خطبه 41 صبحی صالح
41- و من خطبة له ( عليه السلام ) و فيها ينهى عن الغدر و يحذر منه
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ
وَ لَا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ
وَ مَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ
وَ لَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً
وَ نَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ
مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ
قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ
وَ دُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْيِهِ
فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا
وَ يَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4
و من خطبة له عليه السلام و هى الاحدى و الاربعون من المختار فى باب الخطب
و قد رواها المحدّث المجلسى في البحار من كتاب مطالب السؤول لمحمد بن طلحة قال: و من خطبه عليه السّلام الحمد للّه و إن أتى الدّهر بالخطب الفادح و الحدث الجليل، فانّه لا ينجو من الموت من خافه و لا يعطى البقاء من أحبه ألا وإنّ الوفاء توأم الصّدق، و لا أعلم جنّة أوقى منه، و لا يغدر من علم كيف المرجع، و لقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيسا، و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم اللّه قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة و دونه مانع من أمر اللّه و نهيه، فيدعها رأى عين بعد القدرة عليها، و ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدّين.
اللغة
(التوأم) معروف يقال هذا توأم هذا و هذه توأم هذه و هما توأمان و (الجنّة) بالضم الترس و (المرجع) اسم مكان أو مصدر و الموجود في اكثر النّسخ بفتح الجيم و في بعضها بالكسر، و الظاهر أنّه الصّحيح، قال الفيروزآبادي: رجع يرجع رجوعا و مرجعا كمنزل و مرجعة شاذّان، لأنّ المصادر من فعل يفعل إنّما تكون بالفتح و (الكيس) وزان فلس مصدر من كاس كيسا و هو الفطنة و العقل و (الحوّل القلّب) البصير بتقليب الامور و تحويلها و (الرّاى) مصدر كالرّؤية و (الانتهاز) المبادرة يقال انتهز الفرصة اغتنمها و بادر إليها و (الحريجة) التّحرج، و التّأثمّ، اى التحرّز من الحرج و الاثم، قال الفيومي تحرّج الانسان تحرّجا هذا ممّا ورد لفظه مخالفا لمعناه و المراد فعل فعلا جانب به الحرج كما يقال، تحنّث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث، قال ابن الاعرابي: للعرب أفعال تخالف معانيها ألفاظها يقال تحرّج و تحنّث و تأثمّ و تهجّد إذا ترك الهجود.
الاعراب
قوله: كيف المرجع كيف اسم استفهام مبنيّ على الفتح و هو في محلّ رفع على الخبرّية، و المرجع مبتداء مؤخر و الجملة في موضع نصب بعلم و هي معلّقة عنها العامل لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، و ما لهم استفهام انكاريّ، و جملةقاتلهم اللّه دعائية لا محلّ لها من الاعراب، و جملة و دونه مانع حالية، و انتصاب رأى عين على حذف المضاف لدى بعد رايه أو مع رايه بعين و يحتمل أن يكون حالا أى يتركها حال كونها مرئية بعين، و جملة و ينتهز فرصتها استينافية لا محلّ لها من الاعراب، و من الموصولة فاعل ينتهز.
المعنى
اعلم انّ الوفاء و الصّدق من جنود العقل كما أنّ الغدر و الكذب من جنود الجهل على ما ورد في رواية الكافي باسناده عن ابن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و تقابل الأوّلين مع الآخرين تقابل العدم و الملكة، لأنّ عدّ هذه الأوصاف من جنود العقل و الجهل باعتبار مباديها الرّاسخة و ملكاتها الثّابته في النّفس دون آثارها التي هى من الأعمال و الأفعال، و على هذا فالوفاء ملكة نفسانية تنشأ من لزوم العهد كما ينبغي و البقاء عليه، و الغدر عدم الوفاء عمن من شأنه الوفاء، و الصّدق ملكة تحصل من لزوم مطابقة الأقوال للواقع، و الكذب عدم الصّدق لمن من شأنه الصّدق.
