خطبه 87 صبحی صالح
87- و من خطبة له ( عليهالسلام ) و هي في بيان صفات المتقين
و صفات الفساق
و التنبيه إلى مكان العترة الطيبة
و الظن الخاطئ لبعض الناس
عِبَادَ اللَّهِ
إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ
فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ
وَ تَجَلْبَبَ الْخَوْفَ
فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ
وَ أَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ
وَ هَوَّنَ الشَّدِيدَ
نَظَرَ فَأَبْصَرَ
وَ ذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ
وَ ارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ
فَشَرِبَ نَهَلًا
وَ سَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً
قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ
وَ تَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ
فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى
وَ مُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى
وَ صَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى
وَ مَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى
قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ
وَ سَلَكَ سَبِيلَهُ
وَ عَرَفَ مَنَارَهُ
وَ قَطَعَ غِمَارَهُ
وَ اسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا
وَ مِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا
فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ
قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَرْفَعِ الْأُمُورِ
مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ
وَ تَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ
مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ
كَشَّافُ
عَشَوَاتٍ
مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ
دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ
دَلِيلُ فَلَوَاتٍ
يَقُولُ فَيُفْهِمُ
وَ يَسْكُتُ فَيَسْلَمُ
قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ
فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ
وَ أَوْتَادِ أَرْضِهِ
قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ
فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ
يَصِفُ الْحَقَّ وَ يَعْمَلُ بِهِ
لَا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلَّا أَمَّهَا
وَ لَا مَظِنَّةً إِلَّا قَصَدَهَا
قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ
فَهُوَ قَائِدُهُ وَ إِمَامُهُ
يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ
وَ يَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ
صفات الفساق
وَ آخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ
فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ
وَ أَضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ
وَ نَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ
وَ قَوْلِ زُورٍ
قَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ
وَ عَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ
يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ
وَ يُهَوِّنُ كَبِيرَ الْجَرَائِمِ
يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَ فِيهَا وَقَعَ
وَ يَقُولُ أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ وَ بَيْنَهَا اضْطَجَعَ
فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ
وَ الْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ
لَا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ
وَ لَا بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ
وَ ذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ
عترة النبي
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ
وَ أَنَّى تُؤْفَكُونَ
وَ الْأَعْلَامُ قَائِمَةٌ
وَ الْآيَاتُ وَاضِحَةٌ
وَ الْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ
فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ
وَ كَيْفَ تَعْمَهُونَ
وَ بَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ
وَ هُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ
وَ أَعْلَامُ الدِّينِ
وَ أَلْسِنَةُ الصِّدْقِ
فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ
وَ رِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِيمِ الْعِطَاشِ
أَيُّهَا النَّاسُ
خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ( صلى الله عليه وآله وسلم )
إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَ لَيْسَ بِمَيِّتٍ
وَ يَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَ لَيْسَ بِبَالٍ
فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ
فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ
وَ اعْذِرُوا مَنْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَ هُوَ أَنَا
أَ لَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ الْأَكْبَرِ
وَ أَتْرُكْ فِيكُمُ الثَّقَلَ الْأَصْغَرَ
قَدْ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ الْإِيمَانِ
وَ وَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ
وَ أَلْبَسْتُكُمُ الْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي
وَ فَرَشْتُكُمُ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وَ فِعْلِي
وَ أَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الْأَخْلَاقِ مِنْ نَفْسِي
فَلَا تَسْتَعْمِلُوا الرَّأْيَ فِيمَا لَا يُدْرِكُ قَعْرَهُ الْبَصَرُ
وَ لَا تَتَغَلْغَلُ إِلَيْهِ الْفِكَرُ
ظن خاطئ
و منهاحَتَّى يَظُنَّ الظَّانُّ أَنَّ الدُّنْيَا مَعْقُولَةٌ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ
تَمْنَحُهُمْ دَرَّهَا
وَ تُورِدُهُمْ صَفْوَهَا
وَ لَا يُرْفَعُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَوْطُهَا وَ لَا سَيْفُهَا
وَ كَذَبَ الظَّانُّ لِذَلِكَ
بَلْ هِيَ مَجَّةٌ مِنْ لَذِيذِ الْعَيْشِ يَتَطَعَّمُونَهَا بُرْهَةً
ثُمَّ يَلْفِظُونَهَا جُمْلَةً
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج6
و من خطبة له عليه السّلام و هى السادسة و الثمانون من المختار فى باب الخطب
و شرحها في ضمن فصول:
الفصل الاول
عباد اللَّه إنّ من أحبّ عباد اللَّه إليه عبدا أعانه اللَّه على نفسه، فاستشعر الحزن و تجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه، و أعدّ القرى ليومه النّازل به، فقرّب على نفسه البعيد، و هوّن الشّديد، نظر فأبصر، و ذكر فاستكثر، و ارتوى من عذب فرات سهّلت له موارده، فشرب نهلا، و سلك سبيلا جددا، قد خلع سرابيل الشّهوات، و تخلّى من الهموم إلّا همّا واحدا انفرد به، فخرج من صفة العمى و مشاركة أهل الهوى، و صار من مفاتيح أبواب الهدى و مغاليق أبواب الرّدي، قد أبصر طريقه، و سلك سبيله، و عرف مناره، و قطع غماره، و استمسك من العرى بأوثقها، و من الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشّمس، قد نصب نفسه للّه سبحانه في أرفع الأمور، من إصدار كلّ وارد عليه، و تصير كلّ فرع إلى أصله، مصباح ظلمات، كشاف عشوات، مفتاح مبهمات، دفّاع معضلات، دليل فلوات، يقول فيفهم، و يسكت فيسلم، قد أخلص للّه فاستخلصه، فهو من معادن دينه، و أوتاد أرضه، قد ألزم نفسه العدل، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحقّ و يعمل به، و لا يدع للخير غاية إلّا أمّها، و لا مظنّة إلّا قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده و إمامه، يحلّ حيث حلّ ثقله، و ينزل حيث كان منزله.
