google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
خطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی80-100 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 83 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 84 صبحی صالح

84- و من خطبة له ( عليه‏ السلام  ) في ذكر عمرو بن العاص‏

عَجَباً لِابْنِ النَّابِغَةِ

يَزْعُمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً

وَ أَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ

أُعَافِسُ وَ أُمَارِسُ

لَقَدْ قَالَ بَاطِلًا

وَ نَطَقَ آثِماً

أَمَا وَ شَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ

إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ

وَ يَعِدُ فَيُخْلِفُ

وَ يُسْأَلُ فَيَبْخَلُ

وَ يَسْأَلُ فَيُلْحِفُ

وَ يَخُونُ الْعَهْدَ

وَ يَقْطَعُ الْإِلَّ

فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَ آمِرٍ هُوَ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ (أَكْبَرَ) مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَهُ

أَمَا وَ اللَّهِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ

وَ إِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الْآخِرَةِ

إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً

وَ يَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَةً

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج6  

و من كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص و هو الثالث و الثمانون من المختار في باب الخطب

و قد رواه غير واحد من المحدّثين على اختلاف تطلع عليه في التّذنيب الثاني إن شاء اللّه.

عَجَباً لابْن النّابِغَةِ يَزْعَمُ لِأَهلِ الشّامِ أنَّ فِيَّ دُعابَةٌ وَ إِنِّي امْرءٌ تِلْعابَةٌ أُعافِسُ وَ أُمارِسُ، لَقَدْ قالَ باطِلًا، وَ نَطَقَ آثِماً، أَما وَ شَرُّ الْقَول الْكِذْبُ، إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ، وَ يَعِد فَيُخْلِفُ، وَ يَسْئَلُ فَيُلْحِفُ، وَ يُسْئَلُ فَيَبْخَلُ، وَ يَخُونُ الْعَهْدَ، وَ يَقْطعُ الْإلَّ، فَإذا كانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زاجِرٍ وَ آمرٍ هُوَ ما لَمْ يَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَها، فَإذا كانَ ذلِكَ كانَ أَكْبَرُ مَكيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَوْمَ سَبَّتَهُ، أَما وَ اللَّه إِنَّهُ ليَمْنَعُني مِنَ اللَّعَبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ، وَ إِنَّهُ ليَمْنَعَهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيانُ الْآخِرَةِ، إِنَّهُ لَمْ يُبايِعْ مُعوِيَةَ حَتَّى‏ شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤْتِيهُ أَتِيِّةً، وَ يَرْضَخَ لَهُ عَلى‏ تَرْكِ الدِّينِ رَضيخَةً.

اللغة

(النّابغة) أمّ عمرو بن العاص سمّيت بها لظهورها و شهرتها بالبغى، مأخوذة من نبغ الشي‏ء نبوغا أى ظهر و (يزعم) بمعنى يقول، قال الفيومي: و عليه قوله تعالى: «أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ» أى كما أخبرت قال المرزوقي: أكثر ما يستعمل الزّعم فيما كان باطلا أو فيه ارتياب، قال الحطاني: و لهذا قيل زعم مطيّة الكذب و زعم غير مزعم قال غير مقول صالح و ادّعى ما لا يمكن، و قال أبو البقاء: الزّعم بالضمّ اعتقاد الباطل بلا تقوّل و بالفتح اعتقاد الباطل بتقوّل، و قيل: بالفتح قول مع الظنّ و بالضمّ ظنّ بلا قول، و من عادة العرب أنّ من قال كلاما و كان عندهم كاذبا قالوا: زعم فلان قال شريح: لكلّ شي‏ء كنية و كنية الكذب زعم، و قد جاء في القرآن في كلّ موضع ذمّا للقائلين.

و (الدعابة) بضمّ الدّال المزاح من دعب يدعب مثل مزح يمزح و زنا و معنى و في لغة من باب تعب و في الحديث قلت: و ما الدّعابة قال: هي المزاح و ما يستملح و (التلعابة) بكسر التّاء كثير اللعب و المزاح و التّاء للمبالغة، و التّلعاب بالفتح مصدر لعب و (العافسة) المعالجة في الصراع من العفس و هو الجذب إلى الأرض في ضغط شديد و الضرب على الأرض بالرِّجل و (الممارسة) المعالجة و المزاولة و (ألحف) السائل إلحافاً ألحّ و (الالّ) العهد و القرابة قال تعالى: «لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً» و (السبة) الاست و (الاتية) كالعطية لفظا و معنى و (الرضيخة) الرّشوة من رضخ له رضخاً من باب نفع و ضيخة أعطاه شيئاً ليس بالكثير.

الإعراب

عجباً منصوب على المصدرية بحذف عامله، و جملة يزعم إمّا في محل النّصب على الحال من ابن النابغة لكونه مفعولًا بالواسطة، أو لا محلّ لها من الإعراب لكونها استينافاً بيانيا، فكأنّه عليه السّلام سئل عن علّة التعجب فأجاب بأنّه يزعم و هو الأظهر و جملة أعافس و أمارس في محل الرّفع صفة بعد صفة لامرء و هي في المعنى تأكيد لقوله تلعابة و لكمال الاتّصال بينهما ترك حرف العطف و هو من المحسّنات البيانية و جملة لقد قال باطلا قسمية و باطلا صفة لمصدر محذوف، و آثماً منصوب على الحال و يحتمل أن يكون صفة لمحذوف أيضا أى نطق نطقاً آثماً فيكون اسناد آثماً إليه من باب التّوسع.

قوله فأيّ زاجر و آمر هو، لفظة أيّ منصوبة على الحالية و حذف عاملها للقرينة و هي اسم موضوع للدّلالة على معنى الكمال و يستعمل في مقام التّعجب، تقول: مررت برجل أىّ رجل، أى كامل في الرّجولية و بزيد أىّ رجل أى كاملًا فيها قالوا: إنّه إذا وقع بعد المعرفة فحال و إذا وقع بعد النكرة فصفة، و تقدير كلامه عليه السّلام فهو زاجر أيّ زاجر.

قال الرّضي في شرح الكافية بعد ما حكى عنهم كون أيّ اسماً موضوعاً للدلالة على معنى في متبوعه: و الذي يقوي عندي أنّ أىّ رجل لا يدلّ بالوضع على معنى في متبوعه، بل هو منقول عن أىّ الاستفهاميّة، و ذلك أنّ الاستفهاميّة للسؤال عن التّعيين، و ذلك لا يكون إلّا عند جهالة المسئول عنه فاستعيرت لوصف الشّي‏ء بالكمال في معنى من المعاني و التّعجب من حاله، و الجامع بينهما أنّ الكامل البالغ غاية الكمال بحيث يتعجّب منه يكون مجهول الحال بحيث يحتاج إلى السؤال عنه.

المعنى

اعلم أنّ عمرو بن العاص اللّعين ابن اللّعين لمّا كان عدوّا لأمير المؤمنين سلام اللَّه عليه و آله، معلناً بعداوته كما كان أبوه العاص بن وائل عدواً لرسول اللّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لا جرم كان همّة اللّعين مصروفة في الكذب و الافتراء عليه عليه السّلام و كان يروم بذلك أن يعيبه عند النّاس و يسقط محلّته عليه السّلام من القلوب و من جملة ما افترى عليه كذبا أنّه قال لأهل الشّام: إنّما أخّرنا علياً لأنّ فيه هزلا لا جدّ معه، فنسبه عليه السّلام إلى الدّعابة و كثرة المزاح كما نسبه عليه السّلام إلى ذلك عمر بن الخطاب و هذه النسبة من عمرو سيّئة من سيّئات عمر.

فأراد عليه السّلام بكلامه ذلك دفع هذه النسبة و اثبات أنه افتراء و بهتان في حقه و ذكر أوّلا ما قاله ابن العاص ثمّ اتبعه بردّه فقال: (عجباً لابن النّابغة) و إنّما كنى عنه بامّه إذ من عادة العرب النسبة إلى الأمّ إذا كانت مشهورة بالخسّة و الدّنائة يريدون بذلك ذمة و القدح فيه، و قد ينسبونه إليها إذا كانت معروفة بالشّرف يريدون بذلك شرفه و مدحه (يزعم لأهل الشّام) و يقول لهم قصدا للقدح و التّعييب (انّ فيّ) مزاح و (دعابة و اني امرء تلعابة) و كثير الممازحة حتّى أنّي (أعافس) و أصارع (و أمارس) و أعالج فعل من اتّصف بفراغ القلب فاستغرق أوقاته باللّهو و اللّعب، و اللَّه (لقد قال) قولا (باطلا و نطق) عاصيا (آثماً) لأنّه كذب فاذنب و افترى فعصى (أما و شرّ القول الكذب) و الافتراء من حيث العقل و النّقل و الدّين و الدّنيا كما ستطّلع عليه فيما عليك يتلى.

و هذا الملعون قد اتّصف بذلك و بغيره ممّا يوقعه في المهالك و لقد كان جامعا لجملة من الصّفات الخبيثة الشّيطانية و متصفا بجمّة من الرّذايل الخسيسة النّفسانية مضافة إلى ما فيه من فساد الاعتقاد و الكفر و العناد و هي على ما نبّه عليها أمور: أول (انه ليقول فيكذب) و رذالة هذه الصّفة و قباحته معلومة من حيث العقل و النّقل.

أمّا العقل فلأنّ الوجدان شاهد بأنّ الكذب يوجب اسوداد لوح القلب و يمنعه من انتقاش صور الحقّ و الصّدق فيه و يفسد المنامات و الالهامات، و ربما يكون سببا لخراب البلاد و فساد أمر العباد، جالبا للعداوة و البغضاء، باعثا على سفك الدّماء و لذلك اتفق العقلاء من المليّين و غيرهم على قبحه، و قالت المعتزلة: قبحه معلوم بالضرورة.

و أمّا النّقل فقد قال سبحانه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» و قال في صفة المؤمنين: «وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً».

و قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: إيّاكم و الكذب «فانَّ الكذب ظ» يهدى إلى الفجور و الفجور يهدي إلى النّار-  رواه في جامع الأخبار.

و فيه عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك و خرج من قلبه نتن حتّى يبلغ العرش فيلعنه حملة العرش و كتب اللَّه عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمّه.

و قال موسى عليه السّلام: يا ربّ أيّ عبادك خير عملا قال: من لا يكذب لسانه و لا يفجر قلبه و لا يزني فرجه.

و قال العسكري عليه السّلام: جعلت الخبائث كلّها في بيت و جعل مفتاحها الكذب و في عقاب الأعمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللَّه عزّ و جلّ جعل للشّر أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب و الشّر من الشراب الكذب.

و في الوسائل من الكافي بإسناده عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ أوّل من يكذّب الكذّاب اللَّه عزّ و جلّ ثمّ الملكان اللّذان معه ثمّ هو يعلم أنه كاذب.

و عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن أبيه عمّن ذكره عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الكذب هو خرّاب الإيمان.

و عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول: إنّ مما أعان اللَّه به على الكذّابين النسيان.

و عن محسن بن طريف عن أبيه عمّن ذكره عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: قال عيسى بن مريم عليه السّلام: من كثر كذبه ذهب بهاؤه.

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أوردناه كفاية لمن له دراية و سيأتي تحقيق الكلام فيه و في أقسامه في شرح الخطبة الخامسة و الثّمانين فانتظر.

