خطبه 46 صبحی صالح
46- و من كلام له ( عليه السلام ) عند عزمه على المسير إلى الشام
و هو دعاء دعا به ربه عند وضع رجله في الركاب
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ
وَ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ
وَ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَ الْمَالِ وَ الْوَلَدِ
اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ
وَ أَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ
وَ لَا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ
لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لَا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً
وَ الْمُسْتَصْحَبُ لَا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً
قال السيد الشريف رضي الله عنه
و ابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
و قد قفاه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بأبلغ كلام و تممه بأحسن تمام
من قوله و لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4
و من كلام له عليه السّلام عند عزمه على المسير الى الشام و هو السادس و الاربعون من المختار في باب الخطب
اللّهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، و كأبة المنقلب، و سوء المنظر في الأهل و المال، أللّهمّ أنت الصّاحب في السّفر، و أنت الخليفة في الأهل، و لا يجمعهما غيرك، لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا، و المستصحب لا يكون مستخلفا. و في نسخة ابن أبي الحديد قال الرّضيّ و ابتداء هذا الكلام مرويّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد قفاه أمير المؤمنين عليه السّلام بأبلغ كلام و بأحسن تمام من قوله: و لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل
اللغة
(و عثاء السّفر) مشقّته و أصل الوعث المكان السّهل الدّهس، تغيب فيه الأقدام و الطريق العسر، و قد وعث الطريق كسمع و كرم تعسّر سلوكه و (الكأبة) و الكأب الغمّ و سوء الحال و الانكسار من حزن و (المنقلب) مصدر و مكان من القلب اى اى رجع و مثله (المنظر) قال الفيروز آبادي: نظره كضربه و سمعه و إليه نظرا و منظرا و نظرانا و منظرة و قال: و المنظر و المنظرة ما نظرت إليه فأعجبك حسنه أو ساءك.
الاعراب
لفظة اللّهمّ منادى محذوف النّداء و لا يجوز حذف حرف النّداء من لفظ الجلالة إلّا مع الحاق الميم المشدّدة به، و ذلك لأنّ حقّ ما فيه اللام أن يتوصّل إلى ندائه بأىّ أو باسم الاشارة، فلمّا حذفت الوصلة في هذه اللفظة الشّريفة لكثرة ندائها لم يحذف الحرف إلّا نادرا لئلّا يكون إجحافا، فان أردت الحذف ألحقت الميم المشدّدة، و إنّما اخّرت الميم تبرّكا باسمه سبحانه، و قال الكوفيّون: إنّ الميم ليست عوضا بل مأخوذة من فعل و الأصل يا اللّه آمنّا بخير فيخيّرون الجمع بينها و بين ياء في السّعة و ردّ بأنه لو كان كذلك لما حسن اللهمّ آمنّا بخير و في حسنه دليل على أنّ الميم ليست مأخوذة منه إذ لو كان كذلك لكان تكرارا
المعنى
اعلم أنّ هذا الدّعاء دعا به أمير المؤمنين عليه السّلام بعد وضع رجله في الرّكاب حين ما توجّه من النّخيلة إلى الشّام لحرب معاوية و أتباعه، قال نصر بن مزاحم لمّا وضع عليّ عليه السّلام رجله في ركاب دابّته قال: بسم اللّه، فلمّا جلس على ظهرها قال: سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون (اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر) و مشقّته (و كأبة المنقلب) أى الحزن بعد الرّجوع إلى الوطن، و في رواية نصر بعده و الحيرة بعد اليقين (و سوء المنظر في الأهل و المال) الموروث للكأبة و الملال.
(اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر) و من شأن الصّاحب العناية بامور صاحبه (و أنت الخليفة في الأهل و) من وظيفة الخليفة على الشيء حسن القيام و الولاية على ضروريّات ذلك الشيء و حفظه ممّا يوجب له الضّرر (لا يجمعهما) أى الصّحابة و الخلافة في آن واحد (غيرك) لامتناع ذلك في حقّ الأجسام (لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا و المستصحب لا يكون مستخلفا) و أمّا اللّه سبحانه فلتنزهّه عن الجهة و الجسميّة يجوز كونه خليفة و صاحبا معا في آن واحد كما قال سبحانه وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ و قال: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا و قد مضى تحقيق الكلام في ذلك في الفصل الخامس و السّادس من فصول الخطبة الاولى عند شرح قوله: مع كلّ شيء لا بمقارنة فتذكّر
تنبيه و تحقيق
اعلم أنّ الدّعاء من معظم أبواب العبادات و أعظم ما يستعصم به من الآفات و أمتن ما يتوسل به إلى استنزال الخيرات، و وجوبه و فضله معلوم من العقل و الشّرع أما العقل فلأنّ دفع الضّرر عن النّفس مع القدرة عليه و التمكّن منه واجب و حصول الضّرر ضروريّ الوقوع في دار الدّنيا، إذ كلّ انسان لا ينفكّ عمّا يشوّش نفسه و يشغل عقله و يتضرّر به إمّا من داخل كحصول عارض يغشي مزاجه، أو من خارج كأذيّة ظالم و نحوها و لو خلا من الكلّ فالعقل يجوز وقوعه فيها، و كيف لا و هو في دار الحوادث التي لا تستقرّ على حال، و فجايعها لا ينفك عنها آدميّ إمّا بالفعل أو بالقوّة، فضررها إمّا واقع حاصل أو ممكن الوقوع و متوقّع الحصول، و كليهما يجب إزالته مع القدرة عليه، و الدّعاء محصّل لذلك و هو مقدور فيجب المصير إليه.
و قد نبّه على ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام حيث قال: ما من أحد ابتلي و ان عظمت بلواه بأحقّ بالدّعاء من المعافى الّذي لا يأمن من البلاءفقد ظهر من هذا الحديث احتياج كلّ أحد إلى الدّعاء معافا و مبتلا، و فايدته رفع البلاء الحاصل و دفع السّوء النّازل أو جلب نفع مقصود أو تقرير خير موجود فان قلت: المطلوب بالدّعاء إمّا أن يكون معلوم الوقوع للّه سبحانه، أو معلوما عدم وقوعه، فعلى الأوّل يكون واجبا و على الثاني ممتنعا، و على التّقديرين فلا يكون للدّعاء فايدة، لأنّ الأقدار سابقة، و الأقضية واقعة و قد جفّ القلم بما هو كائن، فالدّعاء لا يزيد و لا ينقص فيها شيئا قلنا: هذه شبهة ربّما سبقت إلى الأذهان القاصرة و فسادها ظاهر، لأنّ كلّ كاين فاسد موقوف في كونه و فساده على شرايط توجد و أسباب تعدّ لأحدهما لا يمكن يدونها، و على ذلك فلعلّ الدّعاء من شرايط ما يطلب به و هما، و ان كانا معلومي الوقوع للّه سبحانه و هو تعالى علّتهما الاولى إلّا أنّه هو الذي ربط أحدهما بالآخر، فجعل سبب وجود ذلك الشيء الدّعاء كما جعل سبب صحّة المرض شرب الدّواء و ما لم يشرب الدّواء لم يصحّ، و بذلك ايضا ظهر فساد ما قيل إنّ المطلوب بالدّعاء إن كان من مصالح العباد فالجواد المطلق لا يبخل به، و إن لم يكن من مصالحهم لم يجز طلبه، وجه ظهور الفساد أنّه لا يمتنع أن يكون وقوع ما سأله مصلحة بعد الدّعاء و لا يكون مصلحة قبل الدّعاء و أما النقل فمن الكتاب قوله سبحانه: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ و قوله: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ.
فجعل الدّعاء عبادة و المستكبر عنها كافرا و قوله: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.
قال أحمد بن فهد الحلّي في كتاب عدّة الدّاعي: هذه الآية قد دلّت على امور الأوّل تعريفه تعالى لعباده بالسؤال بقوله: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ الثّاني غاية عنايته بمسارعة اجابته و لم يجعل الجواب موقوفا على تبليغ الرّسول بل قال: فانّي قريب و لم يقل قل لهم إنّي قريب الثّالث خروج هذا الجواب بالفاء المقتضي للتعقيب بلا فصل الرّابع تشريفه تعالى لهم بردّ الجواب بنفسه لينبّه بذلك على كمال منزلة الدّعاء و شرفه عنده تعالى و مكانه منه، قال الباقر عليه السّلام لا تملّ من الدّعاء فانّه من اللّه بمكان.
