خطبه 83 صبحی صالح
83- و من خطبة له ( عليه السلام ) و هي الخطبة العجيبة تسمى «الغراء»
و فيها نعوت اللّه جل شأنه،
ثم الوصية بتقواه
ثم التنفير من الدنيا،
ثم ما يلحق من دخول القيامة،
ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض،
ثم فضله ( عليه السلام ) في التذكير
صفته جل شأنه
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا بِحَوْلِهِ
وَ دَنَا بِطَوْلِهِ
مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَ فَضْلٍ
وَ كَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَ أَزْلٍ
أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ
وَ سَوَابِغِ نِعَمِهِ
وَ أُومِنُ بِهِ أَوَّلًا بَادِياً
وَ أَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً
وَ أَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً
وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله )عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ
أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ
وَ إِنْهَاءِ عُذْرِهِ
وَ تَقْدِيمِ نُذُرِهِ
الوصية بالتقوى
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ضَرَبَ الْأَمْثَالَ
وَ وَقَّتَ لَكُمُ الْآجَالَ
وَ أَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ
وَ أَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ
وَ أَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ
وَ أَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ
وَ آثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ
وَ الرِّفَدِ الرَّوَافِغِ
وَ أَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ
فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً
وَ وَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً
فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ
وَ دَارِ عِبْرَةٍ
أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا
وَ مُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا
التنفير من الدنيا
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا
رَدِغٌ مَشْرَعُهَا
يُونِقُ مَنْظَرُهَا
وَ يُوبِقُ مَخْبَرُهَا
غُرُورٌ حَائِلٌ
وَ ضَوْءٌ آفِلٌ
وَ ظِلٌّ زَائِلٌ
وَ سِنَادٌ مَائِلٌ
حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا
وَ اطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا
قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا
وَ قَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا
وَ أَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا
وَ أَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ
قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ
وَ وَحْشَةِ الْمَرْجِعِ
وَ مُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ
وَ ثَوَابِ الْعَمَلِ.
وَ كَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ
لَا تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً
وَ لَا يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً
يَحْتَذُونَ مِثَالًا
وَ يَمْضُونَ أَرْسَالًا
إِلَى غَايَةِ الِانْتِهَاءِ وَ صَيُّورِ الْفَنَاءِ
بعد الموت البعث
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ
وَ تَقَضَّتِ الدُّهُورُ
وَ أَزِفَ النُّشُورُ
أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ
وَ أَوْكَارِ الطُّيُورِ
وَ أَوْجِرَةِ السِّبَاعِ
وَ مَطَارِحِ الْمَهَالِكِ
سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ
مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ
رَعِيلًا صُمُوتاً
قِيَاماً صُفُوفاً
يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ
وَ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي
عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِكَانَةِ وَ ضَرَعُ الِاسْتِسْلَامِ وَ الذِّلَّةِ
قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَ انْقَطَعَ الْأَمَلُ وَ هَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً
وَ خَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً
وَ أَلْجَمَ الْعَرَقُ
وَ عَظُمَ الشَّفَقُ
وَ أُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي
إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ
وَ مُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ
وَ نَكَالِ الْعِقَابِ
وَ نَوَالِ الثَّوَابِ
تنبيه الخلق
عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً
وَ مَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً
وَ مَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً
وَ مُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً
وَ كَائِنُونَ رُفَاتاً
وَ مَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً
وَ مَدِينُونَ جَزَاءً
وَ مُمَيَّزُونَ حِسَاباً
قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ وَ هُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ
وَ عُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ
وَ كُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ
وَ خُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ
وَ رَوِيَّةِ الِارْتِيَادِ
وَ أَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَ مُضْطَرَبِ الْمَهَلِ
فضل التذكير
فَيَا لَهَا أَمْثَالًا صَائِبَةً
وَ مَوَاعِظَ شَافِيَةً
لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً
وَ أَسْمَاعاً وَاعِيَةً
وَ آرَاءً عَازِمَةً
وَ أَلْبَاباً حَازِمَةً
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ
وَ اقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ
وَ وَجِلَ فَعَمِلَ
وَ حَاذَرَ فَبَادَرَ
وَ أَيْقَنَ فَأَحْسَنَ
وَ عُبِّرَ فَاعْتَبَرَ
وَ حُذِّرَ فَحَذِرَ
وَ زُجِرَ فَازْدَجَرَ
وَ أَجَابَ فَأَنَابَ
وَ رَاجَعَ فَتَابَ
وَ اقْتَدَىفَاحْتَذَى
وَ أُرِيَ فَرَأَى
فَأَسْرَعَ طَالِباً
وَ نَجَا هَارِباً فَأَفَادَ ذَخِيرَةً
وَ أَطَابَ سَرِيرَةً
وَ عَمَّرَ مَعَاداً
وَ اسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَ وَجْهِ سَبِيلِهِ
وَ حَالِ حَاجَتِهِ وَ مَوْطِنِ فَاقَتِهِ
وَ قَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ
وَ احْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ
وَ اسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ
وَ الْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ
التذكير بضروب النعم
و منهاجَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا
وَ أَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا
وَ أَشْلَاءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا
مُلَائِمَةً لِأَحْنَائِهَا فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَ مُدَدِ عُمُرِهَا
بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا
وَ قُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا
فِي مُجَلِّلَاتِ نِعَمِهِ
وَ مُوجِبَاتِ مِنَنِهِ
وَ حَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ
وَ قَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ
وَ خَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ
مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلَاقِهِمْ
وَ مُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ
أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الْآمَالِ
وَ شَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الْآجَالِ
لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلَامَةِ الْأَبْدَانِ
وَ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ
فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِيَ الْهَرَمِ
وَ أَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلَّا نَوَازِلَ السَّقَمِ
وَ أَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلَّا آوِنَةَ الْفَنَاءِ
مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ
وَ أُزُوفِ الِانْتِقَالِ
وَ عَلَزِ الْقَلَقِ
وَ أَلَمِ الْمَضَضِ
وَ غُصَصِ الْجَرَضِ
وَ تَلَفُّتِ الِاسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَ الْأَقْرِبَاءِ وَ الْأَعِزَّةِ وَ الْقُرَنَاءِ
فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ
أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ
وَ قَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً
وَ فِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً
قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ
وَ أَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ
وَ عَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ
وَ مَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ
وَ صَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا
وَ الْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا
وَ الْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا
مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا
لَا تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا
وَ لَا تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا
أَ وَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَ الْآبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ الْأَقْرِبَاءَ
تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ
وَ تَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ
وَ تَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ
فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا
لَاهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا
سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا
كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا
وَ كَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا
التحذير من هول الصراط
وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَ مَزَالِقِ دَحْضِهِ
وَ أَهَاوِيلِ زَلَلِهِ
وَ تَارَاتِ أَهْوَالِهِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ
وَ أَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ
وَ أَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ
وَ أَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ
وَ ظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ
وَ أَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ
وَ قَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ
وَ تَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ
وَ سَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ إِلَىالنَّهْجِ الْمَطْلُوبِ
وَ لَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلَاتُ الْغُرُورِ
وَ لَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ
ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى
وَ رَاحَةِ النُّعْمَى
فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ
وَ آمَنِ يَوْمِهِ
وَ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً
وَ قَدَّمَ زَادَ الْآجِلَةِ سَعِيداً
وَ بَادَرَ مِنْ وَجَلٍ
وَ أَكْمَشَ فِي مَهَلٍ
وَ رَغِبَ فِي طَلَبٍ
وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ
وَ رَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ
وَ نَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ
فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَ نَوَالًا
وَ كَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالًا
وَ كَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَ نَصِيراً
وَ كَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَ خَصِيماً
الوصية بالتقوى
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ
وَ احْتَجَّ بِمَا نَهَجَ
وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً
وَ نَفَثَ فِي الْآذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى
وَ وَعَدَ فَمَنَّى
وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ
وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ
حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ
وَ اسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ
أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ
وَ اسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ
وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ
و منها في صفة خلق الإنسان
أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ
وَ شُغُفِ الْأَسْتَارِ
نُطْفَةً دِهَاقاً
وَ عَلَقَةً مِحَاقاً
وَ جَنِيناً وَ رَاضِعاً وَ وَلِيداً وَ يَافِعاً
ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً
وَ لِسَاناً لَافِظاً
وَ بَصَراً لَاحِظاً
لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً
وَ يُقَصِّرَ مُزْدَجِراً
حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ
وَ اسْتَوَىمِثَالُهُ
نَفَرَ مُسْتَكْبِراً
وَ خَبَطَ سَادِراً
مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ
كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَ بَدَوَاتِ أَرَبِهِ
ثُمَّ لَا يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً
وَ لَا يَخْشَعُ تَقِيَّةً
فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً
وَ عَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً
لَمْ يُفِدْ عِوَضاً
وَ لَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً
دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ
وَ سَنَنِ مِرَاحِهِ
فَظَلَّ سَادِراً
وَ بَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الْآلَامِ
وَ طَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَ الْأَسْقَامِ
بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ
وَ وَالِدٍ شَفِيقٍ
وَ دَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً
وَ لَادِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً
وَ الْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَ غَمْرَةٍ كَارِثَةٍ
وَ أَنَّةٍ مُوجِعَةٍ
وَ جَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ
وَ سَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ
ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً
وَ جُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً
ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ
وَ نِضْوَ سَقَمٍ
تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ
وَ حَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَ مُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَ مُفْرَدِ وَحْشَتِهِ
حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ
وَ رَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ
أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ
وَ عَثْرَةِ الِامْتِحَانِ
وَ أَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ
وَ تَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ
وَ فَوْرَاتُ السَّعِيرِ
وَ سَوْرَاتُ الزَّفِيرِ
لَا فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ
وَ لَا دَعَةٌ مُزِيحَةٌ
وَ لَا قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ
وَ لَا مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ
وَ لَا سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ
بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ
وَ عَذَابِ السَّاعَاتِ
إِنَّا بِاللَّهِ عَائِذُونَ
عِبَادَ اللَّهِ أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا
وَ عُلِّمُوا فَفَهِمُوا
وَ أُنْظِرُوا فَلَهَوْا
وَ سُلِّمُوا فَنَسُوا
أُمْهِلُوا طَوِيلًا
وَ مُنِحُوا جَمِيلًا
وَ حُذِّرُوا أَلِيماً
وَ وُعِدُوا جَسِيماً
احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ
وَ الْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ
أُولِي الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ
وَ الْعَافِيَةِ وَ الْمَتَاعِ
هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلَاصٍ
أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلَاذٍ
أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ أَمْ لَا
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ
أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ
وَ إِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَ الْعَرْضِ قِيدُ قَدِّهِ
مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ
الْآنَ عِبَادَ اللَّهِ وَ الْخِنَاقُ مُهْمَلٌ
وَ الرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ الْإِرْشَادِ
وَ رَاحَةِ الْأَجْسَادِ
وَ بَاحَةِ الِاحْتِشَادِ
وَ مَهَلِ الْبَقِيَّةِ
وَ أُنُفِ الْمَشِيَّةِ
وَ إِنْظَارِ التَّوْبَةِ
وَ انْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ
قَبْلَ الضَّنْكِ وَ الْمَضِيقِ وَ الرَّوْعِ وَ الزُّهُوقِ
وَ قَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ
وَ إِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ
قال الشريف و في الخبر أنه لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود
و بكت العيون و رجفت القلوب
و من الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5
الفصل الرابع
عباد مخلوقون اقتدارا، و مربوبون اقتسارا، و مقبوضون احتضارا، و مضمّنون أجداثا، و كائنون رفاتا، و مبعوثون أفرادا، و مدينون جزاء، و مميّزون حسابا، قد أمهلوا في طلب المخرج، و هدوا سبيل المنهج، و عمّروا مهل المستعتب، و كشفت عنهم سدّف الرّيب، و خلّوا لمضمار الجياد، و رويّة الارتياد، و أناة المقتبس المرتاد، في مدّة الأجل، و مضطرب المهل، فيا لها أمثالا صائبة، و مواعظ شافية، لو صادفت قلوبا زاكية، و أسماعا واعية، و آرآء عازمة، و ألبابا حازمة، فاتّقوا اللّه تقيّة من سمع فخشع، و اقترب فاعترف، و وجل فعمل، و حاذر فبادر، و أيقن فأحسن، و عبّرفاعتبر، و حذّر فازدجر، و أجاب فأناب، و راجع فتاب، و اقتدى فاحتذى، و أري فرأى، فأسرع طالبا، و نجا هاربا، فأفاد ذخيرة، و أطاب سريرة، و عمر معادا، و استظهر زادا، ليوم رحيله، و وجه سبيله، و حال حاجته، و موطن فاقته، و قدّم أمامه لدار مقامه، فاتّقوا اللّه عباد اللّه جهة ما خلقكم له، و احذروا منه كنه ما حذّركم من نفسه، و استحقّوا منه ما أعدّ لكم بالتّنجّز لصدق ميعاده، و الحذر من هول معاده.
