54 و من كلام له ع- و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين
أَمَّا قَوْلُكُمْ أَ كُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ- فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي- دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ- وَ أَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ- فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً- إِلَّا وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي- وَ تَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي- فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا- وَ إِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا من رواه أ كل ذلك بالنصب- فمفعول فعل مقدر أي تفعل كل ذلك- و كراهية منصوب لأنه مفعول له- و من رواه أ كل ذلك بالرفع- أجاز في كراهية الرفع و النصب- أما الرفع فإنه يجعل كل مبتدأ و كراهية خبره- و أما النصب فيجعلها مفعولا له- كما قلنا في الرواية الأولى- و يجعل خبر المبتدأ محذوفا- و تقديره أ كل هذا مفعول- أو تفعله كراهية للموت- ثم أقسم إنه لا يبالي أ تعرض هو للموت حتى يموت- أم جاءه الموت ابتداء من غير أن يتعرض له- . و عشا إلى النار يعشو- استدل عليها ببصر ضعيف- قال
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
تجد خير نار عندها خير موقد
و هذا الكلام استعارة شبه من عساه- يلحق به من أهل الشام بمن يعشو ليلا إلى النار- و ذلك لأن بصائر أهل الشام ضعيفة- فهم من الاهتداء بهداه ع- كمن يعشو ببصر ضعيف إلى النار في الليل- قال ذاك أحب إلي من أن أقتلهم على ضلالهم- و إن كنت لو قتلتهم على هذه الحالة لباءوا بآثامهم- أي رجعوا قال سبحانه- إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ أي ترجع
من أخبار يوم صفين
لما ملك أمير المؤمنين ع الماء بصفين- ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه و المساهمة- رجاء أن يعطفوا إليه و استمالة لقلوبهم- و إظهارا للمعدلة و حسن السيرة فيهم- مكث أياما لا يرسل إلى معاوية- و لا يأتيه من عند معاوية أحد- و استبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال- و قالوا يا أمير المؤمنين- خلفنا ذرارينا و نساءنا بالكوفة- و جئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا- ائذن لنا في القتال فإن الناس قد قالوا- قال لهم ع ما قالوا- فقال منهم قائل إن الناس يظنون- أنك تكره الحرب كراهية للموت- و إن من الناس من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام-
فقال ع و متى كنت كارها للحرب قط- إن من العجب حبي لها غلاما و يفعا- و كراهيتي لها شيخا بعد نفاد العمر و قرب الوقت- و أما شكي في القوم فلو شككت فيهم- لشككت في أهل البصرة- و الله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا و بطنا- فما وجدت يسعني إلا القتال أو أن أعصي الله و رسوله- و لكني أستأني بالقوم- عسى أن يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة- فإنرسول الله ص قال لي يوم خيبر- لأن يهدي الله بك رجلا واحدا- خير لك مما طلعت عليه الشمس-.
قال نصر بن مزاحم حدثنا محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال فبعث علي ع إلى معاوية بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري- و سعيد بن قيس الهمداني- و شبث بن الربعي التميمي فقال- ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عز و جل- و إلى الطاعة و الجماعة و إلى اتباع أمر الله سبحانه- فقال له شبث يا أمير المؤمنين- أ لا تطمعه في سلطان توليه إياه- و منزلة يكون له بها أثره عندك إن هو بايعك- فقال ائتوه الآن و القوه و احتجوا عليه- و انظروا ما رأيه في هذا- . فأتوه فدخلوا عليه- فحمد أبو عمرو بن محصن الله و أثنى عليه و قال- أما بعد يا معاوية فإن الدنيا عنك زائلة- و إنك راجع إلى الآخرة- و إن الله مجازيك بعملك و محاسبك بما قدمت يداك- و إنني أنشدك الله ألا تفرق جماعة هذه الأمة- و ألا تسفك دماءها بينها- فقطع معاوية عليه الكلام و قال فهلا أوصيت صاحبك- فقال سبحان الله إن صاحبي لا يوصى إن صاحبي ليس مثلك- صاحبي أحق الناس بهذا الأمر في الفضل و الدين- و السابقة في الإسلام و القرابة من الرسول- قال معاوية فتقول ما ذا- قال أدعوك إلى تقوى ربك- و إجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق- فإنه أسلم لك في دينك و خير لك في عاقبة أمرك- قال و يطل دم عثمان لا و الرحمن لا أفعل ذلك أبدا- .
