نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 29 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 29 صبحی صالح

29- و من خطبة له ( عليه السلام  ) بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين

و فيها يستنهض أصحابه لما حدث في الأطراف

أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ

كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ

وَ فِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ

تَقُولُونَ‏ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَ كَيْتَ

فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ

مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ

وَ لَا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ

أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ

وَ سَأَلْتُمُونِي التَّطْوِيلَ

دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ

لَا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ

وَ لَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ

أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ

وَ مَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ

الْمَغْرُورُ وَ اللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ

وَ مَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَ اللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ

وَ مَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ

أَصْبَحْتُ وَ اللَّهِ لَا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ

وَ لَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ

وَ لَا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ

مَا بَالُكُمْ

مَا دَوَاؤُكُمْ مَا طِبُّكُمْ

الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ

أَ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ

وَ غَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ

وَ طَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السّلام

و هى التاسعة و العشرون من المختار فى باب الخطب

خطب بها في غارة الضّحاك بن قيس على ما تعرفها تفصيلا و قد رواها في شرح المعتزلي من ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني و العلامة المجلسي في البحار من امالى الشّيخ و ارشاد المفيد، و الشيخ السعيد أبو المنصور احمد بن علي الطبرسي في كتاب الاحتجاج باختلاف كثير تطلع عليه بعد الفراغ من شرح ما اورده السّيد في الكتاب و هو قوله أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهوائهم، كلامكم يوهي الصّم الصّلاب، و فعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كيت و كيت، فإذا جاء الجهاد قلتم حيدي حياد، ما عزّت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، و سألتموني التّطويل، دفاع ذي الدّين المطول لا يمنع الضّيم الذّليل، و لا يدرك الحقّ إلّا بالجدّ أىّ دار بعد داركم تمنعون، و مع أىّ إمام بعدي تقاتلون، المغرور و اللّه من غررتموه، و من فاز بكم فقد فاز بالسّهم الأخيب، و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل أصبحت، و اللّه لا أصدّق قولكم، و لا أطمع في نصركم، و لا أوعد العدوّ بكم، ما بالكم ما دوائكم ما طبّكم، القوم رجال أمثالكم، أقولا بغير علم، و غفلة «و عفّة خ» من غير ورع، و طمعا في غير حقّ.

اللغة

(الوهي) الضّعف و وهى الحجر و السقاء كوقي انشقّ و اوهاه شقّه و (الصمّ) و (الصّلاب) من أوصاف الحجر و الصخرة الصماء التي ليس فيها صدع و لا خرق (و كيت و كيت) كناية عن القول و (حيدي حياد) قال الشّارح المعتزلي كلمة يقولها الهارب الفارّ و هي نظير قولهم: فيحى فياح اي اتّسعى، و أصلها من حاد الشي‏ء أي انحرف و قال الشّارح البحراني حياد اسم للمغارة و المعنى اعدلى عنا أيتها الحرب، و يحتمل أن يكون من اسماء الأفعال كنزال فيكون قد امر بالتنحّى مرّتين بلفظين مختلفين.

أقول: قال نجم الأئمة الرّضيّ فعال المبنى على أربعة أضرب: الاول اسم فعل كنزال الثاني المصدر نحو لا مساس أي لامس الثالث الصّفة المؤنثة و لم يجي‏ء في المذكر و جميعها يستعمل من دون الموصوف و هي بعد ذلك على ضربين: إما لازمة للنّداء سماعا نحو يا لكاع اي لكعاء و يا فساق و يا خباث اي يا فاسقة و يا خبيثة و أما غير لازمة للنّداء و هي على ضربين.

أحدهما ما صار بالغلبة علما جنسيّا كاسامة و جعل من هذا القسم حلاق و جباذ للمنية كانت في الأصل صفة لكل ما تحلق عامة و تجبذأى تجذب ثمّ اختصّت بجنس المنايا و فشاش و صمام و حياد للداهية لأنّها تفش اي تخرج ريح الكبر و تحيداي تميل سمّيت بها تفولا و تصم اي تشتدّه يقال فشاش فشيه من استه الى فيه اي اخرجى ريح الكبر منه من استه مع فيه و يقال حيدي حياد أي ارجعى يا راجعة و يقال صمّى صمام اي اشتدّي يا شديدة اي زيدي في الشّدّة و أبقى على شدّتك و فياح للغارة يقولون فيحى فياح اي اتّسعى يا متّسعة على تأويل صمّى صمام.