و أما النّسبة بين الوفاء و الصّدق فهى أنّ الأوّل أخصّ من الثّاني مطلقا لأنّ الوفاء هو الصّدق في الوعد و ربّما يكون صادقا في غير مقام الوعد فكلّ وفاء صدق و لا يكون كلّ صدق وفاء، و يمكن أن يقال: انّ النسبة عموم من وجه إذ الصّدق لا يكون إلّا في القول، لأنّه من أنواع الخبر، و الخبر قول و الوفاء قد يكون بالعمل، و مثلها النّسبة بين الغدر و الكذب قال الشّاعر:
غاض الوفاء و فاض الغدر و اتّسعت مسافة الخلف بين القول و العمل
إذا عرفت ذلك فأقول: إنّ الوفاء و الصّدق لما كانا متشاركين في كونهما من جنود العقل متلازمين غالبا لاجرم شبّههما بالتّوأمين و قال عليه السّلام (إنّ الوفاء توأم الصّدق) و ذلك إنّ التّوأم الولد المقارن للولد في بطن واحد، فشبّه الوفاء به لتقارنه الصّدق بحسب العقل و تصاحبه معه غالبا (و لا أعلم جنّة أوقى منه) أى أشدّ وقاية منه من عذاب الآخرة و من عار الدّنيا المترتّبين على الغدر و خلف الوعد، مضافا إلى ما فيه من الثمرات و المنافع الاخر، و سنشير إلى منافعه الأخروية بعد الفراغ من شرح الخطبة، و أما الثمرات الدّنيويّة قمنها اعتماد الناس على قول الوفيّ و ثقتهم به و ركونهم إليه و استحقاق المدح و الثّناء عند الخالق و الخلائق، و من هنا قيل الوفاء مليح و الغدر قبيح.
قال المطرزي في شرح المقامات: السّمؤل يضرب به المثل في الوفاء يقال أو في من السمؤل، و من وفائه أنّ امرء القيس بن الحجر لما أراد الخروج استودع السمؤل دروعا فلما مات امرء القيس غزاه ملك من ملوك الشام فتحرز منه السمؤل، فأخذ ابنا له كان مع ظئر خارجا من الحصن، ثمّ صاح بالسمؤل فأشرف عليه ثمّ قال هذا ابنك في يدي و قد علمت أنّ امرء القيس ابن عمّي و أنا احقّ بميراثه، فان دفعت إليّ الدّروع و إلّا ذبحت ابنك، فقال: أجّلني، فأجّله فجمع أهل بيته و نساءه فشاورهم فكلّ أشار إليه أن يدفع الدّروع، فقال: ما كنت لاحقّر أمانة فاصنع ما انت صانع إنّ الغدر طوق لا يبلى و لا بني هذا اخوة فذبح الملك ابنه و هو ينظر إليه، و رجع خائبا فلما دخلت أيّام الموسم وافى السّمؤل بالدّروع الموسم فدفعها إلى ورثة امرء القيس.
و في الأثر إنّ النّعمان بن المنذر قد جعل له يومين، يوم بؤس من صادفه فيه قتله و أرداه، و يوم نعيم من لقى فيه أحسن إليه و أغناه، و كان رجل من طيّ قد خرج ليطلب الرّزق لأولاده، فصادفه النّعمان في يوم بؤسه فعلم الطائيّ أنّه مقتول، فقال: حيا اللّه الملك إنّ لي صبية صغارا و لم يتفاوت الحال في قتلي بين أوّل النّهار و آخره، فان رأى الملك أن اوصل إليهم هذا القوت و أوصى بهم أهل المروّة من الحيّ ثمّ أعود للملك، فقال النعمان: لا إذن لك إلّا أن يضمنك رجل معنا فان لم ترجع قتلناه، و كان شريك بن عديّ نديم النعمان معه، فقال: أيّها الملك أنا أضمنه فمضى الطائيّ مسرعا و صار النعمان يقول لشريك جاء وقتك فتأهّب للقتل، فقال: ليس للملك علىّ سبيل حتّى يأتي المساء.
