خطبه 2 صبحی صالح
2- و من خطبة له ( عليه السلام ) بعد انصرافه من صفين و فيها حال الناس قبل البعثة و صفة آل النبي ثم صفة قوم آخرين
أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَ اسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِهِ وَ اسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ
وَ أَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ
إِنَّهُ لَا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَ لَا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ وَ لَا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ
فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَ أَفْضَلُ مَا خُزِنَ
وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلَاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا وَ نَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا
فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الْإِيمَانِ وَ فَاتِحَةُ الْإِحْسَانِ وَ مَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ وَ مَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَ الْعَلَمِ الْمَأْثُورِ وَ الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ وَ النُّورِ السَّاطِعِ وَ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ وَ الْأَمْرِ الصَّادِعِ
إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ وَ احْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ وَ تَحْذِيراً بِالْآيَاتِ وَ تَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ
وَ النَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ وَ تَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ وَ اخْتَلَفَ النَّجْرُ وَ تَشَتَّتَ الْأَمْرُ وَ ضَاقَ الْمَخْرَجُ وَ عَمِيَ الْمَصْدَرُ
فَالْهُدَى خَامِلٌ وَ الْعَمَى شَامِلٌ
عُصِيَ الرَّحْمَنُ وَ نُصِرَ الشَّيْطَانُ وَ خُذِلَ الْإِيمَانُ فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَ تَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ وَ دَرَسَتْ
سُبُلُهُ وَ عَفَتْ شُرُكُهُ
أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ
بِهِمْ سَارَتْ أَعْلَامُهُ وَ قَامَ لِوَاؤُهُ
فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَ وَطِئَتْهُمْ بِأَظْلَافِهَا وَ قَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا
فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ فِي خَيْرِ دَارٍ وَ شَرِّ جِيرَانٍ
نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَ كُحْلُهُمْ دُمُوعٌ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَ جَاهِلُهَا مُكْرَمٌ
و منها يعني آل النبي عليه الصلاة و السلام
هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَ لَجَأُ أَمْرِهِ وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ وَ جِبَالُ دِينِهِ
بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ
وَ مِنْهَا يَعْنِي قَوْماً آخَرِينَ
زَرَعُوا الْفُجُورَ وَ سَقَوْهُ الْغُرُورَ وَ حَصَدُوا الثُّبُورَ
لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ( صلىاللهعليهوآله )مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً
هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ
إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي
وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ
الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج2
2-و من خطبة له عليه السلام و هى الثانية من المختار فى باب الخطب خطب بها بعد انصرافه من صفين
و نشرحها فى ضمن فصول
الفصل الاول
أحمده استتماما لنعمته، و استسلاما لعزّته، و استعصاما من معصيته، و أستعينه فاقة إلى كفايته، إنّه لا يضلّ من هداه، و لا يئل من عاداه، و لا يفتقر من كفاه، فإنّه أرجح ما وزن، و أفضل ما خزن.
اللغة
(صفين) بكسر الصّاد و تشديد الفاء كسجّين اسم موضع قرب الرّقه بشاطيء الفرات من الجانب الغربي كانت به الوقعة العظمى بين عليّ عليه السّلام و معاوية لعنه اللّه و وزنه إمّا فعّيل كظلّيم و ضلّيل فالنّون أصليّة و يدلّ عليه ضبط الجوهري و الفيروز آبادي له في باب النّون، و هو الأشهر، و إمّا فعلين بزيادة الياء و النّون كغسلين و يدلّ عليه ضبط الفيومي كبعض اللّغويّين له في باب الصّاد مع الفاء، قال في المصباح و هو فعلين من الصّف، أو فعّيل من الصّفون، فالنّون أصليّة على الثّاني.
أقول: على تقدير كونه مأخوذا من الصّف بكسر الصّاد فاصله الصفّ بفتحها و زيادة الياء و النّون للمبالغة، كما أنّ غسلين من الغسل و هو ما يغتسل به كالماء و الصّابون و الخطمي، فزيدت الياء و النّون مبالغة و استعمل فيما يسيل من جلود أهل النّار قال سبحانه: «وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ» و تسميته على هذا التّقدير يحتمل أن يكون لكثرة الصّفوف في الوقعة الواقعة فيه،و على تقدير كونه مأخوذا من الصّفون فهو من صفن الفرس صفونا قام على ثلاث قوائم و طرف حافر الرّابعة، و صفن الرّجل إذا صفّ قدميه، و صفن به الأرض ضربه و على كلّ التّقدير فاللّازم أن يكون التّسمية به متأخّرة عن وقوع الوقعة نظير ما قالوه في إطلاق المسلخ على الميقات المعروف الذي هو أوّل وادي العقيق من أنّه لاجل سلخ الثياب و نزع اللّباس فيه فيكون التّسمية متأخرة عن كونه ميقاتا و (الاستسلام) الانقياد و الخضوع و (العزّة) من عزّه يعزّه عزّا من باب ضرب إذا غلبه و الاسم العزة و هي القوّة و الغلبة، و العزيز من أسمائه سبحانه هو الغالب الذي لا يغلب و (الفاقة) الفقر و الحاجة و (الكفاية) مصدر يقال: كفى الشيء يكفى كفاية إذا حصل به الاستغناء عن غيره قال تعالى: «كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ» اى أغناهم عنه و وئل (يئل) من باب ضرب وئلا و وؤولا إذا طلب النّجاة فنجى، و الموئل الملجاء و المنجى.
الاعراب
قال الشّارح المعتزلي: صفّين اسم غير منصرف للتّأنيث و التّعريف و استدل بقول الشّاعر:
انّي ادين بما دان الوصيّ به
يوم الخريبة«» من قتل المحلّينا
و بالذي دان يوم النّهر دنت به
و شاركت كفّه كفّي بصفّينا
تلك الدّماء معا يا ربّ في عنقي
ثمّ اسقني مثلها آمين آمينا
أقول: أمّا التّعريف فيه فمسلم، و أمّا التّأنيث فغير لازم إذ كما يجوز تفسيره بالأرض و البقعة كذلك يجوز تفسيره بالمكان و الموضع و الشّعر لا دلالة فيه على ما رامه، لأنّ دلالته إنّما يتمّ لو كان أصليّة النّون فيه مسلمة لظهور كون محلّ الاعراب فيه حينئذ هو آخر الكلمة، و أمّا على تقدير كونها زايدة كما اختاره الفيومي في المصباح حسبما اشير إليه فالنّون مفتوحة دائما، و يظهر أثر الاعراب حينئذ فيما قبل النّون، فيقال: صفّين و صفون نظير عالمين و أرضين، و قد صرّح بما ذكرناه أخيرا في الاوقيانوس أيضا فافهم جيّدا.
و استتماما و استسلاما و استعصاما منصوبات على أنّها مفاعيل لفاعل الفعل المعلل بها و هو أحمد و انتصاب فاقة على ذلك أيضا و الضّمير في قوله عليه السّلام: فانّه أرجح ما وزن إمّا راجع الى الحمد المستفاد من قوله: أحمد، أو راجع إلى اللّه سبحانه و ستعرف تحقيقه.
المعنى
(أحمده استتماما لنعمته) أى طلبا لتمام النّعمة و في إفرادها إشارة إلى انّ نعمه سبحانه غير متناهية و فيوضاته تعالى غير منتهية من الكمّ و الكيفيّة، فهى أعظم من أن تتمّ في حقّ عبد فيكون طلب تمامها حينئذ عبثا و إنّما يتفضل منها على العباد بحسب استعدادهم و قابليّتهم (و استسلاما لعزّته) أى انقيادا لقهره و غلبته و خضوعا لجلاله و عظمته (و استعصاما من معصيته) أى طلبا للعصمة من معصيته الحاصلة بكفران النّعمة.
و لا يخفى ما في كلامه من النكتة اللطيفة حيث إنّه علّل الحمد أولا بطلب تمام نعمة اللّه سبحانه إشارة إلى أنّ العلة الدّاعية إلى الحمد هو طلب تمام النّعمة من حيث إنّ الحمد يوجب تمامها و كمالها بمقتضى الوعد الذي ورد في كلامه تعالى«» من قوله:
«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» ثمّ علّله بعلّة ثانية منشعبة من العلّة الاولى من حيث إنّ طلب تمام نعمته موقوف على معرفته سبحانه من حيث إنّه منعم و معرفة النّعمة من حيث إنّها نعمة و لا تتمّ تلك المعرفة إلّا بأن تعرف أنّ النّعم كلها جليّها و خفيّها منه سبحانه و أنّه المنعم الحقيقي، و الأوساط كلها منقادة لحكمه و مسخرة لأمره، و ثمرة تلك المعرفة هي الخضوع و الاستسلام و التذلل لعزّته و قدرته.
و أمّا العلّة الثّالثة ففيها إشارة إلى أنّ بالحمد يحصل العصمة من المعصية إذ في تركه كفران النّعمة و قد أوعد عليه سبحانه: «وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ» هذا و غير خفيّ على الفطن الدّقيق أنّ ما ذكرناه في شرح كلامه عليه السّلام أولى ممّا صنعه الشّارح البحراني من جعل الاستتمام و الاستسلام و الاستعصام غايات للحمد«» مترتبة عليه، لظهور أنّ طلب التّمام ليس من غايات الحمد، بل هو علّة باعثة له و إنّما غايته و فايدته المترتبة عليه هو التّمام و الزّيادة، و هكذا الكلام في الاستسلام و الاستعصام، و بالجملة المفاعيل الثلاثة في كلامه عليه السّلام على حدّ قولهم، قعدت عن الحرب جبنا، لا على نحو قولهم: جئتك زيارة لك، فافهم جيّدا.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بالحمد في كلامه عليه السّلام هو الشكر، و في قوله: استتماما لنعمته تلويح لذلك، لأنّ الثّناء على المنعم من حيث النّعمة و من حيث تمامها و زيادتها هو الشكر، و في قوله سبحانه: لئن شكرتم اه إشارة إلى ذلك.
قال المحقّق النّصير الطوسي (ره) في محكي كلامه: اعلم أنّ الشّكر مقابلة النّعمة بالقول و الفعل و النيّة و له أركان ثلاثة.
الأوّل معرفة المنعم و صفاته اللّايقة به و معرفة النّعمة، من حيث إنها نعمة و لا تتمّ تلك المعرفة إلّا بأن تعرف أنّ النعم كلها جليها و خفيّها من اللّه سبحانه، و أنّه المنعم الحقيقي و أنّ الأوساط كلها منقادة لحكمه مسخرة لأمره.
الثّاني الحالة التي هي ثمرة تلك المعرفة و هي الخضوع و التّواضع و السرور بالنعم لا من حيث إنّها موافقة لغرض النّفس، فانّ في ذلك متابعة لهواها و قصر الهمة على رضاها، بل من حيث إنّها هدية دالة على عناية المنعم بك، و علامة ذلك أن لا تفرح من نعم الدّنيا إلّا بما يوجب القرب منه.
الثّالث العمل الذي هو ثمرة تلك الحال، فان تلك الحال إذا حصلت في القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه تعالى، و هذا العمل يتعلق بالقلب و اللسان و الجوارح.
أمّا القلب فالقصد إلى تعظيم المنعم و تمجيده و تحميده و التفكر في صنايعه و أفعاله و آثار لطفه و العزم على ايصال الخير و الاحسان إلى عامة الخلق.
و أمّا عمل اللسان فاظهار ما قصدته و نويته من التمجيد و التّعظيم بتهليله و تحميده و تسبيحه و الثّناء عليه و إرشاد الخلق بالأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر إلى غير ذلك.
و أمّا عمل الجوارح فاستعمال نعمه الظاهرة و الباطنة في طاعته و عبادته و عدم استعمالها في معصيته و مخالفة أمره كأعمال العين في النّظر إلى عجيب مصنوعاته و آياته، و النظر في كتابه، و استعمال السّمع في استماع دلايله و براهينه و الانصات لقرائة كتابه، و قس على ذلك ساير الجوارح، و من هنا ظهر أنّ الشكر أشرف معارج السّالكين و أعلى مدارج العارفين، و لا يبلغ حقيقته إلّا من ترك الدّنيا وراء ظهره، و هم قليلون و لذلك قال عزّ من قائل: و قليل من عبادي الشكور. انتهى كلامه قده (و أستعينه فاقة إلى كفايته) الكلام في هذه الفقرة كالكلام في سابقتها إذ الفاقة إلى كفايته سبحانه علة داعية إلى الاستعانة، و معناها طلب الاعانة منه تعالى للحاجة إلى غناه و استغناء به عن غيره سبحانه كما قال تعالى: «أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ».
و ذلك من جهة أنّ أزمّة الأمور كلّها بيده جلّ شانه، فلا يقع شيء منها إلّا بايجاده و إذنه و كلّ من سواه مفتقر إليه، و من ذلك صحّ الاستغناء به عن غيره في جميع الامور و كلّ الأحوال، و استحال الاستغناء عنه في شيء منها قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» و المراد بغناه هو الغنى المطلق الذي هو سلب مطلق الحاجة، لا الغنى بالمعنى المعروف كما أنّ المراد بالفقر مطلق الحاجة إذ حقيقة الغنى هو استقلال الشيء بذاته في كلّ ما له من غير تعلق له بالغير أصلا، و هو بهذا المعنى لا يكون إلّا للّه، و حقيقة الفاقة و الفقر عدم استقلال الشّيء بذاته و تعلّقه بالغير و لو في شيء ماء و هو بهذا المعنى صفة لكلّ ممكن، فثبت أنّه تعالى غني عن خلقه من كلّ الوجوه و تحقّق فقرهم إليه من كلّ وجه، لما تقرّر من أنّ فقيرا بالذّات من وجه ما فهو فقير بالذّات من جميع الوجوه (إنّه لا يضلّ من هداه و لا يئل من عاداه) تعليل لطلبه المعونة على تحصيل الكفاية فكأنّه قال: و استعينه على أن يرزقني الكفاية المستلزمة للهداية التي هي الغنى الحقيقي و الملك الأبدي، فانّه لا يضلّ من هداه و لا يطلب النّجاة من عذابه من عاداه، لعدم وجود منجي و موئل غيره حتّى يلتجأ منه إليه، إذ كلّ من سواه مقهور تحت قدرته و مضمحل في جنب ذاته، لا رادّ لحكمه و لا دافع لقضائه، فكيف يمكن الفرار من حكومته أو يلتجأ إلى من سواه، و المراد بمعاداته سبحانه للعبد إعراضه عنه و إضلاله له فيكون كلامه عليه السّلام في قوّة أن يقال: إنّه لا يضلّ من هداه و لا يهتدى من أضله، تصديقا لقوله سبحانه: «وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَ لَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ» و لقوله: «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً» (و لا يفتقر من كفاه) إذ بيده سبحانه خزائن الأرض و السّماوات و عنده نيل الطلبات و له القدرة التّامة التي لا يعجزها شيء و الجود الذي لا يعتريه بخل و الغنى الذي ليس معه فقر، فاذا كان كافيا لعبده حصل له الاستغناء عمّن سواه و انقطعت حاجته عمّن عداه (فانّه أرجع ما وزن و أفضل ما خزن) الضّمير يحتمل رجوعه إلى الحمد المدلول عليه بقوله أحمده من قبيل: «اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى».
فيكون المراد به أنّه أرجح ما وزن بميزان الأعمال، و أفضل ما خزن و ادّخر ليوم الجزاء، و ذلك لعظم فوائده و كثرة ثمراته حسبما ستعرفه بعيد ذلك، و يحتمل أن يرجع إلى اللّه سبحانه فيكون المعنى أنّه أرجح ما وزن بميزان العقول و أفضل ما خزن في خزانة القلوب، و هذا أقرب لفظا جريا على سياق الضّماير السّابقة، و الأوّل أقرب معنى للحاجة إلى التّأويل على الثّاني إذ الوزن و الخزن من صفات الأجسام، و ذاته تعالى مقدسة عن ذلك، فلا بدّ أن يجعل المراد رجحان عرفانه في ميزان العقل إذ لا يوازن عرفانه عرفان ما عداه، بل لا يخطر ببال العارف عند الاخلاص سواه حتّى يصدق هناك موازنته يقال فيها أرجح و قد مرّ تحقيقه في الفصل الرّابع من فصول الخطبة الاولى عند شرح قوله عليه السّلام: و كمال الاخلاص له نفى الصّفات عنه، فتذكر.
تنبيه و تحقيق
اعلم أنّه قد تطابق النّقل و العقل على وجوب شكر المنعم و حسنه و قبح كفران نعمه سبحانه.
أمّا النّقل فمن الكتاب قوله تعالى في سورة ابراهيم عليه السّلام: «وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ» و في سورة النّمل «وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ».
الى غير هذه من الآيات الكثيرة.
و من السّنة أخبار كثيرة، مثل ما رواه عبد اللّه بن اسحاق الجعفري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال مكتوب في التّوراة اشكر من أنعم عليك و انعم من شكرك فانه لا زوال للنعماء إذا شكرت، و لا بقاء لها إذا كفرت، الشكر زيادة في النعم و أمان من الغير.
و ما رواه معاوية بن وهب عنه عليه السّلام قال: من اعطى الشكر اعطى الزّيادة يقول اللّه عزّ و جلّ: لئن شكرتم لازيدنكم و روى عبد اللّه بن الوليد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ثلاث لا يضرّ معهنّ شيء: الدّعاء عند الكرب و الاستغفار عند الذّنب و الشكر عند النعمة.
و روى معمر بن خلّاد عن أبي الحسن صلوات اللّه عليه قال: سمعته يقول: من حمد اللّه على النعمة فقد شكره و كان الحمد أفضل من تلك النعمة.
و روى سفيان بن عيينة عن عمّار الدّهني قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: إنّ اللّه يحب كلّ قلب حزين و يحب كلّ عبد شكور، و يقول اللّه تعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أ شكرت فلانا فيقول: بل شكرتك يا ربّ فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره، ثمّ قال: أشكركم للّه أشكركم للنّاس إلى غير هذه من الأخبار المتظافرة المستفيضة و قد عقد في الكافي بابا في الشكر و أخرجت هذه الأخبار منه من أراد زيادة البصيرة فليرجع إليه.
و أمّا العقل فهو مستقلّ في وجوب الشكر و حاكم بحسنه، و اتّفق على ذلك الاماميّة و المعتزلة، و خالف فيه الأشاعرة بعد تنزّلهم عن أصلهم الذي أسّسوه في مسألة الحسن و القبح، و ذهبوا إلى عدم حكم للعقل بوجوب شكر المنعم على تقدير تسليم حكمه مطلقا و إدراكه الحسن و القبح في الجملة و المسألة معنونة في الأصول، و أدلة الطرفين مفصّلة فيها.
و عمدة ما تمسّك به المخالف دليلان، أحدهما نقليّ و الآخر عقليّ أمّا النّقلي فهو قوله تعالى: «وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا».
وجه الاستدلال أنّ وجوب شيء عبارة عن ترتب العقاب على مخالفته، و حيث انتفى العقاب قبل الشّرع بحكم الآية انتفى الوجوب.
و أجيب عنه أوّلا بالتّخصيص بالمستقلّات العقليّة فيختصّ حكم الآية بغير المستقلّات و يكون المراد، و ما كنّا معذّبين في الأعمال التي لا سبيل إلى معرفتها إلّا بالشّرع إلّا بعد مجيء الشّرع، و التّخصيص و إن كان خلاف الظاهر إلّا أنّه يجب ارتكابه عند قيام الدّليل عليه، و قد قام الدّليل على حكم العقل في الجملة حسبما تعرفه.«» و ثانيا بجعل الرّسول أعمّ من الظاهر و الباطن، أمّا الظاهر فهو الأنبياء، و أما الباطن فهو العقل بل هو الرّسول الذي لولاه لما تقرّر رسالة أحد من الأنبياء و لزم إفحامهم، و ذلك لأنّه إذا جاء المشّرع و ادّعى كونه نبيّا من عند اللّه تعالى و أظهر المعجزة على طبق دعواه، فامّا أن يجب على المستمع استماع قوله و النّظر إلى معجزته أولا، و على الثّاني فقد بطل القول بالنبوة و لزم الافحام، و على الأوّل فامّا أن يكون وجوبه بالعقل أو بالشّرع، فان وجب بالعقل فقد ثبت المدّعى و هو كون العقل حاكما، و إن وجب بالشّرع فهو باطل لأنّ الشّرع إمّا أن يكون هو ذلك المدّعي أو غيره، و الأوّل باطل، لانّه يرجع حاصل الكلام إلى أن ذلك المدّعي يقول: الدّليل على وجوب قبول قولي هو قولي إنّه يحب قبول قولي و هذا إثبات للشيء بنفسه و بعبارة اخرى وجوب النّظر إلى معجزته و استماع قوله يتوقف على حجية قوله مع أنّ حجّيته موقوفة على النّظر، و الثّاني أيضا باطل، لأنّ الكلام فيه كالكلام في الأوّل، و لزم إمّا الدّورأ و التسلسل، و هما محالان.
