن الاختیار طریق إلى الإمامه- و مبطل لما تقوله الإمامیه من دعوى النص علیه- و من قولهم لا طریق إلى الإمامه سوى النص أو المعجز- .

و ثالثها- أن الخارج على الإمام یستعتب أولا بالکلام و المراسله- فإن أبى قوتل و هذا هو نص الکتاب العزیز- وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما- فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏- فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّى تَفِی‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ- .

و رابعها أنه یقاتل أحد رجلین- إما رجلا ادعى ما لیس له- نحو أن یخرج على الإمام من یدعی الخلافه لنفسه- و إما رجلا منع ما علیه- نحو أن یخرج على الإمام رجل لا یدعی الخلافه- و لکنه یمتنع من الطاعه فقط- . فإن قلت الخارج على الإمام مدع الخلافه لنفسه- مانع ما علیه أیضا لأنه قد امتنع من الطاعه- فقد دخل أحد القسمین فی الآخر- .

قلت لما کان مدعی الخلافه قد اجتمع له أمران- إیجابی و سلبی فالإیجابی دعواه الخلافه- و السلبی امتناعه من الطاعه- کان متمیزا ممن لم یحصل له إلا القسم السلبی فقط- و هو مانع الطاعه لا غیر- فکان الأحسن فی فن علم البیان- أن یشتمل اللفظ على التقسیم الحاضر للإیجاب و السلب- فلذلک قال إما مدعیا ما لیس له أو مانعا ما هو علیه:

أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ- فَإِنَّهَا خَیْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِهِ- وَ خَیْرُ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللَّهِ- وَ قَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ أَهْلِ الْقِبْلَهِ- وَ لَا یَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ وَ الصَّبْرِ- وَ الْعِلْمِ بِمَوَاقِعِ الْحَقِّ- فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَ قِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ- وَ لَا تَعْجَلُوا فِی أَمْرٍ حَتَّى تَتَبَیَّنُوا- فَإِنَّ لَنَا مَعَ کُلِّ أَمْرٍ تُنْکِرُونَهُ غِیَراً- أَلَا وَ إِنَّ هَذِهِ الدُّنْیَا الَّتِی أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا- وَ تَرْغَبُونَ فِیهَا وَ أَصْبَحَتْ تُغْضِبُکُمْ وَ تُرْضِیکُمْ- لَیْسَتْ بِدَارِکُمْ وَ لَا مَنْزِلِکُمُ الَّذِی خُلِقْتُمْ لَهُ- وَ لَا الَّذِی دُعِیتُمْ إِلَیْهِ- أَلَا وَ إِنَّهَا لَیْسَتْ بِبَاقِیَهٍ لَکُمْ وَ لَا تَبْقَوْنَ عَلَیْهَا- وَ هِیَ وَ إِنْ غَرَّتْکُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْکُمْ شَرَّهَا- فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِیرِهَا وَ أَطْمَاعَهَا لِتَخْوِیفِهَا- وَ سَابِقُوا فِیهَا إِلَى الدَّارِ الَّتِی دُعِیتُمْ إِلَیْهَا- وَ انْصَرِفُوا بِقُلُوبِکُمْ عَنْهَا- وَ لَا یَخِنَّنَّ أَحَدُکُمْ خَنِینَ الْأَمَهِ عَلَى مَا زُوِیَ عَنْهُ مِنْهَا- وَ اسْتَتِمُّوا نِعْمَهَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَهِ اللَّهِ- وَ الْمُحَافَظَهِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَکُمْ مِنْ کِتَابِهِ- أَلَا وَ إِنَّهُ لَا یَضُرُّکُمْ تَضْیِیعُ شَیْ‏ءٍ مِنْ دُنْیَاکُمْ- بَعْدَ حِفْظِکُمْ قَائِمَهَ دِینِکُمْ-أَلَا وَ إِنَّهُ لَا یَنْفَعُکُمْ بَعْدَ تَضْیِیعِ دِینِکُمْ شَیْ‏ءٌ- حَافَظْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْیَاکُمْ- أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِکُمْ إِلَى الْحَقِّ- وَ أَلْهَمَنَا وَ إِیَّاکُمُ الصَّبْرَ لم یکن المسلمون قبل حرب الجمل- یعرفون کیفیه قتال أهل القبله- و إنما تعلموا فقه ذلک من أمیر المؤمنین ع- .

و قال الشافعی- لو لا علی لما عرف شی‏ء من أحکام أهل البغی- . قوله ع و لا یحمل هذا العلم إلا أهل البصر و الصبر- و ذلک لأن المسلمین عظم عندهم حرب أهل القبله و أکبروه- و من أقدم عندهم علیه أقدم على خوف و حذر- فقال ع إن هذا العلم لیس یدرکه کل أحد- و إنما له قوم مخصوصون- . ثم أمرهم بالمضی عند ما یأمرهم به- و بالانتهاء عما ینهاهم عنه- و نهاهم عن أن یعجلوا بالحکم على أمر ملتبس- حتى یتبین و یتضح- . ثم قال إن عندنا تغییرا لکل ما تنکرونه من الأمور- حتى یثبت أنه یجب إنکارها و تغییرها- أی لست کعثمان أصر على ارتکاب ما أنهى عنه- بل أغیر کل ما ینکره المسلمون- و یقتضی الحال و الشرع تغییره- .

ثم ذکر أن الدنیا التی تغضب الناس و ترضیهم- و هی منتهى أمانیهم و رغبتهم لیست دارهم- و إنما هی طریق إلى الدار الآخره- و مده اللبث فی ذلک الطریق یسیره جدا- . و قال إنها و إن کانت غراره- فإنها منذره و محذره لأبنائها بما رأوه- من آثارها فی‏سلفهم و إخوتهم و أحبائهم- و مناداتها على نفسها بأنها فاعله بهم- ما فعلت بأولئک من الفناء و فراق المألوف- . قال فدعوا غرورها لتحذیرها- و ذلک لأن جانب تحذیرها- أولى بأن یعمل علیه من جانب غرورها- لأن غرورها إنما هو بأمر سریع مع التصرم و الانقضاء- و تحذیرها إنما هو لأمر جلیل عظیم- فإن الفناء المعجل محسوس- و قد دل العقل و الشرائع کافه- على أن بعد ذلک الفناء سعاده و شقاوه- فینبغی للعاقل أن یحذر من تلک الشقاوه- و یرغب فی تلک السعاده- و لا سبیل إلى ذلک إلا برفض غرور الدنیا- على أنه لو لم یکن ذلک- لکان الواجب على أهل اللب و البصیره رفضها- لأن الموجود منها خیال فإنه أشبه شی‏ء بأحلام المنام- فالتمسک به و الإخلاد إلیه حمق- .و الخنین صوت یخرج من الأنف عند البکاء- و أضافه إلى الأمه- لأن الإماء کثیرا ما یضربن فیبکین و یسمع الخنین منهن- و لأن الحره تأنف من البکاء و الخنین- و زوی قبض- .

ثم ذکر أنه لا یضر المکلف فوات قسط من الدنیا- إذا حفظ قائمه دینه- یعنی القیام بالواجبات و الانتهاء عن المحظورات- و لا ینفعه حصول الدنیا کلها بعد تضییعه دینه- لأن ابتیاع لذه متناهیه بلذه غیر متناهیه- یخرج اللذه المتناهیه من باب کونها نفعا- و یدخلها فی باب المضار- فکیف إذا انضاف إلى عدم اللذه غیر المتناهیه- حصول مضار و عقوبات غیر متناهیه أعاذنا الله منها

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۷

خطبه ۱۷۳ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۷۳ و من خطبه له ع

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا تُوَارِی عَنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً- وَ لَا أَرْضٌ أَرْضاً هذا الکلام یدل على إثبات أرضین بعضها فوق بعض- کما أن السماوات کذلک- و لم یأت فی الکتاب العزیز ما یدل على هذا إلا قوله تعالى- اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ- و هو قول کثیر من المسلمین- . و قد تأول ذلک أرباب المذهب الآخر- القائلون بأنها أرض واحده- فقالوا إنها سبعه أقالیم- فالمثلیه هی من هذا الوجه- لا من تعدد الأرضین فی ذاتها- . و یمکن أن یتأول مثل ذلک کلام أمیر المؤمنین ع- فیقال إنها و إن کانت أرضا واحده- لکنها أقالیم و أقطار مختلفه و هی کریه الشکل- فمن على حدبه الکره لا یرى من تحته و من تحته لا یراه- و من على أحد جانبیها لا یرى من على الجانب الآخر- و الله تعالى یدرک ذلک کله أجمع- و لا یحجب عنه شی‏ء منها بشی‏ء منها- .

فأما قوله ع لا تواری عنه سماء سماء- فلقائل أن یقول- و لا یتوارى شی‏ء من السماوات عن المدرکین منا- لأنها شفافه فأی خصیصه للباری تعالى فی ذلک- فینبغی أن یقال هذا الکلام على قاعده غیر القاعده الفلسفیه- بل هو على قاعده الشریعه الإسلامیه- التی تقتضی أن السماوات تحجب ما وراءها- عن المدرکین بالحاسه- و أنها لیست طباقا متراصه- بل بینها خلق من خلق الله تعالى لا یعلمهم غیره- و اتباع هذا القول و اعتقاده أولى منها- :

وَ قَدْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّکَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ لَحَرِیصٌ- فَقُلْتُ بَلْ أَنْتُمْ وَ اللَّهِ لَأَحْرَصُ وَ أَبْعَدُ وَ أَنَا أَخَصُّ وَ أَقْرَبُ- وَ إِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِی وَ أَنْتُمْ تَحُولُونَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ- وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِی دُونَهُ- فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّهِ فِی الْمَلَإِ الْحَاضِرِینَ- هَبَّ کَأَنَّهُ بُهِتَ لَا یَدْرِی مَا یُجِیبُنِی بِهِ- اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیکَ عَلَى قُرَیْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ- فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی وَ صَغَّرُوا عَظِیمَ مَنْزِلَتِیَ- وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِی أَمْراً هُوَ لِی- ثُمَّ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِی الْحَقِّ أَنْ تَتْرُکَهُ هذا من خطبه یذکر فیها ع ما جرى یوم الشورى- بعد مقتل عمر- و الذی قال له إنک على هذا الأمر لحریص- سعد بن أبی وقاص مع روایته فیه- أنت منی بمنزله هارون من موسى و هذا عجب فقال لهم- بل أنتم و الله أحرص و أبعد… الکلام المذکور- و قد رواه الناس کافه- . و قالت الإمامیه هذا الکلام یوم السقیفه- و الذی قال له إنک على هذا الأمر لحریص أبو عبیده بن الجراح- و الروایه الأولى أظهر و أشهر- .

و روی فلما قرعته بالتخفیف أی صدمته بها- . و روی هب لا یدری ما یجیبنی- کما تقول استیقظ و انتبه- کأنه کان غافلا ذاهلا عن الحجه فهب لما ذکرتها- . أستعدیک- أطلب أن تعدینی علیهم و أن تنتصف لی منهم- . قطعوا رحمی لم یرعوا قربه من رسول الله ص- . و صغروا عظیم منزلتی- لم یقفوا مع النصوص الوارده فیه- . و أجمعوا على منازعتی أمرا هو لی- أی بالأفضلیه أنا أحق به منهم- هکذا ینبغی أن یتأول کلامه- . و کذلک قوله إنما أطلب حقا لی و أنتم تحولون بینی و بینه- و تضربون وجهی دونه- . قال ثم قالوا ألا إن فی الحق أن تأخذه- و فی الحق أن تترکه- قال لم یقتصروا على أخذ حقی ساکتین عن الدعوى- و لکنهم أخذوه و ادعوا أن الحق لهم- و أنه یجب علی أن أترک المنازعه فیه- فلیتهم أخذوه معترفین بأنه حقی- فکانت المصیبه به أخف و أهون- . و اعلم أنه قد تواترت الأخبار عنه ع بنحو من هذا القول- نحو

قوله ما زلت مظلوما منذ قبض الله رسوله- حتى یوم الناس هذا

وقوله اللهم أخز قریشا- فإنها منعتنی حقی و غصبتنی أمری

وقوله فجزى قریشا عنی الجوازی- فإنهم ظلمونی حقی و اغتصبونی سلطان ابن أمی

وقوله و قد سمع صارخا ینادی أنا مظلوم- فقال هلم فلنصرخ معا فإنی ما زلت مظلوما

وقوله و إنه لیعلم أن محلی منها محل القطب من الرحى

وقوله أرى تراثی نهبا

وقوله أصغیا بإنائنا و حملا الناس على رقابنا

وقوله إن لنا حقا إن نعطه نأخذه- و إن نمنعه نرکب أعجاز الإبل و إن طال السرى

وقوله ما زلت مستأثرا علی- مدفوعا عما أستحقه و أستوجبه

و أصحابنا یحملون ذلک کله على ادعائه الأمر- بالأفضلیه و الأحقیه و هو الحق و الصواب- فإن حمله على الاستحقاق بالنص تکفیر أو تفسیق- لوجوه المهاجرین و الأنصار- و لکن الإمامیه و الزیدیه حملوا هذه الأقوال على ظواهرها- و ارتکبوا بها مرکبا صعبا- و لعمری إن هذه الألفاظ- موهمه مغلبه على الظن ما یقوله القوم- و لکن تصفح الأحوال یبطل ذلک الظن- و یدرأ ذلک الوهم- فوجب أن یجری مجرى الآیات المتشابهات الموهمه- ما لا یجوز على البارئ فإنه لا نعمل بها- و لا نعول على ظواهرها- لأنا لما تصفحنا أدله العقول- اقتضت العدول عن ظاهر اللفظ- و أن تحمل على التأویلات المذکوره فی الکتب- .

و حدثنی یحیى بن سعید بن علی الحنبلی المعروف بابن عالیه- من ساکنی قطفتا بالجانب الغربی من بغداد- و أجد الشهود المعدلین بها- قال کنت حاضرا مجلس الفخر إسماعیل بن علی الحنبلی- الفقیه المعروف بغلام بن المنى- و کان الفخر إسماعیل بن علی هذا- مقدم‏ الحنابله ببغداد فی الفقه و الخلاف- و یشتغل بشی‏ء فی علم المنطق و کان حلو العباره- و قد رأیته أنا و حضرت عنده و سمعت کلامه- و توفی سنه عشر و ستمائه- . قال ابن عالیه و نحن عنده نتحدث- إذ دخل شخص من الحنابله- قد کان له دین على بعض أهل الکوفه- فانحدر إلیه یطالبه به- و اتفق أن حضرت زیاره یوم الغدیر- و الحنبلی المذکور بالکوفه- و هذه الزیاره هی الیوم الثامن عشر من ذی الحجه- و یجتمع بمشهد أمیر المؤمنین ع- من الخلائق جموع عظیمه- تتجاوز حد الإحصاء- .

قال ابن عالیه فجعل الشیخ الفخر یسأل ذلک الشخص- ما فعلت ما رأیت هل وصل مالک إلیک- هل بقی لک منه بقیه عند غریمک و ذلک یجاوبه- حتى قال له یا سیدی لو شاهدت یوم الزیاره یوم الغدیر- و ما یجری عند قبر علی بن أبی طالب- من الفضائح و الأقوال الشنیعه- و سب الصحابه جهارا بأصوات مرتفعه- من غیر مراقبه و لا خیفه- فقال إسماعیل أی ذنب لهم و الله ما جراهم على ذلک- و لا فتح لهم هذا الباب إلا صاحب ذلک القبر- فقال ذلک الشخص و من صاحب القبر- قال علی بن أبی طالب- قال یا سیدی هو الذی سن لهم ذلک- و علمهم إیاه و طرقهم إلیه قال نعم و الله- قال یا سیدی فإن کان محقا فما لنا أن نتولى فلانا و فلانا- و إن کان مبطلا فما لنا نتولاه- ینبغی أن نبرأ إما منه أو منهما- .

قال ابن عالیه فقام إسماعیل مسرعا فلبس نعلیه- و قال لعن الله إسماعیل الفاعل- إن کان یعرف جواب هذه المسأله- و دخل دار حرمه و قمنا نحن و انصرفنا: مِنْهَا فِی ذِکْرِ أَصْحَابِ الْجَمَلِ- فَخَرَجُوا یَجُرُّونَ حُرْمَهَ رَسُولِ اللَّهِ ص- کَمَا تُجَرُّ الْأَمَهُ عِنْدَ شِرَائِهَا-مُتَوَجِّهِینَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَهِ- فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِی بُیُوتِهِمَا- وَ أَبْرَزَا حَبِیسَ رَسُولِ اللَّهِ ص لَهُمَا وَ لِغَیْرِهِمَا- فِی جَیْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَ قَدْ أَعْطَانِیَ الطَّاعَهَ- وَ سَمَحَ لِی بِالْبَیْعَهِ طَائِعاً غَیْرَ مُکْرَهٍ- فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِی بِهَا- وَ خُزَّانِ بَیْتِ مَالِ الْمُسْلِمِینَ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا- فَقَتَلُوا طَائِفَهً صَبْراً وَ طَائِفَهً غَدْراً- فَوَاللَّهِ إِنْ لَوْ لَمْ یُصِیبُوا مِنَ الْمُسْلِمِینَ- إِلَّا رَجُلًا وَاحِداً مُعْتَمِدِینَ لِقَتْلِهِ- بِلَا جُرْمٍ جَرَّهُ لَحَلَّ لِی قَتْلُ ذَلِکَ الْجَیْشِ کُلِّهِ- إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ یُنْکِرُوا- وَ لَمْ یَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَ لَا بِیَدٍ- دَعْ مَا إِنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِینَ- مِثْلَ الْعِدَّهِ الَّتِی دَخَلُوا بِهَا عَلَیْهِمْ حرمه رسول الله ص کنایه عن الزوجه- و أصله الأهل و الحرم- و کذلک حبیس رسول الله ص کنایه عنها- . و قتلوهم صبرا أی بعد الأسر- و قوله فو الله إن لو لم یصیبوا إن هاهنا زائده- و یجوز أن تکون مخففه من الثقیله- .

و یسأل عن قوله ع- لو لم یصیبوا إلا رجلا واحدا- لحل لی قتل ذلک الجیش بأسره- لأنهم حضروه فلم ینکروا- فیقال أ یجوز قتل من لم ینکر المنکر مع تمکنه من إنکاره- . و الجواب أنه یجوز قتلهم- لأنهم اعتقدوا ذلک القتل مباحا- فإنهم إذا اعتقدوا إباحته- فقد اعتقدوا إباحه ما حرم الله- فیکون حالهم حال من اعتقد أن الزنا مباح- أو أن شرب الخمر مباح- .

و قال القطب الراوندی- یرید أنهم داخلون فی عموم قوله تعالى- إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ- وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا- . و لقائل أن یقول الإشکال إنما وقع فی قوله- لو لم یصیبوا من المسلمین إلا رجلا واحدا- لحل لی قتل ذلک الجیش بأسره- لأنهم حضروا المنکر و لم یدفعوه بلسان و لا ید- فهو علل استحلاله قتلهم بأنهم لم ینکروا المنکر- و لم یعلل ذلک بعموم الآیه- . و أما معنى قوله دع ما إنهم قد قتلوا من المسلمین- مثل العده التی دخلوا بها علیهم- فهو أنه لو کان المقتول واحدا لحل لی قتلهم کلهم- فکیف و قد قتلوا من المسلمین عده مثل عدتهم- التی دخلوا بها البصره و ما هاهنا زائده- . و صدق ع فإنهم قتلوا من أولیائه- و خزان بیت المال بالبصره خلقا کثیرا- بعضهم غدرا و بعضهم صبرا کما خطب به ع

ذکر یوم الجمل و مسیر عائشه إلى القتال

و روى أبو مخنف قال حدثنا إسماعیل بن خالد- عن قیس بن أبی حازم و روى الکلبی- عن أبی صالح عن ابن عباس- و روى جرین بن یزید عن عامر الشعبی- و روى محمد بن إسحاق عن حبیب بن عمیر قالوا جمیعا- لما خرجت عائشه و طلحه و الزبیر من مکه إلى البصره- طرقت ماء الحوأب و هو ماء لبنی عامر بن صعصعه- فنبحتهم الکلاب فنفرت صعاب إبلهم- فقال قائل منهم- لعن الله الحوأب فما أکثر کلابها- فلما سمعت عائشه ذکر الحوأب- قالت أ هذا ماء الحوأب قالوا نعم- فقالت ردونی ردونی- فسألوها ما شأنها ما بدا لها-فقالت إنی سمعت رسول الله ص یقول کأنی بکلاب‏ماء یدعى الحوأب قد نبحت بعض نسائی- ثم قال لی إیاک یا حمیراء أن تکونیها- فقال لها الزبیر مهلا یرحمک الله- فإنا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ کثیره- فقالت أ عندک من یشهد بأن هذه الکلاب النابحه- لیست على ماء الحوأب- فلفق لها الزبیر و طلحه خمسین أعرابیا جعلا لهم جعلا- فحلفوا لها و شهدوا أن هذا الماء لیس بماء الحوأب- فکانت هذه أول شهاده زور فی الإسلام- فسارت عائشه لوجهها- .

قال أبو مخنف و حدثنا عصام بن قدامه عن عکرمه عن ابن عباس أن رسول الله ص قال یوما لنسائه و هن عنده جمیعا- لیت شعری أیتکن صاحبه الجمل الأدبب- تنبحها کلاب الحوأب- یقتل عن یمینها و شمالها قتلى کثیره- کلهم فی النار و تنجو بعد ما کادت- . قلت و أصحابنا المعتزله رحمهم الله- یحملون قوله ع و تنجو على نجاتها من النار- و الإمامیه یحملون ذلک على نجاتها من القتل- و محملنا أرجح- لأن لفظه فی النار أقرب إلیه من لفظه القتلى- و القرب معتبر فی هذا الباب- أ لا ترى أن نحاه البصریین أعملوا أقرب العاملین- نظرا إلى القرب- .

قال أبو مخنف و حدثنی الکلبی عن أبی صالح عن ابن عباس- أن الزبیر و طلحه أغذا السیر بعائشه- حتى انتهوا إلى حفر أبی موسى الأشعری- و هو قریب من البصره- و کتبا إلى عثمان بن حنیف الأنصاری- و هو عامل علی ع على البصره- أن أخل لنا دار الإماره- فلما وصل کتابهما إلیه بعث الأحنف بن قیس- فقال له إن هؤلاء القوم قدموا علینا و معهم زوجه رسول الله- و الناس إلیها سراع کما ترى- فقال الأحنف‏إنهم جاءوک بها للطلب بدم عثمان- و هم الذین ألبوا على عثمان الناس و سفکوا دمه- و أراهم و الله لا یزایلون حتى یلقوا العداوه بیننا- و یسفکوا دماءنا- و أظنهم و الله سیرکبون منک خاصه ما لا قبل لک به- إن لم تتأهب لهم بالنهوض إلیهم- فیمن معک من أهل البصره- فإنک الیوم الوالی علیهم- و أنت فیهم مطاع فسر إلیهم بالناس- و بادرهم قبل أن یکونوا معک فی دار واحده- فیکون الناس لهم أطوع منهم لک- .

فقال عثمان بن حنیف الرأی ما رأیت- لکننی أکره الشر و أن أبدأهم به- و أرجو العافیه و السلامه إلى أن یأتینی- کتاب أمیر المؤمنین- و رأیه فأعمل به- ثم أتاه بعد الأحنف حکیم بن جبله العبدی- من بنی عمرو بن ودیعه- فأقرأه کتاب طلحه و الزبیر فقال له مثل قول الأحنف- و أجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف- فقال له حکیم فأذن لی حتى أسیر إلیهم بالناس- فإن دخلوا فی طاعه أمیر المؤمنین- و إلا نابذتهم على سواء- . فقال عثمان لو کان ذلک رأیی لسرت إلیهم نفسی- قال حکیم أما و الله إن دخلوا علیک هذا المصر- لینتقلن قلوب کثیر من الناس إلیهم- و لیزیلنک عن مجلسک هذا- و أنت أعلم فأبى علیه عثمان- .

قال و کتب علی إلى عثمان لما بلغه مشارفه القوم البصره من عبد الله علی أمیر المؤمنین إلى عثمان بن حنیف أما بعد- فإن البغاه عاهدوا الله ثم نکثوا- و توجهوا إلى مصرک- و ساقهم الشیطان لطلب ما لا یرضى الله به- و الله أشد بأسا و أشد تنکیلا- فإذا قدموا علیک فادعهم إلى الطاعه- و الرجوع إلى الوفاء بالعهد- و المیثاق الذی فارقونا علیه- فإن أجابوا فأحسن جوارهم ما دامواعندک- و إن أبو إلا التمسک بحبل النکث و الخلاف- فناجزهم القتال حتى یحکم الله بینک و بینهم- و هو خیر الحاکمین- و کتبت کتابی هذا إلیک من الربذه- و أنا معجل المسیر إلیک إن شاء الله- .