(و) الثاني أنّه (يعد فيخلف) و هذا أيضاً من شئونات الكذب ففيه ما فيه و زيادة، و يقابله الوفاء و هو توأم الصدق كما قد مرّ مشروحاً في الخطبة الحادية و الأربعين (و) الثالث أنه (يسأل فيلحف) و دنائة هذه الصّفة أيضاً واضحة إذ الإصرار في المطالبة و الالحاح في السّوال من أوصاف الأرذال موجبة للابتذال لا محالة (و) الرابع انّه (يسأل فيبخل) يعنى أنّه يمنع السّائل و ينهره و يبخل من أداء الحقوق الواجبة و صرفها في جهتها، و قد قال سبحانه: «وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ» و قال أيضاً: «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» و قال في موضع آخر: «وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى‏ وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏» و في سورة آل عمران: «وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» و في سورة التّوبة: «وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ».

روى في الوسائل من الكافي بإسناده عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن آبائه عليهم السّلام أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سمع رجلا يقول: إنّ الشحيح أعذر من الظالم، فقال له: كذبت إنّ الظالم قد يتوب و يستغفر و يردّ الظلامة على أهلها، و الشّحيح إذا شحّ منع الزكاة و الصّدقة و صلة الرّحم و قرى الضيف و النفقة في سبيل اللّه و أبواب البرّ، و حرام على الجنّة أن يدخلها شحيح.

و فيه عن عبد العليّ بن أعين عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: إنّ البخيل من كسب‏ مالا من غير حلّه و أنفقه في غير حقه.

و عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في قول اللَّه عزّ و جلّ: «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» أ هو سوى الزّكاة فقال: هو الرّجل يؤتيه اللَّه الثروة من المال فيخرج منه الألف و الألفين و الثلاثة و الأقلّ و الأكثر فيصل به رحمه و يحمل به الكلّ عن قومه.

و يجي‏ء اشباع الكلام في هذا المقام زيادة على ذلك في شرح المأة و التّسع من المختار في باب الخطب انشاء اللَّه (و) الخامس أنّه (يخون العهد) و هي رذيلة داخلة تحت الفجور، و يقابلها الوفاء قال سبحانه: «وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا…، وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً».

و قد مضى تفصيل الكلام فيه في شرح كلماته السّابعة و السّبعين (و) السادس أنه (يقطع الالّ) إن كان المراد بالالّ العهد فالعطف بمنزلة التّفسير و إن كان المراد به القراب كما هو الأظهر فالمقصود به قطع الرّحم، و يقابله الصّلة و قد مضى الكلام فيهما في الفصل الثاني من الخطبة الثالثة و العشرين.

و السابع الجبن و يقابله الشّجاعة و إليه أشار عليه السّلام بقوله (فاذا كان عند الحرب فأيّ زاجر و آمر هو) بالقتال و براز الأبطال (ما لم يأخذ السّيوف مأخذها) و الرّماح مراكزها (فاذا كان ذلك) و التحم الحرب و شبّ لظاها و علا سناها (كان أكبر مكيدته) في الذّب عنه و أعظم حيلته في الخلاص عن حدّ السّيف و النجاة منه (أن يمنح القوم سبّته) كما ستطلع عليه في التّذنيب الآتي.

ثمّ إنّه عليه السّلام رجع إلى ابطال دعوى عمرو و بيّن وجه البطلان بأمرين: أحدهما راجع إليه عليه السّلام و هو قوله (أما و اللّه إنّه ليمنعني من اللّعب ذكر الموت)فانّ مذاكرة الموت و مراقبة الاخرة تكون شاغلة عن الدّنيا معرضة عن الالتفات إليها و إلى شهواتها من اللّعب و نحوه لكونه و جلا من اللّه و مترصّدا لهجوم الموت و هو واضح بالمشاهدة و العيان و يشهد عليه البداهة و الوجدان، و ثانيها راجع إلى عمرو و هو قوله (و انه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة) فانّ نسيان الآخرة يوجب صرف الهمة إلى الدّنيا و طول الأمل فيها و يبعث على الانهماك في الشّهوات و الانغمار في اللّذات و من كان هذه حاله لا يبالي بما قال و ما يقول و يقدّم بدواعي شهواته الكذب على الصدق و الباطل على الحقّ ليصل غرضه و ينال مناه.

ثمّ نبّه عليه السّلام على بعض ما ترتب على نسيان الآخرة بقوله (انّه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه على البيعة أتيّة و يرضخ له على ترك الدّين) و العدول عن الحقّ (رضيخة) فأعطاه مصر ثمنا و طعمة على ما قد مضى مفصّلا في شرح الفصل الثالث من فصول الخطبة السّادسة و العشرين.

تذنيبات

الاول في ذكر نسب عمرو بن العاص

اللّعين ابن اللّعين عليه لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين أبد الأبدين و بيان بعض حالاته الدالة على كفره و شقاوته مع الاشارة إلى ما صدر عنه في صفين من كشف سوئته فأقول: اعلم أنّ العاص بن وائل أباه كان من المستهزئين برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و المعالنين له بالعداوة و الأذى، و فيه و في أصحابه نزل قوله تعالى.إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.

و كان يلقّب في الاسلام بالأبتر لأنّه قال لقريش: سيموت هذا الأبتر غدا فينقطع ذكره، يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و يشتمه و يضع في طريقه الحجارة، لأنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة فكان يجعل الحجارة في طريقه ليعثر بها، و هو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لما خرجت من مكة مهاجرة إلى المدينة فروّعوها و قرعوا هودجها بكعوب الرّماح حتى اجهضت جنينا ميتا من أبي العاص بن الرّبيع بعلها، فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه نازل منه و شقّ عليه مشقّة شديدة و لعنهم، رواه الشّارح المعتزلي عن الواقدي.

و روي عنه و عن غيره من أهل الحديث أنّ عمرو بن العاص هجا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله هجا كثيرا كان تعلمه صبيان مكة فينشدونه و يصيحون رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا مرّ بهم رافعين أصواتهم بذلك الهجاء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو يصلّي بالحجر: اللهمّ إنّ عمرو بن العاص هجانى و لست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني.

قال: و روى أهل الحديث أنّ النّضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط و عمرو بن العاص عمدوا إلى سلا«» جمل فرفعوه بينهم و وضعوا على رأس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه فصبر و لم يرفع رأسه و بكى في سجوده و دعا عليهم فجاءت ابنته فاطمة عليها السلام و هي باكية فاحتضنت ذلك السلا فرفعته عنه فألقته و قامت على رأسه تبكى فرفع رأسه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا، ثمّ قال صلى اللّه عليه و آله رافعا صوته: إنّي مظلوم فانتصر، قالها ثلاثا، ثمّ قال فدخل منزله و ذلك بعد وفات عمّه أبي طالب بشهرين.

قال: و لشدّة عداوة عمرو بن العاص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أرسله أهل مكّة إلى النّجاشي ليزهده في الدّين و ليطرد عن بلاده مهاجرة حبشة و ليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قتله، فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مذكور مشهور في السّير.

فاما النابغة فقد ذكر الزمخشري في الكتاب ربيع الأبرار قال: كانت النّابغة أمّ عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبد اللّه بن جذعان التّيمي بمكة فكانت بغيّا، ثمّ اعتقها فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب و اميّة بن خلف الجهمي و هشام بن المغيرة المخزومي و أبو سفيان بن الحرب و العاص بن وائل السهمى في طهر واحد فولدت عمرا فادّعاه كلّهم فحكمت امّه فيه فقالت: هو من العاص.

ابن وائل، و ذلك لأنّ العاص بن وائل ينفق عليها كثيرا، قالوا: و كان أشبه بأبي سفيان.

قال: و روى أبو عبيدة معمّر بن المثنّى في كتاب الأنساب أنّ عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان: أبو سفيان بن الحرب و العاص بن وائل، فقيل: لتحكم امّه فقالت امّه: من العاص بن وائل، فقال أبو سفيان: أما أنى لا أشكّ أني وضعته في بطن (رحم خ ل) امّه فأبت إلّا العاص فقيل لها: أبو سفيان أشرف نسبا، فقالت: إنّ العاص بن وائل كثير النّفقة علىّ و أبو سفيان شحيح، ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاء مكافتا له عن هجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:

أبوك أبو سفيان لا شكّ قد بدت
لنا فيك منه بينات الشّمائل‏

ففاخر به إمّا فخرت و لا تكن‏
تفاخر بالعاص الهجين بن وائل‏

و إنّ التي في ذاك يا عمرو حكمت
فقالت رجاء عند ذاك لنايل‏

من العاص عمرو تخبر الناس كلّما
تجمّعت الأقوام عند المحافل‏

و في البحار من الاحتجاج في حديث طويل قال الحسن عليه السّلام مخاطبا لابن العاص: و أما أنت يا عمرو بن العاص الشّاني اللّعين الأبتر فانما أنت كلب أوّل أمرك امّك لبغية أنّك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب و الوليد بن المغيرة و عثمان بن الحارث و النّضر بن الحارث بن كلدة و العاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا و أخبثهم منصبا و أعظمهم بغية ثمّ قمت خطيبا و قلت أنا شانئ محمّد، و قال العاص ابن وائل: إن محمّدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل اللّه تبارك و تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.

و كانت امّك تمشي إلى عبد قيس يطلب البغة تأتيهم في دورهم و في رحالهم و بطون أوديتهم، ثم كنت في كلّ مشهد يشهده رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من عدوّه أشدّهم له عداوة و أشدّهم له تكذيبا، الحديث.

و في البحار من كتاب سليم بن قيس الهلالى عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم‏

قال: إن عمرو بن العاص خطب النّاس بالشّام فقال: بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على جيش فيه أبو بكر و عمر فظننت أنّه إنّما بعثني لكرامتي عليه فلمّا قدمت قلت يا رسول اللّه أي النّاس أحبّ إليك فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم: عايشة، فقلت: من الرّجال قال: أبوها، و هذا علىّ يطعن على أبي بكر و عمر و عثمان، و قد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: إنّ اللّه ضرب بالحقّ على لسان عمر و قلبه، و قال في عثمان: إنّ الملائكة تستحي من عثمان.

و قد سمعت عليّا و إلّا فسمّتا يعني اذنيه يروى على عهد عمر إنّ نبي اللّه نظرا إلى أبى بكر و عمر مقبلين، فقال: يا عليّ هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين و الآخرين ما خلا النّبيين منهم و المرسلين و لا تحدّثهما بذلك فيهلكا.

فقام عليّ عليه السّلام فقال: العجب لطغاة أهل الشّام حيث يقبلون قول عمرو و يصدّقونه و قد بلغ من حديثه و كذبه و قلّة ورعه أن يكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و لعنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم سبعين لعنة و لعن صاحبه الذي يدعو إليه في غير موطن.

و ذلك انّه هجا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بقصيدة سبعين بيتا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: اللّهم إنّي لا أقول الشّعير و لا احلّه فالعنه أنت و ملائكتك بكلّ بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة.

ثمّ لما مات إبراهيم ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: إن محمّدا قد صار أبتر لا عقب له و إنّي لأشنا الناس له و أقولهم فيه سوء فأنزل فيه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.