فذهب سعيد بن قيس يتكلم- فبدره شبث بن الربعي فحمد الله و أثنى عليه- ثم قال يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن- إنه لا يخفى علينا ما تقر و ما تطلب- إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس- و لا شيئا تستميل به أهواءهم- و تستخلص به طاعتهم إلا أن قلت لهم- قتل إمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه- فاستجاب لك سفهاء طغام رذال- و قد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر- و أحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب- و رب مبتغ أمرا و طالب له يحول الله دونه- و ربما أوتي المتمني أمنيته و ربما لم يؤتها- و و الله ما لك في واحدة منهما خير- و الله لئن أخطأك ما ترجو أنك لشر العرب حالا- و لئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار- فاتق الله يا معاوية و دع ما أنت عليه- و لا تنازع الأمر أهله- .
فحمد معاوية الله و أثنى عليه و قال- أما بعد فإن أول ما عرفت به سفهك و خفة حلمك- قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه- ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به- و لقد كذبت و لؤمت أيها الأعرابي الجلف- الجافي في كل ما وصفت و ذكرت- انصرفوا من عندي فإنه ليس بيني و بينكم إلا السيف- . و غضب فخرج القوم و شبث يقول- أ علينا تهول بالسيف أما و الله لنجعلنه إليك- فأتوا عليا ع فأخبروه بالذي كان من قوله- و ذلك في شهر ربيع الآخر- . قال نصر و خرج قراء أهل العراق- و قراء أهل الشام فعسكروا ناحية صفين ثلاثين ألفا- .
قال و عسكر علي ع على الماء- و عسكر معاوية فوقه على الماء أيضا- و مشت القراء فيما بين علي ع و معاوية- منهم عبيدة السلماني- و علقمة بن قيس النخعي- و عبد الله بن عتبة- و عامر بن عبد القيس و قد كان في بعض تلك السواحل- فانصرف إلى عسكر علي ع فدخلوا على معاوية فقالوا- يا معاوية ما الذي تطلب قال أطلب بدم عثمان- قالوا ممن تطلب بدم عثمان قال أطلبه من علي- قالوا و علي قتله قال نعم هو قتله و آوى قتلته- فانصرفوا من عنده فدخلوا على علي ع- فقالوا إن معاوية يزعم أنك قتلت عثمان- قال اللهم لكذب فيما قال لم أقتله- . فرجعوا إلى معاوية فأخبروه- فقال لهم إنه إن لم يكن قتله بيده فقد أمر و مالأ- فرجعوا إلى علي فقالوا إن معاوية يزعم- أنك إن لم تكن قلت بيدك- فقد أمرت و مالأت على قتل عثمان- فقال اللهم لكذب فيما قال- فرجعوا إلى معاوية فقالوا إن عليا يزعم أنه لم يفعل- فقال معاوية إن كان صادقا فليقدنا من قتلة عثمان- فإنهم في عسكره و جنده و أصحابه و عضده- فرجعوا إلى علي ع- فقالوا إن معاوية يقول لك- إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو مكنا منهم- فقال لهم إن القوم تأولوا عليه القرآن- و وقعت الفرقة فقتلوه في سلطانه- و ليس على ضربهم قود فخصم علي معاوية- .
