نهج البلاغه کلمات قصار حکمت شماره 2-3-4-5-6 (شرح میر حبیب الله خوئی)

حکمت 2-3-4-5-6 صبحی صالح

2-وَ قَالَ ( عليه‏السلام  )أَزْرَى بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ

وَ رَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ

وَ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ

3-وَ قَالَ ( عليه‏السلام  )الْبُخْلُ عَارٌ

وَ الْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ

وَ الْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ

وَ الْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ

4-وَ قَالَ ( عليه‏السلام  )الْعَجْزُ آفَةٌ

وَ الصَّبْرُ شَجَاعَةٌ

وَ الزُّهْدُ ثَرْوَةٌ

وَ الْوَرَعُ جُنَّةٌ

وَ نِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى

5-وَ قَالَ ( عليه‏السلام  )الْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ

وَ الْآدَابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ

وَ الْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ

6-وَ قَالَ ( عليه‏السلام  )صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ

وَ الْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ

وَ الِاحْتِمَالُ قَبْرُ الْعُيُوبِ‏

وَ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضاً

الْمَسْأَلَةُ خِبَاءُ الْعُيُوبِ

وَ مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْهِ

شرح میر حبیب الله خوئی ج21

الى السادسة من حكمه و آدابه و هى فى مكارم الاخلاق

(2) و قال عليه السّلام: أزرى بنفسه من استشعر الطّمع، و رضى بالذّلّ من كشف ضرّه (عن ضرّه-  خ)، و هانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه.

(3) و قال عليه السّلام: البخل عار، و الجبن منقصة، و الفقر يخرس الفطن عن حجّته، و المقلّ غريب في بلدته، و العجز آفة، و الصّبر شجاعة، و الزّهد ثروة، و الورع جنّة.

(4) و قال عليه السّلام: نعم القرين الرّضا، و العلم وراثة كريمة و الاداب حلل مجدّدة، و الفكر مرآة صافية.

(5) و قال عليه السّلام: صدر العاقل صندوق سرّه، و البشاشة حبالة المودّة، و الاحتمال قبر العيوب.

(و روى أنّه عليه السّلام قال في العبارة عن هذا المعنى أيضا:) المسالمة خباء العيوب.

(6) و قال عليه السّلام: من رضى عن نفسه كثر السّاخط عليه، و الصّدقة دواء منجح، و أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم.

اللغة

في الصحاح يقال (أزريت به) إذا قصرت به و أزريته أي حقّرته و (استشعر) فلان خوفا أي أضمره (طمع) فيه طمعا و طماعة و طماعية مخفّف فهو طمع (الضرّ) بالضمّ الهزال و سوء الحال و (الخرس) بالتحريك مصدر الأخرس و قد خرس و أخرسه اللَّه و (المقلّ) الفقير الّذي لا مال له (الحبالة) الّتي يصاد بها.

الاعراب

أزرى بنفسه، الباء للتعدية بتضمين أزرى معنى قصر كما فسّره في الصّحاح.

المعنى

(الطمع) توقّع ما لا يستحقّ أو ما ليس بحقّ، فقد يكون مباحا كطمع الجائزة من الأمراء و الهبة من الأغنياء، و قد يكون أمرا محرّما كالطمع فيما لا يحلّ له من مال أو جمال، و هو مذموم و ممنوع أخلاقا و هو من الصّفات العامّة قلّما يخلو عنه إنسان إلّا من ارتاض نفسه و أزال أصل هذه الصّفة الذميمة عن نفسه، فانه من لهبات الشهوة الكامنة في الطبائع الإنسانيّة.

و قد اشتهر أشعب أحد التابعين بهذه الصفة و نسب إليه مطامع عجيبة إلى حدّ السخف و السفه.

فمنها: أنّه اجتمع عليه الصّبيان يؤذونه فأراد تفريقهم و طردهم، فأشار إليهم إلى بيت أنه يقسم فيه الحلوى، فشرعوا يركضون نحوه، و ركض معهم فقيل له في ذلك فأجاب أنه ربّما يكون صادقا.

و منها: أنّه إذا مشى تحت السّماء يبسط طرف ردائه، فسئل عن ذلك فقال: عسى أن يبيض طائر في الهواء فيقع بيضته في طرفي.