اللغة
(الشّعار) من الثوب مايلى شعر الجسد و (الجلباب) القميص أو غيره ممّا مضى في شرح الكلام الخامس و الستين و (زهر) الشيء يزهر من باب منع صفا لونه و أضاء و (القرى) من قرى الضّيف من باب رمى قرى بالكسر و القصر و الفتح و المدّ أضافه، و في المصباح قرى بالكسر و القصر و الاسم القراء بالفتح و المدّ و (فرات) الماء العذب و باللام اسم نهر معروف.
و (نهل) البعير نهلا من باب تعب شرب الشّرب الأوّل حتّى روى و (الجدد) بالتحريك المستوى من الأرض و (السّربال) القميص و (الغمار) بالكسر إما جمع الغمر كالغمور و هو الماء الكثير و معظم البحر أو جمع الغمرة كالغمرات و هى الشدة و الزحمة و (العرى) بالقصر مثل العروة من الدّلو و الكوز و نحوهما مقبضها و (عشوات) بالتحريك جمع العشوة بالتّثليث و هى الأمر الملتبس.
(و المعضلات) الشدائد و الأمور التي لا تهدى لوجهها من أعضل الأمر إذااشتدّ و (المعادن) جمع معدن كمجلس و هو محل الجوهر و (أمّه) أمّا من باب قتل قصده و (مظنة) الشيء المكان الذي يظنّ فيه وجوده و (الثقل) متاع المسافر و حشمه و الجمع أثقال كسبب و أسباب.
الاعراب
الفاء في قوله فاستشعر الحزن عاطفة مشعرة بسببية ما قبلها لما بعدها كما في قولك يقوم زيد فيغضب عمرو، و كذلك أكثر الفاءات بعدها، و قوله فهو من اليقين على مثل آه هو مبتداء و على مثل خبر له و من اليقين حال إمّا من المبتدأ و العامل فيه الخبر و هو مبنيّ على جواز الاختلاف بين عامل الحال و عامل صاحبه، و إمّا من الضمير المستكن في الخبر فيتّحد العاملان و إنّما قدّمت الحال على عاملها لتوسّعهم في الظروف قالوا: و من ذلك البرّ الكرّ بستّين أى الكرّ منه بستّين فمنه حال و العامل فيه بستّين.
و قوله عليه السّلام: مصباح ظلمات بالرفع خبر بعد خبر، و قوله فكان أوّل عدله نفى الهوى يجوز جعل أوّل اسما و نفى الهوى خبرا و بالعكس إلّا أنّ مقتضى الاعراب الموجود في نسخ الكتاب هو الأوّل حيث اعراب الأوّل مرفوعا و النفى منصوبا و هو أيضا مقتضى الأصل.
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام مسوق بشرح حال المتّقين و بيان صفات العارفين الكمّلين من عباد اللَّه الصّالحين، و في الحقيقة و المعنى هو شرح لحال نفسه الشريف و حال أولاده المعصومين صلوات اللَّه عليهم أجمعين، إذ الأوصاف الآتية لم تجمع إلّا فيهم و لم تشاهد إلّا منهم.
و هم المتّصفون بالفناء في اللَّه و البقاء باللّه، و المبتغون لمرضاة اللَّه و هم أحبّ النّاس إلى اللَّه و اللَّه أحبّ إليهم و أولى بهم من أنفسهم، فهم التّامّون في محبّة اللَّه و المخلصون في توحيد اللَّه و المظهرون لأمر اللَّه و نهيه و عباده المكرمون الَّذينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.
إذا عرفت هذا فأقول قوله عليه السّلام (إنّ من أحبّ عباد اللّه إليه عبدا أعانه اللَّه على نفسه) أراد بمحبّته سبحانه له إفاضته الكمالات النّفسانية عليه المعدّة له بالقرب إليه تعالى و القبول بفضله و جوده، و يأتي في شرح المختار المأتين و الخامس و العشرين إنشاء اللّه تفصيل الكلام في معنى محبّته تعالى، و معنى إعانته له على نفسه اعانته جنود عقله على جنود جهله و تقوية عقله على قهر نفسه الأمّارة، فاذا قوى عقله و اعين له اتّصف بأوصاف أشار عليه السّلام إليها.
أوّلها أنّه (استشعر الحزن) أي أتّصف بالحزن و جعله ملازما له لزوم الشّعار للجسد، و إنّما صار محزونا لما صدر منه في الأيّام الماضية من التفريط في جنب اللّه حيث لم يكتسب فيها من موجبات القرب و الاختصاص اضعاف ما اكتسبه
(و) الثّاني انه (تجلبب الخوف) أي جعله لازما له لزوم الجلباب للبدن، و قد مضى تحقيق الكلام في الخوف و في أقسامه في شرح الخطبة الخامسه و السّبعين
و الثّالث أنّه حيث اتّصف بالحزن و الخوف (ف) استعدّ بذلك لأن (زهر مصباح الهدى في قلبه) أى أضاء أنوار المعارف الحقّة الالهيّة في قلبه فصار سببا لاهتدائه و وصوله إلى مقام القرب.
(و) الرابع انّه (أعدّ القرى ليومه النّازل به) شبّه يوم الموت و ما بعده بالضّيف المتوقّع نزوله و كما أنّ من توقّع نزول ضيف به يهيّأ له قرى ليبيض به وجهه عند الضيف و يكسب به المحمدة منه و لا ينفعل منه عند نزوله، فكذلك الرّجل الموصوف لمّا توقّع نزول الموت و علم أنّه قادم لا محالة أعدّ له من وظايف الطّاعات و العبادات ما يكون موجبا لبياض (لابيضاض خ) وجهه عند نزوله و اكتسابه المحمدة و الثّناء، و ذلك أيضا من ثمرات الخوف المقدّم ذكره و من شئوناته.
و الخامس أنه حيث أعدّ قرى ضيفه (فقرّب على نفسه البعيد) و الظّاهر أنّ المراد بالبعيد هو الموت الذي يراه الغافلون بعيدا و بتقريبه على نفسه هو مبادرته إليه و جعله له نصب عينيه و ترقّبه له و عدم غفلته عنه صباحا و مساء، لأنّه بعد ما هيّأ أسبابه و أعدّ القرى له لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه و أمّا ما ذكره الشّارح البحراني من احتمال كون المراد بالبعيد هو رحمة اللّه البعيد عن مستحقّها، و بتقريبه تحسين العمل أو كون المراد به أمله الطّويل في الدنيا و بتقريبه تقصير الأمل فمضافا إلى بعده في نفسه غير ملايم لظاهر العطف بالفاء و إن أمكن توجيهه بتكلّف.