اللغة
(قسره) على الأمر قسرا من باب ضرب قهره و اقتسره كذلك و (حضره) الموت و احتضره اشرف عليه فهو في النّزع و هو محضور و محتضر بالفتح.
قال الطريحي: و في الحديث ذكر الاحتضار و هو السوق سمّي به قيل لحضور الموت و الملائكة الموكلين به و إخوانه و أهله عنده، و فلان محتضر أى قريب من الموت و منه إذا احتضر الانسان وجه يعنى جهة القبلة و (الاجداث) جمع الجدث كأسباب و سبب و هو القبر و هذه لغة أهل تهامة و أمّا أهل نجد فيقولون جدف بالفاء و (الرفات) كالفتات بالضّم لفظا و معنا و هو ما تناشر من كلّ شيء و (المنهج) كالنهج و المنهاج الطريق الواضح و (العتبى) بالضّم الرّضا و استعتبه أعطاه العتبى كأعتبه و طلب إليه العتبى من الأضداد.
قال الفيومي عتب عليه عتبا من بابي ضرب و قتل لامه في تسخط و أعتبني الهمزة للسبب أى أزال الشكوى و العتاب و استعتب طلب الاعتاب و العتبى اسم من الاعتاب و (السّدف) جمع سدفة، كغرفة و غرف و هي الظلمة و (ضمر) الفرس ضمورا من باب قعد و ضمر ضمرا من باب قرب قلّ لحمه و هزل، و ضمرته و أضمرته أعددته للسباق و هو أن تعلفه قوتا بعد السّمن أى يعلف حتّى يسمن ثمّ يرد إلى قوته الأوّل ليخفّ لحمه و ذلك في أربعين يوما، و المضمار الموضع الذي تضمر فيه الخيل.
و (الرّوية) الفكر و التّدبر و هي كلمة جرت على ألسنتهم بغير همز تخفيفا و هي من روأت في الأمر بالهمز أى نظرت فيه و (الارتياد) الطلب و (تأنّى) في الأمر تمكث و لم يعجل و الاناة و زان حصاة اسم منه و (المقتبس) كالقابس هو طالب العلم و النار و (صاب) السّهم الغرض صوبا من باب قال و صابه يصيبه من باب باع كأصابه وصل الغرض و ما أخطاه، و في المثل و في الخواطي سهم صائب و (حزم) فلان رأيه حزما أتقنه و (التقية) كالتّقوى اسم من اتقيت اللّه اتقاء و (اقترف) لأهله اقترافا اكتسب من مال حلال أو حرام و (حذر) الشّيء و حاذره خافه.
و يحتمل أن يراد من حاذر كثرة الخوف بناء على أن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى و (عبر) أى أرى العبر كثيرا بناء على أنّ التّشديد دليل المبالغة و (زجره) زجرا منعه و نهاه كازدجر فانزجر و ازدجر فازدجر يستعمل مطاوع ازدجر و هو غريب و (أفاد) المال استفاده و أعطاه و هو من الأضداد و (استظهرت) به استعنت و (المقام) بضمّ الميم مصدر كالاقامة يقال قام بالمكان اقامة و مقاما و (كنه) الشّيء حقيقته و غايته و نهايته يقال عرفته كنه المعرفة.
و (نجز) الوعد نجزا من باب قتل تعجل و النّجز مثل قفل اسم منه و يعدّى بالهمزة و الحرف فيقال أنجزته و نجزت به إذا أعجلته و استنجز حاجته و تنجّزها طلب قضاءها ممّن وعده إيّاها.
الاعراب
عباد خبر مبتداء محذوف، و اقتدارا و اقتسارا منصوبان على التّميز، و احتضارا منصوب على الحال المؤكدة من قبيل قوله ولّى مدبرا فيئول بالمشتقّ أى مقبوضون محتضرين، مثل قولهم اجتهد وحدك أى منفردا، و أجداثا مفعول فيه و هو و إن لم يكن من ظروف المكان المبهمة أعنى الجهات السّت و ما أشبهها من عند ولدي و نحوهما إلا أنّه قد انتصب بفي مقدّرة لما في الكلام من معنى الاستقرار كما قال الرّضىّ.
و أما انتصاب نحو قعدت مقعده و جلست مكانه و نمت مبيته فلكونه متضمّنا لمصدر معناه الاستقرار في ظرف فمضمونه مشعر بكونه ظرفا لحدث بمعنى الاستقرار كما أنّ نفسه ظرف لمضمونه بخلاف نحو المضرب و المقتل فلا جرم لم ينصبه على الظرفية إلّا ما فيه معنى الاستقرار اه، و إفرادا منصوب على الحال كانتصاب فردا في قوله تعالى: وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً.
و جزاء مصدر على غير لفظ فعله و حسابا منصوب بنزع الخافض و ما قاله البحرانى من انه مصدر منصوب بغير فعله ليس بشيء و في طلب المخرج في للظرفيّة المجازية كما في قولهم في نفس المؤمنة مأئة من الابل أى في قتلها، فالسّبب الذى هو القتل متضمّن للدّية تضمّن الظرف للمظروف، و هذه هي التي يقال إنّها للسّببية.
و مهل المستعتب بحذف الموصوف مفعول مطلق مجازي من غير المصادر أى امهلوا و عمروا مثل مهل المستعتب، و ما توهّمه الشّارح البحراني من أنّه مصدر فاسد، و قوله في مدّة الأجل متعلق بقوله خلوا، و قوله فيا لها أمثالا صائبة منادي تفخيم و تعجّب، و انتصاب أمثالا على التميز من الضمير المبهم.
قال الرّضيّ في باب التميز من شرح الكافية: و قد يكون الاسم في نفسه تاما لا لشيء آخر أعنى لا يجوز إضافته فينصب عنه التميز و ذلك في شيئين: أحدهما الضمير و هو الأكثر و ذلك في الأغلب فيما فيه معنى المبالغة و التفخيم كمواضع التعجّب نحو يا له رجلا و يالها قصّة و يا لك ليلا إلى آخر ما قال، و ذخيرة و سريرة منصوبان على المفعول به.
و قوله: جهة ما خلقكم اه قال الشّارح المعتزلي نصب جهة بفعل مقدّر تقديره و اقصدوا جهة ما خلقكم له يعنى العبادة فحذف الفعل و استغنى عنه بقوله فاتّقوا اللّه لأنّ التّقوى ملازمة لقصد المكلّف العبادة فدلّت عليه و استغنى بها عن إظهاره.
قيل و يجوز انتصابها على الظرفية أى اجعلوا تقواكم فى تلك الجهة أى نظرا إلى تلك الجهة لا للرّياء و السمعة، و الحذر بالجرّ عطف على التّنجّز.
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل مسوق لشرح حال النّاس و الكشف عن أوصافهم و التّنبيه على ما خلقوا لأجله و ما يصير أمرهم إليه و استدرج ذلك بمواعظ شافية و نصايح وافية، و المقصود بذلك كلّه تنبّههم عن نوم الغفلة و الجهالة و افاقتهم من سكر الحيرة و الضّلالة.
فقوله (عباد مخلوقون اقتدارا) يعني أنّ النّاس الذين شرحنا حالهم و ذكرنا كيفيّة حشرهم و معادهم هم عباد خلقهم اللّه سبحانه من قدرته التّامّة الكاملة و حكمته الجامعة البالغة و ليس خلقهم لذواتهم و من اتّصف بذلك لا يجوز له العصيان لخالقه و بارئه.
(و مربوبون اقتسارا) أى مملوكون من قهر و غلبة و ربّاهم اللّه سبحانه من صغرهم إلى كبرهم لا عن اختيار منهم حتّى يكون لهم الخيرة في معصية ربّهم و مالكهم (و مقبوضون احتضارا) أى مقبوضون بالموت محتضرين إلى حضرة ذي العزّة فيجازيهم بالحسنة و السّيئة (و مضمّنون أجداثا) أى في قبور هي دار الوحدة و الوحشة (و كائنون رفاتا) و عظاما فتاتا أى أجزاء شتاتا (و مبعوثون افرادا) أى وحدانا لا مال لهم و لا ولد كما فسّر بذلك قوله تعالى: وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.
قال في مجمع البيان: أى جئتمونا وحدانا لا مال لكم و لا خول و لا ولد و لا حشم و قيل واحدا واحدا عليحده و قيل كلّ واحد منكم منفردا من شريكه في الغيّ و شفيقه كما خلقناكم أوّل مرّة أى خلقناكم في بطون امّهاتكم لا ناصر لكم و لا معين و قيل معناه ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: تحشرون حفاتا عراتا عزلا، و العزل هم الغلف.
و روى إنّ عايشة قالت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين سمعت ذلك: و اسوأتاه ينظر بعضهم إلى سوءة بعض من الرّجال و النّساء قال: صلّى اللّه عليه و آله: لكلّ امرء منهم يومئذ شأن يغنيه و يشغل بعضهم عن بعض.
و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم، معناه تركتم ما ملّكناكم في الدّنيا ممّا كنتم تتباهون به من الأموال خلف ظهوركم، و المراد تركتم الأموال في الدّنيا و حملتم من الذّنوب الأحمال و استمتع غيركم بما خلفتم و حوسبتم عليه فيا لها حسرة (و مدينون جزاء) أى مجزيّون بأعمالهم جزاء إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا.
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ.
(و مميزون حسابا) أى في حساب يعني بتميّز المؤمن من المجرم و التقيّ من الشّقيّ و الجيّد من الرّديّ في يوم الحساب و مقام المحاسبة كما قال سبحانه: وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ.
أي اعتزلوا من أهل الجنّة و كونوا فرقة على حدة.
نقل أنّه إذا جمع اللّه الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتّى يلجمهم العرق فينادون يا ربّنا حاسبنا و لو إلى النار فيبعث اللّه رياحا فتضرب بينهم و ينادى مناد: و امتازوا اليوم أيّها المجرمون، فتميّز بينهم فصار المجرمون إلى النار و من كان فى قلبه ايمان صار إلى الجنّة.