فالطمع بما في أيدي النّاس يستلزم الخضوع لهم و يجرّ الهوان و سقوط المنزلة عندهم و عند اللَّه، و قد ورد في ذمّ الطمع أخبار و أحاديث كثيرة.

ورد في الشرح المعتزلي: «و في الحديث المرفوع أنّ الصفا الزلزال الّذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع» و قد اشتهر أنّه عزّ من قنع و ذلّ من طمع‏ و في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام: بئس العبد عبد له طمع يقوده، و بئس العبد عبد له رغبة تذلّه (كشف الضرّ) للنّاس شكوى من اللَّه إلى عباده و هو خلاف رسم العبودية و هتك ستر الرّبوبيّة، و قد ورد فيه ذمّ كثير.

سمع الأحنف رجلا يقول: لم أنم الليلة من وجع ضرسي، فجعل يكثر فقال: يا هذا لم تكثر فو اللَّه ذهبت عيني منذ ثلاث سنين فما شكوت ذلك إلى أحد و لا أعلمت بها أحدا، و هو مع ذلك يوجب تنفير النّاس و مذلّة عندهم.

و أمّا حفظ اللّسان و التسلّط عليه فممّا حثّ عليه في غير واحد من الأخبار و كان يقال: ربّ كلمة سفكت دما و أورثت ندما، و في الحديث أنّ لسان ابن آدم يشرف صبيحة كلّ يوم على أعضائه و يقول لهم: كيف أنتم فقالوا: بخير إن تركتنا و في شرح ابن ميثم:

احفظ لسانك أيّها الانسان
لا يلدغنّك إنّه ثعبان‏

كم في المقابر من قتيل لسانه‏
كانت تهاب لقاءه الأقران‏

(و البخل) حبس ما يقدر على إنفاقه من مال أو معاونة بيد و لسان، فقد يصل إلى حدّ منع أداء الحقوق الواجبة كمنع النفقة على الأهل و الأقرباء الواجبة النفقة، أو منع حق الزكاة للفقراء و سائر مصارفه، أو الخمس عن أربابه فيوجب العقاب و المؤاخذة، و قد يكون سببا لمنع ذوي الحقوق العامّة فيبلغ إلى حدّ الوبال و النكال، و في الحديث أنّه لا يؤمن باللّه و اليوم الاخر من بات شبعانا و جاره جائع، فلذا قال عليه السّلام: انّه (عار).

(و الجبن منقصة) لمضادّته مع الشجاعة الّتي هي ركن من أركان الإيمان و حلية لنفس الانسان، فالجبون لا يقوم بالدّفاع عن عرضه و دينه، و يخاف في كلّ موطن على نفسه.

(و أمّا الفقر) قد ورد فيه الأخبار و كلمات الأخيار بالمدح تارة و الذّمّ اخرى، فقد ورد في الكافي في باب الكفر و الايمان «ج 3 ص 452» من المطبوع مع الشرح و الترجمة الفارسية بطهران عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النّوفلي، عن‏ السّكوني، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: كاد الفقر أن يكون كفرا، و كاد الحسد أن يغلب القدر.

و قد وصف عليّ عليه السّلام الفقر في هذه العبارة بطبعه المؤثر في الفقير بالنظر إلى الاجتماع، فانّ النّاس عبيد الدينار و لا ينظرون إلى الفقير إلّا بعين الاحتقار و لا يتوجّهون إلى كلامه و حجته و إن كان حقّا و يؤثّر هذا الأمر في الفقير فلا نشاط له في إظهار حجّته عند المخاصمة حتّى كأنّه أخرس، و نعم ما قيل:

فصاحة سحبان و خطّ ابن مقلة
و حكمة لقمان و زهد ابن أدهم‏

لو اجتمعت في المرء و المرء مفلس‏
فليس له قدر بمقدار درهم‏

و قد بيّن عليه السّلام سوء أثر الفقر بأبلغ بيان في الفقرة التالية و هي قوله عليه السّلام: (و المقلّ غريب في بلدته) و إن يمكن التفريق بين الفقير و المقلّ حيث إنّ الفقير من أظهر حاجته للنّاس، و المقلّ ربّما يظهر الغناء و الاستغناء و لكنّ النّاس لا يفرّقون بينهما، فانّهم غالبا كالذباب يدورون حول الحلوى، فإذا كان الانسان مقلّا لا يقدر على جلبهم ببذل المال يعرضون عنه و لا يتقرّبون إليه و لا يسألون عن حاله و لا يتوجّهون إليه، و بهذا النّظر يصير غريبا و إن كان في بلدته و بين عشيرته، فانّ الغريب من لا يتوجّه إليه و لا يسأل عن حاله، و نعم ما قال:

