خطبه 16 صبحی صالح
16- و من كلام له ( عليه السلام ) لما بويع في المدينة و فيها يخبر الناس بعلمه بما تئول إليه أحوالهم و فيها يقسمهم إلى أقسام
ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ
وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ
إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلَاتِ حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ
أَلَا وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم )
وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً
وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً
وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ
حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وَ أَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ
وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا
وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لَا كَذَبْتُ كِذْبَةً
وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْيَوْمِ
أَلَا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ
حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا
فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ
أَلَا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ
حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا
وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا
فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ
حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ
فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ
وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ
وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْءٌ فَأَقْبَلَ
قال السيد الشريف و أقول إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان
و إن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به
و فيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان و لا يطلع فجها إنسان
و لا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق
و جرى فيها على عرق
وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ
و من هذه الخطبة و فيها يقسم الناس إلى ثلاثة أصناف
شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ
سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا
وَ طَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا
وَ مُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى
الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ
وَ الطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ
عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ
وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ
وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ
هَلَكَ مَنِ ادَّعَى
وَ خابَ مَنِ افْتَرى
مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ
وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ
لَا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ
وَ لَا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ
فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ
وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ
وَ التَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ
وَ لَا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلَّا رَبَّهُ
وَ لَا يَلُمْ لَائِمٌ إِلَّا نَفْسَهُ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج3
و من كلام له عليه السّلام لما بويع بالمدينة و هو السادس عشر من المختار في باب الخطب الجارى مجراها
و الأولى العنوان بمن خطبة له عليه السّلام كما في بعض النّسخ لأنّ هذه من جلائل خطبها و من مشهوراتها و هو أوّل خطبة خطبها بالمدينة بعد ما نهض بالخلافة و قد رواها جمع منّا و من العامة كالكليني في روضة الكافي و المفيد في الارشاد و المحدّث المجلسي و الشارح البحراني و الشارح المعتزلي من كتاب البيان و التبيين للجاحظ عن أبي عبيدة معمّر بن المثنى و غير هؤلاء إلّا أنّ فيها على اختلاف طرقها زيادة و نقصانا و تغييرا كثيرا و نحن نوردها بتمامها بعد الفراغ من شرح ما أورده الرّضيّ قدّس سرّه بطريق الكليني توضيحا لما أورده و تثبيتا لما ذكره مع الاشارة إلى تفسير بعض ما رواه الكليني أيضا و شرح ما أورده الرّضيّ ره في ضمن فصلين.
الفصل الاول
ذمّتي بما أقول رهينة و أنا به زعيم، إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات، حجزه التّقوى عن التّقحّم في الشّبهات، ألا و إنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الّذي بعثه بالحقّ، لتبلبلنّ بلبلة، و لتغربلنّ غربلة، و لتساطنّ سوط القدر، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم، و أعلاكم أسفلكم، و ليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا، و ليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا، و اللّه ما كتمت وسمة، و لا كذبت كذبة، و لقد نبّئت بهذا المقام، و هذا اليوم ألا و إنّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها، و خلعت لجمها، فتقحّمت بهم في النّار، ألا و إنّ التّقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها، و أعطوا إزمّتها، فأوردتهم الجنّة حقّ و باطل، و لكلّ أهل فلئن أمر الباطل لقديما فعل، و لئن قلّ الحقّ فلربّما و لعلّ، و لقلّما أدبر شيء فأقبل.
قال الرّضيّ ره أقول: إنّ في هذا الكلام أدنى من مواقع الاحسان«» ما تبلغه مواضع الاستحسان، و إنّ حظّ العجب منه أكثر من حظّ العجب به، و فيه مع الحال الّتي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، و لا يطلع فجّها إنسان، و لا يعرف ما أقول إلّا من ضرب في هذه الصّناعة بحقّ، و جرى فيها على عرق، و ما يعقلها إلّا العالمون
اللغة
(الرهينة) الوثيقة و (الزّعيم) الكفيل و (صرحت) كشفت و (العبر) جمع العبرة و (المثلات) العقوبات و (الحجز) الحجب و المنع و (تقحّم) فلان ألقى نفسه في المهلكة، و تقحّم الانسان في الأمر دخل فيه من غير رويّة و (تبلبلت) الألسن اى اختلطت، و في النّهاية البلابل الهموم و الأحزان و بلبلة الصّدر وسوسته و منه حديث عليّ عليه السّلام لتبلبلنّ بلبلة و (تغربلنّ) من غربل الدّقيق أى نخله أو من غربلت اللحم أى قطعته و (ساط) القدر يسوطه سوطا قلب ما فيها من الطعام بالمحراك و أداره حتّى اختلط أجزائه و (السباق) كشدّاد و (الوشمة) بالشين المعجمة الكلمة و بالمهمله الأثر و العلامة و (شمس) الفرس شموسا و شماسا منع ظهره من الرّكوب فهو شموس و الجمع شمس كرسل و (اللجم) بضمّتين جمع لجام و (ذلل) جمع ذلول كرسل و رسول و هو المنقاد قال سبحانه: «فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا» و (امر) الباطل بالكسر إذا كثر و تمّ
الاعراب
من المثلات بيان لما، و جملة حجزه اه مرفوعة المحلّ على كونها خبر انّ، و تبلبلنّ و تعزبلنّ و تساطنّ كلّها بالبناء على المفعول، و كتمت بالبناء على المفعول أو علىالمعلوم و كلاهما صحيحان محتملان، و فاعل خلعت ضمير مستتر راجع إلى الخيل و لجمها منصوب على المفعوليّة، أو خلعت بصيغة المجهول، و لجمها نايب عن الفاعل و حقّ و باطل خبران لمبتدأ محذوف بقرينة المقام أى الامور كلها إمّا حقّ أو باطل أو أنّ التّقوى حقّ و الخطاء باطل على ما سبق التّصريح اليهما.
و قوله لقديما فعل فاعل الفعل عايد إلى الباطل و المفعول محذوف أى قديما فعل الباطل ذلك و إسناده إليه مجاز و المراد به أهله أو أنّ فعل بمعنى افعل كما في قوله قد جبر الدّين الا له فجبر أى فانجبر، و قوله: فلربّما و لعلّ كلمة ما كافّة مهيئة لدخول ربّ على الفعل المحذوف بعدها بقرينة المقام، و لعلّ للترجّي و المعمول محذوف و تقدير الكلام و لئن قلّ الحقّ فلربّما يكون غالبا و لعلّه ينتصر أهله.
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام صدّر كلامه بما يكون مرغّبا لهم في الاستماع بما يقوله بقوله: (ذمّتي بما أقول) ه (رهينة) أى وثيقة (و أنا به) أى بكونه صدقا مطابقا للواقع (زعيم) و كفيل ثمّ أشار عليه السّلام إلى وجوب الاعتبار بالعبر النّافعة من حيث كونها وسيلة إلى التقوى الحاجز عن الاقتحام في الشّبهة و قال (إنّ من صرّحت له العبر) أى كشفت (عمّا بين يديه من المثلات) و العقوبات الواقعة على الامم السّابقة و الجارية في القرون الخالية يكون انكشاف تلك العبر و اعتباره بها مؤدّيا إلى الخشية من اللّه سبحانه و (حجزه التّقوى عن التقحّم في الشّبهات) و الاقتحام في الهلكات من غير رويّة.
و المراد بالشّبهات الامور الباطلة الشّبيهة بالحقّ و حاجزيّة التقوى منها من حيث إنّه لمّا كان عبارة عن اتيان الأوامر و ترك النّواهي كما قال الصّادق عليه السّلام في تفسيره بعد ما سئل عنه: أن لا يفقدك اللّه حيث أمرك و لا يراك حيث نهاك، لا بدّ و أن يكون المتّصف به مجتنبا من الشّبهات كيلا يقع في المناهي و المحرّمات، فانّ الأخذ بها و التّقحّم فيها مظنّة الوقوع في الحرام من حيث لا يعلم و قد وقع الاشارة إلى ذلك في عدّة رواياتمثل ما رواه في الوسائل بإسناده عن فضيل بن عيّاض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: من الورع من النّاس قال: الذي يتورّع من محارم اللّه و يجتنب هؤلاء فاذا لم يتّق الشّبهات وقع في الحرام و هو لا يعرفه.