(قد امهلوا في طلب المخرج) يعنى أنّ اللّه سبحانه أمهلهم في دار الدّنيا لطلب نجاتهم و خلاصهم من الظلمات إلى النور و خروجهم من الضلالة إلى السداد و من الغواية إلى الرشاد (و هدوا سبيل المنهج) أى هداهم اللّه تعالى بما جعل لهم من العقول و بعث إليهم من الأنبياء و الرّسل إلى المنهج القويم و الصّراط المستقيم الموصل لسالكه إلى حظيرة القدس و جنّة الفردوس.
(و عمرو امهل المستعتب) يعني أعطاهم اللّه العمرو أمهلهم في الدّنيا مثل مهل من يطلب رضائه و اعتابه أى إزالة اللّوم و الشكوى عنه و لما كان من يطلب إزالة اللّوم عنه و يقصد رجوعه عن غيّه بمهل طويلا و يداري شبّه عليه السّلام مهلة اللّه لخلقه مدّة أعمارهم ليرجعوا إلى طاعته و يعملوا صالحا بذلك فافهم جيّدا.
(و كشفت عنهم سدف الرّيب) أى ازيلت عنهم ظلمات الشّكوكات و الشّبهات بما منحهم اللّه من العقول مؤيدا بالرّسل (و خلّو المضمار الجياد) أى خلاهم اللّه و تركهم في الدّنيا ليضمروا أنفسهم و يستعدّوا السّباق في الآخرة كما يترك الجياد من الخيل في المضمار و تضمر ليحصل لها الاستعداد للمسابقة و يحاز بها قصب السّبق و يؤخذ بها السّبق.
و في الاتيان بلفظة الجياد تنبيه على أن يكونوا من جياد مضمارهم و قد مرّ توضيح تشبيه الدّنيا بالمضمار في شرح الخطبة السابعة و العشرين فليراجع (و) كذلك خلّوا ل (روية الارتياد و أناة المقتبس المرتاد) أى للتّفكر في طلب الحق و ليتأنوا أناة المتعلّم للعلوم الحقّة المحتاج في تعلّمه إلى التأنّي و المهلة الطالب للأنوار الالهيّة ليهتدى بها في ظلمات الجهل و الغفلة (في مدّة الأجل) الذي عيّنه سبحانه لهم (و مضطرب المهل) الذي قدّر في حقّهم.
ثمّ نبّه عليه السّلام على كمال كلامه و فضل موعظته و عرّض على عدم القلوب الحاملة لها بقوله (فيا لها أمثالا صائبة و مواعظ شافية) أى أمثالا مطابقة لممثلاتها متّصفة بالصّواب خالية عن الخطاء و مواعظ شافية لأمراض الجهل مبرئة عن آلام الهوى (لو صادفت) تلك الأمثال و المواعظ (قلوبا) طاهرة (زاكية و أسماعا) حافظة (واعية) أى قلوبا مستعدّة لقبول الهداية و أسماعا قابلة لحفظ النّصيحة (و آراء عازمة) قاصدة على الرّشد و السّداد (و ألبابا حازمة) متقنة لما فيه الصّلاح و الرّشاد.
و عن معاني الأخبار: الحزم أن تنتظر فرصتك و تعاجل ما أمكنك.
و في الحديث: الحزم بضاعة و التّواني اضاعة و فيه: الظفر بالحزم و الحفر «الحزم ظ» باجالة الرّأى و الرأى بتحصين الأسرار.
قال بعض شرّاح الحديث أشار إلى أسباب الظفر القريب و المتوسّط و البعيد فالحزم أن تقدم العمل للحوادث الممكنة قبل وقوعها بما هو أبعد عن الغرور و أقرب إلى السّلامة، و هو السبب الأقرب للظفر بالمطالب و المتوسط هو إجالة الرّأى و إعماله في تحصيل الوجه الأحزم و هو سبب أقرب للحزم، و الأبعد هو اسرار ما يطلب و هو سبب أقرب للرّأى الصّالح إذ قلّ ما يتمّ رأى و يظفر بمطلوب مع ظهور إرادته، هذا.
و في رواية الحزم في القلب و الرّحمة و الغلظ في الكبد، و الحياء في الرّية.
ثمّ إنّه عليه السّلام بعد التّنبيه على فضل موعظته و الاشارة إلى أسباب قبول الموعظة حثّ على التّقوى أيضا و رغّب فيها لكونها الغرض الأصلي من هذه الخطبة فقال.
(فاتّقوا اللّه) تقيّة مثل (تقيّة من سمع) نداء اللّه (فخشع) قلبه للّه (و اقترف) الاثم و الشّقاء (فاعترف) بالتّقصير و الخطاء (و وجل) العقبى (فعمل) الحسنى (و حاذر) العقوبة (فبادر) المثوبة (و أيقن) أجله (فأحسن) عمله (و عبّر) بما فيه اتّعاظ و اعتبار (فاعتبر) و حصل له انابة و انزجار (و حذر) بالسّخط و النّكال (فازدجر) و انزجر عن سوء الأعمال (و أجاب) دعوة الدّاع إذا دعاه (فأناب) إلى ربّه حين ناداه (و راجع) عقله و تفكر (فتاب) عمّا فرط و قصر (و اقتدى) بالأنبياء و المرسلين (فاحتذى) حذ و عباد اللّه المتّقين (وارى) الآيات في الآفاق و الأنفس (فرأى) الحقيقة بعيان الحس.
(فأسرع) إلى الخير (طالبا) راغبا (و نجى) من الشرّ (هاربا) راهبا(فافاد ذخيرة) لسلوك سبيل الرّحمن (و أطاب سريرة) من الرّجس و دنس الشّيطان (و عمر معادا) بصالح الأعمال (و استظهر زادا) من التّقى و مكارم الخصال (ليوم رحيله) من الدّنيا (و وجه سبيله) إلى العقبى (و حال حاجته) في الحشر و المعاد (و مواطن فاقته) يوم التّاد (و قدم) التّقوى (أمامه) ليكون عدّة (لدار) مقيله و (مقامه فاتّقوا اللّه) سبحانه يا (عباد اللّه) و اقصدوا (جهة ما خلقكم له) من تحصيل العرفان و اليقين و تكميل الاخلاص في الدّين كما قال عزّ من قائل وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
(و احذروا منه كنه ما حذّركم من نفسه) بقوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و قوله: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ.
(و استحقّوا منه) تعالى (ما أعدّ) ه (لكم) و هيأه في حقّكم و يشير به بقوله لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ.
و استحقاق ذلك إمّا (بالتّنجزّ لصدق ميعاده) أي بطلب انجاز وعده الصّادق و التماس وفائه بالجزاء اللائق، و ذلك الطلب إنّما هو بعد الاقبال بالطاعات و الاجتهاد في إتيان الصّالحات (و) إمّا با (الحذر من هول معاده) و هو إنّما يكون بالارتداع من الخطيئات و الازدجار عن السّيئآت، وفّقنا اللّه سبحانه للاقبال و الابتهال و للانتهار و الانزجار و أنّى لنا بذلك مع ما نحن عليه من الاغترار بالدّنيا و لذّاتها و الافتتان بشهواتها.
كانّا نرى أن لا نشور و أنّنا
سدى مالنا بعد الفناء بصائر
ألا لا و لكنّا نغرّ نفوسنا
و تشغلنا اللذّات عمّا نحاذر
و كيف يلذّ العيش من هو موقن
بموقف عدل حين تبلى السرائر
الترجمة
ايشان بندگانند مخلوق شده از روى قدرت فاعل مختار، و مملوك از روى قهر و جبر بىاختيار، و قبض كرده شده در حالتى كه محتضرند و مرتحل بدار قرار، و نهاده شدهاند در درون قبور و گرديدهاند اجزاء متفرّقه چون هباء منثور، و مبعوث شدهاند در حالتى كه منفردند از أهل و مال، و جزا داده شدهاند جزا دادنى بحسب اعمال، و تميز داده شدهاند در مقام حساب ربّ الأرباب.
بتحقيق كه مهلت داده شدهاند در دنيا بجهة طلب خروج از ظلمت جهالت و راه نموده شدهاند براه راست رشادت و معمّر شدهاند و مهلت داده شده همچو مهلت كسى كه طلب كننده باشد رضا و ازاله ملامت حضرت عزّت را از خود بتوبه و انابت و زايل گردانيده شده است از ايشان ظلمات شك و گمان با بيّنه و برهان، و واگذاشته شدهاند در دنيا از براى رياضت دادن نفس أمّاره بواسطه حمل كردن بأسباب تقوى و أثقال طاعت چون رياضت دادن و لاغر نمودن اسبهاى خوب از براى سبقت در ميدان مسابقت.
و همچنين واگذاشته شدهاند از براى تفكّر در طلب حق و از براى تأنّى كردن همچو تأنّي كردن طالب نور الهى بتحصيل سعادت و جوينده آن بكسب كمالات در مدت اجلى كه معين شده است بر ايشان و محل اضطراب مهلتى كه مقدر شده است در حقّ ايشان، پس أ يقوم تعجب نمائيد از اين پندها از حيثيت مثلهاى موصوفه بدرستى و صواب و نصيحتهاى شفا دهنده بأمراض ناداني و جهالت اگر برسد بقلوب متّصفه بجودت و ذكاوت، و بگوشهاى حفظ كننده نصيحت، و برأيهاى صاحب عزم و علوّ همت، و بعقلهاى صاحب حزم و بلند مرتبت.
پس بپرهيزيد از خدا همچو پرهيز نمودن كسى كه شنيد امر خدا را پس فروتنى نمود بخدا و كسب گناه كرد پس اعتراف بتقصير نمود و ترسيد از آخرت پس عمل شايسته نمود و حذر نمود از عقوبت پس بشتافت بسوى طاعت، و يقين كرد بأجل پس نيكو كرد عمل را و عبرت داده شد پس قبول عبرت نمود و ترسانيده شد از عذاب و سخط پس منزجر شد از معصيت و إجابت نمود دعوت را پس رجوع نمود بزبان معذرت، و مراجعه نمود به عقل خود پس توبه كرد از خطيئت و اقتدا نمود بأنبياء و مرسلين پس تابع شد بسلف صالحين.
و نموده شد به وى آيات قدرت پس معرفت رساند بحقيقت پس سرعت كرد بسوى خير در حالتى كه طالب و راغب بود و نجات يافت از شر در حالتى كه گريزان و هارب بود، پس كسب نمود ذخيره را از براى سلوك سبيل رحمان، و پاكيزه نمود باطن خود را از رجس و شرك شيطان، و معمور نمود معاد خود را بصالح اعمال، و پشت قوى كرد بتوشه برداشتن از تقوى و محاسن خصال از براى رحلت خود در دنيا و جهت راه خود به عقبى و براى حال احتياج خود و موضع درويشى خود و فرستاد پيش از خود توشه طاعت از براى سراى اقامت.
پس بپرهيزيد از خدا اى بندگان خدا، و قصد نمائيد جهت آنچه را كه خلق نمود شما را از براى آن كه عبارت است از تحصيل معرفت و عبادت با اخلاص نيّت، و بترسيد از خدا بنهايت آنچه ترسانيد شما را از نفس خود و استحقاق پيدا كنيد از او آن چيزى را كه مهيا كرده است از براى شما با طلب وفا نمودن مر وعده صادق او را و با حذر نمودن از هول معاد او.
و معلوم است كه اين طلب وفا و اين حذر متصوّر نمىشود مگر با اقبال بطاعات، و با ارتداع از سيئات، اللهمّ وفّقنا بحقّ محمّد سيد السادات.