لا تظن أنّ الغريب هو النائي
و لكن الغريب المقلّ‏

و تلحق الفقرة التالية و هو قوله عليه السّلام (و العجز آفة) بهاتين الفقرتين فانّ العجز في الانسان نوع من الفقر و الاقلال لأنّه عوز ما يحتاج إليه في العمل و إنفاد الامور الدّنيويّة أو الدّينية، فكما أنّ الفقر و عدم المال نوع من العجز حيث إنّ الفقير لا يقدر على إنفاد الأمر المحتاجة إلى بذل المال، فهو عاجز عن كثير من الأعمال أىّ عاجز، فكذا العاجز الجسمي مثل الأعمى و الزمنى و الأشل، و العاجز النّفساني كالسفيه و الكسلان لا يقدر على كثير من الأعمال، فهو كمن عراه مرض أو عاهة منعته عن العمل.

(الشجاعة) هي المقاومة تجاه العدوّ المهاجم و دفع هجومه بما تيسّر، أوالهجوم على العدوّ اللّدود لدفعه، و كلّما لا يلائم عدوّ كالبلاء و هجران الأصدقاء و مفارقة الأقرباء و ترك التمتّع بما اشتهاه الانسان (و الصبر) هو المقاومة تجاه عدوّ المكاره و البلايا، فحقيقة الشجاعة هو الصّبر، و هو من الصفات الممدوحة الّتي ورد في الحثّ عليها آيات الكتاب و مستفيض السنّة بغير حساب.

(و الثروة) المال و المتاع المصروفان في إنجاز الحوائج، و الزاهد هو الّذي ترك الحوائج العادية و رغب عنها و كرهها، فيتحصّل بالزهد للزاهد ما يحصّله غيره بصرف الثروة مضافا إلى أنّ الزاهد في راحة عن تحصيل الحاجة و عواقبها، فمن صرف الدّينار و الدرهم في تحصيل غذاء لذيذ تعب نفسه بتحصيله و تحمّل ألم ما يعقبه من البطنة و الكسل و الدّفع، و ربّما بعض الأمراض، و لكن الزاهد في راحة عن ذلك كلّه، فالزهد ثروة بلا تعب.

(و الورع) هو التحرّز عما يضرّ عاجلا أو آجلا فهو (جنّة) دون أيّ بلية و عاهة في الدّنيا، و دون أيّ عذاب و عقوبة في الاخرة.

(و الرّضا) هو حسن الاستقبال عمّا يعرض للانسان في كلّ حال من حيث لا يقدر على تغييره بتدبيره، فمن تلبّس بالرّضا تجاه ما قدر و قضى فقد قرن بما حسن حاله في كلّ حين، و جعل لنفسه من نفسه رفيقا يفيض السرور في قلبه.

(و العلم) فطري و هو موهبة إلهيّة الهم على قلب العالم بعناية اللَّه، أو اكتسابي اوحى إليه بعد تحصيل مقدّماته المفضية إليه، و التعبير عنه بأنّه (وراثة) تشير إلى أنّ العلم و هو النور الساطع من باطن العالم ينكشف به الأشياء المجهولة لديه، موهبة من اللَّه و إن تكلّف تحصيل مقدّماته في العلوم الاكتسابيّة، فهو كالرزق للأبدان بذله اللَّه لكلّ من يستحقّه مؤمنا كان أو غيره، إلّا ما كان من العلوم الإلهيّة و المعارف القدسيّة الّتي تختصّ بالمؤمن و من يرد اللَّه أن يهديه.

و الإرث ما يتحصّل للوارث بلا عوض، و بهذا الاعتبار عبّر عنه بالوراثة و ليس المقصود أنّ العلم ميراث من العلماء و الأساتذة، كما في الشرحين لابن ميثم و ابن أبي الحديد، فانّ العلم أعمّ، و المقصود أتمّ.

(و الاداب حلل مجدّدة) الأدب لفظة يشعر بالنظم و الترتيب، و منه مأدبة لسفرة الغذاء، لأنّه يراعى فيه النظم و الأدب رعاية القوانين المقرّرة في الشرع و تنظيم الوظائف الدّينيّة و رعاية القوانين المقرّرة في المعاشرة و المعاملة مع الناس فرعاية الأدب التحلّي بأعمال و أقوال تجاه الخالق أو الخلق.

