خطبه 45 صبحی صالح
45- و من خطبة له ( عليه السلام ) و هو بعض خطبة طويلة خطبها يوم الفطر
و فيها يحمد الله و يذم الدنيا
حمد الله
الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ
وَ لَا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ
وَ لَا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ
وَ لَا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ
الَّذِي لَا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ
وَ لَا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ
ذم الدنيا
وَ الدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ
وَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلَاءُ
وَ هِيَ حُلْوَةٌ خَضْرَاءُ
وَ قَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ
وَ الْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ
فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ
وَ لَا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ
وَ لَا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلَاغِ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4
و من خطبة له عليه السّلام
و هى الخامسة و الاربعون من المختار فى باب الخطب
الحمد للّه غير مقنوط من رحمته، و لا مخلوّ من نعمته، و لا مأيوس من مغفرته، و لا مستنكف عن عبادته، الّذي لا تبرح منه رحمة، و لا تفقد له نعمة، و الدّنيا دار مني لها الفناء، و لأهلها منها الجلاء، و هي حلوة خضرة، و قد عجّلت للطّالب، و التبست بقلب النّاظر، فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم من الزّاد، و لا تسئلوا فيها فوق الكفاف، و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ.
اللغة
(القنوط) الياس و (الاستنكاف) الاستكبار و المستنكف على صيغة المفعول و (مناه) اللّه أى قدره و (الجلاء) بفتح الجيم الخروج من الوطن قال سبحانه: وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ و (الخضرة) بفتح الخاء المعجمة و كسر الضّاد و الخضر ككتف الغصن و الزّرع و البقلة الخضراء و (الكفاف) من الرزق كسحاب ما اغنى عن النّاس و (البلاغ) كسحاب أيضا الكفاية.
الاعراب
غير مقنوط نصب على الحال، و لا مخلوّ عطف على مقنوط و نحوه قوله سبحانه فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ و ربّما يجيء المعطوف بالنّصب عطفا على موضع غير، و جملة الذي لا يبرح و صفته و لأهلها إمّا متعلق بمقدّر و هو خبر مقدّم و الجلاء مبتداء مؤخّر و الواو عاطفة للجملة على الجملة فتكون المعطوفة في محلّ الرّفع على كونها صفة لدار كالمعطوف عليها أو لأهلها عطف على لها و الجلاء مرفوع على النيابة عن الفاعل كما أنّ الفناء مرفوع كذلك، و الباء في قوله بأحسن للمصاحبة و الملابسة، و في قوله بحضرتكم للظرفيّة و من الزّاد بيان لما
المعنى
اعلم أنّ المستفاد من شرح البحراني هو أنّ هذه الخطبة ملتقطة من خطبة طويلة له عليه السّلام خطبها يوم الفطر، و أنّ بين قوله: و نعمة، و قوله: و الدّنيا، فصل طويل، و المستفاد منه أيضا أنّ الخطبة الثامنة و العشرين أيضا من فصول تلك الخطبة الطويلة إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ ما أتى به السيّد (ره) هنا منتظم من فصلين
الفصل الاول مشتمل على حمد اللّه سبحانه و ثنائه
و هو قوله (الحمد للّه غير مقنوط من رحمته) أصل الرّحمة رقّة القلب و انعطاف أى نيل روحاني يقتضي التّفضّل و الاحسان، و إذا اسندت إلى اللّه سبحانه كان المراد بها غايتها أعنى التفضّل و الاحسان، لأنّ الرّقة من الكيفيّات المزاجيّة المستحيلة في حقّه سبحانه، فيكون اطلاقها على التّفضّل إمّا من باب المجاز المرسل من قبيل ذكر السّبب و إرادة المسبّب لكون الرّقة سببا للتّفضّل و إمّا من باب التمثيل بأن شبّه حاله تعالى بالقياس إلى المرحومين في إيصال الخير إليهم بحال الملك إذا عطف على رعيّته ورقّ لهم فأصابهم بمعروفه و انعامه، فاستعير الكلام الموضوع للهيئة الثانية للاولى من غير أن يتمحّل في شيء من مفرداته و كيف كان ففي كلامه عليه السّلام تنبيه على عدم جواز اليأس من رحمة اللّه سبحانه لعمومها و سعتها للخلايق في الدّنيا و الآخرة كما قال سبحانه: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ للّه عزّ و جلّ مأئة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسّمها بين خلقه فبها يتعاطفون و يتراحمون، و أخّر تسعا و تسعين لنفسه يرحم بها يوم القيامة.