و ثالثا أنّ نفى التعذيب لا يلازم عدم الوجوب إذ الواجب ما يستحقّ فاعله العقاب لا ما يترتّب عليه العقاب فعلا، لجواز سقوطه بعفو أو شفاعة، و ربّما اورد عليه بأنّ العفو عن ترك جميع الواجبات و فعل المحرّمات إلى زمان البعث و كون الآية إخبارا عن ذلك مستلزم لالغاء الايجاب و التّحريم، إذ المقصود منهما فعل الواجب و ترك الحرام و هما لا يتحصلان في حقّ عموم المكلفين إلّا المخلصين إلّا بالخوف عن العقاب، فاذا انتفى الخوف بسبب الاخبار عن العفو و حصل الاطمينان للنّفس بعدم التعذيب، لا يتحصّل الغرض من التكليف فيكون التكليف لغوا و عبثا.
و رابعا بمنع عدم تحقّق الوجوب بدون العقاب، فانّه يكفي فيه استحقاق المدح بفعله و الذم بتركه، و نلتزم في حسن العقاب على الواجبات بوجوب اللطف و تأكيد العقل بالنّقل فمع عدم وجود النقل لا يجوز العقاب و إن حسن الذّمّ، و هو يكفي في تحقق الوجوب و كيف كان فقد تحصّل ممّا ذكرناه عدم نهوض الآية للدّلالة على نفى حكومة العقل مطلقا و في وجوب شكر المنعم بخصوصه كما ظهر ثبوت حكومته أيضا في الجملة ممّا ذكرناه في الجواب الثّاني.
و أمّا العقلي فتقريره ما ذكره الحاجبى في المختصر، قال: شكر المنعم ليس بواجب عقلا، لأنّه لو وجب لوجب لفائدة و إلّا لكان عبثا و هو قبيح لا فايدة للّه تعالى: لتعاليه عنها، و لا للعبد في الدّنيا لأنّه مشقة و لا حظّ للنّفس فيه، و لا في الآخرة إذ لا محلّ للعقل في ذلك.
و توضيحه ما ذكره العضدي في شرحه حيث قال: لنا لو وجب لوجب لفائدة و اللّازم باطل، أمّا الاولى فلأنّه لو لا الفايدة لكان عبثا و هو قبيح فلا يجب عقلا إذ كان ايجابه عبثا و هو قبيح فلا يجوز على اللّه، و أمّا الثّانية فلأنّ الفايدة إمّا للّه و إمّا للعبد و الثّاني، إمّا في الدّنيا و إمّا في الآخرة، و الثلاث منتفية، أمّا للّه فلتعاليه عن الفايدة، و أمّا للعبد في الدّنيا فلأنّ منه«» فعل الواجبات و ترك المحرّمات العقليّة و أنّه مشقّة و تعب ناجز و لا حظ للنّفس فيه، و هو كذلك لا يكون له فايدة دنيوية، و أمّا للعبد في الآخرة فلأنّ أمور الآخرة من الغيب الذي لا مجال للعقل فيه.
و الجواب أولا بمنع كون وجوبه لفائدة، لجواز كون وجوبه لنفسه لا لشيء آخر، فانّه لا يلزم ثبوت الغايات لكلّ شيء و إلّا لزم التسلسل، بل لا بدّ و أن ينتهى إلى ما يكون واجبا لذاته و لا غاية له سوى ذاته كما أنّ دفع الضّرر واجب لذاته لا لغاية أخرى، و لهذا يعلّل العقلا، وجوبه بكونه شكر اللنّعمة لا لشيء آخر، و إن لم يعلموا شيئا آخر من جهات الوجوب.
و ثانيا سلّمنا أنّ الوجوب لا يكون إلّا لفائدة، إلّا أنّا نمنع انتفاء الفائدة الدّنيوية للعبد لأنّ أداء الشكر و إن كان فيه ضرر عاجل و تعب ناجز إلّا أنّ دفع الخوف من النّفس الحاصل في العاجل بسبب تجويز الضّرر الآجل بتركه أمر مطلوب و هو راجح على ضرر الشكر العاجل و هو كاف في الوجوب.
و ثالثا سلمنا انتفاء الفائدة الدّنيوية إلّا أنّا نمنع انتفاء الفائدة الاخروية و هو النّجاة من العقاب المترتب على عدم الشكر.
لا يقال إن أردت بالعقاب المترتب على عدم الشكر العقاب القطعي فممنوع، لأنّ القطع بثبوته عند عدمه إنّما يحصل لو كان الشكر يسرّ المشكور و الكفر يسوئه، أمّا المنزّه عن ذلك فلا، و إن أردت العقاب المحتمل فلا ينفع لأنّ احتمال العقاب كما هو موجود عند الكفر كذلك موجود عند الشكر أيضا أمّا أوّلا فلأنّه تصرّف في ملك الغير بدون إذن المالك، فانّ ما يتصرّف فيه العبد من نفسه و غيرها ملك للّه تعالى، و أمّا ثانيا فلأنّه كالاستهزاء.
بيان ذلك أنا لو فرضنا سلطانا عظيما و ملكا كريما بسط لأهل مملكته من الخاص و العام بساط مائدة عظيمة لا مقطوعة و لا ممنوعة على توالى الأيام و تواتر السّنين و الأعوام، مشتملة على أنواع المأكولات و المطاعم و أقسام المشروبات و الفواكه، يجلس عليها الدّاني و القاصي و يأكل منها المطيع و العاصي، و فرضنا أنّه حضر فيها فقير لم يحضرها قبل الآن، و دفع إليه الملك من تلك المائدة لقمة خبز لا غير، فتناولها الفقير، ثمّ شرع في الثّناء و المدح على ذلك الملك الكبير، و جعل يمدحه بجليل الانعام و الاحسان، و يحمده على جزيل البرّ و الامتنان، و لم يزل يصف تلك اللّقمة و يذكرها و يعظم شأنها و يشكرها، فتارة يحرّك أنملته شاكرا، و أخرى يهن رأسه ذاكر«» لانتظم شكره ذلك عند العقلاء في سلك التهكّم و الاستهزاء، و لا ريب أنّ نعم اللّه سبحانه علينا بالنسبة الى عظيم سلطانه و عميم إحسانه أحقر من تلك اللّقمة بالنّسبة إلى ذلك بمراتب لا تحصى و درجات لا يحوم حولها الاستقصاء.
لانّا نقول: أوّلا إنّ العقاب المترتّب على الكفران قطعيّ، و قوله إنّ القطع بثبوته إنّما يتصور في حقّ من يسرّه الشكر و يسوئه الكفر ممنوع، لأنّ ترك الواجب علة في استحقاق العقاب بتركه، و ثانيا سلّمنا و لكن نمنع احتمال العقاب على الشكر، و ما علّله به أوّلا من أنّه تصرّف في ملك الغير من دون إذنه فضعيف بأنا نعلم قطعا أنّ الاشتغال بوظايف الخدمة و القيام بالشكر و المواظبة عليه أسلم من تركه و الاعراض عن الخدمة و التغافل عن الشكر كضعف ما علله به ثانيا من كونه كالاستهزاء.
و تمثيل النّعمة باللقمة باطل، فانّ نعم اللّه على العبد بالايجاد و الاحياء و الاقدار و ما منحه من العقل و السّلامة و الملاذ و النّعم أعظم من الدّنيا بأجمعها.
و المثال المطابق للممثل أنّه إذا كان مسكين مغفول، و فقير في زاوية الخمول أخرس اللسان، مؤف الأركان، أشل اليدين، أعرج الرّجلين، أعمى العينين، أصمّ الاذنين، عاجزا عن الحركات، مبتلى بالبليّات، فأخرجه الملك من تلك الزّاوية، و هذه الهاوية، و أكرمه بمعالجة أسقامه و مداواة أمراضه، فانطلق لسانه و سلم أركانه، و قدر على الحركات و السّكنات، و برء من الأسقام و الآفات، و اعطى السّمع و البصر، و ميّز بين النّفع و الضّرر، و قويت يداه و استقامت رجلاه، ثمّ أكرمه الملك بعد تمام العلاج و كمال المزاج، بمزيد الاحسان و الاكرام، و بذل له غاية المعروف و الانعام، فأعطاه المساكن و الملابس، و منحه المطاعم و المشارب، و أتمّ له العيش الرغيد و العمر السّعيد، فلو فرض أنّ هذا الشّخص بعد حصول هذا المنن الجسام، و تلك النّعم العظام في حقّه، أعرض عن شكر الملك و رغب عن ثنائه، و لم يظهر منه ما يدلّ على الاعتناء بنعمائه، و الالتفات بآلائه، بل كان حاله بعد حصولها كحاله قبل وصولها، لذمّه العقلاء و طعنه الألبّاء، كما يشهد به العقول السّلمية، و الطباع المستقيمة، و هذا المثال هو الأوفق بالتّمثيل، و اللّه الهادي إلى قصد السبيل و الحمد للّه على ما عرفنا من حمده، و ألهمنا من شكره
الترجمة
حمد سپاس مىكنم پروردگار را بجهت طلب تمامى نعمت او، و بجهت انقياد و فرمانبردارى عزت آن، و بجهت طلب عصمت و محفوظى از معصيت آن، و طلب يارى مىكنم از او بجهت فقر و حباجت بر غنا و كفايت آن بدرستى كه گمراه نمىشود هر كسى كه خداوند هدايت فرمود آن را، و نجات نمىيابد هر كسى كه عداوت فرمود با آن، و محتاج نمىگردد هر كسى كه كفايت فرمود آن را، پس بدرستى كه خداوند راجحترين چيزيست كه سنجيده مىشود با ميزان عقول كامله، و فاضل ترين چيزى است كه مخزون گردد در خزانه قلوب صافيه، يا اين كه حمد خداوند ارجح چيزى است كه موزون مىشود در ميزان اعمال، و أفضل چيزيست كه مذخور و مخزون مىباشد بجهت لقاء حضرت متعال.
الفصل الثاني
و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، شهادة ممتحنا إخلاصها، معتقدا مصاصها، نتمسّك بها أبدا ما أبقانا، و ندّخرها لأهاويل ما يلقانا، فإنّها عزيمة الإيمان، و فاتحة الإحسان، و مرضات الرّحمن، و مدحرة الشّيطان، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالدّين المشهور، و العلم المأثور، و الكتاب المسطور، و النّور السّاطع، و الضّياء اللّامع، و الأمر الصادع، إزاحة للشّبهات، و احتجاجا بالبيّنات، و تحذيرا بالآيات، و تخويفا للمثلات.
اللغة
(المصاص) بضمّ الميم و الصّادين المهملتين الخالص من كلّ شيء و في الحديث ليس لمصاص شيعتنا في دولة الباطل إلّا القوت و (الادّخار) افتعال من الدّخر و هو إعداد الشّيء و اختياره لوقت الحاجة، و ادّخر يدّخر أصله اذ تخر قلبت التّاء دالا مهملة و ادغمت، و قد يعكس فتصير ذالا معجمة، و هو الاقل و هذه قاعدة كلية في كلما اجتمع التّاء و الذّال في كلمة واحدة كادّكر و نحوه و (أهاويل) جمع أهوال و هو جمع هول كأقاويل و أقوال و قول، يقال: هالني الشّيء يهول هولا من باب قال أفزعنى و (العزيمة) العقيدة يقال: عزم على الشيء و عزمه عزما و عزما بالضم و عزيمة إذا عقد ضميره على فعله، و يحتمل أن يكون من العزم الذي هو الجدّ في الأمر يقال: عزم عزيمة و عزمة اجتهد و جدّ في أمره و منه قوله تعالى: «إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» أى معزومات الامور التي يجب أن يجدّ فيها، و أولوا العزم أولو الجدّ و الثبات و (المرضات) كالرّضا و الرّضوان مصدر من رضى عنه ضدّ سخط قال تعالى: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ».
(و المدحرة) اسم فاعل من ادحره أى أبعده و منه أدحر عنّي الشّيطان أى أبعده عني و (العلم) ما يهتدى به و (المأثور) المنقول يقال، آثرت الحديث أثرا نقلته و الأثر بفتحتين اسم منه، و حديث مأثور ينقله خلف عن سلف و (السّاطع) و (اللّامع) بمعنى واحد و (الصّادع) الظاهر أو الفاصل أو الحاكم بالحقّ قال الفيروز آبادي: قوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ» أى شقّ جماعتهم بالتّوحيد أو اجهر بالقرآن أو اظهر أو احكم بالحقّ و افصل بالأمر أو اقصد بما تؤمر أو افرق به بين الحقّ و الباطل و (الازاحة) الازالة يقال:
أزاح الشيء عن موضعه أزاله و نحّاه و (المثلات) بفتح الميم و ضمّ الثاء كالمثولات جمع المثلة بفتح الميم و ضمّ الثّاء هي العقوبة التي يعتبر بها، من مثل بفلان مثلا نكل، و مثّل تمثيلا بالتشديد للمبالغة، و من قال في الواحد مثلة بضمّ و سكون الثّاء قال في الجمع مثلات نحو غرفة و غرفات، و قيل: في جمعها مثلات كركبات بفتح الكاف قال في الكشاف في تفسير قوله تعالى: «وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ».
أى عقوبات أمثالهم من المكذّبين فمالهم لم يعتبروا بها، و المثلة العقوبة بوزن السمرة و المثلة لما بين العقاب و المعاقب عليه من المماثلة: «وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها».
يقال أمثلت الرّجل من صاحبه أقطعته عنه، و المثال القصاص، و قرء المثلات بضمّتين و المثلات جمع مثلة كركبة و ركبات انتهى.
الاعراب
كلمة لا في قوله: أشهد أن لا إله اه نافية للجنس، و يسمّى تبرية، و إله اسمها مبنيّ على الفتح، و اختلف في خبرها، فقيل: إنّه محذوف جريا على ما هو الغالب من حذف خبرها إذا كان معلوما، نحو لا فوت و لا ضير أى لا فوت لهم، و لا ضير علينا، و يلزمه أى حذف الخبر المعلوم التميميون و الطائيون.
و اختلف هؤلاء في المخذوف، فقيل إنّه موجود و يضعف بأنّه لا ينفى امكان إله معبود بالحقّ غيره تعالى، لأنّ الامكان أعمّ من الوجود، و قيل: ممكن و فيه أنّه لا يقتضي وجوده بالفعل، و قيل مستحقّ للعبادة، و فيه أنّه لا يدلّ على نفي التعدّد مطلقا و قال أبو حيان لنا أو في الوجود أو نحو ذلك، و يتوجّه عليه ما يتوجّه على ما تقدّمه، و قال الزّمخشري في جزء لطيف له على كلمة الشّهادة: هكذا قالوا: و الصّواب أنّه كلام تامّ و لا حذف و أنّ الأصل اللّه إله مبتدأ و خبر كما يقول: زيد منطلق، ثمّ جيء بأداة الحصر، و قدّم الخبر على الاسم و ركب مع لا كما ركب المبتدأ معها في لا رجل في الدّار، و يكون اللّه مبتدأ مؤخرا و إله خبرا مقدّما، و على هذا يخرج نظائره نحو لا سيف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا عليّ انتهى، و نسبه الشّهيد في الرّوضة إلى المحقّقين، و قال الموضح بعد نقله ذلك، قلت: و قد يرجّح قوله بأنّ فيه سلامة من دعوى الحذف، و دعوى إبدال ما لا يحلّ محلّ المبدل منه، و ذلك على قول الجمهور و من الاخبار عن النكرة بالمعرفة، و عن العام بالخاص و ذلك على قول من يجعل المرفوع خبرا انتهى.
أقول: انّ العقول بعد ما غرقت في تيار بحار معرفته سبحانه، و الافهام عجزت عن إدراك هوية حقيقته، و كذلك بعد ما تقاصرت الألبّاء و تحيرت الأدباء في تحقيق لفظة الجلالة الموضوعة لذاته المقدّسة الجامعة لصفاته الكماليّة و نعوته الجمالية، فلا غرو أن يختلفوا بهذا الاختلاف في هذه الكلمة الطيبة المباركة، و يعجزوا عن ادراك معناها و نيل مغزاها، كيف و المقصود بها توحيد من لا يناله غوص الفطن و لا يدركه بعد الهمم.
و الذي يخطر بالخاطر القاصر في هذا المقام أن يقال: إنّه لاخفاء في إفادتها التّوحيد و التّفريد.
أمّا عند العوام الذين أذهانهم خالصة عن الكدر، و غرايزهم صافية عن مزاج الشّبه، فلظهور أنّ هذه الكلمة لو عرضت عليهم لما فهموا منها و لا يتبادر إلى أذهانهم إلّا أنّه ليس إله سوى اللّه سبحانه من دون أن يخطر ببالهم أن يكون هناك إله ممكن غير موجود أو إله غير مستحق للعبوديّة، نظير أنّه لو قيل لهم: لا سيف إلّا ذو الفقار لا يفهمون منه إلّا انحصار السّيف فيه من دون أن يحتملوا أن يكون هناك سيف ممكن في دائرة العدم يصدق عليه أنّه سيف أيضا، و سرّ ذلك ما أشرنا إليه من صفاء خواطرهم عن التّشكيكات و الاحتمالات.
و أمّا عند من كان خاطره غير نقيّ عن الخطرات و البدوات و مألوفا بالبراهين الحكمية و الشكوكات العقليّة البدويّة، فلأنّ له أن يقدّر الخبر ممكن، و يجيب عن الاشكال الذي اورد عليه من أنّه لا يقتضي وجوده سبحانه بالفعل بأنّ هذه الكلمةكلمة توحيد، و المقصود بها ليس إثبات الوجود بل إثبات التّوحيد و نفى الشريك، و ذلك إنّما هو بعد الفراغ عن ثبوت وجوب وجوده بدليل آخر وراء هذه مسبوقة به، و يشهد به كلامه عليه السّلام في الخطبة الأولى: أوّل الدين معرفته و كمال معرفته التّصديق به، و كمال التصديق به توحيده، حيث جعل التّوحيد تاليا للتّصديق، و لازمه أن يكون التّوحيد بعد الفراغ عن التّصديق، و قد بيّنا هناك أنّ المراد بالتّصديق هو الاذعان بوجوب الوجود، بل أقول: إنّ لفظة الجلالة على ما اتفق الكلّ عليه من وضعها للذات المستجمعة لجميع الصّفات الكماليّة يكون مؤدّاها على ذلك الذّات بوصف الاستجماع، فيكون المعنى لا إله ممكن موجودا كان أو معدوما إلّا الذات المستجمعة، و من الواضح أنّ الاستجماع لصفات الكمال فرع وجود المتّصف بها بنفسه إذ لا يعقل أن يكون المعدوم متّصفا بأمر موجود فضلا عن كونه جامعا لجميع الصّفات الوجودية، نعم يبقى هنا شيء، و هو أنّ الاستثناء على هذا التّوجيه يشبه أن يكون منقطعا، إذا المستثنى منه هو الاله الممكن، و المستثنى هو اللّه الواجب و الانقطاع في الاستثناء و إن كان خلاف الأصل إلّا أنه لا ضير في المصير إليه بعد اقتضاء الدّاعى له هذا.