و کتبه عبید الله بن أبی رافع فی سنه ست و ثلاثین قال فلما وصل کتاب علی ع إلى عثمان- أرسل إلى أبی الأسود الدؤلی- و عمران بن الحصین الخزاعی- فأمرهما أن یسیرا حتى یأتیاه بعلم القوم- و ما الذی أقدمهم- فانطلقا حتى إذا أتیا حفر أبی موسى و به معسکر القوم- فدخلا على عائشه فنالاها و وعظاها- و أذکراها و ناشداها الله- فقالت لهما القیا طلحه و الزبیر- فقاما من عندها و لقیا الزبیر فکلماه- فقال لهما إنا جئنا للطلب بدم عثمان- و ندعو الناس إلى أن یردوا أمر الخلافه شورى- لیختار الناس لأنفسهم- فقالا له إن عثمان لم یقتل بالبصره لیطلب دمه فیها- و أنت تعلم قتله عثمان من هم و أین هم- و إنک و صاحبک و عائشه کنتم أشد الناس علیه- و أعظمهم إغراء بدمه فأقیدوا من أنفسکم- و أما إعاده أمر الخلافه شورى- فکیف و قد بایعتم علیا طائعین غیر مکرهین- و أنت یا أبا عبد الله لم یبعد العهد بقیامک دون هذا الرجل- یوم مات رسول الله ص- و أنت آخذ قائم سیفک تقول- ما أحد أحق بالخلافه منه و لا أولى بها منه- و امتنعت من بیعه أبی بکر- فأین ذلک الفعل من هذا القول- .

فقال لهما اذهبا فالقیا طلحه- فقاما إلى طلحه فوجداه أخشن الملمس- شدید العریکه- قوی العزم فی إثاره الفتنه و إضرام نار الحرب- فانصرفا إلى عثمان بن حنیف- فأخبراه و قال له أبو الأسود-

یا ابن حنیف قد أتیت فانفر
و طاعن القوم و جالد و اصبر
و ابرز لها مستلئما و شمر

فقال ابن حنیف إی و الحرمین لأفعلن- و أمر منادیه فنادى فی الناس السلاح السلاح- فاجتمعوا إلیه و قال أبو الأسود-

أتینا الزبیر فدانى الکلام
و طلحه کالنجم أو أبعد

و أحسن قولیهما فادح‏
یضیق به الخطب مستنکد

و قد أوعدونا بجهد الوعید
فأهون علینا بما أوعدوا

فقلنا رکضتم و لم ترملوا
و أصدرتم قبل أن توردوا

فإن تلقحوا الحرب بین الرجال
فملقحها حده الأنکد

و إن علیا لکم مصحر
ألا إنه الأسد الأسود

أما إنه ثالث العابدین
بمکه و الله لا یعبد

فرخوا الخناق و لا تعجلوا
فإن غدا لکم موعد

قال و أقبل القوم فلما انتهوا إلى المربد- قام رجل من بنی جشم فقال- أیها الناس أنا فلان الجشمی و قد أتاکم هؤلاء القوم- فإن کانوا أتوکم خائفین- لقد أتوکم من المکان الذی یأمن فیه الطیر- و الوحش و السباع- و إن کانوا إنما أتوکم بطلب دم عثمان فغیرنا ولی قتله- فأطیعونی أیها الناس و ردوهم من حیث أقبلوا- فإنکم إن لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس- و الفتنه الصماء التی لا تبقی و لا تذر- . قال فحصبه ناس من أهل البصره فأمسک- .

قال و اجتمع أهل البصره إلى المربد- حتى ملئوه مشاه و رکبانا- فقام طلحه فأشار إلى الناس بالسکون لیخطب- فسکتوا بعد جهد فقال أما بعد- فإن عثمان بن عفان کان من أهل السابقه و الفضیله- و من المهاجرین الأولین الذی رضی الله عنهم و رضوا عنه-و نزل القرآن ناطقا بفضلهم- و أحد أئمه المسلمین الوالین علیکم- بعد أبی بکر و عمر صاحبی رسول الله ص- و قد کان أحدث أحداثا نقمنا علیه- فأتیناه فاستعتبناه فأعتبنا- فعدا علیه امرؤ ابتز هذه الأمه أمرها- غصبا بغیر رضا منها و لا مشوره فقتله- و ساعده على ذلک قوم غیر أتقیاء و لا أبرار- فقتل محرما بریئا تائبا- و قد جئناکم أیها الناس نطلب بدم عثمان- و ندعوکم إلى الطلب بدمه- فإن نحن أمکننا الله من قتلته قتلناهم به- و جعلنا هذا الأمر شورى بین المسلمین- و کانت خلافه رحمه للأمه جمیعا- فإن کل من أخذ الأمر من غیر رضا من العامه- و لا مشوره منها ابتزازا- کان ملکه ملکا عضوضا و حدثا کثیرا- .

ثم قام الزبیر فتکلم بمثل کلام طلحه- .فقام إلیهما ناس من أهل البصره- فقالوا لهما أ لم تبایعا علیا فیمن بایعه- ففیم بایعتما ثم نکثتما فقالا ما بایعنا- و ما لأحد فی أعناقنا بیعه و إنما استکرهنا على بیعه- فقال ناس قد صدقا و أحسنا القول و قطعا بالثواب- و قال ناس ما صدقا و لا أصابا فی القول- حتى ارتفعت الأصوات- . قال ثم أقبلت عائشه على جملها- فنادت بصوت مرتفع أیها الناس أقلوا الکلام و اسکتوا- فأسکت الناس لها فقالت- إن أمیر المؤمنین عثمان قد کان غیر و بدل- ثم لم یزل یغسل ذلک بالتوبه حتى قتل مظلوما تائبا- و إنما نقموا علیه ضربه بالسوط و تأمیره الشبان- و حمایته موضع الغمامه- فقتلوه محرما فی حرمه الشهر و حرمه البلد- ذبحا کما یذبح الجمل ألا و إن قریشا رمت غرضها بنبالها- و أدمت أفواهها بأیدیها- و ما نالت بقتلها إیاه شیئا- و لا سلکت به سبیلا قاصدا- أما و الله لیرونها بلایا عقیمه تنتبه النائم- و تقیم الجالس و لیسلطن علیهم قوم لا یرحمونهم- و یسومونهم سوء العذاب- .

أیها الناس- إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما یستحل به دمه- مصتموه کما یماص الثوب الرحیض- ثم عدوتم علیه فقتلتموه بعد توبته و خروجه من ذنبه- و بایعتم ابن أبی طالب بغیر مشوره من الجماعه- ابتزازا و غصبا- ترانی أغضب لکم من سوط عثمان و لسانه- و لا أغضب لعثمان من سیوفکم- ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته- فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم- ثم اجعلوا الأمر شورى بین الرهط- الذین اختارهم أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب- و لا یدخل فیهم من شرک فی دم عثمان- . قال فماج الناس و اختلطوا- فمن قائل القول ما قالت و من قائل یقول- و ما هی و هذا الأمر إنما هی امرأه مأموره بلزوم بیتها- و ارتفعت الأصوات- و کثر اللغط حتى تضاربوا بالنعال و تراموا بالحصى- .

ثم إن الناس تمایزوا فصاروا فریقین- فریق مع عثمان بن حنیف و فریق مع عائشه و أصحابها- . قال و حدثنا الأشعث بن سوار عن محمد بن سیرین عن أبی الخلیل قال- لما نزل طلحه و الزبیر المربد- أتیتهما فوجدتهما مجتمعین- فقلت لهما ناشدتکما الله و صحبه رسول الله ص- ما الذی أقدمکما أرضنا هذه- فلم یتکلما فأعدت علیهما- فقالا بلغنا أن بأرضکم هذه دنیا فجئنا نطلبها- .

قال و قد روى محمد بن سیرین- عن الأحنف بن قیس أنه لقیهما- فقالا له مثل مقالتهما الأولى- إنما جئنا لطلب الدنیا- . وقد روى المدائنی أیضا نحوا مما روى أبو مخنف قال بعث علی ع ابن عباس یوم الجمل إلى الزبیر قبل الحرب- فقال له إن أمیر المؤمنین یقرأ علیک السلام- و یقول لکم أ لم تبایعنی طائعا غیر مکره- فما الذی رابک منی فاستحللت به قتالی- قال فلم یکن له جواب إلا أنه قال لی- إنا مع الخوف الشدید لنطمع لم یقل غیر ذلکقال أبو إسحاق فسألت محمد بن علی بن الحسین ع- ما تراه یعنی بقوله هذا فقال- أما و الله ما ترکت ابن عباس حتى سألته عن هذا- فقال یقول إنا مع الخوف الشدید مما نحن علیه- نطمع أن نلی مثل الذی ولیتموقال محمد بن إسحاق حدثنی جعفر بن محمد ع عن أبیه عن ابن عباس قال بعثنی علی ع یوم الجمل إلى طلحه و الزبیر- و بعث معی بمصحف منشور و إن الریح لتصفق ورقه- فقال لی قل لهما هذا کتاب الله بیننا و بینکم- فما تریدان- فلم یکن لهما جواب إلا أن قالا نرید ما أراد- کأنهما یقولان الملک- فرجعت إلى علی فأخبرته- .

و قد روى قاضی القضاه رحمه الله فی کتاب المغنی- عن وهب بن جریر قال- قال رجل من أهل البصره لطلحه و الزبیر- إن لکما فضلا و صحبه- فأخبرانی عن مسیرکماهذا و قتالکما- أ شی‏ء أمرکما به رسول الله ص أم رأی رأیتماه- فأما طلحه فسکت و جعل ینکت فی الأرض- و أما الزبیر فقال ویحک- حدثنا أن هاهنا دراهم کثیره فجئنا لنأخذ منها- .

و جعل قاضی القضاه هذا الخبر حجه فی أن طلحه تاب- و أن الزبیر لم یکن مصرا على الحرب- و الاحتجاج بهذا الخبر على هذا المعنى ضعیف- و إن صح هو و ما قبله إنه لدلیل على حمق شدید- و ضعف عظیم و نقص ظاهر- و لیت شعری ما الذی أحوجهما إلى هذا القول- و إذا کان هذا فی أنفسهما فهلا کتماه- . ثم نعود إلى خبرهما قال أبو مخنف- فلما أقبل طلحه و الزبیر من المربد- یریدان عثمان بن حنیف- فوجداه و أصحابه قد أخذوا بأفواه السکک- فمضوا حتى انتهوا إلى موضع الدباغین- فاستقبلهم أصحاب ابن حنیف- فشجرهم طلحه و الزبیر و أصحابهما بالرماح- فحمل علیهم حکیم بن جبله- فلم یزل هو و أصحابه یقاتلونهم- حتى أخرجوهم من جمیع السکک- و رماهم النساء من فوق البیوت بالحجاره- فأخذوا إلى مقبره بنی مازن- فوقفوا بها ملیا حتى ثابت إلیهم خیلهم- ثم أخذوا على مسناه البصره- حتى انتهوا إلى الرابوقه- ثم أتوا سبخه دار الرزق فنزلوها- .

قال و أتاهما عبد الله بن حکیم التمیمی- لما نزلا السبخه بکتب کانا کتباها إلیه- فقال لطلحه یا أبا محمد- أ ما هذا کتبک إلینا قال بلى- قال فکتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان و قتله- حتى إذا قتلته أتیتنا ثائرا بدمه- فلعمری ما هذا رأیک لا ترید إلا هذه الدنیا- مهلا إذا کان هذا رأیک- فلم قبلت من علی ما عرض علیک من البیعه-فبایعته طائعا راضیا ثم نکثت بیعتک- ثم جئت لتدخلنا فی فتنتک- فقال إن علیا دعانی إلى بیعته بعد ما بایع الناس- فعلمت لو لم أقبل ما عرضه علی لم یتم لی- ثم یغرى بی من معه- .

قال ثم أصبحنا من غد فصفا للحرب- و خرج عثمان بن حنیف إلیهما فی أصحابه- فناشدهما الله و الإسلام- و أذکرهما بیعتهما علیا ع- فقالا نطلب بدم عثمان- فقال لهما و ما أنتما و ذاک أین بنوه- أین بنو عمه الذین هم أحق به منکم کلا و الله- و لکنکما حسدتماه حیث اجتمع الناس علیه- و کنتما ترجوان هذا الأمر و تعملان له- و هل کان أحد أشد على عثمان قولا منکما- فشتماه شتما قبیحا و ذکرا أمه- فقال للزبیر أما و الله لو لا صفیه و مکانها من رسول الله- فإنها أدنتک إلى الظل- و أن الأمر بینی و بینک یا ابن الصعبه یعنی طلحه أعظم من القول- لأعلمتکما من أمرکما ما یسوءکما- اللهم إنی قد أعذرت إلى هذین الرجلین- .

ثم حمل علیهم و اقتتل الناس قتالا شدیدا- ثم تحاجزوا و اصطلحوا على أن یکتب بینهم کتاب صلح فکتب- . هذا ما اصطلح علیه عثمان بن حنیف الأنصاری- و من معه من المؤمنین من شیعه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب- و طلحه و الزبیر- و من معهما من المؤمنین و المسلمین من شیعتهما- أن لعثمان بن حنیف دار الإماره- و الرحبه و المسجد و بیت المال و المنبر- و أن لطلحه و الزبیر و من معهما- أن ینزلوا حیث شاءوا من البصره- و لا یضار بعضهم بعضا فی طریق و لا فرضه- و لا سوق و لا شرعه و لا مرفق- حتى یقدم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب- فإن أحبوا دخلوا فیما دخلت فیه الأمه- و إن أحبوا لحق کل قوم بهواهم- و ما أحبوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامه- و على الفریقین بما کتبوا عهد الله و میثاقه- و أشد ما أخذه على نبی من أنبیائه من عهد و ذمه- .

و ختم الکتاب- و رجع عثمان بن حنیف حتى دخل دار الإماره- و قال لأصحابه ألحقوا رحمکم الله بأهلکم- و ضعوا سلاحکم و داووا جرحاکم- فمکثوا کذلک أیاما- . ثم إن طلحه و الزبیر قالا- إن قدم علی- و نحن على هذه الحال من القله و الضعف- لیأخذن بأعناقنا- فأجمعا على مراسله القبائل و استماله العرب- فأرسلا إلى وجوه الناس و أهل الرئاسه و الشرف- یدعوانهم إلى الطلب بدم عثمان- و خلع علی و إخراج ابن حنیف من البصره- فبایعهم على ذلک الأزد و ضبه و قیس بن عیلان کلها- إلا الرجل و الرجلین من القبیله- کرهوا أمرهم فتواروا عنهم- و أرسلوا إلى هلال بن وکیع التمیمی فلم یأتهم- فجاءه طلحه و الزبیر إلى داره فتوارى عنهما- فقالت له أمه ما رأیت مثلک- أتاک شیخا قریش فتواریت عنهما- فلم تزل به حتى ظهر لهما- و بایعهما و معه بنو عمرو بن تمیم کلهم- و بنو حنظله إلا بنی یربوع- فإن عامتهم کانوا شیعه علی ع و بایعهم بنو دارم کلهم- إلا نفرا من بنی مجاشع ذوی دین و فضل- .

فلما استوسق لطلحه و الزبیر أمرهما- خرجا فی لیله مظلمه ذات ریح و مطر- و معهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع- و ظاهروا فوقها بالثیاب- فانتهوا إلى المسجد وقت الصلاه الفجر- و قد سبقهم عثمان بن حنیف إلیه و أقیمت الصلاه- فتقدم عثمان لیصلی بهم- فأخره أصحاب طلحه و الزبیر- و قدموا الزبیر فجاءت السبابجه و هم الشرط حرس بیت المال- فأخرجوا الزبیر و قدموا عثمان- فغلبهم أصحاب الزبیر- فقدموا الزبیر و أخروا عثمان- فلم یزالوا کذلک حتى کادت الشمس تطلع- و صاح بهم أهل المسجد- أ لا تتقون أصحاب محمد و قد طلعت الشمس- فغلب الزبیر فصلى بالناس- فلما انصرف من‏ صلاته صاح بأصحابه المستسلحین- أن خذوا عثمان بن حنیف- فأخذوه بعد أن تضارب هو- و مروان بن الحکم بسیفیهما- فلما أسر ضرب ضرب الموت- و نتف حاجباه و أشفار عینیه- و کل شعره فی رأسه و وجهه- و أخذوا السبابجه و هم سبعون رجلا- فانطلقوا بهم و بعثمان بن حنیف إلى عائشه- فقالت لأبان بن عثمان اخرج إلیه فاضرب عنقه- فإن الأنصار قتلت أباک و أعانت على قتله- فنادى عثمان یا عائشه و یا طلحه و یا زبیر- إن أخی سهل بن حنیف خلیفه علی بن أبی طالب على المدینه- و أقسم بالله إن قتلتمونی- لیضعن السیف فی بنی أبیکم و أهلیکم و رهطکم- فلا یبقى أحد منکم فکفوا عنه- و خافوا أن یقع سهل بن حنیف بعیالاتهم و أهلهم بالمدینه فترکوه- .

و أرسلت عائشه إلى الزبیر أن اقتل السبابجه- فإنه قد بلغنی الذی صنعوا بک- قال فذبحهم و الله الزبیر کما یذبح الغنم- ولی ذلک منهم عبد الله ابنه و هم سبعون رجلا- و بقیت منهم طائفه مستمسکین ببیت المال- قالوا لا ندفعه إلیکم حتى یقدم أمیر المؤمنین- فسار إلیهم الزبیر فی جیش لیلا فأوقع بهم- و أخذ منهم خمسین أسیرا فقتلهم صبرا- . قال أبو مخنف فحدثنا الصقعب بن زهیر قال- کانت السبابجه القتلى یومئذ أربعمائه رجل- قال فکان غدر طلحه و الزبیر بعثمان بن حنیف- أول غدر کان فی الإسلام- و کان السبابجه أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمین صبرا- قال و خیروا عثمان بن حنیف بین أن یقیم أو یلحق بعلی- فاختار الرحیل فخلوا سبیله فلحق بعلی ع- فلما رآه بکى و قال له فارقتک شیخا- و جئتک أمرد فقال علی إنا لله و إنا إلیه راجعون قالها ثلاثا- .

قلت السبابجه لفظه معربه- قد ذکرها الجوهری فی کتاب الصحاح- قال هم قوم من السند- کانوا بالبصره جلاوزه و حراس السجن- و الهاء للعجمه و النسب- قال یزید بن مفرغ الحمیری-

و طماطیم من سبابیج خزر
یلبسونی مع الصباح القیودا

 قال فلما بلغ حکیم بن جبله- ما صنع القوم بعثمان بن حنیف- خرج فی ثلاثمائه من عبد القیس مخالفا لهم و منابذا- فخرجوا إلیه و حملوا عائشه على جمل- فسمی ذلک الیوم یوم الجمل الأصغر- و یوم علی یوم الجمل الأکبر- . و تجالد الفریقان بالسیوف- فشد رجل من الأزد من عسکر عائشه على حکیم بن جبله- فضرب رجله فقطعها و وقع الأزدی عن فرسه- فجثا حکیم فأخذ رجله فرمى بها الأزدی- فصرعه ثم دب إلیه فقتله متکئا علیه- خانقا له حتى زهقت نفسه- فمر بحکیم إنسان و هو یجود بنفسه فقال من فعل بک- قال وسادی فنظر فإذا الأزدی تحته- و کان حکیم شجاعا مذکورا- .

قال و قتل مع حکیم إخوه له ثلاثه- و قتل أصحابه کلهم و هم ثلاثمائه من عبد القیس- و القلیل منهم من بکر بن وائل- فلما صفت البصره لطلحه و الزبیر- بعد قتل حکیم و أصحابه- و طرد ابن حنیف عنهما اختلفا فی الصلاه- و أراد کل منهما أن یؤم بالناس- و خاف أن تکون صلاته خلف صاحبه تسلیما له و رضا بتقدمه- فأصلحت بینهما عائشه- بأن جعلت عبد الله بن الزبیر و محمد بن طلحه یصلیان بالناس- هذا یوما و هذا یوما- . قال أبو مخنف ثم دخلا بیت المال بالبصره- فلما رأوا ما فیه من الأموال قال الزبیر- وَعَدَکُمُ اللَّهُ مَغانِمَ کَثِیرَهً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَکُمْ هذِهِ- فنحن أحق‏بها من أهل البصره- فأخذا ذلک المال کله- فلما غلب علی ع رد تلک الأموال إلى بیت المال- و قسمها فی المسلمین- . و قد ذکرنا فیما تقدم کیفیه الوقعه- و مقتل الزبیر فارا عن الحرب خوفا أو توبه- و نحن نقول إنها توبه- و ذکرنا مقتل طلحه و الاستیلاء على أم المؤمنین- و إحسان علی ع إلیها و إلى من أسر فی الحرب- أو ظفر به بعدها

منافره بین ولدی علی و طلحه

کان القاسم بن محمد بن یحیى بن طلحه بن عبید الله التیمی- یلقب أبا بعره ولی شرطه الکوفه- لعیسى بن موسى بن محمد بن علی بن عبد الله بن العباس- کلم إسماعیل بن جعفر بن محمد الصادق ع بکلام- خرجا فیه إلى المنافره- فقال القاسم بن محمد- لم یزل فضلنا و إحساننا سابغا علیکم یا بنی هاشم- و على بنی عبد مناف کافه- فقال إسماعیل- أی فضل و إحسان أسدیتموه إلى بنی عبد مناف- أغضب أبوک جدی بقوله لیموتن محمد- و لنجولن بین خلاخیل نسائه کما جال بین خلاخیل نسائنا- فأنزل الله تعالى مراغمه لأبیک- وَ ما کانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ- وَ لا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً- و منع ابن عمک أمی حقها من فدک و غیرها من میراث أبیها- و أجلب أبوک على عثمان و حصره حتى قتل- و نکث بیعه علی و شام السیف‏ فی وجهه- و أفسد قلوب المسلمین علیه- فإن کان لبنی عبد مناف قوم غیر هؤلاء أسدیتم إلیهم إحسانا- فعرفنی من هم جعلت فداک

منافره عبد الله بن الزبیر و عبد الله بن العباس

و تزوج عبد الله بن الزبیر- أم عمرو ابنه منظور بن زبان الفزاریه- فلما دخل بها قال لها تلک اللیله أ تدرین من معک فی حجلتک قالت نعم- عبد الله بن الزبیر بن العوام- بن خویلد بن أسد بن عبد العزى- . قال لیس غیر هذا قالت فما الذی ترید- قال معک من أصبح فی قریش بمنزله الرأس من الجسد- لا بل بمنزله العینین من الرأس- قالت أما و الله لو أن بعض بنی عبد مناف حضرک لقال لک خلاف قولک- فغضب و قال الطعام و الشراب علی حرام- حتى أحضرک الهاشمیین و غیرهم من بنی عبد مناف- فلا یستطیعون لذلک إنکارا- قالت إن أطعتنی لم تفعل و أنت أعلم و شأنک- .

فخرج إلى المسجد فرأى حلقه فیها قوم من قریش- منهم عبد الله بن العباس- و عبد الله بن الحصین بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف- فقال لهم ابن الزبیر أحب أن تنطلقوا معی إلى منزلی- فقام القوم بأجمعهم حتى وقفوا على باب بیته- فقال ابن الزبیر یا هذه اطرحی علیک سترک- فلما أخذوا مجالسهم دعا بالمائده- فتغذى القوم فلما فرغوا قال لهم- إنما جمعتکم لحدیث ردته علی صاحبه الستر- و زعمت أنه لو کان بعض بنی عبد مناف حضرنی- لما أقر لی بما قلت و قد حضرتم جمیعا- و أنت یا ابن عباس ما تقول- إنی أخبرتها أن معها فی خدرها- من أصبح فی قریش بمنزلهالرأس من الجسد- بل بمنزله العینین من الرأس فردت علی مقالتی- فقال ابن عباس أراک قصدت قصدی- فإن شئت أن أقول قلت- و إن شئت أن أکف کففت- قال بل قل و ما عسى أن تقول- أ لست تعلم أنی ابن الزبیر حواری رسول الله ص- و أن أمی أسماء بنت أبی بکر الصدیق ذات النطاقین- و أن عمتی خدیجه سیده نساء العالمین- و أن صفیه عمه رسول الله ص جدتی- و أن عائشه أم المؤمنین خالتی- فهل تستطیع لهذا إنکارا- .