و عن عمر بن حنظلة عنه عليه السّلام أيضا في حديث قال: و إنّما الامور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتّبع، و أمر بيّن فيجتنب، و أمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه سبحانه، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلال بيّن و حرام بيّن و شبهات بين ذلك فمن ترك الشّبهات نجا من المحرّمات و من أخذ بالشّبهات ارتكب المحرّمات و هلك من حيث لا يعلم، ثمّ قال في آخر الحديث: فإنّ الوقوف عند الشّبهات خير من الاقتحام في الهلكات.
و عن النّعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ لكلّ ملك حمى و إنّ حمى اللّه حلاله و حرامه و المشتبهات بين ذلك، كما لو أنّ راعيا رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن تقع في وسطه، فدعوا المشتبهات.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه عليه السّلام لمّا نبّههم على لزوم التّقوى و أنّه مانع من تقحّم الشّبهات نبّههم بعده على أنّهم في الشّبهات مغمورون بقوله: (ألا و إنّ بليّتكم هذه قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و أشار عليه السّلام ببليّتهم هذه إلى ما هم عليه من تشتّت الآراء و تفرّق الأهواء و عدم الالفة و الاجتماع في نصرة اللّه عن شبهات يلقيها الشّيطان على الأذهان القابلة لوسوسته المقهورة في يده، و ذلك من أعظم الفتن التي بها يبتلي اللّه عباده كما قال: «وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ» و هي امور تشبه ما كان عليه النّاس حال بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنّهم كانوا يومئذ مللا متفرّقة و أهواء منتشرة و طرائق متشتّتة، و فيه تنبيه لهم على أنّهم ليسوا من تقوى اللّه في شيء، و لا على دين الحقّ أيّام خلافة الثلاثة كما أنّهم لم يكونوا من أهل الدّيانة في أيّام الفترة و يوم بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إشارة إلى أنّهم كما كانوا يومئذ مأمورين بالتمسّك بأذيال النّبوّة كي يخلصوا من الكفر و الضّلالة فكذلك هؤلاءاليوم مأمورون باتباعه و الاقتباس من أنواره عليه السّلام ليهتدوا بها في ظلمات الشّبهات و مدلهمّات الجهالة.
كما قال الرّضا عليه السّلام في حديث عبد اللّه بن جندب المرويّ في الوسائل من تفسير العيّاشي: إنّ هؤلاء القوم سنح لهم الشّيطان اغترّهم بالشّبهة و لبّس عليهم أمر دينهم و أرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم فقالوا لم و متى و كيف فأتاهم الهلك من مأمن احتياطهم و ذلك بما كسبت أيديهم و ما ربّك بظلّام للعبيد، و لم يكن ذلك لهم و عليهم بل كان الفرض عليهم و الواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير و ردّ ما جهلوه من ذلك إلى عامله «عالمه ظ» و مستنبطه لأنّ اللّه يقول في كتابه: «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» يعني آل محمّد عليهم السّلام و هم الذين يستنبطون من القرآن و يعرفون الحلال و الحرام و هم الحجّة للّه على خلقه و قد مضى في شرح الفصل الرّابع من فصول الخطبة الثانية.
ثمّ إنّه عليه السّلام لمّا ذكر وقوعهم في البليّة و قابل يوم بيعته بيوم البعثة أشار إلى مآل ذلك الابتداء و ما يؤل إليه آخر أمر المبايعين من خلوص بعضهم و ارتداد الآخرين فقال: (و الذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة) أى لتخلطنّ بعضكم ببعض و تقعنّ في الهموم و الأحزان و وساوس الصّدور (و لتغربلنّ غربلة) أى ليتميزنّ جيّدكم من رديّكم تميز نخالة الدّقيق من خالصه بالغربال.
كما قال الصّادق عليه السّلام في رواية ابن أبي يعفور المروية في الكافي في باب التمحيص و الامتحان: لا بدّ للنّاس من أن يمحّصوا و يميّزوا و يغربلوا و يستخرج في الغربال خلق كثير (و لتساطنّ سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم) لتصريف أئمة الجور إيّاكم و تقليبكم من حال إلى حال و إهانتكم و تغييركم من وضع إلى وضع و من دين إلى دين، و يحتمل أن يكون المراد به أنّه يصير عزيزكم ذليلا و ذليلكم عزيزا و يرفع أراذلكم و يحطّ أكابركم (و ليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا) و همالمقصّرون عن نصرته في مبدء الأمر بعد وفاة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم النّاصرون للّه في ولايته المقاتلون معه في ساير حروبه (و ليقصّرن سبّاقون كانوا سبقوا) و هم الذين كانت لهم سابقة في الاسلام ثمّ خذلوه و انحرفوا عنه و قاتلوه كأصحاب الجمل و الشام و أهل النّهروان قال الشّارح البحراني: و يشبه أن يكون مراده عليه السّلام أعمّ من ذلك، فالمقصّرون الذين يسبقون كلّ من أخذت العناية الالهيّة بيده و قاده زمام التّوفيق إلى الجدّ في طاعة اللّه و اتّباع ساير أوامره و الوقوف عند نواهيه و زواجره بعد تقصير في ذلك، و عكس هؤلاء من كان في مبدء الأمر مستمرّا في سلوك سبيل اللّه ثمّ جذبه هواه إلى غير ما كان عليه و سلك به الشّيطان مسالكه فاستبدل بسبقه في الدّين تقصيرا و انحرافا عنه.
ثمّ إنّه عليه السّلام لمّا أخبرهم بعواقب امورهم و مآل حالهم أكّد ذلك بالقسم البارّ تحقيقا لوقوع المخبر به لا محالة، و نبّه عليه السّلام على أنّه ما ينطق عن الهوى في هذه الأخبار و أمثالها و إنّما تلقّاها من مصدر النّبوّة و دوحة الرّسالة فقال: (و اللّه ما كتمت و شمة) على البناء للمفعول أى لم يكتم منّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلمة أو علامة ممّا يجب عليه إظهاره، أو بالبناء على المعلوم أى لم أكتم شيئا ممّا يتعيّن علىّ الاباحة«» به من كلمة أو أثر و علامة (و لا كذبت كذبة) في شيء ممّا اخبرت به (و لقد نبّئت) أى أنبئني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (بهذا المقام) و هو مقام اجتماع الخلق عليه (و هذا اليوم) أى يوم بيعتهم له.
ثمّ إنّه عليه السّلام أردف كلامه بالتّرهيب عن الخطاء و التّرغيب في التّقوى بالتنبيه على ما يقود إليه كلّ منهما و قال: (ألا و إنّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها و خلعت لجمها فتقحّمت بهم في النّار) و هو من لطيف التّشبيه و من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، و وجه الشّبه أنّ الفرس الشّموس التي خلعت لجامها كما أنّها تجري على غير نظام و تتقحّم بصاحبها في المعاطب و المهالك، فكذلك الخطيئة يجري راكبها بركوبه عليها على غير نظام الشّريعة فتورده أعظم موارد الهلكة، و هي نارالجحيم المعدّة للعاصين و الخاطئين (ألا و إنّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها و اعطوا أزمّتها فأوردتهم الجنّة) و التّشبيه فيه كما في سابقه، و وجه الشّبه أنّ المطية الذّلول التي زمامها بيد راكبها كما أنّ من شأنها أن تتحرّك براكبها على رفق و نظام و يصرفها الرّاكب من أجل كون زمامها بيده عن المهالك و يسير بها إلى المقاصد، فكذلك التّقوى، فإنّ صاحبه الذي زمامه بيده و هى الحدود الشّرعيّة التي بها يملكه و يستقرّ عليه يسهل«» له سلوك الصّراط المستقيم و العطف عن الشّمال و اليمين، و يتمكّن من الفوز بالسّعادة الأبديّة و من الوصول إلى أسنى المطالب السّنية و هي الجنّة التي عرضها السّماوات و الأرض أعدّت للمتّقين.