و يمكن أن يقدّر الخبر موجود، و يجاب عن الاشكال السّابق من أنّه لا ينفي إمكان إله غيره تعالى، بأنّ نفى الوجود يستلزم نفى الامكان إذ لو اتّصف فرد آخر بوجوب الوجود لوجد ضرورة، فاذا لم يوجد علم عدم اتّصافه به و ما لم يتّصف بوجوب الوجود لم يمكن أن يتصف به لاستحالة الانقلاب بالضرورة.
و هذا الجواب ذكره جمال الدين الخوانسارى في حواشي الرّوضة و ظاهره كما ترى يفيد أن المراد بالموجود الذي جعل خبرا هو الموجود بوجوب الوجود فيتوجه عليه حينئذ أنّه لا ينفى الاله الموجود بالوجود الامكاني و إن أراد الأعمّ من الموجود بالوجوب و الموجود بالامكان فيعود الاشكال بأنّه لا ينفي إمكان إله غيره و لا يتمشى الجواب بأنّ نفى الوجود يستلزم نفى الامكان إذ لا انقلاب على هذا التقدير حتى يستحيل كما هو واضح، فتأمل في هذا المقام جيّدا فانّه من مزالّ الأقدام.
و وحده منصوب على الحالية و لا يضرّ كونه معرفة لتأويله بالنكرة أى متوحدا فالصّورة و إن كانت معرفة فهي في التّقدير نكرة على نحو و أرسلها العراك، أى معتركة، و قال: بعض النحويين إنّه منصوب على المفعولية و الفعل محذوف و الجملة حال، أى ينفرد وحده، و كيف كان فهي حال مؤكدة لمضمون الجملة على حدّ زيد أبوك عطوفا، و يحتمل التّأسيس بأن يكون المراد بالجملة التّوحيد في الذات، و بالحال التّوحيد في الصّفات، و جملة لا شريك له حال بعد حال، و هي تأكيد بعد تأكيد، و يحتمل التّأسيس: بأن يراد بها التّوحيد في الافعال، و ممتحنا و معتقدا صفتان جاريتان لغير من هماله، و جملة نتمسّك صفة أيضا، و جملة أرسله تحتمل الحالية و الوصفية، و إزاحة، و احتجاجا، و تحذيرا، و تخويفا منصوبات على المفعول لأجله.
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام قرن حمد اللّه سبحانه بالشّهادة بتوحيده، فقال (و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له) و هذه الكلمة أشرف كلمة نطق بها في التّوحيد، و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مروي أبي سعيد الخدري: ما قلت و لا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلّا اللّه.
و قد ورد لهذه الكلمة الطيبة فضائل كثيرة في أخبار أهل العصمة عليهم السّلام فقد روى الصّدوق في كتاب التّوحيد باسناده عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلّا اللّه، لأنّ اللّه عزّ و جل لا يعد له شيء و لا يشركه في الأمر احد، و في الكافي، و ثواب الأعمال مثله.
و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خير العبادة قول لا إله إلّا اللّه.
و عن أبي الطفيل عن علي عليه السّلام قال: ما من عبد مسلم يقول: لا إله إلّا اللّه، إلّا صعدت تخرق كلّ سقف و لا تمرّ بشيء من سيّئاته إلّا طلستها«» حتّى ينتهى إلى مثلها من الحسنات فيقف، و عن الشيباني عن الرّضا عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ للّه عزّ و جلّ عمودا من ياقوتة حمراء رأسه تحت العرش و أسفله على ظهر الحوت في الأرض السّابعة السّفلى فاذا قال العبد: لا إله إلّا اللّه اهتزّ العرش و تحرك العمود و تحرك الحوت، فيقول اللّه تبارك و تعالى: اسكن يا عرشى فيقول: لا أسكن و أنت لم تغفر لقائلها، فيقول اللّه تبارك و تعالى: اشهد و اسكان سمواتي اني قد غفرت لقائلها.
و عن عبد السّلام بن صالح أبي الصّلت الهروي قال: كنت مع عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام حين رحل من نيشابور و هو راكب بغلة شهباء«» و إذا محمّد بن رافع و أحمد بن حرب و يحيى بن يحيى و اسحاق بن راهويه و عدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المربعة فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث قد سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمارية و عليه مطرف خزّ ذو وجهين، و قال: حدّثني أبي عبد الصّالح موسى بن جعفر قال: حدّثنى أبي الصّادق جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبى أبو جعفر محمّد بن عليّ باقر علم الأنبياء، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين سيد العابدين، قال: حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، قال: قال «سمعت خ» النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول قال اللّه جلّ جلاله: إني أنا اللّه لا إله إلّا أنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّا اللّه بالاخلاص دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي، و في رواية اخرى نحوه و في آخرها فلما مرّت الرّاحلة نادانا بشروطها و أنا من شروطها.
قال الصّدوق (ره) من شروطها الاقرار للرّضا عليه السّلام بأنّه إمام من قبل اللّه عزّ و جلّ على العباد مفترض الطاعة عليهم.
و في ثواب الأعمال عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: قال اللّه جلّ جلاله لموسى بن عمران عليه السّلام: يا موسى لو أنّ السّماوات و عامريهنّ عندي و الأرضين السّبع في كفة و لا إله إلّا اللّه في كفّة مالت بهن لا إله إلّا اللّه، و مثله في التّوحيد.
و عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لقنوا موتاكم لا إله إلّا اللّه فانّها تهدم الذّنوب، فقالوا يا رسول اللّه: فمن قال في صحّته، فقال صلّى اللّه عليه و آله ذلك أهدم و أهدم، إنّ لا إله إلّا اللّه أنس للمؤمن في حياته و عند موته و حين يبعث، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال جبرئيل: يا محمّد لو تراهم حين يبعثون هذا مبيض وجهه ينادي لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر و هذا مسودّ وجهه ينادي يا ويلاه يا ثبوراه.
و عن عبد اللّه بن الوليد رفعه قال: قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله: من قال لا إله إلّا اللّه غرست له شجرة في الجنّة من ياقوتة حمراء، منبتها في مسك أبيض أحلى من العسل و أشدّ بياضا من الثّلج و أطيب ريحا، فيها أمثال أثداء الأبكار تفلق«» عن سبعين حلّة و في الكافي مثله.
و الأخبار في هذا الباب كثيرة، و في الاستقصاء إطالة، و فيما رويناها كفاية إنشاء اللّه (شهادة ممتحنا إخلاصها) أى مختبرا كونها مخلصا، يعني أنّه عليه السّلام اختبر قلبه في إخلاص هذه الشّهادة فوجده عريا عن شبهة الباطل و خالصا عن شوائب الشّرك (معتقدا مصاصها) أى خالصها، يعنى أنّ هذه الشّهادة صادرة عن صميم القلب، و القلب مطابق فيها للّسان و مذعن بخلوصها، و بالجملة ففي توصيف الشّهادة بهذين الوصفين إشارة إلى كونها في مرتبة الكمال و أنّها خالصة مخلّصة، و هذه المرتبة هي المطلوبة في باب التّوحيد، و إلّا فالشّهادة الصّادرة عن محض اللّسان إنّما تطهر جلد الانسان و لا يترتّب عليها ثمرة في الآخرة و أمّا الصّادرة بالاخلاص فهي الشّهادة في الحقيقة.
و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيما رواه في التّوحيد عنه صلّى اللّه عليه و آله: رأيت أشهد أن لا إله إلّا اللّه كلمة عظيمة كريمة على اللّه عزّ و جلّ، من قالها مخلصا استوجب الجنّة و من قالها كاذبا عصمت ماله و دمه و كان مصيره إلى النّار.
و فيه أيضا عن زيد بن أرقم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قال لا إله إلّا اللّه مخلصا دخل الجنة و إخلاصه بها أن حجزه لا إله إلّا اللّه عمّا حرّم اللّه، و رواه في ثواب الأعمال أيضا مثله.
و فيهما عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. أتاني جبرئيل بين الصّفا و المروة فقال يا محمّد: طوبى لمن قال من امّتك لا إله إلّا اللّه وحده مخلصا.
و في الكافي عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث، من شهد أن لا إله إلّا اللّه مخلصا وجبت له الجنّة، قال: قلت له: إنّه يأتيني من كلّ صنف من الأصناف أ فأ روي هذا الحديث قال: نعم يا أبان إنه إذا كان يوم القيامة و جمع اللّه الأوّلين و الآخرين فتسلب لا إله إلّا اللّه منهم إلّا من كان على هذا الأمر و المراد بسلبها منهم عدم نفعها لهم، لكون الولاية شرطا في التّوحيد كما مرّ في رواية الرّضا عليه السّلام من قوله: بشروطها و أنا من شروطها (نتمسك بها أبدا ما أبقانا و ندّخرها لأهاويل ما يلقانا) لأنّها انس للمؤمن في حياته و في مماتة و حين يبعث كما مرّ في رواية ثواب الأعمال، فهي أعظم ذخيرة لأهوال الآخرة و شدايدها.
و قد مرّ في رواية ثواب الأعمال و التّوحيد: قوله تعالى لموسى بن عمران: لو أن السّماوات و عامريهنّ عندي و الأرضين السّبع في كفّة و لا إله إلّا اللّه في كفّة مالت بهنّ لا إله إلّا اللّه، فأىّ ذخيرة تكون أعظم منها ثمّ علّل عليه السّلام التّمسك و الادّخار بامور أربعة أولها ما أشار إليه بقوله عليه السّلام: (فانّها عزيمة الايمان) أى عقيدتها و ممّا يجب للمؤمن أن يعقد قلبه عليها، أو أنّها معزومة الايمان بمعنى أنّها ممّا ينبغي أن يجدّ فيها و يجتهد حسبما اشير إليه في بيان لغتها.
الثّاني قوله عليه السّلام: (و فاتحة الاحسان) أى ابتداء الاحسان و أوّله، و إضافته إليه من قبيل اضافة الجزئي إلى الكلّ، مثل فاتحة الكتاب، فيكون مصدرا بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب، و على هذا فالمراد بالاحسان هو التّوحيد و اصول الشريعة و يدلّ على صحّة إطلاقه بذلك ما رواه في التّوحيد عن موسى بن اسماعيل بن موسى ابن جعفر قال: حدّثني أبي عن جدّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» قال: عليّ عليه السّلام: ما جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلّا الجنّة هذا، و يحتمل أن يكون الفاتحة وصفا من الفتح ضدّ الغلق فالاضافة لاميّة، و هذا هو الأظهر و المعنى أنّ الشّهادة باعثة لفتح أبواب الاحسان و الانعام و أنّها مفتاح لها، إذ بها يستحقّ العبد للفيوضات الأبدية و النّعم السر مديّة.
و يدلّ عليه مضافا إلى الأخبار السّالفة ما رواه في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام من قال لا إله إلّا اللّه مخلصا طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرّق الأبيض، فاذا قال ثانية لا إله إلّا اللّه مخلصا خرق أبواب السّماء و صفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض اخشعوا لعظمة أمر اللّه، فاذا قال ثالثة مخلصا لا إله إلّا اللّه لم تنته دون العرش فيقول الجليل: اسكتي فوعزّتي و جلالي لأغفرنّ لقائلك بما كان فيه، ثمّ تلاهذه الآية: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ».
يعنى إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله و كلامه هذا، و ظهر لي معنى ثالث و هو أن يكون المصدر بمعنى الفاعل و يكون المراد أنّها ابتداء كون الرّجل محسنا مقابل كونه مسيئا.
الثّالث قوله عليه السّلام: (و مرضات الرّحمن) و ذلك واضح لأنّها محصّلة لمرضاته «ج 18»تعالى و رضائه و رضوانه و معدّة للخلد في جنانه.
الرّابع قوله عليه السّلام: (و مدحرة الشّيطان) و ذلك أيضا واضح لأنّ مقصود اللّعين هو الاضلال و الاغواء و الكفر، و الشّهادة بالاخلاص زاجرة له و كاسرة «قاصمة خل» لظهره و رافعة لكيده و مكره، و لذلك أنّ اللّعين بعد ما قال: «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ».
عقّبه بالاستثناء بقوله: «إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ».
و في عدّة الدّاعي لأحمد بن فهد الحلّي قال: و قد روي عن النبىّ صلّى اللّه عليه و آله على كلّ قلب جاثم«» من الشّيطان، فإذا ذكر اسم اللّه خنس«» الشّيطان و ذاب و إذا ترك الذاكر التقمه فجذبه و أغواه و أستزلّه و أطغاه.
و في حديث آخر أنه قال الشّيطان على قلب ابن آدم له خرطوم مثل خرطوم الخنزير يوسوس لابن آدم ان أقبل على الدّنيا و ما لا يحلّ اللّه فاذا ذكر اللّه خنس: اى ذهب و استتر (و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله) عقّب عليه السّلام الشّهادة بالتّوحيد بالشّهادة بالرّسالة أمّا أوّلا فلأنّ مرتبة الرّسالة تالية لمرتبة التّوحيد كما أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثاني الموجودات في الموجودية و إن كان الأوّل تعالى لا ثاني له في الوجود فينبغي أن يكون الشهادة برسالته عقيب الشّهادة بالتّوحيد طباقا لما هو الواقع.
و أمّا ثانيا فلانّ المقصود من الخلق هو العرفان و إخلاص التّوحيد و السّلوك إلى اللّه و لا بدّ للسالك من دليل يدلّ عليه و هاد يستهدى به و مبلّغ يصدّق بقوله و يقرّ برسالته، فلا بدّ من اقتران التّصديق بالرّسالة بالتّصديق بالوحدانيّة كى يتوصل به إليه و يسلك به مسالكه، إذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله موصل إليه و باب له و فاتح لمغلقات مراتب التّوحيد، و بوجوده صلّى اللّه عليه و آله يحصل المعرفة التّامّة و يكمل الاخلاص التّام.
و أمّا ثالثا فلأنّه سبحانه قد قارن بين كلمتي التّوحيد و الرّسالة و كتب لا إله إلّا اللّه و محمّد رسول اللّه بخطوط النّور على ساق العرش و طبقات السّماوات و أقطار الأرضين و صفحتي الشّمس و القمر، كما يستفاد من الأخبار، فينبغي المقارنة في شهادتيهما اقتفاء لما قد جرى عليه القلم الرّباني و سطور النّور، و أمّا فضل الجمع بينهما فقد روى في الكافي عن أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: من قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله كتب اللّه له ألف حسنة.
و في ثواب الأعمال عن بشر الأوزاعي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال: من شهد أن لا إله إلّا اللّه و لم يشهد أنّ محمّدا رسول اللّه كتبت له عشر حسنات، فان شهد أنّ محمّدا رسول اللّه كتبت له ألفي ألفي حسنة.
و عن سهل بن سعد الأنصاري قال سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا».
قال كتب اللّه عزّ و جلّ قبل أن يخلق الخلق بألفي عام في ورق آس أنبته ثمّ وضعها على العرش، ثمّ نادى يا امّة محمّد إنّ رحمتي سبقت غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني و غفرت لكم قبل أن تستغفروني فمن يلقني «لقيني خل» منكم يشهد أن لا إله إلّا أنا و أنّ محمّدا عبدي و رسولي أدخلته الجنّة برحمتي.
و في عدّة الدّاعي لأحمد بن فهد الحلّي عن الباقر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سرّه أن يلقى اللّه يوم القيامة و في صحيفته شهادة ان لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و يفتح له ثمانية أبواب الجنّة فيقال له يا وليّ اللّه ادخل الجنّة من أيّها شئت فليقل إذا أصبح و إذا أمسى: «اكتبا بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، و أشهد أنّ السّاعة اتية لا ريب فيها، و أنّ اللّه يبعث من في القبور على ذلك أحيى و على ذلك أموت و على ذلك أبعث حيّا إنشاء اللّه، اقرءا محمّدا منّي السّلام، الحمد للّه الّذي أذهب اللّيل مظلما بقدرته، و جاء بالنّهار مبصرا برحمته، خلقا جديدا مرحبا بالحافظين» و يلتفت عن يمينه «و حيّا كما اللّه من كاتبين» و يلتفت عن شماله هذا.
و أمّا تسمية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمحمد فأوّل من سمّاه بذلك الاسم هو اللّه سبحانه كما يدلّ عليه حديث عرض الاشباح لآدم عليه السّلام حيث قال سبحانه له: هذا محمّد و أنا الحميد المحمود في فعالى شققت له اسما من اسمي، و قد مرّ بتمامه في ثاني تنبيهات الفصل الحاد يعشر من فصول الخطبة الاولى، ثمّ سمّاه عبد المطلب بذلك يوم سابع ولادته إلهاما منه سبحانه و تفألا بكثرة حمد الخلق له، لكثرة خصاله الحميدة، و قد قيل لم شمّيت ابنك محمّدا و ليس من أسماء آبائك و لا قومك فقال: رجوت أن يحمد في السّماء و الأرض، و قد حقّق اللّه رجائه، و في الوسائل عن كشف الغمة عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام عن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقم كلّ من كان اسمه محمّد فليدخل الجنّة بكرامة سميّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله.
و في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يولد لنا ولد إلّا سمّيناه محمّدا، فاذا مضى سبعة أيّام فان شئنا غيّرنا و إلّا تركنا هذا.
و قد ورد الأخبار المتظافرة بل المستفيضة في استحباب التّسمية بذلك الاسم المبارك، و روي له خواص كثيرة من أراد الاطلاع عليها فليراجع إلى أبواب أحكام الأولاد في كتب الأخبار.
و أمّا تقديم وصف العبودية على الوصف بالرّسالة في كلمة الشّهادة، فلأن مقام العبوديّة متقدّم على مرتبة الرّسالة كما يشهد به ما رواه في الكافي عن زيد الشحام، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن اللّه تبارك و تعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيا و إن اللّه اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و إنّ اللّه اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا، و إنّ اللّه اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء «قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» قال فمن عظمها في عين ابراهيم: «قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» قال لا يكون السّفيه إمام التّقى، و مثله أخبار اخر و يأتي تحقيق الكلام فيها عند الكلام على مسألة الامامة في مواضعها اللّايقة إنشاء اللّه.
ثمّ أشار عليه السّلام إلى تعظيم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بما جاء به فقال (أرسله بالدين المشهور) أى بين الامم الماضية و القرون الخالية (و العلم المأثور) توكيد للفقرة الاولى و أشار به إلى كون ذلك الدين علما يهتدى إلى حظيرة القدس التي يطلب السّلوك إليها، و كونه مأثورا إشارة إلى كون ذلك الدين مختارا على ساير الأديان، أو أنّه مأثور منقول من قرن الى قرن و يهتدى به قوم بعد قوم (و الكتاب المسطور) بقلم النّور على اللّوح المحفوظ قبل وجود الأنفس و الآفاق، و المكتوب على الأوراق و الصّفحات بعد تلبّسه بلباس الحروف و جلباب الأصوات (و النّور السّاطع و الضياء اللّامع) يحتمل أن يكون المراد بهما الكتاب فيكون العطف للتوكيد قال تعالى: «قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» فهو نور عقلي ينكشف به أحوال المبدأ و المعاد و يتراءى منه حقايق الأشياء و ضياء يهتدى به في ظلمات برّ الأجسام و بحر النّفوس، و يظهر به للسّالكين إلى الدّار الاخرى طريق الجنّة و النّور، و يحتمل أن يكون المراد علم النّبوة فانّه نور مقتبس من الوحى الالهى يتنوّر به في ظلمات الجهالة، و ضياء يستضاء به في مفاوز الضّلالة (و الأمر الصّادع) أى الظاهر أو الفارق بين الحقّ و الباطل أو الحاكم بالحقّ و فيه تلميح إلى قوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ» ثمّ أشار عليه السّلام إلى دواعى البعثة و ما هو المقصود بالرّسالة فقال عليه السّلام: (ازاحة للشبهات) أى أرسله صلّى اللّه عليه و آله إزالة للشبهات الباطلة و الشكوكات الفاسدة (و احتجاجا بالبيّنات) أى بالمعجزات القاهرة و البراهين السّاطعة (و تحذيرا بالآيات) أى إنذارا بالآيات القرآنية و الخطابات الشّرعية و يحتمل أن يكون المراد بالآيات العقوبات النّازلة بالعصاة التي هي علامة القهر و القدرة و فيها عبرة للمعتبرين كما قال تعالى: «وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ» و قال: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ» و على هذا الاحتمال فيكون عطف قوله: (و تخويفا للمثلات) عليه من قبيل العطف للتّوكيد، أى تخويفا بالعقوبات الواقعة بأهل الجنايات، هكذا فسّر الشّارحان البحراني و المعتزلي هذه الفقرة، الأوّل تصريحا و الثّاني تلويحا، و لكنه خلاف الظاهر، لأنّه قال عليه السّلام: للمثلات و لم يقل: بالمثلات، و الأظهر عندي هو أنّ المراد بها التمثيل و التّنكيل بجدع الأنف و قطع الأذن و نحوهما ممّا كان شعارا في الجاهليّة، و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنه و خوف له، كما يدلّ عليه وصيّته الآتية في الكتاب للحسن و الحسين عليهما السّلام لما ضربه ابن ملجم: يا بني عبد المطلب لا الفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين ألا لا تقتلنّ لى إلّا قاتلي: انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة و لا يمثل بالرّجل فاني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور.
