google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
220-240 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 236/3 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

خطبه 238 صبحی صالح

238- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) في شأن الحكمين و ذم أهل الشام‏

جُفَاةٌ طَغَامٌ وَ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَ تُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ وَ يُعَلَّمَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ

لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ‏

أَلَا وَ إِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ وَ إِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَ شِيمُوا سُيُوفَكُمْ

فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ وَ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهَمَةُ فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ خُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ الْإِسْلَامِ أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج15  

مقتل أبى اليقظان عمار بن ياسر رضوان الله عليه و نسبه و اسلامه و طائفة ما جاء فيه من الاخبار و الاحوال‏

هو (ره) من كبار الفقهاء و عظام العلماء، صحب رسول الله صلى الله عليه و آله و أخذ منه و من علي عليه السلام معالم الدين و معارف اليقين و كان من شيعة أمير المؤمنين و قتله الفئة الباغية في صفين مجاهدا في سبيل الله ناصرا لوليه خير خلقه بعد رسوله علي عليه السلام و سيتضح لك جلالة شأنه و علو مقامه و ثبات قدمه في الدين و خلوصه في حب علي أمير المؤمنين عليه السلام بما نذكر من الأخبار المأثورة عن الفريقين، و في الدر المنثور: و كان أبو هريرة يقول إن عمار بن ياسر أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه و آله.

و قال ابن هشام في السيرة اسلم قبل الهجرة في مكة بدعوة أبي بكر و قال في موضعين من كتابه السيرة النبوية: عمار بن ياسر عنسى من مذحج، حليف بني مخزوم بن يقظة.

و قال المسعودي في مروج الذهب و قد تنوزع في نسبه فمن الناس من الحقه ببني مخزوم و منهم من رأى أنه من حلفائهم و منهم من رأى غير ذلك.

و عمار و الحويرث «مصغر حارث» و عبود: بنو ياسر، و من ولد عمار عبد الله‏ ابن سعد و هو المقتول بالاندلس قتله عبد الرحمن بن معاوية، و يكنى عمار (ره) بأبي اليقظان.

قال الواقدي و ابن الاثير في اسد الغابة و طائفة من أهل العلم بالنسب و الخبر إن ياسرا والد عمار عرني قحطاني مذحجى من عنس فى مذحج إلا أن ابنه عمارا مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسرا تزوج امة لبعض بني مخزوم فولدت له عمارا و ذلك أن ياسرا والد عمار قدم مكة مع أخوين له، أحدهما يقال له الحارث و الثاني مالك فرجع الحارث و مالك إلى اليمن و أقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية «على التصغير» بنت خياط فولدت له عمار فاعتقه أبو حذيفة فمن هذا هو عمار مولى لبني مخزوم، و للحلف و الولاء الذي بين بني مخزوم و ابن عمار و أبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه فاجتمعت بنو مخزوم و قالوا و الله لئن مات ما قتلنا به أحدا غير عثمان.

و كان اسم أبي حذيفة مولى سمية: مهشم، و هو عم أبى جهل و قال بعض أهل التحقيق: قد غلط ابن قتيبة فيها فزعم ان الازرق مولى الحارث بن كلدة خلف عليها بعد ياسر فولدت له سلمة بن الازرق، و الصحيح أن ام سلمة بن الأزرق سمية اخرى و هى ام زياد بن أبى سفيان لا ام عمار.

قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه (ص 428 ج 3 طبع 1357 ه): كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد بن ثابت و يحيى بن سعيد قالا سأل سائل سعيد بن المسيب عن عمار بن ياسر ما دعاه إلى الخروج على عثمان؟ قال كان بينه و بين عباس بن عتبة ابن أبى لهب كلام فضربهما عثمان فأورث ذاك بين آل عمار و آل عتبة شرا حتى اليوم و كنا عما ضربا عليه و فيه.

و قال الشارح المعتزلي فى الجزء الثاني من شرحه: فضربهما عثمان فاورث ذلك تعاديا بين عمار و عثمان و قد كانا تقاذفا قبل ذلك‏

أقول: و في كثير من أسفار الفريقين أن عثمان بن عفان ضربه حتى غشى عليه و أنه أمر غلمانه فمدوا بيديه و رجليه ثم ضربه برجليه و هما في الخفين على مذاكيره فاصابه الفتق و كسر ضلعا من اضلاعه، و هذا هو غير مختلف فيه بين رواة الفريقين و انما اختلفوا في سببه و لعلنا نأتي بها في مباحثنا الاتية إن شاء الله تعالى و هذا احد المطاعن الواردة على عثمان بلا كلام و من اعذره فيه فقد تعصب فيه و تعسف و ما له في قوله بسلطان.

و قال غير واحد من المفسرين و منهم الطبرسي في مجمع البيان ان قوله تعالى‏ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان‏ (الاية 106 من النحل) نزل في جماعة اكرهوا و هم عمار و ياسر أبوه و امه سمية و صهيب و بلال و خباب عذبوا و قتل أبو عمار ياسر و امه سمية و اعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله صلى الله عليه و آله فقال قوم كفر عمار فقال صلى الله عليه و آله كلا إن عمارا ملى‏ء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الايمان بحلمه و دمه و جاء عمار إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و هو يبكى فقال صلى الله عليه و آله و ما ورائك فقال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله صلى الله عليه و آله يمسح عينيه و يقول إن عادوا لك فعدلهم بما قلت فنزلت الاية عن ابن عباس و قتادة، و كذا في اسد الغابة باسناده إلى علي بن أحمد بن متويه.

و في كتاب نصر بن مزاحم باسناده عن محمد بن مروان عن الكلبى عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله عز و جل‏ و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤف بالعباد قال نزلت في رجل و هو صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جذعان أخذه المشركون في رهط من المسلمين فيهم خير مولى قريش لبني الحضرمي و خباب بن الارت مولى ثابت بن ام انمار و بلال مولى أبي بكر و عايش مولى حويطب بن عبد العزى و عمار بن ياسر و ابى عمار و سمية ام عمار فقتل أبو عمار و ام عمار و هما اول قتيلين قتلا من المسلمين و عذب الاخرون بعد ما خرج النبي صلى الله عليه و آله من مكة إلى المدينة فأرادوهم على الكفر.

فاما صهيب فكان شيخا كبيرا ذا متاع فقال للمشركين هل لكم إلى خير؟

فقالوا ما هو؟ قال: أنا شيخ كبير ضعيف لا يضركم منكم كنت او من عدوكم و قد تكلمت بكلام أكره أن انزل عنه فهل لكم أن تأخذوا مالى و تذروني و ديني ففعلوا فنزلت هذه الاية، فلقاه أبو بكر حين دخل المدينة فقال: ربح البيع يا صهيب، و قال: و بيعك لا يخسر و قرأ هذه الاية ففرح بها.

و أما بلال و خباب و عايش و عمار و أصحابهم فعذبوا حتى قالوا بعض ما أراد المشركون ثم ارسلوا ففيهم نزلت هذه الاية و الذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة و لأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون‏.

أقول: اكثر المفسرين ذهبوا إلى أن الاية الاولى نزلت في علي عليه السلام ليلة المبيت و ان ما نزل في عمار و أصحابه آية النحل الماضية و لا بعد أن يقال أن الراوي سهى في ذلك و اخذ آية و من الناس من يشري‏ مكان آية من كفر بالله من بعد إيمانه‏ و الله تعالى يعلم.