قال فهذه و امثالها أعلام للجنس بدليل وصفها بالمعرفة نحو حناذ الطالعة و لو لم يكن معارف لم يجز حذف حرف النّداء معها في نحو فشاش فشيه و حيدي حياد.

و الضّرب الثّاني من غير اللّازمة للنّداء ما بقى على وصفيّتها نحو قطاط اي قاطة، و لزام اي لازمة، و بداد اي متبدّدة متفرّقة و الرابع الأعلام الشّخصية و جميع ألفاظها مؤّنثة و إن كان المسمّى بها مذكرا ايضا نحو لصاف منزل من منازل بني‏تميم و خصاف فحل و حضار كوكب و ظفار مدينة و قطام اسم امرأة إلى آخر ما ذكره.

و قد لخّصناه بطوله لعدم اقتضاء المجال إلّا ذكر هذا القدر و قد تحصل منه أنّ حياد علم جنس للداهية فعلى ما ذكره بطل ما توّهمه الشّارح البحراني من جعلها علما للغارة او اسم فعل كنزال.

و (عز) فلان بالزّاء المعجمة المشدّدة قوى بعد ذلة و (قاساه) كابده و (اعاليل) و (اضاليل) قال البحراني: جمع أعلال و أضلال و هما جمع علّة اسم لما يتعلل به من مرض و غيره و ضلة اسم من الضّلال و (المطول) كصبور كثير المطال، و هو تطويل الوعد و تسويفه و (الضيّم) الظلم، و في بعض النّسخ بدل تمنعون تمتّعون على التّفعل بحذف إحدى التّائين أى تنتفعون و (الاخيب) أشدّ خيبة و هي الحرمان و (الافوق) السّهم المكسور الفوق و هو موضع الوتر منه و (النّاصل) الذي لا نصل فيه و (غفلة) في بعض النّسخ عفّة بدله.

الاعراب

كلمة كيت لا تستعمل إلا مكررة بواو العطف، و هي مبنيّة لوقوعها موقع الجملة الغير المستحقة للاعراب.

فان قيل: و كان يجب أن لا تكون مبنيّة كالجمل.

قيل: يجوز خلوّ الجمل عن الاعراب و البناء لأنهما من صفات المفردات و لا يجوز خلوّ المفرد عنهما فلما وقع المفرد ما لا إعراب له في الأصل و لا بناء و لم يجز أن يخلو أيضا عنهما مثله بقى على الأصل الذى ينبغي أن تكون الكلمات عليه و هو البناء إذ بعض المبنيّات و هو الخالى عن التركيب يكفيه عريه عن سبب الأعراب فعريه عن سبب الاعراب سبب البناء كما قيل عدم العلّة علّة العدم.

فان قلت: إنّها وضعت لتكون كناية عن جملة لها محلّ من الاعراب نحو قال فلان كيت و كيت أى زيد قائم مثلا و هي في موضع النّصب.

قيل: إنّ الاعراب المحلى في الجملة عارض فلم يعتد به و كيف كان فبنائها على الفتح أكثر لثقل الياء كما في أين و كيف و لكونها في الأغلب كناية عن الجملة المنصوبة المحل، و يجوز بنائها على الضمّ و الكسر أيضا تشبيها بحيث و جير و حياد و امثالها مبنيّة على الكسر.

قال نجم الأئمة الرّضىّ: و أمّا الأعلام الجنسية فكان حقّها الاعراب لأنّ الكلمة المبنيّة إذا سمى بها غير ذلك اللفظ وجب إعرابها كما يسمّى باين شخص لكنّها بنيت لأنّ الأعلام الجنسيّة أعلام لفظية، فمعنى الوصف باق في جميعها إذ هي أوصاف غالبة انتهى.

و في اسناد عزت إلى الدّعوة توسع، و أعاليل خبر مبتدأ محذوف، و بأضاليل متعلقة بأعاليل نفسها أى إذا دعوتكم إلى القتال تعللتم و هي أعاليل بالأضاليل التي لا جدوى لها.