الفصل الخامس
جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها، و أبصارا لتجلو عن عشاها، و أشلاء جامعة لأعضائها، ملائمة لأحنائها، في تركيب صورها، و مدد عمرها، بأبدان قائمة بأرفاقها، و قلوب رائدة لأرزاقها، في مجلّلات نعمه، و موجبات مننه، و حواجز عافيته، و قدّر لكم أعمارا سترها عنكم، و خلّف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم من مستمتع خلاقهم، و مستفسح خناقهم، أرهقتهم المنايا دون الآمال، و شذّبهم عنها تخرّم الآجال، لم يمهّدوا في سلامة الأبدان، و لم يعتبروا في أنف الأوان، فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلّا حواني الهرم، و أهل غضارة الصّحّة إلّا نوازل السّقم، و أهل مدّة البقاء إلّا آونة الفناء مع قرب الزّيال، و أزوف الانتقال، و علز القلق، و ألم المضض، و غصص الجرض، و تلفّت الإستغاثة بنصرة الحفدة و الأقرباء، و الأعزّة و القرناء، فهل دفعت الأقارب أو نفعت النّواحب و قد غودر في محلّة الأموات رهينا، و في ضيق المضجع وحيدا، قد هتكت الهوامّ جلدته، و أبلت النّواهك جدّته، و عفت العواصف آثاره، و محى الحدثان معالمه، و صارت الأجساد شحبة بعد بضّتها، و العظام نخرة بعد قوّتها، و الأرواح مرتهنة بثقل أعبائها، موقنة بغيب أنبائها، لا تستزاد من صالح عملها، و لا تستعتب من سيّىء زللها، أ و لستم أبناء القوم و الآباء و إخوانهم و الأقرباء تحتذون أمثلتهم، و تركبون قدّتهم و تطاون جادّتهم، فالقلوب قاسية عن حظّها، لاهية عن رشدها، سالكة في غير مضمارها، كأنّ المعنيّ سواها، و كأنّ الرّشد في إحراز دنياها.
اللغة
(عنيته) عنيا من باب رمى قصدته و عناه الأمر أهمّه و (عشى) عشا من باب تعب ضعف بصره و أبصر نهارا و لم يبصر ليلا فهو أعشا و المرأة عشواء و (الأشلاء) جمع الشّلو مثل أحمال و حمل و هو العضو و قال في القاموس الشّلو بالكسر العضو و الجسد من كلّ شيء.
و (الحنو) بالفتح و الكسر كلّ ما فيه اعوجاج من البدن كعظم الحجاج و اللّحى و الضلع و من غيره كالقف و الحقف و كلّ عود معوج في القتب و الرحل و السّرج و الحنو أيضا الجانب و عن النهاية ملائمة لا حنائها إى معاطفها و (الرّفق) النّفع يقال ارتفقت به اى انتفعت و قال في القاموس: الرّفق بالكسر ما استعين به، و يروى بارماقها بدل بارفاقها و هو جمع الرمق بقيّة الرّوح.
و (مجلّلات النعم) ما تعم الخلق من جلل الشيء تجليلا أي عم، و منه السحاب المجلّل و هو الذي يجلّل الأرض بماء المطر أي يعمه و في حديث الكافي و العيون الامام كالشّمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم و (المستمتع) اسم مكان من استمتعت بكذا انتفعت به و (الخلاق) بالفتح النّصيب و (المستفسح) محلّ الفسحة و هى السّعة (و الخناق) ككتاب الحبل الذي يخنق به يقال خنقة يخنقه خنيقا ككتف إذا عصر حلقه حتّى يموت فهو خانق و خناق، و ربّما يطلق الخناق على الحلق يقال اخذه بخناقه و مخنقه أى بحلقه.
و (أرهقت) الشّيء أدركته و أرهقت الرّجل أمرا يتعدّى إلى مفعولين أعجلته و كلفته حمله و (الأنف) بضّمتين أوّل الأمر و (بضض) الرّجل بالفتح و الكسر بضاضة و بضوضة فهو بضّ أى رخص الجسد رقيق الجلد ممتلى و (الحوانى) جمع الحانية و هي العلة التي تحنى شطاط«» الجسد و تمنعه عن الاستقامة و (الهرم) محركة أقصى الكبر و (الغضارة) طيب العيش و السّعة و النّعمة و (الاونة) جمع أوان كأزمنة و زمان و (العلز) بالتّحريك خفّة و هلع يصيب المريض و الأسير و المحتضر و رجل علز أى هلع لا ينام و (المضض) محرّكة وجع المصيبة (جرض) بريقه ابتلعه بالجهد على همّ و حزن و أجرضه اللّه بريقه أغصّه و (التّلفت) و الالتفات بمعنى و هو الانصراف يقال التفت إلىّ التفاتا انصرف بوجهه نحوى و التّلفت أكثر منه و (الحفدة) الأعوان و الخدم، و قيل أولاد الأولاد.
و النساء (النّواحب) اللّاتى يرفعن أصواتهنّ بالبكاء من النّحب و هو شدّة البكاء و يروى النّوادب بدلها و (غادره) مغادرة تركه و بقاه و (هتك) السّتر و غيره جذبه فقطعه من موضعه و (الهامة) من الحيوان ماله سمّ يقتل كالحيّات و الجمع الهوام كدابّة و دواب و ربّما يطلق على ما لا يقتل كالحشرات و (نهكته) الحمى نهكا من باب ضرب هزلته و جهدته و أضنته«» و نهكه السّلطان بالغ في عقوبته و النّاهك و النهيك المبالغ في الأشياء و (الجدة) بكسر الجيم مصدر يقال جد يجد من باب ضرب يضرب جدة إذا صار جديدا و هو ضدّ البلى و (عفت) بالتّخفيف و يروى بالتّشديد و (شحب) لونه من باب جمع و نصر و كرم شحوبا و شحوبة تغير من هزال أو جوع أو سفر و (تستعتب) بالبناء على المفعول و (القدّة) بكسر القاف و الدّال المهملة الطريقة و (المعني) بالتّشديد و المعنى و المعناه و المعنية بمعنى واحد.
الاعراب
لفظة عن في قوله لتجلو عن عشاها إمّا زايدة أو بمعنى بعد كما جوزه الشّارح المعتزلي مستشهدا بقول الشّاعر لعجب حرب وائل عن حيال اى بعد حيال فيكون قد حذف المفعول و التّقدير لتجلو الاذى بعد عشاها، و الأظهر ما قاله الشارح البحراني من أنّ عن ليست بزايدة لأنّ الجلاء يستدعى مجلوا و المجلوّ عنه فذكر المجلوّ و أقامه مقام المجلوّ عنه فكانّه عليه السّلام قال لتجلو عن قواها عشاها، و في تركيب صورها متعلّق بملائمة، و قوله: بأبدان متعلّق بجعل و الباء للمصاحبة، و الباء في بأرفاقها للصّلة و على رواية بأرماقها إمّا للسّببيّة أو للاستعانة.
و قوله في مجلّلات نعمه متعلّق بمقدّر حال من فاعل جعل أو من ضمير الخطاب في لكم أى جعل لكم الأسماع حالكونكم في مجلّلات نعمه، و من مستمتع خلاقهم بيان للعبر، و دون في قوله دون الآمال بمعنى عند، و جملة لم يمهدوا في محلّ النّصب على الحال من مفعول أرهقتهم.
فهل ينتظراه استفهام انكاريّ توبيخيّ من قبيل قوله سبحانه: أ تعبدون ما تنحتون، و كلمة إلّا في المواقع الثّلاثة أعنى قوله: إلّا حوانى الهرم، و إلّا نوازل السّقم، و إلّا آونة الفناء إن كانت للاستثناء فيتوجه عليه أنّ الاستثناء المفرّغ غير جايز في الكلام الموجب، و إن كانت بمعنى غير كما يظهر من شرح البحراني ففيه أنّ إلّا بمعنى غير لا يجوز حذف موصوفها كما يجوز حذف موصوف غير يقال جائنى غير زيد و لا يصحّ أن يقال جائني إلّا زيد كما صرّح به ابن هشام و غيره، و بذلك فرّقوا بين إلّا و كلمة غير.
و يمكن توجيهه بأن يقال إنّ إلّا للاستثناء و إنّ جواز التّفريغ هنا لاستقامة المعنى و حصول الفايدة كما جوّزوه في قولهم قرأت إلّا يوم كذا معلّلين بأنّه لا يبعد أن يقرأ في جميع الأيام إلّا اليوم المعيّن، فعلى هذا التّوجيه يكون المراد بالكلام أنّه ينتظر هؤلاء جميع اللذائذ الدّنيويّة و الشّهوات النّفسانية إلّا حوانى الهرم و نوازل السّقم فافهم.
و الباء في قوله بنصرة الحفدة، متعلّق بالاستغاثة، و قوله فهل دفعت الأقارب استفهام انكاري إبطالي على حدّ قوله أ فأصفاكم ربّكم بالبنين، و قوله و قد غودر في محلّ النصب على الحال و العامل نفعت، و كذلك رهينا و وحيدا منتصبان على الحال و العامل غودر، و هكذا جملة قد هتكت و أبلت و عفت و محى اه، و قوله: و صارت عطفعلى غودر، و جملة لاتستزاد و لا تستعتب في محلّ النّصب أيضا على الحالية، و قوله أولستم استفهام تقريريّ.
المعنى
اعلم أنّ صدر هذا الفصل تذكير لعباد اللّه بضروب نعم اللّه سبحانه و منّته عليهم و تنبيه على الغاية من تلك النّعم، و ذيله مسوغ لبيان حال السّلف ليعتبر به الخلف فقوله عليه السّلام (جعل لكم أسماعا لتعى ما عناها و أبصارا لتجلو عن عشاها) إشارة إلى النّعمتين العظيمتين اللتين أعطاهما اللّه سبحانه لخلقه مع الاشارة إلى ما هو الغرض منهما.
فالمقصود أنّه سبحانه خلق لانتفاعكم قوّة سامعة لتحفظ ما أهمّها و قوّة باصرة لتجلو العشا عن الابصار، فعلى هذا يكون قوله و أبصارا اه من باب الاستخدام حيث اريد بالابصار القوّة و بضمير عشاها الراجع إليه العضو المحسوس المخلوق من الشّحم المركب من السّواد و البياض، فبتلك القوة حصل له الادراك و الابصار بعد ما لم يكن في نفسه مبصرا مدركا فكانت جلاء عن عشاها.
و يوضح ذلك ما رواه في البحار من المناقب لابن شهر آشوب مما أجاب الرّضا عليه السّلام بحضرة المأمون لضباع بن نصر الهندي و عمران الصّابي عن مسائلهما قال عمران: العين نور مركبة أم الرّوح تبصر الأشياء من منظرها قال عليه السّلام: العين شحمة و هو البياض و السّواد و النّظر للرّوح دليله إنك تنظر فيه و ترى صورتك في وسطه و الانسان لا يرى صورته إلّا في ماء أو مرآة و ما اشبه ذلك.
قال ضباع إذا عميت العين كيف صارت الرّوح قائمة و النظر ذاهب قال عليه السّلام كالشّمس طالعة يغشاها الظلام، قالا: أين تذهب الرّوح قال عليه السّلام، أين يذهب الضوء الطالع من الكوة في البيت إذا سدّت الكوة، قالا: أوضح لنا ذلك، قال عليه السّلام الرّوح مسكنها في الدّماغ و شعاعها منبثّ في الجسد بمنزلة الشمس دارتها«» في السّمآءو شعاعها منبسط على الأرض فاذا غابت الدّارة فلا شمس و إذا قطعت الرّاس«» فلا روح.
فانّ غرض السّائل أنّ المدرك هو العضو أمّ الرّوح تبصر الأشياء و هذا منظره، فاختار عليه السّلام الثاني و علله بأنّ العضو مثل ساير الأجسام الصقيلة يري فيها الوجه كالماء و المرآة فكما أنّها ليست مدركة لما ينطبع فيها فكذا العين و غيرها من المشاعر هذا.