قلت على ضربهم هاهنا على مثلهم- يقال زيد ضرب عمرو و من ضربه- أي مثله و من صنفه- و لا أدري لم عدل ع عن الحجة بما هو أوضح من هذا الكلام- و هو أن يقول إن الذين باشروا قتله بأيديهم كانوا اثنين- و هما قتيرة بن وهب و سودان بن حمران- و كلاهما قتل يوم الدار قتلهما عبيد عثمان- و الباقون الذين هم جندي و عضدي كما تزعمون- لم يقتلوا بأيديهم و إنما أغروا به- و حصروه و أجلبوا عليه و هجموا على داره- كمحمد بن أبي بكر و الأشتر و عمرو بن الحمق و غيرهم- و ليس على مثل هؤلاء قود- . قال نصر فقال لهم معاوية إن كان الأمر كما تزعمون- فلم ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا- و لا ممن هاهنا معنا- فقال علي ع إن الناس تبع المهاجرين و الأنصار- و هم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهم و أمراء دينهم- فرضوا بي و بايعوني- و لست أستحل أن أدع ضرب معاوية يحكم بيده على الأمة- و يركبهم و يشق عصاهم- . فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك-
فقال ليس كما يقول- فما بال من هاهنا من المهاجرين و الأنصار- لم يدخلوا في هذا الأمر و يؤامروا فيه- . فانصرفوا إلى علي ع فأخبروه بقوله فقال ويحكم- هذا للبدريين دون الصحابة- ليس في الأرض بدري إلا و قد بايعني و هو معي- أو قد قام و رضي فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم و دينكم- . قال نصر فتراسلوا بذلك ثلاثة أشهر- ربيع الآخر و جماديين- و هم مع ذلك يفزعون الفزعة فيما بينهما- فيزحف بعضهم إلى بعض و تحجز القراء بينهم- . قال فزعوا في ثلاثة أشهر خمسا و ثمانين فزعة- كل فزعة يزحف بعضهم إلى بعض- و تحجز القراء بينهم لا يكون بينهم قتال- .
قال نصر و خرج أبو أمامة الباهلي و أبو الدرداء- فدخلا على معاوية و كانا معه فقالا يا معاوية علام تقاتل هذا الرجل- فو الله لهو أقدم منك إسلاما و أحق بهذاالأمر- و أقرب من رسول الله ص فعلام تقاتله- فقال أقاتله على دم عثمان و إنه آوى قتلته- فقولوا له فليقدنا من قتلته- و أنا أول من بايعه من أهل الشام- . فانطلقوا إلى علي ع فأخبروه بقول معاوية- فقال إنما يطلب الذين ترون- فخرج عشرون ألفا أو أكثر متسربلين الحديد- لا يرى منهم إلا الحدق فقالوا كلنا قتله- فإن شاءوا فليروموا ذلك منا- فرجع أبو أمامة و أبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال- . قال نصر حتى إذا كان رجب- و خشي معاوية أن يتابع القراء عليا ع أخذ في المكر- و أخذ يحتال للقراء لكيما يحجموا و يكفوا حتى ينظروا- . قال فكتب في سهم من عبد الله الناصح- إني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات- فيغرقكم فخذوا حذركم- ثم رمى بالسهم في عسكر علي ع- فوقع السهم في يد رجل فقرأه ثم أقرأه صاحبه- فلما قرأه و قرأته الناس و أقرأه من أقبل و أدبر- قالوا هذا أخ لنا ناصح- كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية- فلم يزل السهم يقرأ و يرتفع حتى رفع إلى علي ع- و قد بعث معاوية مائتي رجل من العملة إلى عاقول من النهر- بأيديهم المرور و الزبل يحفرون فيها بحيال عسكر علي ع- فقال علي ع ويحكم إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له و لا يقوى عليه- إنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فانتهوا عن ذلك- فقالوا له لا ندعهم و الله يحفرون- فقال علي ع لا تكونوا ضعفى ويحكم لا تغلبوني على رأيي- فقالوا و الله لنرتحلن فإن شئت فارتحل و إن شئت فأقم- فارتحلوا و صعدوا بعسكرهم مليا- و ارتحل علي ع في أخريات الناس- و هو يقول
فلو أني أطعت عصمت قومي
إلى ركن اليمامة أو شمام
و لكني متى أبرمت أمرا
منيت بخلف آراء الطغام