ثمّ إنّه عليه السّلام لمّا أشار إلى أنّ هاهنا طريقين مسلوكين أحدهما طريق الخطاء و الآخر طريق التّقوى ذكر بعدهما أنّهما (حقّ و باطل) يعني أنّ التّقوى حقّ و الخطاء باطل أو أنّ الأمور كلّها إمّا حقّ أو باطل (و لكلّ) منهما (أهل) أى سالك يسلكه و طالب يطلبه بمقتضى طيب الطينة و خبثها (فلئن امر الباطل) و كثر (لقديما فعل) الباطل أى أهله ذلك (و لئن قلّ الحق فلربّما) يكون غالبا مع قلّته على الباطل (و لعلّه) ينتصر أهله (و لقلّما أدبر شيء فأقبل) قال الشّارح البحراني: استبعاد لرجوع الحقّ الى الكثرة و القوّة بعد قلّته و ضعفه على وجه كلّي فإنّ زوال الاستعداد للأمر مستلزم لزوال صورته و صورة الحقّ إنّما افيضت على قلوب صفت و استعدت لقبوله فإذا اخذ ذلك الاستعداد في النقصان بموت أهله أو بموت قلوبهم، و تسوّد ألواح نفوسهم بشبه الباطل، فلا بدّ أن ينقص نور الحقّ و تكثر ظلمة بسبب قوّة الاستعداد لها، و ظاهر أنّ عود الحقّ و إضاءة نوره بعد ادباره و إقبال ظلمة الباطل أمر بعيد و قلّما يعود مثل ذلك الاستعداد لقبول مثل تلك الصّورة للحقّ و لعلّه يعود بقوّة فيصبح ألواح النّفوس و أرضها مشرقة بأنوار الحقّ و يكرّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و ما ذلك على اللّه بعزيز، و في ذلك تنبيه لهم على لزوم الحقّ و بعث على القيام به كيلا يضمحلّ بتخاذلهم عنه فلا يمكنهم تداركه انتهى كلامه هذا.
و لعلّ الظاهر المناسب في شرح الفقرات الأخيرة أعني قوله: حقّ و باطل إلى آخر كلامه عليه السّلام ما ذكره بعض الأخبار بين«» حيث قال حقّ و باطل خبران لمبتدأ محذوف أى الامام حقّ و باطل و هو تقسيم للامام على قسمين، أحدهما الامام بالحقّ و إليه اشير في قوله تعالى: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» و في قوله: «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» و الثّاني الامام بالباطل و إليه الاشارة في قوله: «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» و أمر الباطل من باب نصر و علم و حسن من الامارة بمعنى الولاية، و لقديما منصوب على الظرفيّة، و عامله فعل بعده على البناء للمجهول و ضميره عايد إلى المصدر المفهوم من أمر و حذف فاء الجزاء مع كون الشّرط و الجزاء ماضيين لفظا و معنى اكتفاء بذكرها في الجملة التّالية، و لئن قلّ الحقّ بضمّ القاف على البناء للمفعول من باب نصر من القلّ و هو الرّفع، قال في القاموس استقلّه حمله و رفعه كقلّه و اقلّه، فلربّما و لعلّ للتقليل و ندرة الوقوع و التّقدير ربّما كان كذلك و لعله كان كذلك.
و هو إشارة إلى أنّ الحقّ قد يكون غالبا كما في زمن سليمان عليه السّلام و ذي القرنين و المقصود بذلك الاشارة إلى كون الحقّ غالبا في زمن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مغلوبا في أزمنة الخلفاء الثّلاثة و غالبا في زمنه عليه السّلام أيضا و هو نادر و على هذا فمعنى كلامه عليه السّلام أنّ الامام حقّ و باطل و لكلّ منهما أهله فان صار الباطل أميرا بعد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلقد فعل ذلك أى امرة الباطل في قديم الزّمان و ليس بأمر حادث يتعجّب منه، و لئن ارتفع الامام بالحقّ بعد خلافة الثلاثة فلربّما كان كذلك و لعلّه كان كذلك و لقلّماأدبر شيء من الحقّ فأقبل إليه انتهى كلامه و اللّه العالم.
تكملة
قد أشرنا في صدر الكلام أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام كالفصل الآتي من كلامه ممّا رواه العامّة و الخاصّة و وعدناك هناك أن نذكر تمام الخطبة و نفسّر بعض فقراتها المحتاجة إلى التّفسير و البيان فأقول و باللّه التكلان: روى ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عليّ بن رئاب و يعقوب السّراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال: الحمد للّه الّذي علا فاستعلى، و دنا فتعالى و ارتفع فوق كلّ منظر، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا (عبده و رسوله خ ل) رسول اللّه خاتم النّبيّين، و حجّة اللّه على العالمين، مصدّقا للرّسل الأوّلين، و كان بالمؤمنين رءوفا رحيما، و صلّى اللّه و ملائكته عليه و على آله. أمّا بعد أيّها النّاس فإنّ البغي يقود أصحابه إلى النّار، و إنّ أوّل من بغى على اللّه جلّ ذكره عناق بنت آدم، و أوّل قتيل قتله اللّه عناق، و كان مجلسها جريبا من الأرض في جريب، و كان لها عشرون إصبعا، في كلّ إصبع ظفران مثل المنجلين، فسلّط اللّه عليها أسدا كالفيل، و ذئبا كالبعير، و نسرا مثل البغل، فقتلوها، و قد قتل اللّه الجبابرة على أفضل أحوالهم، و آمن ما كانوا عليه، و أمات هامان و أهلك فرعون، و قد قتل عثمان، ألّا و إنّ بليّتكم قد عادتكهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه.
و الّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة، و لتغربلنّ غربلة، و لتساطنّ سوط القدر، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم، و أعلاكم أسفلكم، و ليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا، و ليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا، و اللّه ما كتمت وسمة، و لا كذبت كذبة، و لقد نبّئت بهذا المقام، و هذا اليوم.
ألا و إنّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها، و خلعت لجمها، فتقحّمت بهم في النّار.
ألا و إنّ التّقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها، و أعطوا أزمّتها، فأوردتهم الجنّة، و فتحت لهم أبوابها، و وجدوا ريحها و طيبها، و قيل لهم أدخلوها بسلام آمنين.
ألا و قد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه، و من لم أهبه له، و من ليست له توبة إلّا بنبيّ يبعث.
ألا و لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم، حقّ و باطل و لكلّ أهل، فلئن أمر الباطل لقديما فعل، و لئن قلّ الحقّ لربّما و لعلّ، و لقلّما أدبر شيء فأقبل، و لئن ردّ عليكم أمركم إنّكم سعداء، و ما عليّ إلّا الجهد، و إنّي لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عنّي ميلة كنتم فيها عندي غيرمحمودي الرّأي، و لو أشاء لقلت عفا اللّه عمّا سلف.
سبق فيه الرّجلان و قام الثّالث كالغراب، همّته بطنه، ويله لو قصّ جناحاه و قطع رأسه لكان خيرا له، شغل عن الجنّة و النّار أمامه ثلثة و إثنان، خمسة ليس لهم سادس ملك يطير بجناحيه، و نبيّ أخذ اللّه بضبعيه، و ساع مجتهد، و طالب يرجو، و مقصّر في النّار.