قال ابن عباس لقد ذکرت شرفا شریفا و فخرا فاخرا- غیر أنک تفاخر من بفخره فخرت و بفضله سموت- قال و کیف ذلک قال لأنک لم تذکر فخرا إلا برسول الله ص- و أنا أولى بالفخر به منک- قال ابن الزبیر- لو شئت لفخرت علیک بما کان قبل النبوه- قال ابن عباس

قد أنصف القاره من راماها

 نشدتکم الله أیها الحاضرون- عبد المطلب أشرف أم خویلد فی قریش- قالوا عبد المطلب- قال أ فهاشم کان أشرف فیها أم أسد قالوا بل هاشم- قال أ فعبد مناف أشرف أم عبد العزى قالوا عبد مناف فقال ابن عباس

تنافرنی یا ابن الزبیر و قد قضى
علیک رسول الله لا قول هازل‏

و لو غیرنا یا ابن الزبیر فخرته‏
و لکنما سامیت شمس الأصائل‏

قضى لنا رسول الله ص بالفضل فی قوله- ما افترقت فرقتان إلا کنت فی خیرهما- فقد فارقناک من بعد قصی بن کلاب- أ فنحن فی فرقه الخیر أم لا- إن قلت نعم خصمت و إن قلت لا کفرت- . فضحک بعض القوم فقال ابن الزبیر- أما و الله لو لا تحرمک بطعامنا یا ابن عباس- لأعرقت جبینک قبل أن تقوم من مجلسک- قال ابن عباس و لم- أ بباطل فالباطل لا یغلب الحق- أم بحق فالحق لا یخشى من الباطل- . فقالت المرأه من وراء الستر- إنی و الله لقد نهیته عن هذا المجلس- فأبى إلا ما ترون- . فقال ابن عباس مه أیتها المرأه اقنعی ببعلک- فما أعظم الخطر و ما أکرم الخبر- فأخذ القوم بید ابن عباس و کان قد عمی- فقالوا انهض أیها الرجل فقد أفحمته غیر مره- فنهض و قال-

ألا یا قومنا ارتحلوا و سیروا
فلو ترک القطا لغفا و ناما

فقال ابن الزبیر یا صاحب القطاه أقبل علی- فما کنت لتدعنی حتى أقول- و ایم الله لقد عرف الأقوام أنی سابق غیر مسبوق- و ابن حواری و صدیق- متبجح فی الشرف الأنیق خیر من طلیق- . فقال ابن عباس دسعت بجرتک فلم تبق شیئا- هذا الکلام مردود من امرئ حسود- فإن کنت سابقا فإلى من سبقت- و إن کنت فاخرا فبمن فخرت- فإن کنت أدرکت هذا الفخر بأسرتک دون أسرتنا- فالفخر لک علینا- و إن کنت إنما أدرکته بأسرتنا فالفخر لنا علیک- و الکثکث فی فمک و یدیک- و أما ما ذکرت‏ من الطلیق- فو الله لقد ابتلی فصبر و أنعم علیه فشکر- و إن کان و الله لوفیا کریما غیر ناقض بیعه بعد توکیدها- و لا مسلم کتیبه بعد التأمر علیها- . فقال ابن الزبیر أ تعیر الزبیر بالجبن- و الله إنک لتعلم منه خلاف ذلک- . قال ابن عباس و الله إنی لا أعلم إلا أنه فر و ما کر- و حارب فما صبر و بایع فما تمم و قطع الرحم- و أنکر الفضل و رام ما لیس له بأهل- .

و أدرک منها بعض ما کان یرتجی
و قصر عن جری الکرام و بلدا

و ما کان إلا کالهجین أمامه‏
عناق فجاراه العناق فأجهدا

 فقال ابن الزبیر- لم یبق یا بنی هاشم غیر المشاتمه و المضاربه- . فقال عبد الله بن الحصین بن الحارث- أقمناه عنک یا ابن الزبیر و تأبى إلا منازعته- و الله لو نازعته من ساعتک إلى انقضاء عمرک- ما کنت إلا کالسغب الظمآن- یفتح فاه یستزید من الریح فلا یشبع من سغب- و لا یروى من عطش فقل إن شئت أو فدع و انصرف القوم

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۴۵

خطبه ۱۷۲ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۷۲ و من کلام له ع لما عزم على لقاء القوم بصفین

اللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَ الْجَوِّ الْمَکْفُوفِ- الَّذِی جَعَلْتَهُ مَغِیضاً لِلَّیْلِ وَ النَّهَارِ- وَ مَجْرًى لِلشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ مُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّیَّارَهِ- وَ جَعَلْتَ سُکَّانَهُ سِبْطاً مِنْ مَلَائِکَتِکَ- لَا یَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِکَ- وَ رَبَّ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِی جَعَلْتَهَا قَرَاراً لِلْأَنَامِ- وَ مَدْرَجاً لِلْهَوَامِّ وَ الْأَنْعَامِ- وَ مَا لَا یُحْصَى مِمَّا یُرَى وَ مَا لَا یُرَى- وَ رَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِی الَّتِی جَعَلْتَهَا لِلْأَرْضِ أَوْتَاداً- وَ لِلْخَلْقِ اعْتِمَاداً إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا- فَجَنِّبْنَا الْبَغْیَ وَ سَدِّدْنَا لِلْحَقِّ- وَ إِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَیْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَهَ- وَ اعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَهِ- أَیْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ- وَ الْغَائِرُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ مِنْ أَهْلِ الْحِفَاظِ- الْعَارُ وَرَاءَکُمْ وَ الْجَنَّهُ أَمَامَکُمْ السقف المرفوع السماء- و الجو المکفوف السماء أیضا- کفه أی جمعه و ضم بعضه إلى بعض و یمر فی کلامه نحو هذا- و إن السماء هواء جامد أو ماء جامد- . و جعلته مغیضا للیل و النهار أی غیضه لهما- و هی فی الأصل الأجمه یجتمع إلیها الماء-فتسمى غیضه و مغیضا و ینبت فیها الشجر- کأنه جعل الفلک کالغیضه- و اللیل و النهار کالشجر النابت فیها- . و وجه المشارکه أن المغیض أو الغیضه یتولد منهما الشجر- و کذلک اللیل و النهار یتولدان من جریان الفلک- .

ثم عاد فقال و مجرى للشمس و القمر أی موضعا لجریانهما- . و مختلفا للنجوم السیاره- أی موضعا لاختلافها و اللام مفتوحه- . ثم قال جعلت سکانه سبطا من ملائکتک أی قبیله- قال تعالى اثْنَتَیْ عَشْرَهَ أَسْباطاً أُمَماً- . لا یسأمون لا یملون- و قرارا للأنام أی موضع استقرارهم و سکونهم- و مدرجا للهوام- أی موضع دروجهم و سیرهم و حرکاتهم- و الهوام الحشرات و المخوف من الأحناش- . و ما لا یحصى أی لا یضبط بالإحصاء و العد- مما نراه و نعرفه و ما لا نراه و لا نعرفه- . و قال بعض العلماء- إن أردت أن تعرف حقیقه قوله مما یرى و ما لا یرى- فأوقد نارا صغیره فی فلاه فی لیله صیفیه- و انظر ما یجتمع علیها من الأنواع الغریبه العجیبه الخلق- التی لم تشاهدها أنت و لا غیرک قط- .

قوله و للخلق اعتمادا لأنهم یجعلونها کالمساکن لهم- فینتفعون بها و یبنون منازل إلى جانبها- فیقوم مقام جدار قد استغنوا عن بنیانه- و لأنها أمهات العیون و منابع المیاه- باعتماد الخلق على مرافقهم و منافعهم و مصالحهم علیها- .

قوله و سددنا للحق أی صوبنا إلیه- من قولک منهم سدید أی مصیب- و سدد السنان إلى القرن أی صوبه نحوه- . و الذمار ما یحامى عنه- و الغائر ذو الغیره- و نزول الحقائق نزول الأمور الشدیده کالحرب و نحوها- . ثم قال العار وراءکم أی إن رجعتم القهقرى هاربین- . و الجنه أمامکم أی إن أقدمتم على العدو مجاهدین- و هذا الکلام شریف جدا

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۴

خطبه ۱۷۱ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۷۱ و من کلام له ع کلم به بعض العرب

وَ قَدْ أَرْسَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَهِ لَمَّا قَرُبَ ع مِنْهَا- لِیَعْلَمَ لَهُمْ مِنْهُ حَقِیقَهَ حَالِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْجَمَلِ- لِتَزُولَ الشُّبْهَهُ مِنْ نُفُوسِهِمْ- فَبَیَّنَ لَهُ ع مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ- مَا عَلِمَ بِهِ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ- ثُمَّ قَالَ لَهُ بَایِعْ- فَقَالَ إِنِّی رَسُولُ قَوْمٍ- وَ لَا أُحْدِثُ حَدَثاً حَتَّى أَرْجِعَ إِلَیْهِمْ فَقَالَ ع- أَ رَأَیْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِینَ وَرَاءَکَ بَعَثُوکَ رَائِداً- تَبْتَغِی لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَیْثِ- فَرَجَعْتَ إِلَیْهِمْ وَ أَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْکَلَإِ وَ الْمَاءِ- فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطِشِ وَ الْمَجَادِبِ مَا کُنْتَ صَانِعاً- قَالَ کُنْتُ تَارِکَهُمْ وَ مُخَالِفَهُمْ إِلَى الْکَلَإِ وَ الْمَاءِ- فَقَالَ ع فَامْدُدْ إِذاً یَدَکَ- فَقَالَ الرَّجُلُ- فَوَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِیَامِ الْحُجَّهِ عَلَیَّ- فَبَایَعْتُهُ ع- وَ الرَّجُلُ یُعْرَفُ بِکُلَیْبٍ الْجَرْمِیِّ الجرمی منسوب إلى بنی جرم بن ربان- بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعه من حمیر- و کان هذا الرجل بعثه قوم من أهل البصره إلیه ع-یستعلم حاله أ هو على حجه أم على شبهه- فلما رآه ع و سمع لفظه علم صدقه و برهانه- فکان بینهما ما قد شرحه ع- .

و لا شی‏ء ألطف و لا أوقع- و لا أوضح من المثال الذی ضربه ع- و هو حجه لازمه لا مدفع لها- . قوله و لا أحدث حدثا أی لا أفعل ما لم یأمرونی به- إنما أمرت باستعلام حالک فقط- فأما المبایعه لک فإن أحدثتها کنت فاعلا ما لم أندب له- . و مساقط الغیث المواضع التی یسقط الغیث فیها- و الکلأ النبت إذا طال و أمکن أن یرعى- و أول ما یظهر یسمى الرطب- فإذا طال قلیلا فهو الخلى- فإذا طال شیئا آخر فهو الکلأ- فإذا یبس فهو الحشیش- . و المعاطش و المجادب- مواضع العطش و الجدب و هو المحل

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۹

خطبه ۱۷۰ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)( أصحاب الجمل)

۱۷۰ و من خطبه له ع عند مسیر أصحاب الجمل إلى البصره

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولًا هَادِیاً بِکِتَابٍ نَاطِقٍ وَ أَمْرٍ قَائِمٍ- لَا یَهْلِکُ عَنْهُ إِلَّا هَالِکٌ- وَ إِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِکَاتُ- إِلَّا مَا حَفِظَ اللَّهُ مِنْهَا- وَ إِنَّ فِی سُلْطَانِ اللَّهِ عِصْمَهً لِأَمْرِکُمْ- فَأَعْطُوهُ طَاعَتَکُمْ غَیْرَ مُلَوَّمَهٍ وَ لَا مُسْتَکْرَهٍ بِهَا- وَ اللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَیَنْقُلَنَّ اللَّهُ عَنْکُمْ سُلْطَانَ الْإِسْلَامِ- ثُمَّ لَا یَنْقُلُهُ إِلَیْکُمْ أَبَداً- حَتَّى یَأْرِزَ الْأَمْرُ إِلَى غَیْرِکُمْ- إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخْطَهِ إِمَارَتِی- وَ سَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِکُمْ- فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَیَالَهِ هَذَا الرَّأْیِ- انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِینَ- وَ إِنَّمَا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْیَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَیْهِ- فَأَرَادُوا رَدَّ الْأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا- وَ لَکُمْ عَلَیْنَا الْعَمَلُ بِکِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ سُنَّهِ رَسُولِهِ ص- وَ الْقِیَامُ بِحَقِّهِ وَ النَّعْشُ لِسُنَّتِهِ و أمر قائم أی مستقیم لیس بذی عوج- لا یهلک عنه إلا هالک- تقدیره لا یهلک عادلا عنه إلا هالک- و هذا کما تقول لا یعلم هذا الفن إلا عالم- أی من قد بلغ الغایه فی العلم- و استحق أن یوصف بذلک و یشار إلیه فیه- کذلک لا یهلک بعدوله عنه إلا من هو أعظم الهالکین- و من یشار إلیه بالهلاک و قد بلغ الغایه فی الهلاک- .

ثم قال إن المبتدعات المشبهات هن المهلکات- المبتدعات ما أحدث و لم یکن على عهد الرسول- و المشبهات التی تشبه السنن و لیست منها أی المشبهات بالسنن- و روی المشبهات بالکسر أی المشبهات على الناس- یقال قد شبه علیه الأمر أی ألبس علیه- و یروى المشتبهات أی الملتبسات- لا یعرف حقها من باطلها- . قال إلا من حفظ الله- أی من عصمه الله بألطاف یمتنع لأجلها عن الخطأ- ثم أمرهم بلزوم الطاعه و اتباع السلطان- و قال إن فیه عصمه لأمرکم- فأعطوه طاعتکم غیر ملومه- أی مخلصین ذوی طاعه محضه لا یلام باذلها- أی لا ینسب إلى النفاق- و لا مستکره بها أی لیست عن استکراه- بل یبذلونها اختیارا و محبه- و یروى غیر ملویه أی معوجه من لویت العود- .

ثم أقسم أنهم إن لم یفعلوا- و إلا نقل الله عنهم سلطان الإسلام یعنی الخلافه- ثم لا یعیده إلیهم أبدا- حتى یأرز الأمر إلى غیرهم- أی حتى ینقبض و ینضم و یجتمع- وفی الحدیث إن الإسلام لیأرز إلى المدینه- کما تأرز الحیه إلى جحرها- . فإن قلت کیف قال إنه لا یعیده إلیهم أبدا- و قد عاد إلیهم بالخلافه العباسیه- . قلت لأن الشرط لم یقع و هو عدم الطاعه- فإن أکثرهم أطاعوه طاعه غیر ملومه و لا مستکره بها- و إذا لم یتحقق الشرط لم یتحقق المشروط- .

و قد أجاب قوم عن هذا- فقالوا خاطب الشیعه الطالبیه- فقال إن لم تعطونی الطاعه المحضه- نقل الله الخلافه عن هذا البیت- حتى یأرز و ینضم إلى بیت آخر- و هکذا وقع فإنها انضمت إلى بیت آخر من بنی هاشم- . و أجاب قوم آخرون فقالوا أراد بقوله أبدا المبالغه- کما تقول احبس هذا الغریم أبدا- و المراد بالقوم الذین یأرز الأمر إلیهم بنو أمیه- کأنه قال إن لم تفعلوا نقل الله الخلافه عنکم- حتى یجعلها فی قوم آخرین- و هم أعداؤکم من أهل الشام و بنی أمیه- و لا یعیده إلیکم إلى مده طویله و هکذا وقع- . و قد تمالئوا قد اجتمعوا- و تساعدوا على سخطه إمارتی- على کراهیتها و بغضها- . ثم وعد بالصبر علیهم ما لم یخف من فرقه الجماعه- و انتشار حبل الإسلام- . و فیاله الرأی ضعفه و کذلک فیولته- و رجل فیل الرأی أی ضعیفه- قال

بنی رب الجواد فلا تفیلوا
فما أنتم فنعذرکم لفیل‏

 أی لستم على رجل ضعیف الرأی و الجمع أفیال- و یقال أیضا رجل فال قال-

رأیتک یا أخیطل إذ جرینا
و جربت الفراسه کنت فالا

 قال إن تموا على هذا الرأی الضعیف- قطعوا نظام المسلمین و فرقوا جماعتهم- . ثم ذکر أن الحسد دعاهم إلى ذلک- و أفاءها علیه ردها علیه فاء یفی‏ء رجع- و فلان سریع الفی‏ء من غضبه أی سریع الرجوع- و إنه لحسن الفیئه بالکسر- مثال الفیعه أی حسن الرجوع- و هذا الکلام لا یشعر بأنه ع کان یعتقد أن الأمر له- و أنه غلب علیه ثم رجع إلیه- و لکنه محمول على أنه من رسول الله ص بمنزله الجزء من الکل- و أنهما من جوهر واحد- فلما کان الوالی قدیما و هو رسول الله ص-ثم تخلل بین ولایته ص- و ولایه أمیر المؤمنین ع ولایات غریبه- سمى ولایته فیئا و رجوعا- لأنها رجعت إلى الدوحه الهاشمیه- و بهذا یجب أن یتأول قوله- فأرادوا رد الأمور على أدبارها- أی أرادوا انتزاع الخلافه من بنی هاشم- کما انتزعت أولا- و إقرارها فی بیوت بعیده عن هذا البیت- أسوه بما وقع من قبل- . و النعش مصدر نعش أی رفع و لا یجوز أنعش

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۸

خطبه ۱۶۹ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۹ و من کلام له ع بعد ما بویع له بالخلافه

و قد قال له قوم من الصحابه- لو عاقبت قوما ممن أجلب على عثمان فقال ع: یَا إِخْوَتَاهْ إِنِّی لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ- وَ لَکِنْ کَیْفَ لِی بِقُوَّهٍ وَ الْقَوْمُ الْمُجْلِبُونَ- عَلَى حَدِّ شَوْکَتِهِمْ یَمْلِکُونَنَا وَ لَا نَمْلِکُهُمْ- وَ هَا هُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَانُکُمْ- وَ الْتَفَّتْ إِلَیْهِمْ أَعْرَابُکُمْ- وَ هُمْ خِلَالَکُمْ یَسُومُونَکُمْ مَا شَاءُوا- وَ هَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعاً لِقُدْرَهٍ عَلَى شَیْ‏ءٍ تُرِیدُونَهُ- إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِیَّهٍ- وَ إِنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَادَّهً- إِنَّ النَّاسَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إِذَا حُرِّکَ عَلَى أُمُورٍ- فِرْقَهٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ وَ فِرْقَهٌ تَرَى مَا لَا تَرَوْنَ- وَ فِرْقَهٌ لَا تَرَى هَذَا وَ لَا هَذَا- فَاصْبِرُوا حَتَّى یَهْدَأَ النَّاسُ وَ تَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا- وَ تُؤْخَذَ الْحُقُوقُ مُسْمَحَهً- فَاهْدَءُوا عَنِّی وَ انْظُرُوا مَا ذَا یَأْتِیکُمْ بِهِ أَمْرِی- وَ لَا تَفْعَلُوا فَعْلَهً تُضَعْضِعُ قُوَّهً وَ تُسْقِطُ مُنَّهً- وَ تُورِثُ وَهْناً وَ ذِلَّهً وَ سَأُمْسِکُ الْأَمْرَ مَا اسْتَمْسَکَ- وَ إِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْکَیُّ أجلب علیه أعان علیه و أجلبه أعانه- و الألف فی یا إخوتاه بدل من یاء الإضافه و الهاء للسکت- .

و على حد شوکتهم شدتهم أی لم تنکسر سورتهم- . و العبدان جمع عبد بالکسر مثل جحش و جحشان- و جاء عبدان بالضم مثل تمر و تمران- و جاء عبید مثل کلب و کلیب و هو جمع عزیز- و جاء أعبد و عباد و عبدان مشدده الدال- و عبداء بالمد و عبدى بالقصر و معبوداء بالمد- و عبد بالضم مثل سقف و سقف و أنشدوا-

أنسب العبد إلى آبائه
أسود الجلده من قوم عبد

و منه قرأ بعضهم وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ و أضافه- . قوله و التفت إلیهم أعرابکم انضمت و اختلطت بهم- . و هم خلالکم أی بینکم یسومونکم ما شاءوا یکلفونکم- قال تعالى یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذابِ- . و تؤخذ الحقوق مسمحه من أسمح أی ذل و انقاد- . فاهدءوا عنی أی فاسکنوا- هدأ الرجل هدءا و هدوءا أی سکن و أهدأه غیره- و تضعضع قوه تضعف و تهد ضعضعت البناء هددته- و المنه القوه و الوهن الضعف- و آخر الدواء الکی مثل مشهور- و یقال آخر الطب و یغلط فیه العامه فتقول آخر الداء- و الکی لیس من الداء لیکون آخره‏

موقف علی من قتله عثمان

و اعلم أن هذا الکلام یدل على أنه ع- کان فی نفسه عقاب الذین حصروا عثمان- و الاقتصاص ممن قتله- إن کان بقی ممن باشر قتله أحد- و لهذا قال إنی لست أجهل ما تعلمون- فاعترف بأنه عالم بوجوب ذلک- و اعتذر بعدم التمکن کما ینبغی و صدق ع- فإن أکثر أهل المدینه أجلبوا علیه- و کان من أهل مصر و من الکوفه- عالم عظیم حضروا من بلادهم- و طووا المسالک البعیده لذلک- و انضم إلیهم أعراب أجلاف من البادیه- و کان الأمر أمر جاهلیه کما قال ع- و لو حرک ساکنا لاختلف الناس و اضطربوا- فقوم یقولون أصاب و قوم یقولون أخطأ- و قوم لا یحکمون بصواب و لا خطأ بل یتوقفون و لا یأمن- لو شرع فی عقوبه الناس و القبض علیهم- من تجدد فتنه أخرى کالأولى و أعظم- فکان الأصوب فی التدبیر- و الذی یوجبه الشرع و العقل الإمساک إلى حین سکون الفتنه- و تفرق تلک الشعوب و عود کل قوم إلى بلادهم- و کان ع یؤمل أن یطیعه معاویه و غیره- و أن یحضر بنو عثمان عنده یطالبون بدم أبیهم- و یعینون قوما بأعیانهم- بعضهم للقتل و بعضهم للحصار و بعضهم للتسور- کما جرت عاده المتظلمین إلى الإمام و القاضی- فحینئذ یتمکن من العمل بحکم الله تعالى- فلم یقع الأمر بموجب ذلک- و عصى معاویه و أهل الشام- و التجأ ورثه عثمان إلیه- و فارقوا حوزه أمیر المؤمنین ع- و لم یطلبوا القصاص طلبا شرعیا و إنما طلبوه مغالبه- و جعلها معاویه عصبیه الجاهلیه- و لم یأت أحد منهم الأمر من بابه- و قبل ذلک ما کان من أمر طلحه و الزبیر- و نقضهما البیعه- و نهبهما أموال المسلمین بالبصره- و قتلهما الصالحین من أهلها- و جرت أمور کلها تمنع الإمام عن التصدی للقصاص- و اعتماد ما یجب اعتماده- لو کان الأمر وقع على القاعدهالصحیحه من المطالبه بذلک- على وجه السکون و الحکومه- و قد قال هو ع لمعاویه فأما طلبک قتله عثمان- فادخل فی الطاعه و حاکم القوم إلی- أحملک و إیاهم على کتاب الله و سنه رسوله- .

قال أصحابنا المعتزله رحمهم الله- و هذا عین الحق و محض الصواب- لأنه یجب دخول الناس فی طاعه الإمام- ثم تقع المحاکمه إلیه- فإن حکم بالحق استدیمت إمامته- و إن حکم بالجور انتقض أمره و تعین خلعه- . فإن قلت فما معنى قوله و سأمسک الأمر ما استمسک- فإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الکی- .

قلت لیس معناه- و سأصبر عن معاقبه هؤلاء ما أمکن الصبر- فإذا لم أجد بدا عاقبتهم- و لکنه کلام قاله أول مسیر طلحه و الزبیر إلى البصره- فإنه حینئذ أشار علیه قوم بمعاقبه المجلبین- فاعتذر بما قد ذکر ثم قال- و سأمسک الأمر ما استمسک- أی أمسک نفسی- عن محاربه هؤلاء الناکثین للبیعه ما أمکننی- و أدفع الأیام بمراسلتهم و تخویفهم و إنذارهم- و أجتهد فی ردهم إلى الطاعه بالترغیب و الترهیب- فإذا لم أجد بدا من الحرب- فآخر الدواء الکی أی الحرب- لأنها الغایه التی ینتهی أمر العصاه إلیها

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۲

خطبه ۱۶۸ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۸ و من خطبه له ع فی أول خلافته

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ کِتَاباً هَادِیاً- بَیَّنَ فِیهِ الْخَیْرَ وَ الشَّرَّ- فَخُذُوا نَهْجَ الْخَیْرِ تَهْتَدُوا- وَ اصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا- الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ أَدُّوهَا إِلَى اللَّهِ تُؤَدِّکُمْ إِلَى الْجَنَّهِ- إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَیْرَ مَجْهُولٍ- وَ أَحَلَّ حَلَالًا غَیْرَ مَدْخُولٍ- وَ فَضَّلَ حُرْمَهَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ کُلِّهَا- وَ شَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَ التَّوْحِیدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِینَ فِی مَعَاقِدِهَا- فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ یَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ- وَ لَا یَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلَّا بِمَا یَجِبُ- بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّهِ وَ خَاصَّهَ أَحَدِکُمْ وَ هُوَ الْمَوْتُ- فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَکُمْ وَ إِنَّ السَّاعَهَ تَحْدُوکُمْ مِنْ خَلْفِکُمْ- تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا یُنْتَظَرُ بِأَوَّلِکُمْ آخِرُکُمْ- اتَّقُوا اللَّهَ فِی عِبَادِهِ وَ بِلَادِهِ- فَإِنَّکُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَ الْبَهَائِمِ- وَ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ لَا تَعْصُوهُ- وَ إِذَا رَأَیْتُمُ الْخَیْرَ فَخُذُوا بِهِ- وَ إِذَا رَأَیْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ‏

و اصدفوا عن سمت الشر أی أعرضوا عن طریقه- تقصدوا أی تعدلوا و القصد العدل- . ثم أمر بلزوم الفرائض من العبادات و المحافظه علیها- کالصلاه و الزکاه و انتصب ذلک على الإغراء- . ثم ذکر أن الحرام غیر مجهول للمکلف بل معلوم- و الحلال غیر مدخول أی لا عیب و لا نقص فیه- و أن حرمه المسلم أفضل من جمیع الحرمات- و هذا لفظالخبر النبوی حرمه المسلم فوق کل حرمه دمه و عرضه و ماله- .