قال و ارتحل معاوية حتى نزل معسكر علي ع الذي كان فيه- فدعا علي ع الأشتر- فقال أ لم تغلبني على رأيي أنت و الأشعث فدونكما- فقال الأشعث أنا أكفيك يا أمير المؤمنين- سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك- فجمع كندة فقال لهم يا معشر كندة- لا تفضحوني اليوم و لا تخزوني- فإني إنما أقارع بكم أهل الشام- فخرجوا معه رجاله يمشون- و بيده رمح له يلقيه على الأرض- و يقول امشوا قيد رمحي هذا فيمشون- فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه و يمشون معه رجاله- حتى لقي معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء- و قد جاءه أداني عسكره- فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة- و انتهى أوائل أهل العراق فنزلوا- و أقبل الأشتر في خيل من أهل العراق- فحمل على معاوية و الأشعث يحارب في ناحية أخرى- فانحاز معاوية في بني سليم- فرد وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ- ثم نزل و وضع أهل الشام أثقالهم- و الأشعث يهدر و يقول أرضيتك يا أمير المؤمنين- ثم تمثل بقول طرفة بن العبد-
ففداء لبني سعد على
ما أصاب الناس من خير و شر
ما أقلت قدماي إنهم
نعم الساعون في الحي الشطر
و لقد كنت عليكم عاتبا
فعقبتم بذنوب غير مر
كنت فيكم كالمغطى رأسه
فانجلى اليوم قناعي و خمر
سادرا أحسب غيي رشدا
فتناهيت و قد صابت بقر
و قال الأشتر- يا أمير المؤمنين قد غلب الله لك على الماء- فقال علي ع أنتما كما قال الشاعر-
تلاقين قيسا و أشياعه
فيوقد للحرب نارا فنارا
أخو الحرب إن لقحت بازلا
سما للعلا و أجل الخطارا
قال نصر فكان كل واحد من علي و معاوية- يخرج الرجل الشريف في جماعة فيقاتل مثله- و كانوا يكرهون- أن يتزاحفوا بجميع الفيلق مخافة الاستئصال و الهلاك- فاقتتل الناس ذا الحجة كله- فلما انقضى تداعوا إلى أن يكف بعضهم عن بعض- إلى أن ينقضي المحرم- لعل الله أن يجري صلحا أو إجماعا- فكف الناس في المحرم بعضهم عن بعض- .
قال نصر حدثنا عمر بن سعد- عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة قال- لما توادعوا في المحرم- اختلفت الرسل فيما بين الرجلين رجاء الصلح- فأرسل علي ع إلى معاوية عدي بن حاتم الطائي- و شبث بن ربعي التميمي و يزيد بن قيس و زياد بن خصفة- فلما دخلوا عليه- حمد الله تعالى عدي بن حاتم الطائي و أثنى عليه ثم قال- أما بعد فإنا أتيناك لندعوك إلى أمر- يجمع الله فيه كلمتنا و أمتنا و يحقن به دماءالمسلمين- ندعوك إلى أفضل الناس سابقة- و أحسنهم في الإسلام آثارا و قد اجتمع إليه الناس- و قد أرشدهم الله بالذي رأوا و أتوا- فلم يبق أحد غيرك و غير من معك- فانته يا معاوية- من قبل أن يصيبك الله و أصحابك بمثل يوم الجمل- .
فقال له معاوية كأنك إنما جئت مهددا و لم تأت مصلحا- هيهات يا عدي إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان- أما و الله إنك من المجلبين على عثمان- و إنك لمن قتلته و إني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله- . فقال له شبث بن ربعي و زياد بن خصفة- و تنازعا كلاما واحدا أتيناك فيما يصلحنا و إياك- فأقبلت تضرب لنا الأمثال- دع ما لا ينفع من القول و الفعل- و أجبنا فيما يعمنا و إياك نفعه- .
و تكلم يزيد بن قيس الأرحبي- فقال إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك- و لنؤدي عنك ما سمعنا منك و لم ندع أن ننصح لك- و أن نذكر ما ظننا أن لنا عليك به حجة- أو أنه راجع بك إلى الألفة و الجماعة- إن صاحبنا من قد عرفت و عرف المسلمون فضله- و لا أظنه يخفى عليك- إن أهل الدين و الفضل لا يعدلونك بعلي- و لا يميلون بينك و بينه- فاتق الله يا معاوية و لا تخالف عليا- فإنا و الله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى- و لا أزهد في الدنيا و لا أجمع لخصال الخير كلها منه- . فحمد الله معاوية و أثنى عليه- و قال أما بعد فإنكم دعوتم إلى الجماعة و الطاعة- فأما الجماعة التي دعوتم إليها فنعما هي- و أما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها- إن صاحبكم قتل خليفتنا- و فرق جماعتنا و آوى ثأرنا و قتلتنا- و صاحبكم يزعم أنه لم يقتله- فنحن لا نرد ذلك عليه أ رأيتم قتلة صاحبنا- أ لستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم- فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به- و نحن نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة- .