أليمين و الشّمال مضلّة، و الطّريق الوسطى هي الجادّة، عليها باقي الكتاب و آثار النّبوّة، هلك من ادّعى، و خاب من افترى، إنّ اللّه أدّب هذه الأمّة بالسّيف و السّوط، و ليس لأحد عند الإمام فيهما هوادة، فاستتروا في بيوتكم، و أصلحوا ذات بينكم، و التّوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحقّ هلك.
و في مرويّ البحراني بعد قوله عليه السّلام: من أبدى صفحته للحقّ هلك: ألا و إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان و ما أخذه من بيت «مال ظ» المسلمين فهو مردود عليهم في بيت مالهم و لو وجدته قد تزوّج به النّساء و فرّق في البلد، فإنّه إن لم يسعه الحقّ فالباطل أضيق عنه.
بيان
(الجريب) الوادي استعير للقطعة المتميّزة من الأرض و في المصباح للفيومي من كتاب المساحة للسّمؤال ما محصّله أنّه عشرة آلاف ذراع و عن قدامة الكاتب ما محصّله أنّه ثلاثة آلاف ذراع و ستّمأة ذراع، و (المنجل) كمنبر حديدة يقضب بها الزّرع و الواسع الجرح من الاسنة (و أمات هامان و أهلك فرعون) كناية عن الأوّل و الثّاني كما في قوله تعالى: «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ» (من لم اشرك فيه) كما أشرك موسى هارون على ما اشير إليه في قوله سبحانه: «و أشركه في أمرى» و هو نصّ صريح في عدم رضائه بخلافة من سبق إليه (و من لم أهبه له) اللّام للانتفاع (و من ليست له توبة الّا بنبيّ يبعث) استثناء مفرّغ و المقصود أنّه لا يتصوّر للثلاثة توبة بسبب من الاسباب إلّا أن يبعث اللّه نبيّا بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، دون فصل يكون شرعه ناسخا لشرع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رافعا لما أوجبه من خلافته عليه السّلام و وجوب اتّباعه و ما حكم به من بطلان خلافة الثّلاثة (أشرف منه) قيل: الضّمير في أشرف عايد إلى من و في منه راجع إلى مصدر سبقني و كلمة من للتّعليل و الجملة استينافيّة بيانيّة و المعنى أنّه أشرف من لم اشركه فيه من أجل سبقته إلى هذا الأمر (على شفا جرف هار) اى على قاعدة هى أضعف القواعد و هو الباطل و النّفاق الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلّة الثبات (فانهار به في نار جهنّم) أى فهو الباطل به في نار جهنّم و هذا مأخوذ من قوله سبحانه في سورة البراءة: «أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»«» (لئن ردّ عليكم أمركم) الذي يلزمكم القيام به و هو امتثالهم لأمره و تصديقهم بامامته عليه السّلام (انّكم) تكونون حينئذ (سعداء و ما عليّ إلّا الجهد) بفتح الجيم اى الجدّ و الاجتهاد يعني أنا أعمل على ما يجب عليّ القيام به من أمر الشريعة و عزل ولاة السّوء و امراء الفساد عن المسلمين فان تمّ ما اريده فذاك، و إلّا كنت قد أعذرت نظير قوله سبحانه: «فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ» قوله: (كالغراب همّته بطنه) حيث يقع على الجيفة و على الثّمرة و على الحبّة و في المثل أحرص من غراب و أجشع من غراب (ويله) منصوب على النداء و حرف النّداء محذوف (لو قصّ جناحاه) أى قطع بالمقراض و نحوه كان خيرا له و المقصود أنّه لو كان قتل قبل تلبّسه بالخلافة كان خيرا له من تقحّمه فيه و قوله (ثلاثة و اثنان) مرفوعان على الابتداء و (خمسة) خبر لهما و هو فذلكة العدد كما في قوله سبحانه: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ» و المقصود أنّ المكلفين على خمسة أقسام منشعبة من قسمين لأنّه إمّا معصوم أو غير معصوم، و المعصوم على ثلاثة أقسام (ملك يطير بجناحيه) حامل للوحى و نحوه (و نبيّ أخذ اللّه بضبعيه) و عضده و وصيّ (ساع) في الدّين (مجتهد) في الشّرع أى متحمّل للجهد و المشقّة (و) غير المعصوم على قسمين أحدهما (طالب) للجنّة (يرجو) رحمة ربّه (و) الثّاني (مقصّر) في الدّين هالك (في النّار) قوله: (إنّ اللّه أدّب) اهإشارة إلى بعض مطاعن الثّلاثة من تعطيلهم حدود اللّه سبحانه لملاحظة القرابة او لأغراض أخر و (الهوادة) إشارة إلى بعض مطاعن الثّلاثة من تعطيلهم حدود اللّه سبحانه لملاحظة القرابة او لأغراض أخر و (الهوادة) اللّين و ما يرجى به الصّلاح و قيل هو الشّفاعة لترك الانتقام من مرتكب العصيان هذا.
و غير ما ذكرته ممّا يحتاج من كلامه عليه السّلام إلى التّفسير يأتي في شرح الفصل الآتي بيانه، و اللّه الهادي.
الترجمة
و از جمله كلام بلاغت نظام آن حضرت است: عهد و پيمان من بصحت آنچه مى گويم در گرو است و من بصدق و صواب بودن آن كفيل و ضامنم، بدرستى كه كشف نمود از براى او عبرتها از آنچه در پيش او گذشته از عقوبات مانع مىشود او را پرهيزكارى از انداختن نفس خود در شبهه ها، آگاه باشيد بتحقيق كه بليّه كه عبارت است از اختلاف آراء و تفرّق اهواء رجوع نموده بر مثال و هيئت آن در آن روز كه خداوند سبحانه پيغمبر خود را مبعوث فرمود.
قسم بآن كسى كه برانگيخت پيغمبر خود را بحقّ هر آينه مخلوط مى شويد بهم ديگر مخلوط شدني، و البتّه بيخته مى شويد بغربال بيختنى كه خوب و بد از همديگر تميز مى يابد، و البتّه بر هم زده مى شويد مثل بر هم زدن آنچه در ديكست از طعام با قاشق و نحو آن تا باز برگردد پستترين شما بر بلندترين شما و بلندترين شما بر پستترين شما، يعنى زير و بالا مى شويد، و البته پيشى مى گيرند پيش افتادهگانى كه بودند باز پس مانده، و البته مقصر ميشوند پيش گيرندگانى كه بودند پيش افتاده مراد از طايفه اولى اشخاصى بودند كه بعد از وفات حضرت رسالت مآب صلوات اللّه عليه و آله از نصرت آن حضرت قصور ورزيدند و در زمان خلافت آن بزرگوار با جان و دل بيعت نموده و شيعه خالص وى شدند.
و مراد از طايفه دوم اشخاصى هستند كه ايشان را در اسلام سابقه بود و در زمان امامت آن امام عالي مقام انحراف ورزيده و با او بمقام مقاتله و محاربه بر آمدند مثل طلحه و زبير و ساير اصحاب جمل و نهروان.
بعد از آن اشاره مى فرمايد باين كه اين اخبار غيبيه از منبع نبوّت و مهبط وحى و رسالت مأخوذ گرديده و احتمال خلاف در آن بوجه نمى باشد، و فرمود بخدا سوگند پنهان داشته نشده ام از هيچ كلمه، يعنى حضرت رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميع مطالب را بمن اطلاع داد، يا اين كه پنهان نداشتم هيچ كلمه را كه لازم بود اظهار آن و دروغ نگفته ام هيچ دروغى، و بتحقيق كه خبر داده شده ام باين مقام كه مقام اجتماعى خلق است بر من و بر اين روز كه روز بيعت مردمان است با من.