(و) السادس أنّه (هوّن الشديد) يحتمل أن يكون المراد بالشديد شدايد الموت و دواهيه و ما يتلو ذلك، فيكون المراد بتهوينها تسهيلها بالأعمال الصّالحة و هو من ثمرات اعداده القرى للموت، و أن يكون المراد به شدايد الطاعات و كلفة المجاهدات و الرّياضيات، فيكون المراد بتهوينها تحملها و الصّبر لها و حبس النّفس عليها، و هو من فروع شروق مصباح الهدى في قلبه.
و السّابع انّه (نظر فأبصر) أى تفكّر في الملك و الملكوت فصار ذا معرفة و بصيرة كما قال سبحانه: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
(و) الثّامن أنّه (ذكر فاستكثر) أى ذكر اللَّه فاستكثر من ذكره إذ بذكره تسكن النّفوس كما قال سبحانه: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».و بكثرة ذكره تنال المحمدة و الثّناء عند اللّه كما قال تعالى: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
(و) التّاسع أنه (ارتوى من عذب فرات سهلت له موارده) شبّه عليه السّلام العلوم الحقّة و المعارف الالهيّة المفاضة على العارف بالماء الصّافي العذب الزّلال فاستعاره لها و رشّحه بذكر الارتواء كما أنّه استعار في الكلام السّابع عشر للعقايد الباطلة و الآراء الفاسدة لفظ الآجن حيث قال عليه السّلام في ذكر أوصاف القضاة السوء: حتّى إذا ارتوى من آجن، و المراد بسهولة موارده عدم كونها ردغة و حلة و هو كناية عن سرعة استعداده لقبول تلك العلوم المفاضة من محالّها و مواردها أعني الألواح السّماويّة و ألسن الملائكة و لسان النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و الرّوع في القلب و النّكث في القلوب و نحوها إن كان المراد بالموصوف الأئمة عليهم السّلام على ما قدّمنا، و النّبي و الأَئمة سلام اللَّه عليه و عليهم إن كان المقصود به مطلق العارف هذا و قوله عليه السّلام (فشرب نهلا) إشارة إلى أنّه لما شرب من العذب الفرات و ارتوى اكتفى بذلك و صار شربه الأوّل كافيا و لم يحتج بعده إلى الشّرب الثّاني لأنه شرب من رحيق التحقيق و من عين التوفيق شربة لاظمأ بعدها أبدا.
(و) العاشر أنّه (سلك سبيلا جدداً) أى طريقاً مستوية عدلا مصونة عن طرفي الافراط و التفريط إذ اليمين و الشّمال مضلّة و الطريق الوسطى هي الجادّة الموصلة لسالكها إلى خطيرة القدس، و قد مضى تفصيلًا و تحقيقاً في شرح الفصل الثاني من الكلام السادس عشر فتذكر.
و الحادي عشر أنّه (قد خلق سرابيل الشّهوات) أى نزع لباس الشهوات و خلى نفسه منها لكونها موجبة لصداء مرآت القلب مانعة عن انطباع صور الحقّ فيها.
(و) الثاني عشر أنه قد (تخلّى من الهموم) أى هموم الدّنيا كلّها لكونها مجانبة للحقّ شاغلة عنه (إلا همّا واحداً انفرد به) و هو همّه بالوصول إلى مولاه الّذي به لذّته و بالانفراد بذكره و مناجاته سروره و بهجته و بمطالعة جلاله و كبريائه شعفه و فرحته.
و الثّالث عشر أنّه حيثما تخلّى من الهموم و انحصر همّه في الهمّ الواحد (فخرج به من صفة العمى و) عن (مشاركة أهل الهوى) أراد أنه باتّصافه بفضيلة العلم و الحكمة خرج من صفة الجهالة و عن مشاركة أهل الهوى و الشّهوة لكون الاشتراك معهم موجباً للضّلالة، و إليه الإشارة بقوله سبحانه: «وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى.
(و) الرابع عشر أنّه من أجل اتّصافه بالعلم و الحكمة أيضا (صار من مفاتيح أبواب الهدى و مغاليق أبواب الرّدى) فبه ينفتح أبواب الرّشاد و الهداية للمهتدين، و ينغلق أبواب الغوى و الضّلالة للجاهلين، لكونه فاتحا لباب المعروف سادّا لباب المنكر فبنور وجوده يهتدى الجاهلون، و بكمال ذاته يرتدع الضّالّون.
و الخامس عشر أنه (قد أبصر طريقه و سلك سبيله) أى أبصر بنور بصيرته طريقه المأمور بسلوكها فسلكها، و إلى هذا السّبيل و الطريق أشير في قوله: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ و في قوله: وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا كما مضى مشروحا في شرح الفصل الثاني من الكلام السّادس عشر فتذكر.
(و) السّادس عشر أنّه (عرف مناره) أصل المنار هو العلم المنصوب على الطّريق ليأمن به المارّة من الخروج عن الجادّة فمن عرف مناره أمن الضّلالة، و المراد به هنا هم أئمة الدّين الّذينهم أعلام اليقين، فالسّالك إلى اللّه بقدمي الصّدق و العرفان إذا عرفهم و لزمهم و أخذ بحجزتهم أمن من الضّلال و وصل إلى حظيرة القدس و الجلال التي هي منتهى الآمال، هذا إن كان الموصوف بالصّفات مطلق العارف و إن كان المقصود به هم عليه السّلام حسبما أشرنا إليه سابقا فالمراد بالمنار هو النّبيُّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
(و) السابع عشر أنّه (قطع غماره) أشار بالغمار إلى ما كان مغمورا فيه من مشاق الدّنيا و همومها و التّألّم بسبب فقدها و مجاذبة أهلها لها و تزاحمهم عليها، فانّ العارف بمعزل عن ذلك و إنّما هو شأن الجاهلين الّذين هم في غمرة ساهون.
