خطبه 51 صبحی صالح
51- و من خطبة له ( عليه السلام ) لما غلب أصحاب معاوية أصحابه ( عليه السلام ) على شريعة الفرات بصفين و منعوهم الماء
قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ
فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ
وَ تَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ
أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ
وَ الْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ
أَلَا وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ
وَ عَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ
حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4
و من خطبة له عليه السّلام لما غلب أصحاب معاوية اصحابه على شريعة الفرات بصفين و منعوهم الماء
و هى الحادية و الخمسون من المختار فى باب الخطب
و رواها في البحار و في شرح المعتزلي جميعا من كتاب صفّين لنصر بن مزاحم، قال نصر: حدّثنا عمرو بن سعيد عن جابر قال: خطب عليّ عليه السّلام: يوم الماء فقال: أمّا بعد فإنّ القوم قد بدؤكم بالظّلم، و فاتحوكم بالبغي، و استقبلوكم بالعدوان، و قد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء، فأقرّوا على مذلّة و تأخير محلّة، أو روّوا السيّوف من الدّماء ترووا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، و الحيوة في موتكم قاهرين، ألا و إنّ معاوية قاد لمّة من الغواة، و عمس عليهم الخبر، حتّى جعل نحورهم أغراض المنيّة.
اللغة
(استطعموكم القتال) اى طلبوه منكم يقال فلان يستطعمني الحديث اى يستدعيه منّي و يطلبه (فأقرّوا على مذلّة) من القرار و هو السّكون و الثبات كالاستقرار، أو من الاقرار و الاعتراف و الأول أظهر و (اللّمة) بالضّم و التّخفيف جماعة قليلة و (عمس عليهم الخبر) بفتح العين المهملة و تخفيف الميم و تشديدها أبهمه عليهم و جعله مظلما، و التّشديد لافادة الكثرة و منه ليل عماس أى مظلم و (الأغراض) جمع غرض و هو الهدف.
الاعراب
ضمير الخطاب في استطعموكم منصوب المحلّ بنزع الخافض على حدّ قوله تعالى: و اختار موسى قومه، أو مجروره على حدّ قوله: أشارت كليب بالأكفّ الأصابع، و الفاء في قوله فأقرّوا فصيحة، و قوله ترووا من الماء مجزوم لوقوعه في جواب الأمر على حدّايتني اكرمك، و مقهورين و قاهرين منصوبان على الحال.
المعنى
اعلم أنّ هذا الكلام له عليه السّلام من أبلغ الكلام و ألطفه في التّحريص على الحرب و الجذب إلى القتال و قد خطب به لما غلب أصحاب معاوية على شريعة الفرات بصفّين و منعوا أصحابه من الماء و حالوا بينهم و بينه فقال لهم (انّهم قد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء) يعنى أنّهم من جهة مما نعتهم من الماء طلبوا منكم أن تطعموهم القتال فكأنهم لما حازوا الماء أشبهوا في ذلك من طلب الطعام له، و لما استلزم ذلك المنع طلبهم للقتال تعيّن تشبيه ذلك بالطعام و هو من لطايف الاستعارة.
(فأقرّوا على مذلّة و تأخير محلّة اوروّوا السّيوف من الدّماء ترووا من الماء) يعنى انهّم لما طلبوا منكم القتال بالمنع من الماء فاللّازم عليكم حينئذ أحد الأمرين،إمّا الكفّ عن الحرب و الاذعان بالعجز و الاستقرار على الذّلة المستلزم لتأخير المنزلة و انحطاط الدّرجة عن رتبة أهل الشّرف و الشّجاعة، و إمّا الاستعداد للقتال و تروية السّيوف من الدّماء المستلزم للتّروية من الماء.
و في هذا الكلام من الحسن و اللّطف ما لا يخفى إذ من المعلوم أنّ الاقرار بالعجز و الثبات على الذّلة مكروه بالطبع، و التّروّي من الماء للعطاش محبوب بالطبع و العاقل لا يختار للمكروه على المحبوب قطعا بل يرجّحه عليه و يتوصّل إليه و لو بتروية سيفه من الدّماء فيكون القتال محبوبا عنده أيضا مع كونه مكروها بالطبع من أجل ايصاله إلى المطلوب.