و حيث إنّ الانسان دائما مسئول من فعله و قوله أمام الخالق و المخلوق و لا بدّ له من رعاية وظائفه حينا بعد حين فكأنه برعاية الاداب يجدّد حلية جماله المعنوي، و يلبس حللا و يبدلها باخرى، و هذا من أحسن التعبيرات و الاستعارات.

و قد ذكر صاحب الشرح في ذيل هذه الجملة قصّة لنا عليها نكتة و تعليق نذكرها بنصّها ثمّ نردفها بهذه النكتة و نعلّق عليها و هذا نصّها (في ص 96 ج 18 ط مصر-  عيسى البابي الحلبي). و أنشد منشد بحضرة الواثق هارون بن المعتصم:

أ ظلوم أنّ مصابكم رجلا
أهدى السلام تحيّة ظلم‏

فقال شخص: رجل هو خبر «انّ» و وافقه على ذلك قوم و خالفه آخرون فقال الواثق: من بقي من علماء النحويّين قالوا: أبو عثمان المازني بالبصرة فأمر باشخاصه إلى سرّ من رأى بعد ازاحة علّته، قال أبو عثمان: فاشخصت، فلمّا ادخلت عليه قال: ممّن الرّجل قلت: من مازن، قال: من مازن تميم، أم من مازن ربيعة، أم من مازن قيس، أم مازن اليمن قلت: من مازن ربيعة، قال: باسمك-  بالباء-  يريد «ما اسمك» لأنّ لغة مازن ربيعة هكذا يبدلون الميم باء و الباء ميما، فقلت: مكر أي «بكر» فضحك و قال: اجلس و اطمئنّ، فجلست فسألني عن البيت فأنشدته منصوبا، فقال: فأين خبر «انّ» فقلت «ظلم» قال: كيف هذا قلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى أنّ البيت إن لم يجعل «ظلم» خبر «انّ» يكون مقطوع المعنى معدوم الفائدة، فلما كرّرت القول عليه فهم، و قال: قبح اللَّه من لا أدب له ثمّ قال: ألك ولد قلت: بنيّة، قال: فما قالت لك حين ودّعتها قلت: ما قالت بنت الأعشى:

تقول ابنتي حين جدّ الرحيل
أرانا سواء و من قد يتم‏

أبانا فلا رمت من عندنا
فانا بخير إذا لم ترم‏

أبانا إذا اضمرتك البلاد
نخفى و تقطع منا الرّحم‏

قال: فما قلت لها قال: قلت: أنشدتها بيت جرير:

ثقي باللّه ليس له شريك
و من عند الخليفة بالنّجاح‏

فقال: ثق بالنجاح إن شاء اللَّه تعالى ثمّ أمر لي بألف دينار و كسوة، و ردّني إلى البصرة انتهى.

أقول: فيها نكتتان:

1-  صاحب الشرح حمل لفظة الاداب الواردة في كلام مولانا عليه السّلام على المعنى الاصطلاحي المحدث، و هو علم العربية و ما يلحق بها و ما يسمّونه بعلوم الأدب، و الأدبيّات، و مفهوم العلوم الأدبيّة ليس بواضح من وجهين: الأوّل: ما هي العلوم الأدبيّة الثاني: لما ذا سمّيت تلك العلوم بالأدبيّة و أدبيّات أمّا جواب السؤال الأوّل فليس بمحرّر من حيث إنّ علم اللّغة و الصرف و النحو و البلاغة و الشعر أدبيّات و لكن هل تشتمل اللفظة علم التاريخ و المنطق و نوضح أوّلا جواب السؤال الثاني فنقول: إنّ لفظة أدب كما ذكر يشعر بالنظم و الترتيب، و علوم اللغة و الصرف و النحو ينظّم الكلام فيقال لها: علوم الأدب أو الأدب العربي قال في «المنجد» آدب إيدابا السلطان البلاد ملأها قسطا و عدلا-  و العدل هو استقرار النظم الاجتماعي الصّحيح-  إلى أن قال: الاداب تطلق على العلوم و المعارف عموما، أو على المستظرف منها فقط و يطلقونها على ما يليق بالشي‏ء أو الشخص فيقال: آداب الدرس و آداب القاضي-  إلخ، و علم الأدب هو علم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا و كتابة انتهى.