فلما قرب المساء قال النعمان: تأهّب للقتل، فقال شريك، هذا شخص قد لاح مقبلا و أرجو أن يكون الطائي، فلما قرب إذا هو الطائي قد اشتدّ في عدوه مسرعا حتّى وصل، فقال: خشيت أن ينقضي النّهار قبل وصولى فعدوت، ثمّ قال: أيّها الملك مر بأمرك، فأطرق النّعمان ثمّ رفع رأسه فقال: ما رأيت أعجب منكم، أما أنت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاما يفتخر به، و أما أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألام الثلاثة ألا و إنّي قد رفعت يوم بؤسى عن النّاس و نقضت عادتي كرما لوفاء الطائي و كرم شريك، فقال له النعمان: ما حملك على الوفاء و فيه اتلاف نفسك، فقال: من لا وفاء له لا دين له فأحسن إليه النعمان و وصله بما أغناه.
ثمّ إنّه عليه السّلام بعد الترغيب في الوفاء و بيان حسنه رهّب عن الغدر بقوله (و لا يغدر من علم كيف المرجع) يعنى من كان له علم بحالة الغادر في الآخرة و بما يستحقّ به بغدره من الجحيم و العذاب الأليم، لا يصدر منه غدر و لا يكون له رغبة إليه.
روى في البحار من الكافي مسندا عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم و هو يخطب على المنبر بالكوفة: يا أيّها الناس لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى النّاس الا أن لكلّ غدرة فجرة، و لكلّ فجرة كفرة ألا و إنّ الغدر و الفجور و الخيانة في النّار هذا.
و لمّا بيّن حسن الوفاء و قبح الغدر أشار إلى ما عليه أكثر أهل زمانه من رغبتهم إلى الغدر و عدّهم ذلك حسنا و غفلتهم عن قبحه فقال: و (لقد أصبحنا في زمان اتّخذ أكثر أهله الغدر) و الخديعة (كيسا) و فطانة (و نسبهم أهل الجهل فيه إلى) صحة التّدبير و (حسن الحيلة).
و ذلك لأنّ الغدر كثيرا ما يستلزم الذّكاء و التفطن لوجه الحيلة و ايقاعها بالمغد و ربه كما أنّ الكيس أيضا عبارة عن الفطانة وجودة الذّهن في استخراج وجوه المصالح، فالغادر و الكيس يشتركان في الاتصاف بالفطنة إلّا أنّ الأوّل يستعمل فطنته في استخراج وجوه الحيلة لجلب منفعة دنيويّة و إن خالفت القوانين الشّرعيّة، و الكيّس يستعمل تفطنه في استنباط وجوه المصالح الكلية على وجه لا يخالف قواعد الشّريعة، فلدقّة الفرق استعمل الغادرون غدرهم في موضع الكيس و نسبهم أهل الجهالة و الغفلة إلى صحّة الرأى و حسن الحيلة، كما كانوا يقولون في عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و لم يعلموا أنّ حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور و أنّه لا حسن في حيلة جرّت الى رذيلة.
(ما لهم) اى لهؤلاء الغادرين في افتخارهم بغدرهم (قاتلهم اللّه) و أبعدهم من رحمته (قد يرى الحوّل القلّب) أى كثير البصيرة في تحويل الامور و تقليبها لاستنباط وجوه المصالح، و أراد به نفسه الشّريف و مقصوده أنّ الغدر و الخديعة ليس قابلا لأنّ يفتخر به فانّ صاحب البصيرة ربّما يعرف (وجه الحيلة) كأنّه يراه عيانا (و) مع ذلك لا يقدم عليها لما يشاهد أنّ (دونها) أى دون الحيلة و العمل بها (مانع من أمر اللّه) بتركها (و نهيه) عن فعلها (فيدعها) و يتركها (رأى عين) أى مع رؤيته عيانا (بعد القدرة عليها) و تمكّنه منها تجنّبا من الرّذايل الموبقة و خوفا من اللّه سبحانه (و ينتهز فرصتها) و يبادر إليها (من لا حريجة له في الدّين) و لا مبالاة له في أوامر الشّرع المبين و لا خوف له من اللّه ربّ العالمين.