و لمّا أشار عليه السّلام الى كون التّواني في الجهاد موجبا للذّلّ و انحطاط الرّتبة فرّع على ذلك قوله (فالموت في حياتكم مقهورين و الحياة في موتكم قاهرين) تنبيها على أنّ الحياة مع الذّلة موت في الحقيقة و الموت مع العزّة حياة كما قال الشّاعر:
و من فاته نيل العلى بعلومه
و أقلامه فليبغها بحسامه
فموت الفتى في العزّ مثل حياته
و عيشته في الذّلّ مثل حمامه
و ذلك لأنّ الحياة في حالة المقهورية و مع الذّلة و سقوط المنزلة أشدّ مقاساة من موت البدن عند العاقل بكثير، بل موتات متعاقبة عند ذي اللب البصير، كما أنّ الموت في حالة القاهريّة و مع العزّة موجب للذّكر الباقي الجميل في الدّنيا و للأجر الجزيل في العقبى، فهو في الحقيقة حياة لا تنقطع و لا تفنى كما قال تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ هذا و لا يخفى ما في هاتين الفقرتين من حسن المقابلة كما في ما قبلهما من السّجع المطرف، و فيما قبلهما من السّجع المتوازي.
ثمّ أنّه بعد حثّ أصحابه على الجهاد أشار إلى ما عليه معاوية و أصحابه من الغوى و الضّلالة و العدول عن المنهج القويم و الصراط المستقيم بقوله (ألا إنّ معاوية قاد لمة من الغواة و) ساق طائفة من البغاة (عمس عليهم الخبر) و أظلم عليهم الأثر (حتّى جعل نحورهم أغراض المنية) بايهام أنّ عثمان قتل مظلوما و أنّه عليه السّلام و أصحابه قاتله و أنّ ذلك الملعون و أصحابه أولياء دمه و المستحقّون لأخذ ثاره، مع أنّهم عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ و فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ و اما كيفية غلبة اصحاب معاوية على الماء فنحن نرويها من البحار و من شرح المعتزلي جميعا من كتاب صفّين لنصر بن مزاحم بتلخيص منّا.
قال نصر: كان أبو الأعور السّلمى على مقدّمة معاوية و اسمه سفيان بن عمرو و كان قد ناوش مقدمة عليّ و عليه الأشتر النّخعي مناوشة ليست ما بعظيمة، فلما انصرف أبو الأعور عن الحرب راجعا سبق إلى الماء فغلب عليه في الموضع المعروف بقنصرين إلى جانب صفّين قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا و أخذوا الشريعة، فهى في أيديهم.
و ساق الأشتر يتبعه فوجده غالبا على الماء و كان في أربعة آلاف من مستبصرى أهل العراق فصدموا أبا الأعور و أزالوه عن الماء، فأقبل معاوية في جميع الفيلق«» بقضّه و قضيضه، فلما رآهم الاشتر انحاز الى عليّ و غلب معاوية و أهل الشّام على الماء و حالوا بين أهل العراق و بينه و أقبل عليّ عليه السّلام في جموعه، فطلب موضعا لعسكره و أمر النّاس أن يضعوا أثقالهم و هم أكثر من مأئة ألف فارس فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس عليّ عليه السّلام على خيولهم إلى معاوية يطعنون و يرمون بالسّهام و معاوية بعد لم ينزل، فناوشهم أهل الشّام القتال فاقتتلوا هوّيا.«» قال نصر: فحدّثني عمر بن سعد، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال فكتبمعاوية إلى عليّ عليه السّلام عافانا اللّه و إيّاك.
ما أحسن العدل و الانصاف من عمل و أقبح الطيس ثمّ النّفش«» في الرّجل
و كتب بعده شعرا يحثه فيه بأن يروع بجيشه من التّسرّع و العجلة عند الحرب، فأمر عليّ عليه السّلام أن يوزع النّاس عن القتال حتّى أخذ أهل الشّام مصافهم، ثمّ قال: أيّها النّاس إنّ هذا موقف من نطف«» فيه نطف يوم القيامة و من فلح فيه فلح يوم القيامة.