و قد اشير إلى منافع السمع و البصر و بعض حكمهما في حديث المفضل المعروف عن الصادق عليه السّلام حيث قال: انظر يا مفضّل إلى هذه الحواس الخمس التي خصّ بها الانسان في خلقه و شرف بها على غيره كيف جعلت العينان في الرّأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكّن من مطالعة الأشياء و لم تجعل في الأعضاء التي تحتهنّ كاليدين و الرّجلين فتعرضها الآفات و يصيبها من مباشرة العمل و الحركة ما يعلّلها و يؤثّر فيها و ينقص منها، و لا في الأعضاء التي وسط البدن كالبطن و الظهر فيعسر تقلّبها و اطلاعها نحو الأشياء.
فلمّا لم يكن لها في شيء من هذه الأعضاء موضع كان الرأس أسنى المواضع للحواسّ و هو بمنزلة الصّومعة لها، فجعل الحواسّ خمسا تلقى خمسا لكيلا يفوتها شيء من المحسوسات فخلق البصر ليدرك الألوان فلو كانت الألوان و لم يكن بصر يدركها لم يكن فيها منفعة.
و خلق السّمع ليدرك الأصوات فلو كانت الأصوات و لم يكن سمع يدركها لم يكن فيها ارب و كذلك ساير الحواسّ. ثمّ يرجع هذا متكافئا فلو كان بصر و لم يكن الألوان لما كان للبصر معنى، و لو كان سمع و لم يكن أصوات لم يكن للسّمع موضع فانظر كيف قدر بعضها يلقى بعضا فجعل لكلّ حاسة محسوسا يعمل فيه و لكلّ محسوس حاسّة تدركه.
و مع هذا فقد جعلت أشياء متوسّطة بين الحواس و المحسوسات لا يتمّ الحواسّ إلّا بها كمثل الضياء و الهواء فانّه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون، و لو لم يكن هواء يؤدّي الصّوت إلى السّمع لم يكن يدرك الصوت فهل يخفى على من صحّ نظره و اعمل فكره انّ مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس و المحسوسات بعضها يلقى بعضا و تهيئة أشياء اخر بها يتمّ الحواسّ لا يكون إلّا بعمد و تقدير من لطيف خبير فكّر يا مفضل فيمن عدم البصر من النّاس و ما يناله من الخلل في اموره فانّه لا يعرف موضع قدمه و لا يبصر ما بين يديه فلا يفرق بين الألوان و بين المنظر الحسن و القبيح فلا يرى حفرة إن هجم عليها و لا عدوّا إن هوى إليه بسيف، و لا يكون له سبيل إلى أن يعمل شيئا من هذه الصّناعات مثل الكتابة و التّجارة و الصّياغة حتّى أنّه لو لا نفاد ذهنه لكان كالحجر الملقى.
و كذلك من عدم السّمع يختلّ في امور كثيرة فانّه يفقد روح المخاطبة و المحاورة و يعدم لذّة الأصوات و اللحون الشّجية المطربة، و تعظم المؤنة على النّاس في محاورته حتّى تبرّموا به و لا يسمع شيئا من اخبار النّاس و أحاديثهم حتّى يكون كالغايب و هو شاهد و كالميّت و هو حىّ.
و قوله (و أشلاء جامعة لاعضائها) الظاهر أنّ المراد بالشّلو هنا العضو و ليس كناية عن الجسد كما زعمه البحراني إذا لأبدان مذكورة بعد ذلك فيلزم التكرار مع أنّ ارادة الجسد على تقدير صحّتها لا حاجة فيها إلى الكناية لما قد عرفت من اشتراكه لغة بين الجسد و العضو.
فان قلت: إرادة العضو ينافيها قوله عليه السّلام جامعة لأعضائها، إذ الشيء لا يجمع نفسه.
قلت: يمكن توجيهه بما وجّهه الشّارح المعتزلي من جعل المراد بالأشلاء الأعضاء الظاهرة و بالأعضاء الأعضاء الباطنة و لا ريب أنّ الأعضاء الظاهرة تجمع الأعضاء الباطنة (ملائمة لأحنائها فى تركيب صورها و مدد عمرها) أي جعل الأعضاء مناسبة موافقة للجهات و الجوانب التي جعلت فيها ملائمة لها في صورها التركيبيّة.
مثلا جعل اليدين في اليمين و اليسار أنسب من كونهما في الرّأس، و كون العينين في الرّأس أولى من كونهما في الظهر أو البطن و كذلك كون ثقب الأنف في أسفله أنسب و أحسن من كونه في أعلاه، و كون المثانة و المعدة في أسافل البدن أليق و هكذا و قد مرّ حكمة بعض ذلك في رواية المفضّل و ستعرف البعض في التّبصرة الآتية مضافا إلى الحسن و البهجة و الالتيام و المناسبة المقرّرة في هذه الصّور المجعولة ألا ترى أنّ من لم يكن له حاجب فوق عينه أو سقطت الأشفار من طرف عينه كيف يكون قبيح الصّورة كريه المنظر، و هكذا ساير الأعضاء، هذا كلّه لو كان الحنوفي كلامه بمعنى الجانب و الجهة، و لو جعلناه بمعنى العضو المعوج فيكون المراد أنّه تعالى جعل الأعضاء المستقيمة من البدن ملائمة للأعضاء المعوّجة في صورها المركبة فلا يناسب المستقيمة موضع المعوّجة و لا المعوّجة موضع المستقيمة و لا يصادم حسن الاستقامة للاعوجاج و لا الاعوجاج للاستقامة، إذ كلّ منهما في موقعهما حسن و أحسن فتبارك اللّه أحسن الخالقين.
و أمّا قوله عليه السّلام: و مدد عمرها، فالظاهر أنّه أراد به أنّ اللّه جعل مدد عمر كلّ من الأعضاء ملائمة للآخر مقارنة له بحيث لا يفنى بعض الأعضاء قبل فناء الآخر فيكون الكلام محمولا على الغالب فافهم.
و قوله عليه السّلام (بأبدان قائمة بأرفاقها و قلوب رائدة لأرزاقها) أى قائمة بمصالحها و منافعها أو أنّ قوامها باستعانة أرواحها على الرّواية الاخرى السّالفة في بيان اللغة و قلوب طالبة لأرزاقها جالبة لها إليها.
و الضمير في أرزاقها يحتمل رجوعه إلى الأبدان و رجوعه إلى نفس القلوب، و على الأوّل فالمراد بالرّزق الرّزق الجسماني، و على الثّاني فالمراد به الرزق الرّوحاني أعنى العلوم الحقّة و المعارف الشرعية و العقائد الالهيّة الموجبة للسّعادة في الدّارين، و المحصلة للعزّة في النّشأتين، فانّ القلب هو الطالب الجالب لتلك الأرزاق إلى نفسها كما أنّه هو الطالب الجالب للأرزاق إلى البدن و لو بتوسط الآلات البدنيّة.
إذ هو العالم باللّه، و هو المتقرّب إلى اللّه، و هو المحصّل لرضوان اللّه، و هو السّاعي إلى اللّه، و هو المكاشف بما عند اللّه، و هو في الحقيقة سلطان مملكة البدن يستخدم الآلات و الجوارح يأمرها و ينهيها و يستعملها استعمال المالك لعبده و السّلطان لرعيّته، و تحقيق ذلك موقوف على شرح حال القلب و معرفة عجائب صفاته.
فأقول: إنّ القلب كما حقّقه الغزالي يطلق على معنيين: أحدهما اللحم الصّنوبري الشّكل المودع فى الجانب الأيسر من الصّدر، و هو لحم مخصوص و في باطنه تجويف و في ذلك التجويف دم أسود هو منبع الرّوح و معدنه، و هو بهذا المعنى موجود للانسان و الحيوان و الحىّ و الميّت، و مرئي بحسّ العيان و يدركه الحيوان بحاسّة البصر كما يدركه الانسان و لا يتعلّق به غرضنا في المقام.
الثّاني هو جوهرة لطيفة ربّانيّة نورانيّة روحانيّة لها تعلّق بالقلب الجسماني الذي ذكرناه و هي حقيقة الانسان و بها تمامه و كماله و هو المدرك العالم العارف و هو المخاطب و المطالب، و له جنود و أعوان و أنصار فمن تلك الجنود ما يرى بالأبصار كالأعضاء الظاهرة من اليد و الرّجل و العين و الاذن و اللسان و نحوها، و ما لا يرى بالابصار كالحواس الباطنة و الشّهوة و الغضب و نحوها، فجميعها خادمة للقلب منقادة لحكمه مسخّرة له و قد خلقت مجبولة على طاعته لا تستطيع له خلافا و لا عليه تمرّدا.
فاذا أمر العين بالانفتاح انفتحت و بالانطباق انطبقت و الرّجل بالحركة تحرّكت و بالسّكون امتثلت و اللسان بالكلام تكلّم و بالسّكوت أمسك، و كذا ساير الأعضاء.
و إنّما افتقر إلى هذه الجنود من حيث افتقاره إلى المركب و الزّاد لسفره الذي يجب له سلوكه و لأجل مسيره خلق، و هو السّفر إلى اللّه و قطع المنازل إلى لقائه و مركبه البدن و زاده المعرفة و الأسباب التي توصله إلى الزّاد و تمكّنه من التّزوّد هو العمل الصالح.
فليس يمكن العبد أن يصل إلى اللّه ما لم يسكن البدن و لم يجاوز الدّنيا، فانّ المنزل الأدنى لا بدّ من قطعه للوصول إلى المنزل الأقصى، فالدّنيا مزرعة الآخرة و هي منزل من منازل الهدى و إنّما سمّيت الدّنيا لكونها أدنى المنزلتين فاضطرّ إلى أن يتزوّد من هذا العالم.
فالبدن مركبه الذي يصل به إلى هذا العالم فافتقر إلى تعهّد البدن و حفظه و إنّما يحفظ البدن بأن يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء و يطلب له ما يناسبه من الرّزق و أن يدفع عنه ما ينافيه و يضارّه من أسباب الهلاك، فافتقر لأجل جلب الغذا إلى جندين باطن و هو الشّهوة، و ظاهر و هو الأعضاء الجالبة للغذا من اليد و نحوها.
فخلق في القلب من الشّهوات ما كان محتاجا إليه و خلقت الأعضاء لكونها آلة للشّهوة و افتقر لأجل دفع المضارّ و المهلكات أيضا إلى جندين: باطن و هو الغضب الذي به يدفع المهلكات و ينتقم من الأعداء و ظاهر و هو الجوارح التي بها يعمل بمقتضى الغضب من اليد و الرّجل و نحوهما.
ثمّ المحتاج إلى الغذا ما لم يعرف الغذا لم يحصل له شهوة الغذاء فافتقر للمعرفة إلى جندين، باطن و هو إدراك السّمع و البصر و الشّم و اللمس و الذّوق، و ظاهر و هو العين و الاذن و الأنف و غيرها.
فجملة جنود القلب منحصرة في ثلاثة أصناف: صنف باعث و مستحثّ إمّا إلى جلب النّافع الموافق كالشهوة، و إمّا إلى دفع الضار المنافي كالغضب، و قد يعبّر عن هذا الباعث بالارادة، و الصّنف الثّاني هو المحرّك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد و يعبّر عنه بالقدرة و هى مبثوثة في ساير الأعضاء لا سيّما العضلات منها و الأوتار، و الصّنف الثّالث هو المدرك المتعرف للأشياء كالجواسيس و هي قوّة البصر و السّمع و الشمّ و الذّوق و اللمس المبثوثة في الأعضاء المعيّنة و قوّة التخيل و التّحفظ و التفكر و نحوها المودعة في تجاويف الدّماغ.