تبصرة
قد عرفت حسن الوفاء و أنّه ممّا يترتب عليه المدح و الثّواب، و قبح الغدر و أنّه ممّا يترتب عليه اللّوم و العقاب، فيكون الأوّل واجبا سواء كان في عهود اللّه سبحانه أو عهود الخلق، و الآخر حراما، و قد اشير إلى ذلك المعنى في غير موضع من القرآن و وردت بذلك أخبار كثيرة و لا بأس بالاشارة إلى بعضها فانّ الاستقصاء غير ممكن.
فأقول: قال سبحانه في سورة المائدة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اى بالعهود قال ابن عباس: و المراد بها العهود التي أخذ اللّه سبحانه على عباده بالايمان به و طاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم عليهم، و في رواية اخرى قال: ما هو أحلّ و حرّم و ما فرض و ما حدّ في القرآن كلّه، أى فلا تتعدّوا و لا تنكثوا، و قيل المراد العقود التي يتعاقدها النّاس بينهم.
و في سورة النّحل وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ و فيها أيضا: وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال الطبرسيّ: أى لا تخالفوا عهد اللّه بسبب شيء يسير تنالوه من حكّام الدّنيا فتكونوا قد بعتم عظيم ما عند اللّه بالشيء الحقير.
و في سورة مريم: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا.
قال في مجمع البيان: إذا وعد بشيء و في به و لم يخلف، قال ابن عبّاس: إنّه واعد رجلا أن ينتظره في مكان و نسي الرّجل فانتظره سنة حتّى أتاه الرّجل، و عن الكافي عن الصادق، و العيون عن الرّضا عليهما السّلام ما في معناه و الإسماعيل ابن خرقيل و قيل اسماعيل بن إبراهيم، و الأوّل رواه أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
أقول: و لعلّه أراد بهذه الرّواية ما رواه المحدّث العلامة المجلسي في البحار عن الصّدوق باسناده عن الصّادق عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ أفضل الصّدقة صدقة اللّسان تحقن به الدّماء و تدفع به الكريهة و تجرّ المنفعة الى أخيك المسلم.
ثمّ قال: إنّ عابد بني اسرائيل الذي كان أعبدهم كان يسعى في حوائج النّاس عند الملك، و إنّه لقى اسماعيل بن خرقيل فقال لا تبرح حتّى أرجع اليك يا اسماعيل، فسهل عنه عند الملك فبقى عند الملك، فبقى اسماعيل إلى الحول هناك فأنبت اللّه لاسماعيل عشبا فكان يأكل منه و اجرى له عينا و أظلّه بغمام فخرج الملك بعد ذلك إلى التّنزه و معه العابد فرأى اسماعيل: فقال له: إنّك لهاهنا يا اسماعيل: فقال له: قلت لا تبرح فلم أبرح فسمّى صادق الوعد.
قال: و كان جبّار مع الملك فقال: أيّها الملك كذب هذا العبد قد مررت بهذه البرّية فلم أراه ههنا، فقال اسماعيل إن كنت كاذبا فنزع اللّه صالح ما أعطاك قال فتناثرت أسنان الجبّار، فقال جبّار إنّى كذبت على هذا العبد الصّالح فاطلب أن يدعو اللّه أن يردّ علىّ أسنانى فاني شيخ كبير، فطلب إليه الملك فقال: إنّى أفعل قال: الساعة، قال: لا، و أخّره إلى السّحر، ثمّ دعى ثمّ قال: يا فضل إنّ أفضل ما دعوتم اللّه بالأسحار، قال اللّه تعالى وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
و في سورة الأحزاب: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.