الخامس دلّت هذه الآية على أنّه لامكان له إذ لو كان له مكان لم يكن قريبا من كلّ من يناجيه.
السّادس أمره تعالى لهم بالدّعاء في قوله: فليستجيبوا لى أى فليدعوني السّابع قوله تعالى: و ليؤمنوا بي أى و ليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه، فأمرهم باعتقادهم قدرته على إجابتهم و فيه فايدتان: إعلامهم باثبات صفة القدرة له و بسط رجائهم في وصولهم إلى مقترحاتهم و بلوغ مراداتهم و نيل سؤالاتهم فانّ الانسان إذا علم قدرة معامله و معاوضه على دفع عوضه كان ذلك داعيا له إلى معاملته و مرغبا له في معاوضته، كما أنّ علمه بعجزه عنه على الضدّ من ذلك، و لهذا تراهم يجتنبون معاملة المفلس الثّامن تبشيره تعالى لهم بالرّشاد الذي هو طريق الهداية المؤدّي إلى المطلوب فكأنّه بشّرهم باجابة الدّعاء، و مثله قول الصّادق عليه السّلام: من تمنّى شيئا و هو للّه رضى لم يخرج من الدّنيا حتّى يعطاه، و قال: إذا دعوت فظنّ حاجتك بالباب فان قلت: نحن نرى كثيرا من النّاس يدعون اللّه فلا يجيبهم فما معنى قوله: اجيب دعوة الدّاع إذا دعان و بعبارة اخرى إنّه سبحانه وعد إجابة الدّعاء و خلف الوعد عليه تعالى محال لأنّه كذب قبيح في حقّه عزّ و جلّ
قلت: قد أجاب الطبرسي في مجمع البيان بأنّه ليس أحد يدعو اللّه على ما يوجبه الحكمة إلّا أجابه اللّه، فانّ الدّاعي إذا دعاه يجب أن يسأل ما فيه صلاح له في دينه و لا يكون له مفسدة فيه فانّه سبحانه يجيب إذا اقتضت المصلحة إجابته أو يؤخّر الاجابة إن كانت المصلحة في التأخير، ثمّ قال: و إذا قيل إنّ ما يقتضيه الحكمة لا بدّ أن يفعله فما معنى الدّعاء و اجابته أجاب بأنّ الدّعاء عبادة في نفسها لما فيه من إظهار الخضوع و الانقياد، و أيضا لا يمتنع أن يكون وقوع ما سأله إنّما صار مصلحة بعد الدّعاء أقول: أمّا ما ذكره من أنّه ليس أحد يدعو اللّه اه، فهو حقّ لا ريب فيه و به صرّح في عدّة الدّاعي حيث قال: ليس أحد يدعو اللّه سبحانه و تعالى على ما يوجبه الحكمة ممّا فيه صلاحه إلّا أجابه و على الدّاعي أن يشرط ذلك بلسانه او يكون منويّا في قلبه، فاللّه يجيبه البتّة إن اقتضت المصلحة إجابتها، أو يؤخّر له إن اقتضت المصلحة التأخير قال اللّه تعالى: وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ و في دعائهم: يا من لا تغيّر حكمته الوسايل، و لما كان علم الغيب منطويا عن العبد و ربّما تعارض عقله القوى الشّهويّة و يخالطه الخيالات النّفسانيّة فيتوهّم أمرا ممّا فيه فساده صلاحا له فيطلبه من اللّه سبحانه و يلحّ في السّؤال عليه، و لو يعجّل اللّه إجابته و يفعله به لهلك البتّة، و هذا أمر ظاهر العيان غنيّ عن البيان كثير الوقوع، فكم نطلب أمرا ثمّ نستعيذ منه و كم نستعيذ من أمر ثمّ نطلبه، و على هذا خرج قول عليّ عليه السّلام: ربّ أمر حرص الانسان عليه فلمّا أدركه ودّ أن لم يكن أدركه و كفاك قوله تعالى: وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فانّ اللّه سبحانه و تعالى من وفور كرمه و جزيل نعمه لا يجيبه، و ذلك