(و) الثامن عشر أنّه (استمسك من العرى بأوثقها و من الحبال بأمتنها) و المراد بأوثق العرى و أمتن الحبال ما اشير إليها في سورة البقرة بقوله: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها و في سورة آل عمران بقوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا.
و قد فسّر العروة في الظاهر بالايمان و الحبل به و بالقرآن، و قد فسّرا في الباطن بالولاية، روى في البحار من كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات قال: ذكر صاحب نهج الايمان في تأويل قوله: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى روى أبو عبد اللّه الحسين بن جبير في كتاب نخب المناقب لآل أبي طالب حديثا مسندا إلى الرّضا عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بحبِّ عليِّ بن أبي طالب عليه السّلام، و روى أيضا في الكتاب المذكور مسندا عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال: نحن حبل اللّه الذي قال اللّه تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا.
و الأخبار في هذا المعنى متظافرة.
و التاسع عشر أنّه لما استمسك بالعروة الوثقى و الحبل الأمتن فترقّى بذلك إلى أعلى مدارج العلم و العرفان (ف) كان (هو من اليقين على مثل ضوء الشمس) يعني أنّه رأى بعين اليقين الحقائق و شاهد دقايق الملك و الملكوت لا يختلجه في ذلك شكّ و وهم كما يرى بصره نور الشمس في الوضوح و الجلا.
و العشرون أنه لكمال ذاته (قد نصب نفسه) و عيّنها (ل) أجل ابتغاء مرضات (اللَّه سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه و تصيير كلّ فرع إلى أصله) أراد عليه السّلام أنه لما كمل ذاته نصب نفسه لأرفع الأمور من هداية الخلق و ارشادهم إلى ما فيه رشادهم فقام باصدار الأجوبة عن كلّ ما ورد عليه من الأسئلة و نهض بردّ كلّ فرع من فروع العلم إلى أصله المتشعّب عنه، و فيه إشعار و تنبيه على جواز الاجتهاد و استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيلية كما عليه بناء المجتهدين من أصحابنا، خلافا لأصحابنا الأخبارييّن و التفصيل معنون في الأصول.
و الحادى و العشرون أنّه (مصباح ظلمات) يقتبس منه العالمون أنوار العلم و يهتدى به التائهون في ظلمات الجهل.
و الثّاني و العشرون أنّه (كشّاف عشوات) يكشف به و يميّز الأمور الملتبسة و في بعض النسخ غشوات بالغين المعجمة فالمراد أنه يكشف النقاب عن وجه الحقّ.
و الثالث و العشرون أنّه (مفتاح مبهمات) به يفتح أبواب الأحكام المبهمة المغلقة.
و الرّابع و العشرون أنّه (دفّاع معضلات) يعني أنه يدفع الأعضال عن المسائل المعضلة الشرعية و يرفع الاشكال عن الأحكام المشكلة الأصليّة و الفرعيّة بكلامه الوافي و بيانه الشافي.
و الخامس و العشرون أنّه (دليل فلوات) أراد عليه السّلام أنّ السّالك في مسالك الفلوات كما لا يهتدي إليها إلّا بدلالة الأدلاء الّذين اعتادوا سلوكها و ضبطوا مراحلها و منازلها، فكذلك السّاير في فلوات المعقولات الطالب لطيّ مراحلها الباغي للنّزول إلى ساحة الحقّ و الوصول إلى حظيرة القدس لا يهتدي إليها و لا يمكنه النّزول فيها إلّا بهداية دليل هاد و إرشاد مرشد يرشد إلى الرشاد، و هو العارف المعتاد بسلوك تلك المسالك فمن لم يسلك بدلالته فهو ضالّ و هالك.
و السادس و العشرون أنّه (يقول فيفهم و يسكت فيسلم) يعني أنه يقول: إذا اقتضت الحال فيفهم لمخاطبة المقال و يسكت في مقام السّكوت فيسلم من عثرات اللّسان.
و السابع و العشرون أنّه (قد أخلص للّه فاستخلصه) أى أخلص علمه للّه و جعله خالصا عن شوب الرّياء و الشّرك على ما مضى في شرح الفصل الرّابع من فصول الخطبة الأولى، و حيث إنه أخلص للّه فاستخلصه اللّه و اختاره و اختصّه من بين أبناء جنسه بالرّضا عنه و إفاضة الكمالات عليه و إدنائه إلى مقام القدس.
و الثّامن و العشرون أنّه إذا اتّصف بالاخلاص و الاستخلاص (ف) صار (هو من معادن دينه و أوتاد أرضه) شبّهه عليه السّلام من حيث كونه محلّا للدّين و مستقرّا له بالمعدن الّذى يستقرّ فيه الجوهر فكما أنّ المعدن يستخرج منه الجوهر و ينتزع منه، فكذلك الدّين الّذي هو جوهر عقلائي يستفاد من ذلك الموصوف و يكتسب منه، و أمّا معنى كونه من أوتاد أرضه فهو أنّك قد عرفت في شرح الفصل الثالث من فصول الخطبة الأولى أنّه سبحانه و تدّ بالصّخور و الجبال ميدان أرضه و اضطرابه و أنت إذا أخذت بين مجامع هذا الكلام و ما تقدّم ظهر لك أنّه عليه السّلام جعل الموصوف بمنزلة جبل يكون وتداً للأرض مانعا لها عن الاضطراب، و هو إمّا جار على الحقيقة إن أراد بالموصوف نفسه الشّريف و من هو بمنزلته من أولاده المعصومين الّذين لولاهم لماجت الأرض بأهلها و ساخت، و إمّا على المجاز بأن يكون المراد به العموم فانّ الرّجل الموصوف لما كان سببا لانتظام أمر الدّنيا و عدم اضطراب أحوال أهلها كان كالوتد للأرض فافهم.
و التّاسع و العشرون أنه (قد ألزم نفسه العدل فكان أوّل عدله نفى الهوى عن نفسه) لما كان العدالة ملكة تصدر بها عن النفس الأفعال الفاضلة خلقا لا تخلّقا و اصولها عبارة عن الحكمة و العفّة و الشجاعة، و ساير الفضايل فروعا لها و كان العارف قد أرضى نفسه بالعبادة و غيرها حتّى حصل على هذه الفضايل الخلقيّة لا جرم كان بسعيه في حصولها قد ألزم نفسه العدل.