يعني هو الأبتر من الايمان من كلّ خير ما لقيت من هذه الامة من كذا بيها و منافقيها لكأنّى بالقرّاء الضعفة المتهجدين رووا حديثه و صدّقوه فيه و احتجّوا علينا أهل البيت بكذبه: انا نقول خير هذه الامة أبو بكر و عمر و لو شئت لسمّيت الثالث، و اللّه ما أراد بقوله في عايشة و انتهى الارضاء معاوية بسخط اللّه عزّ و جلّ، و لقد استرضاه بسخط اللّه.

و أمّا حديثه الذي يزعم انّه سمعه منّي فلا و الذي فلق الحبّة و برى‏ء النسمة ليعلم أنّه قد كذب علي يقينا و انّ اللّه لم يسمعه منّي سرّا و لا جهرا، اللهمّ العن عمرا و العن معاوية بصدّهما عن سبيلك و كذبهما على كتابك و استخفافهما نبيّك صلى اللّه عليه و آله و كذبهما عليه و عليّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله المسجد و فيه عمرو ابن العاص و الحكم بن أبي العاص قال عمرو: يا أبا الأبتر و كان الرّجل في الجاهليّة إذا لم يكن له ولد سمّى ابتر ثمّ قال عمرو: إنّي لأشنأ محمّدا أي ابغضه فأنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه و آله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ إلى قوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.

اي مبغضك عمرو بن العاص لا دين له و لا حسب، و بما ذكر كلّه ظهر كفر ابن العاص اللّعين و كفر أبيه كما ظهر عداوته لأمير المؤمنين عليه السّلام و بغضه و هو ليس ببعيد من أولاد الزنا و لنعم ما قال الشّاعر:

بحبّ علي تزول الشّكوك
و تزكوا النّفوس و تصفو البخار

و مهما رأيت محبّا له‏
فثمّ الذّكاء (الزكاة) و ثمّ الفخار

و مهما رأيت عدوّا له
ففي أصله نسب مستعار

فلا تعذلوه على فعله‏
فحيطان دار أبيه قصار

و أمّا خبر عمرو في صفين ففي البحار من المناقب و برز أمير المؤمنين عليه السّلام و دعا معاوية قال: و أسألك أن تحقن الدماء و تبرز إلى و أبرز إليك فيكون الأمر لمن غلب، فبهت معاوية و لم ينطق بحرف، فحمل أمير المؤمنين عليه السّلام على الميمنة فأزالها، ثمّ حمل على المسيرة فطحنها، ثمّ حمل على القلب و قتل منهم جماعة و أنشد

فهل لك في أبي حسن علي
لعلّ اللّه يمكن من قفاكا

دعاك إلى البراز فعكت عنه‏
و لو بارزته تربت يداكا

فانصرف أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ برز متنكّرا فخرج عمرو بن العاص مرتجزا

يا قادة الكوفة من أهل الفتن
يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن‏

كفى بهذا حزنا عن الحزن‏
أضربكم و لا أرى أبا الحسن‏

فتناكل عنه عليّ عليه السّلام حتى تبعه عمرو ثمّ ارتجز:

أنا الغلام القرشي المؤتمن
الماجد الأبيض ليث كالشّطن‏

يرضى به السادة من أهل اليمين‏
أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن‏

فولى عمرو هاربا فطعنه أمير المؤمنين عليه السّلام فوقعت في ذيل درعه فاستلقا على قفاء و أبدا عورته فصفح عليه السّلام استحياء و تكرّما، فقال معاوية: أحمد اللّه عافاك و احمد استك الذى و قال، قال أبو نواس:

فلا خير في دفع الرّدى بمذلّة
كما ردّها يوما بسوءته عمرو

قال و برز عليّ عليه السّلام و دعا معاوية فنكل عنه فخرج بسر بن أرطاة يطمع في علي عليه السّلام فصرعه أمير المؤمنين فاستلقى على قفاه و كشف عن عورته فانصرف عنه علي عليه السّلام فقالوا: وليكم يا أهل الشّام أما تستحيون من معاملة المخانيت لقد علّمكم رأس المخانيت عمرو، و لقد روى هذه السّيرة عن أبيه عن جدّه في كشف الاستاه وسط عرصة الحروب.

قال الشّارح المعتزلي: و للشراء فيهما أشعار مذكورة في موضعها من ذلك الكتاب منها فيما ذكر الكلبي و المدايني قول الحرث بن نضر الخثعمي و كان عدوّا لعمرو بن العاص و بسر بن أرطاة:

أفي كلّ يوم فارس ليس يتّقى (ينتهى خ ل)
و عورته وسط العجاجة بادية

يكفّ لها عنه عليّ سنانه‏
و يضحك منه في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنّع رأسه
و عورة بسر مثلها حذ و حاذية

فقولا لعمرو ثمّ بسر ألا انظرا
سبيلكما لا تلقيا اللّيث ثانية

و لا تحمدا إلّا الحيا و خصاكما
هما كانتا و اللّه للنّفس واقية

و لو لا هما لم تنجوا من ستانه‏
و تلك بما فيها من العود ماهية

متى تلقيا الخيل المشيحة صيحة
و فيها عليّ فاتركا الخيل ناحية

و كونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا
نحور كما إنّ التجارب كافية

قال نضر بن مزاحم: حدّثنا عمرو بن شمر عن النخعي عن ابن عبّاس قال:

تعرض عمرو بن العاص لعلي عليه السّلام يوما من أيّام صفّين و ظنّ أنّه يطمع منه في غرّة فيصيبه فحمل علي عليه السّلام فلما كاد أن يخالطه اذرى نفسه عن فرسه و دفع ثوبه و شفر برجله فبدت عورته فضرب عليه السّلام وجهه عنه و قام معفرا بالتراب هازما على رجليه معتصما بصفوفه فقال أهل العراق: يا أمير المؤمنين أفلت الرّجل، فقال عليه السّلام أ تدرون من هو قالوا: لا، قال عليه السّلام: فانّه عمرو بن العاص تلقاني بسوءة فصرفت وجهي عنه، و رجع عمرو إلى معاوية فقال: ما صنعت يا أبا عبد اللّه فقال: لقيني عليّ فصر عني قال: احمد اللّه و عورتك، و اللّه إنّي لأظنّك لو عرفته لما أقمحت عليه، و قال معاوية في ذلك:

ألا للّه من هفوات عمرو
يعاتبني على تركي برازي‏

. فقد لا قى أبا حسن عليّا
فآب الوائليّ مآب خازى‏

فلو لم يبد عورته لطارت
بمهجته قوادم أىّ بازي‏

فان تكن المنيّة أخطأته‏
فقد غنّى بها أهل الحجاز

و روى الواقدي قال: قال معاوية يوما بعد استقرار الخلافة لعمرو بن العاص يا با عبد اللّه لا أراك إلّا و يغلبني الضّحك، قال: بما ذا قال: أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفّين فاذريت نفسك فرقا من شبا سنانه و كشف سوئتك له، فقال عمرو: أنا منك أشدّ ضحكا إنّي لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانفتح منخرك و ربا لسانك في فمك و عصب ريقك و ارتعدت فرائصك و بدا منك ما أكره ذلك، فقال معاوية: لم يكن هذا كلّه و كيف يكون و دوني عمّك و الأشعرون، قال: انّك لتعلم أنّ الذي وضعت دون ما أصابك و قد نزل ذلك بك و دونك عمك و الأشعرون فكيف كانت حالك لو جمعكما مآقط الحرب قال: يا با عبد اللّه خض بنا الهزل إلى الجدّ إنّ الجبن و الفرار من عليّ لاعار على أحد فيهما.

الثاني

اعلم أنّ ما رواه السيد (ره) من كلامه عليه السّلام مرويّ في غير واحد من الكتب‏ المعتبرة، ففي الاحتجاج مثل الكتاب، و في البحار من أمالي المفيد عن محمّد بن عمران عن الحسن بن عليّ عن أحمد بن سعيد عن الزبير بن بكار عن عليّ بن محمّد قال: كان عمرو بن العاص يقول: إنّ في عليّ دعابة، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: زعم ابن النابغة أنّى تلعابة مزاحة ذو دعابة اعافس و امارس، هيهات يمنع من العفاس و المراس ذكر الموت و خوف البعث و الحساب و من كان له قلب ففي هذا عن هذا له واعظ و زاجر، أما و شرّ القول الكذب و انّه ليحدّث فيكذب و يعد فيخلف فاذا كان يوم البأس فأي زاجر و أين هو ما لم يأخذ السيوف هام الرّجال، فاذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم استه.

و فيه من كتاب الغارات لإبراهيم بن محمّد الثقفي قال: بلغ عليّا عليه السّلام أنّ ابن العاص ينتقصه عند أهل الشام، فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا عجبا عجبا لاينقضى لابن النّابغة يزعم لأهل الشّام، الى آخر الكلام و جمع بين الروايتين.

و كيف كان فقد ظهر و تحقّق من هذه الرّوايات و ممّا قدّمناه في التذنيب الأوّل أنّ نسبة ابن العاص له عليه السّلام إلى الدعابة كان منشاها شدّة العناد و العداوة كما قد ظهر كذب اللّعين ابن اللّعين في ذلك بتكذيبه له عليه السّلام مع ما ذكره عليه السّلام من البيّنة و البرهان على كذبه، و هو أنّ من كان قلبه مستغرقا بذكر الآخرة و ما فيها لا يكون له فراغ إلى التلفّت إلى الدّنيا و مالها.

قال الشّارح المعتزلي: و أنت إذا تأمّلت حال علي عليه السّلام فى أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجدته بعيدا عن أن ينسب إلى الدّعابة و المزاح لأنّه لم ينقل عنه شي‏ء من ذلك أصلا لا في الشّيعة و لا في كتب المحدّثين، و كذلك إذا تأمّلت حاله في أيام أبي بكر و عمر لم تجد في كتب السيرة حديثا واحدا يمكن أن يتعلّق به متعلّق في دعابته و مزاحه إلى أن قال: و لعمر اللّه لقد كان أبعد من ذلك و أىّ وقت كان يتّسع لعليّ عليه السّلام حتّى يكون فيه على الصّفات، فان زمانه كلّها في العبادة و الذكر و الصّلاة و الفتاوى‏ و العلم و اختلاف النّاس إليه في الأحكام و تفسير القرآن، و نهاره كلّه أو معظمه مشغول بالصّوم، و ليله كلّه أو معظمه مشغول بالصّلاة، هذا في أيّام سلمه فأمّا أيّام حربه فالسّيف الشّهير و النشّاب الطّرير و ركوب الخيل وقود الجيش و مباشرة الحروب.

و لقد صدق عليه السّلام في قوله إنّه ليمنعني من اللّعب ذكر الموت و لكن الرّجل الشريف النبيل الذي لايستطيع أعداؤه أن يذكروا له عيبا أو يعدوا عليه وصمة لا بدّ أن يحتالوا و يبذلوا جهدهم في تحصيل أمرّ ما و إن ضعف يجعلون عذرا له في دمه و يتوسلون به على أتباعهم في تحسينهم لهم مفارقته و الانحراف عنه، و ما زال المشركون و المنافقون يضعون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الموضوعات و ينسبون إليه ما قد برأه اللّه عنه من العيوب و المطاعن في حياته و يعد وفاته إلى زماننا هذا، و ما يزيده اللّه سبحانه إلّا رفعة و علوّا.