قال ع- و شد بالإخلاص و التوحید حقوق المسلمین فی معاقدها- لأن الإخلاص و التوحید- داعیان إلى المحافظه على حقوق المسلمین- صارفان عن انتهاک محارمهم- . قال فالمسلم من سلم الناس هذا لفظ الخبر النبوی بعینه- . قوله و لا یحل أذى المسلم إلا بما یجب أی إلا بحق- و هو الکلام الأول و إنما أعاده تأکیدا- . ثم أمر بمبادره الموت و سماه الواقعه العامه- لأنه یعم الحیوان کله ثم سماه خاصه أحدکم- لأنه و إن کان عاما إلا أن له مع کل إنسان بعینه- خصوصیه زائده على ذلک العموم- . قوله فإن الناس أمامکم أی قد سبقوکم- و الساعه تسوقکم من خلفکم- .ثم أمر بالتخفف و هو القناعه من الدنیا بالیسیر- و ترک الحرص علیها- فإن المسافر الخفیف أحرى بالنجاه- و لحاق أصحابه و بلوغ المنزل من الثقیل- .

و قوله فإنما ینتظر بأولکم آخرکم- أی إنما ینتظر ببعث الموتى المتقدمین- أن یموت الأواخر أیضا- فیبعث الکل جمیعا فی وقت واحد- . ثم ذکر أنهم مسئولون عن کل شی‏ء حتى عن البقاع- لم استوطنتم هذه و زهدتم فی هذه- و لم أخربتم هذه الدار و عمرتم هذه الدار- و حتى عن البهائم لم ضربتموها لم أجعتموها- . و روی فإن البأس أمامکم یعنی الفتنه- و الروایه الأولى أظهر- وقد ورد فی الأخبار النبویه لینتصفن للجماء من القرناءوجاء فی الخبر الصحیح إن الله تعالى عذب إنسانا بهر- حبسه فی بیت و أجاعه حتى هلک

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۲

خطبه ۱۶۷ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۷ و من خطبه له ع

لِیَتَأَسَّ صَغِیرُکُمْ بِکَبِیرِکُمْ- وَ لْیَرْأَفْ کَبِیرُکُمْ بِصَغِیرِکُمْ- وَ لَا تَکُونُوا کَجُفَاهِ الْجَاهِلِیَّهِ- لَا فِی الدِّینِ یَتَفَقَّهُونَ وَ لَا عَنِ اللَّهِ یَعْقِلُونَ- کَقَیْضِ بَیْضٍ فِی أَدَاحٍ- یَکُونُ کَسْرُهَا وِزْراً وَ یُخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً أمرهم ع أن یتأسى الصغیر منهم بالکبیر- فی أخلاقه و آدابه- فإن الکبیر لکثره التجربه أحزم و أکیس- و أن یرأف الکبیر بالصغیر- و الرأفه الرحمه لأن الصغیر مظنه الضعف و الرقه- .

ثم نهاهم عن خلق الجاهلیه فی الجفاء و القسوه- و قال إنهم لا یتفقهون فی دین- و لا یعقلون عن الله ما یأمرهم به- و هذا من قول الله سبحانه- صُمٌّ بُکْمٌ عُمْیٌ فَهُمْ لا یَعْقِلُونَ- و روی تتفقهون بتاء الخطاب- . ثم شبههم ببیض الأفاعی فی الأعشاش- یظن بیض القطا فلا یحل لمن رآه أن یکسره- لأنه یظنه بیض القطا- و حضانه یخرج شرا لأنه یفقص عن أفعى- .

و استعار لفظه الأداحی للأعشاش مجازا- لأن الأداحی لا تکون إلا للنعام- تدحوها بأرجلها و تبیض فیها- و دحوها توسیعها من دحوت الأرض- . و القیض الکسر و الفلق قضت القاروره و البیضه- و انقاضت هی و انقاض الجدار انقیاضا- أی تصدع من غیر أن یسقط- فإن سقط قیل تقیض تقیضا و تقوض تقوضا و قوضته أنا- و تقول للبیضه إذا تکسرت فلقا تقیضت تقیضا- فإن تصدعت و لم تنفلق- قلت انقاضت فهی منقاضه و القاروره مثله: مِنْهَا- افْتَرَقُوا بَعْدَ أُلْفَتِهِمْ وَ تَشَتَّتُوا عَنْ أَصْلِهِمْ- فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِغُصْنٍ أَیْنَمَا مَالَ مَالَ مَعَهُ- عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَیَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ یَوْمٍ لِبَنِی أُمَیَّهَ- کَمَا یَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِیفِ- یُؤَلِّفُ اللَّهُ بَیْنَهُمْ ثُمَّ یَجْمَعُهُمْ رُکَاماً کَرُکَامِ السَّحَابِ- ثُمَّ یَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَاباً- یَسِیلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ کَسَیْلِ الْجَنَّتَیْنِ- حَیْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَیْهِ قَارَهٌ- وَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَیْهِ أَکَمَهٌ- وَ لَمْ یَرُدَّ سُنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ وَ لَا حِدَابُ أَرْضٍ- یُذَعْذِعُهُمُ اللَّهُ فِی بُطُونِ أَوْدِیَتِهِ-

ثُمَّ یَسْلُکُهُمْ یَنَابِیعَ فِی الْأَرْضِ- یَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ- وَ یُمَکِّنُ لِقَوْمٍ فِی دِیَارِ قَوْمٍ- وَ ایْمُ اللَّهِ لَیَذُوبَنَّ مَا فِی أَیْدِیهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَ التَّمْکِینِ- کَمَا تَذُوبُ الْأَلْیَهُ عَلَى النَّارِ- أَیُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ- وَ لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِینِ الْبَاطِلِ- لَمْ‏ یَطْمَعْ فِیکُمْ مَنْ لَیْسَ مِثْلَکُمْ- وَ لَمْ یَقْوَ مَنْ قَوِیَ عَلَیْکُمْ- لَکِنَّکُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِی إِسْرَائِیلَ- وَ لَعَمْرِی لَیُضَعَّفَنَّ لَکُمُ التِّیْهُ مِنْ بَعْدِی أَضْعَافاً- بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِکُمْ- وَ قَطَعْتُمُ الْأَدْنَى وَ وَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ- وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِیَ لَکُمْ- سَلَکَ بِکُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ وَ کُفِیتُمْ مَئُونَهَ الِاعْتِسَافِ- وَ نَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ هو ع یذکر حال أصحابه و شیعته بعده- فیقول افترقوا بعد ألفتهم أی بعد اجتماعهم- .

و تشتتوا عن أصلهم أی عنی بعد مفارقتی فمنهم آخذ بغصن- أی یکون منهم من یتمسک بمن أخلفه بعدی من ذریه الرسول- أینما سلکوا سلکوا معهم- و تقدیر الکلام و منهم من لا یکون هذه حاله لکنه لم یذکره ع- اکتفاء بذکر القسم الأول لأنه دال على القسم الثانی- . ثم قال على أن هؤلاء القوم- من ثبت منهم على عقیدته فینا و من لم یثبت- لا بد أن یجمعهم الله تعالى لشر یوم لبنی أمیه و کذا کان- فإن الشیعه الهاشمیه اجتمعت على إزاله ملک بنی مروان- من کان منهم ثابتا على ولاء علی بن أبی طالب ع- و من حاد منهم عن ذلک- و ذلک فی أواخر أیام مروان الحمار- عند ظهور الدعوه الهاشمیه- .

و قزع الخریف جمع قزعه- و هی سحب صغار تجتمع فتصیر رکاما- و هو ما کثف‏من السحاب- و رکمت الشی‏ء أرکمه إذا جمعته و ألقیت بعضه على بعض- . و مستثارهم موضع ثورتهم- . و الجنتان هما اللتان قال الله تعالى فیهما- لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ فِی مَسْکَنِهِمْ آیَهٌ جَنَّتانِ عَنْ یَمِینٍ وَ شِمالٍ- و سلط الله علیهما السیل- قال الله تعالى فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ سَیْلَ الْعَرِمِ- فشبه ع سیلان الجیوش إلى بنی أمیه- بالسیل المسلط على تینک الجنتین- . فإنه لم تسلم علیه قاره و هی الجبیل الصغیر و لم تثبت له أکمه و هی التلعه من الأرض- . و لم یرد سننه أی طریقه- طود مرصوص أی جبل شدید التصاق الأجزاء بعضها ببعض- و لا حداب أرض جمع حدبه و هی الروابی و النجاد- .

ثم قال یذعذعهم الله الذعذعه بالذال المعجمه مرتین- التفریق و ذعذعه الشر إذاعته- . ثم یسلکهم ینابیع فی الأرض من ألفاظ القرآن- و المراد أنه کما أن الله تعالى ینزل من السماء ماء- فیستکن فی أعماق الأرض- ثم یظهر منها ینابیع إلى ظاهرها کذلک هؤلاء القوم- یفرقهم الله تعالى فی بطون الأودیه و غوامض الأغوار- ثم‏یظهرهم بعد الاختفاء- فیأخذ بهم من قوم حقوق آخرین- و یمکن منهم قوما من ملک قوم و دیارهم- . ثم أقسم لیذوبن ما فی أیدی بنی أمیه- بعد علوهم و تمکینهم کما تذوب الألیه على النار- و همزه الألیه مفتوحه و جمعها ألیات بالتحریک- و التثنیه ألیان بغیر تاء- قال الراجز

ترتج ألیاه ارتجاج الوطب‏

و جمع الألیه ألاء على فعال- و کبش آلى على أفعل و نعجه ألیاء- و الجمع ألی على فعل- و یقال أیضا کبش ألیان بالتحریک و کباش ألیانات- و رجل ألیأ أی عظیم الألیه- و امرأه عجزاء و لا تقل ألیاء و قد قاله بعضهم- و قد ألی الرجل بالکسر یألى عظمت ألیته- . ثم قال لو لا تخاذلکم لم یطمع فیکم من هو دونکم- . و تهنوا مضارع وهن أی ضعف- و هو من ألفاظ القرآن أیضا- . و تهتم متاه بنی إسرائیل حرتم و ضللتم الطریق- و

قد جاء فی المسانید الصحیحه أن رسول الله ص قال لترکبن سنن من کان قبلکم حذو النعل بالنعل- و القذه بالقذه- حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه- فقیل یا رسول الله الیهود و النصارى قال فمن إذاو
من الأخبار الصحیحه أیضا أ متهوکون أنتم کما تهوکت الیهود و النصارىو
فی صحیحی البخاری و مسلم رحمهما الله أنه سیجاء یوم القیامه بأناس من أمتی-فیؤخذ بهم ذات الشمال فإذا رأیتهم اختلجوا دونی- قلت أی رب أصحابی فیقال لی إنک لا تدری ما عملوا بعدک- فأقول ما قال العبد الصالح- وَ کُنْتُ عَلَیْهِمْ شَهِیداً ما دُمْتُ فِیهِمْ- فَلَمَّا تَوَفَّیْتَنِی کُنْتَ أَنْتَ الرَّقِیبَ عَلَیْهِمْ- وَ أَنْتَ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ شَهِیدٌ

الإسناد فی هذا الحدیث عن ابن عباس رضی الله عنه وفی الصحیحین أیضا عن زینب بنت جحش قالت استیقظ رسول الله ص یوما من نومه محمرا وجهه- و هو یقول لا إله إلا الله- ویل للعرب من شر قد اقترب- فقلت یا رسول الله أ نهلک و فینا الصالحون- فقال نعم إذا کثر الخبث و فی الصحیحین أیضا یهلک أمتی هذا الحی من قریش- قالوا یا رسول الله فما تأمرنا- قال لو أن الناس اعتزلوهم

رواه أبو هریره عنه ص- .ثم قال ع لیضعفن لکم التیه من بعدییعنی الضلال- یضعفه لکم الشیطان- و أنفسکم بما خلفتم الحق وراء ظهورکم- أی لأجل ترککم الحق- و قطعکم الأدنى یعنی نفسه- و وصلکم الأبعد یعنی معاویه- و یروى إن اتبعتم الراعی لکم بالراء- . و الاعتساف سلوک غیر الطریق- و الفادح الثقل فدحه الدین أثقله

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۳۵

خطبه ۱۶۶ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(عجیب خلقه الطاوس)

۱۶۶ و من خطبه له ع یذکر فیها عجیب خلقه الطاوس

ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِیباً مِنْ حَیَوَانٍ وَ مَوَاتٍ- وَ سَاکِنٍ وَ ذِی حَرَکَاتٍ- وَ أَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَیِّنَاتِ عَلَى لَطِیفِ صَنْعَتِهِ- وَ عَظِیمِ قُدْرَتِهِ- مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَهً بِهِ وَ مَسَلِّمَهً لَهُ- وَ نَعَقَتْ فِی أَسْمَاعِنَا دَلَائِلُهُ عَلَى وَحْدَانِیَّتِهِ- وَ مَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الْأَطْیَارِ- الَّتِی أَسْکَنَهَا أَخَادِیدَ الْأَرْضِ- وَ خُرُوقَ فِجَاجِهَا وَ رَوَاسِیَ أَعْلَامِهَا- مِنْ ذَاتِ أَجْنِحَهٍ مُخْتَلِفَهٍ وَ هَیْئَاتٍ مُتَبَایِنَهٍ- مُصَرَّفَهٍ فِی زِمَامِ التَّسْخِیرِ- وَ مُرَفْرِفَهٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِی مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ- وَ الْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ- کَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَکُنْ فِی عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَهٍ- وَ رَکَّبَهَا فِی حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَهٍ- وَ مَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَهِ خَلْقِهِ أَنْ یَسْمُوَ فِی الْهَوَاءِ خُفُوفاً- وَ جَعَلَهُ یَدِفُّ دَفِیفاً- وَ نَسَقَهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا فِی الْأَصَابِیغِ بِلَطِیفِ قُدْرَتِهِ- وَ دَقِیقِ صَنْعَتِهِ- فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِی قَالَبِ لَوْنٍ لَا یَشُوبُهُ غَیْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِیهِ- وَ مِنْهَا مَغْمُوسٌ فِی لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ بِخِلَافِ مَا صُبِغَ بِهِ الموات بالفتح ما لا حیاه فیه و أرض موات أی قفر- و الساکن هاهنا کالأرض و الجبال- و ذو الحرکات کالنار و الماء الجاری و الحیوان- .

و نعقت فی أسماعنا دلائله أی صاحت دلائله- لظهورها کالأصوات المسموعه التی تعلم یقینا- . و أخادید الأرض شقوقها جمع أخدود- و فجاجها جمع فج و هو الطریق بین الجبلین- و رواسی أعلامها أثقال جبالها- . مصرفه فی زمام التسخیر- أی هی مسخره تحت القدره الإلهیه- . و حقاق المفاصل جمع حق- و هو مجمع المفصلین من الأعضاء کالرکبه- و جعلها محتجبه لأنها مستوره بالجلد و اللحم- . و عباله الحیوان کثافه جسده- و الخفوف سرعه الحرکه- و الدفیف للطائر طیرانه فویق الأرض- یقال عقاب دفوف قال إمرؤ القیس یصف فرسه و یشبهها بالعقاب-کأنی بفتخاء الجناحین لقوه دفوف من العقبان طأطأت شملالی‏- .و نسقها رتبها- و الأصابیغ جمع أصباغ و أصباغ جمع صبغ- . و المغموس الأول هو ذو اللون الواحد کالأسود و الأحمر- و المغموس الثانی ذو اللونین- نحو أن یکون أحمر و عنقه خضراء- .

و روی قد طورق لون أی لون على لون- کما تقول طارقت بین الثوبین- . فإن قلت ما هذه الطیور التی یسکن بعضها الأخادید- و بعضها الفجاج- و بعضها رءوس الجبال- . قلت أما الأول فکالقطا و الصدى- و الثانی کالقبج و الطیهوج- و الثالث کالصقر و العقاب‏:

وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُسُ- الَّذِی أَقَامَهُ فِی أَحْسَنِ تَعْدِیلٍ- وَ نَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِی أَحْسَنِ تَنْضِیدٍ- بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وَ ذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ- إِذَا دَرَجَ إِلَى الْأُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَیِّهِ- وَ سَمَا بِهِ مُطِلًّا عَلَى رَأْسِهِ- کَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِیٍّ عَنَجَهُ نُوتِیُّهُ- یَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ وَ یَمِیسُ بِزَیَفَانِهِ- یُفْضِی کَإِفْضَاءِ الدِّیَکَهِ- وَ یَؤُرُّ بِمَلَاقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَهِ لِلضِّرَابِ- أُحِیلُکَ مِنْ ذَلِکَ عَلَى مُعَایَنَهٍ- لَا کَمَنْ یُحِیلُ عَلَى ضَعِیفٍ إِسْنَادُهُ- وَ لَوْ کَانَ کَزَعْمِ مَنْ یَزْعُمُ- أَنَّهُ یُلْقِحُ بِدَمْعَهٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ- فَتَقِفُ فِی ضَفَّتَیْ جُفُونِهِ- وَ أَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِکَ- ثُمَّ تَبِیضُ لَا مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ- لَمَا کَانَ ذَلِکَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَهِ الْغُرَابِ الطاوس فاعول کالهاضوم و الکابوس و ترخیمه طویس- و نضد رتب- قوله أشرج قصبه القصب هاهنا عروق الجناح- و غضاریفه عظامه الصغار- و أشرجها رکب بعضها فی بعض کما تشرج العیبه- أی یداخل بین أشراجها و هی عراها- واحدها شرج بالتحریک- .

ثم ذکر ذنب الطاوس و أنه طویل المسحب- و أن الطاوس إذا درج إلى الأنثى للسفاد نشر ذنبه من طیه- و علا به مرتفعا على رأسه- و القلع شراع السفینه و جمعه قلاع- و الداری جالب العطر فی البحر من دارین- و هی فرضه بالبحرین- فیها سوق یحمل إلیها المسک من الهند وفی الحدیث الجلیس الصالح کالداری- إن لم یحذک من عطره علقک من ریحه- قال الشاعر-

إذا التاجر الداری جاء بفأره
من المسک راحت فی مفارقهم تجری‏

 و النوتی الملاح و جمعه نواتی- . و عنجه عطفه- و عنجت خطام البعیر رددته على رجلیه- أعنجه بالضم و الاسم العنج بالتحریک- و فی المثل عود یعلم العنج یضرب مثلا لتعلیم الحاذق- . و یختال من الخیلاء و هی العجب و یمیس یتبختر- . و زیفانه تبختره زاف یزیف- و منه ناقه زیافه أی مختاله قال عنترهزیافه مثل الفنیق المکدم‏- .

و کذلک ذکر الحمام عند الحمامه إذا جر الذنابى- و دفع مقدمه بمؤخره و استدار علیها- . و یفضی یسفد- و الدیکه جمع دیک- کالقرطه و الجحره جمع قرط و جحر- . و یؤر یسفد- و الأر الجماع و رجل آر کثیر الجماع- و ملاقحه أدوات اللقاح و أعضاؤه و هی آلات التناسل- . قوله أر الفحول- أی أرا مثل أر الفحول ذات الغلمه و الشبق- . ثم ذکر أنه لم یقل ذلک عن إسناد- قد یضعف و یتداخله الطعن- بل قال ذلک عن عیان و مشاهده- .

فإن قلت من أین للمدینه طواویس- و أین العرب و هذا الطائر حتى یقول أمیر المؤمنین ع- أحیلک من ذلک على معاینه- لا سیما و هو یعنی السفاد- و رؤیه ذلک لمن تکثر الطواویس فی داره- و یطول مکثها عنده نادره- . قلت لم یشاهد أمیر المؤمنین ع الطواویس بالمدینه- بل بالکوفه- و کانت یومئذ تجبى إلیها ثمرات کل شی‏ء- و تأتی إلیها هدایا الملوک من الآفاق- و رؤیه المسافده مع وجود الذکر و الأنثى غیر مستبعده- .

و اعلم أن قوما زعموا أن الذکر تدمع عینه- فتقف الدمعه بین أجفانه- فتأتی الأنثى فتطعمها فتلقح من تلک الدمعه- و أمیر المؤمنین ع لم یحل ذلک و لکنه قال- لیس بأعجب من مطاعمه الغراب- و العرب تزعم أن الغراب لا یسفد- و من أمثالهم أخفى من سفاد الغراب- فیزعمون أن اللقاح من مطاعمه الذکر و الأنثى منهما- و انتقال جزء من الماء الذی فی قانصته إلیها من منقاره- و أما الحکماء فقل أن یصدقوا بذلک- على أنهم قد قالوا فی کتبهم ما یقرب من هذا- قالوا فی السمک البیاض- إن سفاده خفی جدا- و إنه لم یظهر ظهورا یعتد به و یحکم بسببه- .

هذا لفظ ابن سینا فی کتاب الشفاء- ثم قال و الناس یقولون- إن الإناث تأخذ زرع الذکور فی أفواهها إلى بطونها- ثم قال و قد شوهدت الإناث منها تتبع الذکور مبتلعه للزرع- و أما عند الولاده فإن الذکور تتبع الإناث مبتلعه بیضها- . قال ابن سینا- و القبجه تحبلها ریح تهب من ناحیه الحجل الذکر- و من سماع صوته- . قال و النوع المسمى مالاقیا تتلاصق بأفواهها ثم تتشابک- فذاک سفادها- و سمعت‏ أن الغراب یسفد و أنه قد شوهد سفاده- و یقول الناس إن من شاهد سفاد الغراب یثری و لا یموت- إلا و هو کثیر المال موسر- . و الضفتان بفتح الضاد الجنابان و هما ضفتا النهر- و قد جاء ذلک بالکسر أیضا و الفتح أفصح- .

و المنبجس المنفجر و یسفحها یصبها- و روی تنشجها مدامعه من النشیج- و هو صوت الماء و غلیانه من زق أو حب أو قدر: تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِیَ مِنْ فِضَّهٍ- وَ مَا أُنْبِتَ عَلَیْهَا مِنْ عَجِیبِ دَارَاتِهِ- وَ شُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْیَانِ وَ فِلَذَ الزَّبَرْجَدِ- فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ- قُلْتَ جَنِیٌّ جُنِیَ مِنْ زَهْرَهِ کُلِّ رَبِیعٍ- وَ إِنْ ضَاهَیْتَهُ بِالْمَلَابِسِ فَهُوَ کَمَوْشِیِّ الْحُلَلِ- أَوْ کَمُونِقِ عَصْبِ الْیَمَنِ- وَ إِنْ شَاکَلْتَهُ بِالْحُلِیِّ فَهُوَ کَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ- قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَیْنِ الْمُکَلَّلِ- یَمْشِی مَشْیَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ وَ یَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَ جَنَاحَهُ- فَیُقَهْقِهُ ضَاحِکاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ وَ أَصَابِیغِ وِشَاحِهِ- فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ- زَقَا مُعْوِلًا بِصَوْتٍ یَکَادُ یُبِینُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ- وَ یَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ- لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ کَقَوَائِمِ الدِّیَکَهِ الْخِلَاسِیَّهِ قصبه عظام أجنحته- و المداری جمع مدرى و هو فی الأصل القرن- قال النابغه یصف الثور و الکلاب-

شک الفریصه بالمدرى فأنفذها
شک المبیطر إذ یشفی من العضد

و کذلک المدراه و یقال المدرى لشی‏ء- کالمسله تصلح بها الماشطه شعور النساء- قال الشاعر

تهلک المدراه فی أکنافه
و إذا ما أرسلته یعتفر

و تمدرت المرأه أی سرحت شعرها- شبه عظام أجنحه الطاوس بمدارى من فضه لبیاضها- و شبه ما أنبت الله علیها من تلک الدارات- و الشموس التی فی الریش بخالص العقیان و هو الذهب- . و فلذ الزبرجد جمع فلذه و هی القطعه- و الزبرجد هذا الجوهر الذی تسمیه الناس البلخش- . ثم قال إن شبهته بنبات الأرض- قلت إنه قد جنی من زهره کل ربیع فی الأرض- لاختلاف ألوانه و أصباغه- . و إن ضاهیته بالملابس المضاهاه المشاکله یهمز و لا یهمز- و قرئ یضاهون قول الذین کفروا و یُضاهِؤُنَ- و هذا ضهی هذا على فعیل أی شبیهه- . و موشی الحلل ما دبج بالوشی و هو الأرقم الملون- و العصب برود الیمن- . و الحلی جمع حلی- و هو ما تلبسه المرأه من الذهب و الفضه- مثل ثدی و ثدی و وزنه فعول- و قد تکسر الحاء لمکان الیاء مثل عصی- و قرئ مِنْ حُلِیِّهِمْ بالضم و الکسر- . و نطقت باللجین جعلت الفضه کالنطاق لها- و المکلل ذو الإکلیل- .