و روى إنّ اللّه قابض هذه إلى تلك فيكملها مأئة يرحم بها عباده يوم القيامة (و لا مخلوّ من نعمته) لأنّ سبوغ نعمته دائم لآثار قدرته التي استلزمت طبائعها الحاجة إليه فوجب لها فيض جوده إذ كلّ ممكن مفتقر إلى كرمه وجوده (و لا مأيوس من مغفرته) و ذلك لأنّ عفوه تعالى غالب على عقابه، و رحمته سابقة على غضبه، و مغفرته قاهرة لعقوبته كما قال سبحانه: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ و في الحديث ليغفرنّ اللّه يوم القيامة مغفرة ما خطرت قطّ على قلب أحد حتّى أنّ إبليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه هذا و نظير كلامه في الفقرات الثلاث المفيدة لاتّصافه سبحانه بالرّحمة و الانعام و المغفرة ما ورد في دعاء الاستقالة عن الذّنوب من الصّحيفة السّجاديّة و هو قوله عليه السّلام: «أنت الّذي و سعت كلّ شيء رحمة و علما، و أنت الّذي جعلت لكلّ مخلوق في نعمك سهما، و أنت الّذي عفوه أعلى من عقابه» (و لا مستنكف عن عبادته) إذ هو المستحقّ للعبادة دون ما عداه، لأنّه جامع الكمال المطلق ليس فيه جهة نقصان إليها يشار، فيكون سببا للاستنكاف و الاستكبار فالمقصود بقوله: و لا مستنكف عن عبادته، أنّ عبادته ليست محلّا لأنّ يستنكف عنها، لأنّها لا استنكاف عنها و لا استكبار، ضرورة أنّ المستكبرين و المستنكفين من الجنّة و النّاس من الكافرين و المنافقين فوق حدّ الاحصاء، و لذلك خصّ سبحانه عدم الاستكبار بأهل التّقرّب و المكانة كما قال: وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ
و قال: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسْجُدُونَ و قال: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَ اسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً (الذي لا تبرح له رحمة و لا تفقد له نعمة) الاتيان بهذين الوصفين للاشارة إلى وجوب شكره سبحانه بهذين الاعتبارين أيضا فان قلت أليس قوله غير مقنوط من رحمته و لا مخلوّ من نعمته مغنيا عن هذين الوصفين قلت: لا إذ عدم القنوط من رحمته لا يستلزم دوام الرّحمة فلا يغنى ذكره عنه و هو ظاهر، و أمّا عدم الخلوّ من النّعمة و إن كان ملازما لعدم فقدانها إلّا أنّه يمكن أن يكون المراد بالأوّل الخصوص يعنى عدم خلوّ نفسه من نعمته كما أنّ الظاهر في الفقرات الثلاث الباقية أيضا ذلك، و بالثّاني مشمول نعمته لجميع الخلايق و عدم فقدانها في حقّ أحد و أمّا البرهان على دوام رحمته و كمال نعمته فهو على ما ذكره الفخر الرّازي أنّ الأشياء على أربعة أقسام: الذى يكون نافعا و ضروريّا معا و الذى يكون نافعا و لا يكون ضروريّا و الذى يكون ضروريّا و لا يكون نافعا و الذى لا يكون نافعا و لا يكون ضروريّا أمّا القسم الأوّل و هو الذي يكون نافعا و ضروريّا معا، فامّا أن يكونكذلك في الدّنيا فقط و هو مثل النّفس، فانّه لو انقطع منك لحظة واحدة لحصل الموت، و إمّا أن يكون كذلك في الآخرة و هو معرفة اللّه تعالى فانّها إن زالت عن القلب لحظة واحدة حصل الموت للقلب و استوجب العذاب الأبد و أمّا القسم الثّاني و هو الذي يكون نافعا و لا يكون ضروريّا فهو كالمال في الدّنيا و كساير العلوم و المعارف في الآخرة و أمّا القسم الثّالث و هو الذي يكون ضروريّا و لا يكون نافعا فكالمضّار التي لا بدّ منها في الدّنيا، كالأمراض و الموت و الفقر و الهرم و لا نظير لهذا القسم في الآخرة، فانّ ضروريّات الآخرة لا يلزمها شيء من المضّار و أمّا القسم الرّابع و هو الذي لا يكون ضروريّا و لا نافعا فهو كالفقر في الدّنيا و العذاب في الآخرة إذا عرفت ذلك فنقول: قد ذكرنا أنّ النّفس في الدّنيا نافع و ضروريّ، فلو انقطع عن الانسان لحظة لمات في الحال، و كذلك معرفة اللّه تعالى أمر لا بدّ منه في الآخرة فلو زالت عن القلب لحظة لمات القلب لا محالة، لكنّ الموت الأوّل أسهل من الثّاني لأنّه لم يتألم في الموت الأوّل إلّا ساعة واحدة، و أمّا الموت الثّاني فانّه يبقى ألمه أبد الآباد.