فغير منكر أن يعيب عليا عليه السّلام عمرو بن العاص و أمثاله من أعدائه بما إذا تأمّله المتأمّل علم أنّهم باعتمادهم و تعلّقهم به قد اجتهدوا في مدحه و الثناء عليه لأنهم لو وجدوا غيره عيبا لذكروه.

أقول: و لعلّه إلى ذلك ينظر الشاعر في قوله:

و اذا أتتك مذمّتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأنّي كامل‏

و لعمرى انّه لابيان فوق ما أتى به الشارح من البيان في توضيح برائة ساحته عليه السّلام مما قاله ابن العاص في حقّه من الكذب و البهتان إلّا أنّه لو انصف لعلم أنّ كلّ الصّيد في جوف الفراو أنّ أوّل من فتح أمثال ذلك الباب لابن العاص و نظرائه هو عمر بن الخطاب إذ هو أوّل من صدر عنه هذه اللّفظة فحذا ابن العاص حذوه كما سبق ذلك في التذييل الثاني من تذييلات الفصل الثالث من فصول الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقيّة.

و قد اعترف به الشّارح نفسه أيضا ههنا حيث قال: و أمّا ما كان يقوله عمرو بن العاص في عليّ لأهل الشام: إنّ فيه دعابة يروم أن يعيبه بذلك عندهم‏ فأصل ذلك كلمة قالها عمر فتلقفها أعداؤه حتّى جعلها أعداؤه عيبا له و طعنا عليه.

و استند في ذلك إلى رواية أحمد بن يحيى في كتاب الأمالي قال: كان عبد اللّه ابن عبّاس عند عمر فتنّفس عمر نفسا عاليا قال ابن عبّاس حتّى ظننت أنّ أضلاعه قد انفرجت فقلت له: ما أخرج هذا النّفس منك يا أمير المؤمنين إلّا همّ شديد قال: اى و اللّه يا بن عبّاس فكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي، ثمّ قال: لعلّك ترى صاحبك لها أهلا قلت: و ما يمنعه من ذلك من جهاده و سابقته و قرابته و علمه قال: صدقت و لكنه امرء فيه دعابة ثمّ ذكر الخمسة الباقية من أمر أهل الشورى و ثبت لكلّ منهم عيبا نحو ما تقدّم ذكره في شرح الخطبة الشقشقية ثمّ قال: إنّ أحراهم أن يحملهم على كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم لصاحبك و اللّه لئن وليها ليحملنّهم على المحجّة البيضاء و الصّراط المستقيم.

ثمّ اعتذر الشارح عن جانب عمر بأنّ عمر لما كان شديد الغلظة، وعر الجانب خشن الملمس، دايم العبوس، كان يعتقد أنّ ذلك هو الفضيلة و أنّ خلافه نقص و لو كان سهلا طلقا مطبوعا على البشاشة و سماحة الخلق لكان يعتقد أنّ ذاك هو الفضيلة و أنّ خلافة نقص حتى لو قدّرناا أنّ خلقه حاصل لعليّ و خلق عليّ عليه السّلام حاصل له لقال في عليّ لو لا شراسة فيه، فهو غير ملوم عندي فيما قاله و لا منسوب إلى أنّه أراد الغص من عليّ عليه السّلام و القدح فيه و لكنه أخبر عن خلقه ظانّا أنّ الخلافة لاتصلح إلّا للشديد الشّكيمة العظيم الوعورة.

إلى أن قال: و جملة الأمر أنّه لم يقصد عيب عليّ عليه السّلام و لا كان عنده معيبا و لا منقوصا، ألا ترى أنه قال في آخر الخبر إنّ أحراهم أن يحملهم على كتاب اللّه و سنّة رسوله لصاحبك، ثمّ أكدّ ذلك بأن قال لئن وليهم ليحملنّهم على المحجّة البيضاء و الصراط المستيم، فلو كان أطلق تلك اللّفظة و عنى بها ما حملها عليه الخصوم لم يقل في خاتمة كلامه ما قاله، انتهى ما أردنا ايراده من كلامه.

و أقول: لا أدرى إلى م يتعصّب هذا الرّجل حقّ عمر و حتّام يستصلح‏ عثراته و أيّ شي‏ء رأى منه حتّى اغترّ به و أىّ داع له إلى تأويل كلامه فانّ لفظة الدّعابة في كلام ابن العاص و ابن الخطاب واحدة فلم يبقيها في حقّ ابن العاص على ظاهرها و يجريها على أقبح وجها و يأوّلها في حق ابن الخطاب و يخرّجها على أحسن وجهها مع أنّ الشمس لا يستر بالحجاب و الحقّ لايخفى على أولى الألباب.

و أهل المعرفة يعرف أنّ كلّ ما يتوجّه في هذا الباب على ابن العاص يتوجّه على ابن الخطاب بل و زيادة إذ هو أوّل من صدر عنه هذا التشنيع و أوّل من اتّهمه عليه السّلام بهذا الأمر الفظيع.

ثمّ أقول: كيف خفي عن الشارح النتاقض في كلام عمر مع وضوحه حيث إنّه صدق ابن عبّاس أوّلا في كون أمير المؤمنين عليه السّلام أهلا للخلافة إلّا أنّه استدرك بقوله: و لكنه فيه دعابة فجعل الدعابة مانعة له عنها موجبة لسقوطه عن أهليّتها و ذلك يناقض صريحا قوله في آخر الرّواية لئن وليها ليحملنّهم على المحجّة البيضاء و بعبارة أخرى إن كانت الدّعابة التي نسبها إليه عليه السّلام أمرا خارجا عن حدّ الاعتدال مخالفا للشريعة الغراء كيف يمكن معها حمل الناس على المحجّة البيضاء و على الكتاب و السنّة و الطريقة المستقيمة و إن لم يكن أمرا منافيا لحملهم على ما ذكر فأيّ مانعية له عن استحقاق الخلافة و الولاية.

و أمّا ما اعتذر به الشارح من أنّ عمر إنّما قال ذلك بمقتضى شدّة غلظته و خشونة جبلته ظانا أنّ الخلافة لا تصلح إلا للشديد الشكيمة العظيم الوعورة.

ففيه أنّ الشدّة و الغلظة لو كانت شرطا للخلافة كما ظنه عمر لوجب أن يكون شرطا للنّبوة بطريق أولى مع أنّه سبحانه قال: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ» و مدح نبيَّه صلّى اللّه عليه و آله بقوله: «وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ».

فاللّازم لعمر الّذي جعلوه خليفتهم أن يكون سيره و سلوكه على طبق الكتاب‏ لا أن ينبذ الكتاب وراء ظهره و يتكلّم بمقتضى طبيعته و يجانب الاقتداء بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في أفعاله و أعماله «و أخلاقه خ ل».

و الانصاف أنّ من لاحظ وجنات حال عمر يعرف أنّ كلّ ما صدر عنه من الأقوال و الأفعال أو أغلبه كان ناشئا من فرط قوته الغضبية و الشّهوية و مقتضى هوى نفسه الأمارة، و لم يكن ملاحظا جانب الشريعة و مقدّما لها على دواعي نفسه و مقتضى جبلته، بل من راجع محاوراته عرف أنّه كان مثل حيّة سمّه في لسانه تلسع المخالف و المؤالف، و عقرب عوجاء لا تفرق بين البرّ و الفاجر.

و كفى بذلك شاهدا ما قاله لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلم على ما قدّمناه مفصّلا في شرح الكلام السّادس و السّتين في التّنبيه الثاني منه، و ما قاله لأهل الشّورى حين وصيّته كما مرّ في ثاني تذييلات الفصل الثالث من شرح الخطبة الثّالثة، و ما توعد به جبلة بن الأيهم حتى عاد إلى النّصرانية حسب ما مرّ في شرح الفصل الثّاني من الخطبة الثالثة و مرّ هناك أيضا أنّ ابن عبّاس أضمر بطلان القول بالعول في حياته و أظهره بعد وفاته خوفا منه و أنّه أساء الأدب في الكلام بالنسبة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في صلح الحديبيّة إلى غير ذلك ممّا لو أردنا إشباع الكلام فيها لطال.

و يؤيد ذلك كلّه ما رواه الشّارح في شرح هذا الكلام من أنه إذا غضب على أهله لم يسكن غضبه حتّى يعضّ يده عضّا شديدا حتّى يدميها.

و بعد ذلك كلّه لا يكاد ينقضي عجبي من الشّارح و أمثاله حيث إنّهم يوردون مثل ما أوردناه في كتبهم و يذكرون مثالب عمر و مطاعنه ثمّ يغمضون عنها و لا يعرفون مع فضلهم و ذكائهم في العلوم أنّ أدنى شي‏ء من ذلك يوجب سقوط الرّجل عن مرتبة الكمال و عن درجة القبول و الاعتبار فكيف بذلك كلّه و كيف بمرتبة الخلافة و منصب الولاية.

و لا أدرى بأيّ مناقبه يجعلونه قابلا لولاية اللّه، و مستحقا لخلافة رسول اللّه، و لايقاً لرياسة الدّين، و أهلا لأمارة المؤمنين أ بحسن حاله أم مزيد كماله أم‏ شرافة نسبه أم كرامة حسبه أم عذوبة لسانه أم فصاحة بيانه أم علوّ قدره أم طهارة مولده أم كثرة علمه أم وفور فضله «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.

الثالث

في تحقيق الكلام في جواز المزاح و عدمه فأقول إنّ الأخبار في طرفي النفى و الاثبات كثيرة جدا إلّا أنّ مقتضى الجمع بينها هو حمل أدلّة النّفى على الكثير منه الخارج عن حدّ الاعتدال و أدلّة الجواز على القليل كما قال الشّاعر:

أفد طبعك المصدود بالجدّ راحة
يجمّ«» و علّله بشي‏ء من المزح‏

و لكن إذا أعطيته المزح فليكن‏
بمقدار ما يعطى الطّعام من الملح‏

و يدلّ على هذا الجمع الأدلّة المفصلة و السّيرة المستمرة، فانّ المشاهد من حالات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة أنهم كانوا قد يمزحون إدخالا للسّرور في قلب المؤمنين و مداراة للخلق و مخالطة معهم أو نحو ذلك، و كذلك نوّابهم القائمون مقامهم من المجتهدين و العلماء العاملين، فانّهم مع كثرة زهدهم و شدّة ورعهم ربما يمزحون و يدعبون.

و بالجملة فالحقّ في المقام هو الجواز في الجملة للأدلّة الدّالة على ذلك قولا و فعلا و تقريرا.

فمنها ما في الوسائل عن الكلينيّ باسناده عن معمّر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت جعلت فداك الرّجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون و يضحكون، فقال، لا بأس ما لم يكن، فظننت أنه عنى الفحش ثمّ قال: إنّ رسول‏ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأتيه الأعرابي فيأتي إليه الهدية ثمّ يقول مكانه أعطنا ثمن هديتنا فيضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان إذا اغتمّ يقول ما فعل الأعرابي ليته أتانا.

و عن إبراهيم بن مهزم عمّن ذكره عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال: كان يحيى بن زكريّا يبكي و لا يضحك، و كان عيسى بن مريم يضحك و يبكي، و كان الّذي يصنع عيسى عليه السّلام أفضل من الّذي كان يصنع يحيى عليه السّلام.