و زقا صوت یزقو زقوا و زقیا و زقاء- و کل صائح زاق و الزقیه الصیحه- و هو أثقل من الزواقی أی الدیکه- لأنهم کانوا یسمرون فإذا صاحت الدیکه تفرقوا- . و معولا صارخا أعولت الفرس صوتت- و منه العویل و العوله- . و قوائمه حمش دقاق- و هو أحمش الساقین و حمش الساقین بالتسکین- و قد حمشت قوائمه أی دقت- و تقول العرب للغلام إذا کانت أمه بیضاء و أبوه عربیا آدم فجاء لونه بین لونیهما- . خلاسی بالکسر و الأنثى خلاسیه- و قال اللیث الدیکه الخلاسیه- هی المتولده من الدجاج الهندی و الفارسی- . یقول ع إن الطاوس یزهى بنفسه- و یتیه إذا نظر فی أعطافه و رأى ألوانه المختلفه- فإذا نظر إلى ساقیه وجم لذلک و انکسر نشاطه و زهوه- فصاح صیاح العویل لحزنه- و ذلک لدقه ساقیه و نتوء عرقوبیه: وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِیصِیَهٌ خَفِیَّهٌ- وَ لَهُ فِی مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَهٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاهٌ- وَ مَخْرَجُ عَنُقِهِ کَالْإِبْرِیقِ- وَ مَغْرِزُهَا إِلَى حَیْثُ بَطْنُهُ کَصِبْغِ الْوَسْمَهِ الْیَمَانِیَّهِ- أَوْ کَحَرِیرَهٍ مُلْبَسَهٍ مِرْآهً ذَاتَ صِقَالٍ- وَ کَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ- إِلَّا أَنَّهُ یُخَیَّلُ لِکَثْرَهِ مَائِهِ وَ شِدَّهِ بَرِیقِهِ- أَنَّ الْخُضْرَهَ النَّاضِرَهَ مُمْتَزِجَهٌ بِهِ- وَ مَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ کَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِی لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ- أَبْیَضُ یَقَقٌ فَهُوَ بِبَیَاضِهِ فِی سَوَادِ مَا هُنَالِکَ یَأْتَلِقُ- وَ قَلَّ صِبْغٌ إِلَّا وَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ- وَ عَلَاهُ بِکَثْرَهِ صِقَالِهِ وَ بَرِیقِهِ- وَ بَصِیصِ دِیبَاجِهِ وَ رَوْنَقِهِ- فَهُوَ کَالْأَزَاهِیرِ الْمَبْثُوثَهِ لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِیعٍ- وَ لَا شُمُوسُ قَیْظٍ نجمت ظهرت- و الظنبوب حرف الساق و هو هذا العظم الیابس- .

و الصیصیه فی الأصل- شوکه الحائک التی یسوی بها السداه و اللحمه- و منه قولهکوقع الصیاصی فی النسیج الممدد- . و نقل إلى صیصیه الدیک لتلک الهیئه التی فی رجله- . و العرف الشعر المرتفع من عنقه على رأسه- و القنزعه واحده القنازع و هی الشعر حوالی الرأس- وفی الحدیث غطی عنا قنازعک یا أم أیمن- . و موشاه ذات وشی- . و الوسمه بکسر السین العظلم الذی یخضب به- و یجوز تسکین السین- . و الأسحم الأسود- و المتلفع الملتحف و یروى متقنع بمعجر- و هو ما تشده المرأه على رأسها کالرداء- . و الأقحوان البابونج الأبیض و جمعه أقاح- .

و أبیض یقق خالص البیاض و جاء یقق بالکسر- و یأتلق یلمع- . و البصیص البریق و بص الشی‏ء لمع- . و تربها الأمطار تربیها و تجمعها- . یقول ع- کأن هذا الطائر ملتحف بملحفه سوداء- إلا أنها لکثره رونقها- یتوهم أنه قد امتزج بها خضره ناضره- و قل أن یکون لون إلا و قد أخذ هذا الطائر منه بنصیب- فهو کأزاهیر الربیع- إلا أن الأزهار تربیها الأمطار و الشموس- و هذا مستغن عن ذلک:

وَ قَدْ یَنْحَسِرُ مِنْ رِیشِهِ وَ یَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ- فَیَسْقُطُ تَتْرَى وَ یَنْبُتُ تِبَاعاً- فَیَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الْأَغْصَانِ- ثُمَّ یَتَلَاحَقُ نَامِیاً حَتَّى یَعُودَ کَهَیْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ- لَا یُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ- وَ لَا یَقَعُ لَوْنٌ فِی غَیْرِ مَکَانِهِ- وَ إِذَا تَصَفَّحَتْ شَعْرَهً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ- أَرَتْکَ حُمْرَهً وَرْدِیَّهً وَ تَارَهً خُضْرَهً زَبَرْجَدِیَّهً- وَ أَحْیَاناً صُفْرَهً عَسْجَدِیَّهً- فَکَیْفَ تَصِلُ إِلَى صِفَهِ هَذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ- أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ- أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِینَ- وَ أَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الْأَوْهَامَ أَنْ تُدْرِکَهُ- وَ الْأَلْسِنَهَ أَنْ تَصِفَهُ- فَسُبْحَانَ الَّذِی بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلَّاهُ لِلْعُیُونِ- فَأَدْرَکَتْهُ مَحْدُوداً مُکَوَّناً وَ مُؤَلَّفاً مُلَوَّناً- وَ أَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِیصِ صِفَتِهِ- وَ قَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِیَهِ نَعْتِهِ- وَ سُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّهِ- وَ الْهَمَجَهِ إِلَى مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِیتَانِ وَ الْفِیَلَهِ-وَ وَأَى عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا یَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِیهِ الرُّوحَ- إِلَّا وَ جَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ وَ الْفَنَاءَ غَایَتَهُ ینحسر من ریشه ینکشف فیسقط و یروى یتحسر- .

تترى أی شیئا بعد شی‏ء- و بینهما فتره- قال الله تعالى ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا- لأنه لم یرسلهم على تراسل بل بعد فترات- و هذا مما یغلط فیه قوم- فیعتقدون أن تترى للمواصله و الالتصاق- و أصلها الواو من الوتر و هو الفرد و فیها لغتان- تنون و لا تنون- فمن ترک صرفها للمعرفه جعل ألفها ألف تأنیث- و من نونها جعل ألفها للإلحاق- . قال ع و ینبت تباعا أی لا فترات بینهما- و کذلک حال الریش الساقط یسقط شیئا بعد شی‏ء- و ینبت جمیعا- .

و ینحت یتساقط- و انحتات الورق تناثرها- و نامیا زائدا- یقول ع إذا عاد ریشه عاد مکان کل ریشه ریشه- ملونه بلون الریشه الأولى- فلا یتخالف الأوائل و الأواخر- . و الخضره الزبرجدیه منسوبه إلى الزمرد- و لفظه الزبرجد تاره تستعمل له- و تاره لهذا الحجر الأحمر المسمى بلخش- و العسجد الذهب- و عمائق الفطن‏البعیده القعر- و القریحه الخاطر و الذهن- و بهر غلب و جلاه أظهره و یروى بالتخفیف- و أدمج القوائم أحکمها کالحبل المدمج الشدید الفتل- .

و الذره النمله الصغیره- و الهمجه واحده الهمج- و هو ذباب صغیر کالبعوض- یسقط على وجوه الغنم و الحمر و أعینها- . و وأى وعد و الوأی الوعد- . و اعلم أن الحکماء ذکروا فی الطاوس أمورا- قالوا إنه یعیش خمسا و عشرین سنه- و هی أقصى عمره- و یبیض فی السنه الثالثه من عمره عند ما ینتقش لونه- و یتم ریشه- و یبیض فی السنه مره واحده اثنتی عشره بیضه- فی ثلاثه أیام- و یحضنها ثلاثین یوما- فیفرخ و یلقی ریشه مع سقوط ورق الشجر- و ینبته مع ابتداء نبات الورق- .

و الدجاج قد یحضن بیض الطاوس- و إنما یختار الدجاج لحضانته و إن وجدت الطاوسه- لأن الطاوس الذکر یعبث بالأنثى- و یشغلها عن الحضانه- و ربما انفقص البیض من تحتها- و لهذه العله یخبأ کثیر من الإناث محاضنها عن ذکرانها- و لا تقوى الدجاجه على أکثر من بیضتی طاوس- و ینبغی أن یتعهد الدجاجه حینئذ بتقریب العلف منها- . و قال شیخنا أبو عثمان الجاحظ رحمه الله- فی کتاب الحیوان- إن الطاوسه قد تبیض من الریح- بأن یکون فی سفاله الریح و فوقها طاوس ذکر- فیحمل ریحه فتبیض منه و کذلک القبجه- . قال و بیض الریح قل أن یفرخ‏:

مِنْهَا فِی صِفَهِ الْجَنَّهِ- فَلَوْ رَمَیْتَ بِبَصَرِ قَلْبِکَ نَحْوَ مَا یُوصَفُ لَکَ مِنْهَا- لَعَزَفَتْ نَفْسُکَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْیَا- مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَّاتِهَا وَ زَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا- وَ لَذَهِلَتْ بِالْفِکْرِ فِی اصْطِفَافِ أَشْجَارٍ- غُیِّبَتْ عُرُوقُهَا فِی کُثْبَانِ الْمِسْکِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا- وَ فِی تَعْلِیقِ کَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِی عَسَالِیجِهَا وَ أَفْنَانِهَا- وَ طُلُوعِ تِلْکَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَهً فِی غُلُفِ أَکْمَامِهَا- تُجْنَى مِنْ غَیْرِ تَکَلُّفٍ فَتَأْتِی عَلَى مُنْیَهِ مُجْتَنِیهَا- وَ یُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَا فِی أَفْنِیَهِ قُصُورِهَا- بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَهِ وَ الْخُمُورِ الْمُرَوَّقَهِ- قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْکَرَامَهُ تَتَمَادَى بِهِمْ- حَتَّى حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ وَ أَمِنُوا نُقْلَهَ الْأَسْفَارِ- فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَکَ أَیُّهَا الْمُسْتَمِعُ- بِالْوُصُولِ إِلَى مَا یَهْجُمُ عَلَیْکَ مِنْ تِلْکَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَهِ- لَزَهِقَتْ نَفْسُکَ شَوْقاً إِلَیْهَا- وَ لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِی هَذَا- إِلَى مُجَاوَرَهِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالًا بِهَا- جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ یَسْعَى بِقَلْبِهِ- إِلَى مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ قال الرضی رحمه الله تعالى- تفسیر بعض ما فی هذه الخطبه من الغریب- قوله ع یؤر بملاقحه الأر کنایه عن النکاح- یقال أر الرجل المرأه یؤرها إذا نکحها- . و قوله ع کأنه قلع داری عنجه نوتیه- القلع شراع السفینه- و داری منسوب إلى دارین- و هی بلده على البحر یجلب منها الطیب- و عنجه أی عطفه- یقال عنجت الناقه أعنجها عنجا إذا عطفتها- و النوتی الملاح- .

و قوله ع ضفتی جفونه أراد جانبی جفونه- و الضفتان الجانبان- . و قوله و فلذ الزبرجد- الفلذ جمع فلذه و هی القطعه- . و قوله ع کبائس اللؤلؤ الرطب- الکباسه العذق- و العسالیج الغصون واحدها عسلوج رمیت ببصر قلبک أی أفکرت و تأملت- و عزفت نفسک کرهت و زهدت- و الزخارف جمع زخرف و هو الذهب و کل مموه- . و اصطفاف الأشجار انتظامها صفا- و یروى فی اصطفاق أغصان أی اضطرابها- . و یأتی على منیه مجتنیها لا یترک له منیه أصلا- لأنه یکون قد بلغ نهایه الأمانی- . و العسل المصفق المصفى تحویلا من إناء إلى إناء- و المونقه المعجبه و زهقت نفسه مات- . و اعلم أنه لا مزید فی التشویق إلى الجنه- على ما ذکره الله تعالى فی کتابه- فکل الصید فی جانب الفرا- .

و قد جاء عن رسول الله ص فی ذلک أخبار صحیحه-فروى أسامه بن زید قال سمعت رسول الله ص یذکر الجنه فقال- أ لا مشتر لها هی و رب الکعبه ریحانه تهتز- و نور یتلألأ و نهر یطرد- و زوجه لا تموت مع حبور و نعیم و مقام الأبدوروى أبو سعید الخدری عنه ص أن الله سبحانه لما حوط حائط الجنه- لبنه من ذهب و لبنه من فضه و غرس غرسها- قال لها تکلمی فقالت قد أفلح المؤمنون- فقال طوبى لک منزل الملوک وروى جابر بن عبد الله عنه ع إذا دخل أهل الجنه الجنه قال لهم ربهم تعالى- أ تحبون أن أزیدکم- فیقولون و هل خیر مما أعطیتنا- فیقول نعم رضوانی أکبروعنه ع إن أحدهم لیعطى قوه مائه رجل فی الأکل و الشرب- فقیل له فهل یکون منهم حدث أو قال خبث- قال عرق یفیض من أعراضهم- کریح المسک یضمر منه البطن-

و روى الزمخشری فی ربیع الأبرار- و مذهبه فی الاعتزال و نصره أصحابنا معلوم- و کذلک فی انحرافه عن الشیعه و تسخیفه لمقالاتهم-أن رسول الله محمدا ص قال لما أسری بی أخذنی جبرئیل- فأقعدنی على درنوک من درانیک الجنه- ثم ناولنی سفرجله فبینا أنا أقلبها انفلقت- فخرجت منها جاریه لم أر أحسن منها- فسلمت فقلت من أنت قالت أنا الراضیه المرضیه- خلقنی الجبار من ثلاثه أصناف- أعلای من عنبر

و أوسطی من کافور و أسفلی من مسک- ثم عجننی بماء الحیوان و قال لی کونی کذا فکنت- خلقنی لأخیک و ابن عمک علی بن أبی طالب
– . قلت الدرنوک ضرب من البسط ذو خمل- و یشبه به فروه البعیر- قال الراجزجعد الدرانیک رفل الأجلاد

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۳

خطبه ۱۶۵ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۵ و من کلام له ع لعثمان بن عفان

 قالوا لما اجتمع الناس إلى أمیر المؤمنین ع- و شکوا إلیه ما نقموه على عثمان- و سألوه مخاطبته و استعتابه لهم- فدخل ع على عثمان فقال: إِنَّ النَّاسَ وَرَائِی- وَ قَدِ اسْتَسْفَرُونِی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُمْ- وَ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی مَا أَقُولُ لَکَ- مَا أَعْرِفُ شَیْئاً تَجْهَلُهُ- وَ لَا أَدُلُّکَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ- إِنَّکَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ- مَا سَبَقْنَاکَ إِلَى شَیْ‏ءٍ فَنُخْبِرَکَ عَنْهُ- وَ لَا خَلَوْنَا بِشَیْ‏ءٍ فَنُبَلِّغَکَهُ- وَ قَدْ رَأَیْتَ کَمَا رَأَیْنَا وَ سَمِعْتَ کَمَا سَمِعْنَا- وَ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص کَمَا صَحِبْنَا- وَ مَا ابْنُ أَبِی قُحَافَهَ- وَ لَا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْخَیْرِ مِنْکَ- وَ أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَشِیجَهَ رَحِمٍ مِنْهُمَا- وَ قَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ یَنَالَا فَاللَّهَ اللَّهَ فِی نَفْسِکَ- فَإِنَّکَ وَ اللَّهِ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمًى- وَ لَا تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ- وَ إِنَّ الطُّرُقَ لَوَاضِحَهٌ وَ إِنَّ أَعْلَامَ الدِّینِ لَقَائِمَهٌ- فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ- هُدِیَ وَ هَدَى فَأَقَامَ سُنَّهً مَعْلُومَهً- وَ أَمَاتَ بِدْعَهً مَجْهُولَهً- وَ إِنَّ السُّنَنَ لَنَیِّرَهٌ لَهَا أَعْلَامٌ- وَ إِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَهٌ لَهَا أَعْلَامٌ-

وَ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَ ضُلَّ بِهِ- فَأَمَاتَ سُنَّهً مَأْخُوذَهً وَ أَحْیَا بِدْعَهً مَتْرُوکَهً- وَ إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ- یُؤْتَى یَوْمَ الْقِیَامَهِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ- وَ لَیْسَ مَعَهُ نَصِیرٌ وَ لَا عَاذِرٌ- فَیُلْقَى فِی نَارِ جَهَنَّمَ فَیَدُورُ فِیهَا کَمَا تَدُورُ الرَّحَى- ثُمَّ یَرْتَبِطُ فِی قَعْرِهَا-وَ إِنِّی أَنْشُدُکَ اللَّهَ أَنْ تَکُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّهِ الْمَقْتُولَ- فَإِنَّهُ کَانَ یُقَالُ- یُقْتَلُ فِی هَذِهِ الْأُمَّهِ إِمَامٌ یَفْتَحُ عَلَیْهَا الْقَتْلَ- وَ الْقِتَالَ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَهِ- وَ یَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَیْهَا وَ یَبُثُّ الْفِتَنَ فِیهَا- فَلَا یُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ- یَمُوجُونَ فِیهَا مَوْجاً وَ یَمْرُجُونَ فِیهَا مَرْجاً- فَلَا تَکُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَیِّقَهً یَسُوقُکَ حَیْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلَالِ السِّنِّ- وَ تَقَضِّی الْعُمُرِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ- کَلِّمِ النَّاسَ فِی أَنْ یُؤَجِّلُونِی- حَتَّى أَخْرُجَ إِلَیْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهِمْ- فَقَالَ ع- مَا کَانَ بِالْمَدِینَهِ فَلَا أَجَلَ فِیهِ- وَ مَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِکَ إِلَیْهِ نقمت على زید بالفتح أنقم فأنا ناقم إذا عتبت علیه- و قال الکسائی نقمت بالکسر أیضا أنقم لغه- و هذه اللفظه تجی‏ء لازمه و متعدیه- قالوا نقمت الأمر أی کرهته- . و استعتبت فلانا طلبت منه العتبى و هی الرضا- و استعتابهم عثمان طلبهم منه ما یرضیهم عنه- .

و استسفرونی جعلونی سفیرا و وسیطا بینک و بینهم- . ثم قال له و أقسم على ذلک- أنه لا یعلم ما ذا یقول له لأنه لا یعرف أمرا یجهله- أی من هذه الأحداث خاصه و هذا حق- لأن علیا ع لم یکن یعلم منها ما یجهله‏ عثمان- بل کان أحداث الصبیان فضلا عن العقلاء الممیزین- یعلمون وجهی الصواب و الخطأ فیها- .

ثم شرع معه فی مسلک الملاطفه و القول اللین- فقال ما سبقنا إلى الصحبه و لا انفردنا بالرسول دونک- و أنت مثلنا و نحن مثلک- . ثم خرج إلى ذکر الشیخین- فقال قولا معناه أنهما لیسا خیرا منک- فإنک مخصوص دونهما بقرب النسب یعنی المنافیه و بالصهر- و هذا کلام هو موضع المثل یسر حسوا فی ارتغاء- و مراده تفضیل نفسه ع- لأن العله التی باعتبارها- فضل عثمان علیهما محققه فیه و زیاده- لأن له مع المنافیه الهاشمیه فهو أقرب- . و الوشیجه عروق الشجره- ثم حذره جانب الله تعالى و نبهه على أن الطرق واضحه- و أعلام الهدى قائمه- و أن الإمام العادل أفضل الناس عند الله- و أن الإمام الجائر شر الناس عند الله- .

ثم روى له الخبر المذکور- و روی ثم یرتبک فی قعرها أی ینشب- . و خوفه أن یکون الإمام المقتول الذی یفتح الفتن بقتله- و قد کان رسول الله ص قال کلاما هو هذا أو یشبه هذا- . و مرج الدین أی فسد- و السیقه ما استاقه العدو من الدواب مثل الوسیقه- قال الشاعر-

فما أنا إلا مثل سیقه العدا
إن استقدمت بحر و إن جبأت عقر

 و الجلال بالضم الجلیل- کالطوال و الطویل أی بعد السن الجلیل- أی العمر الطویل- .و قوله ما کان بالمدینه فلا أجل فیه- و ما غاب فأجله وصول أمرک إلیه کلام شریف فصیح- لأن الحاضر أی معنى لتأجیله- و الغائب فلا عذر بعد وصول الأمر فی تأخیره- لأن السلطان لا یؤخر أمره- . و قد ذکرنا من الأحداث التی نقمت على عثمان- فیما تقدم ما فیه کفایه- و قد ذکر أبو جعفر محمد بن جریر الطبری رحمه الله- فی التاریخ الکبیر هذا الکلام فقال- إن نفرا من أصحاب رسول الله ص تکاتبوا- فکتب بعضهم إلى بعض أن اقدموا- فإن الجهاد بالمدینه لا بالروم- و استطال الناس على عثمان و نالوا منه- و ذلک فی سنه أربع و ثلاثین- و لم یکن أحد من الصحابه یذب عنه و لا ینهى إلا نفر- منهم زید بن ثابت و أبو أسید الساعدی- و کعب بن مالک و حسان بن ثابت- فاجتمع الناس فکلموا علی بن أبی طالب ع- و سألوه أن یکلم عثمان فدخل علیه- و قال له إن الناس…

و روى الکلام إلى آخره بألفاظه- فقال عثمان و قد علمت أنک لتقولن ما قلت- أما و الله لو کنت مکانی ما عنفتک و لا عتبت علیک- و لم آت منکرا إنما وصلت رحما- و سددت خله و آویت ضائعا- و ولیت شبیها بمن کان عمر یولیه- أنشدک الله یا علی- أ لا تعلم أن المغیره بن شعبه لیس هناک قال بلى- قال أ فلا تعلم أن عمر ولاه قال بلى- قال فلم تلومنی أن ولیت ابن عامر فی رحمه و قرابته- فقال علی ع إن عمر کان یطأ على صماخ من یولیه- ثم یبلغ منه إن أنکر منه أمرا أقصى العقوبه- و أنت فلا تفعل ضعفت و رققت على أقربائک- .

قال عثمان هم أقرباؤک أیضا- فقال علی لعمری إن رحمهم منی لقریبه- و لکن الفضل فی غیرهم- . فقال عثمان أ فلا تعلم أن عمر ولى معاویه فقد ولیته- قال علی أنشدک الله- أ لا تعلم أن معاویه کان أخوف لعمر من یرفأ غلامه له قال بلى- قال فإن معاویه یقطع الأمور دونک و یقول للناس- هذا بأمر عثمان و أنت تعلم ذلک فلا تعیر علیه- .