آگاه باشيد كه بتحقيق خطاها اسبانى هستند سركش كه سوار شده باشند بر آن صاحبان آن و بر كنده باشند لجام هاى خود را، پس انداخته باشند در مهالك آتش راكبان خود را، آگاه باشيد بدرستى كه تقوى و پرهيزكارى شترانى هستند رام كه سوار شده باشند بر آن صاحبان آن، و داده شده باشند بدستهاى ايشان افسارهاى ايشان، پس وارد سازند در بهشت عنبر سرشت سواران خود را، پرهيزكارى راهى است راست و خطاها راهى است باطل و هر يكى را از اين دو راه اهلى است، پس اگر بسيار شود باطل هر آينه در قديم الزّمان كرده است آن را اهل آن و در آن زمان بهمان قرار، و اگر كم شده است حقّ در آن زمان پس بسا كه غالب شود آن و اميد هست كه منصور باشد اهل آن و هر آينه كم است كه پشت كرده باشد چيزى پس روى آورد.
سيّد رضى رضى اللّه عنه بعد از اداء خطبه فرموده كه مىگويم من بدرستى در اين كلام امام عليه السّلام كه كوتاهترين لفظ است از موارد حسن چيزى هست كه نمىرسد بآن مواضع وقوع تحسين، يعنى فكرها كه ادراك حسن كلام را ميكنند و تعداد محاسن آن را مىنمايند و بدرستى كه بهره تعجب از اين كلام بيشتر است از بهره خود پسندى، يعنى تعجب فصحا از بدايع حسن او بيشتر است از بهره عجب بسبب استخراج نكات رائقه و لطائف فايقه آن، بجهة اين كه بسا بدايعى در آن هست كه عقل آن را بنور بصيرت ادراك مىنمايد، ولى زبان بيان از تعبير و تقريرش عاجز و قاصر است.
و در اين كلام بلاغت نظام با وجود حالتى كه وصف كردم زيادتهاست از صناعت فصاحت كه قايم نمى شود بأداى آن هيچ زبان، و اطلاع نمى يابد بعمق آن هيچ انسان، و نمى شناسد آن چيزى را كه من گفتم از اين اوصاف مگر كسى كه عمر خود را مصروف بدارد در اين صناعت فصاحت براستى، و جارى شود اين صناعت بر عروق و اعصاب آن، و آن را كما هو حقّه دانسته باشد، و تعقل نمىكند آن را مگر عالمان كاملان.
الفصل الثاني
شغل من الجنّة و النّار أمامه، ساع سريع نجا، و طالب بطيء رجا، و مقصّر في النّار هوى، اليمين و الشّمال مضلّة، و الطّريق الوسطى هي الجادّة، عليها باقي الكتاب و آثار النّبوّة، و منها منفذ السّنّة، و إليها مصير العاقبة، هلك من ادّعى، و خاب من افترى، من أبدى صفحته للحقّ هلك عند جهلة النّاس، و كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره، لا يهلك على التّقوى سنخ أصل، و لا يظمأ عليه زرع قوم، فاستتروا بيوتكم، و أصلحوا ذات بينكم، و التّوبة من ورائكم، و لا يحمد حامد إلّا ربّه، و لا يلم لاءم إلّا نفسه.
اللغة
(الطريق) يذكّر في لغة نجد و به جاء القرآن في قوله تعالى: «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً» و يؤنّث في لغة الحجاز و عليه جرى قوله عليه السّلام و (الجادّة) معظم الطريق و (الصّفحة)من كلّ شيء كالصّفح جانبه و (السّنخ) من كلّ شيء أصله و (البين) بالفتح من الأضداد يطلق على الوصل و على الفرقة، و منه ذات البين للعداوة و البغضاء، و قولهم لاصلاح ذات البين أى لاصلاح الفساد بين القوم، و المراد اسكان النّائرة.
الاعراب
شغل على البناء للمفعول، و من الموصولة نائب عن الفاعل و الجنّة و النّار مرفوعان على الابتداء، و أمامه خبر و الجملة صلة لمن، و قيل: إنّ شغل مسند إلى الضّمير المستتر العايد إلى الثّالث السّابق في كلامه عليه السّلام حسبما حكيناه من الكافي، و من الجنّة بكسر الميم جار و مجرور، و النّار أمامه مبتدأ و خبر.
و يؤيد ذلك ما في رواية الكافي من تبديل كلمة من بكلمة عن، و عليه فالمعنى شغل الثالث يعني عثمان عن الجنّة و الحال أنّ النار أمامه، و ساع و طالب و مقصّر مرفوعات على الخبرية من محذوف بقرينة المقام، و إضافة الباقي إلى الكتاب إمّا من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أى الكتاب الباقي بين الأمّة، أو بمعنى من، ففيها إشارة إلى وقوع التحريف في القرآن و النقصان فيه، و كفى بالمرء الباء زائدة في المفعول، و إضافة السّنخ إلى أصل من قبيل سعيد كرز و كرى القوم، و استتروا بيوتكم أى في بيوتكم منصوب بنزع الخافض، و التّوبة من ورائكم كلمة من بمعنى في و هو واضح.
المعنى
قد عرفت في شرح الفصل السابق أنّ هذا الفصل من الخطبة التي ذكرناها هناك و قوله عليه السّلام (شغل من الجنّة و النّار امامه) جملة خبرية في معنى الانشاء، يعني من كان الجنّة و النّار أمامه يجب أن يكون مشغولا بهما عن جميع ما يشغل عنهما من زبرج الدّنيا و زخارفها و لذّاتها و شهواتها، و المراد بالاشتغال بهما الاشتغال بما يؤدّيه إلى الجنّة و ينجيه من النّار، و من كونهما أمامه كونهما نصب قلبه و خياله بمرئى و مسمع منه غير غافل عنها متذكّرا لهما مدّة عمره، فيشغل بهما عن غيرهما.
و يحتمل أن يكون المراد أنّ الانسان لما كان من بدو نشأته و عمره إلى منتهاه بمنزلة المسافر إلى اللّه، و كان دائما في قطع مسافة و الانتقال من نشأة إلى نشأة، و التبدّل من طور الى طور من أطوار العالم الجسماني و أطوار نشأة الآخرة من حين الموت إلى حين البعث من حيث إن الموت ليس عبارة عن عدم الانسان، بل من بطلان قالبه لخروج روح منه قائما بذاتها دون افتقارها بهذا البدن فله بعد هذه النشأة نشآت كثيرة في القبر و البرزخ و عند العرض و الحساب و الميزان إلى أن يدخل الجنّة أو النّار، لا جرم«» كان المنزل لذلك المسافر إحداهما فكأنّما أمامه في ذلك السفر و غايتين يؤمّهما الانسان من مبدء خلقته إلى أن ينزل إلى إحداهما و من كان أبدا في السّفر إلى غاية معيّنة فيجب أن يكون مشغولا بمهمات تلك الغاية.
و لمّا نبّه عليه السّلام على وجوب الاشتغال بهما قسّم النّاس باعتبار ذلك الاشتغال إلى أقسام ثلاثة أحدها (ساع) إلى رضوان اللّه (سريع) في عدوه (نجا) برحمة ربّه (و) الثّاني (طالب) للرّضوان (بطيء) في سيره (رجا) للغفران (و) الثّالث (مقصّر) في طاعة الرّحمن سالك سبيل الشّيطان مخلّد (في النّار هوى) إلى الجحيم و استحقّ العذاب الأليم و قد أشير إلى الأقسام الثلاثة في قوله سبحانه: «وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً، فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» فأصحاب الميمنة هم المؤمنون من أهل التّبعات يوقفون للحساب، و أصحاب المشئمة هم المقصّرون الظالمون الذين سلك بهم الشّيطان سبله فأوردهم النّار و هم مهانون و أمّا السّابقون فهم الفائزون الحائزون لقصب السّبق يسبقون الخلق إلى الجنّة من غير حساب، و يشمل هذا القسم الأنبياء و الأولياء كشمول قوله عليه السّلام: ساع سريع نجا، لهم.