و على كلّ حال حمل لفظة الاداب في كلام مولانا عليه السّلام على هذا الاصطلاح، كما يشعر به كلام الشارح المعتزلي بعيد جدّا، فانّ هذا الاصطلاح غير موجود في هذا العصر و ليس بمقصود في المقام، كما أوضحناه.

2-  يظهر من هذه القصّة انحطاط بلاط الخلافة في العلم و الأدب إلى حيث لا يفهم المعتصم هذا البيت العربي الصريح حتّى فهمه المازني و أوضح له المراد مع أنّه قريب العصر بالمأمون العبّاسي الشهير بالفضل و التوجّه إلى أهله.

و أما تعليقنا على هذه القصّة فقد نفلت نظر القرّاء الكرام إلى وضع هذه الشخصيّة الفذّة و هو أبو عثمان المازني أحد أعيان العلوم الأدبية و واضع علم الصرف و قد كان من أعيان الشّيعة الإماميّة في عصره الرّهيب.

قال في تنقيح المقال ج 1 ص 180: بكر بن محمّد بن حبيب بن بقية أبو عثمان المازني-  إلى أن قال: قال النجاشي: بكر بن محمّد بن حبيب بن بقية أبو عثمان المازني مازن بني شيبان كان سيّد أهل العلم بالنحو و الغريب و اللغة بالبصرة و مقدّمته مشهورة بذلك-  إلى أن قال: و لا إشكال في كون الرّجل إماميّا، و قد سمع من النجاشي أنّه من علماء الاماميّة إلخ.

أقول: و يشعر بعض مضامين القصّة المنقولة أنّه من الاماميّة حيث إنّ دعوته إلى سرّ من رأى بأمر الخليفة كانت رهيبة و معرض خطر، و بهذه المناسبة سأله المعتصم عن أولاده و عمّا قالت له ابنته حين سفره و أعطاه الأمان بقوله: اجلس، و اطمئنّ، فيظهر منها أنّه كان معروفا بالتشيّع و مبتلى بالضغط و ضيق المعاش، فطمع فيه ذمّي و أعطاه مائتي دينار ليعلّمه كتاب سيبويه، و كما نقل عن المبرّد امتنع عن ذلك بأنّ في الكتاب ثلاثمائة و كذا و كذا آية من كتاب اللَّه عزّ و جلّ، و لست أرى أن امكّن ذمّيا منها، غيرة و حميّة للإسلام، و يكشف ذلك عن غاية ورعه و تقواه.

و ذكر العلّامة الأوحد الاقا رضا الاصبهاني قدّس سرّه أحد أساتيدي و شيخ إجازتي أنّ حفظ حرمة كتاب اللَّه صار سببا لحدوث المناقشة بحضرة المعتصم و أدّى إلى إحضاره و إكرامه و بذل المال و الكسوة له و تعريفه بحضرة الخليفة استاذا منحصرا للأدب و اللغة في عصره، فنال تأييدا منه بمنّه تعالى و صار سببا لشهرته و رفع الضيق عنه ببركة حرمة القرآن الشريف، و من هنا يتوجّه هذا السّؤال: هل يجوز تعليم القرآن بغير المسلم أم لا ربما يستفاد من ظاهر الاية الشريفة «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» 79-  سورة الواقعة» عدم الجواز، لأنّ أظهر أفراد مسّ القرآن درك صورته العلميّة و حفظه في القلب، و يستفاد من هذه الاية النهي عن مسّ غير المطهّر، و الكافر غير مطهّر.

كما أنّ خباب بن أرت امتنع عن تسليم جزء من القرآن كان يعلّمه فاطمة أخت عمر المسلمة حين طلبه عمر ليقرئه و قال أو قالت «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ».

و يشعر امتناع المازني أحد شيوخ الإماميّة عن تعليم كتاب سيبويه المتضمّن لايات القرآن الذمّي الغير المسلم بذلك، و لعلّه يتفرّع على ذلك حرمة بيع المصحف بغير المسلم كما ذكره الفقهاء في مسائل المكاسب المحرّمة.

و لكن يضعف ذلك كلّه أنّ القرآن الشريف اوحي إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ليقرأها على المشركين فيفهمونه و يصير سببا لاسلامهم، و كان تعليم القرآن لغير المسلم سيرة ثابتة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله.