و هذه كلّها ممّا قد أنعم اللّه بها على ساير أصناف الحيوان سوى الآدمي إذ للحيوان أيضا الشّهوة و الغضب و الحواس الظاهرة و الباطنة فكلاهما شريكان فيها و إنّما اختصّ الانسان بما لأجله عظم شرفه و علا قدره و استأهل القرب.
و هو راجع إلى علم و إرادة أمّا العلم فهو العلم بالامور الدّنيويّة و الاخرويّة و الحقائق العقلية و هذه امور وراء المحسوسات و لا يشاركه فيها الحيوانات بل العلوم الكليّة الضّروريّة من خواص العقل إذ يحكم الانسان بأنّ الشّخص الواحد لا يتصوّر أن يكون في مكانين في حالة واحدة، و هذا حكم منه على كلّ شخص و معلوم أنّه لم يدرك بالحسّ إلّا بعض الأشخاص فحكمه على الجميع زايد على ما أدركه الحسّ، و إذا فهمت هذا في العلم الظاهر الضّرورى فهو في ساير النّظريّات أظهر.
و أمّا الارادة فانّه إذا أدرك بالعقل عاقبة الأمر وجهة المصلحة فيه انبعث من ذاته شوق إلى جهة المصلحة و إلى تعاطي أسبابها و الارادة لها، و ذلك غير إرادة الشّهوة و إرادة الحيوانات، بل ربّما يكون على ضدّ الشّهوة.
ألا ترى أنّ الشّهوة تنفر عن الفصد و الحجامة، و العقل يريدها و يطلبها و يبذل لها المال، و الشّهوة تميل حين المرض إلى لذايذ الأطعمة و العقل يردعها عنها، و لو خلق اللّه العقل العارف بعواقب الامور و لم يخلق هذا الباعث المحرّك للأعضاء على العمل بمقتضى حكم العقل لكان حكم العقل ضايعا على التّحقيق.
فاذا اختصّ قلب الانسان بعلم و ارادة يمتاز بهما من ساير الحيوان، و من هذه الجملة ظهر أن خاصيّة الانسان العلم و الحكمة، و للعلم مراتب و درجات لا تحصى من حيث كثرة المعلومات و قلّتها و شرف المعلوم و خسّته، و من حيث إنّ حصوله قد يكون بالهام ربّانيّ على سبيل المكاشفة كما للأنبياء و الأولياء و قد يكون بطريق الكسب و الاستدلال، و في الكسب أيضا قد يكون سريع الحصول و قد يكون بطيء الحصول.
و في هذا المقام تتباين منازل العلماء و الحكماء و الأولياء و الأنبياء، فدرجات الترقي غير محصورة إذ معلومات اللّه سبحانه غير متناهية و مراقي هذه الدّرجات هي منازل السّايرين إلى اللّه و لا حصر لتلك المنازل و إنّما يعرف كلّ سالك منزله الذي بلغه في سلوكه فيعرفه و يعرف ما خلفه من المنازل.
و أمّا ما بين يديه فلا يحيط به علما كما لا يعرف الجنين حال الطفل، و لا الطفل حال المميّز و لا المميّز حال المراهق، و لا المراهق حال العاقل و ما اكتسبه من العلوم النّظرية، فكذا لا يعرف العاقل ما افتتح اللّه على أوليائه و أنبيائه من مزايا لطفه و رحمته «ما يفتح اللّه للنّاس من رحمة فلا ممسك لها» و هذه الرّحمة مبذولة بحكم الجود و الكرم من اللّه سبحانه غير مضنون بها على أحد و لكن إنّما تظهر في القلوب المتعرضة لنفحات الرّحمة كما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ لرّبكم في أيّام دهركم لنفحات ألا فتعرّضوها، و التعرّض لها إنّما هو بتطهير القلب و تزكيته من الكدر و الخبث الحاصلين من الأخلاق المذمومة.
فظهر بذلك معنى تمام الانسان و كماله و خاصّته التي بها امتاز عن ساير أفراد الحيوان و تحقّق أنّ البدن مركب للقلب، و القلب محلّ للعلم، و العلم هو مقصود الانسان و أنّ العلم و المعرفة هو الذي خلق الانسان لأجله كما قال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
أى ليعرفون كما ظهر لك معنى رزق البدن و زاد القلب، و اتّضح أنّ القلب هو الطالب الجالب للرّزق و الزاد لاصلاح المعاش و المعاد.
و قوله عليه السّلام (في مجلّلات نعمه و موجبات مننه) العطف بمنزلة التّفسير يعنى أنكم متنعّمون بنعمه العامة الشّاملة و آلائه التّامة الكاملة الموجبة لمنّته سبحانه عليكم فالمراد بمجلّلات النّعم ما أنعم بها على جميع الموجودات و المخلوقات بمقتضى رحمته الرّحمانيّة كما قال سبحانه: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى.
و بموجبات المنن أنّ تلك النّعم موجبة لمنة اللّه سبحانه عليهم فلا بدّ أن يقوم العبد بلوازم الشّكر و الامتنان، و لا يقابل بالطغيان و الكفران، و أعظم ما منّ اللّه به على عباده أن هداهم للاسلام و الايمان و أرشدهم إلى سلوك سبيل الجنان و بعث فيهمرسولا يدلّهم على الهدى و ينجيهم من الرّدى كما قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
و قوله (و حواجز عافيته) قال الشّارح المعتزلي: أى في عافية تحجز و تمنع عنكم المضار.
أقول: و هو مبنىّ على كون الاضافة من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف، و الأظهر الأقوى أنّ الاضافة لاميّة، و المراد الموانع التي تمنع العافية عن الزّوال و العدم، و تكون عائقة عن طريان المضارّ و الآلام و عروض الأوجاع و الأسقام على الأبدان و الأجسام، و على أىّ تقدير فالمراد بها نعمة الصّحة و السّلامة التي هى من أعظم نعم اللّه سبحانه، بل هى رأس كلّ نعمة و بها يدرك كلّ لذّة و بهجة.
ثمّ قال (و قدّر لكم أعمارا سترها عنكم) و هذا أيضا من أعظم ما أنعم اللّه تعالى به على خلقه إذ في إظهار مدّة العمر عليهم مفاسد لا تحصى كما أنّ في إخفائها منافع جاوزت حدّ الاستقصاء كما أشار إليها سادس الأئمة و صادق الامّة أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد سلام اللّه عليهما و على آبائهما و أولادهما الطّبين الطاهرين حيث قال في حديث المفضّل: تامّل الآن يا مفضّل ما ستر عن الانسان علمه من مدّة حياته، فانّه لو عرف مقدار عمره و كان قصيرا لم يتهنّأ بالعيش مع ترقّب الموت و توقّعه لوقت قد أعرفه، بل كان يكون بمنزلة من قد فنى ماله أو قارب الفناء، فقد استشعر الفقر و الوجل من فناء ماله و خوف الفقر على أنّ الذي يدخل على الانسان من فناء العمر أعظم ممّا يدخل عليه من فناء المال لأنّ من يقلّ ماله يأمل أن يستخلف منه فيسكن إلى ذلك و من أيقن بفناء العمر استحكم عليه اليأس.
و إن كان طويل العمر ثمّ عرف ذلك وثق بالبقاء و انهمك في اللذات و المعاصي و عمل علي أنّه يبلغ من ذلك شهوته ثمّ يتوب في آخر عمره و هذا مذهب لا يرضاه اللّه من عباده و لا يقبله ألا ترى لو أنّ عبدا لك عمل على أنّه يسخطك سنة و يرضيك يوما أو شهرا لم تقبل ذلك منه و لم يحلّ عندك محلّ العبد الصالح دون أن يضمر طاعتك و نصحك في كلّ الامور في كلّ الأوقات على تصرّف الحالات.
فان قلت: أو ليس قد يقيم الانسان على المعصية حينا ثمّ يتوب قبل توبته قلنا: إنّ ذلك شيء يكون من الانسان لغلبة الشّهوات له و تركه و تركه مخالفتها من غير أن يقدّره في نفسه و يبنى عليه أمره فيصفح اللّه عنه و يتفضّل عليه بالمغفرة.
فأمّا من قدّر أمره على أن يعصى ما بدا له ثمّ يتوب آخر ذلك فانّما يحاول خديعا من لا يخادع«» أن يتسلّف التلذّذ في العاجل و يعد و يمنّى نفسه التّوبة في الآجل و لأنّه لا يفي بما يعد من ذلك، فانّ النزوع من الترفّه و التلذّذ و معاناة«» التّوبة و لا سيما عند الكبر و ضعف البدن أمر صعب و لا يؤمن على الانسان مع مدافعة التوبة أن يرهقه الموت فيخرج من الدّنيا غير تائب كما قد يكون على الواحد دين و قد يقدر على قضائه فلا يزال يدافع بذلك حتّى يحلّ الأجل و قد نفد المال فيبقى الدّين قائما عليه.
فكان خير الأشياء للانسان أن يستر عنه مبلغ عمره فيكون طول عمره يترقّب الموت فيترك المعاصي و يؤثر العمل الصّالح.
فان قلت: و ما هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته و صار يترقّب الموت في كلّ ساعة يقارف الفواحش و ينتهك المحارم.
قلنا: إنّ وجه التّدبير في هذا الباب هو الذي جرى عليه الأمر فيه، فان كان الانسان مع ذلك لا يرعوي و لا ينصرف عن المساوى فانّما ذلك من مرحه و من قساوة لا من خطاء في التدبير كما أنّ الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به فان كان المريض مخالفا لقول الطبيب لا يعمل بما أمره و لا ينتهى عمّا ينهاه عنه و لم ينتفع بصفته لم يكن الاسائة في ذلك للطبيب بل للمريض حيث لم يقبل منه.
و لئن كان الانسان مع ترقبه الموت كلّ ساعة لا يمتنع عن المعاصي فانّه لو وثق بطول البقاء كان أحرى أن يخرج إلى الكباير الفظيعة فترقّب الموت على كلّ حال خير له من الثقة بالبقاء.
و إن كان صنف من النّاس ينهون عنه و لا يتّعظون به فقد يتّعظ به صنف آخر منهم و ينزعون عن المعاصي و يؤثرون العمل الصالح و يجودون بالأموال و العقايل النفيسة و الصّدقة على الفقراء و المساكين فلم يكن من العدل أن يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة ليضيع أولئك حظّهم.
و بالجملة فقد وضح، و اتضح كلّ الوضوح أنّ سترمدد الأعمار عن الخلق من جلايل النعم و أعظم ما منّ اللّه سبحانه به عليهم.
و مثله نعمة اخرى هي أيضا من أسبغ الآلاء و أسنى النّعماء من حيث كونها موجبة للتّجافي عن دار الغرور جاذبة إلى دار السّرور باعثة على السّعادة الأبديّة موقعة في العناية السّرمديّة (و) هى أنّه سبحانه (خلف لكم عبرا) تعتبرون بها و أبقى آثارا تتذكّرون منها (من آثار الماضين قبلكم) من الأهلين و الأقربين و الأولين و الآخرين و ممّن كان أطول منكم أعمارا و أشدّ بطشا و أعمر ديارا (من مستمتع خلاقهم و مستفسح خناقهم) أى الدّنيا التي كانت محلّ استمتاعهم بخلاقهم و انتفاعهم بحظوظهم و انصبائهم و محلّ الفسحة لأعناقهم من ضيق حبائل الموت و دار امهالهم من انشاب مخالب الفناء و الفوت.