و يشهد به ما في غاية المرام من تفسير الثّعلبي باسناده عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قسم اللّه الخلق قسمين، فجعلني في خيرها قسما فذلك قوله تعالى: «وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ» فأنا خير أصحاب اليمين، ثمّ جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلاثا، فذلك قوله تعالى: «فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ… وَ السَّابِقُونَ» و أنا من خير السّابقين، ثمّ جعل الأثلاث قبائل فجعلني من خيرها بيتا فذلك قوله تعالى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» هذا و الأظهر بمقتضى الحال و المقام و بملاحظة إقراره الأنبياء في قسم رابع مستقلّ كما سبق ذكره في شرح الفصل السّابق، خروج الأنبياء من هذا القسم و إرادته بالسّاع السّريع نفسه الشّريف و النّقباء من شيعته كسلمان و أبي ذر و المقداد، و بالطالب البطيء سائر الشّيعة، و بالمقصّر الجاحد لولايته، و قد فسّر السّابقون في الآية بذلك أيضا.
كما رواه في غاية المرام من أمالي الشّيخ باسناده عن ابن عبّاس قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» فقال لي جبرائيل: ذلك عليّ و شيعته هم السّابقون إلى الجنّة المقرّبون من اللّه بكرامة لهم.
و يؤيّده«» ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله:
«وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ» قال: و هم النّقباء: أبو ذر و المقداد و سلمان و عمّار و من آمن و صدّق و ثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام.
و لمّا قسم النّاس إلى السّابقين و اللّاحقين و المقصّرين، أشار عليه السّلام لهم إلى الطريق التي يجب سلوكها و نصب عليها أعلام الهدى ليوصل إلى حضرة الحقّ سبحانه و تعالى فقال: (اليمين و الشّمال مضلّة و الطريق الوسطى هي الجادّة) الموصلة لسالكها إلى المطلوب و هي حظيرة القدس، و ذلك لأنّ طريق السّالكين إلى اللّه إمّا العلم أو العمل، فالعلم طريق القوّة النّظرية، و العمل طريق القوّة العمليّة، و كلّ منهما محتو برذيلتين هما طرفا التّفريط و الافراط، و الوسط منهما هو العدل و الطريق الوسطى هي الجادّة الواضحة لمن اهتدى.
أقول: و لعلّه كنّى باليمين و الشّمال عن طريق الجبت و الطاغوت، و بالطريق الوسطى عن طريق الولاية له عليه السّلام، و أشار بقوله مضلّة إلى كونهما في ضلالة فيضلّان سالكي طريقهما البتّة، و بقوله هي الجادّة إلى وجوب سلوك الطريق الوسطى، و هي ولايته لكونها سالمة و محفوظة من الضلالة منصوبة عليها أعلام الهداية فهو عليه السّلام السّبيل الأعظم و الصّراط الأقوم و ولايته الطريق الوسطى و الجادّة العظمى لأنّ جميع العباد إنّما يصلون إلى اللّه تعالى إلى محبّته و جنّته و قربه و الفوز لديه بما أعدّه لمن أطاعه بولايته و محبّته و طاعته، و إنّما تصعد أعمال الخلق إلى اللّه إذا كانت جارية على سنّته و طريقته و كانت مأخوذة عنه بالتسليم له و الردّ إليه و بالولاية له و البراءة من أعدائه و هو قول اللّه عزّ و جلّ: «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» يعني أنّ اللّه لا يقبل من أحد عمله إلّا من المتّقي، و هو الذى أحبّ اللّه و رسوله و ائتمر بأمره و انتهى عن نهيه و والى وليّ اللّه و عادى عدوّ اللّه، و معنى المتّقين في الباطن المتّقون من ولاية أعدائه عليه السّلام و هم أهل الشّمال و اليمين، فمن اتّقى سنّة أعدائه فهو المتّقي، فكان عليه السّلام هو الطريق إلى اللّه و ولايته أيضا طريق صعود الأعمال إليه تعالى و قد اشير إلى هذه الطرق الثّلاث أعني اليمين و الشّمال و الوسطى، و إلى التّحذير من الأوّلين و وجوب سلوك الأخيرة في غير واحد من الآيات و الأخبار مثل ما رواه في غاية المرام من الكافي باسناده عن بريد العجلي قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فكان جوابه: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا» يقول الأئمّة الضّلال و الدّعاة إلى النّار هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلا «أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً» و فيه من تفسير العياشي باسناده عن بريد العجلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» قال: تدري ما يعني بصراطي مستقيما قلت: لا، قال: ولاية عليّ و الأوصياء، قال: و تدري ما يعني فاتّبعوه قلت: لا، قال: يعني عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، قال: و تدرى ما يعني بقوله: و لا تتّبعوا السّبل قلت: لا، قال: ولاية فلان و فلان و اللّه، قال: و تدري ما يعني فتفرّق بكم عن سبيله قال: قلت: لا، قال: يعني سبيل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
و فيه عن الكلينيّ باسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: قلت:
«أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» قال: إنّ اللّه ضرب مثل من حاد عن ولاية عليّ عليه السّلام كمن يمشي مكبّا على وجهه لا يهتدى لأمره، و جعل من تبعه سويّا على صراط مستقيم و الصّراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السّلام.
و فيه عن ابن شهر آشوب عن ابن عبّاس كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحكم و عليّ بين يديه مقابله، و رجل عن يمينه، و رجل عن شماله، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اليمين و الشّمال مضلّة، و الطريق السّوى الجادّة، ثمّ أشار صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بيده إنّ هذا صراط عليّ مستقيم فاتّبعوه الآية.
و فيه عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال: حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: نحن و اللّه سبيل اللّه الذي أمركم اللّه باتّباعه، و نحن و اللّه الصّراط المستقيم، و نحن و اللّه الذين أمر اللّه بطاعتهم، فمن شاء فليأخذ من هنا، و من شاء فليأخذ من هناك، لا تجدون «عنّا و اللّه محيصا خ ل» عنها محيصا.
و فيه عن سعد بن عبد اللّه في كتاب بصائر الدّرجات بإسناده عن زرّ بن حبيش عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: سمعته يقول: إذا دخل الرّجل حفرته أتاه ملكان اسمهما منكر و نكير فأوّل ما يسألانه عن ربّه ثمّ عن نبيّه ثمّ عن وليّه فان أجاب نجا، و إن تحيّر عذّباه، فقال رجل: فما حال من عرف ربّه و لم يعرف وليّه قال: مذبذب لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلا و من يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا، فذلك لا سبيل له، و قد قيل للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من وليّنا يا نبيّ اللّه فقال: وليّكم في هذا الزّمان عليّ و من بعده وصيّه لكلّ زمان عالم يحتجّ اللّه به لئن يكون كما قال الضّلال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم «لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى» فما كان من ضلالتهم و هي جهالتهم بالآيات و هم الأوصياء فأجابهم اللّه عزّ و جلّ: «قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى» و إنّما كان تربّصهم أن قالوا: نحن في سعة من معرفة الأوصياء حتّى نعرف إماما فعيّرهم اللّه بذلك، و الأوصياء هم أصحاب الصّراط وقوفا عليه لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم عند أخذه المواثيق عليهم و وصفهم في كتابه، فقال عزّ و جلّ: «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ» و هم الشّهداء على أوليائهم و النّبيّ الشّهيد عليهم أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة و أخذ النبيّ الميثاق بالطاعة فجرت نبوّته عليهم ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً» و فيه عن محمّد بن العبّاس معنعنا عن الحضرمي عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: «فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى» قال: عليّ صاحب الصّراط السّوى و من اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت.