قال الشّارح البحراني: و لما كان العدل في القوّة الشّهوية الّذي هو أن يصير عفيفا لا خامد الشهوة و لا فاجرا أصعب«» من العدل على ساير القوى لكثرة موارد الشّهوة و ميلها بالانسان إلى طرف الافراط، و لذلك قال أكثر المناهي الواردة في الشريعة هى موارد الشهوة لا جرم«» كان مقتضي المدح أن يبدء بذكر نفى الهوى عن نفسه، و لأنّ السّالك أوّل ما يبدء في تكميل القوّة العمليّة باصلاح القوّة الشهويّة فيقف عند حدود اللّه و لا يتجاوزها في مأكول أو منكوح أو كسب و نحوه.
و الثّلاثون أنّه (يصف الحقّ و يعمل به) أى يطابق فعله قوله و يوافق قوله عمله فانّ من يأمر و لا يأتمر و ينهى و لا يزدجر لا يؤثّر وعظه و لا يثمر إرشاده فانّ الموعظة إذا صدرت عن اللّسان لا يتجاوز الآذان و إذا خرجت من القلب وقع في القلب، و قد ذمّ اللّه أقواما خالفت أفعالهم أقوالهم بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ.
(و) الحادى و الثلاثون أنّه (لا يدع للخير غاية إلّا أمّها و لا مظنّة إلّا قصدها) يعني أنّ همّته مقصورة على سلوك مسالك الخير و قصد مظانّ البرّ ليفوز غايته و يدرك نهايته.
و الثّانى و الثّلاثون أنّه (قد أمكن الكتاب) أى كتاب اللّه (من زمامه) أدّى زمام نفسه إلى الكتاب و فوّضه إليه و مكّنه منه و هو كناية عن كونه منقادا له مطيعا لما اشتمل عليه من الأوامر و النواهى (فهو قائده و امامه) يقوده إلى اللّه و يأمّه في سلوك سبيل رضوان اللّه (يحلّ حيث حلّ ثقله و ينزل حيث كان منزله) قال الشارح البحراني: استعار عليه السّلام و صفى الحلول و النّزول الّذين هما من صفات المسافر و كنّى بحلوله حيث حلّ عن لزوم أثره و العمل بمقتضاه و متابعته له في طريق سفره إلى اللّه بحيث لا ينفكّ عنه وجودا و عدما.
أقول: هذا إن كان المراد بالموصوف نفسه الشّريف و من حذا حذوه،و أمّا إن اريد به مطلق العارف فالمراد بمحلّ القرآن و منزله هو بيت الرّسالة و الامامة أعني مهبط الوحى و معدن الذكر، فيكون المقصود بحلول الموصوف و نزوله فيه كالقرآن كونه مقتديا بالرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة مقتبسا لهداهم آخذا بولايتهم صلوات اللّه و تحيّاته عليه و عليهم أجمعين.
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن امام زمان و مقتداى عالميان است در وصف حال متّقين فرموده كه: اى بندگان خدا بدرستى از محبوبترين بندگان خدا است بسوى او بنده كه اعانت فرمود و غالب نمود خداى تعالى او را بر نفس خود پس شعار خود گردانيد حزن را، و سرپوش خود نمود ترس را، پس روشن شد چراغ هدايت در قلب او، و مهيا نمود مهماني را براى روزى كه فرود آيد باو پس نزديك گردانيد بر نفس خود دور را كه عبارتست از موت و احوال آخرت، و آسان نمود كار سخت را كه عبارتست از كلفت و مشاقّ عبادت، نگاه كرد بديده عبرت بملك و ملكوت، پس شد صاحب معرفت و بصيرت، و ذكر كرد خداوند را پس بسيار نمود از ذكر ربّ العزّت، و سيراب شد از آب خوش شيرين كه آسان گردانيده شد از براى او موارد آن پس آشاميد آبرا أول بار و سبقت نمود بر سايرين و محتاج نشد بآشاميدن دوّيمين و سلوك كرد راه راست محفوظ از تفريط و افراط را.
بتحقيق كه بر كند از خود پيراهنهاى شهوتها را، و خالى شد از همه همّها و غمّها مگر همّ واحدى كه منفرد شده است باو كه عبارتست از همّ وصول بقرب حق، پس بيرون آمد از صفت كورى و از مشاركت أهل هوا و غفلت، و گرديد از كليدهاى درهاى هدايت و از آلتهاى بستن درهاى هلاكت.
بتحقيق كه ديد راه صواب خود را و سلوك نمود در راه راست خود و شناخت نشان هدايت خود را از دلايل واضحات، و بريد از خود آنچه فرو رفته بود در آن از شهوات، و چنگ زد از بندها بمحكمترين آنها و از ريسمانها باستوارترين آنهاپس او از يقين بر مثال نور آفتابست در تابندگى و درخشندگى، پس نصب كرد نفس خود را از براى خداوند در بلندترين كارها كه عبارت باشد از بازگردانيدن جواب هر وارد كننده سؤال بر او و از ردّ نمودن هر فرع از فروع علوم بسوى اصل خود چراغ تاريكيها است، كشف كننده امرهاى مشتبه است، راهنماى بيابانها است سخن مىگويد پس مىفهماند، و ساكت مىشود پس بسلامت مىماند.
بتحقيق كه خالص نمود عبادت را از براى خدا پس خالص نمود خداوند او را از براى خود و برگزيد او را با بناى جنس بافاضه فيوضات و كمالات، پس او از معدنهاى دين خدا است و از ميخهاى زمين حق تعالى است.
بتحقيق كه لازم گردانيده بر نفس خود عدل را پس هست اوّل عدالت او دور نمودن هوا و هوس از نفس خود، تعريف ميكند حق را و عمل مي كند بآن، ترك نمىنمايد عمل خير را هيچ غايتى مگر اين كه قصد ميكند آن را، و نمى گذارد مظنه خيرى مگر اين كه آهنگ مى نمايد آن را.
بتحقيق كه متمكّن ساخت كتاب اللّه المجيد را از مهار خود، و جلو خود را بدست او واگذار نمود، پس كتاب عزيز قائد و پيشواى او است، حلول ميكند هر جا كه حلول ميكند بار نفيس كتاب، و نزول مىنمايد هر مكانى كه منزل نموده در آن كتاب، و اللّه أعلم بالصّواب.