(و الفكر مرآة صافية) الفكر أشعاع عقلي ينور القلب و ينكشف به الحقائق و هي حركة روحيّة من المبادي إلى المقاصد و من المقاصد إلى المبادي و عرّفه الشيخ البهائي قدّس سرّه في المبادي المنطقيّة لزبدة الأصول بأنّه تأمّل معقول لكسب مجهول.

و وصفها عليه السّلام بأنّها مرآة صافية ينعكس فيها الحقائق فيجب على كلّ استعمالها في شتّى اموره و يخلّصها من شوب الوهم و التخيّل ليرى الأشياء فيها، كما هي.

(و صدر العاقل صندوق سرّه) كتمان الأسرار دأب العقلاء الأخيار، و قد أمر في غير واحد من الأخبار بكتمان السرّ، و صدر الوصاية به عن غير واحد من الحكماء و ذوى البصيرة سواء كان سرّ نفسه أو السرّ المودع عنده من غيره.

و قد كان سرّ الشّيعة في دولة الخلفاء الجائرة ما أفاده إليهم أئمّة الحقّ من الأحكام و الاداب الخاصّة و أمروهم بحفظه و صيانته عن الأعداء، و وردت أخبار كثيرة في ذمّ من يذيع هذه الأسرار عند الأغيار.

(و البشاشة حبالة المودّة) البشر و حسن الخلق مما يجلب به و يحفظ مودّة النّاس، و كما يصاد بالحبالة الطيور النافرة يصاد بالبشاشة و حسن الخلق القلوب الوحشيّة، و قد وصّى عليه السّلام ابنه الحسن في حديث المعاشرة بقوله: و بشرك للعامّة يعني أنّ حسن الخلق أدب مع كلّ النّاس.

(و الاحتمال قبر العيوب) الاحتمال نوع من الحلم تجاه ما يكره من قول أو فعل يصدر عن المعاشر من صديق أو عدوّ، فاذا تحمّله الانسان و لم يظهر الضّجر يصير سببا لدفن العيوب من وجهين: 1-  أنّ كثيرا من العيوب يتولّد من عدم الاحتمال نفسه، فكم من شخص غاظ من قول مكروه أو فعل غير ملائم فارتكب الجرائم و المعاصي و الذّمائم و الماثم.

2-  أنّه إذا لم يتحمّل تلك المكاره و قام في وجه المرتكب بالانتقام و السّفه يبدون معايبه المكنونة و يفضحونه بما يعلمون من سرائر حاله، فتحمّل المكاره موجب لستر العيوب.

و قال في شرح ابن الميثم: و روي أنّه عليه السّلام قال في العبارة عن هذا المعنى أيضا: (المسالمة خباء العيوب) قال الجوهريّ: الخباء: واحد الأخبية بيت من وبر أو صوف و لا يكون من شعر و يكون على عمودين أو ثلاثة، و ما فوق ذلك فهو بيت و المسالمة فضيلة تحت العفّة انتهى.

و الأنسب أن يجعل المسالمة من فروع الشجاعة الأدبيّة فانّ مرجعها إلى المقاومة في قبال هجوم الغضب و الطمأنينة في موقع الاستفزاز. و في الشرح:

إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السّكوت‏

سكتّ عن السّفيه فظنّ أنّي‏
عيبت عن الجواب و ما عييت‏

(من رضى عن نفسه كثر الساخط عليه) الرّضا عن النّفس من شعب العجب الّذي عدّ في غير واحد من الأخبار من المهلكات، ففي الحديث: ثلاث من المهلكات: شحّ مطاع، و هوى متّبع، و إعجاب المرء بنفسه.

و أثر هذه الخصلة توقّع الاحترام عن النّاس و تحميل الوظائف المربوطة به عليهم، فعند اللقاء يتوقّع منهم الابتداء بالسلام و التحيّة، و في الورود على المحافل و المجالس يتوقّع منهم التعظيم و القيام، و عند البحث و إبداء الرأى يتوقّع منهم قبول قوله و هكذا، و هذه التوقّعات ثقيلة على النّاس فيحصل الناقم عليه و الساخط و المنتقد.

(و الصّدقة دواء منجح) الصّدقة تمليك مال للمستحقّ مجّانا قربة إلى اللَّه تعالى و هي واجبة كالزكاة المقرّر في الشرع، و مندوبة و هي على مقدرة المتصدّق و سخائه، و كلّ منهما دواء منجح للالام الاجتماعيّة و الفرديّة.