و عن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: ما من مؤمن إلّا و فيه دعابة، قلت: و ما الدّعابة قال: المزاح.

و عن يونس بن الشيباني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت: قليل قال: فلا تفعلوا فانّ المداعبة من حسن الخلق و إنّك لتدخل بها السّرور على أخيك، و لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يداعب الرّجل يريد أن يسرّه.

أقول: و يستفاد من هذه الرّواية استحبا بها لشمول أدلّة استحباب حسن الخلق و إدخال السّرور في قلب المؤمن عليها.

روى في الوسائل عن الصّدوق في المجالس مسندا عن محمّد بن عليّ الرّضا عن آبائه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام إنكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه و حسن اللّقاء فاني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوها بأخلاقكم.

و في شرح المعتزلي روى الناس قاطبة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال إني أمزح و لا أقول إلّا حقا.

و فيه أتت عجوز من الأنصار إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألته أن يدعو اللّه تعالى لها بالجنّة فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ الجنّة لا تدخلها العجز، فصاحت فتبسّم عليه السّلام فقال: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً قال و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يمازح ابني بنته مزاحا مشهورا و كان يأخذ الحسين عليه السّلام فيجعله على بطنه و هو صلّى اللّه عليه و آله نائم على ظهره و يقول ترقّه ترقّه ترقّ عين بقّة.

قال: و جاء في الخبر أن يحيى عليه السّلام لقي عيسى عليه السّلام و عيسى متبسّم فقال يحيى: ما لي أراك لاهيا كأنّك آمن فقال أراك عابسا كأنّك آيس فقال: لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فأوحى اللّه إليهما أحبّكما إلىّ الطّلق البسّام أحسنكم ظنّا بي.

قال: و رأى نعيمان يبيع أعرابي عكّة عسل فاشتراها منه فجاءها إلى بيت عايشة في يومها، و قال خذوها فظنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّه أهداها إليه و مضى نعيمان فنزل الأعرابيّ على الباب فلما طال قعوده نادى يا هؤلاء إمّا أن تعطونا ثمن العسل أو تردّوه علينا، فعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالقصة و أعطى الأعرابي الثمن و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لنعيمان: ما حملك على ما فعلت قال: رأيتك يا رسول اللّه تحبّ العسل و رأيت العكّة مع الأعرابي، فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم ينكر.

و في زهر الرّبيع تأليف السيّد نعمة اللّه الجزايري «قده» روي أنّه كان يأكل رطبا مع ابن عمّه أمير المؤمنين عليه السّلام و كان يضع النوى قدام عليّ عليه السّلام فلما فرغا من الأكل كان النّوى مجتمعا عنده، فقال صلّى اللّه عليه و آله: يا علي إنّك لأكول، فقال: يا رسول اللّه الأكول من يأكل الرطب و النواة.

و روى أنه أتته امرئة في حاجة لزوجها فقال لها: و من زوجك قالت: فلان فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الّذي في عينه بياض فقالت: لا، فقال: بلى فانصرفت عجلا إلى زوجها و جعلت تتأمّل عينه فقال لها: ما شأنك فقالت: أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ في عينك بياضا، فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سواده قال: و استدبر صلّى اللّه عليه و آله رجلا من ورائه و أخذ بعضده و قال من يشترى هذا العبد يعني أنه عبد اللّه.

و قال: قال صلّى اللّه عليه و آله لرجل: لا تنس ياذا الاذنين.

و رأى جملا يمشي و عليه حنطة فقال عليه السّلام: تمشي الهريسة.

و جاء أعرابيّ فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلغنا أنّ الدّجال يأتي بالثريد و قد هلكوا جميعا جوعا أفترى بأبي أنت و أمّي أن أكفّ عن ثريده تعفّفا فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال: بل يغنيك اللّه بما يغني به المؤمنين.

و قبّل خالد القسري خدّ امرئة فكشت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فارسل إليه فاعترف و قال: إن شائت أن تقتصّ فلتقتصّ فانّ من دينك القصاص فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه و قال: أ و لا تعود فقال: لا و اللّه يا رسول اللّه فعفى صلّى اللّه عليه و آله.

و قال رجل: احملني يا رسول اللّه، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا حاملوك على ولد ناقة فقال: ما أصنع بولد ناقة قال صلّى اللّه عليه و آله: و هل يلد الابل إلّا النّوق.

الرابع في طايفة من طرايف الكلم و ظرايف الحكم و نوادر الأخبار، و غرائب الآثار

أردت أن اوردها هنا ليرتفع بها الكلال و يرجع اليها عند الملال، فانّ القلوب قد تملّ و الأرواح تكلّ كما تكلّ الأبدان فتحتاج إلى التنزّه و الارتياح و التّفرّج و السّراح.

فأقول: روى إنّ أبا حنيفة قال يوما لمؤمن الطاق: يا با جعفر أنت قائل بالرّجعة قال: نعم، قال: فاقرض لي خمسمائة دينار اؤدّيك في الرّجعة، فأجاب «ره» إنّ من جملة أحكام الرجعة عندنا أنّ بعض مبغضي آل محمّد سلام اللّه عليه و عليهم يرجعون بصورة الكلاب و الخنازير فلا بدّ أن تؤتيني ضامنا على أنّك ترجع بصورة الانسان و أخاف أن ترجع بصورة الخنزير.

و قال أيضا له يوما: يا با جعفر لو كان لعليّ حقّ في الخلافة فلم لم يطالبها قال: خاف أن يقتلها الأجنّة بحماية أبي بكر و عمر كما قتلت سعد بن عبادة.

قال الراغب في المحاضرات: إنّ بقزوين قرية أهلها متناهون بالتشيّع فمرّ بهم رجل فسألوه عن اسمه فقال: عمر، فضربوه ضربا شديدا، فقال: ليس اسمى عمر بل عمران، فقالوا: هذا أشدّ من الأوّل فانّ فيه عمر و حرفان من عثمان فهو أحقّ بالضّرب.

و مضى رجل إلى بغداد فاتّهموه بسبّ الشّيخين فأخذوه إلى القاضي فسأله القاضي، فقال: كذبوا علىّ أنا رجل عاقل أعرف أنّ هذه البلاد بلاد أهل الخلاف لا ينبغي اللعن و السبّ و الطّعن فيها هذا شي‏ء يجوز في بلادنا أمّا هذه البلاد فلا و كان القاضي منصفا فضحك و خلّاه.

روى في حواشي المغني عن أبي بكر الأنباري بسنده إلى هشام بن الكلبيّ قال: عاش عبيد بن شرية الجرهمي ثلاث مأئة سنة و أدرك الاسلام فأسلم و دخل على معاوية بالشّام و هو خليفة، فقال: حدّثني بأعجب ما رأيت، فقال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميّتا لهم فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناى بالدّموع فتمثّلت بقول الشّاعر:

يا قلب إنّك من أسماء مغرور
فاذكر و هل ينفعنك اليوم تذكير

قد بحت بالحبّ ما تخفيه من أحد
حتّى جرت لك اطلاقا محاضير

تبغي امورا فما تدري أعاجلها
أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير

فاستقدر اللّه خيرا و ارضينّ به‏
فبينما العسر إذ دارت مياسير

و بينما المرء في الاحياء مغتبط
إذ صار فى الرّمس يعفوه الأعاصير

يبكي عليه الغريب ليس يعرفه‏
و ذو قرابته في الحىّ مسرور

قال: فقال: لي رجل: أتعرف من قال هذا الشعر قلت: لا، قال: إنّ قائله هو الذي دفنّاه السّاعة و أنت الغريب تبكي عليه و لا تعرفه، و هذا الذي خرج من قبره أمسّ الناس رحما به و أسرّهم بموته فقال له معاوية: لقد رأيت عجبا فمن الميّت قال: هو عنتر بن لبيد الغدري.

روى أنّ مؤمن الطاق كان بينه و بين أبي حنيفة مزاح و كان يمشي معه يوما فنادى رجل: من يدلّني على صبّي ضالّ فقال مؤمن الطّاق أمّا الصبيّ الضالّ فلا أدري إن كنت تبغي الشيخ الضالّ فهو هذا. و أشار إلى أبي حنيفة، و قيل إنّ أبا حنيفة كان جالسا مع أصحابه فجاء مؤمن الطاق فقال أبو حنيفة لأصحابه: جائكم الشيطان و سمعه مؤمن الطّاق فقرأ.أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى«»

أقول: مؤمن الطاق لقب هشام بن الحكم عند الشّيعة و هو من أصحاب الصّادق عليه السّلام و يسمّونه المخالفون شيطان الطاق و له بسطة يد في المناظرات.

قيل: مكتوب في خاتمة التوراة هذه الكلمات: كلّ غنيّ لا زاحة له من ماله فهو و الأجير سواء، و كلّ امرئة لا تجالس في بيتها فهي و الأمة سواء، و كلّ فقير تواضع الأغنياء لغناه فهو و الكلب سواء، و كلّ ملك لا عدل له فهو و فرعون سواء و كلّ عالم لا يعمل بعلمه فهو و إبليس سواء.

المدايني، رأيت رجلا يطوف بين الصّفا و المروة على بغل ثمّ رأيته راجلا في سفر فقلت له: تمشي و يركب الناس فقال: ركبت حيث يمشي الناس و حقّ على اللّه أن يرجلني حيث يركب النّاس.

ارسطاطاليس، حركة الاقبال بطيئة حركة الادبار سريعة لأنّ المقبل كالصّاعد من مرقاة إلى مرقاة و المدبر كالمقذوف به من علوّ إلى سفل.

أرسل رجل سنّي إلى شيعي مقدارا من الحنطة و كانت حنطة عتيقة فردّها عليه ثمّ أرسل إليه عوضا جديدة و لكن فيها تراب فقبلها و كتب إليه بهذا الشّعر:

بعثت لنا بدال البرّ برّا
رجاء للجزيل من الثّواب‏

رفضناه عتيقا و ارتضينا
به إذ جاء و هو أبو تراب‏

أقول: و غير خفيّ لطفه فانّ عتيق اسم أبي بكر و أبو تراب كنية أمير المؤمنين عليه السّلام سئل نصرانيّ عسيى عليه السّلام أفضل أم موسى فقال: إنّ عيسى يحيى الموتى و موسى و كز رجلا فقضى عليه، و عيسى تكلّم في المهد صبيّا و موسى قال بعد ثمانين سنة: و احلل عقدة من لساني فانظر أيّهما أفضل.

نقل انّه لما مات عمر بن عبد العزيز و تخلّف بعده يزيد بن عبد الملك قال لوزرائه: دلّوني على خزائن ابن عبد العزيز فدلّوه على حجرة كان يخلو فيها، فلمّا فتحوا قفلها رأوها قاعا بيضاء و في وسطها تراب متحجّر من بكائه و فيها ثياب خشنة و غلّ من الحديد يضعه في عنقه و يبكى إذا تفرّد بنفسه قيل إنّ أهل خراسان علموا بموته بالشام يوم وفاته قالوا: كنّا نرى الذّئب‏ مع الغنم و السباع مع الانعام حتى افترقت ذات يوم من الأيّام فعلمنا أنه قد مات و قال الشّيخ الرّئيس: النساء من ثلاث إلى عشر سنين لعبة اللّاعبين، و من عشرة إلى خمسة عشرهنّ حور عين، و من خمسة عشر إلى عشرين هنّ لحم و شحم و لين، و من عشرين إلى ثلاثين هنّ امّهات البنات و البنين، و من ثلاثين إلى أربعين هنّ عجوز في الغابرين، و من أربعين إلى خمسين اقتلوهنّ بالسّكين، و من خمسين إلى ستّين عليهنّ لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين.