و في الكافي باسناده عن إسحاق بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إنّ اللّه يقول في كتابه: «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ» ما هذا الاسراف الذي نهى اللّه عنه قال: نهى أن يقتل غير القاتل أو يمثّل بالقاتل الحديث، و الأخبار في هذا الباب كثيرة، و لعلّنا نشير إلى بعضها عند شرح الوصية الآتية إن ساعدنا التّوفيق إن شاء اللّه.
الترجمة
و شهادت مى دهم باين كه نيست هيچ معبودى بجز ذاتى كه مستجمع است جميع صفات كماليه را در حالتى كه منفرد است در صفات و در حالتى كه شريك نباشد او را در افعال و مصنوعات، شهادتى كه آزموده شده باشد اخلاص او و اعتقاد كرده باشد خاص و خالص او، هم چنان شهادتى كه تمسك مى كنيم به آن هميشه مادامى كه باقى گذاشته است خداوند سبحانه ما را در دار دنيا ذخيره مى سازيم آنرا بجهت هولهائى كه ملاقات ميكند ما را در دار اخرى، پس بتحقيق آن شهادت عقيده ايمان است كه بايد مؤمن عقد قلب به آن نمايد و جدّ و جهد در آن بجا آورد و اوّل احسان است و يا اين كه گشاينده نعمتهاى ابدى و فيوضات سرمدى است و خشنود كننده خداوند رحيم است و طرد كننده شيطان رجيم، و شهادت مىدهم به اين كه محمّد بن عبد اللّه صلوات اللّه و سلامه عليه و آله بنده پسنديده خداست و پيغمبر فرستاده او، و در حالتى كه فرستاده او را با دين و شريعتى كه مشهور است و با علم نبوتى كه مأثور است يعنى اختيار شده بر ساير دينها يا اين كه نقل مىشود از قرنها بقرنها، و با كتابى كه نوشته شده است بر صحايف و اوراق و بر لوح محفوظ پيش از وجود انفس و آفاق و با نور درخشنده و با روشنى تابنده و با امرى كه ظاهر است، يا اين كه فاصل است ميان حق و باطل فرستادن آن بجهت زائل كردن و محو نمودن شبهه هاى باطله است و شكوكات فاسده، و از جهت حجة آوردن بر مردمان با معجزات قاهره و براهين ظاهرة و از براى ترسانيدن به آيه هاى قرآنى و خطابات فرقانى و بجهت ترسانيدن از براى تمثيلها و تنكيلها كه از شعار جاهليت بود، و آن عبارتست از اين كه جنايت بزنند بر مرد با چيزى فظيع از بريدن گوش يا دماغ و مثل آنكه باعث شهرت و جارى مجراى مثل بوده باشد چنانكه در حق حمزه سيد الشهداء نمودند.
الفصل الثالث
و النّاس في فتن انجذم فيها حبل الدّين، و تزعزعت سواري اليقين، و اختلف النّجر، و تشتّت الأمر، و ضاق المخرج، و عمي المصدر، فالهدى خامل، و العمى شامل، عصي الرّحمن، و نصر الشّيطان، و خذل الإيمان، فانهارت دعائمه، و تنكّرت معالمه، و درست سبله، و عفت شركه، أطاعوا الشّيطان فسلكوا مسالكه، و وردوا مناهله، بهم سارت أعلامه، و قام لواؤه، في فتن داستهم بأخفافها، و وطئتهم بأظلافها، و قامت على سنابكها، فهم فيها تايهون، حائرون، جاهلون، مفتونون، في خير دار و شرّ جيران، نومهم سهود، و كحلهم دموع، بأرض عالمها ملجم، و جاهلها مكرم.
اللغة
(الفتن) جمع الفتنة و هي الحيرة و منه بأيّكم المفتون و إعجابك بالشّيء و الضّلال و الاثم و الكفر و الفضيحة و العذاب، و إذابة الذّهب و الفضّة. و الاضلال و الجنون و المحنة و المال و اختلاف النّاس في الاراء و أكثر المعاني مناسب للمقام و (انجذم) انقطع و (الزّعزعة) تحريك الرّيح الشّجرة، و تزعزع تحرّك و (السوارى) جمع السّارية و هي الاسطوانة و (النجر) بفتح النّون كالنّجار و النّجار بالكسر و الضمّ الأصل و (الخامل) السّاقط يقال خمل الرّجل خمولا من باب قعد فهو خامل أى ساقط لانباهة له مأخوذ من خمل المنزل إذا عفا و درس و (انهارت) اى سقطت و (الدّعائم) جمع الدعامة بالكسر ما يستند إليه الحائط و نحوه إذا مال و يمنعه من السّقوط و (التّنكر) التغير عن حال تسرك إلى حال تكرهها و (المعالم) جمع معلم كمقعد مظنة الشّيء و ما يستدلّ به عليه و (الشّرك) من الطريق بضمّتين جواده أو الطرق التي لا نخفى عليك و لا تستجمع لك مفردها شركة و (المناهل) جمع المنهل و هو المشرب و (الدّوس) الوطىء بالرّجل و (السّنابك) جمع السنبك طرف الحافر و (التّايهون) جمع التّايه و هو الضّال و (السّهود) كالسّهد الأرق.
الاعراب
قوله عليه السّلام: و النّاس في فتن، يحتمل أن يكون الجملة حالية و العامل أرسله و هو الأظهر و يحتمل أن يكون استينافيّة و النّاس مرفوع بالابتداء، و في فتن متعلّق بمقدر خبر له، و قوله عليه السّلام في فتن داستهم، يحتمل أن يكون متعلّقا بقوله: سارت أعلامه و قام لواؤه، و يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر للنّاس، و قوله: فهم الفاء تفريعية، و قوله: في خير دار يحتمل أن يكون الجار متعلّقا بقوله: مفتونون أو ما قبله من الأوصاف، و يحتمل أن يكون خبرا ثالثا للنّاس، و قوله: بأرض عالمها ملجم يحتمل أن يكون متعلّقا بما تعلّق به قوله في خير دار، و يحتمل أن يكون خبرا رابعا.
المعنى
اعلم أنك قد عرفت أنّ الجملة أعني قوله عليه السّلام (و النّاس في فتن) يحتمل أن يكون حالية و على ذلك فالمراد بالنّاس هو أهل زمان البعثة و المراد بالفتن فتن العرب في الجاهلية، و يحتمل أن يكون مستأنفة و عليه فالجملة مسوقة لذمّ أحوال أهل زمانه عليه السّلام فيكون المراد بالفتن فتن بني اميّة و معاوية عليه الهاوية و على الاحتمال الأوّل فمعناه أنّه سبحانه أرسل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بعثه و الحال أنّ النّاس يومئذ كانوا في ضلالات و تشتت آراء، و اختلاف أهواء (انجذم) أى انقطع (فيها) أى في تلك الفتن (حبل الدّين) و انفصمت عروة الشّرع المبين و تشبيهه الدّين بالحبل من جهة أنّ المعتصم به مأمون إذ هو حبل اللّه سبحانه و قد أمر اللّه بالاعتصام به حيث قال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا» أى تمسكوا بدين اللّه أو بالقرآن أو بأهل البيت عليهم السّلام كما في الأخبار الكثيرة، قال فى الكشّاف عند تفسير الآية قولهم اعتصمت بحبله يجوز أن يكون تمثيلات لاستظهاره به و وثوقه بحمايته بامساك المتدلي من مكان مرتفع بحبل وثيق يأمن انقطاعه، و أن يكون الحبل استعارة لعهده و الاعتصام لوثوقه بالعهد أو ترشيحا لاستعارة الحبل بما يناسبه، و المعنى و اجتمعوا على استعانتكم باللّه و وثوقكم به و لا تفرّقوا عنه أو و اجتمعوا على التّمسك بعهده إلى عباده و هو الايمان و الطاعة أو بكتابه لقوله عليه السّلام: القرآن حبل اللّه المتين لا تنقضي عجائبه و لا يخلق من كثرة الرّد من قال به صدق و من عمل به رشد و من اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم انتهى.
و بالجملة الدّين هو حبل اللّه المتين، و ذكر الانجذام من قبيل ترشيه التشبيه و المراد بذلك الانجذام هو انحراف الخلق عن الحقّ و عدم تمسكهم به و عدولهم عن سواء السّبيل (و تزعزعت) أى تحرّكت و اضطربت (سوارى اليقين) أى دعائمه و اسطواناته، و المراد باليقين هو الحق و العقائد اليقينية و اضطراب دعائمه كناية عن عدم استقامة النّاس عليه و تزلزل عقايدهم، أو كناية عن موت أهل الدّين الذين كان بهم قوامه و انقراض العاملين الذين لم يأخذهم في اللّه لومة لائم (و اختلف النّجر) أى الاصل الجامع للخلق و هي الفطرة التي فطر النّاس عليها (و تشتت الأمر) أى تفرق أمر الدين بتفرق الأهواء و تشتت الآراء (و ضاق) للخلق بعد تورّطهم في فتن الشّبهات و اقتحامهم في الهلكات (المخرج) منها (و عمى) عليهم (المصدر) أى طريق الصّدور عنها و الخلاص منها.
و إسناد العمى إلى المصدر من باب المجاز العقلي و الاسناد إلى المحلّ إذ العمى في الحقيقة صفة البصر و المراد به هنا فقد البصيرة تشبيها للمعقول بالمحسوس فكما أنّ فاقد البصر لا يهتدى إلى مقاصده المدركة بحسّ البصر فكذلك انتفاء البصيرة يوجب الضّلالة عن طريق الحقّ و العجز عن الوصول إلى الواقع (فالهدى خامل) أى أعلام الهداية بينهم حال عماهم عن المصدر ساقطة و مندرسة و أنوار الدراية منكسفة و منطمسة (و) رين (العمى شامل) عليهم أى غشاوة الضّلالة محيطة بقلوبهم فهم مشتركون في تورّط الشّبهات مغتمرون في ظلم الجهالات (عصي الرّحمن) بخمول الهدى (و نصر الشيطان) بشمول العمى و اتّباع الهوى (و خذل الايمان) بانفصام عروته الوثقى.
(و) لأجل خذلانه و اضطراب قواعده و أركانه (انهارت دعائمه) و سقطت سواريه (و تنكرت معالمه) و تغيرت آثاره و دعائم الايمان و معالمه كنايتان عن حملة الدين و دعاة الحقّ، و انهيارهم كناية عن عدمهم أو عدم قبول قولهم، و تنكرهم إشارة إلى عدم معرفة الخلق لهم لقلتهم (و درست سبله) و طرقه (و عفت شركه) و جواده فلم يبق له سبيل يوصل إليه و لا جادّة سالكة اليه، و هذا كله مبالغة في ضعف الايمان و وهن الدّين (أطاعوا الشيطان) بمخالفة الاوامر و النّواهي و إتيان المعاصي و المناهي (فسلكوا مسالكه) و اتّبعوا آثاره (و وردوا مناهله) و شربوا من عيون ضلالته (بهم سارت أعلامه و قام لواؤه) و قوى شوكته و استحكم خبائله حيث كانوا من جنوده معاونين له شركاء معه ساعين في إطفاء نور الهداية و إعلاء لواء الضلالة (في فتن) و الظاهر أنّ المراد بهذه الفتن غير ما سبق أوّلا«» إذ النكرة إذا اعيدت كانت غير الاولى، و على تقدير تعلقه بقوله سارت فالمغايرة أظهر، و شبّه عليه السّلام هذه الفتن بأنواع الحيوان فاستعار لها أخفافا و أظلافا و حوافر و قال (داستهم) أى وطأتهم (بأخفافها، و وطأتهم بأظلافها، و قامت على سنابكها) أى أطراف حوافرها.
قال الشّارح البحراني و يحتمل أن يكون هناك إضمار، أى داستهم بأخفاف إبلها و وطأتهم بأظلاف بقرها و قامت على سنابك خيلها، فحذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه و حينئذ يكون التّجوز في نسبة الوطى و الدّوس و القيام إليها فقط و هو المجاز في الاسناد.
و كيف كان (فهم فيها) أى في هذه الفتن (تائهون) ضالون عن القصد (حايرن) متحيرون في أن الصّواب في أىّ جهة ما لهم«» قبلة و لا دبرة (جاهلون) غير عالمين بالحقّ، مفتونون بالفتن العمياء الصّماء«» (في خير دار) و هو مكّة زادها اللّه شرفا (و شرّ جيران) يعنى قريشا.
قال الشّارح المعتزلي و هذا لفظ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين حكى بالمدينة حالة كانت في مبدء البعثة، فقال: كنت في خير دار و شرّ جيران (نومهم سهود، و كحلهم دموع) صفتان للجيران، قال المعتزلي: هو مثل أن يقول جودهم بخل و أمنهم خوف، أى لو استتمّهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله النّوم لجادوا عليه بالسّهود عوضا عنه، و لو استجداهم الكحل لكان كحلهم الذي يصلونه به الدّموع (بأرض عالمها) أى العارف بصدق محمّد صلّى اللّه عليه و آله و المؤمن به (ملجم) بلجام الخوف و التّقية (و جاهلها) أى الجاحد لنبوّته و المنكر له (مكرم) بكرامة العزّ و المكنة.
استدراك
كلّ ما ذكرناه في معنى هذا الفصل قد أشرنا سابقا إلى أنّه مبنيّ على كون قوله: و النّاس في فتن جملة حاليّة مسوقة لبيان حال ابتداء البعثة، و أمّا على الاحتمال الآخر، و هو كونه جملة استينافية مسوقة لبيان حال أهل زمانه حسبما استظهره جمع من الشّراح و منهم الشّارح البحراني حيث قال: و اعلم أنّ الذي يتبادر إلى الذّهن أنّ هذا القدر الذي أورده السيّد من هذه الخطبة فصول ملفقة ليست على نظامها التي خرجت عليه مع ما يفهم من ساير عباراته أيضا فيكون المراد بالفتن الفتن الحادثة بعد زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هي فتن معاوية و أصحاب الجمل و غيرها.
و على هذا الاحتمال فالمراد بالدّين في قوله حبل الدّين دين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و بالنّجر هو الفطرة الاصليّة التي كانت متّفقا عليها بوجود الرّسول و اختلفت بعده فسلك كلّ فرقة مسلكا غير مسلك الفرقة الاخرى، و بقوله: أطاعوا الشّيطان الاطاعة له بعده لهم عن الحقّ و بغيهم عليه عليه السّلام و خروجهم إلى حربه و قتالهم معه عليه السّلام، و بقوله: تائهون حائرون، أنّهم متردّدون في أنّ الحقّ مع عليّ عليه السّلام أم مع غيره.
و قوله: في خير دار و شرّ جيران اختلف فيه الشّارحون، فقال الرّاوندي على ما حكاه عنه في شرح المعتزلي: إنّ خير دار الكوفة و قيل الشّام لأنّها الأرض المقدّسة و أهلها شرّ جيران يعنى أصحاب معاوية و على التفسير الأوّل يعنى أصحابه قال: و قوله: نومهم سهود يعنى أصحاب معاوية لا ينامون طول اللّيل بل يرتبون أمره و إن كان وصفا لاصحابه بالكوفة و هو الأقرب، فالمعنى أنّهم خائفون يسهرون و يبكون لقلّة موافقتهم إيّاه و هذا شكاية منه عليه السّلام لهم، و كحلهم دموع: أى نفاقا فانّه إذا تمّ نفاق المرء ملك عينيه. و الأقوال الاخر مفصّلة في شرح البحراني فلتطلب منه.
الترجمة
حق سبحانه و تعالى ارسال فرمود حضرت رسالت پناه صلوات اللّه عليه و آله را و حال آنكه مردمان افتاده بودند در فتنههاى جاهليت از كفر و ضلالت و تفرق رأىها و اختلاف خواهشات، چنان فتنه هايى كه بريده شده بود در آن فتنهها ريسمان متين دين مبين، و مضطرب شده بود ستونهاى يقين، و مختلف شده بود اصل دين ايشان، و متفرق گشته بود كار اسلام و ايمان، و تنگ شده بود بر ايشان محل خارج شدن از آن فتنهها، و كور شده بود بر آنها محل مراجعت از آنها، پس نور هدايت در ميان ايشان خاموش است، و كورى بر همه ايشان عام و شامل است، معصيت كرده شده است خداوند و دود، و يارى داده شده است ابليس مطرود، و خوار گذاشته شده است ايمان و طاعت حضرت معبود، پس سرنگون شد ستونهاى ايمان، و تغيير يافت آثار آن، پس محو شد راههاى آن، و زايل گشت جادههاى آن، اطاعت و فرمانبردارى كردند شيطان را، پس رفتند در راههاي ضلالت آن و آشاميدند از چشمههاى شقاوت آن، به اعانه ايشان سير نمود علم هاى آن و راست ايستاد رايت كفر آيت آن، در فتنههايى كه پايمال كرد ايشان را با پاپوشهاى خود همچو شتران، و لگدكوب كرد ايشان را با ناخنهاى خود مثل كاوها، و راست ايستاد بر آنها بر طرف سمهاى خود مثل اسبها، پس ايشان در آن فتنهها سرگردانند متحيرانند نادانانند فريفته كانند، در بهترين سرا كه مكّه معظمه است و بدترين همسايهها كه كفار قريش است، همچنان همسايههائى كه خواب ايشان بيخوابى است، و سرمه ايشان اشكهاى جاريست، در زمينى كه داناي آن لجام كرده شده است با لجام خوف و خشيت، و نادان آن اكرام كرده شده است به انواع عزت و كرامت.
الفصل الرابع منها و يعنى آل محمد صلّى اللّه عليه و آله
و هم موضع سرّه، و لجاء أمره، و عيبة علمه، و موئل حكمه، و كهف كتبه، و جبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، و اذهب ارتعاد فرائصه.
اللغة
(اللّجاء) محرّكة كالملجإ الملاذ من لجأ إليه كمنع و فرح لاذ و (العيبة) ما يجعل فيه الثّياب و من الرّجل موضع سرّه و (الموئل) المنجأ من وئل إليه يئل وئلا و وؤلا و وئيلا و وائل موائلة و وئالا لجأ و خلص و (الكهف) غار واسع في الجبل فان كان صغيرا قيل له الغار و البيت المنقور في الجبل، و فلان كهف لأنّه يلجأ إليه كالبيت على الاستعارة و (الانحناء) الاعوجاج و (الارتعاد) الاضطراب و (الفرايص) جمع الفريصة و هي اللحمة بين الجنب و الكتف لا تزال ترتعد.
الاعراب
الضمائر الثمانية راجعة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله كما مرّ ذكره في أوائل الخطبة، و هذا هو الأظهر بقرينة المقام و الاوفق بنسق أجزاء الكلام، و استبعاده في كتبه لا وجه له بعد امكان التّأويل القريب حسبما نشير إليه.
و قيل: برجوع الجميع إليه إلّا الأخيرين فانّهما راجعان إلى الدّين و هو غير بعيد بل أنسب معنى.