الفصل الثاني
و آخر قد تسمّى عالما و ليس به، فاقتبس جهائل من جهّال، و أضاليل من ضلّال، و نصب للنّاس أشراكا من حبائل غرور، و قول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، و عطف الحقّ على أهوائه، يؤمّن النّاس من العظائم، و يهوّن كبير الجرائم، يقول أقف عند الشّبهات
و فيها وقع، و يقول أعتزل البدع و بينها اضطجع، فالصّورة صورة إنسان، و القلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتّبعه، و لا باب العمى فيصدّ عنه، و ذلك ميّت الأحياء.
اللغة
(قد تسمّى) تسمّى بفتح التّاء المثناة الفوقانيّة قال في القاموس تسمّى بكذا و بالقوم و إليهم انتسب، و في بعض النسخ يسمّى بصيغة المضارع المجهول من باب فعل و هو الأظهر (الجهائل) جمع الجهالة كالعلائق و العلاقة و (الأضاليل) من الضّلال جمع لا واحد له من لفظه و (ضلّال) بضم الضّاد جمع ضالّ كجاهل و جهّال و عامر و عمّار و (الأشراك) جمع الشّرك محرّكة و هو ما يصطاد به و (الزّور) الكذب و مزخرف الكلام قال تعالى: و اجتنبوا قول الزّور و (ضجعت) ضجوعا من باب نفع وضعت جنبي بالأرض و اضطجعت مثله.
الاعراب
قوله: و آخر بالرّفع صفة لمحذوف معطوف على محلّ اسم انّ السّابق في أوّل الفصل السّابق، قوله: و ليس به، من زيادة الباء في الخبر و اسم ليس ضمير مستتر، و اللّام في الصورة و القلب إمّا عوض عن الضمير المضاف إليه كما هو مذهب الكوفيّين و بعض البصريّين أى صورته صورة إنسان و قلبه قلب حيوان و عليه خرج الكوفيّون قوله سبحانه: فإنّ الجنّة هي المأوى، و المانعون يقولون في مثل ذلك إنّ اللّام للعهد و الضمير محذوف أى الصورة له أو منه و قالوا في الآية: هي المأوى له.
المعنى
اعلم أنّه لما شرح حال أحبّ العباد إلى اللّه سبحانه في الفصل السّابق أردف ذلك بشرح حال المبغوضين عنده تعالى فقال (و آخر قد تسمّى عالما و ليس به) أى و عبد آخر قد انتسب إلى أهل العلم و نسب نفسه إليهم و ليس هو بذلك أو سمّاه العوام عالما (فاقتبس جهائل من جهّال و أضاليل من ضلّال) أى تعلّم جهالات مركّبة و عقايد باطلة من أهل الجهالة و اكتسب الآراء الموجبة للانحراف عن قصد السّبيل عن أهل الضّلالة فحذا حذوهم و سلك سبيلهم و صار جاهلا ضالّا مثلهم (و نصب للنّاس أشراكا من حبائل غرور و قول زور) يعني أنه يغرّ الخلق بأقواله الباطلة و أفعاله المزخرفة و يجذبهم بها إليه و يوقعهم في شركه و حبالته كما يغرّ الصيّاد الصّيد يخدعه حتّى يوقعه في شركه الّذي نصبه له (قد حمل الكتاب على آرائه) أراد عليه السّلام أنه حمل كتاب اللّه على مقتضى رأيه و هواه، و ذلك لجهله بفحواه و معناه و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من فسّر القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النّار، و كفى بكلامه عليه السّلام شاهدا أنّ كلّا من الفرق المختلفة كالمشّبهة و المجسّمة و الكراميّة و الأشعريّة و المعتزلة و غيرها على كثرتها قد تعلّق في إثبات مذهبه بالقرآن، فكلّ يأوّله على رأيه و يخرجه على معتقده مع أنّ قول الكلّ باطل و تأويل الجميع فاسد. وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ. و قوله عليه السّلام (و عطف الحقّ على أهوائه) عطف تفسير و توضيح إذ الكتاب حقّ و ما فيه حقّ و من حمله على رأيه فقد عطف الحقّ على هواه و جعل هواه حقّا بتأويل ما. وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ (يؤمّن الناس من العظائم و يهوّن) في نظرهم (كبير الجرائم) بذكر الآيات الدّالة على الوعد و الأحاديث المحصّلة للطمع و الرّجا كقوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً
و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حبّ عليّ حسنة لا يضرّ معها سيئة، و نحو ذلك و إنّما يهوّنها في نظرهم و يؤمّنهم منها استجلا با لقلوبهم و طلبا للوقع عند الجهّال من الأمرا و أرباب المناصب و نحوهم من المنهمكين في الشّهوات و الباغين للّذّات و المقتحمين في الشبهات و المحرّمات الذين لا يبالون في شيء منها طمعا في أنه سبحانه قابل التّوبات و غافر الخطيئات و ما حيّ السّيئآت. و هذا من تسويلات الشّيطان اللّعين و تدليسات ذلك الفاسق المتوسّم بسمة العالم إذ الخوف توأم الرجاءِ و الوعد ردف الوعيد، و هو تعالى قهّار كما أنّه غفّار، فاللّازم للعالم أن يلاحظ المقام و ينظر مواقع الكلام فيورد أدلّة الرّجاء في مجالس الخائفين، و آيات الخوف في مجالس الآمنين كيلا ييأس الخائف من روح اللّه و لا يأمن الآمن من غضب اللّه. (يقول أقف عند الشّبهات) توقّيا و تورّعا (و فيها وقع) لجهله بها و غفلته عنها و الوقوف عندها فرع العلم (و يقول أعتزل البدع) المخالفة للقوانين الشرعية (و بينها اضطجع) لجهله بها أيضا (فالصّورة صورة إنسان) تامّ الأعضاء و الأركان بهيّ الهيئة عذب اللسان (و القلب قلب حيوان) له اذنان محجوب عن إدراك حقايق العرفان.