و في السيرة الهشامية (ص 319 ج 1 طبع مصر 1375 ه) في تعذيب قريش لعمار بن ياسر و تصبير رسول الله صلى الله عليه و آله له: قال ابن اسحاق و كانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر و بأبيه و امه و كانوا أهل بيت اسلام إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه و آله فيقول فيما بلغني: صبرا آل ياسر، موعدكم الجنة فأما امه فقتلوها و هي تابي إلا الاسلام.

و روى غيره أن عمارا قال لرسول الله صلى الله عليه و آله: لقد بلغ منا العذاب كل مبلغ فقال له النبي صلى الله عليه و آله: صبرا أبا اليقطان، ثم قال صلى الله عليه و آله اللهم لا تعذب أحدا من آل عمار بالنار.

و روى الفريقان أن ياسرا و سمية أبوى عمار رضوان الله عليهم أول شهيدين في الاسلام بل قيل أول شهيد استشهد في الاسلام ام عمار سمية طعنها أبو جهل بطعنة في قبلها أو في قلبها على اختلاف النسخ.

و في اسد الغابة و كان اسلام عمار بعد بضعة و ثلاثين رجلا و هو و أبوه و امه من السابقين و اسلم عمار و رسول الله صلى الله عليه و آله في دار الارقم هو و صهيب بن سنان في وقت واحد.

و فيه: قال عمار لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأقم و رسول الله صلى الله عليه و آله‏

فيها فقلت ما تريد؟ فقال و ما تريد أنت؟ فقلت اردت أن ادخل على محمد و أسمع كلامه فقال و أنا اريد ذلك فدخلنا عليه فعرض علينا الاسلام فأسلمنا.

أقول: أرقم هذا هو أرقم بن أبي الأرقم و اسم أبى الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي كان من السابقين الاولين إلى الاسلام قيل كان ثاني عشر.

و في مجالس المؤمنين للقاضي نور الله الشهيد (ره) نقلا عن الاستيعاب اسلم أرقم بعد سبعة أو عشرة.

و كان من المهاجرين الأولين و هو الذي استخفى رسول الله صلى الله عليه و آله في داره و هي في أصل الصفا و المسلمون معه بمكة لما خافوا المشركين فلم يزالوا بها حتى كملوا أربعين رجلا و كان آخرهم اسلاما عمر بن الخطاب فلما كملوا به أربعين خرجوا و توفى الارقم سنة ثلاث و خمسين و هو ابن ثلاث و ثمانين سنة، و لنعد إلى القصة:و في اسد الغابة باسناده إلى علقمة عن خالد بن الوليد قال كان بيني و بين عمار كلام فاغلظت له في القول فانطلق عمار يشكوني إلى النبي صلى الله عليه و آله فجاء خالد و هو يشكوه إلى النبي صلى الله عليه و آله قال فجعل يغلظ له و لا يزيده إلا غلظة و النبي صلى الله عليه و آله ساكت لا يتكلم فبكى عمار و قال يا رسول الله ألا تراه فرفع رسول الله صلى الله عليه و آله رأسه و قال من عادى عمارا عاداه الله و من أبغض عمارا أبغضه الله، قال خالد فخرجت فما كان شي‏ء احب إلى من رضى عمار فلقيته فرضى.

و فيه باسناده عن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و آله ما خير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما.

و في كتاب نصر بن مزاحم باسناده عن هاني بن هاني عن علي عليه السلام قال:

جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي صلى الله عليه و آله قال ائذنوا له مرحبا بالطيب ابن الطيب.

و في اسد الغابة: مرحبا بالطيب المطيب.

و في كتاب نصر: قال النبي صلى الله عليه و آله لقد ملى عمار ايمانا إلى مشاشه‏

و قال صلى الله عليه و آله ان الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: على و عمار و سلمان.

شهد عمار قتال مسيلمة الكذاب و اصيبت اذنه يوم اليمامة فقطعت و تدلت على كتفه ففي مجالس المؤمنين للقاضي نور الله و في اسد الغابة لابن الاثير باسناده عن ابن عمر قال رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة قد اشرف يصيح يا معشر المسلمين- و كانوا قد هربوا من الحرب- أمن الجنة تفرون إلى إلى أنا عمار ابن ياسر هلموا إلى قال و أنا أنظر إلى اذنه قد قطعت فهى تذبذب و هو يقاتل أشد القتال.

أقول: اما أن ما عنون في الكتب الرجالية في كنيته رضوان الله عليه بأبي اليقظان فما وجدت في كتاب أن يكون له ولد كان اسمه يقظان حتى يكنى بأبي اليقظان و جاء في كتب الادب و اللغة أن أبا اليقظان يكون كنية للديك و ظنى أن عمار رضوان الله عليه لما كان رجلا نبيها يقظان عارفا بدين الله كنى به و كان أيضا في الحروب بطلا فحلا و شجاعا يهابه الناس و كميا لم ير فى معسكر علي عليه السلام بعد الأشتر مثله بل هو ممن قاتل فى سبيل الله من بدء ظهور الاسلام إلى يوم صفين فى المشاهد مما يتحير فيه العقول فى ثباته فى الدين و خلوصه و كان يتقيه و يحذره الابطال فى المعارك و المهالك، كنى بأبى اليقظان كما نقول نحن فى الفارسية بالرجل الشجاع المصارع، خروس جنگى، و هذا مما تفردت به و لم اجده فى كتاب و ما سمعت من أحد و الله هو العالم.

و هاجر عمار إلى أرض الحبشة و قال ابن هشام فى السيرة: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و آله ما يصيب أصحابه من البلاء و ما هو فيه من العافية بمكانه من الله و من عمه أبى طالب و أنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة فان بها ملكا لا يظلم عنده أحد و هى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة و فرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة كانت فى الاسلام «إلى أن قال» فى (ص 330 ج 1 طبع 1375 ه) بعد عد من هاجر من المسلمين إلى الحبشة: فكان‏ جميع من لحق بأرض الحبشة و هاجر إليها من المسلمين سوى ابنائهم الذين خرجوا بهمم معهم صغارا و ولدوا بها ثلاثة و ثمانين رجلا، إن كان عمار بن ياسر فيهم و هو يشك فيه.

و كذا قال في ذكر من عاد من أرض الحبشة لما بلغهم اسلام أهل مكة، بعد عد عدة منهم: و من حلفاء بني مخزوم: عمار بن ياسر، يشك فيه أ كان خرج إلى الحبشة أم لا؟

و لقد شهد عمار رحمه الله تعالى بدرا و المشاهد كلها و أبلى ببدر بلاء حسنا و قتل في بدر كما في السيرة الهشامية عامر ابن الحضرمي و رجلا شجاعا آخر أحد بني عمرو بن تميم و علي بن امية بن خلف.

قال ابن هشام: و يقال إن زيد بن حارثة و عمار بن ياسر قتلا معاوية بن المغيرة بعد حمراء الأسد، كان لجأ إلى عثمان بن عفان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه و آله على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و توارى فبعثهما النبي صلى الله عليه و آله و قال إنكما ستجد انه بموضع كذا و كذا فوجداه فقتلاه.

و في غزوة ذات الرقاع كان عمار بن ياسر و عباد بن بشر قاما على حراسة جيش الرسول صلى الله عليه و آله و اصيبا في ذلك من الالم و الاذى.