و قيل: إنّ الجميع راجع إليه إلّا في كتبه، و قيل: برجوع الجميع إلى اللّه إلّا الأخيرين فانّهما للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و هذان و إن كانا سالمين عن التّأويل إلّا أنّ فيهما خروج الكلام عن النّسق كما في السابق عليهما و هو ظاهر.
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام قد وصف آل محمّد عليهم السّلام بثمانية أوصاف إشارة إلى علوّ مقامهم و سموّ مكانهم و رفعة درجاتهم و عظمة شئوناتهم، و المراد بآله صلّى اللّه عليه و آله هم الأئمة المعصومون سلام اللّه عليهم أجمعين حسبما تعرفه مفصّلا إن شاء اللّه في موقعه المناسب.
و من العجب العجاب أن الشّارح البحراني (ره) جعل الأمور المذكورة أوصافا لأهل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الأدنين من بني هاشم كالعبّاس و حمزة و جعفر و عليّ ابن أبي طالب عليهم السّلام.
أقول: أمّا عليّ عليه السّلام فمسلّم و أمّا العبّاس و حمزة و جعفر و نظراؤهم من ساير بني هاشم فأين لهم قابليّة لحفظ سرّ اللّه أم أنّى لهم استعداد لأن يكونوا لجاء أمر اللّه أم كيف لهم الاحاطة بكتب اللّه بل القابل لها و لساير الأوصاف المذكورة إنّما هو آل اللّه و آل رسوله سلام اللّه عليه و عليهم الذين هم العروة الوثقى و منار الهدى و أعلام التقى و كهف الورى، و هم الملجأ و المنجى.
و بالجملة فاول الاوصاف المذكورة
ما أشار عليه السّلام إليه بقوله: (هم موضع سرّه) و المراد بالسّرّ علم لا يجوز إظهاره للعموم و الأئمة عليهم السّلام موضعه و مأواه و مستقرّه و مقامه و خزّانه و حفّاظه لا يظهرونه أو لا يظهرون منه إلا ما يحتمل على من يتحمل إذ العموم لا يقدر على تحمل أسرار اللّه سبحانه، و لذلك قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله.
و في البحار من كتاب السّيد حسن بن كبش باسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا محمّد انّا «إنّ ظ» عندنا سرّا من سرّ اللّه و علما من علم اللّه لا يحتمله ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و اللّه ما كلّف اللّه أحدا ذلك الحمل غيرنا، و لا استبعد بذلك أحدا غيرنا و إنّ عندنا سرّا من سرّ اللّه و علما من علم اللّه أمرنا اللّه بتبليغه فبلغنا عن اللّه عزّ و جلّ ما أمرنا بتبليغه ما «فلم خل» نجد له موضعا و لا أهلا و لا حمالة«» يحملونه حتى خلق اللّه لذلك أقواما خلقوا من طينة خلق منها محمّد صلّى اللّه عليه و آله و ذريته و من نور خلق اللّه منه محمّدا و ذريته و صنعهم بفضل صنع رحمته التي منها محمّدا و ذريته «و آله خل» فبلغناهم عن اللّه عزّ و جلّ ما أمرنا بتبليغه فقبلوه و احتملوا ذلك عنّا فقبلوه و احتملوه و بلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا و حديثنا فلو لا أنّهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك و لا و اللّه ما احتملوه.
ثمّ قال عليه السّلام إنّ اللّه خلق قوما «أقواما خل» لجهنم و النّار، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم فاشمأزّوا من ذلك و نفرت قلوبهم و ردّوه علينا و لم يحتملوه.
و كذّبوا به و قالوا: ساحر كذّاب فطبع اللّه على قلوبهم و أنساهم ذلك، ثمّ أطلق اللّه لسانهم ببعض الحقّ فهم ينطقون به و قلوبهم منكرة ليكون ذلك دفعا عن أوليائه و أهل طاعته و لو لا ذلك ما عبد اللّه في أرضه فأمرنا اللّه بالكفّ عنهم و الكتمان منهم فاكتموا ممّن أمر اللّه بالكفّ عنهم و استروا عمّن أمر اللّه بالسّتر و الكتمان منهم.
قال: ثمّ رفع عليه السّلام يده و بكى، و قال: اللّهم إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محياهم محيانا و مماتهم مماتنا، و لا تسلّط عليهم عدوّا لك فتفجعنا بهم، فانّك إن فجعتنا بهم لم تعبد أبدا في أرضك، و رواه في الكافي عن أبي بصير مثله.
أقول: و بهذه الرّواية يحصل الجمع بين قولهم عليهم السّلام: إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان، و بين الخبر الخالي عن الاستثنآء، فانّ الثّاني محمول على السّر المختصّ بهم عليهم السّلام الذي لا يحتمله أحد غيرهم، و الأوّل محمول على السّر الذي هو أدنى من ذلك.
و هو السّر الذي تقدّم إليهم النّص من اللّه سبحانه لاظهاره لبعض خواصهم على مراتب استعدادهم، و هو الذي أشار إليه الصّادق عليه السّلام بقوله: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان اه، فانّ أبا ذر لا استعداد له على احتمال السّر الذي احتمله سلمان، و كذلك كميل بن زياد مع كونه من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام لا يحتمل ما احتمله أبو ذر (ره)، فهو و إن كان صاحب سرّه عليه السّلام لكن بالنّسبة إلى غيره من ساير النّاس، و لذلك أنّه بعد ما سئل عنه عليه السّلام عن الحقيقة و أجاب عليه السّلام بقوله: مالك و الحقيقة، قال: أ و لست صاحب سرّك فلم يقرّره عليه السّلام على عموم ما ادّعاه، بل أجاب بقوله عليه السّلام: بلى و لكن«» يترشح عليك ما يطفح منّي، فانّ استدراكه عليه السّلام بقوله: و لكن اه، إشارة إلى أنّ ما يظهره من السّر عليه من قبيل نداوة الطفحان«» و رشحته الفايضة من جوانبه، و أنّه ليس صاحب السّر على نحو العموم.
و بالجملة فقد وضح و ظهر ممّا ذكرنا أنّ أسرار اللّه سبحانه هي علوم لا يجوز إظهار ما جاز إظهارها منها إلّا للكمّل على اقتضاء مراتب الاستعداد.
و قد روى في الخرائج باسناده عن عبد الرّحمان بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتى الحسين عليه السّلام ناس فقالوا له: يا أبا عبد اللّه حدّثنا بفضلكم الذي جعل اللّه لكم، فقال: إنكم لا تحتملونه و لا تطيقونه، قالوا: بلى نحتمل، قال: إن كنتم صادقين فليتنحّ اثنان و أحدّث واحدا فان احتمله حدّثتكم، فتنحّى اثنان و حدّث واحدا فقام طاير العقل و مرّ على وجهه و ذهب، و كلّمه صاحباه فلم يردّ عليهما شيئا و انصرفوا.
و فيه بالاسناد المذكور قال أتى رجل الحسين بن عليّ عليهما السّلام فقال: حدّثنى بفضلكم الذي جعل اللّه لكم، فقال: إنّك لن تطيق حمله، قال: بل حدّثني يابن رسول اللّه إنّي أحتمله، فحدّثه بحديث فما فرغ الحسين عليه السّلام من حديثه حتّى ابيضّ رأس الرّجل و لحيته و أنسى الحديث، فقال الحسين عليه السّلام أدركته رحمة اللّه حيث أنسى الحديث.
و في البحار من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان من كتاب ابن شريفة الواسطي يرفعه إلى ميثم التّمار، قال: بينما أنا في السّوق إذ أتى أصبغ بن نباتة فقال:
ويحك يا ميثم لقد سمعت من أمير المؤمنين عليه السّلام حديثا صعبا شديدا، قلت: و ما هو قال: سمعته يقول: إنّ حديث أهل البيت صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان، فقمت من فورتي فأتيت عليّا عليه السّلام فقلت: يا أمير المؤمنين حديث أخبرنى به أصبغ عنك قد ضقت به ذرعا، فقال عليه السّلام: ما هو فأخبرته به، فتبسّم ثمّ قال: اجلس يا ميثم، أو كلّ علم يحتمله. عالم إنّ اللّه تعالى قال للملائكة: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» فهل رأيت الملائكة احتملوا العلم قال: قلت: و إنّ هذا أعظم من ذلك، قال: و الاخرى إنّ موسى بن عمران أنزل اللّه عليه التّوراة فظنّ أن لا أحد أعلم منه فأخبره أنّ في خلقه أعلم منه، و ذلك إذ خاف على نبيّه العجب قال: فدعا ربّه أن يرشده إلى العالم، قال: فجمع اللّه بينه و بين الخضر عليهما السّلام، فخرق السفينة فلم يحتمل ذلك موسى، و قتل الغلام فلم يحتمله، و أقام الجدار فلم يحتمله.
و أمّا النبيّون فانّ نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله أخذ يوم غدير خم بيدي فقال: اللّهم من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهل رأيت أحدا احتمل ذلك إلّا من عصم اللّه منهم، فأبشروا ثمّ ابشروا قد خصّكم بما لم يخصّ به الملائكة و النبيّين و المرسلين فما احتملتم ذلك في أمر رسول اللّه و علمه فحدّثوا عن فضلنا و لا حرج و لا عظيم أمرنا و لا اثم، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: امرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب النّاس على قدر عقولهم.
قال المحدّث المجلسي (ره) بعد ذكر الحديث: لعلّ المراد بآخر الخبر أنّ كلّما رويتم في فضلنا دون درجتنا، لأنّا نكلم النّاس على قدر عقولهم، أو المعنى أنّا كلّفنا بذلك و لم تكلّفوا بذلك فقولوا في فضلنا ما شئتم و هو بعيد.
الثاني
ما نبّه عليه بقوله: (و لجأ أمره) قال البحراني و أشار بكونهم عليهم السّلام ملجأأمره إلى أنّهم النّاصرون له و القائمون بأوامر اللّه و الذابّون عن الدّين فاليهم يلتجى و بهم يقوم سلطانه.
أقول: المستفاد من ظاهر كلامه أنّ المراد بالأمر هو الامور الدّينيّة و أنّهم ملجاء لنفس الأوامر، و الأظهر الأقوى عندي أن المراد أنّهم لجاء للعباد في الأوامر الدّينيّة بمعنى أنّ الخلق إذا تنازعوا في شيء منها و عجزوا فيها عن النّيل إلى الواقع فهم الملجأ و الملاذ، لأنّهم اولو الأمر قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا» قال عليّ بن إبراهيم القميّ في تفسيره: حدّثني أبي عن حمّاد عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: نزل فان تنازعتم في شيء فارجعوه إلى اللّه و إلى الرّسول و إلى اولي الأمر منكم.
و هو يدلّ على أن المنزل فارجعوه مكان فردّوه، و يحتمل أن يكون تفسيرا له و يدلّ أيضا على أنّ الموجود في مصحفهم قول و إلى أولي الأمر منكم، و على ذلك فالآية صريحة في الدّلالة على المطلوب من ردّ الامور الدّينيّة التي اختلف فيها إلى كتاب اللّه و إلى رسوله و الأئمة عليهم السّلام و أمّا على ما هو الموجود في هذه المصاحف التي بأيدينا فالدّلالة أيضا غير خفيّة على مذهبنا لأنّ الرّد إلى الأئمة القائمين مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد وفاته هو مثل الردّ إلى الرّسول في حياته، لأنهم الحافظون لشريعته و الخلفاء في أمّته فجروا مجراه فيه، و مثلها قوله تعالى: «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»روى في البحار من تفسير العياشي عن عبد اللّه بن عجلان عن ابي جعفر عليه السّلام في هذه الآية، قال: هم الأئمة عليهم السّلام.
و عن عبد اللّه بن جندب قال كتب إلىّ أبو الحسن الرّضا عليه السّلام: ذكرت رحمك اللّه هؤلاء القوم الذين وصفت انهم كانوا بالأمس لكم إخوانا و الذي صاروا إليه من الخلاف لكم و العداوة لكم و البراءة منكم و الذي تأفّكوا«» به من حيات أبي صلوات اللّه عليه و رحمته، و ذكر في آخر الكتاب انّ هؤلاء القوم سنح لهم شيطان اغترّهم بالشّبهة و لبّس عليهم أمر دينهم، و ذلك لما ظهرت فرينهم و اتّفقت كلمتهم و نقموا على عالمهم و أرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم فقالوا: لم«» و من و كيف، فأتاهم الهلاك من مأمن احتياطهم، و ذلك بما كسبت أيديهم و ما ربّك بظلّام للعبيد، و لم يكن ذلك لهم و لا عليهم، بل كان الفرض عليهم و الواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحيّر و ردّ ما جهلوا من ذلك الى عالمه و مستنبطه، لأنّ اللّه يقول في محكم كتابه: «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ».
يعني آل محمّد عليهم السّلام، و هم الذين يستنبطون من القرآن و يعرفون الحلال و الحرام و هم الحجّة للّه على خلقه هذا.
و قد ظهر ممّا ذكر أنّ الأئمة عليهم السّلام هم ولاة الأمر و أنّهم المقصودون بأولي الأمر في الآيتين، أمّا الآية الثّانية فلما ذكرنا، و أمّا الآية الاولى فللأخبار المستفيضة.
أمّا الأخبار فمنها ما رواه في البحار عن تفسير فرات بن ابراهيم عن عبيد ابن كثير معنعنا أنّه سأل جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن قول اللّه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ» قال: اولى الفقه و العلم، قلنا: أخاصّ أم عامّ قال عليه السّلام: بل خاصّ لنا.
و في الكافي عن جابر الجعفي قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن هذه الآية، قال: الأوصياء.
و فيه أيضا عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ ذكره: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ».
فقال عليه السّلام: إيّانا عنى أن يؤدّ الأوّل إلى الامام الذي بعده الكتب و العلم و السّلاح، و إذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم، ثمّ قال للنّاس: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ».
ايّانا عنى خاصّة أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا فان خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى اللّه و إلى الرّسول و إلى أولي الأمر منكم، كذا نزلت و كيف يأمرهم اللّه عزّ و جلّ بطاعة ولاة الأمر و يرخص منازعتهم إنّما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: أطيعوا اللّه و أطيعوا الرّسول و اولي الأمر منكم، و الأخبار في هذا الباب كثيرة لا تحصى.
و أمّا دليل العقل فلأنّه سبحانه أمر بوجوب طاعة أولي الأمر على نحو العموم«» فلا بدّ من كونه معصوما و إلّا لزم أن يكون تعالى قد أمر بالقبيح لأنّ من ليس بمعصوم لا يؤمن صدور القبيح عنه، فاذا وقع كان الاقتداء به قبيحا و المعصوم بعد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله منحصر باجماع الامة في الأئمة، و سيأتي تمام الكلام في هذا المقام في مقدّمات الخطبة الشّقشقية إنشاء اللّه هذا.
و يحتمل أن يكون المراد بالأمر في قوله عليه السّلام: و لجاء أمره، الأعم من الأمور الدّينيّة، و ربّما فسّر به فى الآيتين أيضا، فالمراد به على ذلك جميع الأمور المقدرة المشار إليها في قوله سبحانه: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» و في قوله: «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ».
و قد مضى في الفصل التّاسع من فصول الخطبة الاولى في شرح قوله عليه السّلام: و مختلفون بقضائه و أمره، ما يوجب زيادة البصيرة في المقام، و قد مضى هناك في رواية الكافي عن الباقر عليه السّلام أنّه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا و كذا و في أمر النّاس بكذا و كذا، إلى آخر ما مرّ هناك، و هذا الاحتمال أقرب بالنّظر إلى عموم وظيفتهم عليهم السّلام
الثالث
ما أشار عليه السّلام اليه بقوله: (و عيبة علمه) يعني أنّ علمه مودع عندهم كالثّياب النّفيسة المودعة في العيبة، و تشبيههم بالعيبة من حيث إنّهم كانوا حافظين و صائنين له عن الضّياعة و الاندراس حسن الاستعارة بالعيبة الحافظة للّباس عن الأدناس.
قال البحراني و كونهم عيبة علمه مرادف لكونهم موضع سرّه، إذ يقال في العرف فلان عيبة العلم إذا كان موضع أسراره.
و أقول أمّا تراد فهما في اللّغة و العرف فقد صرّح به بعض اللّغويين أيضا، و لكن الظاهر أنّ السّر أخصّ من العلم، لما قد عرفت سابقا من أن السّر هو العلم الذي يكتم و قد صرّح به غير واحد من اللّغويين و هو المتبادر منه أيضا، فيكون حقيقة فيه و على هذا فيكون العلم أعمّ منه و هو الأنسب بالمقام أيضا، من حيث أنّ التّأسيس أولى من التّأكيد.
و كيف كان فلا غبار على أنّ علم اللّه و علم رسوله المتلقّى منه سبحانه مودع عندهم و هم الحافظون له، و يدل عليه الأخبار المتواترة القطعية.
منها ما رواه في الكافي باسناده عن يونس بن رباط قال: دخلت أنا و كامل التّمار على أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال له كامل: جعلت فداك حديث رواه فلان، فقال: اذكره، فقال: حدّثني أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله حدث عليّا عليه السّلام بألف باب يوم توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ باب يفتح له ألف باب فذلك ألف ألف باب، فقال لقد كان ذلك، قلت جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم و مواليكم فقال عليه السّلام: يا كامل باب أو بابان، فقلت له جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلّا باب أو بابان قال: فقال: و ما عسيتم أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلا ألفا غير معطوفة.
و في البحار من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان من نوادر الحكمة يرفعه إلى أبى بصير قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه المفضّل بن عمر فقال: مسألة يابن رسول اللّه، فقال عليه السّلام: سل يا مفضّل، قال: ما منتهى علم العالم قال عليه السّلام: قد سألت جسيما و لقد سألت عظيما ما السّماء الدّنيا في السّماء الثّانية إلّا كحلقة درع ملقاة في أرض فلاة، و كذلك كلّ سماء عند سماء اخرى، و كذلك السّماء السّابعة عند الظلمة، و لا الظلمة عند النّور و لا ذلك كلّه في الهواء و كا «لا ظ» لأرضين بعضها في بعض و لا مثل ذلك كلّه في علم العالم يعنى الامام إلّا مثل مدّ من خردل دققته دقّا ثمّ ضربته بالماء «ثم خ» حتّى إذا اختلط و رغا«» اظهر اخذت منه لعقة«» باصبعك، و لا علم العالم في علم اللّه إلّا مثل حبة من خردل دققته دقا ثمّ ضربته بالماء حتّى إذا اختلط و رغا انتهزت منه«» برأس ابرة نهزة ثمّ قال عليه السّلام: يكفيك من هذا البيان بأقلّه و أنت بأخبار الموت تصيب.
و من كتاب المحتضر أيضا نقلا من كتاب الأربعين رواية سعد الأوبلى عن عمار ابن خالد عن اسحاق الأزرق عن عبد الملك بن سليمان قال: وجد في ذخيرة أحد حواري المسيح رقّ مكتوب بالقلم السّرياني منقولا من التّوراة و ذلك لما تشاجر موسى و الخضر عليهما السّلام في قضيّة السّفينة و الغلام و الجدار و رجع موسى إلى قومه سأل أخوه هارون عمّا استعمله من الخضر و شاهد من عجايب البحر.