فقال له شبث بن ربعي أ يسرك بالله يا معاوية- إن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته- قال و ما يمنعني من ذلك- و الله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان- و لكني كنت أقتله بنائل مولى عثمان- . فقال شبث و إله السماء ما عدلت معدلا- و لا و الذي لا إله إلا هو- لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال- و تضيق الأرض الفضاء عليك برحبها- . فقال معاوية إنه إذا كان ذلك كانت عليك أضيق- . ثم رجع القوم عن معاوية- فبعث إلى زياد بن خصفة من بينهم فأدخل عليه- فحمد معاوية الله و أثنى عليه- ثم قال أما بعد يا أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا- و قتل إمامنا و آوى قتلة صاحبنا- و إني أسألك النصرة بأسرتك و عشيرتك- و لك علي عهد الله و ميثاقه إذا ظهرت- أن أوليك أي المصرين أحببت- .
قال أبو المجاهد- فسمعت زياد بن خصفة يحدث بهذا الحديث- . قال فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله و أثنيت عليه- ثم قلت أما بعد فإني لعلى بينة من ربي و بما أنعم علي- فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم قمت- . فقال معاوية لعمرو بن العاص و كان إلى جانبه- ما لهم عضبهم الله ما قلبهم إلا قلب رجل واحد- . قال نصر و حدثنا سليمان بن أبي راشد- عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود-
قال بعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري- إلى علي بن أبي طالب ع- و بعث معه شرحبيل بن السمط- و معن بن يزيد بن الأخنس السلمي- فدخلوا على علي ع فتكلم حبيب بن مسلمة- فحمد الله و أثنى عليه- و قال أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا- يعمل بكتاب الله و يثيب إلى أمر الله- فاستسقلتم حياته و استبطأتم وفاته- فعدوتم عليه فقتلتموه- فادفع إلينا قتلة عثمان نقتلهم به- فإن قلت إنك لم تقتله فاعتزل أمر الناس- فيكون أمرهم هذا شورى بينهم- يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم- . فقال له علي و ما أنت لا أم لك و الولاية- و العزل و الدخول في هذا الأمر- اسكت فإنك لست هناك و لا بأهل لذاك- فقام حبيب بن مسلمة و قال أما و الله لتريني حيث تكره- فقال له ع و ما أنت و لو أجلبت بخيلك و رجلك- اذهب فصوب و صعد ما بدا لك- فلا أبقى الله عليك إن أبقيت- .
فقال شرحبيل بن السمط- إن كلمتك فلعمري ما كلامي لك إلا نحو كلام صاحبي- فهل لي عندك جواب غير الجواب الذي أجبته به- فقال نعم قال فقله-فحمد الله علي ع و أثنى عليه- ثم قال أما بعد- فإن الله سبحانه بعث محمدا ص فأنقذ به من الضلالة- و نعش به من الهلكة و جمع به بعد الفرقة- ثم قبضه الله إليه و قد أدى ما عليه- فاستخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر- فأحسنا السيرة و عدلا في الأمة- و وجدناعليهما أن توليا الأمر دوننا- و نحن آل الرسول و أحق بالأمر فغفرنا ذلك لهما- ثم ولي أمر الناس عثمان- فعمل بأشياء عابها الناس عليه- فسار إليه ناس فقتلوه- ثم أتاني الناس و أنا معتزل أمرهم- فقالوا لي بايع فأبيت عليهم- فقالوا لي بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك- و إنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس- فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعا- و خلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين- و لا سلف صدق في الإسلام طليق ابن طليق و حزب من الأحزاب- لم يزل لله و لرسوله و للمسلمين عدوا هو و أبوه- حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين- فيا عجبا لكم و لإجلابكم معه و انقيادكم له- و تدعون آل بيت نبيكم- الذين لا ينبغي لكم شقاقهم و لا خلافهم- و لا تعدلوا بهم أحدا من الناس- إني أدعوكم إلى كتاب ربكم و سنة نبيكم- و إماتة الباطل و إحياء معالم الدين أقول قولي هذا- و أستغفر الله لنا و لكل مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة.
فقال له شرحبيل و معن بن يزيد- أ تشهد أن عثمان قتل مظلوما- فقال لهما إني لا أقول ذلك- قالا فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن برآء منه- ثم قاما فانصرفا- .