قيل دخلت امرئة على داود النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت: يا نبيّ اللّه ربّك عادل أم ظالم فقال عليه السّلام: ويحك هو العدل الّذي لا يجوز ثمّ قال لها: ما قصّتك قالت: انّى امرئة أرملة و عندى ثلاث بنات و إنّي أقوم عليهنّ من غزل يدي فلمّا كان أمس شدّيت غزلى في خرقة حمراء و أردت أن أذهب به إلى السوق و أبيعه فأشترى الطعام للأطفال فاذا بطاير قد انقضّ علىّ و أخذ الخرقة و الغزل و طار، و بقيت حزينة مالي شي‏ء أبلغ به أطفالي.

قال الراوي فبينما المرأة مع داود عليه السّلام في الكلام فاذا بطارق يطرق الباب فأذن داود عليه السّلام بالدّخول و إذاهم عشرة من التجار و مع كلّ واحد مأئة دينار فقالوا: يا نبيّ اللّه بمستحقّها فقال عليه السّلام لهم و ما سبب إخراجكم هذا المال قالوا: كنّا في مركب فهاجت علينا الريح فعاب المركب و أشرفنا على الغرق و إذا نحن بطاير قد ألقى إلينا خرقة حمراء و فيها غزل فسددنا به عيب المركب فانسدّ و نذرنا أن يصدّق كلّ واحد منّا مأئة دينار من ماله، و هذا المال بين يدك تصدّق به على من أردت، فالتفت داود إلى المرأة و قال عليه السّلام: ربّك يتّجر لك في البحر و تجعلينه ظالما ثمّ أعطاها الألف دينار و قال: اذهبي بها و أنفقيها على أطفالك و اللّه أعلم بحالك.

حكى إنّ جماعة من المصرّيين لعنهم اللّه نقبوا في جوار روضة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قصدوا إخراج جسده الشريف و نقله إلى مصر و كان ذلك في نصف اللّيل فسمع أهل المدينة من الجوّ: احفظوا نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله، فأوقدوا السّراج و طافو فرأوا ذلك النقب‏ في الجدار و حوله الجماعة موتى.

قال السّيد الجزايري: حكى لي جماعة من الثقات أنّه في بعض السّنين نزلت صاعقة فيها نار من السّماء على الضّريح المقدّس النبويّ صلّى اللّه عليه و آله في المدينة فاحرقت طرفا منه فقال بعض النواصب شعرا:

لم يحترق حرم النبيّ لحادث
و لكلّ شي‏ء مبتدا و إزار

لكنّما أيدي الرّوافض لامست‏
ذاك الجناب فطهّرته النّار

فقال بعض الشّيعة في الجواب:

لم يحترق حرم النبيّ لحادث
و لكلّ شي‏ء مبتدا و عواقب‏

لكنّ شيطانين قد نزلا به‏
و لكلّ شيطان شهاب ثاقب‏

روى في البحار انّ يحيى بن خالد البرمكي سأل مؤمن الطّاق هشام بن الحكم بمحضر من الرّشيد فقال: أخبرني يا هشام هل يكون الحقّ في جهتين مختلفتين قال هشام: الظاهر لا قال فأخبرني عن رجلين اختصما في حكم في الدّين و تنازعا هل يخلو من أن يكونا محقّين أو مبطلين أو أن يكون أحدهما محقّا و الآخر مبطلا فقال هشام: لا يخلو من ذلك.

قال يحيى: فأخبرني عن عليّ و العبّاس لمّا اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيّهما كان المحقّ و من المبطل إذ كنت لا تقول أنّهما كانا محقّين و لا مبطلين قال هشام: فنظرت فاذا انّني إن قلت إنّ عليّا عليه السّلام كان مبطلا كفرت و خرجت من مذهبي، و إن قلت: إنّ العبّاس كان مبطلا ضرب الرّشيد عنقي و وردت عليّ مسألة لم اكن سئلت عنها قبل ذلك الوقت و لا أعددت لها جوابا.

فذكرت قول أبي عبد اللّه عليه السّلام يا هشام لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك فعلمت أنّي لا اخذل و عنّ لي الجواب في الحال فقلت له: لم يكن لأحدهما خطاء حقيقة و كانا جميعا محقّين و لهذا نظير قد نطق به القرآن في قصّة داود عليه السّلام يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا إلى قوله: خَصْمانِ بَغى‏ بَعْضُنا عَلى‏ بَعْضٍ.

فأيّ الملكين كانا مخطئا و أيّهما كان مصيبا أم تقول انهما كانا مخطئين فجوابك في ذلك جوابي فقال يحيى: لست أقول إنّ الملكين أخطا بل أقول إنهما أصابا و ذلك إنّهما لم يختصما في الحقيقة و لم يختلفا في الحكم و إنّهما أظهرا ذلك لينبّها على داود عليه السّلام في الخطيئة و يعرّفاه الحكم و يوقفاه عليه.

قال هشام: قلت له: كذلك عليّ عليه السّلام و العبّاس لم يختلفا في الحكم و لم يختصما في الحقيقة و إنما أظهرا الاختلاف و الخصومة لينبّها أبا بكر على خطائه و يدلّاه على أنّ لهما في الميراث حقّا و لم يكونا في ريب من أمرهما و إنما كان ذلك منهما على حدّ ما كان من الملكين، فاستحسن الرّشيد ذلك الجواب.

صلّى أعرابي خلف إمام فقرأ.إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ.

ثمّ وقف و جعل يردّدها، فقال الأَعرابيّ: أرسل غيره يرحمك اللّه و أرحنا و أرح نفسك و صلّى آخر خلف إمام فقرأ.

فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي.

فوقف و جعل يردّدها، فقال الأعرابيّ: يا فقيه إن لم يأذن لك أبوك في هذه اللّيلة نظلّ نحن وقوفا إلى الصّباح ثمّ تركه و انصرف.

في الأثر انّ الجاحظ كان من العلماء النّواصب و هو قبيح الصّورة حتّى قال الشّاعر:

لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا
ما كان إلّا دون قبح الجاحظ

قال يوما لتلامذته: ما أخجلني إلّا امرئة أتت بي إلى صائغ فقالت: مثل هذا، فبقيت حائرا في كلامها، فلمّا ذهبت سألت الصّائغ فقال: استعملتني لأصوغ لهاصورة جنّي فقلت: لا أدرى كيف صورته فأتت بك.

في الحديث إنّ شيطانا سمينا لقى شيطانا مهزولا فقال: لم صرت مهزولا قال: إنّي مسلّط على رجل إذا أكل أو شرب أو أتى أهله يقول: بسم اللّه فحرمت المشاركة معه فصرت مهزولا، و أنت لم صرت سمينا قال: إنّي مسلّط على رجل غافل عن التّسمية يأكل و يشرب و يأتي أهله غافلا فشاركته فيها كما قال تعالى وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ.

حكي إنّ عالما سئل عن مسألة فقال: لا أدرى فقال السّائل: ليس هذا مكان الجهّال، فقال العالم: المكان لمن يعلم شيئا و لا يعلم شيئا فأمّا الّذي يعلم كلّ شي‏ء فلا مكان له.

و سئل أبو بكر الواعظ عن مسألة فقال: لا أدرى قيل له: ليس المنبر موضع الجهّال، فقال: إنّما علوت بقدر علمي و لو علوت بقدر جهلي لبلغت السّماء.

دخل لصّ دار رجل يسرق طحينا في اللّيل فبسط ردائه و مضى إلى الطّحين ففطن به صاحب المنزل و مدّ يده و جرّا لرداء إليه فأتى اللّصُّ بالطّحين و وضعه يظن أنّه فوق الرّداء و إذا هو في الأرض فصاح به صاحب الدّار سارق سارق فانفلت اللّصّ هاربا و هو يقول قد علم أيّنا السّارق أنا أو أنت.

قال الأصمعي: دخلت البادية و معي كيس فأودعته عند امرئة منهم فلما طلبته أنكرته فقدمتها إلى شيخ فأقامت على إنكارها، فقال: ليس عليها إلّا يمين فقلت كأنّك لم تسمع قوله تعالى:

و لا تقبل لسارقة يمينا
و لو حلفت بربّ العالمينا

فقال: صدقت ثمّ تهدّدها فأقرّت و ردّت إلىّ مالي ثمّ التفت إلىّ الشّيخ فقال في أىّ سورة تلك الآية فقلت في سورة.

ألا هبّي بصحنك فاصبحينا
و لا تبقي خمور الأندرينا

قال: سبحان اللّه لقد كنت ظننت أنها في سورة إنّا فتحنا لك فتحا مبينا.

و نظيره انّ رجلا احضر ولده إلى القاضي فقال: يا مولانا إنّ ولدي هذا يشرب الخمر و لا يصلّى، فأنكر ولده ذلك فقال أبوه: أتكون صلاه بغير قراءة فقال الولد إنّي أقرء القرآن و أعرف القرائة فقال له القاضي: اقرء حتى أسمع فقال:

علق القلب ربابا
بعد ما شابت و شابا

إنّ دين اللّه حقّ‏
لا ترى فيه ارتيابا

فقال له أبوه: إنّه لم يتعلّم هذا إلّا البارحة سرق مصحف الجيران و حفظ هذا منه فقال له القاضي: قاتلكم اللّه يتعلّم أحدكم القرآن و لا يعمل به.

قيل: ما وضعت سرّى عند أحد فأفشاه فلمته لأنّى أحقّ باللّوم منه اذ كنت أضيق صدرا منه قال الشّاعر:

إذ المرء أفشا سرّه بلسانه
فصدر الّذي يستودع السرّ أضيق‏

إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه‏
و لام عليه آخرا فهو أحمق‏

رأى الحسن عليه السّلام يهوديّ فى أبهى زيّ و أحسنه و اليهودي في حال ردىّ و حال رثة، فقال: أليس قال رسولكم: الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر قال عليه السّلام نعم، فقال: هذا حالي و هذا حالك، فقال عليه السّلام: غلطت يا أخا اليهودي و لو رأيت ما وعدني اللّه من الثّواب و ما أعدّ لك من العقاب لعلمت أنّك في الجنّة و انّي في السّجن.

حكى صاحب الأغاني قال: صلّى دلّال يوما خلف إمام بمكّة فقال: وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي.

فقال: ما أدرى و اللّه، فضحك النّاس و قطعوا الصّلاة، فلمّا فرغوا عاتبه الامام و قال: ويلك لا تدع الجنون و السّفه قال: كنت عندي أنّك تعبد اللّه فلمّا سمعتك تستفهم ظننت أنّك قد شككت في ربّك فتب إليه.

قيل: دخل أعرابيّ في الجامع ليصلّي و كان اسمه موسى و وجد في طريقه‏ كيسا فيه دنانير فقرأ الامام: «و ما تلك بيمينك يا موسى» فرمى إليه الكيس و قال: و اللّه انّك لساحر.