في السيرة الهشامية: قال ابن إسحاق و حدثني عمي صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبد الله الانصاري قال:خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله في غزوة ذات الرقاع من نخل فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه و آله قافلا أتى زوجها و كان غائبا فلما اخبر الخبر حلف لا ينتهى حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه و آله دما فخرج‏ يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه و آله فنزل رسول الله صلى الله عليه و آله منزلا فقال من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ قال فانتدب رجل من المهاجرين و رجل آخر من الانصار فقالا نحن يا رسول الله، قال فكونا في فم الشعب، قال و كان رسول الله صلى الله عليه و آله قد نزلوا إلى شعب من الوادى و هما عمار بن ياسر و عباد بن بشر فيما قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب قال الانصاري للمهاجرى «يعني قال عباد بن بشر لعمار بن ياسر» أى الليل تحب أن أكفيكه: أوله أم آخره؟ قال بل اكفنى أوله قال فاضطجع المهاجرى فنام و قام الأنصاري يصلى قال: و أتى الرجل فلما رأى شخص الرجل عرف انه ربيئة القوم «اى الطليعة الذي يحرس القوم» قال فرمى بسهم فوضعه فيه، قال: فنزعه و وضعه، فثبت قائما، قال: ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه، قال فنزعه فوضعه، و ثبت قائما، ثم عادله بالثالث، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه ثم ركع و سجد، ثم أهب صاحبه «يعني أيقظ عمارا» فقال اجلس فقد أثبت «يعني جرحت جرحا لا يمكن التحرك معه» قال: فوثب فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذرا به «أى علما به» فهرب.

و لما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرؤها فلم احب أن أقطعها حتى أنفدها فلما تابع على الرمى ركعت فاذنتك و ايم الله لو لا أن اضيع ثغرا أمرنى رسول الله صلى الله عليه و آله بحفظه لقطع نفسى قبل أن أقطعها أو أنفدها.

و في السيرة الهشامية ايضا في تكنية الرسول صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام بأبى تراب في غزوة العشيرة:قال ابن إسحاق فحدثني يزيد بن محمد بن خيثم المحاربى عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خيثم أبي يزيد عن عمار بن ياسر، قال:كنت أنا و على بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه و آله و أقام بها رأينا اناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم و في نخل فقال لي علي بن أبي طالب يا أبا اليقظان هل لك في أن تأتي هؤلاء القوم فنظر كيف يعملون قال؟

قلت إن شئت، قال فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا و علي حتى اضطجعنا في صور من النخل و في دقعاء من التراب فنمنا فو الله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه و آله يحركنا برجله و قد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب مالك يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب ثم قال ألا احدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله صلى الله عليه و آله قال: احيمر ثمود الذي عقر الناقة و الذي يضر بك يا علي على هذه و وضع يده على قرنه حتى يبل منها هذه و أخذ بلحيته. «احيمر ثمود هو الذى عقر ناقة صالح و اسمه قدار بن سالف».

و في السيرة الهشامية (ص 392 ج 1 طبع 1375 ه) قال ابن إسحاق و كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا جلس في المسجد فجلس إليه المستضعفون من أصحابه: خباب و عمار، و أبو فكيهة يسار مولى صفوان بن امية بن محرث، و صهيب و أشباههم من المسلمين هزئت بهم قريش و قال بعضهم لبعض هؤلاء أصحابه كما ترون أهولاء من الله عليهم من بيننا بالهدى و الحق! لو كان ما جاء به محمد صلى الله عليه و آله خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه و ما خصهم الله به دوننا فأنزل الله تعالى فيهم: و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه‏ إلى قوله تعالى‏ فأنه غفور رحيم‏ (سورة الانعام من الاية 53 إلى 55).

و لما آخى رسول الله صلى الله عليه و آله بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار كان عمار ابن ياسر و حذيفة بن اليمان اخوين، و يقال عمار و ثابت بن قيس كانا اخوين، و في الدر المنثور كما في مادة «عمر» من سفينة البحار: و كان أبو هريرة يقول إن عمار بن ياسر أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه و آله.

و لما هاجر رسول الله صلى الله عليه و آله إلى المدينة أمر صلى الله عليه و آله أن يبنى في المدينة مسجدا و في السيرة الهشامية (ص 496 ج 1) و نزل رسول الله صلى الله عليه و آله على أبي أيوب حتى بنى مسجده و مساكنه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه و آله ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون و الأنصار و دأبوا فيه، «إلى أن قال:» فدخل عمار بن ياسر و قد أثقلوه باللبن، فقال: يا رسول الله قتلوني، يحملون على ما لا يحملون. قالت ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله فرأيت رسول الله صلى الله عليه و آله ينفض و فرته بيده و كان رجلا جعدا و هو صلى الله عليه و آله يقول: ويح ابن سمية، ليسوا بالذين يقتلونك انما تقتلك الفئة الباغية.

و في تاريخ الطبرى: الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و عمار ينقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين رغبة في الأجر و سيأتي تفصيله ثم قال ابن هشام و ارتجز علي بن أبي طالب عليه السلام يومئذ:

لا يستوى من يعمر المساجدا يدأب فيه قائما و قاعدا
و من يرى عن الغبار حائدا

فأخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله إنما يعرض به، فقال له الرجل سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية و الله إني لأراني سأعرض هذه العصا لانفك، و في يده عصا، فغضب رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال: ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار، و إن عمارا جلدة ما بين عيني و أنفي فاذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه.

أقول: ذلك الرجل هو عثمان بن عفان كما صرح به غير واحد من الفريقين و قال السهيلي و قد سمى ابن إسحاق الرجل و كره ابن هشام أن يسميه كى لا يذكر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله بمكروه، و قال أبو ذر: و قد سمى ابن إسحاق الرجل فقال إن هذا الرجل هو عثمان بن عفان. و في المواهب اللدنية ان الرجل هو عثمان ابن مظعون و هو خطأ جدا و ظن محض لا يساعده خبر و لا أثر و عدل إليه لبعض شأنه.

قال ابن هشام في السيرة: و ذكر سفيان بن عيينة عن زكريا عن الشعبي قال: إن أول من بنى مسجدا عمار بن ياسر.

أقول: يعني بهذا الحديث مسجد قبا لأن عمارا هو الذي أشار على النبي صلى الله عليه و آله ببنيانه و هو جمع الحجارة له فلما أسسه رسول الله صلى الله عليه و آله استتم بنيانه عمار، كما في روض الأنف، و قال في اسد الغابة: و من مناقبه أنه أول من بنى مسجدا في الاسلام، و قال باسناده عن الحكم بن عيينة قال قدم رسول الله صلى الله عليه و آله المدينة أول ما قدمها ضحى فقال عمار ما لرسول الله صلى الله عليه و آله بد من أن نجعل له مكانا إذا استظل من قائلته ليستظل فيه و يصلى فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قبا فهو أول مسجد بنى و عمار بناه.

و في مادة «عمر» من سفينة البحار: عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده عمار قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه و آله في بعض غزواته و قتل علي عليه السلام أصحاب الألوية و فرق جمعهم و قتل عمرو بن عبد الله الجمحى و قتل شيبة بن نافع اتيت رسول الله صلى الله عليه و آله فقلت يا رسول الله إن عليا عليه السلام قد جاهد في الله حق جهاده فقال صلى الله عليه و آله لانه منى و أنا منه وارث علمي و قاضي ديني و منجز وعدى و الخليفة بعدي و لولاه لم يعرف المؤمن المحض بعدي، حربه حربي و حربي حرب الله و سلمه سلمى و سلمي سلم الله الا انه أبو سبطي و الأئمة بعدي من صلبه يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين و منهم مهدي هذه الامة.