ثم قام علی فخرج عثمان على أثره- فجلس على المنبر فخطب الناس و قال- أما بعد فإن لکل شی‏ء آفه- و لکل أمر عاهه و إن آفه هذه الأمه- و عاهه هذه النعمه عیابون طعانون یرونکم ما تحبون- و یسرون عنکم ما تکرهون یقولون لکم و تقولون- أمثال النعام یتبع أول ناعق- أحب مواردها إلیها البعید- لا یشربون إلا نغصا و لا یردون إلا عکرا- أما و الله لقد عبتم علی ما أقررتم لابن الخطاب بمثله- و لکنه وطئکم برجله و ضربکم بیده و قمعکم بلسانه- فدنتم له على ما أحببتم و کرهتم و لنت لکم- و أوطأتکم کتفی و کففت یدی و لسانی عنکم فاجترأتم علی- أما و الله لأنا أقرب ناصرا و أعز نفرا و أکثر عددا- و أحرى إن قلت هلم أن یجاب صوتی- و لقد أعددت لکم أقرانا- و کشرت لکم عن نابی- و أخرجتم منی خلقا لم أکن أحسنه- و منطقا لم أکن أنطق به- فکفوا عنی ألسنتکم و طعنکم و عیبکم على ولاتکم- فما الذی تفقدون من حقکم- و الله ما قصرت عن بلوغ من کان قبلی یبلغ- و ما وجدتکم تختلفون علیه فما بالکم- . فقام مروان بن الحکم فقال- و إن شئتم حکمنا بیننا و بینکم السیف- . فقال عثمان اسکت لا سکت دعنی و أصحابی- ما منطقک فی هذا أ لم أتقدم إلیک ألا تنطق- . فسکت مروان و نزل عثمان

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۰

خطبه ۱۶۴ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۴ و من خطبه له ع

الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ وَ سَاطِحِ الْمِهَادِ- وَ مُسِیلِ الْوِهَادِ وَ مُخْصِبِ النِّجَادِ- لَیْسَ لِأَوَّلِیَّتِهِ ابْتِدَاءٌ وَ لَا لِأَزَلِیَّتِهِ انْقِضَاءٌ- هُوَ الْأَوَّلُ وَ لَمْ یَزَلْ وَ الْبَاقِی بِلَا أَجَلٍ- خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ وَ وَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ- حَدَّ الْأَشْیَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَهً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا- لَا تُقَدِّرُهُ الْأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَ الْحَرَکَاتِ- وَ لَا بِالْجَوَارِحِ وَ الْأَدَوَاتِ لَا یُقَالُ لَهُ مَتَى- وَ لَا یُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِ حَتَّى- الظَّاهِرُ لَا یُقَالُ مِمَّ وَ الْبَاطِنُ لَا یُقَالُ فِیمَ- لَا شَبَحٌ فَیُتَقَصَّى وَ لَا مَحْجُوبٌ فَیُحْوَى- لَمْ یَقْرُبْ مِنَ الْأَشْیَاءِ بِالْتِصَاقٍ- وَ لَمْ یَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ- وَ لَا یَخْفَى عَلَیْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَهٍ- وَ لَا کُرُورُ لَفْظَهٍ وَ لَا ازْدِلَافُ رَبْوَهٍ- وَ لَا انْبِسَاطُ خُطْوَهٍ فِی لَیْلٍ دَاجٍ- وَ لَا غَسَقٍ سَاجٍ یَتَفَیَّأُ عَلَیْهِ الْقَمَرُ الْمُنِیرُ- وَ تَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِی الْأُفُولِ وَ الْکُرُورِ- وَ تَقْلِیبِ الْأَزْمِنَهِ وَ الدُّهُورِ- مِنْ إِقْبَالِ لَیْلٍ مُقْبِلٍ وَ إِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ- قَبْلَ کُلِّ غَایَهٍ وَ مُدَّهِ وَ کُلِّ إِحْصَاءٍ وَ عِدَّهٍ- تَعَالَى عَمَّا یَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ- وَ نِهَایَاتِ الْأَقْطَارِ وَ تَأَثُّلِ الْمَسَاکِنِ- وَ تَمَکُّنِ الْأَمَاکِنِ- فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ وَ إِلَى غَیْرِهِ مَنْسُوبٌ- لَمْ یَخْلُقِ الْأَشْیَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِیَّهٍ- وَ لَا مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِیَّهٍ- بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ‏ حَدَّهُ- وَ صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ- لَیْسَ لِشَیْ‏ءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ وَ لَا لَهُ بِطَاعَهِ شَیْ‏ءٍ انْتِفَاعٌ- عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِینَ کَعِلْمِهِ بِالْأَحْیَاءِ الْبَاقِینَ- وَ عِلْمُهُ بِمَا فِی السَّمَاوَاتِ الْعُلَى- کَعِلْمِهِ بِمَا فِی الْأَرَضِینَ السُّفْلَى المهاد هنا هو الأرض و أصله الفراش و ساطحه باسطه- و منه تسطیح القبور خلاف تسنیمها- و منه أیضا المسطح- للموضع الذی یبسط فیه التمر لیجفف- .

و الوهاد جمع وهده و هی المکان المطمئن- و مسیلها مجرى السیل فیها- و النجاد جمع نجد و هو ما ارتفع من الأرض- و مخصبها مروضها و جاعلها ذوات خصب

مباحث کلامیه

و اعلم أنه ع أورد فی هذه الخطبه- ضروبا من علم التوحید- و کلها مبنیه على ثلاثه أصول- . الأصل الأول أنه تعالى واجب الوجود لذاته- و یتفرع على هذا الأصل فروع- أولها أنه لیس لأولیته ابتداء- لأنه لو کان لأولیته ابتداء لکان محدثا- و لا شی‏ء من المحدث بواجب الوجود- لأن معنى واجب الوجود أن ذاته لا تقبل العدم- و یستحیل الجمع بین قولنا هذه الذات محدثه- أی کانت معدومه من قبل و هی فی حقیقتها لا تقبل العدم- .

و ثانیها أنه لیس لأزلیته انقضاء- لأنه لو صح علیه العدم لکان لعدمه سبب- فکان وجوده موقوفا على انتفاء سبب عدمه- و المتوقف على غیره یکون ممکن الذات- فلا یکون واجب الوجود- . و قوله ع هو الأول لم یزل و الباقی بلا أجل- تکرار لهذین المعنیین السابقین على سبیل التأکید- و یدخل فیه أیضا قوله- لا یقال له متى و لا یضرب له أمد بحتى- لأن متى للزمان و واجب الوجود یرتفع عن الزمان- و حتى للغایه و واجب الوجود لا غایه له- . و یدخل أیضا فیه قوله- قبل کل غایه و مده و کل إحصاء و عده- .

و ثالثها أنه لا یشبه الأشیاء البته- لأن ما عداه إما جسم أو عرض أو مجرد- فلو أشبه الجسم أو العرض لکان إما جسما أو عرضا- ضروره تساوی المتشابهین المتماثلین فی حقائقهما- . و لو شابه غیره من المجردات- مع أن کل مجرد غیر ممکن لکان ممکنا- و لیس واجب الوجود بممکن- فیدخل فی هذا المعنى قوله ع- حد الأشیاء عند خلقه لها إبانه له من شبهها- أی جعل المخلوقات ذوات حدود لیتمیز هو سبحانه عنها- إذ لا حد له فبطل أن یشبهه شی‏ء منها- و دخل فیه قوله ع- لا تقدره الأوهام بالحدود و الحرکات و لا بالجوارح- .

و الأدوات جمع أداه و هی ما یعتمد به- و دخل فیه قوله الظاهر فلا یقال مم- أی لا یقال من أی شی‏ء ظهر و الباطن فلا یقال فیم أی لا یقال فیما ذا بطن- و یدخل فیه قوله لا شبح فیتقصى- و الشبح الشخص و یتقصى یطلب أقصاه- . و یدخل فیه قوله و لا محجوب فیحوى- و قوله لم یقرب من الأشیاء بالتصاق- و لم یبعد عنها بافتراق- لأن هذه الأمور کلها من خصائص الأجسام- و واجب الوجود لا یشبه الأجسام و لا یماثلها- . و یدخل فیه قوله ع- تعالى عما ینحله المحددون من صفات الأقدار- أی مما ینسبه إلیه المشبهه- و المجسمه من صفات المقادیر و ذوات المقادیر- .

و نهایات الأقطار أی الجوانب- . و تأثل المساکن مجد مؤثل أی أصیل- و بیت مؤثل أی معمور- و کأن أصل الکلمه أن تبنى الدار بالأثل- و هو شجر معروف- و تمکن الأماکن ثبوتها و استقرارها- . و قوله فالحد لخلقه مضروب و إلى غیره منسوب- و قوله و لا له بطاعه شی‏ء انتفاع- لأنه إنما ینتفع الجسم الذی یصح علیه الشهوه و النفره- کل هذا داخل تحت هذا الوجه- . الأصل الثانی أنه تعالى عالم لذاته فیعلم کل معلوم- و یدخل تحت هذا الأصل قوله ع- لا تخفى علیه من عباده شخوص لحظه- أن تسکن العین فلا تتحرک و لا کرور لفظه أی رجوعها- . و لا ازدلاف ربوه- صعود إنسان أو حیوان ربوه من الأرض- و هی الموضع المرتفع- و لا انبساط خطوه فی لیل داج أی مظلم- . و لا غسق ساج أی ساکن- . ثم قال یتفیأ علیه القمر المنیر- هذا من صفات الغسق و من تتمه نعته- و معنى یتفیأ علیه یتقلب ذاهبا- و جائیا فی حالتی أخذه فی الضوء إلى التبدر- و أخذه فی النقص إلى المحاق- .

و قوله و تعقبه أی و تتعقبه فحذف إحدى التاءین- کما قال سبحانه الَّذِینَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَهُ- أی تتوفاهم- و الهاء فی و تعقبه ترجع إلى القمر- أی و تسیر الشمس عقبه فی کروره- و أفوله أی غیبوبته- و فی تقلیب الأزمنه و الدهور- من إقبال لیل و إدبار نهار- .

فإن قلت إذا کان قوله یتفیأ علیه القمر المنیر- فی موضع جر لأنه صفه غسق- فکیف تتعقب الشمس و القمر مع وجود الغسق- و هل یمکن اجتماع الشمس و الغسق- قلت لا یلزم من تعقب الشمس للقمر ثبوت الغسق- . بل قد یصدق تعقبها له و یکون الغسق معدوما- کأنه ع قال لا یخفى على الله حرکه فی نهار و لا لیل- یتفیأ علیه القمر و تعقبه الشمس- أی تظهر عقیبه فیزول الغسق بظهورها- .

و هذا التفسیر الذی فسرناه- یقتضی أن یکون حرف الجر و هو فی التی فی قوله- فی الکرور متعلقا بمحذوف- و یکون موضعه نصبا على الحال أی و تعقبه کارا و آفلا- و یدخل تحته أیضا قوله ع- علمه بالأموات الماضین کعلمه بالأحیاء الباقین- و علمه بما فی السماوات العلا- کعلمه بما فی الأرضین السفلى- .

الأصل الثالث أنه تعالى قادر لذاته- فکان قادرا على کل الممکنات- و یدخل تحته قوله لم یخلق الأشیاء من أصول أزلیه- و لا من أوائل أبدیه بل خلق ما خلق فأقام حده- و صور ما صور فأحسن صورته- و الرد فی هذا على أصحاب الهیولى- و الطینه التی یزعمون قدمها- . و یدخل تحته قوله لیس لشی‏ء امتناع- لأنه متى أراد إیجاد شی‏ء أوجده- و یدخل تحته قوله خرت له الجباه أی سجدت- و وحدته الشفاه یعنی الأفواه- فعبر بالجزء عن الکل مجازا- و ذلک لأن القادر لذاته- هو المستحق للعباده لخلقه أصول النعم- کالحیاه و القدره و الشهوه- .

و اعلم أن هذا الفن هو الذی بان به أمیر المؤمنین ع- عن العرب فی زمانه قاطبه-و استحق به التقدم و الفضل علیهم أجمعین- و ذلک لأن الخاصه التی یتمیز بها الإنسان عن البهائم- هی العقل و العلم- أ لا ترى أنه یشارکه غیره من الحیوانات- فی اللحمیه و الدمویه و القوه و القدره- و الحرکه الکائنه على سبیل الإراده و الاختیار- فلیس الامتیاز إلا بالقوه الناطقه أی العاقله العالمه- فکلما کان الإنسان أکثر حظا منها- کانت إنسانیته أتم- و معلوم أن هذا الرجل انفرد بهذا الفن و هو أشرف العلوم- لأن معلومه أشرف المعلومات- و لم ینقل عن أحد من العرب غیره فی هذا الفن حرف واحد- و لا کانت أذهانهم تصل إلى هذا- و لا یفهمونه بهذا الفن فهو منفرد فیه- و بغیره من الفنون- و هی العلوم الشرعیه مشارک لهم و راجح علیهم- فکان أکمل منهم- لأنا قد بینا أن الأعلم أدخل فی صوره الإنسانیه- و هذا هو معنى الأفضلیه
مِنْهَا- أَیُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِیُّ وَ الْمَنْشَأُ الْمَرْعِیُّ- فِی ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَ مُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ- . بُدِئْتَ مِنْ سُلَالَهٍ مِنْ طِینٍ- وَ وُضِعْتَ فِی قَرَارٍ مَکِینٍ- إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وَ أَجَلٍ مَقْسُومٍ- تَمُورُ فِی بَطْنِ أُمِّکَ جَنِیناً لَا تُحِیرُ دُعَاءً وَ لَا تَسْمَعُ نِدَاءً- ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّکَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا- وَ لَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا- فَمَنْ هَدَاکَ لِاجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْیِ أُمِّکَ- وَ عَرَّفَکَ عِنْدَ الْحَاجَهِ مَوَاضِعَ طَلَبِکَ وَ إِرَادَتِکَ- هَیْهَاتَ إِنَّ مَنْ یَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِی الْهَیْئَهِ وَ الْأَدَوَاتِ- فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ- وَ مِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقِینَ أَبْعَدُالسوی المستوی الخلقه غیر ناقص- قال سبحانه فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِیًّا- و المنشأ مفعول من أنشأ أی خلق و أوجد- و المرعی المحوط المحفوظ- .

و ظلمات الأرحام و مضاعفات الأستار- مستقر النطف- و الرحم موضوعه فیما بین المثانه و المعى المستقیم- و هی مربوطه برباطات على هیئه السلسله و جسمها عصبی- لیمکن امتدادها و اتساعها وقت الحاجه- إلى ذلک عند الولاده- و تنضم و تتقنص إذا استغنی عن ذلک- و لها بطنان ینتهیان إلى فم واحد- و زائدتان یسمیان قرینی الرحم- و خلف هاتین الزائدتین بیضتا المرأه- و هما أصغر من بیضتی الرجل و أشد تفرطحا- و منهما ینصب منی المرأه إلى تجویف الرحم- و للرحم رقبه منتهیه إلى فرج المرأه- و تلک الرقبه من المرأه بمنزله الذکر من الرجل- فإذا امتزج منی الرجل بمنی المرأه فی تجویف الرحم- کان العلوق ثم ینمی و یزید من دم الطمث- و یتصل بالجنین عروق تأتی إلى الرحم فتغذوه- حتى یتم و یکمل- فإذا تم لم یکتف بما تحته من تلک العروق- فیتحرک حرکات قویه طلبا للغذاء- فتهتک أربطه الرحم التی قلنا إنها على هیئه السلسله- و تکون منها الولاده- .

قوله بدئت من سلاله من طین- أی کان ابتداء خلقک من سلاله- و هی خلاصه الطین- لأنها سلت من بین الکدر- و فعاله بناء للقله کالقلامه و القمامه- . و قال الحسن هی ما بین ظهرانی الطین- . ثم قال و وضعت فی قرار مکین- الکلام الأول لآدم الذی هو أصل البشر و الثانی لذریته- و القرار المکین الرحم متمکنه فی موضعها برباطاتها- لأنها لو کانت متحرکه لتعذر العلوق- .

ثم قال إلى قدر معلوم و أجل مقسوم- إلى متعلقه بمحذوف کأنه قال منتهیا إلى قدر معلوم- أی مقدرا طوله و شکله إلى أجل مقسوم مده حیاته- . ثم قال تمور فی بطن أمک أی تتحرک- لا تحیر أی لا ترجع جوابا أحار یحیر- . إلى دار لم تشهدها یعنی الدنیا- و یقال أشبه شی‏ء بحال الانتقال من الدنیا- إلى الأحوال التی بعد الموت- انتقال الجنین من ظلمه الرحم إلى فضاء الدنیا- فلو کان الجنین یعقل و یتصور- کان یظن أنه لا دار له إلا الدار التی هو فیها- و لا یشعر بما وراءها- و لا یحس بنفسه إلا و قد حصل فی دار لم یعرفها- و لا تخطر بباله فبقی هو کالحائر المبهوت- و هکذا حالنا فی الدنیا إذا شاهدنا ما بعد الموت- . و لقد أحسن ابن الرومی فی صفه خطوب الدنیا و صروفها بقوله-

لما تؤذن الدنیا به من صروفها
یکون بکاء الطفل ساعه یولد

و إلا فما یبکیه منها و إنها
لأوسع مما کان فیه و أرغد

إذا أبصر الدنیا استهل کأنه
بما سوف یلقى من أذاها یهدد

 قال فمن هداک إلى اجترار الغذاء من ثدی أمک- اجترار امتصاص اللبن من الثدی- و ذلک بالإلهام الإلهی- . قال و عرفک عند الحاجه- أی أعلمک بموضع الحلمه عند طلبک الرضاع- فالتقمتها بفمک- .ثم قال هیهات- أی بعد أن یحیط علما بالخالق من عجز عن معرفه المخلوق- قال الشاعر-

رأیت الورى یدعون الهدى
و کم یدعی الحق خلق کثیر

و ما فی البرایا امرؤ عنده‏
من العلم بالحق إلا الیسیر

خفی فما ناله ناظر
و ما إن أشار إلیه مشیر

و لا شی‏ء أظهر من ذاته‏
و کیف یرى الشمس أعمى ضریر

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۹

خطبه ۱۶۳ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۳ و من کلام له ع لبعض أصحابه

و قد سأله کیف دفعکم قومکم عن هذا المقام و أنتم أحق به- فقال ع: یَا أَخَا بَنِی أَسَدٍ إِنَّکَ لَقَلِقُ الْوَضِینِ- تُرْسِلُ فِی غَیْرِ سَدَدٍ- وَ لَکَ بَعْدُ ذِمَامَهُ الصِّهْرِ وَ حَقُّ الْمَسْأَلَهِ- وَ قَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ- أَمَّا الِاسْتِبْدَادُ عَلَیْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ- وَ نَحْنُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً وَ الْأَشَدُّونَ بِالرَّسُولِ ص نَوْطاً- فَإِنَّهَا کَانَتْ أَثَرَهً شَحَّتْ عَلَیْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ- وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِینَ- وَ الْحَکَمُ اللَّهُ وَ الْمَعْوَدُ إِلَیْهِ یَوْمُ الْقِیَامَهِ-

وَ دَعْ عَنْکَ نَهْباً صِیحَ فِی حَجَرَاتِهِ
وَ لَکِنْ حَدِیثاً مَا حَدِیثُ الرَّوَاحِلِ‏

 وَ هَلُمَّ الْخَطْبَ فِی ابْنِ أَبِی سُفْیَانَ- فَلَقَدْ أَضْحَکَنِی الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْکَائِهِ- وَ لَا غَرْوَ وَ اللَّهِ- فَیَا لَهُ خَطْباً یَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ وَ یُکْثِرُ الْأَوَدَ- حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ- وَ سَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ یَنْبُوعِهِ- وَ جَدَحُوا بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ شِرْباً وَبِیئاً- فَإِنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَ عَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى- أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ وَ إِنْ تَکُنِ الْأُخْرَى- فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ- إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ‏ الوضین بطان القتب و حزام السرج- و یقال للرجل المضطرب فی أموره إنه لقلق الوضین- و ذلک أن الوضین إذا قلق- اضطرب القتب أو الهودج أو السرج و من علیه- . و یرسل فی غیر سدد- أی یتکلم فی غیر قصد و فی غیر صواب- و السدد و الاستداد الاستقامه و الصواب- و السدید الذی یصیب السدد و کذلک المسد- و استد الشی‏ء أی استقام- . و ذمامه الصهر بالکسر أی حرمته هو الذمام- قال ذو الرمه-

تکن عوجه یجزیکها الله عنده
بها الأجر أو تقضى ذمامه صاحب‏

 و یروى ماته الصهر أی حرمته و وسیلته- مت إلیه بکذا- و إنما قال ع له و لک بعد ذمامه الصهر- لأن زینب بنت جحش زوج رسول الله ص کانت أسدیه- و هی زینب بنت جحش بن رباب بن یعمر- بن صبره بن مره بن کثیر بن غنم- بن دودان بن أسد بن خزیمه- و أمها أمیه بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف- فهی بنت عمه رسول الله ص- و المصاهره المشار إلیها هی هذه- . و لم یفهم القطب الراوندی ذلک فقال فی الشرح- کان أمیر المؤمنین ع قد تزوج فی بنی أسد و لم یصب- فإن علیا ع لم یتزوج فی بنی أسد البته- و نحن نذکر أولاده- أما الحسن و الحسین- و زینب الکبرى و أم کلثوم الکبرى- فأمهم فاطمه بنت سیدنا رسول الله ص- و أما محمد فأمه خوله بنت إیاس بن جعفر من بنی حنیفه- و أما أبو بکر و عبد الله- فأمهما لیلى بنت مسعود النهشلیه من تمیم- و أما عمر و رقیه فأمهما سبیه من بنی تغلب- یقال لها الصهباء سبیت فی خلافه أبی بکر- و إماره خالد بن الولید بعین التمر- و أما یحیى و عون فأمهما أسماء بنت عمیس الخثعمیه- و أما جعفر و العباس و عبد الله و عبد الرحمن- فأمهم أم البنین بنت حزام بن خالد- بن ربیعه بن الوحید من بنی کلاب- و أما رمله و أم الحسن- فأمهما أم سعید بنت عروه بن مسعود الثقفی- و أما أم کلثوم الصغرى و زینب الصغرى- و جمانه و میمونه و خدیجه و فاطمه و أم الکرام- و نفیسه و أم سلمه و أم أبیها و أمامه بنت علی ع- فهن لأمهات أولاد شتى فهؤلاء أولاده- و لیس فیهم أحد من أسدیه- و لا بلغنا أنه تزوج فی بنی أسد و لم یولد له- و لکن الراوندی یقول ما یخطر له و لا یحقق- .

و أما حق المسأله- فلأن للسائل على المسئول حقا حیث أهله- لأن یستفید منه- . و الاستبداد بالشی‏ء التفرد به- و النوط الالتصاق- و کانت أثره أی استئثارا بالأمر و استبدادا به- قال النبی ص للأنصار ستلقون بعدی أثره- . و شحت بخلت و سخت جادت- و یعنی بالنفوس التی سخت نفسه و بالنفوس التی شحت- أما على قولنا فإنه- یعنی نفوس أهل الشورى بعد مقتل عمر- و أما على قول الإمامیه فنفوس أهل السقیفه- و لیس فی الخبر ما یقتضی صرف ذلک إلیهم- فالأولى أن یحمل على ما ظهر عنه من تألمه- من عبد الرحمن بن عوف و میله إلى عثمان- . ثم قال إن الحکم هو الله- و إن الوقت الذی یعود الناس کلهم إلیه هو یوم القیامه- و روی یوم بالنصب على أنه ظرف- و العامل فیه المعود على أن یکون مصدرا- . و أما البیت فهو لإمرئ القیس بن حجر الکندی- و روی أن أمیر المؤمنین ع لم یستشهد إلا بصدره فقط- و أتمه الرواه

حدیث عن إمرئ القیس

و کان من قصه هذا الشعر- أن إمرأ القیس لما تنقل فی أحیاء العرب بعد قتل أبیه- نزل على رجل من جدیله طیئ یقال له طریف بن مل‏ء- فأجاره و أکرمه و أحسن إلیه فمدحه و أقام عنده- ثم إنه لم یوله نصیبا فی الجبلین أجأ و سلمى- فخاف ألا یکون له منعه- فتحول و نزل على خالد بن سدوس بن أصمع النبهانی- فأغارت بنو جدیله على إمرئ القیس- و هو فی جوار خالد بن سدوس فذهبوا بإبله- و کان الذی أغار علیه منهم باعث بن حویص- فلما أتى إمرأ القیس الخبر ذکر ذلک لجاره- فقال له أعطنی رواحلک ألحق علیها القوم- فأرد علیک إبلک ففعل- فرکب خالد فی إثر القوم حتى أدرکهم- فقال یا بنی جدیله أغرتم على إبل جاری- فقالوا ما هو لک بجار قال بلى و الله و هذه رواحله- قالوا کذلک قال نعم فرجعوا إلیه فأنزلوه عنهن- و ذهبوا بهن و بالإبل- و قیل بل انطوى خالد على الإبل فذهب بها- فقال إمرؤ القیس-

دع عنک نهبا صیح فی حجراته
و لکن حدیثا ما حدیث الرواحل‏

کان دثارا حلقت بلبونه‏
عقاب تنوفى لا عقاب القواعل‏

تلعب باعث بذمه خالد
و أودى دثار فی الخطوب الأوائل‏

و أعجبنی مشی الحزقه خالد
کمشی أتان حلئت بالمناهل‏

أبت أجأ أن تسلم العام جارها
فمن شاء فلینهض لها من مقاتل‏

تبیت لبونی بالقریه أمنا
و أسرحها غبا بأکناف حائل‏

بنو ثعل جیرانها و حماتها
و تمنع من رماه سعد و نائل‏

تلاعب أولاد الوعول رباعها
دوین السماء فی رءوس المجادل‏

مکلله حمراء ذات أسره
لها حبک کأنها من وصائل‏

دثار اسم راع کان لإمرئ القیس- و تنوفى و القواعل جبال- و الحزقه القصیر الضخم البطن- و اللبون الإبل ذوات الألبان- و القریه موضع معروف بین الجبلین- و حائل اسم موضع أیضا و سعد و نائل حیان من طیئ- و الرباع جمع ربع و هو ما نتج فی الربیع- و المجادل القصور- و مکلله یرجع إلى المجادل مکلله بالصخر- و الأسره الطریق و کذلک الحبک- و الوصائل جمع وصیله- و هو ثوب أمغر الغزل فیه خطوط- و النهب الغنیمه و الجمع النهاب- و الانتهاب مصدر انتهبت المال- إذا أبحته یأخذه من شاء- و النهبى اسم ما أنهب و حجراته نواحیه- الواحده حجره مثل جمرات و جمره- و صیح فی حجراته صیاح الغاره- و الرواحل جمع راحله- و هی الناقه التی تصلح أن ترحل- أی یشد الرحل على ظهرها و یقال للبعیر راحله- و انتصب حدیثا بإضمار فعل- أی هات حدیثا أو حدثنی حدیثا- و یروى و لکن حدیث- أی و لکن مرادی أو غرضی حدیث فحذف المبتدأ- و ما هاهنا یحتمل أن تکون إبهامیه- و هی التی إذا اقترنت باسم نکره زادته إبهاما و شیاعا- کقولک أعطنی کتابا ما ترید أی کتاب کان- و یحتمل أن تکون صله مؤکده کالتی فی قوله تعالى- فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ وَ کُفْرِهِمْ بِآیاتِ اللَّهِ- فأما حدیث الثانی فقد ینصب و قد یرفع- فمن نصب أبدله من حدیث الأول- و من رفع جاز أن یجعل ما موصوله بمعنى الذی- و صلتها الجمله أی الذی هو حدیث الرواحل- ثم حذف صدر الجمله- کما حذف فی تَماماً عَلَى الَّذِی أَحْسَنَ- و یجوز أن تجعل ما استفهامیه بمعنى أی- .