قال فتراجع النّاس كلّ من الفريقين إلى معسكره و ذهب شباب من النّاس إلى الماء ليستسقوا فمنعهم أهل الشّام و قد أجمعوا أن يمنعوا الماء و روى نصر عن عبد اللّه بن عوف قال: فتسرعنا إلى أمير المؤمنين فأخبرناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان فقال: ائت معاوية فقل إنّا صرنا إليك مصيرنا هذا و أنا أكره قتالكم قبل الاعذار إليكم و أنك قدمت خيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك و بدئتنا بالحرب و نحن من رأينا الكفّ حتّى ندعوك و نحتجّ عليك، و هذه اخرى قد فعلتموها قد حلتم بين النّاس و بين الماء فخلّ بينهم و بينه حتّى ننظر فيما بيننا و بينكم و فيما قدمنا له و قدمتم له، و إن كان أحبّ إليك أن ندع ما جئنا له و ندع النّاس يقتتلون حتّى يكون الغالب هو الشّارب فعلنا فلمّا مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه: ما ترون فقال الوليد بن عقبة: أمنعهم الماء كما منعوه ابن عفان، حصروه اربعين يوما يمنعونه برد الماء و لين الطعام، اقتلهم عطشا قتلهم اللّه، و قال عمرو بن العاص: خلّ بين القوم و بين الماء فانهم لن يعطشوا و أنت ريّان، و لكن لغير الماء، فانظر فيما بينك و بينهم فأعاد الوليد مقالته.
و قال عبد اللّه بن سعيد بن أبي سرح و كان أخا عثمان من الرضاعة امنعهم الماء إلى الليل فانّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا و كان رجوعهم هزيمتهم، امنعهم الماء منعهم اللّه يوم القيامة فقال صعصعة انّما يمنع الماء يوم القيامة الفجرة الكفرة شربة الخمر ضربك و ضرب هذا الفاسق يعنى الوليد فتواثبوا إليه يشتمونه و يتهدّدونه، فقال معاوية: كفّوا عن الرّجل فانّما هو رسول قال عبد اللّه بن عوف: إنّ صعصعة لمّا رجع إلينا حدّثنا بما قال معاوية و ما كان منه و ما ردّه عليه، قلنا: و ما الذي ردّه عليك فقال: لمّا أردت الانصراف من عنده قلت ما تردّ عليّ قال سيأتيكم رائي، قال: فو اللّه ما راعنا إلّا تسوية الرّجال و الصّفوف و الخيل فأرسل إلى أبى الأعورا منعهم الماء فازدلفنا و اللّه إليهم فارتمينا و اطعنا بالرّماح و اضطربنا بالسّيوف، فقال: ذلك بيننا و بينهم حتّى صار الماء بأيدينا فقلنا: لا و اللّه لا نسقيهم فأرسل عليّ عليه السّلام أن خذوا من الماء حاجتكم و ارجعوا إلى معسكركم و خلّوا بينهم و بين الماء فانّ اللّه قد نصركم عليهم ببغيهم و ظلمهم و قال نصر: قال عمرو بن العاص: خلّ بينهم و بين الماء فانّ عليّا لم يكن ليظمأ و أنت ريّان و في يده أعنة الخيل و هو ينظر إلى الفرات حتّى يشرب أو يموت و أنت تعلم أنّه الشّجاع المطرق، و قد سمعته أنا و أنت مرارا و هو يقول لو أنّ معى أربعين رجلا يوم فتش البيت يعني بيت فاطمة و يقول لو استمسكت من أربعين رجلا يعني من أمر الأوّل.