فقلت بأبي أنت و امي يا رسول الله ما هذا المهدي؟

قال صلى الله عليه و آله يا عمار إن الله تبارك و تعالى عهد إلى انه يخرج من صلب الحسين عليه السلام أئمة تسعة و التاسع من ولده يغيب عنهم و ذلك قوله عز و جل‏ قل أ رأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين‏ يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم و يثبت عليها آخرون فاذا كان في آخر الزمان يخرج فيملا الدنيا قسطا و عدلا و يقاتل على التاويل كما قاتلت على التنزيل و هو سميى و أشبه الناس بي يا عمار ستكون بعدى فتنة فاذا كان كذلك فاتبع عليا و حزبه فانه مع الحق و الحق معه يا عمار إنك ستقاتل مع علي عليه السلام صنفين: الناكثين و القاسطين، ثم تقتلك الفئة الباغية قلت يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله و رضاك؟ قال نعم على رضا الله و رضاى و يكون آخر زادك شربة من لبن تشربه.

فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أخا رسول الله أ تأذن لي في القتال قال مهلا رحمك الله فلما كان بعد ساعة اعاد عليه الكلام فأجابه بمثله فأعاده ثالثا فبكى أمير المؤمنين عليه السلام فنظر إليه عمار فقال يا أمير المؤمنين انه اليوم الذي وصف لى رسول الله صلى الله عليه و آله.

فنزل أمير المؤمنين علي بغلته و عانق عمارا و ودعه ثم قال يا أبا اليقظان جزاك الله عن الله و عن نبيك خيرا فنعم الاخ كنت و نعم الصاحب كنت ثم بكى عليه السلام و بكى عمار ثم برز إلى القتال و ذكر قتاله إلى أن قتل رضى الله عنه فلما كان الليل طاف أمير المؤمنين عليه السلام في القتلي فوجد عمارا ملقى فجعل رأسه على فخذه ثم بكى و أنشأ:

أيا موت كم هذا التفرق عنوة فلست تبقى لى خليل خليل‏
الا يا أيها الموت الذي ليس تاركى‏ ارحنى فقد افنيت كل خليل‏
اراك بصيرا بالذين احبهم‏ كانك تمضى نحوهم بدليل‏

و في رواية ابن أعثم فأتاه على عليه السلام و قال إنا لله و إنا إليه راجعون إن امرأ لم يدخل عليه مصيبة من قتل عمار فما هو فى الاسلام من شي‏ء ثم صلى عليه و قرء هاتين البيتين.

و نقل انه لما قتل يوم صفين احتمله أمير المؤمنين عليه السلام إلى خيمته و جعل يمسح الدم عن وجهه و يقول:

و ما ظبية تسبى الظباء بطرفها إذا نبعثت خلنا باجفانها سحرا
بأحسن ممن خضب السيف وجهه‏ دما فى سبيل الله حتى قضى صبرا

و قتل (ره) فى صفين فى اليوم التاسع من صفر عند المساء سنة سبع و ثلاثين و سنه إذ ذاك تزيد على التسعين فقال بعض و هو يومئذ ابن أربع و تسعين سنة و قال آخر و له ثلاث و تسعون سنة و الظاهر أن الثاني أخذ السنين تامة دون الاول و نقل ابن الاثير فى اسد الغابة قولا آخر بعد القولين: و قيل احدى و تسعون.

قال أبو جعفر الطبري فى تاريخه: قال أبو مخنف حدثنى عبد الملك بن أبى حر الحنفى أن عمار بن ياسر خرج إلى الناس فقال اللهم إنك تعلم أنى لو أعلم أن‏ رضاك فى أن أقذف بنفسى فى هذا البحر لفعلته، اللهم إنك تعلم أنى لو أعلم أن رضاك فى أن أضع ظبة سيفى فى صدرى ثم انحنى عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت و إنى لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين و لو أعلم أن عملا من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته.

ثم قال: قال أبو مخنف و حدثني الصقعب بن زهير الأزدى قال سمعت عمارا يقول و الله إنى لأرى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون و ايم الله لو ضربونا حتى يبلغوا بناسعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل.

و فى مروج الذهب قال عمار بن ياسر إني لأرى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون حتى يرتاب المبطلون و الله لو هزمونا حتى يبلغوا بناسعفات هجر لكنا على الحق و كانوا على الباطل.

أقول: هرج محركة بلد باليمن مذكر مصروف و قد يؤنث و يمنع من الصرف و هجر هذه معروفة بكثرة التمر و النخيل و منه المثل المعروف: كناقل التمر إلى هجر، و فى النهاية الاثيرية هجر اسم بلد معروف بالبحرين و هو مذكر مصروف، و الظاهر انما صحف من النساخ اليمن بالبحرين و لا بعد فيه و كم له من نظير، و هجر أيضا قرية من قرى المدينة تنسب اليها القلال، و المراد هنا هجر الاولى بقرينة السعفات كما هو ظاهر كلام ابن الانير فى مادة «سعف» من النهاية قال: و فى حديث عمار لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، السعفات جمع سعفة بالتحريك و هى أغصان النخيل و قيل إذا يبست سميت سعفة و إذا كانت رطبة فهى شطبة و إنما خص هجر للمباعدة فى المسافة و لانها موصوفة بكثرة النخيل.

و فى اسد الغابة: «حتى يبلغوا بناشعاب هجر» و لكن فى كتاب نصر بن مزاحم و نهاية ابن الأثير و تاريخ الطبري و بحار المجلسى و غيرها «سعفات هجر» و هذه اولى من الاولى لمكان النخيل و يشبه ان تكون الاولى مصحفة و يؤيد قولنا ترجمة القاضى نور الله الشهيد الحديث بالفارسية حيث قال فى مجالس المؤمنين: و الله اگر شما بر ما چنان غالب مى‏ شديد كه تا نخلستان هجر ما را مى‏ گريزانيد بيقين خواهيم‏ دانست كه ما بر حقيم و شما بر باطل.

و معنى قوله رضوان الله عليه «حتى يرتاب المبطلون» أن هؤلاء الفئة الباغية اعنى جنود معاوية لما ضربوا و قتلوا من كان ناصرا و ممدا لأهل الحق اعنى احزاب علي عليه السلام فعند ذلك يقول من لم يكن على النهج القويم و الصراط المستقيم لو لم يكن معاوية و اتباعه على حق لما ظهروا على علي عليه السلام و أشياعه و هذا ريب يعتريه كما نرى كثيرا من رذلة الناس و سفلتهم عند منازعة أهل الحق و الباطل في أمر لو منع أهل الحق من عمله و انفاذ أمره يقولون لو كانوا على حق لما ظهر هؤلاء عليهم و أما من كان على بصيرة في دينه فيقول: و الله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لكنا على الحق و كانوا على الباطل. و لنعد إلى القصة:

قال الطبرى باسناده عن زيد بن وهب الجهني: أن عمار بن ياسر رحمه الله قال يومئذ أين من يبتغي رضوان الله عليه و لا يؤب إلى مال و لا ولد؟ فاتته عصابة من الناس فقال أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان و يزعمون انه قتل مظلوما و الله ما طلبتم بدمه و لكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها و استمرءوها و علموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرغون فيه من دنياهم و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة الناس و الولاية عليهم فخدعوا أتباعهم أن قالوا إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون و لو لا هي ما تبعهم من الناس رجلان، اللهم إن تنصرنا فطال ما نصرت و إن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا فى عبادك العذاب الأليم، ثم مضى و مضت تلك العصابة التي أجابته حتى دنا من عمرو فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا طالما بغيت في الاسلام عوجا.