قال بينما أنا و الخضر على شاطيء البحر اذ سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة من ماء البحر و رمى بها نحو المشرق، ثمّ أخذ ثانية و رمى بها نحو المغرب، ثمّ أخذ ثالثة و رمى بها نحو السّماء، ثمّ أخذ رابعة و رمى بها نحو الأرض، ثمّ أخذ خامسة و ألقاها في البحر فبهت الخضر و أنا، قال موسى: فسألت الخضر عن ذلك فلم يجب، و إذا نحن بصيّاد يصطاد فنظر إلينا و قال: ما أريكما في فكر و تعجّب، فقلنا: في أمر الطائر، فقال: أنا رجل صيّاد و قد علمت إشارته و أنتما نبيّان لا تعلمان، قلنا: ما نعلم إلّا ما علّمنا اللّه عزّ و جلّ، قال: هذا طاير في البحر يسمّى مسلم، لأنّه إذا صاح يقول في صياحه مسلم، و أشار بذلك إلى انّه يأتي في آخر الزّمان نبيّ يكون علم أهل المشرق و المغرب و أهل السّماء و الأرض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر، و يرث علمه ابن عمّه و وصيّه، فسكن ما كنا فيه من المشاجرة و استقلّ كلّ واحد منّا علمه، بعد ان كنا به معجبين و مشينا ثمّ غاب الصياد فعلمنا انّه ملك بعثه اللّه إلينا يعرّفنا بنقصنا حيث ادّعينا الكمال.
أقول: و بهذه الأخبار يعرف المعيار إجمالا لعلومهم عليهم السّلام، و فيها كفاية لمن ألقى السّمع و هو شهيد، و أمّا تحقيق كيفيّة هذا العلم و أنّه هل هو على نحو الاحاطة الفعليّة أو الاراديّة فلعلّنا نشير إليه في الموقع المناسب إن شاء اللّه تعالى.
الرابع
ما أشار عليه السّلام إليه بقوله: (و موئل حكمه) و المراد بالحكم إمّا الأحكام الشرعية أى خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلفين من حيث الاقتضاء أو التّخيير و إمّا القضاء الرّافع للخصومات، و على أيّ تقدير فهم موئله و منجاه، اليهم يلتجى فيه و بهم يحصل الخلاص و النّجاة لأنّ ما عندهم هو الحكم المتلقى من الوحى الالهي الذي هو مطابق للواقع و الواقع مطابق له، و هو كلّه صواب لا ريب فيه و هم المرشدون إليه و الأدلّاء عليه.
و يشهد به ما في البحار من مجالس المفيد باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: أما أنّه ليس عند أحد من النّاس حقّ و لا صواب إلّا شيء أخذوه منا أهل البيت، و لا أحد من النّاس يقضي بحقّ و عدل إلّا و مفتاح ذلك القضاء و بابه و أوّله و سنّته أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فاذا اشتبهت عليهم الامور كان الخطاء من قبلهم إذا اختطئوا و الصّواب من قبل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
و في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال اللّه عزّ و جلّ في ليلة القدر: «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» يقول: ينزّل فيها كلّ أمر حكيم و المحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم اللّه عزّ و جلّ، و من حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت، و قد مضى بتمامه في الفصل التّاسع من فصول الخطبة الاولى عند شرح قوله و مختلفون بقضائه و أمره فتذكر.
و في البحار من بصائر الدّرجات عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: اعطيت خصالا ما سبقني إليها أحد، علمت المنايا و البلايا و الانساب و فصل الخطاب.
و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يا أبا بصير إنّا أهل بيت أوتينا علم المنايا و البلايا و فصل الخطاب و عرفنا شيعتنا كعرفان الرّجل أهل بيته.
و المراد بفصل الخطاب الحكم الفاصل بين الحقّ و الباطل، أو المفصول الواضح الدلالة على المقصود، أو ما كان من خصائصهم من الحكم المخصوص في كلّ واقعة و الجوابات المسكتة للخصوم في كلّ مسألة و سيأتي شطر من قضاياه أعني أمير المؤمنين عليه السّلام في شرح الخطبة الآتية عند قوله: و يكثر العثار فيها و الاعتذار منها.
إذا عرفت ما ذكرناه فنقول: إنّ اللّازم حينئذ أخذ الأحكام منهم و الرّجوع إليهم و لا يجوز الاستبداد بالعقول النّاقصة و الآراء الفاسدة في الأحكام الشّرعيّة و الاعتماد فيها على الاقيسة و الاستحسانات كما حقّقناه في شرح الفصل الحادى عشر من فصول الخطبة الاولى.
و قد قال أبو الحسن عليه السّلام فيما رواه في بصائر الدّرجات عن محمّد بن حكيم عنه عليه السّلام: إنّما هلك من كان قبلكم بالقياس و إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يقبض نبيه صلّى اللّه عليه و آله حتّى أكمل له جميع دينه في حلاله و حرامه، فجاءكم بما تحتاجون إليه في حياته و تستغنون به و بأهل بيته بعد موته و أنّها مخبيّة عند أهل بيته حتّى أنّ فيه لأرش الخدش، ثمّ قال عليه السّلام: إنّ أبا حنيفة ممّن يقول: قال عليّ عليه السّلام و قلت أنا.
و كذلك لا يجوز الرّجوع في المرافعات إلى القضاة السّوء فمن رجع اليهم كان بمنزلة الّذين قال اللّه عزّ و جلّ: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» الآية.
و يأتي تفصيل حالات هؤلاء القضاة و ما يترتّب على الرّجوع إليهم في الكلام السابع عشر و الثّامن عشر و شرحهما إن ساعدنا التّوفيق إن شاء اللّه.
الخامس
ما أشار عليه السّلام إليه بقوله: (و كهف كتبه) تشبيههم بالكهف باعتبار أنّهم يلتجى اليهم فيها، أو أنّهم المأوى لها و الحاوون لما فيها كالكهف الذي يحوي من يأوي إليه، و المراد بالكتب إمّا كتب اللّه و هو على تقدير رجوع الضّمير فيه إليه سبحانه، فالمراد بها القرآن و ما انزل قبلها من الصّحف و الكتب السّماوية.
أمّا كونهم كهف القرآن و مأويه و الحافظين له و العالمين به تأويله و تنزيله و ظهره و بطنه و بطن بطنه و هكذا إلى سبعة أبطن و كذلك ساير أوصافه من العموم و الخصوص و الاطلاق و التّقييد و الأحكام و التّشابه إلى غير ذلك، فواضح و قد مضى شطر من الكلام على هذا الباب في التّذييل الثّالث من تذييلات الفصل السّابع عشر من فصول الخطبة الاولى.
و أمّا ساير الكتب السّماوية ففي حديث أبي ذر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قلت: كم كتابا أنزل قال صلّى اللّه عليه و آله: مأئة كتب و أربعة كتب أنزل على شيث خمسين صحيفة، و على اخنوخ ثلاثين صحيفة، و على إبراهيم عشر صحايف، و انزل على موسى قبل التّوراة عشرة صحايف و انزلت التوراة و الانجيل و الزّبور و الفرقان و كانت صحف إبراهيم كلها أمثالا.
و روى في البحار من إرشاد القلوب بالاسناد إلى المفيد يرفعه إلى سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام. يا سلمان الويل كلّ الويل لمن لا يعرف لنا حقّ معرفتنا و أنكر فضلنا، يا سلمان إيّما أفضل محمّد صلّى اللّه عليه و آله أم سليمان ابن داود عليه السّلام قال سلمان قلت: بلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله أفضل، فقال: يا سلمان فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس إلى سبا في طرفة عين و عنده علم من الكتاب و لا أفعل أنا ذلك و عندي ألف كتاب اللّه، انزل اللّه على شيث بن آدم خمسين صحيفة، و على ادريس ثلاثين صحيفة، و على إبراهيم الخليل عشرين صحيفة، و التوراة و الانجيل و الزّبور و الفرقان، فقلت: صدقت يا سيّدي، قال الامام عليه السّلام: إنّ الشّاك في امورنا و علومنا كالمستهزىء في معرفتنا أو حقوقنا، و قد فرض اللّه و لا يتنافى كتابه في غير موضع و بيّن ما أوجب العمل به و هو مكشوف.
و من كتاب التّوحيد عن هشام بن الحكم في خبر طويل قال جاء بريهة جاثليق النّصارى فقال لأبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك أنّى لكم التّوراة و الانجيل و كتب الأنبياء، قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرئها كما قرءوها و نقولها كما قالوها إنّ اللّه لا يجعل حجّة في أرضه يسأل من شيء يقول: لا أدري الخبر.
و من بصائر الدّرجات باسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا محمّد عندنا الصّحف التي قال اللّه صحف إبراهيم و موسى، قلت الصّحف هي الألواح قال: نعم.
هذا كله على احتمال أن يكون المراد بالكتب الكتب المنزلة من اللّه سبحانه و أمّا علي تقدير رجوع الضّمير في كتبه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فالمراد بالكتب القرآن و غيره ممّا اشير إليه في الأخبار.
مثل ما رواه في البحار من البصائر باسناده عن أبي الصّباح الكناني عن أبي جعفر عليه السّلام قال: حدّثني أبي عمّن ذكره، قال: خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و في يده اليمنى كتاب و في يده اليسرى كتاب فنشر الكتاب الذي في يده اليمنى فقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم كتاب لأهل الجنّة بأسمائهم و أسماء آبائهم لا يزاد فيهم واحد و لا ينقص منهم واحد، قال: ثمّ نشر الذي بيده اليسرى فقرأ: كتاب من اللّه الرّحمن الرّحيم لأهل النّار بأسمائهم و أسماء آبائهم و قبائلهم لا يزاد فيهم واحد و لا ينقص منهم واحد.
و من البصائر أيضا باسناده عن الأعمش قال: قال الكلبي: يا أعمش أيّ شيء أشدّ ما سمعت من مناقب عليّ عليه السّلام قال: فقال حدّثني موسى بن طريف عن عباية قال: سمعت عليا عليه السّلام و هو يقول أنا قسيم النّار فمن تبعني فهو مني و من عصاني فهو من أهل النّار، فقال الكلبي عندي أعظم مما عندك، أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام كتابا فيه أسماء أهل الجنّة و أسماء أهل النّار، فوضعه عند أمّ سلمة فلما ولى ابو بكر طلبه فقالت: ليس لك، فلما ولى عمر طلبه، فقالت: ليس لك، فلما ولى عليّ عليه السّلام دفعته إليه.
و منه أيضا باسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا محمّد إنّ عندنا الجامعة و ما يدريهم ما الجامعة قال: قلت: جعلت فداك و ما الجامعة قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أملاء من فلق«» فيه و خطه عليّ عليه السّلام بيمينه فيها كلّ حلال و حرام و كلّ شيء يحتاج إليه النّاس حتّى الأرش في الخدش.
و في الاحتجاج في حديث طويل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: و كان عليه السّلام يقول: علمنا غابر و مزبور و نكت في القلوب و نقر في الأسماع و إنّ عندنا الجفر الأحمر، و الجفر الأبيض، و مصحف فاطمة عليها السّلام، و عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال عليه السّلام: أمّا الغابر فالعلم بما يكون، و أمّا المزبور فالعلم بما كان، و أمّا النكت في القلوب فهو الالهام و امّا النّقر في الاسماع فحديث الملائكة نسمع كلامهم و لا نرى أشخاصهم، و أمّا الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت، و أما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى و انجيل عيسى و زبور داود و كتب اللّه الاولى، و أمّا مصحف فاطمة ففيه ما يكون من حادث و أسماء من يملك و من لا يملك إلى أن يقوم الساعة و ليس فيه قرآن، و أمّا الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من فلق فيه و خط عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بيده فيه و اللّه جميع ما يحتاج النّاس إليه إلى يوم القيامة حتّى أنّ فيه أرش الخدش و الجلدة و نصف الجلدة، الحديث.
و في البحار من بصائر الدّرجات عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن عمر عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: فقلت له: إنّي أسألك جعلت فداك عن مسألة ليس هاهنا احد يسمع كلامي، قال: فرفع أبو عبد اللّه عليه السّلام سترا«» بيني و بين بيت آخر فاطلع فيه، ثمّ قال: يا با محمد سل عمّا بدا لك قال قلت: جعلت فداك: إنّ الشّيعة يتحدّثون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علّم عليّا عليه السّلام بابا يفتح منه ألف باب، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا محمّد علّم و اللّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا ألف باب يفتح له من كلّ باب ألف باب، قال: قلت: له هذا و اللّه العلم فنكت«» ساعة في الأرض ثمّ قال: إنّه لعلم و ما هو بذاك.
قال: ثمّ قال: يا أبا محمّد و إنّ عندنا الجامعة و ما يدريهم ما الجامعة، قال: قلت جعلت فداك: و ما الجامعة، قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إملاه من فلق فيه و خطه عليّ عليه السّلام بيمينه، فيها كلّ حلال و حرام و كلّ شيء يحتاج النّاس إليه حتّى الأرش في الخدش و ضرب بيده إلىّ فقال تأذن«» لي يا أبا محمّد قال: قلت جعلت فداك: إنّ «أناظ» لك اصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده فقال حتّى أرش هذا فكأنه مغضب«» قال: قلت جعلت فداك: هذا و اللّه العلم، قال: إنّه لعلم و ليس بذاك، ثمّ سكت ساعة.
ثمّ قال: إنّ عندنا الجفر و ما يدريهم«» ما الجفر مسك«» شاة أو جلد بعير، قال: قلت جعلت فداك: ما الجفر قال: وعاء أحمر و أديم أحمر فيه علم النّبيّين و الوصيّين، قلت: هذا و اللّه هو العلم، قال: إنّه لعلم و ما هو بذاك، ثمّ سكت ساعة.
ثمّ قال: و إنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السّلام و ما يدريهم ما مصحف فاطمة، قال عليه السّلام فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، و اللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد إنّما هو شيء أملاء اللّه عليها أو أوحى إليها، قال: قلت: هذا و اللّه هو العلم، قال: إنّه لعلم و ليس بذاك، قال ثمّ سكت ساعة.
ثمّ قال: إنّ عندنا لعلم«» ما كان و ما هو كائن إلى أن تقوم السّاعة، قال: قلت: جعلت فداك: هذا و اللّه هو العلم، قال: إنّه لعلم و ما هو بذاك، قال: قلت جعلت فداك فأىّ شيء هو العلم، قال: ما يحدث باللّيل و النّهار الأمر بعد الأمر و الشّيء بعد الشّيء إلى يوم القيامة.
قال في البحار: قوله عليه السّلام و اللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد أى فيه علم ما كان و ما يكون.
فان قلت: في القرآن أيضا بعض الأخبار، قلت: لعلّه لم يذكر فيه ما في القرآن.
فان قلت: يظهر من بعض الأخبار اشتمال مصحف فاطمة عليها السّلام أيضا على الأحكام،قلت: لعلّ فيه ما ليس في القرآن.
فان قلت: قد ورد في كثير من الأخبار اشتمال القرآن على جميع الأحكام و الأخبار ممّا كان أو يكون، قلت. لعلّ المراد به ما نفهم من القرآن لا ما يفهمون منه، و لذا قال: قرآنكم على أنّه يحتمل أن يكون المراد لفظ القرآن، ثمّ الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها عليها السّلام على الأخبار فقط فيحتمل أن يكون المراد عدم اشتماله على أحكام القرآن انتهى هذا.
و في المقام إشكال قويّ: و هو أنّ المستفاد من قوله عليه السّلام: إنّ عندنا لعلم ما كان و ما هو كائن إلى أن تقوم السّاعة، أنّهم عليهم السّلام يعلمون جميع الشّرايع و الأحكام و ما كان و ما يكون، و مثله ورد في الأخبار الكثيرة و على ذلك فأيّ شيء يبقي حتّى يحدث لهم بالليل و النّهار كما يدلّ عليه آخر الحديث و يستفاد من الأخبار الاخر أيضا.
و قد اجيب عنه بوجوه الأوّل أنّ العلم ليس ما يحصل بالسّماع و قراءة الكتب و حفظها، فان ذلك تقليد و إنّما العلم يفيض من عند اللّه سبحانه على قلب المؤمن يوما فيوما و ساعة فساعة فيكشف به من الحقائق ما تطمئنّ به النّفس و ينشرح له الصّدر و يتنوّر به القلب، و الحاصل أنّ ذلك مؤكد و مقرّر لما علم سابقا يوجب مزيد الايمان و اليقين و الكرامة و الشّرف بافاضة العلم عليهم بغير واسطة المرسلين.
الثّاني أن يفيض عليهم عليهم السّلام تفاصيل عندهم مجملاتها و إن أمكنهم استخراج التّفاصيل ممّا عندهم من اصول العلم و موادّه.
الثّالث أنّهم عليهم السّلام في النّشأتين سابقا على الحياة البدني و لاحقا بعد وفاتهم يعرجون في المعارف الرّبانية الغير المتناهية على مدارج الكمال إذ لا غاية لعرفانه تعالى و قربه.
قال العلّامة المجلسى بعد تقويته هذا الوجه: و يظهر ذلك من كثير من الأخبار و ظاهر أنّهم إذا تعلموا في بدء إمامتهم علما لا يقفون في تلك المرتبة و يحصل لهم بسبب مزيد القرب و الطاعات زوايد العلم و الحكم و التّرقيات في معرفة الرّبّ تعالى، و كيف لا يحصل لهم و يحصل ذلك لساير الخلق مع نقص قابليتهم و استعدادهم، فهم عليهم السّلام أولى بذلك و أحرى.
ثمّ قال «قده» و لعل هذا أحد وجوه استغفارهم و توبتهم فيكل يوم سبعين مرّة و أكثر، إذ عند عروجهم الى كلّ درجة رفيعة من درجات العرفان يرون أنّهم كانوا في المرتبة السّابقة في النّقصان فيستغفرون فيها و يتوبون إليه تعالى.
السادس
ما أشار عليه السّلام إليه بقوله (و جبال دينه) قال الشّارح المعتزلي: لا يتحلحلون«» عن الدّين أو أنّ الدّين ثابت بوجودهم كما أنّ الأرض ثابتة بالجبال لولا الجبال لمادت بأهلها و قال البحراني و أشار بكونهم جبال دينه إلى أنّ دين اللّه سبحانه بهم يعتصم عن وصمات الشّياطين و تبديلهم و تحريفهم كما يعتصم الخائف بالجبل ممّن يؤذيه.
أقول: و المعنيان متقاربان و المقصود واحد و هو أنّ وجودهم سبب لبقاء الدّين و انتظام أمر المسلمين، و بهم ينفى عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين.
كما روى في البحار من كتاب قرب الاسناد عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام أن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: في كلّ خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفى عن الدّين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجهال، و إنّ أئمتكم و فدكم إلى اللّه فانظروا من توفدون في دينكم و صلواتكم.
و من علل الشّرايع باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه لم يدع الأرض إلّا و فيها عالم يعلم الزّيادة و النّقصان من دين اللّه عزّ و جلّ، فاذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم و لو لا ذلك لالتبس على المسلمين أمرهم و عن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لن تبقى الأرض إلّا و فيها من يعرف الحقّ فاذا زاد النّاس فيه قال: قد زادوا، و إذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، و إذا جاءوا به صدّقهم و لو لم يكن كذلك لم يعرف الحقّ من الباطل، و الأخبار في هذا المعنى كثيرة.
السابع و الثامن
ما أشار عليه السّلام إليه بقوله: (بهم أقام انحناء ظهره، و أذهب ارتعاد فرايصه) و المراد بذلك على تقدير رجوع الضّمير في ظهره و فرايصه إلى الدّين واضح، و هو أنّهم أسباب لقوام الدّين و رافعون لاضطرابه حسبما عرفت آنفا، و أمّا على تقدير رجوعهما إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو إشارة إلى أنّ اللّه سبحانه جعلهم اعضادا يشدّون ازره و يقوّمون ظهره، و انحناء ظهره كناية عن ضعفه في بدء الاسلام، و ارتعاد الفرايص كناية عن الشّيء ببعض لوازمه إذ كان ارتعاد الفرايص من لوازم شدّة الخوف، يعنى أنّ اللّه ازال عنه صلّى اللّه عليه و آله بمعونتهم خوفه الذي كان يتوقّعه من المشركين على حوزة الدين، و اتصافهم عليهم السّلام بهذين الوصفين ظاهر لا ريب فيه لأنّهم لم يألوا جهدهم في نصرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تقوية دينه قولا أو فعلا، و قد قال تعالى: «وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ».