و كما أنّ التنفّس له أثر ان: أحدهما إدخال النّسيم الطيب على القلب و ابقاء اعتداله و سلامته، و الثاني إخراج الهواء الفاسد الحارّ المحترق عن القلب، كذلك الفكر له أثر ان: أحدهما ايصال نسيم الحجّة و البرهان إلى القلب و ابقاء اعتدال الايمان و المعرفة عليه، و الثّاني إخراج الهواء الفاسد المتولد من الشّبهات عن القلب، و ما ذاك إلّا بان يعرف أنّ هذه المحسوسات متناهية في المقدار منتهية بالأخرة إلى الفناء بعد وجودها، فمن وقف على هذه الأحوال بقى آمنا من الآفات و اصلا إلى الخيرات و المسرّات و كمال هذين الأمرين ينكشف بعقلك بأن تعرف أن كلّ ما وجدته و وصلت إليه فهو قطرة من بحار رحمة اللّه و ذرّة من أنوار إحسانه فعند هذا ينفتح على قلبك معرفة كون اللّه رحمانا رحيما.
فاذا أردت أن تعرف هذا المعنى على التفصيل فاعلم أنك جوهر مركب من نفس و بدن و روح و جسد، أمّا نفسك فلا شكّ أنّها كانت جاهلة في مبدء الفطر كما قال تعالى: وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ثمّ تامّل في مراتب القوى الحسّاسة و المحرّكة و المدركة و العاقلة و تأمّل في مراتب المعقولات و في جهاتها و اعلم أنّه لا نهاية لها البتّة و لو أنّ العاقل أخذ في اكتساب العلم بالمعقولات و سرى فيها سيران البرق الخاطف و الرّيح العاصف، و بقى في ذلك السّير أبد الآبدين و دهر الداهرين لكان الحاصل له من المعارف و العلوم قدرا متناهيا، و لكانت المعلومات التي ما عرفها و لم يصل إليها أصلا غير متناهية و المتناهي في جنب غير المتناهى قليل في كثير فعند هذا يظهر له أنّ الذي قاله اللّه تعالى في قوله: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا حقّ و صدق.
و أمّا بدنك فانّه جوهر مركب من الأخلاط الأربعة، فتأمّل كيفيّة تركيبها و تشريحها و تأمّل ما في كلّ واحد من الأعضاء و الأجزاء من المنافع العالية و الآثار الشّريفة، و حينئذ يظهر لك صدق قوله سبحانه و تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها و حينئذ ينجلي لك أثر من آثار كمال رحمته في خلقك و هدايتك، فتفهم شيئا قليلا من رحمته الكاملة و نعمته السّابغة الشّاملة.
الفصل الثاني
متضمّن للتّنفير عن الدّنيا و التّنبيه على بعض عيوباتها و هو قوله (و الدّنيا دار منى لها الفناء و) قدّر (لأهلها منها الجلاء) كما قال سبحانه:
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ و قال: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (و هى حلوة) في الذّوق (خضرة) في النّظر يستلذّ بها الذّائق و النّاظر (و) لكنّها (قد عجّلت للطالب) فليس لها دوام و ثبات حتّى يتمتّع منها على وجه الكمال (و التبست بقلب النّاظر) أى اشتبهت لديه حتّى صار مولعا بحبّها مفتتنا بخضرتها و نضارتها.