قال: و لمّا غلب أهل الشّام على الفرات فرجعوا بالغلبة و قال معاوية: يا أهل الشّام هذا و اللّه أوّل الظفر لا سقاني اللّه و لا أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتّى يقتلوا بأجمعهم و تباشر أهل الشام فقام إلى معاوية رجل من أهل الشّام همداني ناسك يتألّه و يكثر العبادة يقالله المعرى بن الافيل، و كان صديقا لعمرو بن العاص مواجا له، فقال: يا معاوية سبحان اللّه سبقتم القوم إلى الفرات تمنعونهم الماء أما و اللّه لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات فينزلون على فرضة«» اخرى فيجازونكم بما صنعتم، أما تعلمون أنّ فيهم العبد و الامة و الاجير و الضّعيف و من لا ذنب له، هذا و اللّه أوّل الجهل (الجور) فأغلظ له معاوية و قال لعمرو: اكفنى صديقك فأتاه عمرو فأغلظ له فقال الهمدانى في ذلك شعرا
لعمر و ابي معاوية بن حرب
و عمرو ما لدائهما دواء
سوى طعن يحار العقل فيه
و ضرب حين يختلط الدّماء
و لست بتابع دين ابن هند
طوال الدّهر يا ارسي حراء
لقد وهب العتاب فلا عتاب
و قد ذهب الولاء فلا ولاء
و قولي في حوادث كلّ حرب
على عمرو و صاحبه العفاء
ألا للّه درّك يا ابن هند
لقد برح الخفاء فلا خفاء
أ تحمون الفرات على رجال
و في أيديهم الأسل الظماء
و في الأعناق أسياف حداد
كأنّ القوم عند هم نساء
أ ترجو أن يحاوركم عليّ
بلا ماء و للأحزاب ماء
دعا هم دعوة فأجاب قوم
كجرب الابل خالطها الهناء
قال ثمّ سار الهمداني في سواد الليل حتّى لحق بعليّ عليه السّلام و مكث أصحاب عليّ يوما و ليلة بغير ماء و اغتمّ عليه السّلام بما فيه أهل العراق من العطش و في رواية سهل بن حنيف المروية في المجلّد التّاسع من البحار أنّه لمّا أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين عليه السّلام لمالك الأشتر أن يقول لمن على جانب الفرات: يقول لكم عليّ: اعدلوا عن الماء، فلما قال ذلك: عدلوا عنه فورد قوم أمير المؤمنين عليه السّلام الماء فأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضرهم و قال لهم في ذلك فقالوا: إنّ عمرو بن العاص جاء و قال: إنّ معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء فقال معاوية لعمرو: إنك لتأتى أمرا ثمّ تقول ما فعلته فلمّا كان من غدو كل معاوية حجل بن عتاب النّخعي في خمسة آلاف فأنفذ أمير المؤمنين مالكا فنادى مثل الأوّل فمال حجل عن الشّريعة فورد أصحاب عليّ و أخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضر حجلا و قال له في ذلك، فقال: إنّ ابنك يزيد أتاني فقال: إنّك أمرت بالتّنحّي عنه، فقال ليزيد في ذلك فأنكر، فقال معاوية: فاذا كان غدا فلا تقبل من أحد و لو أتيتك حتّى تأخذ خاتمي فلمّا كان اليوم الثالث أمر أمير المؤمنين عليه السّلام لمالك مثل ذلك فرأى حجل معاوية و أخذ منه خاتمه و انصرف عن الماء و بلغ معاوية فدعا و قال له في ذلك فأراه خاتمه فضرب معاوية يده على يده فقال: نعم و انّ هذا من دواهي عليّ، رجعنا إلى رواية نصر بن مزاحم قال: فاتى الأشعث عليّا فقال يا أمير المؤمنين أ يمنعنا القوم ماء الفرات و أنت فينا و السّيوف في أيدينا خلّ عنّا و عن القوم فو اللّه لا نرجع حتّى نردّه أو نموت و مرّ الأشتر يعلو بخيله و يقف حيث يأمره عليّ عليه السّلام فقال عليّ: ذلك إليكم فرجع الأشعث فنادى في الناس من يريد الماء أو الموت فميعاده موضع كذا فانّي ناهض فأتاه إثنى عشر ألفا من كندة و أفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم فشدّ عليه سلاحه و نهض بهم حتّى كاد يخالط أهل الشّام و جعل يلقي رمحه و يقول لأصحابه: بأبى أنتم و أميّ تقدّموا إليهم قاب رمحي هذا فلم يزل ذلك دأبه حتّى خلط القوم و حسر عن رأسه و نادى أنا الأشعث بن قيس خلّوا عن الماء فنادى أبو الأعور أما حتّى لا يأخذنا و إيّاكم السّيوف فلا، فقال الأشعث قد و اللّه أظنّها دنت منّا و منكم، و كان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره عليّ فبعث إليه الاشعث أقحم الخيل، فأقحمها حتّى وضعت بسنابكها في الفرات و أخذت أهل الشّام السّيوف فولّوا مدبرين.