فانّ من مصارف الزكاة الواجبة أداء الديون و تحرير الرقاب و الاعانة للفقراء و المساكين و الصرف في الامور العامّة من تسبيل السبل و تأمين الصحّة و إيجاد البيمارستانات و المساجد و الاعانة على الجهاد، و كلّ هذه الامور معالجة باتة نافعة لالام محسوسة و موجعة للجمع و الفرد، و يؤثر ذلك في رفع آلام المتصدّق و ينتفع به كغيره.

كما أنّ الصدقة المندوبة دواء منجح في معالجة ألم الجوع و الحاجة للمستحق فتوجّه بقلبه على المتصدّق و المنفق فيدفع آلامه و يقضي حوائجه باذن اللَّه و قال صلّى اللَّه عليه و آله: داووا مرضاكم بالصّدقة.

و في زكاة الجواهر: و يكفيك فيما ورد في فضل الصدقة الشاملة لها من أنّ اللَّه يربيها لصاحبها كما يربى الرّجل فصيله فيأتي بها يوم القيامة مثل احد، و أنها تدفع ميتة السوء و تفكّ من سبعمائة شيطان، و لا شي‏ء أثقل على الشيطان منها و صدقة الليل تطفئ غضب الربّ و تمحق الذّنب العظيم و تهوّن الحساب، و صدقة المال تنمي المال و تزيد في العمر.

(و أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم) هذه الجملة تدلّ على تجسّم الأعمال و يستفاد منها أنّ كلّ عمل يتجسّم بصورة يناسبها من خير أو شرّ، و حسن أو قبح، و يراها العامل بعينه في آجله و هو حين حلول الموت الّذي يرفع الحجاب و يكشف الغطاء إلى القبر و البرزخ و القيامة.

و يؤيّدها ظاهر قوله تعالى «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» فانّ ظاهر الرؤية بمفعول واحد هي الرؤية بالبصر.

الترجمة

هر كه طمع در دل آرد خود را پست دارد-  و هر كه پرده از سختى و تنگدستى خويش برگيرد خود را بخوارى بسپارد-  و هر كه بگستاخى زبان خود سر نهد خويش را بزبونى دهد-  بخل ننگ است-  و ترس كاستى مرد است بينوائى هوشمند را از دليل حق خود گنگ سازد-  تنك سرمايه در وطنش آواره است-  و ناتوانى خود آفتى است جانى-  و شكيبائى دليريست-  و زهد توانگرى-  و پارسائى سپريست محكم-  و رضا به پيشامد چه خوب رفيقى است خوشامد-  و دانش بهره‏ايست ارجمند-  رعايت آداب جامه ‏ايست زيبا و تازه-  و انديشه آئينه ايست زلال-  سينه خردمند صندوق هر رازيست-  خوش‏خوئى دام مهر و دوستى است و حلم‏ ورزى گورستان عيبها است-  «سازش سرپوش عيبها است»-  هر كه از خود راضى است دشمنش فراوانست-  صدقه درماني است مؤثر-  و كارهاى بندگان خدا در ديگر سرا برابر چشمان آنها است.

هر آن كس كه چشم طمع باز كرد
بخود خوارى و پستى آغاز كرد

زبونى پسندد بخود هر كسى‏
شكايت ز سختى كند با كسى‏

زبان هر كه فرمانده خويش كرد
ز خوارى دل خويش را ريش كرد

بود بخل ننگ و، بود ترس نقص‏
چه درويشى از حجت خود مرقص‏

نداران غريبند اندر وطن
بدان عجز را آفت خويشتن‏

شكيبا دلير است و، زاهد غنى
بود پارسائى دژ پر فنى‏

رضا خوش قرين است از كف مده‏
چه دانش برى ارث ارجش بنه‏

ادب جامه فاخرى نوبنو
ز انديشه پاك آينه كن درو

خردمند را سينه صندوق راز
ز خوش‏خوئيت دام مهرى بساز

تحمل كن و عيب را خاك كن
بسازش ز خود عيب را پاك كن‏

ز خود راضيان راست دشمن بسى‏
ز صدقه بدرمان دردت رسى‏

بود بندگان را بديگر سراى
همه كار در پيش چشم دوتاى‏

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.