روى في الصافي من الكافي عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال المؤمن مؤمنان، فمؤمن صدق بعهد اللّه و وفى بشرط اللّه، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، و ذلك الذي لا يصيبه أهوال الدّنيا و لا أهوال الآخرة، و ذلك ممّن يشفع و لا يشفع له، و مؤمن كخامة الزّرع يعوج احيانا و يقوم احيانا، فذلك ممّن يصيبه أهوال الدّنيا و أهوال الآخرة، و ذلك ممّن يشفع له و لا يشفع.
و عنه عليه السّلام لقد ذكّركم اللّه في كتابه فقال مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا، الآية إنّكم و فيتم بما أخذ اللّه عليه ميثاقكم من ولايتنا و انكم لم تبدلوا بنا غيرنا.
و في سورة الصّف: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ الآية و نحوها آيات أخر.
و أمّا الأخبار فمضافا إلى ما ذكرنا ما رواه في الوسايل من الكافي باسناده عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كان يؤمنباللّه و اليوم الآخر فليف إذا وعد.
و من العلل باسناده عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام، يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وعد رجلا إلى صخرة فقال أنا لك ههنا حتّى تأتى، قال: فاشتدّت الشمس عليه فقال له أصحابه يا رسول اللّه لو أنك تحوّلت إلى الظلّ، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد وعدته إلى ههنا و إن لم يجيء كان منه المحشر.
و في كتاب تحف العقول قال: و من حكم أمير المؤمنين عليه السّلام و ترغيبه و ترهيبه و وعظه أما بعد فانّ المكر و الخديعة في النار فكونوا من اللّه على وجل و من صولته على حذر إنّ اللّه لا يرضى لعباده بعد اعذاره و اندازه استطرادا و استدراجا لهم من حيث لا يعلمون، و لهذا يضلّ سعى العبد حتّى ينسى الوفاء بالعهد و يظنّ أنّه قد أحسن صنعا.
و لا يزال كذلك في ظنّ و رجاء و غفلة عمّا جاءه من النباء يعقد على نفسه العقد و يهلكها بكل الجهد و هو في مهلة من اللّه على عهد (عمد خ) يهوى مع الغافلين، و يغدو مع المذنبين و يجادل في طاعة اللّه المؤمنين، و يستحسن تمويه المترفين «المسرفين خ»، فهؤلاء قوم شرحت قلوبهم بالشّبهة، و تطاولوا على غيرهم بالفرية، و حسبوا أنّها للّه قربة.
و ذلك لأنّهم عملوا بالهواء، و غيّروا كلام الحكماء، و حرّفوه بجهل و عمى و طلبوا به السّمعة و الرّياء، بلا سبيل قاصدة، و لا أعلام جارية، و لا منار معلوم إلى أمدهم و الى منهل هم واردوه حتّى إذا كشف اللّه لهم عن ثواب سياستهم، و استخرجهم من جلابيب غفلتهم، استقبلوا مدبرا و استدبروا مقبلا، فلم ينتفعوا بما أدركوا من امنيّتهم، و لا بما نالوا من طلبتهم، و لا ما قضوا من وطرهم، و صار ذلك عليهم و بالافصاروا يهربون ممّا كانوا يطلبون.
و إنّى احذّركم هذه المنزلة، و آمركم بتقوى اللّه الذي لا ينفع غيره فلينتفع بتقية «بنفسه خ ل» إن كان صادقا على ما يحنّ ضميره، فانّ البصير من سمع و تفكّر و نظر فأبصر، و انتفع بالعبر، و سلك جددا واضحا يتجنّب فيه الصّرعة في الهوى،و يتنكّب طريق العمى، و لا يعين على فساد نفسه الغوات بتعسّف في حقّ أو تحريف في نطق أو تغيير في صدق، و لا قوّة إلّا باللّه، الحديث.
و في حديث الائمة إنّ اللّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم أ لست بربكم فمن و في لنا و في اللّه له بالجنّة.
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يجيء كلّ غادر يوم القيامة بامام مايل شدقه«» حتّى يدخل النّار هذا.