و دفاع إمّا منصوب بحذف الجار تشبيها لدفاعهم بدفاع ذى الدّين، أو مرفوع استعارة لدفاعهم، و المغرور مبتدأ و من خبره، و هو أولى من جعله خبرا مقدّما و من مبتدأ لكونه أبلغ في إثبات الغرور لمن اغترّبهم من حيث إفادته الحصر دون العكس، و قولا و غفلة و طمعا منصوبات بالأفعال المقدّرة

المعنى

قد أشرنا أنّ السّبب في هذه الخطبة هو غارة الضّحاك بن قيس بعد قصّة الحكمين و عزمه على المسير الى الشام و ذلك على ما روى في شرح المعتزلي و غيره من كتاب الغارات لابراهيم بن محمّد الثّقفى باختصار منّا هو: أنّ معاوية لما بلغه أنّ عليّا بعد واقعة الحكمين تحمل إليه مقبلاها له ذلك فخرج من دمشق معسكرا و بعث إلى كور الشّام فصاح فيها أنّ عليّا قد ساء إليكم فاجتمع إليه النّاس من كلّ كورة و أرادوا المسير إلى صفّين.

فمكثوا يجيلون الرّأى يومين أو ثلاثة حتّى قدمت عليهم عيونهم أنّ عليّا اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة انكرت أمر الحكومة و أنّه قد رجع عنكم‏إليهم فكبر النّاس سرورا لانصرافه عنهم و ما ألقى اللّه عزّ و جلّ من الخلاف بينهم.

فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من عليّ و أصحابه و هل يقبل بالنّاس أم لا، فما برح حتّى جاء الخبر أنّ عليّا قد قتل اولئك الخوارج و أنّه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالنّاس و أنّهم استنظروه و دافعوه فسرّ بذلك هو و من قبله من النّاس.

فعند ذلك دعى معاوية الضّحاك بن قيس الفهري و قال له: سر حتّى تمر بناحية الكوفة و ترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه و إن وجدت له مسلحة أو خيلا فاغر عليها و إذا أصبحت في بلدة فامس في اخرى و لا تقيمنّ لخيل بلغك أنّها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها.

فسرّحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف، فأقبل الضّحاك فنهب الأموال و قتل من لقى من الأعراب حتّى مرّ بالثّعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم، ثمّ أقبل فلقى عمرو بن عميس بن مسعود الذّهلي و هو ابن أخى عبد اللّه بن مسعود صاحب رسول اللّه فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة و قتل معه ناسا من أصحابه فخرج عليّ عليه السّلام إلى النّاس و هو يقول على المنبر: يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس و إلى جيوش لكم قد اصيب منهم طرف آخر اخرجوا فقاتلوا عدوّكم و امنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين.

فردّوا عليه ردّا ضعيفا و رأى منهم عجزا و فشلا فقال: و اللّه لوددت إنّ لى بكلّ ثمانية منكم رجلا منهم و يحكم اخرجوا معي ثمّ فرّوا عني ما بدا لكم فو اللّه ما أكره لقاء ربّى على نيتي و بصيرتي و في ذلك لي روح عظيم و فرج من مناجاتكم و لمّا رأى تثاقل أصحابه و تقاعدهم عنه خطبهم بهذه الخطبة فقال: (أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهوائهم) و المتفرّقة آرائهم (كلامكم يوهي) الجبال (الصّم الصّلاب) أى الضعيف القلوب الصّلبة التي هي كالحجارة أو أشدّ قسوة، و يظنّ السّامعون أنّ ورائه بأسا و نجدة (و فعلكم يطمع فيكم الأعداء) أراد به تخاذلهم عن الجدال و تقاعدهم عن‏القتال (تقولون في المجالس) إذا حنيتم و أنفسكم (كيت و كيت) اى سنغلب عدوّنا و نقتل خصومنا و لا محلّ لهم منّا و نحو ذلك (و إذا جاء الجهاد) و شاهدتم الانجاد (قلتم حيدى حياد) و كنتم كالحمرة المستنفرة فرّت من قسورة.

(ما عزّت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم) يعنى من دعاكم لم يعز بدعوته من ذلته، و من قاساكم لم يسترح قلبه من تعبه و إذا دعوتكم إلى الجهاد و القتال تعللتم بامور و هي (أعاليل) باطلة (بأضاليل) لا جدوى لها و لا طائل تحتها (و سألتموني) التّأخير (و التطويل) كلّ ذلك ذّبا عنكم و دفاعا عن أنفسكم (كدفاع ذي الدّين المطول) عن نفسه المماطل لدينه اللازم له (لا يمنع الضيم الذّليل) الحقير (و لا يدرك الحقّ الّا بالجدّ) و الاجتهاد و التّشمير في (اىّ دار) أو عن اىّ دار (بعد داركم) التي أنتم عليها و هو العراق أو دار الاسلام التي لا نسبة لغيرها إليها (تمنعون) عدوّكم إذا أخرجوكم عن دياركم و مساكنكم (و مع أىّ امام بعدى تقاتلون) خصومكم إذ تركتم القتال و نئيتم عنه بجانبكم.