حكى انّ بعضهم تمنّى في منزله و قال: يكون عندنا لحم فنطبخه على مرق فما لبث أن جاء جاره بصحن فقال: اغرفوا لنافيه قليلا من المرق، فقال. إنّ جيراننا يشمّون رايحة الأماني.

قال أبو عليّ بن سينا في رسالة المعراج: إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام مركز الحكمة و فلك الحقيقة و خزانة العقل، و لقد كان بين الصحابة كالمعقول بين المحسوس.

روى ان طايفة من العامة تناظروا مع شيخنا بهاء الملّة و الدّين فقالوا: كيف تجوّزون قتل عثمان مع ما ورد من قوله: صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثل أصحابي كمثل النّجوم بايّهم اقتديتم اهتديتم فقال: جوّزنا قتله بهذا الحديث لأنّ بعض الصّحابة افتى بقتله و بعضهم باشر قتله.

قال الحجّاج يوما لرجل: اقرء شيئا من القرآن فقال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ وَ رَأَيْتَ النَّاسَ «يَخْرُجُونَ مِنْ» دينِ اللَّهِ أَفْواجاً».

فقال: ليس كذلك بل هى يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ، قال: ذلك قبل ولايتك و لكنّهم الآن يخرجون بسببك، فضحك و أعطاه.

صلّى معروف الكرخي خلف إمام فلمّا فرغ من صلاته قال الامام لمعروف من أين تأكل قال: اصبر حتى اعيد صلاتي خلفك لأنّ من شكّ في رزقه شكّ في خالقه.

قال في مجمع البيان في ذكر حكم لقمان: إنّ مولاه دعاه فقال اذبح شاة فأتني بأطيب مضغتين منها، فذبح شاة و أتاه بالقلب و اللسان، فسأله عن ذلك فقال: إنّهما أطيب شي‏ء إذا طابا و أخبث شي‏ء إذا خبثا.

و فيه قال عبد اللّه بن دينار: قدم لقمان من سفر فلقى غلامه في الطّريق فقال: ما فعل أبي قال: مات، قال: ملكت أمري، قال: ما فعلت امرأتي قال: ماتت، قال: جدّد فراشي، قال: ما فعلت اختي قال: ماتت، قال: سترت عورتي، قال: ما فعل أخي قال: مات، قال: انقطع ظهري.

عن كشكول البهائي (ره) إنّ أباه حسين بن عبد الصّمد الحارثي وجد في مسجد الكوفة فصّ عقيق مكتوب عليه:

أنا درّ من السّماء نثروني
يوم تزويج والد السّبطين‏

كنت أصفى من اللّجين بياضا
صبغتني دماء نحر الحسين‏

قال نعمة اللّه الموسوي الجزايري (ره): وجدنا في نهر تستر«» صخرة صغيرة صفراء أخرجها الحفّارون من تحت الأرض و عليها مكتوب بخط من لونها: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه لمّا قتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب بأرض كربلا كتب دمه على أرض حصباء: و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

في رياض الجنّة تأليف بعض أصحابنا انّ البارى عزّ و جلّ قال لعزرائيل: هل رحمت أحدا و هل هبت من أحد فقال: يا ربّ أنت أعلم، فقال سبحانه تعالى صدقت يا عزرائيل و لكن احبّ أن تقول ذلك، فقال عزرائيل: إنّي يا ربّ رحمت طفلا يرتضع ثدي امّه و كان هو و امّه في مركب في البحر فغرق المركب فأمرتني ان أقبض روح امّه فقبضتها و بقى الولد في البحر طايفا على صدر امّه فرحمته، و إنّي يا ربّ خفت (هبت خ ل) من رجل أمرتني أن أقبض روحه و كان ذا سلطان و مملكة و غلمان كثيرة و هو جالس على سريره في نهاية العافية فلما اردت قبض روحه دخلني خوف و رعب، فقال البارى سبحانه: يا عزرائيل الذي رحمته هو الذي خفت منه، ثمّ قال: المشهور أنّ الرّجل المذكور هو الشّداد المعروف، و العلم عند اللّه.

و فيه و في غيره أنّ بهلول وقت جنونه مرّ يوما على باب دار أبي حنيفة فوقف عند الباب ساعة فسمع أبا حنيفة يحدّث أصحابه و يقول: إنّ جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام يقول: إنّ اللّه لا يمكن رؤيته و محال عليه الرؤية، و أيضا إنّ العبد فاعل مختار يفعل فعله بالاختيار، و يقول: إنّ الشّيطان يعذّب بالنار و هذه الأقوال الثّلاثة غير معقولة عندي.

أمّا الأوّل فلأنّ اللّه تعالى موجود و كلّ موجود يمكن رؤيته، و الثّاني إنّ العبد لا اختيار له، و الثالث إنّ الشّيطان خلق من النّار فلا يعذّب إذ النّار لا يعذّب بعضها بعضا.

فلمّا سمع البهلول ذلك الكلام اغتاظ و أخذ مدرا من الأرض فضرب أبا حنيفة فأصاب رأسه و أوجعه و مضى يعدو، فتلاحقه أصحاب أبي حنيفة و جاءوا به إليه و لأجل قرابته من المنصور الخليفة لم يقدروا أن يصلوا إليه بشي‏ء من الضرب قال أبو حنيفة: اذهبوا به إلى الخليفة و أخبروه بما فعل، فلما اخبر المنصور بالقصّة عاتبه و قال له: لم فعلت ذلك و طلب أبا حنيفة يعتذر إليه بحضرة البهلول، فطلب البهلول الرخصة منه في التّكلم مع أبي حنيفة فأذن له.

فقال: يا با حنيفة ما أصابك منّي قال: ضربتني بالمدر فوجع رأسي، فقال البهلول: أرني الوجع حتّى أنظر اليه، فقال أبو حنيفة: يا مجنون الوجع كيف يرى و كيف يمكن أن تنظر اليه فقال بهلول: يا ملعون الوجع موجود أم لا قال: بل موجود، قال بهلول: إنّك ادّعيت أنّ اللّه يرى لأنّه موجود و الوجع أيضا موجود فلم لا يرى فلمّا سمع أبو حنيفة ذلك أطرق رأسه و افحم.

ثمّ قال: يا با حنيفة ينبغي أن لا يوجع المدر رأسك لأنّك خلقت من التّراب و هو تراب، ثمّ قال: يا با حنيفة العبد لا فعل له و لا اختيار حسب ما زعمت فلأىّ شي‏ء تؤاخذني بما صدر منّي و لا قدرة لي عليه فلما سمع الخليفة أقواله استحسن مقاله و رخصه في الانصراف بغير عتاب.

في زهر الرّبيع انّ أبا العلي المعرّي كان يتعصّب لأبي الطيب فحضر يوما مجلس المرتضى «ره» فذكر أبو الطيب فأخذ المرتضى في ذمّه و الازراء عليه‏ فقال المعرّى: لو لم يكن له من الشعر إلّا قصيدته الّلامية و هي:

لك يا منازل في القلوب منازل
أقفرت أنت و هنّ منك أواهل‏

لكفى في فضله، فغضب المرتضى و أمر بحسب المعرّي فسحب و ضرب، فلما اخرج قال المرتضى لمن بحضرته: هل تدرون ما عنى الأعمى إنّما عنى قول المتنبّي في اثناء قصيدته:

و إذا أتتك مذمّتي من ناقص
فهى الشّهادة لي بأنّي كامل‏

و لمّا بلغ الخبر إلى أبي العلى قال: قاتله اللّه ما أشدّ فهمه و زكاه، و اللّه ما عنيت غيره.

أقول: أبو العلى ذلك كان من النّواصب فصار من الزنادقه و معروف أنّ المرتضى «ره» أمر بقلع عينيه و له اعتراضات على الشريعة و حكمة اللّه سبحانه و من جملتها قوله:

يد بخمس مئين عسجد وديت
ما باله قطعت في ربع دينار

و أجابه المرتضى بقوله:

عزّ الامانة أغلاها و أرخصها
ذلّ الخيانة فانظر حكمة البارى‏

و ربما ينسب هذا الجواب إلى أخيه الرضي «ره».

في البحار من كتاب الفردوس عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا رأيت حية في الطّريق فاقتلها فانّي قد شرطت على الجنّ أن لا يظهروا في صورة الحيات فمن ظهر فقد أحلّ بنفسه.

أقول: و يناسب ذلك و يؤيّده ما ذكره شارح ديوان أمير المؤمنين في فواتحه عن استاده جلال الدّين الدّواني عن السيّد صفيّ الدّين عبد الرحمن اللايجي أنه قال: ذكر لي العالم الفاضل المتّقي شيخ أبو بكر عن الشّيخ برهان الدّين الموصلي و هو رجل عالم فاضل ورع أنا توجّهنا من مصر إلى مكّة نريد الحجّ و نزلنا منزلا و خرج عليه ثعبان فثار الناس إلى قتله فقتله ابن عمّي فاختطف و نحن نرى سعيه و تبادر النّاس على الخيل و الركاب يريدون ردّه فلم يقدروا على ذلك فحصل للناس‏ من ذلك أمر عظيم.

فلما كان آخر النّهار جاء و عليه السّكينة و الوقار فسألناه ما شأنك فقال: ما هو إلّا أن قتلت هذا الثّعبان الذي رأيتموه فصنع بي ما رأيتم، فاذا أنا بين قوم من الجنّ يقول بعضهم قتلت أبي و بعضهم قتلت ابن عمّي فتكاثروا علىّ و إذا رجل لصق بي و قال لي قل: أنا أرضي باللّه و بالشريعة المحمدية صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت ذلك فأشار إليهم أن سيروا إلى الشّرع فسرنا حتّى وصلنا إلى شيخ كبير على مصطبة، فلما صرنا بين يديه قال: خلّوا سبيله و ادّعوا عليه فقال الأولاد ندّعى عليه أنّه قتل أبانا فقلت: حاشا للّه انا نحن وفد بيت اللّه الحرام نزلنا هذا المنزل فخرج علينا ثعبان فتبادر النّاس إلى قتله فضربته فقتلته فلما سمع الشّيخ مقالتي قال: خلّوا سبيله سمعت ببطن نخل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من تزيّا بغير زيّه فقتل فلا دية و لا قود.

في البحار عن حيوة الحيوان، روى البيهقي في دلائل النّبوّة عن أبي دجانة و اسمه سماك بن خرشة قال: شكوت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّي نمت في فراشي فسمعت صريرا كصرير الرحى و دويّا كدويّ النحل و لمعانا كلمعان البرق فرفعت رأسي فاذا أنا بظلّ أسود يعلو و يطول بصحن داري فمسست جلده فاذا هو كجلد القنفذ فرمى فى وجهي مثل شرر النّار فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عامر دارك يا با دجانة ثمّ طلب دواتا و قرطاسا و أمر عليّا عليه السّلام أن يكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من رسول ربّ العالمين إلى من طرق الدار من العمار و الزوار إلّا طارقا يطرق بخير أمّا بعد فانّ لنا و لكم في الحقّ سعة فان يكن عاشقا مولعا فاجرا مقتحما فهذا كتاب اللّه ينطق علينا و عليكم إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون، اتركوا صاحب كتابى هذا و انطلقوا إلى عبدة الأصنام و إلى من يزعم أنّ مع اللّه الها آخر لا إله الّا هو كلّ شي‏ء هالك إلّا وجهه له الحكم و إليه ترجعون حم لا ينصرون حمعسق تفرق أعداء اللّه و بلغت حجّة اللّه و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه فسيكفيكهم اللّه و هو السّميع العليم.