و قد ظهر لك ممّا ذكرناه و رويناه أنّ متعلّق الوفاء أعمّ من عهود اللّه سبحانه و مواثيقه التّي أخذها من العباد، و من عهود النّاس و شروط بعضهم مع بعض و مواثيقهم الموافقة للقوانين الشّرعية، و الاولى عامة لاصول العقائد من التّوحيد و النّبوة و الولاية حيث أخذ ميثاق النّاس عليها في عالم الذّرّ، و بالسّنة الأنبياء و الرّسل و الكتب المنزلة، و الفروع العقائد من العبادات البدنية و الواجبات العملية، و الثانية شاملة للعقود التي يتعاقدونها بينهم من البيع و الصّلح و الاجارة و نحوها، و للعهود و العدات المجرّدة عن العقد.
و ثمرة الوفاء بالاولى الترقّى الى مدارج الكمال و اليقين و الطيران في حظيرة القدس مع الأولياء المقرّبين، و ثمرة الوفاء بالفروع البدنيّة النجاة من الجحيم و الخلاص من العذاب الأليم، و نتيجة الوفاء بالعقود المعقودة استكمال النّظام و حصول الانتظام، و بالعهود المجرّدة اقتاء الفضايل و اجتناب الرّذايل.
و الظاهر من كلامه عليه السّلام الذي نحن في شرحه هو أنّ مراده بالوفاء هو وفاء الناس بما يتعاهدون بينهم، و بالغدر الغدر المقابل له، و غير خفيّ أنّ حسن الوفاء و وجوبه إنما هو في حقّ أهل الوفاء كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السّلام في بعض كلماته: الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللّه، و الغدر بأهل الغدر وفاء عند اللّه.
يعني أنّه إذا كان بينهما عهد و مشارطة فغدر أحدهما و خالف شرطه فيجوز للآخر نقض العهد أيضا، و لا يجب له الوفاء بل يكون وفائه في حقّه غدرا قبيحا،و غدره وفاء متّصفا بالحسن، و ذلك لأنّ اللّه سبحانه قد أمر بالوفاء مع وفاء الطرف الآخر و بالنقض مع نقضه كما اشير اليه في قوله: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ فيكون الوفاء مع مخالفة الطرف الآخر مخالفا لأمر اللّه و لحكمه الذي كان يجب عليه امتثاله و الالتزام به، فيكون ذلك الوفاء غدرا في حكم اللّه و يترّتب عليه أثره، و الغدر له امتثالا لأمر اللّه و وفاء بحكم اللّه فيستحقّ الثناء الجميل و الأجر الجزيل، و يحتمل أن يكون المراد أنّه يترّتب على الموفى إثم الغادر و على الغادر أجر الموفي، و اللّه العالم.
الترجمة
از جمله خطب آن حضرتست در مدح وفا و ذمّ غدر مى فرمايد: بدرستى كه وفا نمودن بعهد همزاد راستى و درستى است، و نمى دانم هيچ سپرى كه نگاه دارنده تر باشد از اين خصلت، و غدر نمى كند كسى كه داند كه چگونه است بازگشت بخدا، و بتحقيق كه صباح كرده ايم در زمانى كه أخذ نموده اند بيشترين أهل آن زمان بى وفائى را كياست و زيركى، و نسبت داده أهل جهالت جماعت غدار را در آن روزگار به نيكوئى حيلت و فراست، چيست اين جماعت را خدا دور گرداند ايشان را از رحمت خود در هر دو جهان بدرستى كه مى بيند مردى كه صاحب بصيرتست در تحويل امور و تقليب آنها و در استنباط وجوه مصالح ظاهر حيله را و حال آنكه نزد آن حيله مانعى است از امر خدا و نهى او، پس ترك مى كند آن حيله را در حال ديدن آن بچشم بعد از قدرت او بر آن بجهت خوف از عقاب خداوند، و غنيمت مى شمارد مجال آن را كسى كه صاحب پرهيز از گناه نيست در دين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»