و قال الطبرى و نصر بن مزاحم: ثم قال عمار لعبيد الله بن عمر بن الخطاب صرعك الله بعت دينك من عدو الأسلام و ابن عدوه.

قال كلا و لكن أطلب بدم عثمان بن عفان الشهيد المظلوم قال له أشهد على علمى فيك أنك أصبحت لا تطلب بشي‏ء من فعلك وجه الله عز و جل و أنك ان لم تقتل‏ اليوم فستموت غدا فانظر إذا أعطى الله العباد على قدر نياتهم ما نيتك.

و قال الطبري في تاريخه باسناده عن أبي عبد الرحمن السلمي قال سمعت عمار بن ياسر بصفين و هو يقول لعمرو بن العاص لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه و آله و هذه الرابعة ما هي بأبر و لا أتقى.

أقول: كان عمرو بن العاص عامل عمر بن الخطاب على مصر إلى السنة التي قتل فيها فلما ولى عثمان اقره سنتين من إمارته ثم عزل عمرا و استعمل عبد الله بن سعد بن أبى السرح و كان عثمان لا يعزل أحدا إلا عن شكاة أو استعفاء من غير شكاة و لم يكن عزله عمرا عن استعفائه، و كتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول إن عمرا كسر الخراج فكتب عثمان إلى عمرو انصرف و ولى عبد الله بن السعد الخراج و الجند فقدم عمرو مغضبا فدخل عمرو على عثمان و عليه جبة يمانية محشوة قطنا فقال له عثمان: ما حشوجبتك؟ قال عمرو. قال عثمان: قد علمت أن حشوها عمرو و لم ارد هذا إنما سألت أقطن هو أم غيره. قال الطبري فى تاريخه بعث عبد الله بن سعد إلى عثمان بمال من مصر قد حشد فيه، فدخل عمرو على عثمان فقال عثمان يا عمرو هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك؟ فقال عمرو إن فصالها هلكت.

ثم شايع عمر و معاوية فى حرب على عليه السلام طمعا أن يجعل عاملا على مصر ثانيا و يتولى أمرها فمراد عمار (ره) من قوله «يا عمرو بعت دينك بمصر» أن عمرا باع دينه بازاء امارة مصر كقولك بعت هذا الثوب بهذا الدرهم و اصدق شاهد لنا على ذلك ما نص به نصر بن مزاحم فى كتابه صفين و النصر هذا من رجال أصحاب الحديث الاقدمين و كان من معاصري محمد بن على بن الحسين عليهم السلام باقر علوم الاولين و الاخرين و كتابه سند لمن جاء بعده من المورخين و تعرض لترجمته و توثيقه غير واحد من العلماء الشامخين كالشيخ الطوسى (ره) فى الفهرست و العلامة فى الخلاصة و النجاشى فى رجاله و ابن النديم فى الفهرست و قال ابن أبى الحديد فى شرحه على النهج: نصر بن مزاحم فى نفسه ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى و لا ادغال و هو من رجال أصحاب الحديث.

و بالجملة قال نصر فى ذلك الكتاب (ص 22 الطبع الناصري) بإسناده قال‏

قال معاوية لعمرو يا ابا عبد الله إنى ادعوك إلى جهاد هذا الرجل الذى عصى ربه و قتل الخليفة و اظهر الفتنة و فرق الجماعة و قطع الرحم، قال عمرو: إلى من؟ قال إلى جهاد على، قال: فقال عمرو و الله يا معاوية ما أنت و على بعكمى بعير مالك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا جهاده و لا فقهه و لا علمه و الله إن له مع ذلك حدا و حدودا و حظا و حظوة و بلاء من الله حسنا، فما تجعل لى إن شايعتك على حربه و أنت تعلم ما فيه من الغرر و الخطر و قال حلمك قال مصر طعمة فتلكا عليه معاوية.

و مضى من تاريخ الطبري أيضا أن عمرا قال لمعاوية: ان فى النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته و قرابته و لكنا انما اردنا هذه الدنيا فصالحه معاوية و عطف عليه.

و يأتي فى ذلك كتابه عليه السلام إلى عمرو حيث يقول: فانك جعلت دينك تبعا لدنيا امرء ظاهر غيه إلى آخر ما قال عليه السلام، نعوذ بالله من الوساوس النفسانية و التسويلات الشيطانية فانظر كيف استحوذ الشيطان على ابن العاصى الداهى المارد فباع حظه بالارذل الادنى و شرى آخرته بالثمن الاوكس و تغطرس و تردى فى هواه قال المسعودى فى مروج الذهب: و قد كان عمرو بن العاص انحرف عن عثمان لانحرافه و تولية مصر غيره فنزل الشام فلما اتصل به امر عثمان و ما كان من بيعة على كتب إلى معاوية يهزه و يشير إليه بالمطالبة بدم عثمان و كان فيما كتب به إليه: ما كنت صانعا إذا قشرت من كل شي‏ء تملكه فاصنع ما أنت صانع، فبعث إليه معاوية فسار إليه فقال له معاوية بايعنى قال و الله لا أعينك من دينى حتى أنال من دنياك، قال سل، قال مصر طعمة فاجابه إلى ذلك و كتب له به كتابا و قال عمرو بن العاص فى ذلك.

معاوى لا أعطيك دينى و لم أنل‏ به منك دنيا فانظرن كيف تصنع‏
فان تعطنى مصرا فاربح صفقة اخذت بها شيخا يضر و ينفع‏

و مراد عمار (ره) من قوله «عدو الاسلام و ابن عدوه»: معاوية و أبوه أبو سفيان و مراده من قوله «لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا» المواطن الثلاثة: بدر واحد و حنين. كما في كتاب نصر بن مزاحم حيث قال باسناده عن زيد بن أبي رجاء عن أسماء بن الحكم الفزاري قال كنا بصفين مع علي بن أبي طالب تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى استظلنا ببرد أحمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا فقال أيكم عمار بن ياسر؟ فقال عمار بن ياسر هذا عمار، قال أبو اليقظان؟ قال: نعم، قال: إن لي حاجة إليك فأنطق بها علانية أو سرا؟

قال اختر لنفسك أى ذلك شئت قال لا بل علانية قال فانطق، قال: إنى خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم و إنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصرا حتى كان ليلتي هذه صباح يومنا هذا فتقدم منادينا فشهد ان لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و نادى بالصلاة فنادى مناديهم بمثل ذلك ثم اقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة و دعونا دعوة واحدة و تلونا كتابا واحدا و رسولنا واحد فأدركنى الشك في ليلتى فبت بليلة لا يعلمها إلا الله حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له فقال هل لقيت عمار بن ياسر قلت لا قال فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه فجئتك لذلك قال له عمار هل تعرف صاحب الراية السوداء لمقابلتي فانها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه و آله ثلاث مرات و هذه الرابعة ما هى بخيرهن و لا أبرهن بل هى شرهن و أفجرهن أشهدت بدرا واحدا و حنينا أو شهدها لك أب فيخبرك عنها؟

قال: لا، قال فإن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله صلى الله عليه و آله يوم بدر و يوم احد و يوم حنين و إن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب هل ترى هذا العسكر و من فيه فو الله لوددت أن جميع من أقبل مع معاوية ممن يريد قتالنا مفارقا للذى نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته و ذبحته و الله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور أفترى دم عصفور حراما؟ قال لا بل حلال قال فانهم كذلك حلال دماؤهم، أ ترانى قد بينت لك؟ قال: قد بينت لي، قال: فاختر أى ذلك أحببت قال فانصرف الرجل ثم دعاه عمار بن ياسر فقال‏ أما إنهم سيضربوننا بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولون لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا و الله ما هم من الحق على ما يقذي عين ذباب و الله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنا على حق و هم على باطل و أيم الله لا يكون سلما سلما أبدا حتى يبؤ أحد الفريقين (كذا) على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين و حتى يشهدوا على الفريق الاخر بأنهم على الحق و أن قتلا هم في الجنة و موتاهم و لا ينصرم أيام الدنيا حتى يشهدوا بأن موتاهم و قتلاهم في الجنة و أن موتى أعدائهم و قتلاهم في النار و كان أحياؤهم على الباطل.