ثم قال و هلم الخطب هذا یقوی روایه من روى عنه- أنه ع لم یستشهد إلا بصدر البیت- کأنه قال دع عنک ما مضى- و هلم ما نحن الآن فیه من أمر معاویه- فجعل هلم ما نحن فیه من أمر معاویه- قائما مقام قول إمرئ القیس-و لکن حدیثا ما حدیث الرواحل‏- . و هلم لفظ یستعمل لازما و متعدیا- فاللازم بمعنى تعال- قال الخلیل أصله لم من قولهم لم الله شعثه أی جمعه- کأنه أراد لم نفسک إلینا أی اجمعها و اقرب منا- و جاءت ها للتنبیه قبلها و حذفت الألف لکثره الاستعمال- و جعلت الکلمتان کلمه واحده- یستوی فیها الواحد و الاثنان و الجمع- و المؤنث و المذکر فی لغه أهل الحجاز- قال سبحانه وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا- و أهل نجد یصرفونها فیقولون للاثنین هلما- و للجمع هلموا و على ذلک- و قد یوصل إذا کان لازما باللام- فیقال هلم لک و هلم لکما کما قالوا هیت لک- و إذا قیل لک هلم إلى کذا أی تعال إلیه- قلت لا أهلم مفتوحه الألف و الهاء مضمومه المیم- فأما المتعدیه فهی بمعنى هات- تقول هلم کذا و کذا قال الله تعالى هَلُمَّ شُهَداءَکُمُ- و تقول لمن قال لک ذلک- لا أهلمه أی لا أعطیکه- یأتی بالهاء ضمیر المفعول لیتمیز من الأولى- .

یقول ع و لکن هات ذکر الخطب فحذف المضاف- و الخطب الحادث الجلیل- یعنی الأحوال- التی أدت إلى أن صار معاویه منازعا فی الرئاسه- قائما عند کثیر من الناس مقامه- صالحا لأن یقع فی مقابلته و أن یکون ندا له- . ثم قال فلقد أضحکنی الدهر بعد إبکائه- یشیر إلى ما کان عنده من الکآبه لتقدم من سلف علیه- فلم یقنع الدهر له بذلک- حتى جعل معاویه نظیرا له- فضحک ع‏مما تحکم به الأوقات- و یقتضیه تصرف الدهر و تقلبه- و ذلک ضحک تعجب و اعتبار- . ثم قال و لا غرو و الله أی و لا عجب و الله- . ثم فسر ذلک فقال یا له خطبا یستفرغ العجب- أی یستنفده و یفنیه- یقول قد صار العجب لا عجب- لأن هذا الخطب استغرق التعجب- فلم یبق منه ما یطلق علیه لفظ التعجب- و هذا من باب الإغراق و المبالغه فی المبالغه- کما قال أبو الطیب-

أسفی على أسفی الذی دلهتنی
عن علمه فبه علی خفاء

و شکیتی فقد السقام لأنه‏
قد کان لما کان لی أعضاء

 و قال ابن هانی المغربی-

قد سرت فی المیدان یوم طرادهم
فعجبت حتى کدت ألا أعجبا

و الأود العوج- . ثم ذکر تمالؤ قریش علیه فقال- حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه- یعنی ما تقدم من منابذه طلحه و الزبیر و أصحابهما له- و ما شفع ذلک من معاویه و عمرو و شیعتهما- و فوار الینبوع ثقب البئر- . قوله و جدحوا بینی و بینهم شربا- أی خلطوه و مزجوه و أفسدوه- . و الوبی‏ء ذو الوباء و المرض- و هذا استعاره کأنه جعل الحال التی کانت بینه و بینهم- قد أفسدها القوم و جعلوها مظنه الوباء و السقم- کالشرب الذی یخلط بالسم أو بالصبر فیفسد و یوبئ- .

ثم قال فإن کشف الله تعالى هذه المحن- التی یحصل منها ابتلاء الصابرین و المجاهدین- و حصل لی التمکن من الأمر- حملتهم على الحق المحض الذی لا یمازجه باطل- کاللبن المحض الذی لا یخالطه شی‏ء من الماء- و إن تکن الأخرى- أی و إن لم یکشف الله تعالى هذه الغمه و مت أو قتلت- و الأمور على ما هی علیه من الفتنه و دوله الضلال- فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ- و الآیه من القرآن العزیز- . و سألت أبا جعفر یحیى بن محمد العلوی نقیب البصره- وقت قراءتی علیه عن هذا الکلام- و کان رحمه الله على ما یذهب إلیه من مذهب العلویه- منصفا وافر العقل- فقلت له من یعنی ع بقوله- کانت أثره شحت علیها نفوس قوم- و سخت عنها نفوس آخرین- و من القوم الذین عناهم الأسدی بقوله- کیف دفعکم قومکم عن هذا المقام و أنتم أحق به- هل المراد یوم السقیفه أو یوم الشورى- فقال یوم السقیفه- فقلت إن نفسی لا تسامحنی- أن أنسب إلى الصحابه عصیان رسول الله ص و دفع النص- فقال و أنا فلا تسامحنی أیضا نفسی- أن أنسب الرسول ص إلى إهمال أمر الإمامه- و أن یترک الناس فوضى سدى مهملین- و قد کان لا یغیب عن المدینه إلا و یؤمر علیها أمیرا- و هو حی لیس بالبعید عنها- فکیف لا یؤمر و هو میت لا یقدر على استدراک ما یحدث- .

ثم قال لیس یشک أحد من الناس- أن رسول الله ص کان عاقلا کامل العقل- أما المسلمون فاعتقادهم فیه معلوم- و أما الیهود و النصارى و الفلاسفه- فیزعمون أنه حکیم تام الحکمه سدید الرأی- أقام مله و شرع شریعه- فاستجد ملکا عظیما بعقله و تدبیره- و هذا الرجل العاقل الکامل یعرف طباع العرب و غرائزهم- و طلبها بالثارات و الذحول و لو بعد الأزمان المتطاوله- و یقتل الرجل من القبیله رجلا من بیت آخر-فلا یزال أهل ذلک المقتول- و أقاربه یتطلبون القاتل لیقتلوه- حتى یدرکوا ثارهم منه- فإن لم یظفروا به قتلوا بعض أقاربه و أهله- فإن لم یظفروا بأحدهم قتلوا واحدا- أو جماعه من تلک القبیله به- و إن لم یکونوا رهطه الأدنین- و الإسلام لم یحل طبائعهم- و لا غیر هذه السجیه المرکوزه فی أخلاقهم- و الغرائز بحالها- فکیف یتوهم لبیب أن هذا العاقل الکامل وتر العرب- و على الخصوص قریشا- و ساعده على سفک الدماء و إزهاق الأنفس- و تقلد الضغائن ابن عمه الأدنى و صهره- و هو یعلم أنه سیموت کما یموت الناس- و یترکه بعده و عنده ابنته- و له منها ابنان یجریان عنده مجرى ابنین- من ظهره حنوا علیهما و محبه لهما- و یعدل عنه فی الأمر بعده- و لا ینص علیه و لا یستخلفه- فیحقن دمه و دم بنیه و أهله باستخلافه- أ لا یعلم هذا العاقل الکامل- أنه إذا ترکه و ترک بنیه و أهله سوقه و رعیه- فقد عرض دماءهم للإراقه بعده- بل یکون هو ع هو الذی قتله و أشاط بدمائهم- لأنهم لا یعتصمون بعده بأمر یحمیهم-

و إنما یکونون مضغه للأکل و فریسه للمفترس- یتخطفهم الناس و تبلغ فیهم الأغراض- فأما إذا جعل السلطان فیهم و الأمر إلیهم- فإنه یکون قد عصمهم- و حقن دماءهم بالرئاسه التی یصولون بها- و یرتدع الناس عنهم لأجلها- و مثل هذا معلوم بالتجربه- أ لا ترى أن ملک بغداد أو غیرها من البلاد- لو قتل الناس و وترهم- و أبقى فی نفوسهم الأحقاد العظیمه علیه- ثم أهمل أمر ولده و ذریته من بعده- و فسح للناس أن یقیموا ملکا من عرضهم و واحدا منهم و جعل بنیه سوقه کبعض العامه- لکان بنوه بعده قلیلا بقاؤهم سریعا هلاکهم- و لوثب علیهم الناس ذوو الأحقاد و الترات من کل جهه- یقتلونهم و یشردونهم کل مشرد- و لو أنه عین ولدا من أولاده للملک- و قام خواصه و خدمه و خوله بأمره بعده- لحقنت دماء أهلبیته- و لم تطل ید أحد من الناس إلیهم لناموس الملک- و أبهه السلطنه و قوه الرئاسه و حرمه الإماره- .

أ فترى ذهب عن رسول الله ص هذا المعنى- أم أحب أن یستأصل أهله و ذریته من بعده- و أین موضع الشفقه على فاطمه العزیزه عنده- الحبیبه إلى قلبه- . أ تقول إنه أحب أن یجعلها کواحده من فقراء المدینه- تتکفف الناس و أن یجعل علیا المکرم المعظم عنده- الذی کانت حاله معه معلومه- کأبی هریره الدوسی و أنس بن مالک الأنصاری- یحکم الأمراء فی دمه و عرضه و نفسه و ولده- فلا یستطیع الامتناع- و على رأسه مائه ألف سیف مسلول- تتلظى أکباد أصحابها علیه- و یودون أن یشربوا دمه بأفواههم- و یأکلوا لحمه بأسنانهم- قد قتل أبناءهم و إخوانهم و آباءهم و أعمامهم- و العهد لم یطل و القروح لم تتقرف- و الجروح لم تندمل- . فقلت له لقد أحسنت فیما قلت- إلا أن لفظه ع یدل على أنه لم یکن نص علیه- أ لا تراه یقول و نحن الأعلون نسبا- و الأشدون بالرسول نوطا- فجعل الاحتجاج بالنسب و شده القرب- فلو کان علیه نص لقال عوض ذلک- و أنا المنصوص علی المخطوب باسمی- .

فقال رحمه الله- إنما أتاه من حیث یعلم لا من حیث یجهل- أ لا ترى أنه سأله- فقال کیف دفعکم قومکم عن هذا المقام- و أنتم أحق به فهو إنما سأل عن دفعهم عنه- و هم أحق به من جهه اللحمه و العتره- و لم یکن الأسدی یتصور النص و لا یعتقده- و لا یخطر بباله لأنه لو کان هذا فی نفسه- لقال له لم دفعک الناس عن هذا المقام- و قد نص علیک رسول الله ص و لم یقل له هذا- و إنما قال کلاما عاما لبنی هاشم کافه-کیف دفعکم قومکم عن هذا و أنتم أحق به- أی باعتبار الهاشمیه و القربى- فأجابه بجواب أعاد قبله- المعنى الذی تعلق به الأسدی بعینه- تمهیدا للجواب فقال- إنما فعلوا ذلک مع أنا أقرب إلى رسول الله ص من غیرنا- لأنهم استأثروا علینا و لو قال له أنا المنصوص علی- و المخطوب باسمی فی حیاه رسول الله ص لما کان قد أجابه- لأنه ما سأله هل أنت منصوص علیک أم لا- و لا هل نص رسول الله ص بالخلافه على أحد أم لا- و إنما قال لم دفعکم قومکم عن الأمر- و أنتم أقرب إلى ینبوعه و معدنه منهم- فأجابه جوابا ینطبق على السؤال و یلائمه أیضا- فلو أخذ یصرح له بالنص- و یعرفه تفاصیل باطن الأمر لنفر عنه- و اتهمه و لم یقبل قوله و لم ینجذب إلى تصدیقه- فکان أولى الأمور فی حکم السیاسه و تدبیر الناس- أن یجیب بما لا نفره منه و لا مطعن علیه فیه

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۹

خطبه ۱۶۲ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۲ و من خطبه له ع

ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِی‏ءِ وَ الْبُرْهَانِ الْجَلِیِّ- وَ الْمِنْهَاجِ الْبَادِی وَ الْکِتَابِ الْهَادِی- أُسْرَتُهُ خَیْرُ أُسْرَهٍ وَ شَجَرَتُهُ خَیْرُ شَجَرَهٍ- أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَهٌ وَ ثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَهٌ- مَوْلِدُهُ بِمَکَّهَ وَ هِجْرَتُهُ بِطَیْبَهَ- عَلَا بِهَا ذِکْرُهُ وَ امْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ- أَرْسَلَهُ بِحُجَّهٍ کَافِیَهٍ وَ مَوْعِظَهٍ شَافِیَهٍ وَ دَعْوَهٍ مُتَلَافِیَهٍ- أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَهَ- وَ قَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَهَ- وَ بَیَّنَ بِهِ الْأَحْکَامَ الْمَفْصُولَهَ- فَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلَامِ دَیْناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ- وَ تَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ وَ تَعْظُمْ کَبْوَتُهُ- وَ یَکُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِیلِ وَ الْعَذَابِ الْوَبِیلِ- وَ أَتَوَکَّلُ عَلَى اللَّهِ تَوَکُّلَ الْإِنَابَهِ إِلَیْهِ- وَ أَسْتَرْشِدُهُ السَّبِیلَ الْمُؤَدِّیَهَ إِلَى جَنَّتِهِ- الْقَاصِدَهَ إِلَى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ بالنور المضی‏ء أی بالدین أو بالقرآن و أسرته أهله- أغصانها معتدله- کنایه عن عدم الاختلاف بینهم فی الأمور الدینیه- و ثمارها متهدله أی متدلیه- کنایه عن سهوله اجتناء العلم منها- . و طیبه اسم المدینه کان اسمها یثرب- فسماها رسول الله ص طیبه-و مما أکفر الناس به یزید بن معاویه- أنه سماها خبیثه مراغمه لرسول الله ص- . علا بها ذکره- لأنه ص إنما انتصر و قهر الأعداء بعد الهجره- و دعوه متلافیه- أی تتلافى ما فسد فی الجاهلیه من أدیان البشر- .

قوله و بین به الأحکام المفصوله- لیس یعنی أنها کانت مفصوله قبل أن بینها- بل المراد بین به الأحکام التی هی الآن مفصوله عندنا- و واضحه لنا لأجل بیانه لها- . و الکبوه مصدر کبا الجواد إذا عثر فوقع إلى الأرض- و المآب المرجع- و العذاب الوبیل ذو الوبال و هو الهلاک- و الإنابه الرجوع و السبیل الطریق یذکر و یؤنث- و القاصده ضد الجائره- فإن قلت لم عدى القاصده ب إلى- قلت لأنها لما کانت قاصده- تضمنت معنى الإفضاء إلى المقصد- فعداها ب إلى باعتبار المعنى:

أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ- فَإِنَّهَا النَّجَاهُ غَداً وَ الْمَنْجَاهُ أَبَداً- رَهَّبَ فَأَبْلَغَ وَ رَغَّبَ فَأَسْبَغَ- وَ وَصَفَ لَکُمُ الدُّنْیَا وَ انْقِطَاعَهَا- وَ زَوَالَهَا وَ انْتِقَالَهَا- فَأَعْرِضُوا عَمَّا یُعْجِبُکُمْ فِیهَا لِقِلَّهِ مَا یَصْحَبُکُمْ مِنْهَا- أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَ أَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ-فَغُضُّوا عَنْکُمْ عِبَادَ اللَّهِ غُمُومَهَا وَ أَشْغَالَهَا- لِمَا أَیْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرُّفِ حَالَاتِهَا- فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِیقِ النَّاصِحِ وَ الْمُجِدِّ الْکَادِحِ- وَ اعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَیْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَکُمْ- قَدْ تَزَایَلَتْ أَوْصَالُهُمْ- وَ زَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَ أَسْمَاعُهُمْ- وَ ذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَ عِزُّهُمْ- وَ انْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَ نَعِیمُهُمْ- فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الْأَوْلَادِ فَقْدَهَا- وَ بِصُحْبَهِ الْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا- لَا یَتَفَاخَرُونَ وَ لَا یَتَنَاسَلُونَ- وَ لَا یَتَزَاوَرُونَ وَ لَا یَتَحَاوَرُونَ- فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ- الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ- فَإِنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ وَ الْعَلَمَ قَائِمٌ- وَ الطَّرِیقَ جَدَدٌ وَ السَّبِیلَ قَصْدٌ المنجاه مصدر نجا ینجو نجاه و منجاه- و النجاه الناقه ینجى علیها فاستعارها هاهنا للطاعه و التقوى- کأنها کالمطیه المرکوبه یخلص بها الإنسان من الهلکه- . قوله رهب فأبلغ الضمیر یرجع إلى الله سبحانه- أی خوف المکلفین فأبلغ فی التخویف- و رغبهم فأتم الترغیب و أسبغه- ثم أمر بالإعراض عما یسر و یروق من أمر الدنیا- لقله ما یصحب الناس من ذلک- ثم قال إنها أقرب دار من سخط الله- و هذا نحوقول النبی ص حب الدنیا رأس کل خطیئه- .

قوله فغضوا عنکم عباد الله غمومها- أی کفوا عن أنفسکم الغم لأجلها و الاشتغال بها- یقال غضضت فلانا عن کذا أی کففته- قال تعالى وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ- قوله فاحذروها حذر الشفیق الناصح- أی فاحذروها على أنفسکم لأنفسکم- کما یحذر الشفیق الناصح على صاحبه- و کما یحذر المجد الکادح أی الساعی من خیبه سعیه- و الأوصال الأعضاء و المحاوره المخاطبه و المناجاه- و روی و لا یتجاورون بالجیم- و العلم ما یتسدل به فی المفازه- و طریق جدد أی سهل واضح و السبیل قصد أی مستقیم

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۴

خطبه ۱۶۱ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۱ و من خطبه له ع

أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَ حِکْمَهٌ وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحْمَهُ- یَقْضِی بِعِلْمٍ وَ یَعْفُو بِحِلْمٍ- اللَّهُمَّ لَکَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأْخُذُ وَ تُعْطِی- وَ عَلَى مَا تُعَافِی وَ تَبْتَلِی- حَمْداً یَکُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَکَ- وَ أَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَیْکَ وَ أَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَکَ- حَمْداً یَمْلَأُ مَا خَلَقْتَ وَ یَبْلُغُ مَا أَرَدْتَ- حَمْداً لَا یَحْجُبُ عَنْکَ وَ لَا یُقْصَرُ دُونَکَ- حَمْداً لَا یَنْقَطِعُ عَدَدُهُ وَ لَا یَفْنَى مَدَدُهُ- فَلَسْنَا نَعْلَمُ کُنْهَ عَظَمَتِکَ- إِلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّکَ حَیٌّ قَیُّومُ- لَا تَأْخُذُکَ سِنَهٌ وَ لَا نَوْمٌ- لَمْ یَنْتَهِ إِلَیْکَ نَظَرٌ وَ لَمْ یُدْرِکْکَ بَصَرٌ- أَدْرَکْتَ الْأَبْصَارَ وَ أَحْصَیْتَ الْأَعْمَالَ- وَ أَخَذْتَ بِالنَّوَاصِی وَ الْأَقْدَامِ- وَ مَا الَّذِی نَرَى مِنْ خَلْقِکَ- وَ نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِکَ- وَ نَصِفُهُ مِنْ عَظِیمِ سُلْطَانِکَ- وَ مَا تَغَیَّبَ عَنَّا مِنْهُ وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ- وَ انْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ- وَ حَالَتْ سَوَاتِرُ الْغُیُوبِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ أَعْظَمُ- فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ وَ أَعْمَلَ فِکْرَهُ- لِیَعْلَمَ کَیْفَ أَقَمْتَ عَرْشَکَ وَ کَیْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَکَ- وَ کَیْفَ عَلَّقْتَ فِی الْهَوَاءِ سَمَاوَاتِکَ- وَ کَیْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَکَ رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِیراً- وَ عَقْلُهُ مَبْهُوراً وَ سَمْعُهُ وَالِهاً وَ فِکْرُهُ حَائِراً یجوز أن یکون أمره هاهنا هو الأمر الفعلی- لا الأمر القولی کما یقال أمر فلان مستقیم و ما أمر کذا- و قال تعالى وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَهٌ کَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وَ ما أَمْرُ السَّاعَهِ إِلَّا کَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ- فیکون المعنى أن شأنه تعالى لیس إلا أحد شیئین- و هما أن یقول و أن یفعل- فعبر عن أن یقول بقوله قضاء لأن القضاء الحکم- و عبر عن أن یفعل بقوله و حکمه- لأن أفعاله کلها تتبع دواعی الحکمه- و یجوز أن یکون أمره هو الأمر القولی- و هو المصدر من أمر له بکذا أمرا- فیکون المعنى أن أوامره إیجاب- و إلزام بما فیه حکمه و مصلحه- و قد جاء القضاء بمعنى الإلزام و الإیجاب- فی القرآن العزیز فی قوله- وَ قَضى‏ رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ- أی أوجب و ألزم- .

قوله و رضاه أمان و رحمه- لأن من فاز بدرجه الرضا فقد أمن و حصلت له الرحمه- لأن الرضا رحمه و زیاده- . قوله یقضی بعلم أی یحکم بما یحکم به- لأنه عالم بحسن ذلک القضاء أو وجوبه فی العدل- . قوله و یعفو بحلم أی لا یعفو عن عجز و ذل- کما یعفو الضعیف عن القوی- بل هو قادر على الانتقام و لکنه یحلم- . ثم حمد الله تعالى على الإعطاء و الأخذ و العافیه و البلاء- لأن ذلک کله من عند الله لمصالح للمکلف- یعلمها و ما یعلمها المکلف و الحمد على المصالح واجب- .

ثم أخذ فی تفخیم شأن ذلک الحمد و تعظیمه- و المبالغه فی وصفه احتذاءبقول رسول الله ص الحمد لله زنه عرشه الحمد لله عدد خلقه- الحمد لله مل‏ء سمائه و أرضه- فقال ع حمدا یکون أرضى الحمد لک- أی یکون رضاک له أوفى و أعظم من رضاک بغیره- و کذلک القول فی أحب و أفضل- . قوله و یبلغ ما أردت- أی هو غایه ما تنتهی إلیه الإراده- و هذا کقول الأعرابیه فی صفه المطر- غشینا ما شئنا و هو من فصیح الکلام- . قوله لا یحجب عنک- لأن الإخلاص یقارنه و الریاء منتف عنه- . قوله و لا یقصر دونک أی لا یحبس- أی لا مانع عن وصوله إلیک و هذا من باب التوسع- و معناه أنه بری‏ء من الموانع- عن إثماره الثواب و اقتضائه إیاه- و روی و لا یقصر من القصور- و روی و لا یقصر من التقصیر- .