إمّا لسابق رحمته به فانّه هو الذي سبقت رحمته غضبه و إنّما أنشأه رحمة به و تعريضا لا ثابته و هو الغنيّ عن خلقته و معاقبته أو لعلمه سبحانه بأنّ المقصود للعبد من دعائه هو إصلاح حاله فكان ما طلبه ظاهرا غير مقصود له مطلقا، بل بشرط نفعه له فالشّرط المذكور حاصل في نيّته و إن لم يذكره بلسانه بل و إن لم يخطر بقلبه حالة الدّعاء و إيضاح ذلك على سبيل المثل أنّه إذ قال كريم أنا لا أردّ سائلا و لا أخيّب آملا، ثمّ اتى سفيه و طلب منه ما يعلم أنّه يقتله و السّائل لم يكن عالما بذلك، أو أتى صبيّ جاهل و طلب منه أفعيّا لحسن نقشه و نعومته، فالحكمة و الجود يقتضيان منعهما لا عطائهما، و لو أعطاهما لذمّه العقلاء، فظهر أنّ هذا الوعد من الحكيم لا بدّ أن يكون مشروطا بالمصلحة و توهّم أنّ ما فيه صلاح العباد يأتي اللّه تعالى به لا محالة من دون حاجة إلى الدّعاء، مدفوع بما أشار إليه الطبرسي من إمكان كون المصلحة في الاعطاء مع الدّعاء و مع عدمه يكون الصّلاح في المنع و على هذا فالمطالب ثلاثة الاول ما يكون المصلحة في إعطائه مطلقا كالرّزق الضّروريّ الثاني ما يكون المصلحة في المنع كذلك الثالث أن يكون المصلحة في العطاء مع الدّعاء و في العدم مع العدم و إنّما يظهر أثر الدّعاء في الثّالث هذا.
و أمّا ما ذكره أخيرا في الجواب من أنّ الدّعاء عبادة في نفسها فصحيح إلّا أنّه لا ربط له بالسؤال هذا، و الانصاف أنّ مجرّد اشتمال الدّعاء على المصلحة لا يستلزم الاجابة بل لا بدّ من اقترانه مضافا إلى ذلك بشرايطها المقرّرة المستفادة من الأخبار مع كونه صادرا عن وجه الاخلاص و تمام الانقطاع و الفراغ و التّخلية التّامّة للقلب و لنعم ما قال إبراهيم بن أدهم حيث قيل له: ما بالنا ندعو اللّه سبحانه فلا يستجيب لنا قال: لانّكم عرفتم اللّه فلم تطيعوه، و عرفتم الرّسول فلم تتّبعوا سنّته، و عرفتم القرآن فلم تعملوا بما فيه، و أكلتم نعمة اللّه فلم تؤدّوا شكرها، و عرفتم الجنّة فلم تطلبوها، و عرفتم النّار فلم تهربوا منها، و عرفتم الشّيطان فلم تحاربوه و وافقتموه، و عرفتم الموت فلم تستعدّوا له، و دفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم، و تركتم عيوبكم و اشتغلتم بعيوب النّاس و الحاصل أنّ الدّعاء كساير العبادات لها شروط لحصولها و موانع عن قبولها فلمّا لم يتحقّق الشّرايط و لم ترتفع الموانع لم يترتّب عليها آثارها الدّنيويّة و الاخرويّة مثلا الصّلاة إذ ورد فيها من صلّى دخل الجنّة أو زيد في رزقه، فاذا صلّى بغير وضوء أو فعل ما يبطلها و يحبطها لم يترتّب عليها آثارها الدّنيويّة و الاخرويّة، و إذا قال الطبيب: السّقمونيا مسهل فاذا شرب الانسان معه ما يبطل تأثيره كالأفيون فهو لا ينافي قول الطبيب و لا ينافي حكمه في ذلك فكذا الدّعاء استجابتها و قبولها و ترتيب الأثر عليها مشروطة بشرايط، فاذا أخلّ لشيء منها لم تترتّب عليها الاستجابة، و قد وردت أخبار كثير في شرايط الدّعاء و منافاته، و ربّما يشير إليه قوله تعالى: اوفوا بعهدي أوف بعهدكم قال الشّارح البحراني: سبب اجابة الدّعاء هو توافى الأسباب، و هو أن يتوافى دعاء رجل مثلا فيما يدعو فيه و ساير أسباب وجود ذلك الشّيء معا عن الباري تعالى لحكمة الهيّة على ما قدر و قضى، ثمّ الدّعاء واجب و توقّع الاجابة واجب، فانّ انبعاثنا للدّعاء سببه من هناك، و يصير دعانا سببا للاجابة و موافاة الدّعاء الحدوث الأمر المدعوّ لأجله و قد يكون أحدهما بواسطة الاخر، و إذا لم يستجب الدّعاء لداع و إن كان يرى أنّ الغاية التي يدعو لأجلها نافعة فالسّبب في عدم الاجابة أنّ الغاية النّافعة ربّما لا تكون نافعة بحسب نظام الكلّ بل بحسب مراده فلذلك تتأخّر إجابة الدّعاء أو لا يستجاب له، و بالجملة قد يكون عدم الاجابة لفوات شرط من شروط ذلك المطلوب حال الدّعاء و اعلم أنّ النّفس الزّكيّة عند الدّعاء قد يفيض عليها من الأوّل قوّة تصير بها مؤثّرة في العناصر فتطاوعها متصرّفة على ارادتها فيكون ذلك إجابة للدّعاء، فانّ العناصر موضوعة لفعل النّفس فيها و اعتبار ذلك في أبداننا فانّا ربّما تخيلنا شيئا فتتغيّر أبداننا بحسب ما تقتضيه أحوال نفوسنا و تخييلاتها و قد يمكن أن تؤثر النّفس في غير بدنها كما تؤثّر في بدنها، و قد تؤثّر في نفس غيرها و قد يسجيب اللّه لتلك النّفس إذا دعت فيما تدعو فيه إذا كانت الغاية التي تطلبها بالدّعاء نافعة بحسب نظام الكلّ.
و من السنة أخبار فوق حدّ الاحصاء و لتقصر على بعض ما رواه في عدّة الدّاعي فعن حنّان بن سدير قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أيّ العبادة أفضل فقال عليه السّلام: ما شيء أحبّ إلى اللّه من أن يسأل و يطلب ما عنده، و ما أحد أبغض إلى اللّه ممّن يستكبر عن عبادته و لا يسأله ما عنده و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ قال: هو الدّعاء و أفضل العبادة الدّعاء، قلت: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ قال: الأوّاه هو الدّعاء.
و عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أمير المؤمنين عليه السّلام: أحبّ الأعمال إلى اللّه في الأرض الدّعاء، و أفضل العبادة العفاف، و كان أمير المؤمنين عليه السّلام رجلا دعّاء.
و عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الدّعاء هو العبادة التي قال اللّه: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ و لا تقل إِنّ الأمر قد فرغ منه.
و عن عبد اللّه بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الدّعاء كهف الاجابة كما أنّ السّحاب كهف المطر و عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: هل تعرفون طول البلاء من قصره قلنا: لا، قال: إذا الهم أحدكم الدّعاء فاعلموا أنّ البلاء قصير و عن أبي ولّاد قال: قال أبو الحسن عليه السّلام: ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه اللّه الدّعاء إلّا كان كشف ذلك البلاء وشيكا«»، و ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك عن الدّعاء إلّا كان البلاء طويلا، فاذا نزل البلاء فعليكم بالدّعاء و التّضرّع إلى اللّه عزّ و جلّ.