و قال نصر بن مزاحم باسناده عن عبد خير الهمداني قال نظرت إلى عمار بن ياسر يوما من أيام صفين رمى رمية فاغمى عليه و لم يصل الظهر و العصر و المغرب و لا العشاء و لا الفجر ثم أفاق فقضاهن جميعا يبدء باول شي‏ء فاته ثم التي يليها.

أقول: ان عمارا متى ضربه عثمان غشى عليه و ادركته هذه الحالة أيضا كما في الشافي للشريف المرتضى علم الهدى كما نقله الشارح المعتزلي في الجزء الثالث من شرح النهج في مطاعن عثمان.

قال علم الهدى: و هذا الفعل اعنى ضرب عمار لم تختلف الرواة فيه و انما اختلفوا في سببه فروى عباس بن هشام الكلبي عن أبي مخنف فى إسناده أنه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلى و جوهر فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله فاظهر الناس الطعن عليه فى ذلك فكلموه فيه بكل كلام شديد حتى غضبوه فخطب فقال لناخذن حاجتنا من هذا الفى‏ء و ان رغمت به انوف اقوام فقال له إذن تمنع من ذلك و يحال بينك و بينه فقال عمار اشهد الله ان انفى أول راقم «غم ظ» من ذلك فقال عثمان أعلى يا ابن ياسر تجرى؟ خذوه فاخذ و دخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشى عليه ثم اخرج فحمل حتى اتى به منزل ام سلمة فلم يصل الظهر و العصر و المغرب فلما أفاق توضأ و صلى و قال الحمد لله ليس هذا أول يوم او ذينا، انتهى.

و فى البحار كما في السفينة نقلا عن رجال الكشى عن قيس بن أبى حازم قال: قال عمار ادفنونى فى ثيابى فانى مخاصم و كذا فى اسد الغابة و عن أبى البخترى‏ قال: اتى عمار يومئذ بلبن فضحك ثم قال قال لى رسول الله صلى الله عليه و آله آخر شراب تشربه من الدنيا مذقة من لبن حتى تموت.

و فيه و فى خبر آخر أنه قال آخر زادك من الدنيا ضياح لبن، و فى كشف الغمة عن حبة العرنى قال شهدته يوم قتل يقول إيتونى باخر رزق لى من الدنيا فاتى بضياح من لبن فى قدح اروح بحلقة حمراء فقال اليوم القى الاحبة محمدا و حزبه و قال و الله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت انا على الحق و أنهم على الباطل ثم قتل رضى الله عنه قتله أبو العادية و احتز رأسه أبو جوى السكسكى. و فيه و كان الذي قتل عمارا أبو عادية المرى طعنه برمح فسقط و كان يومئذ يقاتل و هو ابن أربع و تسعين سنة فلما وقع أكب عليه رجل فاحترز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول أنا قتلته فقال عمرو بن العاص و الله ان يختصمان إلا فى النار.

و فى تاريخ الطبري باسناده عن حبة بن جوين العرنى قال انطلقت أنا و أبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن فدخلنا عليه فقال مرحبا بكما ما خلفتما من قبائل العرب أحدا أحب إلى منكما فاسندته إلى أبى مسعود فقلنا يا أبا عبد الله حدثنا فانا نحاف الفتن فقال عليكما بالفتنة التي فيها ابن سمية انى سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق و ان آخر رزقه ضياح من لبن، قال حبة فشهدته يوم صفين و هو يقول: ائتونى باخر رزق لى من الدنيا فاتى بضياح من لبن فى قدح أروح له حلقة حمراء فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة فقال اليوم ألقى الأحبة محمدا و حزبه و الله لو ضربونا حتى يبلغوا بناسعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل و جعل يقول الموت تحت الأسل و الجنة تحت البارقة.

و فيه باسناده عن الأعمش قال: قال أبو عبد الرحمن السلمي كنا مع علي عليه السلام بصفين فكنا قد و كلنا بفرسه رجلين يحفظانه و يمنعانه من أن يحمل فكان إذا حانت منهما غفلة يحمل فلا يرجع حتى يخضب سيفه و إنه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى انثنى سيفه فألقاه إليهم و قال لو لا أنه انثنى ما رجعت فقال الاعمش هذا و الله ضرب غير مرتاب فقال أبو عبد الرحمن سمع القوم شيئا فأدوه و ما كانوا بكذا بين،

قال:و رأيت عمارا لا يأخذ واديا من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب محمد صلى الله عليه و آله و رأيته جاء إلى المر قال هاشم بن عتبة و هو صاحب راية علي عليه السلام فقال يا هاشم أعورا و جبنا لا خير في أعور لا يغشى البأس فاذا رجل بين الصفين قال هذا و الله ليخلفن إمامه و ليخذلن جنده و ليصرن جهده اركب يا هاشم فركب و مضى هاشم يقول:

أعور يبغى أهله محلا قد عالج الحياة حتى ملا
لا بد أن يفل أو يفلا

و عمار يقول تقدم يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف و الموت في أطراف الاسل و قد فتحت أبواب السماء و تزينت الحور العين اليوم ألقى الأحبة محمدا و حزبه فلم يرجعا و قتلا يفيد لك عليهما من كان هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله أنهما كانا علما فلما كان الليل قلت لأدخلن إليهم حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا و كنا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا و تحدثنا إليهم فركبت فرسى و قد هدأت الرجل ثم دخلت فإذا أنا بأربعة يتسايرون: معاوية و أبو الأعور السلمي و عمرو بن العاص و عبد الله بن عمرو هو خير الأربعة فأدخلت فرسى بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين فقال عبد الله لأبيه يا أبت قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا و قد قال فيه رسول الله صلى الله عليه و آله ما قال،

قال: و ما قال؟ قال أ لم تكن معنا و نحن نبنى المسجد و الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و عمار ينقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين فغشى عليه فأتاه رسول الله صلى الله عليه و آله فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و أنت تنقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين رغبة منك فى الأجر و أنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية فدفع عمرو صدر فرسه‏ ثم جذب معاوية إليه فقال يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد الله؟ قال و ما يقول؟

فأخبره الخبر، فقال معاوية إنك شيخ اخرق و لا تزال تحدث بالحديث و أنت تدحض في بولك أو نحن قتلنا عمارا إنما قتل عمارا من جاء به فخرج الناس من فساطيطهم و أخبيتهم يقولون إنما قتل عمارا من جاء به فلا أدرى من كان أعجب هو أوهم.