فقال علي ع إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى- وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ- وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ- إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ- ثم أقبل على أصحابه- فقال لا يكن هؤلاء في ضلالتهم بأولى- بالجد منكم في حقكم و طاعة إمامكم- ثم مكث الناس متوادعين إلى انسلاخ المحرم- فلما انسلخ المحرم- و استقبل الناس صفرا من سنة سبع و ثلاثين- بعث علي ع نفرا من أصحابه- حتى إذا كانوامن معسكر معاوية بحيث يسمعونهم الصوت- قام مرثد بن الحارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس- يا أهل الشام إن أمير المؤمنين عليا- و أصحاب رسول الله ص يقولون لكم- إنا لم نكف عنكم شكا في أمركم و لا إبقاء عليكم- و إنما كففنا عنكم لخروج المحرم و قد انسلخ- و إنا قد نبذنا إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين- .
قال فتحاجز الناس و ثاروا إلى أمرائهم- . قال نصر فأما رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير- أن نداء مرثد بن الحارث الجشمي كانت صورته- يا أهل الشام ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم- إني قد استدمتكم و استأنيت بكم- لتراجعوا الحق و تثوبوا إليه- و احتججت عليكم بكتاب الله و دعوتكم إليه- فلم تتناهوا عن طغيان و لم تجيبوا إلى حق- و إني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين- . قال فثار الناس إلى أمرائهم و رؤسائهم- . قال نصر و خرج معاوية و عمرو بن العاص- يكتبان الكتائب و يعبيان العساكر- و أوقدوا النيران و جاءوا بالشموع- و بات علي ع تلك الليلة كلها- يعبئ الناس و يكتب الكتائب- و يدور في الناس و يحرضهم- .
قال نصر حدثنا عمر بن سعد بإسناده عن عبد الله بن جندب عن أبيه أن عليا ع كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه- فيقول لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم- فهي حجة أخرى لكم عليهم- فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا- و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا بقتيل- فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا- و لا تدخلوا دارا إلا بإذن- و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم- و لا تهيجوا امرأة و إن شتمن أعراضكم- و تناولن أمراءكم و صلحاءكم- فإنهن ضعاف القوى و الأنفس و العقول- و لقد كنا و إنا لنؤمر بالكف عنهن و هن مشركات- و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية- بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده.
قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن إسماعيل بن يزيد يعني ابن أبي خالد عن أبي صادق أن عليا ع حرض الناس في حروبه- فقال عباد الله اتقوا الله و غضوا أبصاركم- و اخفضوا الأصوات و أقلوا الكلام- و وطنوا أنفسكم على المنازلة- و المجاولة و المبارزة و المعانقة- و فَاثْبُتُوا وَ اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ- وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ- وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ- اللهم ألهمهم الصبر- و أنزل عليهم النصر و أعظم لهم الأجر- .
قال نصر و كان ترتيب عسكر علي ع- بموجب ما رواه لنا عمرو بن شمر عن جابر- عن محمد بن علي و زيد بن حسن و محمد بن عبد المطلب- أنه جعل على الخيل عمار بن ياسر- و على الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي- و دفع اللواءإلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري- و جعل على الميمنة الأشعث بن قيس- و على الميسرة عبد الله بن العباس- و جعل على رجالة الميمنة سليمان بن صرد الخزاعي- و على رجالة الميسرة الحارث بن مرة العبدي- و جعل القلب مضر الكوفة و البصرة- و جعل على ميمنة القلب اليمن و على ميسرته ربيعة- و عقد ألوية القبائل فأعطاها قوما منهم بأعيانهم- و جعلهم رؤساءهم و أمراءهم- و جعل على قريش و أسد و كنانة عبد الله بن عباس- و على كندة حجر بن عدي الكندي- و على بكر البصرة الحصين بن المنذر الرقاشي- و على تميم البصرة الأحنف بن قيس- و على خزاعة عمرو بن الحمق- و على بكر الكوفة نعيم بن هبيرة- و على سعد البصرة و ربابها جارية بن قدامة السعدي- و على بجيلة رفاعة بن شداد- و على ذهل الكوفة رويما الشيباني أو يزيد بن رويم- و على عمرو البصرة و حنظلتها أعين بن ضبيعة- و على قضاعة و طيئ عدي بن حاتم الطائي- و على لهازم الكوفة عبد الله بن حجل العجلي- و على تميم الكوفة عمير بن عطارد- و على الأزد و اليمن جندب بن زهير- و على ذهل البصرة خالد بن المعمر السدوسي- و على عمرو الكوفة و حنظلتها شبث بن ربعي- و على همدان سعيد بن قيس- و على لهازم البصرة حريث بن جابر الجعفي- و على سعد الكوفة و ربابها الطفيل أبا صريمة- و على مذحج الأشتر بن الحارث النخعي- و على عبد القيس الكوفة صعصعة بن صوحان- و على عبد القيس البصرة عمرو بن حنظلة- و على قيس الكوفة عبد الله بن الطفيل البكائي- و على قريش البصرة الحارث بن نوفل الهاشمي- و على قيس البصرة قبيصة بن شداد الهلالي- و على اللفيف من القواصي القاسم بن حنظلة الجهني- .