فأنتم فيها كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا«» أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ«» (أرهقتهم المنايا دون الآمال و شذّبهم عنها تخرّم الآجال) اى اخترمتهم أيدي المنون«» من قرون بعد قرون فحالت بينهم و بين الآمال و فرّقتهم من الأولاد و الأموال:
تخرّمهم ريب المنون«» فلم تكن
لتنفعهم جنّاتهم و الحدائق«»
و لا حملتهم حين ولّوا بجمعهم
نجائبهم و الصّافنات السّوابق
و زاحوا«» عن الأموال صفرا و خلّفوا
ذخايرهم بالرّغم منهم و فارقوا
(لم يمهّدوا في سلامة الأبدان و لم يعتبروا في انف الأوان) أى لم يهيئوا في حال الصّحة و السّلامة ليوم المعاد و لم يعتبروا في أوّل الأزمنة بالعبر النّافعة بل الكلّ مال عنها و حاد، فالشّباب للهرم و الصّحة للسّقم و الوجود للعدم بذلك جرى في اللوح القلم.
(فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلّا حواني الهرم، و أهل غضارة الصّحة إلّا نوازل السّقم، و أهل مدّة البقاء إلّا آونة الفناء) و العدم استفهام على سبيل الانكار و التّوبيخ عما ينتظر الشّبان النّاعمة الجسد الرّقيقة الجلد غير حوانى الهرم التي تحنى ظهورهم و عما ينتظر أهل النعمة و الصّحة غير نوازل السّقم التي تنزل عليهم و عمّا ينتظر المعمرون بطول أعمارهم غير الفناء و العدم الذى يفنيهم.
و إنّما و بخّهم على ذلك لأنّ من كان مصير أمره إلى الهرم و السّقم و الفناء و الزّوال ينبغي أن يأخذ العدة و الذّخيرة لنفسه و ينتظر ما يصير أمره إليه و يراقبه و لا يشتغل بغيره.
فهؤلاء لما قصروا هممهم في غير ذلك و أوقعوا أنفسهم في مطارح المهالك و بّخهم عليه السّلام بذلك و أكّد بقوله (مع قرب الزيال) و ازوفه (و ازوف الانتقال) و قربه (و علزا لقلق) و هلعه (و ألم المضض) و وجعه (و غصص الجرض) و شجاه (و تلفت الاستغاثة بنصرة الحفدة و الأقرباء و الأعزّة و القرناء) أراد أنّهم في حال سكرات الموت يلتفتون إلى أهلهم و أولادهم و يقلّبون وجوههم ذات اليمين و ذات الشّمال إلى أحبّتهم و عوّادهم يستغيثونهم و يستنصرونهم فلا يقدرون على النصرة و الاغاثة و يستعينونهم و يستنجدونهم فلا يستطيعون الانجاد و الاعانة:
أحاطت به آفاته و همومه
و أبلس لما أعجزته المعاذر
فليس له من كربة الموت فارج
و ليس له مما يحاذر ناصر
و قد حشات خوف المنية نفسه
تردّدها دون اللّهاة الحناجر
(فهل دفعت الأقارب أو نفعت النّواحب)
أو انتفع بسلطانه أو ذبّ الموت عنه جنوده و أعوانه.
فما صرفت كفّ المنيّة إذ أتت
مبادرة تهوى إليه الذّخاير«»
و لا دفعت عنه الحصون التي بنا
و حفّ بها أنهارها و الدّساكر«»
و لا قارعت عنه المنيّة خيله
و لا طمعت في الذّب عنه العساكر
(و قد غودر في محلّة الأموات رهينا و في ضيق المضجع وحيدا)
و التحق بمن مضى من أسلافه و من وارته الأرض من الافه.
و أضحوا رميما في التراب و أقفرت
مجالس منهم عطلت و مقاصر
و حلّوا بدار لا تزاور بينهم
و أنّى لسكّان القبور التّزاور
فما أن ترى إلّا جثى قد ثووا بها
مسنّمة تسفى عليه الأعاصر
(قد هتكت الهوام جلدته و ابلت النّواهك جدته) أى قطع هو ام الأرض جلده و صار طعمة للعقارب و الحيّات و الحشرات الموذيات و اخلقت مبالغات الدّهر التي أجهدته و أضننته و هزلته جدته و نضرة شبابه، فصار خلقا باليا بعد ما كان جديد اغضيضا طريّا بمصائب الدّهر و نوائبه و أوصابه و أتعابه (و عفت) الرّياح (العواصف آثاره و محى) النوائب و (الحدثان معالمه) فلم يبق في وجه الارض منه خبر و لا عن قبره عين و لا أثر، حيث فقدته العيون و توالت عليه السّنون (و صارت الأجساد شحبة) متغيّرة هزلة (بعد بضّتها) و نعومتها و امتلائها (و العظام نخرة) بالية متفتتة (بعد قوّتها) و شدّتها (و الأرواح مرتهنة) مقبوضة (بثقل أعمالها) و أحمالها كما قال تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ.
أى محبوس بعمله حتّى يعامل بما يستحقّه و يجازي بما عمله إن عمل طاعة اثيب و إن عمل معصية عوقب، و في سورة المدّثر كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ قال الطبرسيّ: أى مرهونة بعملها محبوسة به مطالبة بما كسبته من طاعة أو معصية، فالرّهن أخذ الشيء بأمر على أن لا يرد إلّا بالخروج منه فكذلك هؤلاء الضّلال قد اخذوا برهن لافكاك له، و الكسب هو كلّ ما يجتلب به نفع أو يدفع بهضرر و يدخل فيه الفعل و الا يفعل.
ثمّ استثنى سبحانه أصحاب اليمين فقال: إلّا أصحاب اليمين، و هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم قال الباقر عليه السّلام: نحن و شيعتنا أصحاب اليمين، و قوله (موقنة بغيب أنبائها) أى متيقّنة بالأخبار الغيبية التي أخبر بها الرّسل و أنبأ بها الكتب من أخبار القيامة من البرزخ و البعث و الحساب و الكتاب و الجنّة و النّار و ساير ما كانت غايبة عنه مختفية له حتّى رآها بحسّ العين فحصل له اليقين بعد ما كانت منها في ريب و ظنّ، كما قال تعالى: وَ إِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ السَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ.
و قال سبحانه حكاية عن الكفّار و المجرمين: قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ.
أى كنّا نكذّب يوم الجزاء حتّى جاءنا العلم اليقين بأن عاينّاه، و قال سبحانه في حقّ المتّقين: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.
قال الطبرسي و إنّما خصّهم بالأيقان بالآخرة و إن كان الايمان بالغيب قد شملها لما كان من كفر المشركين بها و جحدهم ايّاها في نحو ما حكى عنهم في قوله وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا.
فكان في تخصيصهم بذلك مدح عظيم (لا تستزاد من صالح عملها و لا تستعتب من سيّىء زللها) أى لا يطلب منها زيادة في العمل الصّالح و لا يطلب منها التّوبة من العمل القبيح كما كان يطلب ذلك منها في الدّنيا و ذلك لأنّ التّكليف و العمل إنّما هو في الدّنيا و الآخرة دار الجزاء لا تكليف فيها كما قال تعالى في سورة الجاثية: فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ.
أى لا يخرجون من النّار و لا يطلب منهم الاعتاب و الاعتذار لما قلناه من أنّ التكليف قد زال، و في سورة الرّوم: فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ.
و كما أنّهم لا يطلب منهم التّوبة و المعذرة فكذلك لا ينفعهم الاعتذار و الانابة كما قال سبحانه: فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ.
أى إن يطلبوا إزالة اللوم و العقوبة و يسألوا رضا اللّه عنهم فليس لهم طريق إلى الاعتاب و لا لهم نجاة من العقاب.
بلى أوردته«» بعد عزّ و منعة
موارد سوء ما لهنّ مصادر
فلمّا رأى أن لا نجاة و أنّه
هو الموت لا ينجيه منه الموازر
تندّم لو يغنيه طول ندامة
عليه و أبكته الذّنوب الكبائر
وَ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
(أ و لستم أبناء القوم) الذين و صفنا حالهم و شرحنا مالهم (و الآباء و إخوانهم و الأقرباء) و أمثالهم.
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها
محاسنهم فيها بوال دواثر
خلت دورهم منهم و أقوت عراصهم
و ساقتهم نحو المنايا المقادر
و خلّوا عن الدّنيا و ما جمعوا لها
و ضمّنهم تحت التراب الحفاير
فلكم اليوم بالقوم اعتبار، و سوف تحلّون مثلهم دار البوار، فالبدار البدار و الحذار الحذار من الدّنيا و مكايدها و ما نصبت لكم من مصايدها، و تجلّى لكم من زينتها و استشرف لكم من فتنتها
و في دون ما عاينت من فجعاتها
إلى رفضها داع و بالزّهد آمر
فجدّ و لا تغفل فعيشك زائل
و أنت إلى دار المنيّة صائر
فهل يحرص عليها لبيب، أو يسرّ بلذّتها أريب، و هو على ثقة من فنائها و غير طامع في بقائها، أم كيف تنام عين من يخشى البيات أو تسكن نفس من يتوقّع الممات أم كيف (تحتذون أمثلتهم و تركبون قدتهم و تطئون جادّتهم) تفعلون مثل أفعالهم و تقتفون آثارهم و تسلكون مسالكهم و تقولون: «إنّا وجدنا آبائنا على أمّة و إنّا على آثارهم مقتدون» (فالقلوب قاسية عن حظّها) جافية عن إدراك نصيبها الذي ينبغي لها إدراكه (لاهية عن رشدها) غافلة عن طلب هدايتها (سالكة في غير مضمارها) الذي يلزم عليها سلوكه.
يعني أنّ اللّازم على القلوب تحصيل المعارف اليقينيّة و العقائد الحقّة و التفكّر في آثار الجبروت و القدرة و الاتّعاظ بالحكم و الموعظة الحسنة فهى لقسوتها و جفاوتها بكثرة الذّنوب التي اقترفتها لم يبق لها قابليّة و استعداد لادراك حظّها و نصيبها الذي ذكرناه و غفلت عن الاهتداء بالأنوار الالهية و سلكت في غير جادّة الشريعة (كأنّ المعنيّ) و المقصود بالأحكام الشّرعيّة و التّكاليف الالهيّة (سواها و كأنّ الرّشد) الّذى امرت به (في إحراز دنياها).
فيا عاقلا راحلا و لبيبا جاهلا و متيقظا غافلا ما هذه الحيرة و السبيل واضح و المشير ناصح، و الصّواب لائح، عقلت فاغفلت و أعرفت فأنكرت، و علمت فامهلت «فاهملت ظ» هذا هو الدّاء الذي عزّ دواؤه، و المرض الذي لا يرجى شفاؤه، إلى كم ذا التشاغل بالتّجاير و الأرباح إلى كم ذا التّهوّر بالسّرور و الأفراح، و حتّام التّغرير بالسّلامة في مراكب النّياح، كيف تتهنّأ بحياتك و هي مطيّتك إلى مماتك أم كيف تسيغ طعامك و أنت منتظر حمامك«»
و لم تتزوّد للرّحيل و قد دنا
و أنت على حال و شيكا مسافر
تخرّب ما يبقى و تعمر فانيا
و لا ذاك موفور و لا ذاك عامر
و هل لك إن وافاك حتفك بغتة
و لم تكتسب خير لدى اللّه عاذر
أ ترضى بأن تفنى الحياة و تنقضي
و دينك منقوص و مالك وافر
فيا ويح نفسى كم أسوّف توبتي
و عمرى فان و الرّدى لي ناظر
و كلّ الذي أسلفت في الصّحف مثبت
يجازي عليه عادل الحكم قاهر
مليك عزيز لا يردّ قضاؤه
عليم حكيم نافذ الأمر قادر
عنى كلّ ذى عزّ بعزّة وجهه
فكلّ عزيز للمهيمن صاغر
لقد خشعت و استسلمت
و تضاءلت لعزّة ذى العرش الملوك الجبابر
فبك إلهنا نستجير يا عليم يا خبير، من نؤمل لفكاك رقابنا غيرك، و من نرجو بغفران ذنوبنا سواك، و أنت المتفضّل المنّان القائم الدّيان العائد علينا بالاحسان بعد الاسائة منّا و العصيان، يا ذا العزّة و السّلطان و القوّة و البرهان أجرنا من عذابك الأليم و اجعلنا من سكان دار النعيم يا أرحم الراحمين.