و في كتاب نصر بن مزاحم باسناده عن حبيب بن أبي ثابت قال لما بنى المسجد جعل عمار يحمل حجرين فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله يا أبا اليقظان لا تشقق على نفسك قال يا رسول الله انى احب أن أعمل في هذا المسجد قال ثم مسح ظهره ثم قال انك من أهل الجنة تقتلك الفئة الباغية.

و قال نصر باسناده عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص لو لا أن رسول الله صلى الله عليه و آله أمر بطواعيتك ما سرت معك هذا المسير أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول لعمار: يقتلك الفئة الباغية.

أقول: الطواعية مثل الثمانية: الطاعة، يقال فلان حسن الطواعية أى حسن الطاعة.

و روى أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال له: أطع أباك كما في أسد الغابة حيث قال:و شهد عبد الله بن عمرو مع أبيه فتح الشام و كانت معه رأية أبيه يوم اليرموك و شهد معه أيضا صفين و كان على الميمنة، قال له أبوه: يا عبد الله اخرج فقاتل فقال يا أبتاه أ تأمرني أن أخرج فاقاتل و قد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يعهد إلى ما عهد؟ قال: انشدك بالله يا عبد الله أ لم يكن آخر ما عهد اليك رسول الله صلى الله عليه و آله أن أخذ بيدك فوضعها فى يدي و قال: أطع أباك، قال: اللهم بلى قال فاني أعزم عليك أن تخرج فتقاتل فخرج فقاتل و تقلد بسيفين و ندم بعد ذلك فكان يقول مالي و لصفين مالى و لقتال المسلمين لوددت انى مت قبله بعشرين سنة.

و فيه أيضا بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال كنت فى مسجد الرسول صلى الله عليه و آله فى حلقة فيها أبو سعيد الخدري و عبد الله بن عمرو فمر بنا حسين بن على عليهما السلام فسلم فرد القوم السلام فسكت عبد الله حتى فرغوا رفع صوته و قال و عليك السلام و رحمة الله و بركاته.

ثم أقبل على القوم فقال ألا اخبركم باحب أهل الأرض إلى أهل السماء قالوا بلى قال هو هذا الماشى ما كلمنى كلمة منذ ليالي صفين و لأن يرضى عني أحب إلى من أن يكون لي حمر النعم.

فقال أبو سعيد ألا تعتذر إليه؟ قال بلى قال فتواعدا أن يغدوا إليه قال فغدوت معهما فاستأذن أبو سعيد فأذن له فدخل ثم استأذن لعبد الله فلم يزل به حتى أذن له فلما دخل قال أبو سعيد يا ابن رسول الله انك لما مررت بنا أمس- فأخبره بالذى كان من قول عبد الله بن عمرو- فقال حسين عليه السلام أعلمت يا عبد الله أنى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قال اى و رب الكعبة قال فما حملك على أن قاتلتنى و أبى يوم صفين فو الله لأبى كان خيرا منى قال أجل و لكن عمرو- يعنى أباه- شكانى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فقال يا رسول الله إن عبد الله يقوم الليل و يصوم النهار فقال لى رسول الله صلى الله عليه و آله يا عبد الله صل و نم و صم و افطر و اطع عمرا، قال فلما كان يوم صفين أقسم على فخرجت أما و الله ما اخترطت سيفا و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم.

و لا يخفى سوء استدلاله و قبحه على ما ذهب إليه مع اعترافه بأن رسول الله صلى الله عليه و آله قال لعمار تقتلك الفئة الباغية، و كيف يجوز عليه ان ينهض لقتل عمار اما علم هذا الرجيل أن رسول الله صلى الله عليه و آله حين أمره بطواعية أبيه لم يأمره بما يخالف الحق الصريح مع ان محاربى على كفرة لقوله صلى الله عليه و آله يا على حربك حربى و غيره من الاخبار التي سمعوها من رسول الله صلى الله عليه و آله فى على عليه السلام مما لا يعد و لا يحصى على ان الله تعالى كما اوجب اطاعة الابوين و قال «و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة» كذا حرام على الولد اطاعتهما فيما يخالف الدين و قال «و إن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما» و أما علم الرجيل انما أمره رسول الله صلى الله عليه و آله بطواعية ابيه فيما يجب أو يجوز أو رأيت ان عمرا لو أمر عبد الله أن يقتله هل كان يقتل أباه لامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه و آله إياه بطواعية أبيه و ليس هذا الا لما طبع الله على قلوبهم و على أبصارهم غشاوة و لهم عذاب اليم و من لم يجعل الله له نورا فماله من نور.

ثم إن قوله: «ما اخترطت سيفا و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم» كذب‏ محض اختلقه ليخرج نفسه من الفئة الباغية و من سب الناس و تعييرهم كيف و قد نقل غير واحد من حملة الاثار و نقلة الأخبار ان معه سيفين كان متقلدا بأحدهما و يضرب بالاخر و منهم نصر بن مزاحم فى كتاب صفين و هو الاصل فى ذلك و كفى به شهيدا، قال باسناده عن عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت الشعبي يقول قال الاحنف ابن قيس و الله انى لإلى جانب عمار بن ياسر بيني و بينه رجل من بني السفير فتقدمنا حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار احمل فداك أبي و امي و نظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم رحمك الله يا عمار إنك رجل تأخذك خفة في الحرب و اني انما ازحف باللواء زحفا و أرجو أن أنال بذلك حاجتي و إني إن خففت لم آمن الهلكة.

و قد كان قال معاوية لعمرو ويحك ان اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة و قد كان من قبل يرقل به إرقالا و انه إن زحف به اليوم زحف انه لليوم الأطول لأهل الشام و إن زحف في عنق من أصحابه إني لا طمع أن تقتطع فلم يزل به عمار حتى حمل فبصر به معاوية فوجه إليه حماة أصحابه و من يزن بالناس منهم في ناحيته و كان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص و معه سيفان قد تقلد واحدا و هو يضرب بالاخر و اطافت به خيل علي عليه السلام فقال عمرو يا الله يا رحمن ابنى ابنى، قال و يقول معاوية اصبر اصبر فانه لا بأس عليه، قال عمرو لو كان يزيد بن معاوية إذا لصبرت و لم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجاها ربا على فرسه.

و قال نصر حمل عمار بن ياسر اليوم فضربوا أهل الشام حتى اضطروهم إلى الفرات و مشى عبد الله بن سويد سيد جرش إلى ذى الكلاع فقال له لم جمعت بين الرجلين؟ قال لحديث سمعته من عمرو ذكر انه سمعه من رسول الله صلى الله عليه و آله و هو يقول لعمار بن ياسر يقتلك الفئة الباغية فخرج عبد الله بن عمر العنسى و كان من عباد أهل زمانه ليلا فاصبح في عسكر علي عليه السلام فحدث الناس بقول عمرو في عمار فلما سمع معاوية بهذا القول بعث إلى عمرو فقال أفسدت على أهل الشام أكل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله تقوله فقال عمرو قلتها و لست و الله اعلم الغيب و لا أدرى أن صفين تكون قلتها و عمار يومئذ لك ولى و قد رويت أنت فيه مثل الذي رويت فيه فاسأل أهل‏ الشام فغضب معاوية و تنمر لعمرو و منعه خيره فقال عمرو لا خير لي في جوار معاوية ان تجلت هذه الحرب عنا.