ثم أخذ فی بیان أن العقول قاصره- عن إدراک الباری سبحانه و العلم به- و أنا إنما نعلم منه صفات إضافیه أو سلبیه- کالعلم بأنه حی- و معنى ذلک أنه لا یستحیل على ذاته أن یعلم و یقدر- و أنه قیوم بمعنى أن ذاته لا یجوز علیها العدم- أی یقیم الأشیاء و یمسکها- و کل شی‏ء یقیم الأشیاء کلها و یمسکها- فلیس بمحتاج إلى من یقیمه و یمسکه- و إلا لم یکن مقیما و ممسکا لکل شی‏ء- و کل من لیس بمحتاج إلى من یقیمه و یمسکه- فذاته لا یجوز علیها العدم- و أنه تعالى لا تأخذه سنه و لا نوم- لأن هذا من صفات الأجسام- و ما لا یجوز علیها العدم لا یکون جسما- و لا یوصف بخواص الأجسام و لوازمها- فإنه لا ینتهی إلیه نظر لأن انتهاء النظر إلیه- یستلزم مقابلته و هو تعالى منزه عن الجهه- و إلا لم یکن ذاته مستحیلا علیها العدم- و أنه لا یدرکه بصر- لأن إبصار الأشیاء- بانطباع أمثلتها فی الرطوبه الجلیدیه- کانطباع أشباح المرئیات فی المرآه- و الباری تعالى لا یتمثل و لا یتشبح- و إلا لم یکن‏قیوما و أنه یدرک الأبصار- لأنه إما عالم لذاته أو لأنه حی لا آفه به- و أنه یحصی الأعمال لأنه عالم لذاته- فیعلم کل شی‏ء حاضرا و ماضیا و مستقبلا- و أنه یأخذ بالنواصی و الأقدام- لأنه قادر لذاته فهو متمکن من کل مقدور- .

ثم خرج إلى فن آخر فقال- و ما الذی نعجب لأجله من قدرتک و عظیم ملکک- و الغائب عنا من عظمتک أعظم من الحاضر- مثال ذلک أن جرم الشمس- أعظم من جرم الأرض مائه و ستین مره- و لا نسبه لجرم الشمس إلى فلکها المائل- و لا نسبه لفلکها المائل إلى فلکها الممیل- و فلک تدویر المریخ- الذی فوقها أعظم من ممیل الشمس- و لا نسبه لفلک تدویر المریخ إلى فلکه الممیل- و فلک تدویر المشتری أعظم من ممیل المریخ- و لا نسبه لفلک تدویر المشتری إلى فلکه الممیل- و فلک تدویر زحل أعظم من ممیل المشتری- و لا نسبه لفلک تدویر زحل إلى ممیل زحل- و لا نسبه لممیل زحل إلى کره الثوابت- و لا نسبه لکره الثوابت إلى الفلک الأطلس الأقصى- فانظر أی نسبه تکون الأرض بکلیتها- على هذا الترتیب إلى الفلک الأطلس و هذا مما تقصر العقول عن فهمه و تنتهی دونه- و تحول سواتر الغیوب بینها و بینه کما قال ع- .

ثم ذکر أن من أعمل فکره- لیعلم کیف أقام سبحانه العرش و کیف ذرأ الخلق- و کیف علق السماوات بغیر علاقه و لا عمد- و کیف مد الأرض على الماء- رجع طرفه حسیرا و عقله مبهورا و هذا کله حق- و من تأمل کتبنا العقلیه و اعتراضنا على الفلاسفه- الذین عللوا هذه الأمور- و زعموا أنهم استنبطوا لها أسبابا عقلیه- و ادعوا وقوفهم على کنهها و حقائقها- علم صحه ما ذکره ع- من أن من حاول تقدیر ملک الله تعالى- و عظیم مخلوقاته بمکیال عقله فقد ضل ضلالا مبینا- .

و روی و فکره جائرا بالجیم- أی عادلا عن الصواب- و الحسیر المتعب و المبهور المغلوب و الواله المتحیر: مِنْهَا- یَدَّعِی بِزَعْمِهِ أَنَّهُ یَرْجُو اللَّهَ کَذَبَ وَ الْعَظِیمِ- مَا بَالُهُ لَا یَتَبَیَّنُ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ- فَکُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ- إِلَّا رَجَاءَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ- وَ کُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ- یَرْجُو اللَّهَ فِی الْکَبِیرِ وَ یَرْجُو الْعِبَادَ فِی الصَّغِیرِ- فَیُعْطِی الْعَبْدَ مَا لَا یُعْطِی الرَّبَّ- فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ یُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا یُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ- أَ تَخَافُ أَنْ تَکُونَ فِی رَجَائِکَ لَهُ کَاذِباً- أَوْ تَکُونَ لَا تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً- وَ کَذَلِکَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِیدِهِ- أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لَا یُعْطِی رَبَّهُ- فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً- وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً- وَ کَذَلِکَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْیَا فِی عَیْنِهِ- وَ کَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ- فَانْقَطَعَ إِلَیْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا یجوزبزعمه بالضم و بزعمه بالفتح و بزعمه بالکسر- ثلاث لغات أی بقوله- فأما من زعمت أی کفلت فالمصدر الزعم بالفتح و الزعامه-ثم أقسم على کذب هذا الزاعم فقال و العظیم- و لم یقل و الله العظیم تأکیدا لعظمه البارئ سبحانه- لأن الموصوف إذا ألقی و ترک و اعتمد على الصفه- حتى صارت کالاسم- کان أدل على تحقق مفهوم الصفه کالحارث و العباس- .

ثم بین مستند هذا التکذیب فقال- ما بال هذا الزاعم أنه یرجو ربه- و لا یظهر رجاؤه فی عمله- فإنا نرى من یرجو واحدا من البشر یلازم بابه- و یواظب على خدمته و یتحبب إلیه- و یتقرب إلى قلبه بأنواع الوسائل و القرب- لیظفر بمراده منه و یتحقق رجاؤه فیه- و هذا الإنسان الذی یزعم أنه یرجو الله تعالى- لا یظهر من أعماله الدینیه ما یدل على صدق دعواه- و مراده ع هاهنا لیس شخصا بعینه- بل کل إنسان هذه صفته فالخطاب له و الحدیث معه- .

ثم قال کل رجاء إلا رجاء الله فهو مدخول أی معیب- و الدخل بالتسکین العیب و الریبه- و من کلامهم ترى الفتیان کالنخل و ما یدریک ما الدخل- و جاء الدخل بالتحریک أیضا- یقال هذا الأمر فیه دخل و دغل بمعنى قوله تعالى- وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَکُمْ دَخَلًا بَیْنَکُمْ- أی مکرا و خدیعه و هو من هذا الباب أیضا- . ثم قال و کل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول- محقق أی ثابت أی کل خوف حاصل حقیقه- فإنه مع هذا الحصول و التحقق معلول- لیس بالخوف الصریح إلا خوف الله وحده و تقواه- و هیبته و سطوته و سخطه- ذلک لأن الأمر الذی یخاف من العبد سریع الانقضاء و الزوال- و الأمر الذی یخاف من الباری تعالى- لا غایه له و لا انقضاء لمحذوره- کما قیلفی الحدیث المرفوع فضوح الدنیا أهون من فضوح الآخره- .

ثم عاد إلى الرجاء فقال- یرجو هذا الإنسان الله فی الکثیر- أی یرجو رحمته فی الآخره- و لا یتعلق رجاؤه بالله تعالى إلا فی هذا الموضع- فأما ما عدا ذلک من أمور الدنیا- کالمکاسب و الأموال و الجاه و السلطان و اندفاع المضار- و التوصل إلى الأغراض بالشفاعات و التوسلات – فإنه لا یخطر له الله تعالى ببال- بل یعتمد فی ذلک على السفراء و الوسطاء- و یرجو حصول هذه المنافع- و دفع هذه المضار من أبناء نوعه من البشر- فقد أعطى العباد من رجائه ما لم یعطه الخالق سبحانه- فهو مخطئ- لأنه إما ألا یکون هو فی نفسه صالحا لأن یرجوه سبحانه- و إما ألا یکون البارئ تعالى فی نفسه صالحا لأن یرجى- فإن کان الثانی فهو کفر صراح- و إن کان الأول فالعبد مخطئ- حیث لم یجعل نفسه مستعدا لفعل الصالحات- لأن یصلح لرجاء البارئ سبحانه- .

ثم انتقل ع إلى الخوف فقال- و کذلک إن خاف هذا الإنسان عبدا مثله- خافه أکثر من خوفه البارئ سبحانه- لأن کثیرا من الناس یخافون السلطان- و سطوته أکثر من خوفهم مؤاخذه البارئ سبحانه- و هذا مشاهد و معلوم من الناس- فخوف بعضهم من بعض کالنقد المعجل- و خوفهم من خالقهم ضمار و وعد- و الضمار ما لا یرجى من الوعود و الدیون- قال الراعی

حمدن مزاره و أصبن منه
عطاء لم یکن عده ضمارا

 ثم قال و کذلک من عظمت الدنیا فی عینه- یختارها على الله و یستعبده حبها- و یقال کبر بالضم یکبر أی عظم- فهو کبیر و کبار بالتخفیف- فإذا أفرط قیل‏کبار بالتشدید- فأما کبر بالکسر فمعناه أسن و المصدر منهما کبرا بفتح الباء: وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللَّهِ ص کَافٍ لَکَ فِی الْأُسْوَهِ- وَ دَلِیلٌ لَکَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْیَا وَ عَیْبِهَا- وَ کَثْرَهِ مَخَازِیهَا وَ مَسَاوِیهَا- إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا وَ وُطَّئَتْ لِغَیْرِهِ أَکْنَافُهَا- وَ فُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا وَ زُوِیَ عَنْ زَخَارِفِهَا- وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّیْتُ بِمُوسَى کَلِیمِ اللَّهِ ص حَیْثُ یَقُولُ- رَبِّ إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ- وَ اللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلَّا خُبْزاً یَأْکُلُهُ- لِأَنَّهُ کَانَ یَأْکُلُ بَقْلَهَ الْأَرْضِ- وَ لَقَدْ کَانَتْ خُضْرَهُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِیفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ- لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ- وَ إِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ ص صَاحِبِ الْمَزَامِیرِ- وَ قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّهِ- فَلَقَدْ کَانَ یَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِیَدِهِ- وَ یَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَیُّکُمْ یَکْفِینِی بَیْعَهَا- وَ یَأْکُلُ قُرْصَ الشَّعِیرِ مِنْ ثَمَنِهَا- وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِی عِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ ع- فَلَقَدْ کَانَ یَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ- وَ یَلْبَسُ الْخَشِنَ وَ یَأْکُلُ الْجَشِبَ- وَ کَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ بِاللَّیْلِ الْقَمَرَ- وَ ظِلَالُهُ فِی الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا- وَ فَاکِهَتُهُ وَ رَیْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ- وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ زَوْجَهٌ تَفْتِنُهُ وَ لَا وَلَدٌ یَحْزُنُهُ- وَ لَا مَالٌ یَلْفِتُهُ وَ لَا طَمَعٌ یُذِلُّهُ- دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَ خَادِمُهُ یَدَاهُ‏

یجوز أسوه و إسوه و قرئ التنزیل بهما- و المساوئ العیوب- ساءه کذا یسوؤه سوءا بالفتح و مساءه و مسائیه- و سوته سوایه و مسایه بالتخفیف أی ساءه ما رآه منی- و سأل سیبویه الخلیل عن سوائیه- فقال هی فعالیه بمنزله علانیه- و الذین قالوا سوایه حذفوا الهمزه تخفیفا و هی فی الأصل- قال و سألته عن مسائیه فقال هی مقلوبه و أصلها مساوئه- فکرهوا الواو مع الهمزه- و الذین قالوا مسایه حذفوا الهمزه أیضا تخفیفا- و من أمثالهم الخیل تجری فی مساویها- أی أنها و إن کانت بها عیوب و أوصاب- فإن کرمها یحملها على الجری- . و المخازی جمع مخزاه و هی الأمر یستحى من ذکره لقبحه- و أکنافها جوانبها و زوى قبض- و زخارف جمع زخرف و هو الذهب-

روی عن رسول الله ص أنه قال عرضت علی کنوز الأرض- و دفعت إلی مفاتیح خزائنها- فکرهتها و اخترت الدار الآخره- و جاء فی الأخبار الصحیحه أنه کان یجوع و یشد حجرا على بطنه- و أنه ما شبع آل محمد من لحم قط- و أن فاطمه و بعلها و بنیها کانوا یأکلون خبز الشعیر – و أنهم آثروا سائلا بأربعه أقراص منه- کانوا أعدوها لفطورهم و باتوا جیاعا- و قد کان رسول الله ص ملک قطعه واسعه من الدنیا- فلم یتدنس منها بقلیل و لا کثیر- و لقد کانت الإبل التی غنمها یوم حنین- أکثر من عشره آلاف بعیر- فلم یأخذ منها وبره لنفسه و فرقها کلها على الناس- و هکذا کانت شیمته و سیرته فی جمیع أحواله إلى أن توفی- .

و الصفاق- الجلد الباطن الذی فوقه الجلد الظاهر من البطن- و شفیفه رقیقه الذی یستشف ما وراءه- و بالتفسیر الذی فسر ع الآیه فسرها المفسرون- و قالوا إن‏ خضره البقل کانت ترى فی بطنه من الهزال- و إنه ما سأل الله إلا أکله من الخبز- و ما فی لِما أَنْزَلْتَ بمعنى أی- أی إنی لأی شی‏ء أنزلت إلی قلیل أو کثیر غث أو سمین فقیر- .

فإن قلت لم عدى فقیرا باللام- و إنما یقال فقیر إلى کذا- قلت لأنه ضمن معنى سائل و مطالب- و من فسر الآیه بغیر ما ذکره ع- لم یحتج إلى الجواب عن هذا السؤال- فإن قوما قالوا أراد- إنی فقیر من الدنیا لأجل ما أنزلت إلی من خیر- أی من خیر الدین و هو النجاه من الظالمین- فإن ذلک رضا بالبدل السنی و فرحا به و شکرا له- .

و تشذب اللحم تفرقه- و المزامیر جمع مزمار و هو الآله التی یزمر فیها- و یقال زمر یزمر و یزمر بالضم و الکسر- فهو زمار و لا یکاد یقال زامر- و یقال للمرأه زامره و لا یقال زماره- فأما الحدیث أنه نهى عن کسب الزماره- فقالوا إنها الزانیه هاهنا- و یقال إن داود أعطی من طیب النغم و لذه ترجیع القراءه- ما کانت الطیور لأجله تقع علیه و هو فی محرابه- و الوحش تسمعه فتدخل بین الناس و لا تنفر منهم- لما قد استغرقها من طیب صوته- وقال النبی ص لأبی موسى و قد سمعه یقرأ- لقد أوتیت مزمارا من مزامیر داود- و کان أبو موسى شجی الصوت إذا قرأ- وورد فی الخبر داود قارئ أهل الجنه- .

و سفائف الخوص جمع سفیفه و هی النسیجه منه- سففت الخوص و أسففته بمعنى- و هذا الذی ذکره ع عن داود- یجب أن یحمل على أنه شرح حاله قبل أن یملک- فإنه کان فقیرا- فأما حیث ملک فإن المعلوم من سیرته غیر ذلک- . فأما عیسى فحاله کما ذکرها ع لا ریب فی ذلک- على أنه أکل اللحم و شرب‏ الخمر- و رکب الحمار و خدمه التلامذه- و لکن الأغلب من حاله هی الأمور التی عددها أمیر المؤمنین ع- .

و یقال حزننی الشی‏ء یحزننی بالضم- و یجوز أحزننی بالهمز یحزننی و قرئ بهما- و هو فی کلامه ع فی هذا الفصل بهما- و یقال لفته عن کذا یلفته بالکسر أی صرفه و لواه: فَتَأَسَّ بِنَبِیِّکَ الْأَطْیَبِ الْأَطْهَرِ ص- فَإِنَّ فِیهِ أُسْوَهً لِمَنْ تَأَسَّى وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى- وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ الْمُتَأَسِّی بِنَبِیِّهِ- وَ الْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ- قَضَمَ الدُّنْیَا قَضْماً وَ لَمْ یُعِرْهَا طَرْفاً- أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْیَا کَشْحاً- وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْیَا بَطْناً- عُرِضَتْ عَلَیْهِ الدُّنْیَا فَأَبَى أَنْ یَقْبَلَهَا- وَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْغَضَ شَیْئاً فَأَبْغَضَهُ- وَ حَقَّرَ شَیْئاً فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَیْئاً فَصَغَّرَهُ- وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِینَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ- وَ تَعْظِیمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ- لَکَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ تَعَالَى وَ مُحَادَّهً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ لَقَدْ کَانَ ص یَأْکُلُ عَلَى الْأَرْضِ- وَ یَجْلِسُ جِلْسَهَ الْعَبْدِ وَ یَخْصِفُ بِیَدِهِ نَعْلَهُ- وَ یَرْفَعُ بِیَدِهِ ثَوْبَهُ وَ یَرْکَبُ الْحِمَارَ الْعَارِیَ- وَ یُرْدِفُ خَلْفَهُ- وَ یَکُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَیْتِهِ فَتَکُونُ فِیهِ التَّصَاوِیرُ فَیَقُولُ- یَا فُلَانَهُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَیِّبِیهِ عَنِّی- فَإِنِّی إِذَا نَظَرْتُ إِلَیْهِ ذَکَرْتُ الدُّنْیَا وَ زَخَارِفَهَا- فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْیَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِکْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ- وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِیبَ زِینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ- لِکَیْلَا یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیَاشاً وَ لَا یَعْتَقِدَهَا قَرَاراً- وَ لَا یَرْجُوَ فِیهَا مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ- وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَ غَیَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ-وَ کَذَلِکَ مَنْ أَبْغَضَ شَیْئاً أَبْغَضَ أَنْ یَنْظُرَ إِلَیْهِ- وَ أَنْ یُذْکَرَ عِنْدَهُ- وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللَّهِ ص- مَا یَدُلُّکُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْیَا وَ عُیُوبِهَا- إِذْ جَاعَ فِیهَا مَعَ خَاصَّتِهِ- وَ زُوِیَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِیمِ زُلْفَتِهِ- فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ- أَکْرَمَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص بِذَلِکَ أَمْ أَهَانَهُ- فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ کَذَبَ وَ اللَّهِ الْعَظِیمِ بِالْإِفْکِ الْعَظِیمِ- وَ إِنْ قَالَ أَکْرَمَهُ- فَلْیَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَیْرَهُ حَیْثُ بَسَطَ الدُّنْیَا لَهُ- وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ- فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِیِّهِ- وَ اقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ- وَ إِلَّا فَلَا یَأْمَنِ الْهَلَکَهَ- فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً ص عَلَماً لِلسَّاعَهِ- وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّهِ وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَهِ- خَرَجَ مِنَ الدُّنْیَا خَمِیصاً وَ وَرَدَ الآْخِرَهَ سَلِیماً- لَمْ یَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ- حَتَّى مَضَى لِسَبِیلِهِ وَ أَجَابَ دَاعِیَ رَبِّهِ- فَمَا أَعْظَمَ مِنَّهَ اللَّهِ عِنْدَنَا- حِینَ أَنْعَمَ عَلَیْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ- وَ اللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِی هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْیَیْتُ مِنْ رَاقِعِهَا- وَ لَقَدْ قَالَ لِی قَائِلٌ أَ لَا تَنْبِذُهَا عَنْکَ- فَقُلْتُ اعْزُبْ عَنِّی فَعِنْدَ الصَّبَاحِ یَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى المقتص لأثره المتبع له- و منه قوله تعالى وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّیهِ- و قضم الدنیا تناول منها قدر الکفاف- و ما تدعو إلیه الضروره من خشن العیشه- و قال أبو ذر رحمه الله یخضمون و نقضم و الموعد الله- و أصل القضم أکل الشی‏ء الیابس بأطراف الأسنان- و الخضم أکل بکل الفم للأشیاء الرطبه- و روی قصم بالصاد أی کسر-قوله أهضم أهل الدنیا کشحا- الکشح الخاصره- و رجل أهضم بین الهضم إذا کان خمیصا لقله الأکل- .

و روی و حقر شیئا فحقره بالتخفیف و الشقاق الخلاف- و المحاده المعاداه و خصف النعل خرزها- و الریاش الزینه و المدرعه الدراعه- . و قوله عند الصباح یحمد القوم السرى- مثل یضرب لمحتمل المشقه العاجله رجاء الراحه الآجلهنبذ من الأخبار و الآثار الوارده فی البعد عن زینه الدنیاجاء فی الأخبار الصحیحه أنه ع قال إنما أنا عبد آکل أکل العبید- و أجلس جلسه العبید- و کان یأکل على الأرض و یجلس جلوس العبید- یضع قصبتی ساقیه على الأرض- و یعتمد علیهما بباطنی فخذیه- و رکوبه الحمار العاری آیه التواضع و هضم النفس- و أردف غیره خلفه آکد فی الدلاله على ذلک- . و جاء فی الأخبار الصحیحه النهی عن التصاویر- و عن نصب الستور التی فیها التصاویر- و کان رسول الله ص إذا رأى سترا فیه التصاویر- أمر أن تقطع رأس تلک الصوره- . وجاء فی الخبر من صور صوره کلف فی القیامه أن ینفخ فیها الروح- فإذا قال لا أستطیع عذب-

قوله لم یضع حجرا على حجر- هو عین ما جاء فی الأخبار الصحیحه- خرج رسول الله ص من الدنیا و لم یضع حجرا على حجر- . و جاء فی أخبار علی ع- التی ذکرها أبو عبد الله أحمد بن حنبل فی کتاب فضائله- و هو روایتی عن قریش بن السبیع بن المهنا العلوی عن نقیب الطالبیین أبی عبد الله أحمد بن علی بن المعمر عن المبارک بن عبد الجبار أحمد بن القاسم الصیرفی المعروف بابن الطیوری عن محمد بن علی بن محمد بن یوسف العلاف المزنی عن أبی بکر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالک القطیعی عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبیه أبی عبد الله أحمد رحمه الله قال قیل لعلی ع یا أمیر المؤمنین لم ترقع قمیصک- قال لیخشع القلب و یقتدی بی المؤمنون- .

وروى أحمد رحمه الله أن علیا کان یطوف الأسواق مؤتزرا بإزار- مرتدیا برداء و معه الدره کأنه أعرابی بدوی- فطاف مره حتى بلغ سوق الکرابیس- فقال لواحد یا شیخ بعنی قمیصا تکون قیمته ثلاثه دراهم- فلما عرفه الشیخ لم یشتر منه شیئا ثم أتى آخر- فلما عرفه لم یشتر منه شیئا فأتى غلاما حدثا- فاشترى منه قمیصا بثلاثه دراهم- فلما جاء أبو الغلام أخبره فأخذ درهما- ثم جاء إلى علی ع لیدفعه إلیه- فقال له ما هذا أو قال ما شابه هذا- فقال یا مولای إن القمیص الذی باعک ابنی کان یساوی درهمین- فلم یأخذ الدرهم و قال باعنی رضای و أخذ رضاه وروى أحمد رحمه الله عن أبی النوار بائع الخام بالکوفه قال جاءنی علی بن أبی طالب إلى السوق- و معه غلام له و هو خلیفه- فاشترى منی قمیصین و قال لغلامه- اختر أیهما شئت فأخذ أحدهما و أخذ علی الآخر- ثم لبسه و مد یده فوجد کمه فاضله- فقال اقطع الفاضل فقطعته ثم کفه و ذهب- .

و روى أحمد رحمه الله عن الصمال بن عمیر قال- رأیت قمیص علی ع الذی أصیب فیه و هو کرابیس سبیلانی- و رأیت دمه قد سال علیه کالدردی- . و روى أحمد رحمه الله قال- لما أرسل عثمان إلى علی ع- وجده مؤتزرا بعباءه محتجزا بعقال و هو یهنأ بعیرا له- و الأخبار فی هذا المعنى کثیره و فیما ذکرناه کفایه

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۱

خطبه ۱۶۰ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶۰ و من خطبه له ع

وَ لَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَکُمْ- وَ أَحَطْتُ بِجُهْدِی مِنْ وَرَائِکُمْ- وَ أَعْتَقْتُکُمْ مِنْ رِبَقِ الذُّلِّ وَ حَلَقِ الضَّیْمِ- شُکْراً مِنِّی لِلْبِرِّ الْقَلِیلِ- وَ إِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَکَهُ الْبَصَرُ- وَ شَهِدَهُ الْبَدَنُ مِنَ الْمُنْکَرِ الْکَثِیرِ أحطت بجهدی من ورائکم حمیتکم و حضنتکم- و الجهد بالضم الطاقه الربق جمع ربقه- و هی الحبل یربق به البهم- . و حلق الضیم جمع حلقه بالتسکین- و یجوز حلق بکسر الحاء و حلاق- فإن قلت کیف یجوز له أن یطرق و یغضی عن المنکر- .

قلت یجوز له ذلک إذا علم أو غلب على ظنه- أنه إن نهاهم عنه لم یرتدعوا- و أضافوا إلیه منکرا آخر- فحینئذ یخرج الإطراق و الإغضاء- عن حد الجواز إلى حد الوجوب- لأن النهی عن المنکر یکون و الحاله هذه مفسده

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۴