و قد روى العامة و الخاصّة عن أبي هريرة قال: مكتوب على العرش لا إله إلّا أنا وحدي لا شريك لي و محمّد عبدي و رسولي أيدته بعليّ عليه السّلام، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ» فكان النّصر عليّا عليه السّلام و دخل مع المؤمنين فدخل فى الوجهين جميعا، و بمضمونه أخبار اخر من الطريقين، و قال سبحانه أيضا: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» قال أبو هريرة. نزلت هذه الآية فى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، و هو المعنيّ بقوله: المؤمنين و بالجملة فانتصار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأمير المؤمنين عليه السّلام و حمايته له باليد و اللسان و جدّه في إعلاء كلمة الاسلام ممّا هو غنيّ عن البيان:
بدر له شاهد و الشّعب من أحد و الخندقان و يوم الفتح إن علموا
و كفى بذلك شهيدا مبيته على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى باهى اللّه سبحانه بذلك على ملائكته و أنزل: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» و برازه«» يوم الخندق لعمرو بن عبدود حتّى أنزل فيه: «وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ» بعليّ بن أبي طالب، و قتله عمروا على ما ورد فى الرّوايات الكثيرة، و فى ذلك اليوم قال صلّى اللّه عليه و آله: ضربة عليّ أفضل من عبادة الثّقلين.
و أمّا ساير الأئمة عليهم السّلام فقد كان هممهم مقصورة على حماية حمى الدّين و إحياء أحكام سيّد المرسلين، بعضهم بالقتال و الجدال كالحسين عليه السّلام، و بعضهم باللسان و البيان كساير المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين، و ذلك مع ما هم عليه من التّقية و الخوف، و لذلك انّ الصّادقين عليهما السلام لمّا تمكّنا من إظهار الأحكام و نشر الشّرايع و زالت عنهم التّقية التي كانت على غيرهم قصروا اوقاتهم فى إحياء الشّريعة و إقامة السّنة على ما هو معروف، و قد كان أربعة آلاف نفر من اهل العلم متلمذا عنده و قد صنّفوا من أجوبته فى المسائل أربعمائة كتاب، هى معروفة بكتب الاصول، فبوجودهم استقام امر الدّين و استحكم شريعة خاتم النّبيين، و بقائمهم يملاء اللّه الارض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا.
الترجمة
آل حضرت رسالت مآب صلوات اللّه عليه و عليهم موضع اسرار خفيّه آن جنابند و پناهگاه امور دينيه اويند و صندوق علم اويند و محل نجات و خلاصى احكام اويند كه بجهت التجاء ايشان خلاصى مىيابند مردم از باديه عجز و سرگردانى و مخزن كتابهاى اويند و كوههاى دين اويند كه نكاه مىدارند دين را از اضطراب و از تحريف و تبديل همچنان كه كوهها نكاه مى دارند زمين را از تموج و تزلزل، بسبب وجود ايشان راست كرد خمى و كجى پشت او را كه در بدو اسلام ضعيف بود و بواسطه ايشان زايل فرمود لرزيدن گوشت پاره هاى ميان پهلو و شانه آنرا كه حاصل بود به جهت خوف بر دين و از ترس بر حوزه شرع مبين.
الفصل الخامس منها يعنى قوما آخرين (منها فى المنافقين خل)
زرعوا الفجور، و سقوه الغرور، و حصدوا الثّبور، لا يقاس بآل محمّد «صلّى اللّه عليه و آله» أحد من هذه الامّة، و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدّين، و عماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، و بهم يلحق التّالي، و لهم خصايص حقّ الولاية، و فيهم الوصيّة و الوراثة، الان إذ رجع الحقّ إلى أهله، و نقل إلى منتقله.
اللغة
(حصدت) الزّرع و غيره حصدا من بابي ضرب و قتل فهو محصود و حصيد و (الثبور) الهلاك و الخسران و (أساس) الشّيء أصله و (الغلوّ) التّجاوز عن الحدّ قال تعالى: لا تغلوا في دينكم، إى لا تجاوزوا الحدّ و (تلوت) الرّجل أتلوه تلوا تبعته و المراد بالتّالي هنا المرتاد الذي يريد الخير ليوجر عليه.
الاعراب
قال الجوهري: الآن اسم للوقت الذي أنت فيه و هو ظرف غير متمكن وقع معرفة و لم يدخله الالف و اللّام للتّعريف لأنّه ليس له ما يشركه انتهى، و هو في محلّ الرّفع على الابتداء، و كلمة إذ مرفوع المحلّ على الخبريّة و مضافة إلى الجملة بعدها أى الآن وقت رجوع الحقّ إلى أهله فاذ في المقام نظير إذا في قولك: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما، على ما ذهب إليه في الكشّاف من كون إذافيه خبرا، و يمكن أن يكون الآن خبرا مقدّما و إذ مبتدأ مثل إذ في قوله تعالى على قراءة بعضهم لمن «مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ».
أى من منّ اللّه على المؤمنين وقت بعثه، ذكره الزّمخشرى أيضا هذا، و يحتمل أن يكون إذ بمعنى قد للتّحقيق و هو أقرب معنى و إليه ذهب بعضهم في قوله تعالى: «وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ».
أو يكون للتّوكيد و الزّيادة حكاه ابن هشام عن أبى عبيدة و ابن قتيبة في قوله تعالى: «وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ».
المعنى
قيل: الاشارة بمفتتح كلامه عليه السّلام فى هذا الفصل إلى الخوارج و قيل: إلى المنافقين كما ورد مصرّحا به في بعض النسخ.
و قال البحراني: يحتمل أن يكون متناولا لكلّ من نابذه و خرج عن طاعته زاعما أنّه بذلك متعصّب الدّين و ناصر له و يدخل في ذلك القاسطون و هم أصحاب معاوية و المارقون و هم الخوارج و من في معناهم إذ زعم الكلّ أنّهم لقتاله طالبون للحقّ ناصرون له.
و قال الشّارح المعتزلي: و إشارته هذا ليست إلى المنافقين كما ذكره الرضيّ (ره) و إنّما هي إشارة إلى من تغلّب عليه و جحد حقّه كمعاوية و غيره، و لعلّ الرّضيّ (ره) عرف ذلك و كنّى عنه.
و كيف كان فقد استعار فجور هؤلاء و عدولهم عن الحقّ للحبّ الذي يبرز و قرنه بما يلايم المشبّه به ترشيحا للاستعارة، فقال عليه السّلام: (زرعوا الفجور) فانّ الزّرع لما كان عبارة عن إلقاء الحبّ في الأرض حسن استعارته لبذر الفجور في أراضى قلوبهم، و لأنّ انتشاره عنهم و نموّه فيهم يشبه نموّ الزرع و انتشاره في الأرض، هكذا قيل و الأظهر أنّه استعارة مكنيّة تخيّلية حيث شبه الفجور بالحبّ المزروع و أثبت الزّرع تخيّلا.
ثمّ لما كان استمرارهم على الفجور و الغيّ إنّما نشأ من غرورهم و من تماديهم في الغفلة قرنه بقوله عليه السّلام: (و سقوه الغرور) أى سقوه بماء الغرور و تشبيهه بالماء من حيث إنّ الماء كما أنّه سبب حياة الزّرع و نموّه و مادّة زيادته، فكذلك الغرور منشأ فجورهم و مادّة زيادة طغيانهم، و لأجل ذلك حسن استعارة لفظ السّقى الذي هو من خصائص الماء له و نسبته إليهم.
ثمّ لما كانت غاية ذلك الفجور هو الهلاك و العطب في الدّنيا بسيف الأولياء و في الآخرة بالنّار الحامية حسن اتباعه بقوله: (و حصدوا الثّبور) و جعله«» الثبور الذي هو الهلاك نتيجة لزراعة الفجور و ثمرة لها أى كانت نتيجة ذلك الزرع و السّقى حصادا هو الهلاك.
ثمّ لما ذكر عليه السّلام مثالب الأعداء أشار إلى مناقب الأولياء و قال: (لا يقاس بآل محمّد) صلّى اللّه عليه و آله (من هذه الامة أحد) و لا يوازنهم غيرهم، و لا يقاسون بمن عداهم، كما صرّح عليه السّلام به ايضا فيما رواه في البحار من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان من كتاب الخصائص لابن البطريق رفعه إلى الحرث، قال: قال عليّ عليه السّلام: نحن أهل بيت لا نقاس بالناس، فقام رجل فأتى عبد اللّه بن العبّاس فأخبره بذلك، فقال: صدق عليّ عليه السّلام، أو ليس كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يقاس بالنّاس ثمّ قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عليّ عليه السّلام: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ».
و من كتاب المحتضر أيضا من كتاب الخطب لعبد العزيز بن يحيى الجلودي قال: خطب أمير المؤمنين عليه السّلام: فقال: سلوني قبل أن تفقدونى فأنا عيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاذا «فأنا خل» فقأت«» عين الفتنة بباطنها و ظاهرها، سلوا من عنده علم المنايا و البلايا و الوصايا و فصل الخطاب، سلوني فأنا ينسوب المؤمنين حقّا، و ما من فئة تهوى مأئة أو تضلّ مأئة إلّا و قد أتيت بقائدها و سايقها، و الذي نفسي بيده لو طوى لي الوسادة فأجلس عليها لقضيت بين أهل التّوراة بتوراتهم و لأهل الانجيل بإنجيلهم و لأهل الزّبور بزبورهم و لأهل الفرقان بفرقانهم، قال: فقام ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يخطب النّاس، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن نفسك، فقال: ويلك أ تريد أن ازكي نفسي و قد نهى اللّه عن ذلك مع أنّي كنت إذا سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاني و إذا سكتّ ابتدأني و بين الجوانح منّي علم جمّ و نحن أهل بيت لا نقاس بأحد.
و بالجملة فهم عليهم السّلام لا يقاسون بأحد و لا يقاس أحد بهم و لا يستحقّ أحد بلوغ مراتبهم و نيل مقاماتهم (و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا) هذا العطف بمنزلة التّعليل لابطال قياس المساواة بينهم و بين غيرهم، و في هذه الجملة على و جازتها إشارة إلى مطالب نفيسة كلّ واحد منها خير من الدّنيا و ما فيها.
الاول أنّهم أولياء النّعم شاهدها و غائبها و ظاهرها و باطنها.
الثاني أنّ نعمتهم جارية على العباد أبد الدّهر لا يختصّ بآن دون آن، و فيوضاتهم متواترة لا تنحصر بوقت دون وقت.
الثالث ما هو كالنّتيجة لسابقيه، و هو أنّ التّسوية بينهم و بين غيرهم حينئذ باطلة ضرورة أنّ المنعم أفضل من المنعم عليه.
اما الاول فلأنّهم اصول نعم اللّه سبحانه و خزاين كرمه و لوجودهم خلقت الدّنيا و ما فيها و بوجودهم ثبتت الأرض و السّماء كما قال الصّادق عليه السّلام فيما رواه في الكافي عن مروان بن مياح عنه عليه السّلام، قال: إنّ اللّه خلقنا فأحسن خلقنا و صوّرنا فأحسن صورنا و جعلنا عينه في عباده، و لسانه النّاطق في خلقه، و يده المبسوطة على عباده بالرأفة و الرّحمة، و وجهه الذي يؤتى منه، و بابه الذي يدلّ عليه، و خزّانه في سمائه و أرضه، بنا أثمرت الأشجار و أينعت الثّمار و جرت الأنهار، و بنا ينزل غيث السّماء و نبت عشب الأرض، و بعبادتنا عبد اللّه و لو لا نحن ما عبد اللّه.
فقد ظهر منه أنّهم عليهم السّلام و سايط الفيوضات النّازلة و النّعم الواصلة، و أنّهم يد اللّه المبسوطة، كما ظهر أنّ ايجادات الخلق و ما تضمّنت من العبادات و الشّرعيات و تكاليف المكلّفين و ما تضمّنت من الوجودات كلّها آثارهم و من شئونات ولايتهم.
لهم خلق اللّه العوالم كلّها
و حكمهم فيها بها من خليقة
فهم علّة الايجاد و اللّه موجد
بهم قال للاشياء كونى فكانت
و إلى هذه النّعمة اشيرت في آيات كثيرة.
منها قوله تعالى: «وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً».
قال الباقر عليه السّلام: النّعمة الظاهرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ما جاء به من معرفته و توحيده. و أمّا النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت و عقد مودّتنا.
و منها قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ».
روى في البحار عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على محمّد بن عليّ عليهما السّلام فقدم لي طعاما لم آكل أطيب منه، فقال لي يا أبا خالد كيف رأيت طعامنا فقلت جعلت فداك ما أطيبه غير أنّي ذكرت آية في كتاب اللّه فنغّصته«»، قال عليه السّلام و ما هي قلت: ثمّ لتسئلنّ يومئذ عن النّعيم، فقال عليه السّلام و اللّه لا تسأل عن هذا الطعام أبدا، ثمّ ضحك حتّى افترّ«» ضاحكا و بدت أضراسه، و قال أ تدرى ما النّعيم قلت: لا، قال: نحن النّعيم الذي تسألون عنه.
و منها قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً» روى في تفسير العيّاشي عن الأصبغ بن نباتة في هذه الآية، قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: نحن نعمة اللّه التي أنعم على العباد.
و منها قوله تعالي: «فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ».
روى في الكافي عن أبي يوسف البزاز، قال: تلا أبو عبد اللّه عليه السّلام هذه الآية، قال عليه السّلام أ تدرى ما آلاء اللّه قلت: لا قال: هي أعظم نعم اللّه على خلقه و هي ولايتنا.
و منها قوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ».
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في مرويّ داود الرّقي: أى بأيّ نعمني تكذّبان، بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله أم بعليّ عليه السّلام فبهما أنعمت على العباد إلى غير ذلك من الآيات التي يطول ذكرها.
و بالجملة فوجود الأئمة سلام اللّه عليهم نعمة و ولايتهم نعمة.
و ما نعمة الّا و هم أولياؤها فهم نعمة منها أتت كلّ نعمة
و اما الثاني و هو عدم اختصاص فيوضاتهم بوقت دون وقت و جريان نعمتهم أبد الدّهر فقد ظهر وجهه اجمالا من رواية الكافي السابقة عن مروان بن مياح عن الصّادق عليه السّلام.
و تفصيله أنّ النّعم على كثرتها إمّا دنيويّة أو اخرويّة.
أمّا الدّنيوية فقد ظهر من الرّواية السّابقة أنّهم سبب إبداع الموجودات و ايجاد المبدعات، و أنّهم عين اللّه الناظرة و يده الباسطة و خزّان اللّه في الأرض و السّماء و بابه الذي منه يؤتى، كما ظهر في الفصل الخامس عشر من فصول الخطبة الاولى عند شرح قوله عليه السّلام أو حجّة لازمة، أنّ نظام العباد و انتظام البلاد إلى يوم التّناد إنّما هو بوجود الامام، و أنّ الأرض لو تبقى بغير حجّة لساخت و انخسفت و يدلّ على ذلك مضافا إلى ما سبق، ما رواه في البحار من كتاب إكمال الدين و أمالى الصّدوق بالاسناد عن الأعمش عن الصّادق عن أبيه عن عليّ بن الحسين عليهم السّلام، قال: نحن أئمة المسلمين و حجج اللّه على العالمين و سادة المؤمنين و قادة الغرّ المحجلين و موالي المؤمنين، و نحن أمان أهل الأرض كما أنّ النّجوم أمان أهل السّماء، و نحن الذين بنا يمسك اللّه السّماء أن تقع على الارض إلّا باذنه و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها و بنا ينزل الغيث و بنا ينشر الرّحمة و يخرج بركات الأرض، ثمّ قال عليه السّلام: و لم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجة للّه فيها ظاهر مشهور أو غايب مستور و لا تخلو إلى أن تقوم السّاعة من حجّة اللّه، فيها و لو لا ذلك لم يعبد اللّه، قال سليمان: فقلت للصّادق عليه السّلام: فكيف ينتفع النّاس بالحجّة الغائب المستور قال عليه السّلام: كما ينتفعون بالشّمس إذا سترها السّحاب، و مثله في الاحتجاج إلى قوله لم يعبد اللّه.
و أمّا النّعم الاخرويّة فانّما هي كلها متفرّعة على معرفة اللّه سبحانه و عبادته، و هم اصول تلك المعرفة إذ بهم عرف اللّه و بهم عبد اللّه و لولاهم ما عبد اللّه، كما دلت عليه رواية الكافي السّالفة و غيرها من الأخبار المتواترة، مضافا إلى ما مرّ في ثالث تذنيبات الفصل الرّابع من فصول الخطبة الاولى أنّ ولايتهم عليهم السّلام شرط صحّة الأعمال و قبولها، و بها يترتّب عليها ثمراتها الاخروية، و بدونها لا ينتفع بشيء منها.
هم العروة الوثقى التي كلّ من بها تمسّك لم يسأل غدا عن خطيئة
فبولايتهم ينال السّعادة العظمى و تدرك الشّفاعة الكبرى و يكتسب الجنان و يحصل الرّضوان الذي هو أعظم الثّمرات و أشرف اللّذات، كما قال سبحانه: «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».
و اما الثالث و هو أفضليّة المنعم من المنعم عليه فضرورىّ مستغن عن البيان خصوصا إذا كان الانعام بمثل هذه النعم الجليلة التي أشرنا إليها، و أعظمها الهداية إلى اللّه و الدّلالة على اللّه و الارشاد إلى رضوان اللّه.
و يرشد إلى ما ذكرناه ما رواه في الاحتجاج عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام، قال: إنّ رجلا جاء إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام برجل يزعم أنّه قاتل أبيه،فاعترف فأوجب عليه القصاص و سأله أن يعفو عنه ليعظم اللّه ثوابه فكان نفسه لم تطب بذلك، فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام لمدّعى الدّم الذي هو الولي المستحق للقصاص إن كنت تذكر لهذا الرّجل عليك فضلا فهب له هذه الجناية و اغفر له هذا الذّنب، قال له يابن رسول اللّه. له عليّ حقّ و لكن لم يبلغ به إلى أن أعفو له عن قتل والدي، قال عليه السّلام فتريد ما ذا قال: أريد القود فان أراد بحقّه على أن اصالحه على الدّية لصالحته و عفوت عنه، قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: فما ذا حقّه عليك قال يا بن رسول اللّه: لقّاني توحيد اللّه و نبوّة رسول اللّه و إمامة عليّ و الأئمة عليهم السّلام، فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: فهذا لا يفي بدم أبيك بلى و اللّه هذا يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأولين و الآخرين سوى الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام إن قتلوا فانّه لا يفي بدمائهم شيء الخبر.
(هم أساس الدّين) و بهم قوامه و دوامه كما أنّ قوام البناء على الأساس، و قد ظهر وجهه في شرح قوله عليه السّلام بهم أقام انحناء ظهره اه فتذكر (و عماد اليقين) و دعامته و عليهم اعتماده و بهم ثباته، إذ بهم يرتفع الشّبهاب و يدفع الشكوكات، و يحتمل أن يكون المراد باليقين خصوص المعارف الحقّة و العقائد اليقينيّة، و لعلّه الأنسب بقوله: اساس الدين (اليهم يفيء) أى يرجع (الغالي و بهم يلحق التّالي) قال البحراني أشار بقوله: إليهم يفيء الغالي إلى أنّ المتجاوز للفضائل الانسانية التي مدارها على الحكمة و العفة و الشّجاعة و العدالة، إلى طرف الافراط منها يرجع اليهم و يهتدى بهم في تحصيل هذه الفضايل، لكونهم عليها، و يقوله عليه السّلام: و بهم يلحق التّالي إلى أنّ المقصر عن يلوغ هذه الفضايل المرتكب لطرف التّفريط في تحصيلها يلحق بهم عند طلبه لها و معاونة اللّه له بالهداية إلى ذلك انتهى.
أقول: و ما ذكره (ره) ممّا لاغبار عليه إلّا انّ الاظهر بملاحظة السّياق و سبق قوله: هم أساس الدين: أنّ المراد بالغالى هو المفرط في الدّين، و بالتّالي المقصر فيه بخصوصه، و ان كان وظيفتهم عليهم السّلام العدل في كلّ الامور و هم الأئمة الوسط و النمط«» الأوسط، كما في الحديث: نحن النّمط الأوسط و لا يدركنا الغالي و لا يسبقنا التّالي، و في حديث آخر نحن النّمرقة«» الوسطى، بنا يلحق التّالي و إلينا يرجع الغالى.