و إذا أحطت خبرا بما ذكرنا و ظهر لك أنّ المراد بالطريق الوسطى هي ولايته عليه السّلام المعبّر عنه تارة بالصراط السّوىّ، و اخرى بالصراط المستقيم، و ثالثة بالطريق السّوىّ، و رابعة بسبيل اللّه الذي أمر اللّه باتّباعه، ظهر لك معنى قوله: (عليها باقي الكتاب) أى على الطريق الوسطى الباقي من الكتاب بعد وقوع التّحريف فيه أو عليها الكتاب الباقي بين الأمّة و الثقل الأكبر الذي خلّفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيهم.
و على أىّ تقدير فالمراد به أنّ من سلك طريق الولاية يحصل له العلم بالكتاب و يتيسّر له أخذه من قيّمه و العالم به و هو صاحب الولاية المطلقة، لما قد عرفت التلازم و عدم الافتراق بين الثقلين الأكبر و الأصغر في الفصل السّابع عشر من فصول الخطبة الاولى و عرفت تفصيلا في التّذييل الثّالث من تذييلات ذلك الفصل أنّ أمير المؤمنين و الطيّبين من آله عليهم السّلام هم العالمون بتنزيل الكتاب و تأويله و عامّه و خاصّه و مرسله و محدوده و مجمله و مبيّنه و ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه و ظاهره و باطنه، و أنّ علمه منحصر فيهم عليهم السلام و أنّ من ادّعى حمله و حفظه على ما انزل و العلم بما فيه غير العترة الطاهرة فهو كذّاب، و في بعض النّسخ عليها ما في الكتاب يعني مدار ما في الكتاب و قوامه على تلك الطريقة هذا.
و يحتمل أن يكون المراد من كون باقي الكتاب أو ما في الكتاب عليها كونه منصوبا عليها و علما يهتدى به اليها، إذ فيه دلالة على هذه الطريقة كما أنّ في الباقي منه على تقدير النقصان ما فيه كفاية لوجوب سلوكها و لزوم متابعتها كالآيات السّالفة و غيرها من الآيات النّازلة في شأنه عليه السّلام و المشيرة إلى ولايته.
و هذان الاحتمالان جاريان في قوله عليه السّلام: (و آثار النّبوة) أى على هذه الطريقة أعلام النّبوّة و أماراتها، من سلكها يظهر له تلك الأعلام لكون الولاية مظهر النّبوة، و على الاحتمال الثّاني فالمعنى أنّ آثار النبوّة منصوبة على تلك الطريق بتلك الآثار يهتدى إليها و يستدلّ عليها، و لا يبعد أن يكون المراد بالآثار على هذا الاحتمال هو الأخبار النبوّية و الرّوايات المنقولة عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و منها منفذ السّنة) النبويّة و مخرج الشريعة المحمّدية عليه و آله آلاف الثّناء و التّحية، إذ به و بالطيّبين من اولاده سلام اللّه عليهم انتشر الشّرايع و الأحكام و عرف الحلال و الحرام، و استقامت الشّريعة الطاهرة و استحكمت السنة الباهرة.
(و اليها مصير العاقبة) أى عاقبة الخلق في الدّنيا و الآخرة، أمّا في الدّنيا فلأنّ نظام امورهم في حركاتهم و سكناتهم مبنيّ على القوانين الشّرعيّة المأخوذة من هذه الطريقة، و إلى تلك القوانين ترد عواقب امورهم، و عليها يحملون، و أمّا في الآخرة فواضح لأنّ إياب الخلق إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إلى أولاده الطاهرين، و حسابهم عليهم و إليه الاشارة في قوله سبحانه: «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ» أى إلى أوليائنا رجوعهم و مصيرهم بعد الموت، و عليهم جزاؤهم على أعمالهم، و يشهد بما ذكرته صريحا ما ورد في فقرات الزّيارة الجامعة الكبيرة: و إياب الخلق إليكم و حسابهم عليكم.
قال المحدّث المجلسيّ في شرح هذه الفقرة: أى رجوعهم في الدّنيا لأجل المسائل و الزّيارات، و في الآخرة لأجل الحساب، كما روى عنهم عليهم السّلام أنّهم الميزان أى الحقيقي و الواقعي، أو في الآخرة بقرينة و حسابهم عليكم كما قال تعالى أى إنّ إلينا أى إلى أوليائنا بقرينة إيابهم ثمّ إنّ علينا حسابهم.
و روى في الأخبار الكثيرة أنّ حساب الخلايق يوم القيامة إليهم و لا استبعاد في ذلك كما أنّ اللّه تعالى قرّر الشهود عليهم من الملائكة و الأنبياء و الأوصياء و الجوارح مع أنّه تعالى قال: «وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» و هو القادر الدّيان يوم القيامة و يمكن أن يكون مجازا باعتبار حضورهم مع الأنبياء عند محاسبة اللّه إيّاهم انتهى.
أقول: و ما ذكره أولا هو الأظهر إذ المصير إلى المجاز إنّما هو مع تعذّر إرادة المعنى الحقيقي، و أمّا مع الامكان فلا، و قد دلّت الأخبار الكثيرة كما اعترف (ره) به أيضا على أنّ المحاسب هم عليهم السّلام فيتعيّن إرادة الحقيقة.
و من هذه الأخبار ما في الكافي عن الباقر عليه السّلام إذا كان يوم القيامة و جمع اللّهالأوّلين و الآخرين لفصل الخطاب دعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دعى أمير المؤمنين فيكسى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلّة خضراء تضيء ما بين المشرق و المغرب و يكسى أمير المؤمنين عليه السّلام مثلها و يكسى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ردية يضيء لها ما بين المشرق و المغرب و يكسى عليّ عليه السّلام مثلها، ثمّ يصعدان عندها، ثمّ يدعى بنا فيدفع إلينا حساب النّاس، فنحن و اللّه مدخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النّار النّار.
و عن الكاظم عليه السّلام و إلينا إياب هذا الخلق و علينا حسابهم، فما كان لهم من ذنب بينهم و بين اللّه عزّ و جلّ حتمنا على اللّه في تركه لنا فأجابنا إلى ذلك، و ما كان بينهم و بين النّاس استوهبناه منهم و أجابوا إلى ذلك و عوّضهم اللّه عزّ و جلّ هذا.
و يحتمل أن يكون المراد من قوله عليه السّلام: و إليها مصير العاقبة، كون مدار عاقبة الخلق و خاتمتهم خيرا و شرّا على الولاية، فان كان العبد مذعنا بالولاية كان عاقبته عاقبة خير، و إن كان منكرا لها كان عاقبته عاقبة شرّ، كما دلّت عليه الأخبار المتواترة و المستفيضة الواردة في تفسير قوله سبحانه: «وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» مثل ما روى في غاية المرام عن الشّيخ في مصباح الأنوار بإسناده عن عبد اللّه بن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا كان يوم القيامة أقف أنا و عليّ على الصّراط بيد كلّ واحد منّا سيف فلا يمرّ أحد من خلق اللّه إلّا سألناه عن ولاية عليّ عليه السّلام فمن معه شيء منها نجا و إلّا ضربنا عنقه و ألقيناه في النّار ثمّ تلا.
«وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ» و الأخبار في هذا المعنى كثيرة لا حاجة إلى الاطالة (هلك من ادّعى) الامامة من غير استحقاق لها (و خاب من افترى) على اللّه و على رسوله في دعواه لها، و الجملتان تحتملان الدّعاء و الاخبار، و المراد بالهلاك الهلاك الاخروى و بالخيبة الحرمان و الخسران كما أشير إليه في قوله تعالى:
«وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ» قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في مرويّ البحار من غيبة النّعماني بإسناده عن ابن ظبيان عنه في تفسيره: من زعم أنّه إمام و ليس بإمام.
و في البحار أيضا من تفسير العيّاشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام: «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ» قال: من ادّعى الامامة دون الامام.