ليس (المغرور و اللّه) إلّا (من غرر تموه) حيث اغترّبكم مع كثرة ما يشاهد منكم من خلف المواعيد و التّثاقل عن الجهاد و ما يصدر عنكم من أفعال الرذول الاوغاد (و من فاز بكم فقد فاز بالسهم الاخيب) إخبار عن سوء حال من كانوا حزبه و من يقاتل بهم و التّعبير عن الابتلاء بهم بالفوز على التهكم و السّهم الأخيب التي لا غنم لها في المسير كالثلاثة المسمّاة بالاوغاد أو التي فيها غرم كالتي لم تخرج حتّى استوفيت أجزاء الجزور فحصل لصاحبها غرم و خيبة.

و قد شبّه نفسه و خصومه باللاعبين بالميسر و شبّه فوزه بهم بالفوز بأحد السّهام الخايبة فلأجل ملاحظة هذا الشّبه استعار لهم لفظ السّهم بصفة الاخيب و اطلاق الفوز هنا مجاز من باب اطلاق أحد الضّدّين على الآخر مثل تسمية السّيئة جزاء(و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل) شبّه إرسالهم في الحرب بالرّمى بالسّهام و استعار لهم أوصاف السّهم من الأفوق و استعار لفظ الرّمى لمقاتلته بهم ثم خصّصهم بأرده الاوصاف للسّهم التي يبطل معها فايدته لمشابهتهم ذلك السّهم في عدم الانتفاع بهم في الحرب و عدم الظفر معهم بالمقصود.

(اصبحت و اللّه لا اصدّق قولكم) لكثرة ما شاهدت منكم من العدات الباطلة و الأقوال الكاذبة (و لا أطمع في نصركم) مع تثاقلكم عن الجهاد و تقاعدكم عن القتال غير مرّة (و لا او عد بكم العدوّ) اذ الوعيد بهم مع طول تخلّفهم و شعور العدوّ بذلك ممّا يوجب جرئة العدوّ و تسلّطه و جسارته.

(ما بالكم) و ما شأنكم الذي اوجب لكم التخاول و التّصامم عن ندائى و (ما دوائكم) و (ما طبكم) كى اداوى و اعالج للمرض الذي اضعفكم عن استماع دعائى.

و قيل انّ الطبّ بمعنى العادة على حدّ قوله:

فما ان طبّنا جبن و لكن
منايانا و دولة آخرينا

و الأوّل هو الأظهر (القوم رجال أمثالكم) فما أخوفكم منهم.

قال الشّاعر:

قاتلوا القوم يا خزاع و لا
يدخلكم من قتالهم فشل‏

القوم أمثالكم لهم شعر
في الرّأس لا ينشرون ان قتلوا

ثمّ عيّرهم على امور مستقبحة شرعا منفور عنها عادة.

احدها ما أشار إليه بقوله: (أقولا بغير علم) أراد به قولهم إنّا نفعل بالخصوم كذا و كذا مع أنّه لم يكن في قلوبهم إرادة الحرب أو دعويهم الايمان و الطاعة مع عدم الاطاعة فكأنّهم لا يذعنون بما يقولون، و على الرّواية الاخرى و هي أقولا بغير عمل كما هو الأظهر فيكون إشارة إلى ما يعدونه به من النّهوض إلى الحرب مع عدم وفائهم بالوعد و عدم قيامهم بما قالوا تذكيرا لهم بما في ذلك من المقت الشديد و الخزى الأكيد، قال سبحانه: «لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ‏ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» الثّاني ما أشار إليه بقوله (و غفلة من غير ورع) أراد به غفلتهم عمّا يصلحهم من غير ورع يحجزهم عن المحارم و ينبّه هم عن نوم الغفلة.

الثّالث ما أشار إليه بقوله (و طمعا في غير حقّ) لعله أراد به طمعهم في أن يوفر عطياتهم و يمنحهم زيادة على ما كان يؤتيهم، و كأنّه عقل من بعضهم أنّ سبب تسويفهم و تخلّفهم عن ندائه هو الطمع في التّوفير كما فعل معاوية و الخلفاء قبله خذلهم اللّه، فردعهم عن ذلك بأنّه طمع من غير استحقاق هذا.