و كاين ترى من صامت لك معجب
زيادته أو نقصه في التّكلّم
لسان الفتى نصف و نصف فؤاده
فلم يبق إلّا صورة اللّحم و الدّم
(لا يعرف باب الهدى فيتّبعه و لا باب العمى فيصدّ عنه) يعني أنه بسبب جهله المركب لا يعرف قانون الهداية إلى الرّشاد فيلزمه، و لا واجه الدّخول في الباطل فيتركه، و ذلك لأنّ الجاهل المركّب لمّا ألحد عن سبيل اللّه و اعتقد بخلاف الواقع امتنع مع ذلك أن يعرف باب الهدى و مبدء الدّخول إليه فلا يمكن له اتّباعه، و لمّا اعتقد أنّ ما جزم به من الباطل هو الحقّ امتنع معه أن يعرف مبدء دخوله في الجهل و هو باب العمى فامتنع منه أن يصدّ عنه. (فذلك ميّت الأحياء) يعني أنّه ميّت في سلك الأحياء، و إنّما كان ميّتاإذ المقصود بالحياة في الحقيقة هو استكمال النّفس و اكتساب الفضايل الّتى هي سبب السّعادة الأبدية و العناية السّرمديّة، و لما كان الجاهل بمعزل عن ذلك فكان بمنزلة الميّت بل ميّتا في الحقيقة قال الشّاعر:
ليس من مات فاستراح بميّت إنّما الميت ميّت الأحياء
تنبيه
هذا الفصل من كلام الامام عليه آلاف التحية و السّلام كاف في ذمّ العلماء السوء و القدح عليهم و الطّعن فيهم، و أعنى بالعلماء السوء المتّصفين بالأوصاف المذكورة في هذا الفصل، و هم العلماء الآخذون بالبدع و الآراء، و العاملون بالمقائيس و الأهواء، كعلماء العامّة و قضاتها الّذين لم يأخذوا العلم من ينابيعه، و لم يتعلّموا القرآن من أهله و استغنوا عن عترة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و آله و حيث ضاق بهم المجال في الوصول إلى حقيقة الحال اضطرّوا إلى الأخذ بالرّأى و القياس ففسّروا القرآن بآرائهم، و عطفوا الحقّ على أهوائهم، و عملوا في مسائل الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام بأقيستهم، فأبدعوا في الدّين، و غيّروا شرع سيّد المرسلين صلوات اللّه عليه و آله أجمعين هذا. و مثلهم في استحقاق الذّم و الطّعن العلماء السوء منّا، و هم الذين تعلّموا العلم من أهله، و أخذوه من أحاديث الأئمة، و رجعوا في تفسير القرآن إلى تفسير خير الامة إلّا أنّهم لم يعملوا بعلمهم، و وصفوا الحقّ فخالف فعلهم قولهم، و هم علماء الدّنيا الذين قصدهم من العلم التّنعم بالدّنيا و التوصّل إلى الجاه و المنزلة عند أهلها. و الآيات و الأخبار في ذمّ هؤلاء و تشديد الأمر عليهم فوق حدّ الاحصاء و متجاوزة مرتبة الاستقصاء، و ينبغي أن نورد هنا شطرا منها ممّا يناسب المقام.
فأقول: روى ثقة الاسلام الكلينيّ في الكافي عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و آله سلّم: منهومان لا يشبعان: طالبدنيا، و طالب علم، فمن اقتصر من الدّنيا على ما أحلّ اللّه له سلم، و من تناولها من غير حلّها هلك إلّا أن يتوب أو يراجع، و من أخذ العلم من أهله و عمل بعلمه نجا، و من أراد الدّنيا فهي حظّها. و عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أراد الحديث لمنفعة الدّنيا لم يكن له في الآخرة نصيب، و من أراد به خير الآخرة أعطاه اللّه خير الدّنيا و الآخرة. و عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا رأيتم العالم محبّا لدنياه فاتّهموه على دينكم، فانّ كلّ محبّ شيء يحوط ما أحبّ و قال عليه السّلام: أوحى اللّه إلى داود عليه السّلام لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدّنيا فيصدّك عن طريق محبّتي، فانّ أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين إلىّ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم. و عن ربعي بن عبد اللّه عمّن حدّثه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يمارى به السّفهاء أو يصرف به وجوه النّاس إليه فليتبوّء مقعده من النّار، إنّ الرّياسة لا تصلح إلّا لأهلها.
و عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: يا حفص يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد. و عن حفص أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قال عيسى بن مريم عليه السّلام: ويل للعلماء السوء كيف تلظّى عليهم النّار. و عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ. قال: هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره. و عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يحدّث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال في كلام له: العلماء رجلان: رجل عالم أخذ بعلمه فهذا ناج، و عالم تارك لعلمه فهذا هالك، و إنّ أهل النّار ليتأذّون من ريح العالم التّارك لعلمه، و إنّ أشدّ أهل النّار ندامة و حسرة رجل دعا عبدا إلى اللّه فاستجاب له و قبل منه فأطاع اللّه فأدخله اللّه الجنة فأدخل الداعى النّار بترك علمه و اتّباعه الهوى و طول الأمل، أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة و عن عبد اللّه بن القاسم الجعفرى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصّفا. أقول: و نعم ما قيل في هذا المعنى:
يا واعظ النّاس قد أصبحت متّهما
إذ عبت منهم امورا أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا
فالموبقات لعمرى أنت جائيها
تعيب دنيا و ناسا راغبين لها
و أنت أكثر منهم رغبة فيها
و فيه عن عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه قال: جاء رجل إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام فسأله عن مسائل فأجاب ثمّ عاد ليسأل عن مثلها فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام: مكتوب في الانجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون و لمّا تعملوا بما علمتم فانّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلّا كفرا و لم يزدد من اللّه إلّا بعدا. و عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: بم يعرف النّاجي قال عليه السّلام: من كان فعله لقوله موافقا فاثبت له الشهادة، و من لم يكن فعله لقوله موافقا فانّما ذلك مستودع. أقول: قال الشاعر:
لاتنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
هذا و الأخبار العامية فى ذلك الباب كثيرة جدّا و قد أكثر أبو حامد الغزالي في احياء العلوم من روايتها. ففيه قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه اللّه بعلمه. و عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: لا يكون المرء عالما حتّى يكون بعلمه عاملا، و قال: صلّى اللّه عليه و آله العلم علمان علم على اللّسان فذلك حجّة اللّه على خلقه و علم في القلب فذلك العلم النّافع و قال عليه السّلام إنّ العالم ليعذّب عذابا يطيف به أهل النّار استعظاما لشدّة عذابه و قال اسامة بن زيد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يقول يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النّار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرّحى فيطيف به أهل النّار فيقولون مالك فيقول: كنت آمر بالخير و لا آتيه، و أنهى عن الشّر و آتيه.