و أما معاوية- فاستعمل على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب- و على الرجالة مسلم بن عقبة المري- و جعل على الميمنة عبد الله بن عمرو بن العاص- و على الميسرة حبيب بن مسلمة الفهري- و أعطى اللواء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد- و جعل على أهل دمشق و هم القلب الضحاك بن قيس الفهري- و على أهل حمص و هم الميمنة ذا الكلاع الحميري- و على أهل قنسرين- و هم في الميمنة أيضا زفر بن الحارث الكلابي- و على أهل الأردن و هم الميسرة سفيان بن عمرو أبا الأعور السلمي- و على أهل فلسطين و هم في الميسرة أيضا مسلمة بن مخلد- و على رجالة أهل دمشق- بسر بن أبي أرطاة العامري بن لؤي بن غالب- و على رجالة أهل حمص حوشبا ذا ظليم- و على رجالة قيس طريف بن حابس الألهاني- و على رجالة الأردن عبد الرحمن بن قيس القيني- و على رجالة أهل فلسطين الحارث بن خالد الأزدي- و على رجالة قيس دمشق همام بن قبيصة- و على قضاعة حمص و إيادها بلال بن أبي هبيرة الأزدي- و حاتم بن المعتمر الباهلي- و على رجالة الميمنة حابس بن سعيد الطائي- و على قضاعة دمشق حسان بن بحدل الكلبي- و على قضاعة عباد بن يزيد الكلبي- و على كندة دمشق حسان بن حوي السكسكي- و على كندة حمص يزيد بن هبيرة السكوني- و على سائر اليمن يزيد بن أسد البجلي- و على حمير و حضرموت اليمان بن غفير- و على قضاعة الأردن حبيش بن دلجة القيني- و على كنانة فلسطين شريكا الكناني- و على مذحج الأردن المخارق بن الحارث الزبيدي- و على جذام فلسطين و لخمها ناتل بن قيس الجذامي- و على همدان الأردن حمزة بن مالك الهمداني- و على الخثعم حمل بن عبد الله الخثعمي- و على غسان الأردن يزيد بن الحارث- و على جميع القواصي القعقاع بن أبرهة الكلاعي- أصيب في المبارزة أول يوم تراءت فيه الفئتان- .
قال نصر فأما رواية الشعبي التي- رواها عنه إسماعيل بن أبي عميرة- فإن علياع بعث على ميمنته- عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي- و على ميسرته عبد الله بن العباس- و على خيل الكوفة الأشتر- و على البصرة سهل بن حنيف- و على رجالة الكوفة عمار بن ياسر- و على رجالة أهل البصرة قيس بن سعد- كان قد أقبل من مصر إلى صفين و جعل معه هاشم بن عتبة- و جعل مسعود بن فدكي التميمي على قراء أهل البصرة- و أما قراء أهل الكوفة- فصاروا إلى عبد الله بن بديل و عمار بن ياسر- .
قال نصر و أما ترتيب عسكر الشام- فيما رواه لنا عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر- عن القاسم مولى يزيد بن معاوية- فإن معاوية بعث على ميمنته ذا الكلاع- و على ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري- و على مقدمته من يوم أقبل من دمشق أبا الأعور السلمي- و كان على خيل دمشق كلها عمرو بن العاص- و معه خيول أهل الشام بأسرها- و جعل مسلم بن عقبة المري على رجالة دمشق- و الضحاك بن قيس على سائر الرجالة بعد- .