و عن عليّ بن ميمون الصّايغ عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: من ادّعى امامة من اللّه ليست له، و من جحد إماما من اللّه، و من قال: إنّ لفلان و لفلان نصيبا في الإسلام.
و من المحاسن بإسناده عن العلا عن محمّد قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ أئمّة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّه و الحقّ قد ضلّوا بأعمالهم التي يعملونها.
«كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» (و من أبدى صفحته للحقّ هلك عند جهلة النّاس) أراد به نفسه و نبه به على أنّ المتجرّد لاظهار الحقّ في مقابلة كلّ باطل و ردّ الجهّال من جهالاتهم و حملهم على مرّ الحقّ و صعبه في كلّ وقت يكون في معرض الهلاك بأيديهم و ألسنتهم، إذ لا يعدم منهم من يوليه المكروه و يسعى في دمه.
و يشهد بذلك ما رواه السّيد المحدّث الجزائري ره مرفوعا في كتابه المسمّى بزهر الرّبيع أنّ الصّادق عليه السّلام سئل عن الخلفاء الأربعة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما بال الشّيخين قد انتظمت لهما أمور الخلافة و جرت على أيديهم فتوح البلاد من غير معارضة أحد من المسلمين و ما بال عثمان و أمير المؤمنين عليه السّلام لم تنتظم لهما امور الخلافة بل قامت المسلمون على عثمان و حصروه في داره و قتلوه وسط بيته، و أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فثارت الفتن في زمن خلافته حتّى قتل النّاكثين و القاسطين و المارقين فأجاب عليه السّلام أنّ أمور تلك الدّنيا و الخلافة فيها لا يجرى بباطل بحت و لا بحقّ خالص، بل تجري بحقّ و بباطل ممزوجين، فأمّا عثمان فأراد أن يجري امور الخلافة بمحض الباطل فلم يتمّ له الامر، و أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فأراد أن يجري أحكامها على الطريقة المستقيمة و السّنن النّبويّة فلم يحصل له ما أراد، و أمّا الشّيخان فأخذا قبضة من الحقّ و قبضة من الباطل فجرت لهما الامور كما أرادا.
و لمّا نبّه عليه السّلام على معاندة الجهال للحقّ و أهله أشار إلى ما يتّرتب على صفة الجهالة و ما هي ثمرة لها بقوله: (و كفى بالمرء جهلا ان لا يعرف قدره) و يتعدى طوره و يجهل رتبته و لا يتصوّر نفسه كآحاد النّاس، و هذا من أعظم المهلكات لكونه منشأ العجب و الكبر و الغرور و الانّية و ادّعاء ما ليس له بأهل كما في معاوية عليه الهاوية حيث لم يعرف رتبته و قدره و ادّعى الخلافة و سعى في إهلاكه عليه السّلام و إفساد الأمر عليه لابداء صفحته للحقّ، و حمله النّاس على الطريقة المستقيمة و المحجّة البيضاء التي كانت مكروهة لذلك اللّعين بمقتضى طينته الخبيثة.
ثمّ نبّه عليه السّلام على لزوم التّقوى بقوله: (و لا يهلك على التّقوى سنخ أصل) كان بناؤه عليه إذ الأصل الذي كان بنيانه على التّقوى محال أن يهلك و يلحق بانيه خسران كما قال سبحانه: «أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ» (و لا يظمأ عليه زرع قوم) لأنّ من زرع في أرض قلبه زرعا أخرويّا كالمعارف الالهيّة و العقائد الحقّة و سقاها ماء التقوى و جعله مادّتها فلا يلحق ذلك الزّرع ظماء، بل عليه ينشأ بأقوى ساق و أزكى ثمرة و قوله: (فاستتروا بيوتكم) قد عرفت في شرح الفصل السّابق أنّ هذا الكلام مسبوق بقوله عليه السّلام: إنّ اللّه أدّب هذه الامّة بالسّيف و السّوط و ليس لأحد عند الامام فيهما هوادة، أى شفاعة في تأخير التعزير أو تركه و هو وارد في مقام التّهديد و التّوعيد و إشارة إلى أنّه عليه السّلام لا يأخذه في اللّه لومة لائم و أنّه لا يشفع عنده في إقامة الحدود و السّياسات و لا يعطل الأحكام بالشّفاعة كما عطلها من تقدّم عليه عليه السّلام.
و لمّا نبّههم على ذلك أمرهم بالاستتار في بيوتهم كيلا يجتمعوا على المنافرات و المفاخرات و المشاجرات فيحصل من اجتماعهم ما يوجب الحدّ و التعزير و لا يمكن له إسقاطه بالشّفاعة و الهوادة، فالاستتار في البيوت كناية عن الاعتزال حسما لمادة الفتن و لمّا كان قطع مادّة الفتنة سببا لاصلاح ذات البين أردفه بقوله: (و أصلحوا ذات بينكم) ثمّ نبّه العصاة على استدراك عصيانهم بالرّجوع إلى التّوبة بقوله: (و التّوبة من ورائكم) قال الشّارح البحراني: و كونها وراء لأنّ الجواذب الالهية إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتّى أعرض عنها و التفت بوجه نفسه إلى ما كان معرضا عنه من النّدم على المعصية و التّوجّه إلى القبلة الحقيقة فانّه يصدق عليه اذن أنّ التّوبة وراء أى وراء عقليّا و هو أولى من قول من قال من المفسّرين أنّ ورائكم بمعنى أمامكم (و لا يحمد حامد إلّا ربّه و لا يلم لائم إلا نفسه) جملتان خبريّتان في معنى الانشاء يعني أنّه يجب أن يكون حمد كلّ حامد للّه سبحانه لكونه مبدء جميع المحامد و الخيرات، و يجب أن يكون لوم كلّ لائم على نفسه لكونها منشأ الشّرور و الخطيئات كما قال تعالى: «ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» و الحمد للّه و الصّلاة على نبيّه و وليّه و آله.
الترجمة
مشغول گرديد آن كسى كه بهشت و دوزخ در پيش اوست باينها از غير اينها و مكلفين باعتبار اشتغال باينها سه فرقه اند يكى سعى نماينده برضاى خداوند شتابنده در سعى خود و نجات يافت برحمت پروردگار، دومي طلب كننده خيرات كه كامل است در آن طلب اميدوار است بمغفرت كردگار، سوّمى تقصير كننده در طاعات كه فرود آمده است در جهنّم، جانب راست و جانب چپ محلّ ضلالت و گمراهي است و راه ميانه آن جادّه است درست، و بر اوست باقي كتاب واجب التّكريم و علامت نبوّة واجب التعظيم، و از اوست مخرج سنّة مطهّرة و باوست بازگشت عاقبت خلق در دنيا و آخرت، هلاك شد كسى كه دعوى امامت نمود بباطل، و فضول و نوميد گرديد كسى كه افترا بست بخداوند و رسول، كسى كه ظاهر گردانيد روى خود را از براى حقّ در مقابل باطل هلاك شد نزد مردمان نادان و جاهل، و كفايت ميكند مر او را از حيث جهالت اين كه قدر خود را نشناسد و رتبه و شان خود را نداند، و هلاك نمى شود أصلي كه بناء آن پرهيزكاري بوده باشد، و تشنه نمى باشد زراعت هيچ گروهى كه آبيارى آن از پرهيزكارى گردد، پس پنهان شويد در خانه هاى خودتان و اصلاح كنيد در ميان مردمان و توبه و پشيماني در پيش شما است، و بايد كه حمد و ثنا نكند هيچ ستايش كننده در روزگار مگر بپروردگار خود، بجهة اين كه اوست منعم على الاطلاق و سزاوار تعظيم و اجلال، و بايد كه ملامت نكند هيچ ملامت كننده مگر نفس خود را كه منشأ شرّ است و فساد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»