و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أفزعوا إلى اللّه عزّ و جلّ في حوائجكم، و الجئوا إليه في ملمّاتكم، و تضرّعوا إليه و ادعوه، فانّ الدّعاء مخّ«» العبادة، و ما من مؤمن يدعو اللّه إلّا استجاب له فامّا أن يعجّل له في الدّنيا أو يؤجّل له في الآخرة، و إمّا أن يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بما ثم و عنه صلّى اللّه عليه و آله أعجز النّاس من عجز عن الدّعاء، و أبخل النّاس من بخل بالدّعا و عنه صلّى اللّه عليه و آله ألا أدلكم على أبخل النّاس و أكسل النّاس و أسرق النّاس و أجفا النّاس و أعجز النّاس قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال، أمّا أبخل النّاس فرجل يمرّ بمسلم و لم يسلّم عليه، و أمّا أكسل النّاس فعبد صحيح فارغ لا يذكر اللّه بشفة و لا بلسان، و أمّا أسرق النّاس فالذي يسرق من صلاته، فصلاته تلفّ كما يلفّ الثّوب الخلق فيضرب بها وجهه، و أمّا أجفى النّاس فرجل ذكرت بين يديه فلم يصلّى عليّ، و أمّا أعجز النّاس فمن عجز عن الدّعاء و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل العبادات الدّعاء و إذا أذن اللّه للعبد في الدّعاء فتح له باب الرّحمة، إنّه لن يهلك مع الدّعاء أحد و عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجلين افتتحا الصّلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته، ثمّ انصرفا في ساعة واحدة أيّهما أفضل قال عليه السّلام: كلّ فيه فضل و كلّ حسن، قلت: إنّي قد علمت أنّ كلّا حسن و أنّ كلّا فيه فضل، لكن أيّهما أفضل فقال عليه السّلام الدّعاء أفضل أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ هى«» و اللّه العبادة هي و اللّه أفضل أ ليست هي العبادة هي و اللّه العبادة، أ ليست هي أشدّ هن هي و اللّه أشدّ هنّ هي و اللّه أشدّهنّ و عن يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه أوحى إلى آدم إنّي سأجمع لك الكلام في أربع كلمات، قال: يا ربّ و ما هنّ قال: واحدة لي، واحدة لك، واحدة فيما بيني و بينك، واحدة بينك و بين النّاس، فقال آدم: بيّنهنّ لي يا ربّ، فقال اللّه تعالى: أمّا التي لي فتعبدني و لا تشرك بي شيئا، و أمّا التي لك فاجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه، و أمّا التي بيني و بينك فعليك الدّعاء و عليّ الاجابة و أمّا التي بينك و بين النّاس فترضى للنّاس ما ترضى لنفسك و من كتاب الدّعاء لمحمّد بن حسن الصّفار في حديث مرفوع قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يدخل الجنّة رجلان كانا يعملان عملا واحدا فيرى أحدهما صاحبه فوقه فيقول: يا ربّ بما أعطيته و كان عملنا واحدا، فيقول اللّه تبارك و تعالى سألني و لم تسألني ثمّ قال: اسألوا اللّه و اجزلوا فانّه لا يتعاظمه شيء و منه أيضا برواية مرفوعة قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليسألنّ اللّه أو ليقضينّ عليكم إنّ للّه عبادا يعملون فيعطيهم و آخرين يسألونه صادقين فيعطيهم ثمّ يجمعهم في الجنّة فيقول الذين عملوا ربّنا عملنا فأعطيتنا فبما اعطيت هؤلاء، فيقول: عبادي اعطيتكم اجوركم و لم ألتكم من أعمالكم شيئا و سألني هؤلاء فأعطيتهم و هو فضلي اوتيه من أشاء و عن الصّادق عليه السّلام قال لميسر بن عبد العزيز: يا ميسرادع اللّه و لا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه إنّ عند اللّه منزلة لا تنال إلّا بمسألة، و لو أنّ عبدا سدّ فاه و لم يسأل لم يعط شيئا فاسأل تعط، يا ميسر انّه ليس يقرع باب إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه و في هذه الرّواية دلالة على ما قدّمناه سابقا من أنّه لا امتناع في كون الدّعاء محدثا للمصلحة في المطلوب بعد أن لم يكن فيه مصلحة و لا بعد في كونه من أسباب وجود المطلوب و شرايط حصوله حسبما مرّ تفصيلا و اللّه ولىّ التّوفيق
الترجمة
از جمله كلام آن حضرت است هنگام عزم بر تشريف بردن شام و آن اينست: كه بار خدايا بدرستى كه من پناه مى برم بتواز مشقت سفر و از غم و اندوه بازگشت، يعنى از پريشاني كه بعد از مراجعت وطن حاصل مى شود، و از بدى نظر در أهل و مال، بار خدايا توئي همراه در سفر، و توئي جانشين در محافظت أهل در حضر، و جمع نمى كند مصاحبت و خلافت غير تو، از جهت اين كه كسى كه خليفه ساخته شده باشد نمى باشد همراه داشته شده و كسى كه همراه داشته شده باشد نمى شود خليفه ساخته شده، يعنى محالست كه جانشين همراه در سفر باشد بجهت اين كه ممكن نيست جسم واحد در آن واحد در دو مكان بوده باشد، أما خداوند ذو العزة كه منزهست از جهت و جسمية پس در حق او جايز است خلافت و مصاحبت معا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»