قال نصر: و حدّثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر و زيد بن الحسن قالا:
فنادى الأشعث«» عمرو بن العاص فقال: ويحك يابن العاص خلّ بيننا و بين الماء فو اللّه لئن لم تفعل لتاخذنا و إيّاكم السّيوف: فقال عمرو: و اللّه لا نخلّي عنه حتّى تأخذنا السّيوف و إيّاكم فيعلم ربّنا سبحانه ايّنا أصبر اليوم، فترجّل الأشعث و الأشتر و ذووا البصاير من أصحاب عليّ و ترجّل معهما اثنى عشر ألفا فحملوا على عمرو و أبي الأعور و من معهما من أهل الشّام، فأزالوهم عن الماء حتّى غمست خيل عليّ عليه السّلام سنابكها في الماء قال نصر: فروى عمر بن سعيد أنّ عليّا قال ذلك اليوم: هذا يوم نصرتم فيه بالحميّة.
قال نصر: فحدّثنا عمر بن «شمر عن ظ» جابر قال: خطب عليّ يوم الماء فقال: أمّا بعد فانّ القوم قد بدؤكم بالظلم إلى آخر ما رويناه سابقا قال نصر: و حدّثنا عمر بن شمر عن جابر عن الشّعبي عن الحرث بن أدهم و عن صعصعة قال أقبل الأشتر يوم الماء فضرب بسيفه جمهور أهل الشّام حتّى كشفهم عن الماء و كان لواء الأشعث بن قيس مع معاوية بن الحرث، فقال الأشعث: للّه أبوك ليست النّخع بخير من كندة قدّم لواءك فانّ الحظّ لمن سبق، فتقدّم لواء الأشعث و حملت الرّجال بعضها على بعض فما زالوا كذلك حتّى انكشف أهل الشّام عن الماء، و ملك أهل العراق المشرعة هذا و في رواية أبي مخنف عن عبد اللّه بن قيس قال قال أمير المؤمنين يوم صفّين و قد أخذ أبو الأعور السّلمي الماء على النّاس و لم يقدر عليه أحد فبعث إليه الحسين عليه السّلام في خمسمائة فارس فكشفه عن الماء، فلمّا رأى ذلك أمير المؤمنين قال: ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا و ينفرّ فرسه و يحمحم و يقول في حمحمته: الظليمة الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها و هم يقرءون القرآن الذي جاء به اليهم ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أنشأ يقول:
أرى الحسين قتيلا قبل مصرعه
علما يقينا بأن يبلى بأشرار
و كلّ ذي نفس أو غير ذي نفس
يجرى إلى أجل يأتي باقدار
قال و قال عمرو بن العاص لمعاوية لمّا ملك أهل العراق الماء: ما ظنّك يا معاوية بالقوم إن منعوك اليوم الماء كما منعتهم أمس أتراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه ما أغنى عنك أن تكشف لهم السّورة، فقال له معاوية: دع عنك ما مضى فما ظنّك بعليّ بن أبي طالب قال ظنّي أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه و إنّ الذي جاء له غير الماء قال نصر: فقال أصحاب عليّ له: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، فقال: لا، خلّوا بينهم و بينه لا أفعل ما فعله الجاهلون سنعرض عليهم كتاب اللّه و ندعوهم إلى الهدى فان أجابوا و إلّا ففى حدّ السّيف ما يغني إنشاء اللّه قال: فو اللّه ما أمسى النّاس حتّى رأوا سقاتهم و سقاة أهل الشّام و روايا أهل الشام يزدحمون على الماء ما يؤذي إنسان إنسانا
الترجمة
از جمله كلام آن امام انامست كه فرموده در حينى كه غالب شدند أصحاب معاويه بر شريعه فرات در صفّين و منع نمودند اصحاب آن حضرت را از آب: بتحقيق كه اصحاب معاوية طلب مى كنند از شما آنكه طعام بدهيد بر ايشان قتال را پس قرار بدهيد يا اقرار نمائيد بر خوارى و مذلت و بر باز پس انداختن منزلت و مرتبت يا سيراب سازيد شمشيرهاى خود را از خونهاى آن جماعت ياغى تا سيراب شويد از آب صاف جارى پس مرگ در زندگانى شما است در حالتى كه مقهور و مغلوب هستيد و زندگانى در مرگ شما است، در حالتى كه غالب و قاهر باشيد، بدانيد و آگاه شويد كه معاويه بد بنياد كشيده دست بحرب جماعت اندك را از صاحبان ضلالت و عناد و پوشانيده است بر ايشان خبر را تا آنكه گردانيده است گلوهاى ايشان را نشانيهاى سهام موت از طعن و ضرب و ساير أسباب فوت.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»