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رواية أبي هريرة: لا تكونوا ممّن خدعته العاجلة و غرّته الامنيّة، فاستهوته الخدعة، فركن إلى دار السوء سريعة الزّوال، و شيكة الانتقال إنّه لم يبق من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلّا كاناخة راكب أو صر جالب فعلى ما تعرجون و ما ذا تنتظرون، فكأنكم و اللّه و ما أصبحتم فيه من الدّنيا لم يكن، و ما يصيرون إليه من الآخرة لم يزل، فخذوا اهبة لا زوال لنقلة، و أعدّوا الزّاد لقرب الرّاحلة، و اعلموا أنّ كلّ امرء على ما قدّم قادم، و على ما خلف نادم و لما نبّه عليه السّلام على فناء الدّنيا و تعجيل زوالها أردف ذلك بقوله (فارتحلوا عنها) يعنى تهيئوا للارتحال و استعدّوا للموت قبل نزول الفوت (بأحسن ما بحضرتكم من الزّاد) و هو التّقوى و الأعمال الصّالحة (و لا تسألوا فيها فوق الكفاف و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ) كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رواية انس بن مالك: يا معشر المسلمين شمّروا فانّ الأمر جدّ، و تأهّبوا فانّ الرّحيل قريب، و تزوّدوا فانّ السّفر بعيد، و خفّفوا أثقالكم فانّ ورائكم عقبة كؤدا لا يقطعها إلّا المخفّفون، أيهّا النّاس إنّ بين يدي السّاعة امورا شدادا، و هو الاعظاما، و زمانا صعبا يتملّك فيه الظلمة، و يتصدّر فيه الفسقة، و يضام فيه الآمرون بالمعروف، و يضطهد فيه النّاهون عن المنكر، فأعدّوا لذلك الايمان و عضّوا عليه بالنّواجذ، و الجئوا إلى العمل الصّالح و أكرهوا عليه النّفوس تفضوا إلى النّعيم الدّائم
هداية
عقد ثقة الاسلام الكليني عطر اللّه مضجعه في الكافي بابا للكفاف و روى فيه الأخبار الواردة في مدحه و حسنه و لا بأس برواية بعضها تيمّنا و تبرّكا فأقول: فيه باسناده عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اللّه عزّ و جلّ: إنّ من أغبط أوليائي عندي رجلا خفيف الحال ذا حظّ من صلاة أحسن عبادة ربّه بالغيب، و كان غامضا في النّاس، جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجّلت منيّته فقلّ تراثه و قلّت بواكيه.
و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طوبى لمن أسلم و كان عيشه كفافا و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد و من أحبّ محمّدا و آل محمّد العفاف و الكفاف، و ارزق من أبغض محمّدا و آل محمّد المال و الولد و عن النّوفلي رفعه إلى عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال: مرّ رسول اللّه براعى إبل فبعث يستسقيه فقال: أمّا ما في ضروعها فصبوح الحيّ و أمّا ما في آنيتها فغبوقهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهمّ أكثر ماله و ولده، ثمّ مرّ براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها و أكفا ما في إنائه في إناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعث إليه بشاة و قال: هذا ما عندنا و إن أحببت أن نزيدك زدناك، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهمّ ارزقه الكفاف، فقال له بعض أصحابه: يا رسول اللّه دعوت للذي ردّك بدعاء عامّتنا نحبّه، و دعوت للذي أسعفك بحاجتك بدعاء كلّنا نكرهه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ ما قلّ و كفى خير ممّا أكثر و ألهى اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف و عن البختريّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: يحزن عبدي المؤمن ان قترت عليه و ذلك أقرب له منّي، و يفرح عبدي المؤمن إن وسّعت عليه و ذلك أبغض له منّي.