و روى معاذ بن جبل موقوفا و مرفوعا في رواية عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من فتنة العالم أن يكون الكلام أحبّ إليه من الاستماع، و في الكلام تنميق و زيادة و لا يؤمن على صاحبه الخطاء، و في الصّمت سلامة و علم. و من العلماء من يخزن علمه فلا يحبّ أن يوجد عند غيره فذلك في الدّرك الأول من النّار، و من العلماء من يكون في علمه بمنزلة السّلطان إن ردّ عليه شيء من علمه أو تهوّن بشيء من حقّه غضب، فذلك في الدّرك الثاني من النار، و من العلماء من يجعل علمه و غرايب حديثه لأهل الشرف و اليسار و لا يرى أهل الحاجة له أهلا فذلك في الدّرك الثالث من النّار، و من العلماء من ينصب نفسه للفتيا فيفتى بالخطاء و اللّه تعالى يبغض المتكلّفين، فذلك في الدّرك الرّابع من النّار، و من العلماء من يتكلّم بكلام اليهود و النّصارى ليعزّز به علمه، فذلك في الدّرك الخامس من النّار، و من العلماء من يتّخذ علمه مروّة و نيلا و ذكرا في النّاس، فذلك في الدّرك السادس من النّار، و من العلماء من يستفزّه الزّهو و العجب فان وعظ أنف، فذلك في الدّرك السّابع من النار، إلى غير هذه مما رواه فيه، و هى كافية في الدّلالة على عظم وزر العالم في معاصيه و كون عذابه أشدّ و حسرته أدوم.
و سرّ ذلك أمران: الاول أنّ العالم إذا عصى يزلّ بعصيانه خلق كثير كما قيل: إذا فسد العالم فسد العالم، فمن تناول شيئا من المحرّمات و قال للنّاس لا تتناولوه سخر به النّاس و استهزءوه و زاد حرصهم على ما نهوا عنه، فيقولون لو لا أنّه أطيب شيء و ألذّه لما كان يستأثر به نفسه و يقدم عليه فيقتدي به الخلق في سوء عمله و يتّبعونه فيلحق به مثل وزرهم، مضافا إلى وزر نفسه كما قال: من سنّ سنّة سيّئة كان له مثل وزر من عمل بها. و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قصم ظهرى رجلان: عالم متهتّك، و جاهل متنسّك فالجاهل يغرّ النّاس بتنسّكه و العالم يغرّهم بتهتّكه.
و الثاني أنّ عصيان العالم مع اتّصافه بصفة العلم كاشف عن منتهى خبث طينته و سوء سريرته و غاية جرئته على مولاه، و ذلك بخلاف الجاهل فانه إمّا جاهل ساذج فلا تكليف في حقّه إذ الجهل مانع من أن يتوجّه إليه حكم أو خطاب، فليس في حقّه أمر و لا نهى فلا ثواب و لا عقاب، و إمّا جاهل في الجملة فليس له معرفة مثل المعرفة الّتي للعالم و لذلك جعل اللّه سبحانه ثواب المطيعات من نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و العاصيات منهنّ ضعف ما لغيرهنّ، لكونهنّ عارفات عالمات بادراكهنّ حضور النّبي صلّى اللّه عليه و آله و صحبته كما قال عزّ من قائل: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً و قال سبحانه: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ. لأنّهم جحدوا بعد العلم و جعل اليهود شرّا من النّصارى مع أنّهم ما جعلوا اللّه تعالى ولدا و لا قالوا: إنّه سبحانه ثالث ثلاثة إلّا أنّهم أنكروا بعد المعرفة إذ قال اللّه: يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ و قال: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ و في سورة الجمعة: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. إذا ظهر لك أيّها العالم ذلك فلا يغرّنّك الشّيطان و لا يصدّنّك عن سبيل ربّك و لا ينبغي لك أن تعرّض نفسك للهوان و لغضب الرّحمن، و لا يجوز لك أن تؤثر دنياك على آخرتك و لا أن تتّبع هوى نفسك أو تأمر النّاس بالبرّ و تنسى نفسك«»، أو تقول ما لا تفعل، فقد كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون«» فالويل كلّ الويل لمن اتّبع هواه و باع آخرته بدنياه.
عجبت لمبتاع الضّلالة بالهدى
و من يشترى دنياه بالدّين أعجب
و أعجب من هذين من باع دينه
بدنيا سواه فهو من ذين أعجب
الترجمة
و شخصى ديگرى هست كه نسبت داده شده بأهل علم و حال آنكه عالم نيست پس كسب نمود جهالتها را از جهال روزگار و ضلالتها را از گمراهان نابكار، و نصب نمود از جهة فريفتن مردم دامهاى حيلها را از ريسمانهاى فريب و از گفتار دروغ، بتحقيق كه حمل كرده كتاب مجيد را بر رأيهاى باطل خود، و ميل داده حق را بر آرزوهاى عاطل خود، أيمن مى گرداند مردم را از گناهان عظيم و آسان مى گرداند جرمهاى بزرك را. مى گويد كه وقوف مي كنم و باز مى ايستم از شبهه ها و حال آنكه در آنها افتاده، و مى گويد كه اعتزال مي كنم و كنارهجوئى مى نمايم از بدعتها و حال آنكه در ميان آنها خواب كرده، پس صورت آن مثل صورت انسان است و قلب آن مثل قلب حيوان، پس نمى شناسد باب هدايت را تا پيروى كند آن را، و نه باب ضلالت را پس باز ايستد از آن، پس اين شخص كذائي مرده زنده است چه متّصف است بجهل ابدى كه موت است در صورة حياة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»