تبصرة
لما كان صدر هذا الفصل متضمّنا للاشارة إلى بعض الحكم و المصالح فيما جعله اللّه سبحانه للانسان من الأعضاء و الجوارح و كان توضيح ذلك موقوفا على التشريح أحببت أن اورد هنا شطرا يسيرا من ذلك مما صدر عن مصدر الولاية إذ تشريح جميع الأعضاء على ما حقّقه الحكماء و الأطبّاء مما يوجب الطول و يخرج عن الغرض و فيما نورده هداية للمسترشد و كفاية للطالب.
فأقول: روى في البحار من العلل و الخصال عن محمّد بن إبراهيم الطالقاني عن الحسن ابن عليّ العدوي عن عباد بن صهيب بن عباد بن صهيب عن أبيه عن جدّه عن الرّبيع صاحب المنصور قال: حضر أبو عبد اللّه عليه السّلام مجلس المنصور يوما و عنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب فجعل أبو عبد اللّه عليه السّلام ينصت لقرائته، فلما فرغ الهندي قال له يا أبا عبد اللّه أ تريد ممّا معى شيئا قال عليه السّلام: لا، فانّ معي ما هو خير ممّا معك قال: و ما هو قال عليه السّلام: اداوى الحارّ بالبارد و البارد بالحارّ و الرّطب باليابس و اليابس بالرّطب، و اورد الأمر كلّه إلى اللّه عزّ و جلّ و أستعمل ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و اعلم أنّ المعدة«» بيت الداء و الحمية هى الدواء و اعود البدن ما اعتاد، فقال الهندي: و هل الطبّ إلّا هذا.
فقال الصّادق عليه السّلام: أ فتراني من كتب الطبّ أخذت قال: نعم قال عليه السّلام: لا و اللّه ما أخذت إلّا عن اللّه سبحانه فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت قال الهندي: لا بل أنا، قال الصّادق عليه السّلام: فأسألك شيئا قال: سل، قال الصّادق عليه السّلام: أخبرني يا هندي لم كان في الرّأس شئون«» قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم جعل الشّعر عليه من فوق قال: لا أعلم.
قال عليه السّلام: فلم خلت الجبهة من الشّعر قال: لا أعلم قال عليه السّلام: فلم كان لها التّخطيط و أسارير«» قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم كان الحاجبان من فوق العينين قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم جعل العينان كاللوزتين قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم جعل الأنف بينهما قال: لا أعلم.
قال عليه السّلام: فلم كان ثقب الأنف في أسفله قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم جعلت الشّفة و الشّارب من فوق الفم، قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم أحدّ السن«» و عرض الضرس و الناب قال: لا أعلم قال عليه السّلام: فلم جعلت اللحية للرّجال قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم خلت الكفان من الشّعر قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم خلا الظفر و الشعر من الحياة قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم كان القلب كحبّ الصنوبر قال: لا أعلم.
قال عليه السّلام: فلم كانت الرّية قطعتين و جعل حركتها في موضعها قال: لا أعلم قال عليه السّلام: فلم كانت الكبد حدباء«» قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم كانت الكلية كحبّ اللّوبيا قال: لا أعلم، قال عليه السّلام: فلم جعل طىّ الركبة إلى خلف قال: لا أعلم، قال: فلم آن حضرت«» القدم قال: لا أعلم، فقال الصّادق عليه السّلام: لكنّي أعلم، قال: فأجب.
فقال الصّادق عليه السّلام: كان في الرّأس شئون لأن المجوّف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع فاذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد، و جعل الشعر من فوقه ليوصل بوصوله«» الادهان إلى الدماغ و يخرج بأطرافه البخار منه و يرد الحرّ و البرد الواردين عليه و خلت الجبهة من الشّعر لأنها مصبّ النور إلى العينين و جعل فيها التخطيط و الأسارير ليحبس العرق الوارد من الرّأس عن العين قدر ما يميطه«» الانسان من نفسه كالأنهار في الأرض التي تحبس المياء.
و جعل الحاجبان من فوق العينين ليوردا من النّور عليهما قدر الكفاية ألا ترى يا هندي إنّ من غلبه النّور جعل يده بين عينيه ليرد عليهما قدر كفايتهما منه، و جعل الأنف فيما بينهما ليقسم النّور قسمين إلى كلّ عين سواء و كانت العين كاللّوزة ليجرى فيها الميل بالدواء و يخرج منها الداء، و لو كانت مرّبعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل و ما وصل إليها دواء و لا خرج منها داء.
و جعل ثقب الانف في أسفله لينزل منه الأوداء المنحدرة من الدّماغ و يصعد فيها الأراييح«» إلى المشام و لو كان في أعلاه لما ينزل داء و لا وجد رائحة، و جعل الشّارب و الشّفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدّماغ عن الفم لئلّا يتنغّص على الانسان طعامه و شرابه فيميطه«» عن نفسه و جعلت اللّحية للرّجل ليستغنى بها عن الكشف«» في المنظر«» و يعلم بها الذكر و الأنثى.
و جعل السنّ حادا لأنّ به يقع العضّ و جعل الضرس عريضا لأنّ به يقع الطحن و المضغ و كان الناب«» طويلا ليشدّ الأضراس و الأسنان كالاسطوانة، في البناء، و خلا الكفّان من الشعر لأنّ بهما يقع اللمس فلو كان بهما شعر مادرى الانسان ما يقابله«» و يلمسه، و خلا الشعر و الظفر من الحياة لأنّ طولهما سمج يقبح و قصهما حسن فلو كان فيهما حياة لآلم الانسان لقصّهما.
و كان القلب كحبّ الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه رقيقا ليدخل في الرّية فيتروح عنه ببردها لئلا يشيط«» الدماغ بحرّه، و جعلت الرّية قطعتين ليدخل مصاعظها«» فتروح عنه بحركتها، و كانت الكبد حدباء ليثقل المعدة و تقع جميعه عليها فتعصرها فيخرج ما فيها من البخار.
و جعلت الكلية كحبّ اللوبيان لأنّ عليها مصبّ المنى نقطة«» بعد نقطة فلو كانت مرّبعة أو مدوّرة لاحتبست النقطة الاولى الثانية فلا يلتذّ بخروجها الحىّ إذ المني ينزل من فقار الظهر الى الكلية فهى كالدّودة تنقبض و تنبسط ترميه أوّلا فأوّلا إلى المثانة كالبندقة من القوس.
و جعل طىّ الرّكبة إلى خلف لأنّ الانسان يمشى إلى ما بين يديه«» فتعدل الحركات و لولا ذلك لسقط في المشي، و جعلت القدم متحضرة لأنّ الشّيء إذا وقع على الأرض جميعه نقل«» ثقل حجر الرّحى و إذا كان على حرفه دفعه الصّبى و إذا وقع على وجهه صعب ثقله على الرجل.
فقال الهندى: من أين لك هذا العلم فقال عليه السّلام: أخذته عن آبائي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن جبرئيل عن ربّ العالمين جلّ جلاله الذي خلق الأجساد و الأرواح، فقال الهندي: صدقت و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و أنّك أعلم من أهل زمانك.
الترجمة
گردانيد حق سبحانه و تعالى از براى شما گوشها را تا اين كه حفظ نمايند و نگه بدارند آنچه كه مهمّ باشد ايشان را و ضرورى، و آفريد چشمها را تا اين كه روشنى بخشند از شب كورى، و خلق فرمود اعضاء ظاهره كه جمع كننده اعضاى باطنه بودند در حالتى كه مناسب و موافق بودند با اطراف و جوانب متناهيه خود در تركيب صورتهاى آنها و مدتهاى عمرهاى آنها با بدنهائى كه قائمند بمنافع خود و با قلبهايى كه طالبند مر رزقهاى خود را در حالتى كه شما در توى نعمتهاى كامله مى باشيد و أسباب منتهاى شامله و موانع صحّت بدن از أمراض و محن.
و مقدّر فرمود از براى شما عمرها كه پوشانيد آنها را از شما و باقى گذاشت از براى شما عبرتها از آثار گذشتگان پيش از شما از محل لذت يافتن ايشان با نصيب خودشان و از مكان گشاده بودن ريسمان مرگ از گردن ايشان.
شتاب نمود ايشان را مرگها بىرسيدن بآرزوها، و متفرق ساخت ايشان را از آرزوها بريده شدن أجلها در حالتى كه مهيا نساختند از عملهاى شايسته در سلامتى بدنها، و عبرت نگرفتند از عبرتهاى نافعه در اول زمانها.
پس آيا انتظار مىكشند أهل قوت و امتلاء جوانى مگر قد خم كنندهاى پيرى و ناتوانى را، و أهل خوشى صحت و تن درستى مگر نازل شوندهاى بيمارى را، و أهل مدت بقا مگر زمانهاى فنا و نابودى را با وجود نزديكى مفارقت و قرب انتقال بسوى آخرت و با وجود جزع اضطراب و درد مصيبت و بسيار بگلو ماندن آب دهان از اندوه و محنت و با وجود اين طرف و آن طرف نگريستن براى فرياد رس خواستن بيارى دادن اعوان و خويشان و اولاد و عزيزان.
پس آيا دفع نمود مرگ را از او خويشان، يا نفع بخشيد گريه گريه كنندگان و حال آنكه ترك كرده شد در محله مردگان محبوس گناه و در تنگى خوابگاه بى يار و همراه بتحقيق كه پاره نمود حشرات الأرض پوست تن او را و كهنه نمود لاغر كنندگان تازگى بدن او را، و مندرس نمود بادهاى سخت جهنده اثرهاى او را و محو نمود حوادث روزگار علامتهاى او را، و بگرديد بدنها متغيّر و لاغر بعد از تازگى و قوّت، و استخوانها پوسيده و متفرّق بعد از توانائى و شدّت.
و روحها گرد كرده شد ببار گران گناهان در حالتى كه يقين كننده باشند باخبار غايبه از ايشان، طلب نمىشود از آنها زياده كردن از اعمال صالحه، و طلب نمىشود از ايشان راضى كردن حق از اعمال باطله، آيا نيستيد شما پسران قوم خود و پدران ايشان، و برادران قوم خود و خويشان ايشان، اندازه مىگيريد در كارها بر مثلهاى آنها، و سوار مىشويد بر طريقه ايشان در اقوال و افعال، و سلوك مىكنيد در راههاى ايشان بهمه حال.
پس قلبها سختند از قبول بهره سودمند خود، غافلند از طلب هدايت خود سالكند در غير ميدان با منفعت خود، گويا كه مخاطب و مقصود بأوامر و نواهى غير از آن دلهاست، و گويا كه رشادت و مصلحت آنها در حفظ متاع دنياست.
هذا آخر الجزء الخامس من هذه الطبعة الجديدة الثمينة القيمة، تم تصحيحه و تهذيبه و ترتيبه بيد العبد «السيد ابراهيم الميانجى» عفى عنه و عن والديه و وقع الفراغ فى العشر الاول من شهر رجب الاصب 1379 و يليه ان شاء الله الجزء السادس و اوله: «الفصل السادس» من المختار الثاني و الثمانين، و الحمد للّه رب العالمين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»