ثم قال نصر بن مزاحم و قريب مما أتى به ذكره المسعودي في مروج الذهب:و خرج عمار إلى القتال و صفت الخيول بعضها لبعض و زحف الناس و على عمار درع و هو يقول أيها الناس الرواح إلى الجنة فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله و كثرت القتلى حتى أن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله فقال الاشعث لقد رأيت أخبية صفين و أروقتهم و ما منها خباء و لا رواق و لا بناء و لا فسطاط الامر بوطا بيد رجل أو رجله و جعل أبو سماك الاسدى يأخذ اداوة من ماء و نشتره حديد فيطوف في القتلي فاذا رأى رجلا جريحا و به رمق أقعده فيقول من أمير المؤمنين؟ فان قال علي عليه السلام غسل عنه الدم و سقاه من الماء و ان سكت و جاه بسكين حتى يموت فكان يسمى المخضخض.

و حين نظر عمار إلى راية عمرو بن العاص قال: و الله إن هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات و ما هذه بأشدهن ثم قال عمار:

نحن ضربنا كم على تنزيله‏ فاليوم نضربكم على تأويله‏
ضربا يزيل الهام عن مقيله‏ و يذهل الخليل عن خليله‏
أو يرجع الحق إلى سبيله‏

ثم استسقى و قد اشتد ظماه فأتته امرأة طويلة اليدين قال الراوي ما أدرى عس معها أو اداوة فيها ضياح من لبن فقال حين شرب الجنة تحت الأسنة اليوم ألقى الاحبة محمدا صلى الله عليه و آله و حزبه و الله لو ضربونا حتى يبلغوا بناسعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و هم على الباطل ثم حمل عليه ابن جون (ابو حواء. ظ) السكسكي و أبو العادية الفزارى فاما أبو العادية فطعنه و اما ابن جون فانه اجتز راسه.

قال المسعودي: و اختلفا في سلبه فاحتكما إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فقال لهما اخرجا عنى فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول أو قال رسول الله صلى الله عليه و آله و بغت قريش بعمار: ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار و كان قتله عند المساءو قبره بصفين و صلى عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام و لم يغسله و كان يغير شيبه، و قال القاضي نور الله و دفنه علي عليه السلام بيده.

أقول يعني بقوله: «و كان يغير شيبه» ان عمار رضوان الله عليه كان يخضب لما ورد في فضيلة الخضاب و روى عن رسول الله صلى الله عليه و آله غيروا الشيب و لا تتشبهوا باليهود. و لكن قال ابن الأثير في اسد الغابة في معرفة الصحابة: أن عمار كان آدم طويلا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين و كان لا يغير شيبه و قيل كان اصلع في مقدم رأسه شعرات. و الله أعلم.

قال القاضي نور الله الشهيد نور الله مرقده في مجالس المؤمنين و من اللطائف المناسبة للمقام انه لما قتل عمار رحمه الله اقبل ابن عباس إلى عسكر معاوية حتى قرب منهم و قرأ عليهم حديث رسول الله صلى الله عليه و آله في عمار ستقتلك الفئة الباغية و أنذرهم و خوفهم من بغيهم و لما كان هذا الحديث فى غاية الشهرة بل من الأحاديث المتواترة و لم يمكن للمعاوية انكاره فأجابه بمقتضى الغريق يتشبث بكل حشيش بأن من أتى بعمار فى هذه المعركة فهو قاتله «يعنى به أمير المؤمنين على عليه السلام» فقال له ابن عباس فعلى هذا ترى ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان قاتل حمزة رضى الله عنه لأنه أتى به فى احد لقتال الكفار حتى قتل، فبهت الذي كفر و كانه التقم الحجر.

و فى كامل البهائى للحسن بن على عماد الدين الطبرى نقلا عن كتاب المحيط للقاضى عبد الجبار المعتزلي أن عليا عليه السلام لم يبدأ بقتال أهل البغى قط و لما قتل عمار رضوان الله عليه كان يجرى حكم الكفار عليهم و يبتدأ بالقتال حتى قتل منهم في ليلة خمسمائة و ثلاثين رجلا و يكبر فى قتل كل واحد منهم كما يكبرون في قتال الكفار و يقول من أصابه سيفى فهو فى النار.

قال المسعودى فى مروج الذهب و فى قتل عمار يقول الحجاج بن عربة الأنصاري أبياتا رثاه بها:

يا للرجال لعين دمعها جارى‏ قد هاج حزنى أبو اليقظان عمار
اهوى اليه أبو حوا فوارسه‏ يدعو السكون و للجيشين إعصار
فاختل صدر أبى اليقظان معترضا للرمح قد وجبت فينا له نار
الله عن جمعهم لا شك كان عفا أتت بذلك آيات و آثار
من ينزع الله غلا من صدورهم‏ على الأسرة لم تمسسهم النار
قال النبي له تقتلك شرذمة سيطت لحومهم بالبغى فجار
فاليوم يعرف أهل الشام أنهم‏ أصحاب تلك و فيها النار و العار

و مناقب عمار المروية كثيرة اقتصرنا منها و لو نأتي بها لينجر إلى كتاب ضخم و يليق أن يؤلف كتاب بحياله فيه.

ثم نقول إن حديث تقتلك الفئة الباغية مما لا ينال يد الانكار إليه و رواه البخاري و المسلم فى صحيحهما و غيرهما من أكابر نقلة الأحاديث و قال الحافظ السيوطى انه من الأخبار المتواترة و نقله أكثر من عشرة من الصحابى و مع ذلك كله فى عمار فالعجب كل العجب من العامة يذكرون معاوية و اتباعه و أمثاله بالخير و يعتذرون عنهم فى مقاتلتهم أهل الحق و الرشاد على انهم كانوا مجتهدين فى تلك الوقايع غاية ما فى الباب كانوا مخطين فى اجتهادهم و للمجتهد المصيب ثوابان و للمخطى ثواب واحد و لما لم يكن لاصحاب البصيرة و الايقان و ارباب الخبرة و العرفان و هن ما تمسكوا به مخفيا بل يعلمون ان مقاتلتهم كان من غاية المكابرة و العناد و فرط المخاصمة و اللداد فالاعراض عن ما ذكره الغزالى فى الاحياء و الميبدى فى مقدمة شرح ديوان المولى عليه السلام و امثالهما ممن يسلك طريقة عمياء و يرى بعين حولاء أجدر و أولى و لنعد إلى القصة:

و قال المسعودى فى مروج الذهب: و لما صرع عمار تقدم سعيد بن قيس الهمدانى فى همدان و تقدم سعد بن عبادة الانصارى فى الانصار و ربيعة و عدى ابن حاتم فى طى و سعيد بن قيس الهمدانى فى أول الناس فخلطوا الجمع بالجمع و اشتد القتال و حطمت همدان أهل الشام حتى قذفتهم إلى معاوية و قد كان معاوية صمد فيمن كان معه لسعيد بن قيس و من معه من همدان و أمر على عليه السلام الاشتران يتقدم باللواء إلى أهل حمص و غيرهم من أهل قنسرين فاكثر القتل فى أهل حمص و قنسرين بمن معه من القراء و أتى المر قال يومئذ بمن معه فلا يقوم له شي‏ء و جعل يرقل كما يرقل الفحل فى قيده و على وراءه يقول يا اعور لا تكن جبانا تقدم و المرقال يقول:

قد أكثر القوم و ما أقلا اعور يبغى أهله محلا
قد عالج الحياة حتى ملا لا بد ان يفل أو يفلا
اسلهم بذى الكعوب سلا

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=