و روى في شرح المعتزلي من كتاب الغارات لابراهيم الثّقفى أنّ عليّا دعا حجر بن عدىّ الكندي بعد غارة الضحاك فعقد له على أربعة ألف فخرج حجر حتّى مرّ بالسّماوة و هي أرض كلب فلقى بها امرء القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي و هم أصهار الحسين بن عليّ بن أبي طالب فكانوا ولاءه في الطريق و على المياه فلم يزل في أثر الضّحاك حتى لقاه بناحية ترمد فواقعه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضّحاك تسعة عشر رجلا، و قتل من أصحاب حجر رجلان و حجز الليل بينهما، فمضى الضّحاك فلما أصبحوا لم يجدوا له و لا لأصحابه أثرا، و كان الضّحاك يقول بعد، انا ابن قيس انا ابوانيس انا قاتل عمرو بن عميس.

تكملة

قد اشرنا سابقا إلى انّ هذه الخطبة مرويّة بطرق متعدّدة، و المستفاد من رواية الاحتجاج و البحار من الارشاد انّها من الخطبة السّابعة و العشرين ملتقطة من خطبة طويلة له عليه السّلام و لا بأس بذكر تلك الرّواية زيادة للبصيرة.

فأقول: قال في الاحتجاج و الارشاد على ما رواه من الأخير في البحار: و من كلام له عليه السّلام يجرى مجرى الاحتجاج مشتملا على التّوبيخ لأصحابه على تثاقلهم عن قتال معاوية و التنفيذ متضمّنا للوم و الوعيد.

أيّها النّاس انّى استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا، و أسمعتكم فلم تجيبوا، و نصحت لكم فلم تقبلوا شهودا بالغيب، أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها،و أعظكم بالموعظة البالغة فتفرقون عنها، كأنكم حمر مستنفرة فرّت من قسورة، و أحثكم على جهاد أهل الجور، فما اتى علىّ آخر قولي حتى اراكم متفرّقين أيادي سبا، ترجعون إلى مجالسكم، تتربعون حلقا، تضربون الأمثال، و تنشدون الأشعار، و تجسّسون الأخبار.

حتّى إذا تفرّقتم تسئلون عن الأشعار جهلة من غير علم، و غفلة من غير ورع و تتبّعا من غير خوف، و نسيتم الحرب و الاستعداد لها، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل و الأضاليل، فالعجب كلّ العجب و كيف لا اعجب من اجتماع قوم على باطلهم و تخاذلكم عن حقّكم.

يا اهل الكوفة أنتم كامّ مجالد حملت فاملصت«» فمات قيّمها، و طال ايّمها، و ورثها ابعدها و الذى فلق الحبّة و برء النّسمة إنّ من ورائكم الأعور الأدبر جهنّم الدّنيا لا تبقى و لا تذر، و من بعده النهّاس«» الفراس الجموع المنوع.

ثمّ ليتوارثنكم من بني اميّة عدّة ما لآخر بأرأف بكم من الأوّل ما خلا رجلا واحدا«»، بلاء قضاه اللّه على هذه الامة لا محالة كاين، يقتلون أخياركم، و يستعبدون أراذلكم، و يستخرجون كنوزكم و ذخايركم من جوف حجالكم نقمة بما ضيّعتم من اموركم، و صلاح انفسكم و دينكم.

يا اهل الكوفة اخبركم بما يكون قبل ان يكون لتكونوا منه على حذر، و لتنذروا به من اتّعظ و اعتبر، كأنّى بكم تقولون: إنّ عليّا يكذب كما قالت قريش لنبيّها و سيّدها نبيّ الرّحمة محمّد بن عبد اللّه حبيب اللّه.

فيا ويلكم فعلى من اكذب أعلى اللّه فأنا أوّل من عبد اللّه و وحّده، أم على‏ رسول اللّه فأنا أوّل من آمن به و صدّقه و نصره، كلّا و لكنّها لهجة«» خدعة كنتم عنها أغنياء.