و في حديث أبي ذرّ المرويّ في البحار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا باذر إنّي قد دعوت اللّه جلّ ثناؤه أن يجعل رزق من يحبّني الكفاف، و أن يعطي من يبغضني كثرة المال و الولد و قد أكثر شعراء العرب و العجم في مدح الكفاف و الاستغناء عن النّاس، و من جيّد ما قالوه قول أبي العلاء المعرّى:
فان كنت تهوى العيش قانع توسطا
فعند التناهي يقصر المتطاول
توفى البدور النقص و هى أهلّة
و يدركها النّقصان و هى كوامل
و قال سليمان بن مهاجر البجلي:
كسوت جميل الصّبر وجهي فصانه
به اللّه عن غشيان كلّ بخيل
فلم يتبذلني البخيل و لم اقم
على بابه يوما مقام ذليل
و انّ قليلا يستر الوجه ان يرى
إلى النّاس مبذولا بغير قليل
و قال بعض شعراء الحكماء:
فلا تجزع إذا أعسرت يوما
فقد أيسرت في الدّهر الطويل
و لا تظنن بربّك ظنّ سوء
فإنّ اللّه أولى بالجميل
و إنّ العسر يتبعه يسار
و قيل اللّه أصدق كلّ قيل
و لو أنّ العقول تجرّ رزقا
لكان المال عند ذوي العقول
تكملة
قد ذكرنا سابقا أنّ المستفاد من شرح البحراني أنّ هذه الخطبة و الخطبة الثّامنة و العشرين ملتقطتان من خطبة طويلة خطب بها يوم الفطر، و قد ظفرت بعد ما شرحت الخطبة على تمامها برواية الصّدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه فأحببت ايرادها على ما رواها قدّس سرّه فأقول: قال: و خطب أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الفطر فقال: الحمد للّه الذي خلق السّموات و الأرض و جعل الظلمات و النّور ثمّ الذين كفروا بربّهم يعدلون، لا نشرك باللّه شيئا و لا نتّخذ من دونه وليّا، و الحمد للّه له ما في السّموات و ما في الأرض و له الحمد في الدّنيا و الآخرة و هو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السّماء و ما يعرج فيها و هو الرّحيم الغفور، كذلك اللّه لا إله إلّا هو إليه المصير، و الحمد للّه الذي يمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا باذنه إنّ اللّه بالنّاس لرؤف رحيم اللهمّ ارحمنا برحمتك، و اعممنا بمغفرتك إنّك أنت العليّ الكبير، و الحمد للّه الذي لا مقنوط من رحمته، و لا مخلوّ من نعمته، و لا مؤيس من روحه، و لا مستنكف عن عبادته، بكلمته قامت السّماوات السّبع، و استقرّت الأرض المهاد، و ثبتت الجبال الرّواسي، و جرت الرّياح الواقع، و سار في جوّ السّماء السّحاب، و قامت على حدودها البحار، و هو إله لها و قاهر يذلّ له المتعزّزون، و يتضأل له المتكبّرون، و يدين له طوعا و كرها العالمون.