قال أبو دجانة فأخذت الكتاب و أدرجته و حملته إلى داري و جعلته تحت رأسي فبت ليلتي فما انتبهت إلّا من صراخ صارخ يقول: يا با دجانه أحرقتنا هذه الكلمات فبحقّ صاحبك إلّا ما رفعت عنا هذا الكتاب فلا عود لنا في دارك و لا في جوارك و لا في موضع يكون فيه هذا الكتاب قال أبو دجانه: لا أرفعه حتّى استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قال أبو دجانه و لقد طالت علىّ ليلتي ممّا سمعت من أنين الجنّ و صراخهم و بكائهم حتّى أصبحت فغدوت فصلّيت الصّبح مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أخبرته بما سمعت من الجنّ و ما قلت لهم فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا با دجانه ارفع عن القوم فو الذي بعثني بالحقّ نبيّا إنّهم ليجدون ألم العذاب إلى يوم القيامة.

في المحاسن مسندا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا ضللت في الطريق فناد: يا صالح يا با صالح أرشدونا إلى الطريق رحمكم اللّه، قال عبد اللّه: فأصابنا ذلك فامرنا بعض من معنا أن يتنحّى و ينادى كذلك قال: فتنحّى فنادى ثمّ أتانا فأخبرنا أنّه سمع صوتا برز دقيقا يقول: الطريق يمنة أو قال يسرة، فوجدناه كما قال.

في البحار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا أصاب أحدا منكم وحشة أو نزل بأرض مجنّة فليقل: أعوذ بكلمات اللّه التّامات التي لا يجاوزهنّ برّ و لا فاجر من يشرّ ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السّماء و ما يعرج فيها و من فتن اللّيل و من طوارق النهار إلّا طارقا يطرق بخير

إذا قلّ مال المرء قلّ بهاؤه
و ضاقت عليه أرضه و سماؤه‏

إذا قلّ مال المرء لم يرض عقله‏
بنوه و لم يعصب له أولياؤه‏

فيل كلّ عضو من الأعضاء فرد فهو مذكّر إلّا الكبد و الطحال، و كلّ ما كان في الجسد اثنين فهو مؤنث إلّا الحاجب و الخدّ و الجنب.

في الأثر انّ الرّبيع بن خثيم حفر في داره قبرا فكان إذا وجد من قلبه قسوة اضطجع فيه فمكث ما شاء ثمّ يقول ربّ ارجعون لعلّى أعمل صالحا فيما تركت‏ ثمّ يردّ على نفسه فيقول قد ارجعتك فجدّ.

قيل كان ملك يسير و معه نديم له فبيناهما كذلك إذا بكلب بال على قبر فقال الملك: لعلّ هذا قبر رافضيّ يبول عليه الكلب، فقال نديمه: ان كان هذا رافضيّا فالكلب لا بدّ أن يكون سنيّا.

قال الرّشيد للبهلول: أتحبّ أن تكون خليفة قال: لا، و ذلك إنّي رأيت موت ثلاث خلفاء و لم ير الخليفة موت بهلولين.

و في زهر الرّبيع دخل رجل من أهل حمص إلى بلد فرأى فيها منارة فقال لصاحبه: ما أطول قامة من بنا هذه المنارة، فقال له صاحبه: يا أخى هل في الدّنيا من يكون قامته مثل هذه المنارة و إنّما بنوها في الأرض و هي نائمة ثمّ أقاموها.

في زهر الرّبيع رأيت رسالة في المشهد الرّضوي على مشرّفه السّلام سنة ثمان بعد المأة و الألف للامام الجويني من أكابر علماء مذهب الشّافعي ردّ بها على مذهب الحنفية و ذكر فيها أشياء كثيرة من أكاذيب أبي حنيفة و زخارفه و خلافه على ملّة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و ذكر من جملة الطّعون عليه: أنّ السّلطان محمود بن سبكتكين كان على مذهب أبي حنيفة و كان مولعا بعلم الحديث يقرأ بين يديه و هو يسمع فوجد الأحاديث أكثرها موافقا لمذهب الشّافعي فالتمس من العلماء الكلام في ترجيح أحد المذهبين فوقع الاتفاق على أن يصلّوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي و ركعتين على مذهب أبي حنيفة لينظر فيه السّلطان و يتفكّر و يختار ما هو أحسن فصلّى القفال المروزي من أصحاب الشّافعي ركعتين على مذهب الشّافعيّ بالأركان و الأذكار و الطّمأنينة و الطّهارة ممّا لم يجوّزه غير الشّافعي، ثمّ أمر القفال أن يصلّي بين يديه ركعتين على ما يجوّزه أبو حنيفة، فقام و ليس جلد كلب مدبوغ و لطخ ربعه بالنجاسة لأنّ أبا حنيفة يجوّز الصّلاة على هذا الحال، و توضّأ بنبيذ التّمر فاجتمع عليه الذّباب و توضّأ معكوسا منكوسا ثمّ استقبل القبلة فأحرم بالصّلاة من غير نيّة و أتى بالتكبير بالفارسيّة ثمّ قرء آية بالفارسيّة دو برك سبز«» ثمّ نقر نقرتين كنقر الدّيك من غير فصل و من غير ركوع و تشهّد.

فقال القفال أيّها السّلطان هذه صلاة أبي حنيفة فقال السّلطان ان لم تكن هذه لقتلتك فأنكر أصحاب أبي حنيفة هذه صلاته فأمر القفال باحضار كتب العراقيين و أمر السّلطان نصرانيّا يقرأ كتب المذهبين فوجدت الصّلاة على مذهب أبي حنيفة كما حكاه القفال فعدل السلطان إلى مذهب الشّافعي و هذه المقالة نقلها عليّ بن سلطان الهروي الحنفي.

ثمّ عارض الشّافعية بأنّهم يقولون: إذا كان جماعة معهم من الماء قلتين و ذلك لا يكفيهم لطهارتهم و لو كمّلوه ببولهم لكفاهم فانّه يجب عليهم تكميله بالبول أو الغائط و هذا ممّا تمجّه العقول و تدفعه النقول.

ثمّ عارض تلك الصّلاة بما جوّزه الشّافعي في الصّلاة فقال: إنّ واحدا منهم إذا اجتمع عندهم ماء بالوعة نجس حتّى صار قلّتين فتمضمض به و استنشق منه ثمّ قال نويت ان اطهّر بهذا الماء الطاهر المطهّر للصّلاة ثمّ غسل وجهه و يديه و مسح برأسه على شعرة أو شعرتين ثلاثا أو مرّتين و غسل رجليه ثمّ انغمس فيه معكوسا و منكوسا لكمال الطّهارة و مع هذا رعف وقاء و فصد و احتجم و لبس جلد خنزير بحريّ، و تحنى في اليدين و الرّجلين مشبّها بالمخانيث و النّساء، و لطخ جميع بدنه و ثيابه بماء مني منفصل عن ذنب حمار حتى اجتمع عليه الذّباب و هو فوق جبل أبي قبيس يقتدي بامام عند الكعبة، و مع هذا همز اللَّه أو أكبر ثمّ وقف و الامام انتقل من ركن إلى ركن و هو يقول: بس بس بسمى اللَّه و نحوه و هو جاهل بالقرآن غير عالم بمخارج الحروف ثمّ يقول: ملك يوم الدّين باسكان اللام و المستقيم بالغين و الذين بالزا و أنعمت بتحريك النون و يختم بقوله غير المغضوب عليهم و لا الضّالّين بالقاف عوض الغين أو بالذال بدل الضّاد هذه صفة صلاة الشّافعي و أطال في التشنيع‏

عليه قال الشّاعر:

و مصطنع المعروف من غير أهله
يلاقي كما لاقى مغيث أمّ عامر

قيل«» إنّ أمّ عامر كنية الضبع و انّ صيّادا أراد صيدها فطردها فالتجأت إلى بيت أعرابي فأجارها فلما جاء اللّيل أطعمها و أنامها فقامت في اللّيل إلى صبيّ فمزّقت بطنه و أكلت رأسه و خرجت ليلا قال أبو الطيب:

و وضع النّدى في موضع السيف بالعلى
مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدى‏

قال بعض الخلفاء لبعض الزّهاد: إنّك لعظيم الزّهد، فقال: إنّك أزهد منّى لأنّك زهدت في نعيم الآخرة و هو نعيم دائم عظيم و زهدت أنا في نعيم الدّنيا الحقير المنقطع.

كان بعضهم في أيّام صغره أشدّ منه ورعا في أيّام كبره فقال:

عصيت هوى نفسي صغيرا و عند ما
أتتني اللّيالي بالمشيب و بالكبر

أطعت الهوى عكس القضية ليتني‏
خلقت كبيرا ثمّ عدت إلى الصّغر

الترجمة

از جمله كلام آن جناب ولايت مآب است در ذكر عمرو بن عاص بى اخلاص مى‏ فرمايد: تعجب مي كنم تعجب كردنى به پسر نابغه باغيه مى‏ گويد باهل شام بدرستى كه در من است مزاحى و بدرستى كه من مردى هستم بسيار بازى كننده شوخى مي كنم و بازى مى ‏نمايم، بتحقيق كه گفته است آن روسياه حرف باطل و تباه را، و گويا شده است در حالتى كه گناه كننده است.

آگاه باشيد كه بدترين گفتار دروغ است و بدرستى آن بد بنياد حرف مى‏زند پس دروغ مى‏گويد و وعده مى‏دهد پس خلف وعده ميكند، و سؤال ميكند پس اصرار مى‏نمايد در سؤال، و سؤال كرده مى‏شود پس بخل مى‏ورزد از قضاء آمال، و خيانت ميكند در عهد و پيمان، و قطع رحم ميكند از خويشان، پس اگر واقع شود آن بد خصال در نزد قتال و جدال پس چه بزرگ نهى كننده است و امر نماينده مادامى كه شمشيرها شروع نكرده‏اند در محل شروع خود.

يعنى ما دامى كه نايره حرب مشتعل نشده است دعوى سر كردگى ميكند و مشغول امر و نهى مى‏شود، پس چون زمان ضرب و شست رسيد و شجاعان روزگار مشغول كارزار گرديد ميباشد بزرگترين حيله آن با تزوير اين كه بذل كند بمردمان دبر خود را و باين واسطه و تدبير از دم شمشير آبدار نجات يابد چنانچه در جنگ صفين امام عالميان قصد آن بدبخت بى‏دين را نمود و او خودش را از اسب بزمين انداخت و آن مردود ابتر علاجى از مرگ بغير از كشف از قبل و دبر خويش نيافت پس آن معدن حيا و عفت از سوئت آن بدبخت رو بتافت و بازگشت.

پس مى‏فرمايد آگاه باشيد بخدا سوگند كه بازميدارد مرا از بازى كردن ذكر موت، و بازميدارد ابن نابغه را از گفتار حق فراموشى آخرت، و بدرستى كه آن بيعت نكرد بمعاويه تا اين كه شرط كرد از براى وى كه عطا كند باو عطاء قليلى و ببخشد او را بر ترك دين رشوت حقيرى كه عبارت باشد از حكومت دو روزه مصر.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=