و الذى فلق الحبّة و برء النّسمة لتعلمنّ نبأها بعد حين، و ذلك إذا صيّرها، اليكم جهلكم لا ينفعكم عندها علمكم، فقبحا لكم يا أشباح الرّجال و لا رجال و حلوم الأطفال و عقول ربّات الحجال، أما و اللّه أيّها الشّاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهوائهم، ما أعزّ اللّه نصر من دعاكم، و لا استراح قلب من قاساكم، و لا قرّت عين من أراكم، كلامكم يوهن الصمّ الصّلاب، و فعلكم يطمع فيكم عدوّكم المرتاب.

يا ويحكم أىّ دار بعد داركم تمنعون، و مع أىّ إمام بعدي تقاتلون، المغرور و اللّه من غرر تموه، و من فاز بكم فاز بالسّهم الأخيب، أصبحت لا أطمع في نصرتكم و لا اصدّق قولكم، فرّق اللّه بيني و بينكم، و أعقبني ربّكم من هو خير لي منكم، و أعقبكم من هو شرّ لكم منّي.

إمامكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه، و إمام أهل الشّام يعصى اللّه و هم يطيعونه، و اللّه لوددت إنّ معاوية صارفنى بكم صرف الدّينار بالدّرهم فأخذ منّي عشرة منكم و أعطانى واحدا منهم، و اللّه لوددت انّى لم أعرفكم و لم تعرفونى، فانّه معرفة جرّت ندما، لقد وريتم«» صدرى غيظا و أفسدتم علىّ أمرى بالخذلان و العصيان، حتى لقد قالت قريش إنّ عليّا رجل شجاع لكن لا علم له بالحرب.

للّه درّهم هل كان فيهم أطول لها مراسا منّى، و أشدّ لها مقاساة، لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ثمّ ها أنا ذا قد ذرفت على السّتين و لكن لا أمرلمن لا يطاع.

أما و اللّه لوددت أنّ ربى أخرجنى من بين أظهركم إلى رضوانه، فانّ المنية لترصدنى«» فما يمنع أشقاها أن يخضبها، و ترك يده على رأسه و لحيته، عهدا عهده إلىّ النّبيّ الاميّ، و قد خاب من افترى، و نجى من اتّقى و صدّق بالحسنى.

يا اهل الكوفة دعوتكم إلى جهاد هؤلاء القوم ليلا و نهارا و سرّا و إعلانا و قلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم فانّه ما غزى قوم في عقر دارهم إلّا ذلّوا، فتواكلتم و تخاذلتم و ثقل عليكم قولى، و استصعب عليكم أمرى و اتّخذتموه ورائكم ظهرّيا، حتّى شنّت عليكم الغارات، و ظهرت فيكم الفواحش و المنكرات، تمسيكم«» و تصبحكم كما فعل بأهل المثلات من قبلكم حيث أخير اللّه عن الجبابرة العتاة الطغاة و المستضعفين الغواة في قوله تعالى: «يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» أما و الذى فلق الحبّة و برء النّسمة لقد حلّ بكم الذى توعدون، عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم انتفع بكم و أعطيتكم بالدّرة فلم تستقيموا لى، و عاقبتكم بالسّوط الذى يقام به الحدود فلم ترعووا، و لقد علمت أنّ الذى يصلحكم هو السّيف، و ما كنت متحرّيا صلاحكم بفساد نفسى، و لكن سيسلّط عليكم سلطان صعب لا يوقّر كبيركم، و لا يرحم صغيركم، و لا يكرم عالمكم، و لا يقسم الفي‏ء بالسّوية بينكم، و ليضربنكم و ليذلّنكم و ليجهزنكم في المغازي و يقطعنّ سبلكم‏ و ليحجبنّكم«» على بابه حتّى يأكل قويّكم ضعيفكم ثمّ لا يبعد اللّه إلّا من ظلم و لقلّ ما أدبر شي‏ء فأقبل و انّى لأظنكم على فترة و ما علىّ إلّا النّصح لكم.

يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث و اثنتين صمّ و ذو أسماع، و بكم و ذو ألسن و عمى و ذو أبصار لا إخوان صدق عند اللّقاء و لا إخوان ثقة عند البلاء.

اللّهمّ قد مللتهم و ملّونى، و سئمتهم و سئموني، اللّهمّ لا ترض عنهم أميرا، و لا ترضيهم عن أمير، و أمث قلوبهم كما يماث الملح في الماء، أما و اللّه لو أجد بدّا من كلامكم و مراسلتكم ما فعلت، و لقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة كلّ ذلك ترجعون بالهزو من القول، فرارا من الحقّ، و الحادا إلى الباطل الذى لا يغر اللّه بأهله الدّين.