نحمده كما حمد نفسه و كما هو أهله، و نستعينه و نستغفره و نستهديه، و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له يعلم ما تخفى النّفوس و ما يجنّ البحار و ما توارى منه ظلمة، و لا يغيب عنه غائبة، و ما يسقط من ورقة من شجرة، و لا حبّة في ظلمات الأرض إلّا يعلمها، لا إله إلّا هو، و لا رطب و لا يابس إلّا في كتاب مبين، و يعلم ما يعمل العاملون، و أىّ مجرى يجرون، و إلى أىّ منقلب ينقلبون و نستهدي اللّه بالهدى و نشهد أنّ محمّدا عبده و نبيّه و رسوله إلى خلقه، و أمينه على وحيه، و أنّه قد بلغ رسالات ربّه و جاهد في اللّه الحائدين عنه العادلين به، و عبد اللّه حتّى أتاه اليقين صلّى اللّه عليه و آله اوصيكم بتقوى اللّه الذي لا تبرح منه نعمة، و لا تفقد منه رحمة، و لا يستغنى العباد عنه، و لا يجزى انعمه الاعمال، الذي رغب في التّقوى، و زهد في الدّنيا و حذر المعاصي و تعزّز بالبقاء، و ذلّل خلقه بالموت و الفناء، و الموت غاية المخلوقين، و سبيل العالمين، و معقود بنواصي الباقين، لا يعجزه إباق الهاربين، و عند حلوله ياس أهل الهوى يهدم كلّ لذّة، و يزيل كلّ نعمة، و يقطع كلّ بهجة و الدّنيا دار كتب اللّه لها الفناء، و لأهلها منها الجلاء، فأكثرهم ينوى بقائها و يعظم بنائها: و هى حلوة خضرة قد عجلت للطالب، و التبست بقلب النّاظر و يضنيء ذو الثروةالضّعيف، و يحتويها الخائف الوجل، فارتحلوا منها يرحمكم اللّه بأحسن ما بحضرتكم و لا تطلبوا منها أكثر من القليل و لا تسألوا منها فوق الكفاف، و ارضوا منها باليسير و لا تمدّن أعينكم منها إلى ما متّع المترفون و استهينوا بها و لا توطنوها و أضرّوا بأنفسكم فيها، و إيّاكم و التنعّم و التلهّى و الفاكهات، فانّ في ذلك غفلة و اغترارا ألا إنّ الدّنيا قد تنكّرت و ادبرت و أصولت و آذنت بوداع، ألا و إنّ الآخرة قد رحلت فأقبلت و أشرفت و آذنت باطلاع، ألا و إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا، ألا و إنّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار، أفلا تائب من خطيئته قبل يوم منيته، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه، و فقره، جعلنا اللّه و إيّاكم ممّن يخافه فيرجو ثوابه ألا و إنّ هذا اليوم يوم جعله اللّه لكم عيدا، و جعلكم له أهلا، فاذكروا اللّه يذكركم و ادعوه يستجب لكم و أدّوا فطرتكم فانّها سنّة نبيّكم و فريضة واجبة من ربّكم فليؤدّها كلّ امرء منكم عن نفسه و عن عياله كلّهم ذكرهم و انثاهم و صغيرهم و كبيرهم و حرّهم و مملوكهم عن كلّ إنسان منهم صاعا من برّ أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير و أطيعوا اللّه فيما فرض عليكم و أمركم به من إقام الصّلاة و إيتاء الزّكاة و حجّ البيت و صوم شهر رمضان و الأمر بالمعروف، و النّهى عن المنكر، و الاحسان إلى نسائكم و ما ملكت أيمانكم و أطيعوا اللّه فيما نهيكم عنه من قذف المحصنة، و إتيان الفاحشة، و شرب الخمر و بخس المكيال، و نقص الميزان، و شهادة الزّور، و الفرار عن الزّحف عصمنا اللّه و إيّاكم بالتّقوى، و جعل الآخرة خيرا لنا و لكم من الاولى، إنّ أحسن الحديث و أبلغ موعظة المتّقين كتاب اللّه العزيز أعوذ باللّه العظيم من الشّيطان الرّجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
الترجمة
از جمله خطبه هاى آن حضرت است: حمد و ثنا مر خداى را است در حالتى كه نوميد كرده نشده است از رحمة او، و خالى كرده نشده است از نعمة او، و نوميد كرده نشده است از مغفرة او، و كبر ورزيده نشده است از عبادت او، چنان خداوندى كه زايل نمىشود از او هيچ رحمتى، و نا ياب نمىشود از او هيچ نعمتي، و دنيا سرائيست تقدير كرده شده است از براى او فنا، و از براى اهل او بيرون رفتن از آن با رنج و عنا، و آن دنيا شيرينست در مذاق و سبز و خرّمست در نظر أهل آفاق و بتحقيق كه شتابانيده شده است از براى جوينده او، و مشتبه شده است در قلب نظر كننده او، پس رحلت نمائيد و كوچ كنيد از او به نيكوترين چيزى كه در حضور شماست از توشه كه عبارتست از تقوى و أعمال صالحه، و سؤال نكنيد در او بالاتر از قدر كفاف در معيشت، و طلب ننمائيد از او زياده از حدّ كفاية كه اينست شعار صاحبان بصيرت، و سالكان طريق حقيقت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»