قال بعض شارحي الحديث: استعار عليه السّلام لفظ النّمرقة بصفة الوسطى لهم عليهم السّلام باعتبار كونهم أئمة العدل يستند الخلق إليهم فى تدبير معاشهم و معادهم، و من حقّ الامام العادل أن يلحق به التّالي المفرط و المقصر في الدّين، و يرجع إليه الغالي المتجاوز في طلبه حدّ العدل كما يستند الى النّمرقة المتوسطة من على جانبيها.
و في البحار من أمالي الشيخ باسناده عن فضل بن يسار، قال: قال الصّادق عليه السّلام: احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم، فانّ الغلاة شرّ خلق اللّه يصغرون عظمة اللّه و يدّعون الرّبوبيّة لعباد اللّه، و اللّه إنّ الغلاة لشرّ من اليهود و النّصارى و المجوس و الذين أشركوا، ثم قال عليه السّلام: إلينا يرجع الغالى فلا نقبله و بنا يلحق المقصر فنقبله، فقيل له كيف ذلك يابن رسول اللّه قال عليه السّلام: لأنّ الغالي قد اعتاد ترك الصّلاة و الصّيام و الزكاة و الحجّ فلا يقدر على ترك عادته و على الرّجوع إلى طاعة اللّه عزّ و جلّ، و أنّ المقصر إذا عرف عمل و أطاع (و لهم خصايص حقّ الولاية) العظمى و الخلافة الكبرى و هي الرّياسة الكلّية و السّلطنة الالهية.
و في هذه الجملة تنبيه على أنّ للولاية خصايص بها يتأهل لها، و شروطا بها يحصل استحقاقها و أنّ تلك الخصائص و الشرائط موجودة فيهم و مختصّة بهم لا يوجد في غيرهم، و ذلك بملاحظة كون اللّام حقيقة في الاختصاص الحقيقي مضافا إلى دلالة تقديم الخبر الذي حقّه التّأخير على المبتدأ على انحصار هذه الخصائص فيهم.
و بالجملة فهذه الجملة دالة بمنطوقها على أنّ هؤلاء هم المستحقون للولاية و الرّياسة العامة من أجل وجود خواصّها فيهم، و بمفهومها على عدم استحقاق من سواهم لها لخلوّهم عن هذه الخواصّ.
و أمّا ما ذكره الشّارح المعتزلي في تفسير كلامه عليه السّلام: من أنّ لهم خصايص حقّ ولاية الرّسول على الخلق فتأويل بعيد مخالف لظاهر كلامه عليه السّلام كما لا يخفى، و من العجب أنّه فسّر الولاية قبل كلامه ذلك بالامارة، فيكون حاصل معنى الكلام على ما ذكره أنّ لهم خصايص حقّ امارة الرّسول على الخلق.
و أنت خبير بما فيه أمّا أولا فلانّه إن أراد بامارة الرّسول على الخلق الرّياسة العامة و السلطنة الكلية التي هي معنى الأولى بالتّصرف، فتفسير الولاية بها حينئذ صحيح إلّا أنّه لا داعي إلى ذلك التفسير إذ دلالة لفظ الولاية على ذلك المعنى أظهر من دلالة الامارة عليه، و إن أراد بها الامارة على الخلق فى الامور السّياسية و مصالح الحروب فقط فهو كما ترى خلاف ظاهر كلامه عليه السّلام خصوصا بملاحظة سابقه و لاحقه الوارد فى مقام التمدح و إظهار الفضايل و المناصب الالهية، و من المعلوم أنّ منصب امارة الحرب و نحوه ليس ممّا يعبأ به و يتمدح عند منصب النّبوة و الرّسالة و أمّا ثانيا فلانّا لم نر إلى الآن توصيف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فى كلام أحد من الامة و لا إطلاق الأمير عليه صلّى اللّه عليه و آله فى آية و لا سنة، فأىّ داع إلى تمحل هذا التّأويل المشتمل على السّماجة و الأولى الاعراض عن ذلك و التّصدّى لبيان خصايص الولاية.
و قد اشير اليها فى أخبار كثيرة أكثرها جمعا لها ما رواه فى الكافى عن أبى محمّد القاسم بن علا رفعه عن عبد العزيز بن مسلم، و فى العيون و البحار من كتاب إكمال الدين و معانى الأخبار و أمالى الصّدوق جميعا عن الطالقانى عن القاسم بن محمّد بن عليّ الهارونى عن عمران بن موسى عن القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز ابن مسلم، قال: كنا مع الرّضا عليه السّلام «فى أيام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام خل» بمرو فاجتمعنا فى الجامع يوم الجمعة فى «بدو خ» بدء مقدمنا فأداروا «فأدار الناس خ» امر الامامة و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي و مولاى عليه السّلام فاعلمته خوض «ما خاض خ» النّاس فيه، فتبسم عليه السّلام ثمّ قال يا عبد العزيز جهلوا القوم و خدعوا عن آرائهم «أديانهم خ»«» ان اللّه لم يقبض نبيه صلّى اللّه عليه و آله حتّى أكمل له الدّين و أنزل عليه القرآن فيه تبيان «تفصيل خ» كلّ شيء بيّن فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام، و جميع ما يحتاج إليه النّاس كملا، فقال عزّ و جلّ: «ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ» و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره صلّى اللّه عليه و آله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ».
و أمر الامامة من تمام الدين و لم يمض حتّى بيّن لامته معالم دينهم «دينه خ» و أوضح لهم سبيلهم «سبله خ» و تركهم على قصد سبيل الحقّ و أقام لهم عليّا عليه السّلام علما و إماما و ما ترك شيئا يحتاج إليه الامّة إلّا بينه. فمن زعم أن اللّه عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه، و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر، هل يعرفون قدر الامامة و محلّها من الامة فيجوز فيها اختيارهم إنّ الامامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلى مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها النّاس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم: إنّ الامامة خصّ اللّه بها إبراهيم الخليل عليه السّلام بعد النّبوة و الخلّة مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه بها، و أشاد بها جلّ ذكره فقال: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» فقال الخليل عليه السّلام سرورا بها «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي» قال اللّه تبارك و تعالى: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».
فابطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة و صارت في الصّفوة ثمّ اكرمه اللّه تعالى بأن جعلها في ذرّيته أهل الصّفوة و الطهارة فقال: «وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ» فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرنا عن قرن «فقرنا خ» حتّى ورثها اللّه عزّ و جلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال جلّ و تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ» فكانت له خاصّة، فقلّدها عليّا عليه السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ على رسم ما فرض «فرضها خ» اللّه فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم و الايمان بقوله جلّ و علا: «وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ» فهي في ولد عليّ عليه السّلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله فمن أين يختار هؤلاء الجهال إنّ الامامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء.
إنّ الامامة خلافة اللّه و خلافة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و مقام أمير المؤمنين و ميراث الحسن و الحسين عليهم السّلام، إنّ الامامة «الامام خ» زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين.
إنّ الامامة اسّ الاسلام النّامي و فرعه السّامي.
بالامام تمام الصّلاة و الزكاة و الصّيام و الحجّ و الجهاد و توفير الفيء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثّغور و الأطراف.
الامام يحلّل حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه و يذبّ عن دين اللّه و يدعو الى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجّة البالغة.
الامام كالشّمس الطاعة المجللة بنورها للعالم و هي في الافق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار.
الامام البدر المنير و السّراج الظاهر و النّور السّاطع و النجم الهادي في غياهب الدّجى و أجواز البلدان و القفار «و البيد القفار خ» و لجج البحار.
الامام الماء العذب على الظماء و الدّال على الهدى و المنجي من الرّدى.
الامام النّار على البقاع الحارّ لمن اصطلى به و الدّليل في المهالك من فارقه فهالك.
الامام السحاب الماطر و الغيث الهاطل و الشّمس المضيئة و السّماء الظليلة و الأرض البسيطة و العين الغزيرة و الغدير و الرّوضة.
الامام الأنيس الرّفيق و الوالد الشفيق «الأمين الرفيق و الوالد الرقيق خ» و الأخ الشقيق و الأم البرة بالولد الصّغير و مفزع العباد في الدّاهية «و خ» الناد.
الامام أمين اللّه في خلقه و حجّته على عباده و خليفته في بلاده و الدّاعي إلى اللّه و الذّابّ عن حرم اللّه.
الامام المطهر من الذّنوب و المبرّى من العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدّين و عزّ المسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين الامام واحد دهره و لا يدانيه أحد و لا يعادله عالم و لا يوجد منه بدل و لا له مثل و لا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه و لا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام او يمكنه اختياره هيهات هيهات، ضلّت العقول و تاهت الحلوم، و حارت الألباب، و حسرت «خسئت خ» العيون، و تصاغرت العظماء و تحيرت الحكماء، و تقاصرت الحلماء، و حصرت الخطباء، و جهلت الألباء، و كلّت الشّعرآء، و عجزت الأدباء، و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، او فضيلة من فضايله فأقرّت «و اقرت خ» بالعجز و التّقصير، و كيف يوصف بكلّه أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم «يقوم أحد خ» مقامه و يغني غناه، لا كيف و أنّى و هو بحيث النّجم من أيدى «يدخ»
المتناولين و وصف الواصفين فأين الاختيار من هذا و اين العقول عن هذا و اين يوجد مثل هذا ظنّوا «أيظنّون خ» أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول «محمّد خ» عليهم السّلام كذبتهم و اللّه أنفسهم و منتهم الأباطيل «الباطل خ» فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزلّ عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الامام بعقول حائرة بائرة ناقصة، و آراء مضلّة، فلم يزدادوا منه إلّا بعدا قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون «و خ» لقد راموا صعبا و قالوا إفكا و ضلوا ضلالا بعيدا و وقعوا في الحيرة اذ تركوا الامام عن بصيرة «وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ» رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسوله إلى اختيارهم و القرآن يناديهم: «وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» و قال عزّ و جلّ: «وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» الآية.
و قال عزّ و جلّ: «ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ، أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ، سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ، أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ» و قال عزّ و جلّ: «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها، أَمْ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ، أَمْ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ، وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ، وَ قالُوا سَمِعْنا وَ عَصَيْنا، بَلْ هُو فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» فكيف لهم باختيار الامام و الامام عالم لا يجهل و راع «داع خ» لا ينكل معدن القدس و الطهارة و النّسك و الزهادة و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول و نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في «من خ» نسب و لا يدانيه ذو حسب فالبيت من قريش و الذروة من هاشم، و العترة من الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و الرضا من اللّه «عزّ و جلّ خ» شرف الاشراف، و الفرع من عبد مناف، نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالامامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر اللّه ناصح لعباد اللّه، حافظ لدين اللّه، إنّ الأنبياء و الأئمة «صلوات اللّه عليهم خ» يوفقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون «علمهم خ» فوق كلّ علم أهل زمانهم في قوله تبارك و تعالى: «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».
و قوله عزّ و جلّ: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ».
و قوله عزّ و جلّ في طالوت: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ».
و قال عزّ و جلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله: «أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً».
و قال عزّ و جلّ في الأئمة من أهل بيته و عترته و ذريته «صلوات اللّه عليهم خ»: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً» و انّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لامور عباده شرح صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة و ألهمه العلم إلهاما فلم يعى بعده بجواب، و لا تحيّر فيه عن الصّواب و هو «فهو خ» معصوم مؤيد موفق مسدّد «مسدّد من الخطاء خ» و قد أمن الخطايا و الزّلل و العثار يخصّه اللّه عزّ و جلّ بذلك ليكون حجته «حجة خ» على عباده و شاهده على خلقه: «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».
فهل يقدرون مثل هذا فيختاروه «نه خ» أو يكون مختارهم بهذه الصّفة فيقدموه «نه خ» بعدد «تعدد خ» «نعدواظ» و بيت اللّه الحقّ و نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون، و في كتاب اللّه الهدى و الشّفاء فنبذوه و اتّبعوا أهواههم فذمّهم اللّه و مقتهم و أتعسهم، فقال عزّ و جلّ: «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ».
و قال عزّ و جلّ: «فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ».
و قال عزّ و جلّ: «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ». و صلّى اللّه على محمّد و آله و سلّم تسليما كثيرا.
(و فيهم الوصيّة و الوراثة) قال الشّارح المعتزلي، أمّا الوصيّة فلا ريب عندنا أنّ عليّا عليه السّلام كان وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إن خالف في ذلك من هو منسوب إلى العناد، و لسنا نعني بالوصيّة النّصّ و الخلافة و لكن امورا اخرى لعلّها إذا لمحت اشرف و أجلّ و أمّا الوراثة فالاماميّة يحملونها على ميراث المال و الخلافة و نحن نحملها على وراثة العلم انتهى، أقول: و أنت خبير بما فيه أمّا اوّلا فلأنّه قد تقرّر في مقامه أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، و على ذلك فحيث لم يذكر عليه السّلام للوصيّة متعلّقا و لم يقيّد الوراثة بشيء مخصوص فلا بدّ أن يكون المراد منه كلّ ما كان صالحا للوصيّة و قابلا للتّوريث من المال و العلم و الامامة و الخلافة، فكلامه عليه السّلام بنفسه مع قطع النّظر عن الأدلة الخارجة العقليّة و النقليّة العاميّة و الخاصيّة كما ستأتى في مقدّمة الخطبة الآتية دالّ على ثبوت الوصيّة لهم في جميع ما ذكر و وراثتهم لها كذلك، فيكون استحقاقهم لها من جهتي الوصية و الوراثة معا.
و أمّا ثانيا فلأنّا لا ندري أىّ أمر أشرف و أجلّ من الرّياسة العامة و الخلافة الالهية حتّى يحمل الوصيّة في كلامه عليه السّلام عليه، بل كلّ ما يتصوّر حملها عليه فهو دون مرتبة الخلافة التّالية لمرتبة النّبوة، و من كان له نظر بصيرة و دقّة يعرف تدليس الشّارح و أنّه يزخرف كلامه و يورّي مرامه هذا، و من لطايف الأشعار المقولة في صدر الاسلام المتضمّنة لوصايته عليه السّلام قول عبد الرّحمن بن خعيل «خثيل ظ»:
لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة
على الدّين معروف العفاف موفقا
عليّا وصيّ المصطفى و ابن عمه
و أوّل من صلّى أخا الدين و التّقى
و قال الفضل بن عبّاس:
و كان وليّ الامر بعد محمّد
عليّ و فيكلّ المواطن صاحبه
وصيّ رسول اللّه حقا و صهره
و أوّل من صلّى و ما ذمّ جانبه
و قال عقبة بن أبي لهب مخاطبا لعايشة:
أعايش خلّي عن عليّ و عتبه
بما ليس فيه انّما أنت والدة
وصيّ رسول اللّه من دون اهله
فأنت على ما كان من ذاك شاهدة
و قال أبو الهيثم بن التّيهان:
قل للزبير و قل لطلحة إننا
نحن الذين شعارنا الانصار
نحن الذين رأت قريش فعلنا
يوم القليب اولئك الكفّار
كنا شعار نبيّنا و دثاره
يفديه منّا الرّوح و الابصار
إنّ الوصيّ إمامنا و وليّنا
برح الخفاء و باحت الاسرار
و قال عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:
و منّا عليّ ذاك صاحب خيبر
و صاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصيّ النّبيّ المصطفى و ابن عمّه
فمن ذا يدانيه و من ذا يقاربه
و من أحسن ما قاله المتأخرون قول القاضي التّنوخي:
وزير النّبي المصطفى و وصيّه
و مشبهه في شيمة و ضراب
و من قال في يوم الغدير محمّد
و قد خاف من غدر العداة النواصب
اما انّني أولى بكم من نفوسكم
فقالوا بلى ريب المريب الموارب
فقال لهم من كنت مولاه منكم
فهذا اخي مولاه بعدي و صاحبي
اطيعوه طرا فهو منّي بمنزل
كهارون من موسى الكليم المخاطب
(الان اذ رجع الحقّ الى اهله و نقل الى منتقله) اى موضع انتقاله و المراد بالحقّ هو حقّ الولاية الذي سبق ذكره، فاللّام للعهد و هذه الجملة كالنّص في أنّ الخلافة كانت فيما قبل في غير أهلها و أنّه عليه السّلام هو أهل لها دون من تقدّمه.
قال الشّارح المعتزلي بعد ما قال: إنّ هذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله و نحن نتأول ذلك على غير ما تذكره الاماميّة و نقول: إنّه عليه السّلام كان أولى بالأمر و أحقّ لا على وجه النّصّ بل على وجه الأفضليّة، فانّه أفضل البشر بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أحقّ بالخلافة من جميع المسلمين، لكنّه ترك حقّه لما علمه من المصلحة و ما تفرّس فيه هو و المسلمون من اضطراب الاسلام و انتشار الكلمة لحسد العرب له و ضغنهم عليه، و جايز لمن كان أولى بشيء فتركه ثمّ استرجعه أن يقول: قد رجع إلى أهله.
أقول: فيه أوّلا إنّ التّأويل خلاف الأصل لا يصار إليه إلّا بدليل.
و ثانيا إنّ إنكار كونه عليه السّلام أحقّ بالأمر من جهة النّص لا وجه له بل النّص على ذلك كتابا و سنّة فوق حد الاحصاء.
و ثالثا إنّه عليه السّلام إذا كان أفضل البشر بعد الرّسول و الأحقّ بالخلافة من الجميع فلا بدّ على ذلك أن يكون هو الخليفة دون غيره، إذ تفضيل المفضول على الفاضل و تقديم المحتاج إلى التّكميل على الكامل قبيح عقلا و نقلا حسبما ستعرفه في مقدّمات الخطبة الآتية إنشاء اللّه، و من العجب أنّ الشّارح مع كونه عدلي المذهب نسب ذلك القبح إلى اللّه سبحانه في خطبة الشرح حيث قال: و قدّم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف.
و رابعا إنّ تركه عليه السّلام لحقه عن طوع و اختيار لم يدلّ عليه دليل يعوّل عليه إلّا الأخبار العامية الموضوعة «المختلقة خل» و الأخبار المتواترة من طرق الخاصة بل و المستفيضة من طريق العامة ناصة على خلافه و كفى بذلك شاهدا الخطبة الآتية المعروفة التي هي صريحة في أنّ تركه عليه السّلام للأمر لم يكن عن رضاء و اختيار، و تأويلات الشّارح هناك مثل ساير ما تكلّفه في تضاعيف الشّرح أوهن من بيوت العنكبوت نظير احتجاجاته على حقيّة الجبت و الطاغوت، كما ستطلع عليه حيثما بلغ الكلام محلّه إنشاء اللّه، و لنعم ما قيل:
اذا لم يكن للمرء عين صحيحة فلا غرو أن يرتاب و الصبح مسفر
الترجمة
بعض ديگر از اين خطبه در شأن منافقين است مى فرمايد، كاشته اند منافقين تخم فسق و فجور را در قلب خودشان و آب داده اند آنرا با آب غفلت و درويده اند هلاكت را در دنيا و آخرت كه ثمره آن فجور و غرور است، قياس كرده نمى شود به آل محمّد صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم از اين امت هيچ أحد، و برابر كرده نمى شود بايشان آن كسى كه جارى شده نعمتهاى ايشان بر او هميشه، ايشان اصل ديناند و ستون يقيناند، بسوى ايشان باز مى گردد افراط كنندگان، و بايشان لاحق مى شود تفريط نمايندگان، و ايشان راست خاصه هاى حق ولايت و خلافت، و در ايشانست وصيت حضرت رسالت و وراثت از خاتم نبوت، اين هنگام وقت آنستكه راجع شود حق ولايت باهل خود، و زمان آنستكه نقل شود رتبه خلافت بمحل انتقال خود، يا آنكه اين هنگام بتحقيق رجوع نمود حق باهلش و منتقل گرديد بموضع انتقالش، و اللّه العالم بحقايق كلام وليه عليه السّلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»