قال نصر و تبايع رجال من أهل الشام على الموت- و تحالفوا عليه و عقلوا أنفسهم بالعمائم- و كانوا صفوفا خمسة معقلين- كانوا يخرجون فيصطفون أحد عشر صفا- و يخرج أهل العراق فيصطفون أحد عشر صفا أيضا- . قال نصر فخرجوا أول يوم من صفر من سنة سبع و ثلاثين- و هو يوم الأربعاء فاقتتلوا- و على من خرج يومئذ من أهل الكوفة الأشتر- و على أهل الشام حبيب بن مسلمة-فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار- ثم تراجعوا و قد انتصف بعضهم من بعض- ثم خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل- و رجال حسن عددها و عدتها- فخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي- فاقتتلوا يومهم ذلك- تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال- .
ثم انصرفوا و قد صبر القوم بعضهم لبعض- و خرج في اليوم الثالث عمار بن ياسر- و خرج إليه عمرو بن العاص- فاقتتل الناس كأشد قتال كان- و جعل عمار يقول يا أهل الشام- أ تريدون أن تنظروا إلى من عادى الله و رسوله و جاهدهما- و بغى على المسلمين و ظاهر المشركين- فلما أراد الله أن يظهر دينه- و ينصر رسوله أتى إلى النبي ص فأسلم- و هو و الله فيما يرى راهب غير راغب- ثم قبض الله رسوله- و إنا و الله لنعرفه بعداوة المسلم و مودة المجرم- ألا و إنه معاوية فقاتلوه و العنوه- فإنه ممن يطفئ نور الله و يظاهر أعداء الله- .
قال و كان مع عمار زياد بن النضر على الخيل- فأمره أن يحمل في الخيل فحمل فصبروا له- و شد عمار في الرجالة- فأزال عمرو بن العاص عن موقفه- و بارز يومئذ زياد بن النضر أخا له من بني عامر- يعرف بمعاوية بن عمرو العقيلي و أمهما هند الزبيدية- فانصرف كل واحد منهما عن صاحبه بعد المبارزة سالما- و رجع الناس يومهم ذلك- .
قال نصر و حدثني أبو عبد الرحمن المسعودي قال حدثني يونس بن الأرقم عمن حدثه من شيوخ بكر بن وائل قال كنا مع علي ع بصفين- فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح- فقال ناس هذا لواء عقده له رسول الله ص- فلم يزالوا يتحدثون حتى وصل ذلك إلى علي ع- فقال أ تدرون ما أمر هذا اللواء- إن عدو الله عمرا أخرج له رسول الله ص هذه الشقة- فقال من يأخذها بما فيها- فقال عمرو و ما فيها يا رسول الله قال- فيها ألا تقاتل بها مسلما و لا تقربها من كافر فأخذها- فقد و الله قربها من المشركين- و قاتل بها اليوم المسلمين- و الذي فلق الحبة و برأ النسمة- ما أسلموا و لكنهم استسلموا و أسروا الكفر- فلما وجدوا عليه أعوانا أظهروه.
و روى نصر عن أبي عبد الرحمن المسعودي عن يونس بن الأرقم عن عوف بن عبد الله عن عمرو بن هند البجلي عن أبيه قال لما نظر علي ع إلى رايات معاوية و أهل الشام قال- و الذي فلق الحبة و برأ النسمة- ما أسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر- فلما وجدوا عليه أعوانا رجعوا إلى عداوتهم لنا- إلا أنهم لم يتركوا الصلاة.
و روى نصر عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت- قال لما كان قتال صفين قال رجل لعمار يا أبا اليقظان- أ لم يقل رسول الله ص قاتلوا الناس حتى يسلموا- فإذا أسلموا عصموا مني دماءهم و أموالهم- قال بلى و لكن و الله ما أسلموا و لكن استسلموا- و أسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا- .
و روى نصر عن عبد العزيز عن حبيب بن أبي ثابت- عن منذر الثوري قال قال محمد بن الحنفية- لما أتاهم رسول الله ص من أعلى الوادي و من أسفله-و ملأ الأودية كتائب يعني يوم فتح مكة- استسلموا حتى وجدوا أعوانا- .
و روى نصر عن الحكم بن ظهير عن إسماعيل عن الحسن قال و حدثنا الحكم أيضا عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ص إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري- فاضربوا عنقه- فقال الحسن فو الله ما فعلوا و لا أفلحوا
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 4