و إنّى لأعلم بكم أنكم لا تزيدوننى غير تخسير كلّما أمرتكم بجهاد عدوّكم اثّاقلتم إلى الأرض، و سألتموني التّأخير دفاع ذي الدّين المطول، إن قلت لكم في القيظ: سيروا، قلتم: الحرّ شديد، و إن قلت لكم في البرد: سيروا، قلتم: القرّ شديد، كلّ ذلك فرارا عن الحرب، إذا كنتم من الحرّ و البرد تعجزون فأنتم من حرارة السّيف أعجز و أعجز، فانا للّه و إنا إليه راجعون.

يا أهل الكوفة قد أتانى الصّريح«» يخبر في أنّ ابن غامد قد نزل بالأنبار على اهلها ليلا في أربعة آلاف، فأغار عليهم كما يغار على الرّوم و الخزر«» فقتل بها عاملى ابن حسان و قتل معه رجالا صالحين ذوى فضل و عبادة و نجدة، بوّء اللّه لهم جنات النعيم و أنّه أباحها.

و لقد بلغنى أنّ العصبة«» من أهل الشّام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة،و الاخرى المعاهدة فيهتكون سترها، و يأخذون القناع من رأسها، و الخرص من اذنها، و الأوضاح«» من يديها و رجليها و عضديها، و الخلخال و الميزر عن سوقها، فما تمتنع ألّا بالاسترجاع و النّداء يا للمسلمين فلا يغيثها مغيث، و لا ينصرها ناصر فلو أنّ مؤمنا مات من دون هذا ما كان عندى ملوما بل كان عندى بارّا محسنا.

و اعجبا كلّ العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم و فشلكم عن حقكم قد صرتم غرضا يرمى و لا ترمون، و تغزون و لا تغزون، و يعصى اللّه و ترضون فترتب أيديكم، يا أشباه الابل غاب عنها رعاتها، كلّما اجتمعت من جانب تفرّقت من جانب.

الترجمة

از جمله خطب آن حضرتست كه توبيخ مى‏فرمايد در آن اصحاب خود را بسوء افعال و اعمال از جهت تسامح ايشان در جدال و قتال باين نحو كه مى‏ فرمايد.

اى مردمانى كه مجتمع است بدن‏هاى ايشان و مختلفست خواهشات ايشان قولهاى شما ضعيف مى ‏نمايد سنگهاى سخت را، و فعلهاى شما بطمع مى ‏اندازد در شما دشمنان را مى ‏گوئيد در مجلسها چنين و چنان پس چون مى ‏آيد وقت محاربه و مجادله مى‏ گوئيد: حيدى حياد يعنى برگرد اى داهيه«» عزيز نشد دعوت آن كسى كه دعوت نمود شما را، و راحت نگرديد قلب آن كسى كه كشيد رنج شما را، زمانى كه دعوت كنم شما را بجهاد عذر مى ‏آوريد و آن عذرهاى شما عذرهائيست با گمراهيها، و مدافعه شما محاربه را از خودتان مثل مدافعه كردن صاحب دين بسيار مماطله كننده است غريم خود را.

منع نمى ‏نمايد مرد ذليل ظلم را از خود و ادراك نمى‏ شود حق مگر بجهد و كوشش، از كدام خانه بعد از خانه خودتان كه دار اسلامست مانع مى‏ شويد، و با كدام امام بعد از من مقاتله مى‏ كنيد، فريب داده شده بخدا سوگند آن كس است كه شما فريب داديد او را و كسى كه فايز شود بشما فايز مى‏ شود بسهمى كه نوميدتر باشد از سهم هاى قمار و كسى كه تير اندازد با شما بدشمنان پس بتحقيق كه تير انداخته به تير شكسته بى پيكان.

قسم بخداوند كه گرديدم بمرتبه كه باور ندارم گفتار شما را، و طمع ندارم در يارى دادن شما، و نمى‏ترسانم دشمن را با شما، چيست حال شما چيست دواى شما علاج ناخوشى شما، گروهى كه طرف مقابل شمايند مردانند مانند شما، آيا مى‏گوئيد گفتار بى اعتقاد، و غفلت مى‏ورزيد بدون ورع، و طمع تفضيل داريد بدون استحقاق.

 

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.