خطبه 114 صبحی صالح
114- و من خطبة له ( عليه السلام ) و فيها مواعظ للناس
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ
وَ النِّعَمَ بِالشُّكْرِ
نَحْمَدُهُ عَلَى آلَائِهِ
كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلَائِهِ
وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى هَذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ السِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ
وَ نَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ
وَ أَحْصَاهُ كِتَابُهُ
عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِرٍ
وَ كِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِرٍ
وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ
وَ وَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ
إِيمَاناً نَفَى إِخْلَاصُهُ الشِّرْكَ
وَ يَقِينُهُ الشَّكَّ
وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
وَ أَنَّ مُحَمَّداً ( صلىاللهعليهوآلهوسلم )عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ
شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ
وَ تَرْفَعَانِ الْعَمَلَ
لَا يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ
وَ لَا يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّتِي هِيَ الزَّادُ وَ بِهَا الْمَعَاذُ
زَادٌ مُبْلِغٌ وَ مَعَاذٌ مُنْجِحٌ
دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ
وَ وَعَاهَا خَيْرُ وَاعٍ
فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا وَ فَازَ وَاعِيهَا
عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مَحَارِمَهُ
وَ أَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ
حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ
وَ أَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ
فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ
وَ الرِّيَّ بِالظَّمَإِ
وَ اسْتَقْرَبُوا الْأَجَلَ
فَبَادَرُوا الْعَمَلَ
وَ كَذَّبُوا الْأَمَلَ فَلَاحَظُوا الْأَجَلَ
ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وَ عَنَاءٍ
وَ غِيَرٍ وَ عِبَرٍ
فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ لَا تُخْطِئُ سِهَامُهُ
وَ لَا تُؤْسَى جِرَاحُهُ
يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ
وَ الصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ
وَ النَّاجِيَ بِالْعَطَبِ
آكِلٌ لَا يَشْبَعُ
وَ شَارِبٌ لَا يَنْقَعُ
وَ مِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لَا يَأْكُلُ
وَ يَبْنِي مَا لَا يَسْكُنُ
ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا مَالًا حَمَلَ
وَ لَا بِنَاءً نَقَلَ
وَ مِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً
وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً
لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا نَعِيماً زَلَّ وَ بُؤْساً نَزَلَ
وَ مِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ فَيَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ
فَلَا أَمَلٌ يُدْرَكُ
وَ لَا مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ
فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا
وَ أَظْمَأَ رِيَّهَا
وَ أَضْحَى فَيْئَهَا
لَا جَاءٍ يُرَدُّ
وَ لَا مَاضٍ يَرْتَدُّ
فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ
وَ أَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُ
إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلَّا عِقَابُهُ
وَ لَيْسَ شَيْءٌ بِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا ثَوَابُهُ
وَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ
وَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْآخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ
فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ
وَ مِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ
وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَ زَادَ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْآخِرَةِ وَ زَادَ فِي الدُّنْيَا
فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ وَ مَزِيدٍ خَاسِرٍ
إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ
وَ مَا أُحِلَ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ
فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ
وَ مَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ
قَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ
وَ أُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ
فَلَا يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلَى بِكُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ
مَعَ أَنَّهُ وَ اللَّهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ وَ دَخِلَ الْيَقِينُ
حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ
وَ كَأَنَّ الَّذِي قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْكُمْ
فَبَادِرُوا الْعَمَلَ
وَ خَافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ
فَإِنَّهُ لَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ
مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ
وَ مَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوْمَ رَجْعَتُهُ
الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِي
وَ الْيَأْسُ مَعَ الْمَاضِي
فَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج8
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثالثة عشر من المختار في باب الخطب
الحمد للَّه الواصل الحمد بالنّعم، و النّعم بالشّكر، نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه، و نستعينه على هذه النّفوس البطاء عمّا أمرت به، الشّراع إلى ما نهيت عنه، و نستغفره ممّا أحاط به علمه، و أحصاه كتابه علم غير قاصر، و كتاب غير مغادر، و نؤمن به إيمان من عاين الغيوب، و وقف على الموعود، إيمانا نفي إخلاصه الشّرك، و يقينه الشّكّ، و نشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أن محمّدا عبده و رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، شهادتين تصعدان القول، و ترفعان العمل، لا يخفّ ميزان توضعان فيه، و لا يثقل ميزان ترفعان عنه، أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه الّتي هي الزّاد، و بها المعاد، زاد مبلّغ، و معاد منجح، دعا إليها أسمع داع، و وعيها خير واع فأسمع داعيها، و فاز واعيها، عباد اللَّه، إنّ تقوى اللَّه حمت أولياء اللَّه محارمه، و ألزمت قلوبهم مخافته، حتّى أسهرت لياليهم، و أظمأت هو اجرهم، فأخذوا الرّاحة بالنّصب، و الرّيّ بالظّمآء، و استقربوا الأجل فبادروا العمل، و كذّبوا الأمل، فلا حظوا الأجل. ثمّ إنّ الدّنيا دار فناء و عناء، و غير و عبر، فمن الفناء إنّ الدّهر موتر قوسه، و لا تخطي سهامه، و لا توسى جراحه، يرمى الحيّ بالموت، و الصّحيح بالسّقم، و النّاجي بالعطب، آكل لا يشبع، و شارب لا ينقع، و من العناء أنّ المرء يجمع ما لا يأكل، و يبنى ما لا يسكن، ثمّ يخرج إلى اللَّه لا مالا حمل، و لا بناء نقل، و من غيرها أنّك ترى المرحوم مغبوطا، و المغبوط مرحوما، ليس ذلك إلّا نعيما زلّ، و بؤسا نزل، و من عبرها أنّ المرء يشرف على أمله، فيقتطعه حضور أجله، فلا أمل يدرك، و لا مؤمّل يترك، فسبحان اللَّه ما أغرّ سرورها، و أظمأريّها، و أضحى فيئها، لا جاء يردّ، و لا ماض يرتدّ، فسبحان اللَّه ما أقرب الحيّ من الميّت للحاقه به، و أبعد الميّت من الحيّ لانقطاعه عنه، إنّه ليس شيء بشرّ من الشرّ إلّا عقابه، و ليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه، و كلّ شيء من الدّنيا سماعه أعظم من عيانه، و كلّ شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه، فليكفكم من العيان السّماع، و من الغيب الخبر. و اعلموا أنّ ما نقص من الدّنيا و زاد في الآخرة خير ممّا نقص من الآخرة و زاد في الدّنيا، فكم من منقوص رابح، و مزيد خاسر، إنّ الّذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، و ما أحلّ لكم أكثر ممّا حرّم عليكم، فذروا ما قلّ لما كثر، و ما ضاق لما اتّسع، قد تكفّل لكم بالرّزق، و أمرتم بالعمل، فلا يكوننّ المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم عمله، مع أنّه و اللَّه لقد اعترض الشّكّ و دخل اليقين حتّى كأنّ الّذي ضمن لكم قد فرض عليكم، و كأنّ الّذي فرض عليكم قد وضع عنكم، فبادروا العمل، و خافوا بغتة الأجل، فإنّه لا يرجا من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق، ما فات اليوم من الرّزق رجي غدا زيادته، و ما فات أمس من العمر لم يرج رجعته، الرّجاء مع الجائي، و اليأس مع الماضي، « اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ».
اللغة
(البطاء) على وزن الفعال من بطوء بطئا كقرب ضدّ السّراع و (غادره) مغادرة و غدارا تركه و بقاه و (المعاد) بالدال المهملة مصدر بمعنى العود أى الرّجوع إلى اللَّه سبحانه، و في بعض النسخ بالذال المعجمة بمعنى الملاذ و (النجح) بالضم الظفر بالمطلوب و انجح زيد صار ذا نجح فهو منجح و (أسمع واع) بناء أفعل ههنا من الرباعي أى أشدّ اسماعا، مثل قولهم ما أعطاه للمال و ما أولاه للمعروف و هذا المكان أقفر من غيره، أى أشدّ اقفارا، و في بعض الرّوايات: و احسن واع، بدله و (الظماء) محرّكة العطش أو شدّته و (الهواجر) جمع الهاجرة و هو كالهجر و الهجيرة نصف النهار أو من عند زوال الشمس إلى العصر، لأنّ الناس يستكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا، و شدّة الحرّ.
و (الرّى) بالكسر اسم من روى من الماء و اللبن ريّا و (الغير) اسم من غيره جعله غير ما كان و حوّله و بدله و غير الدهر وزان عنب احداثه المغيرة و (موتر) من باب الافعال أو التفعيل و كلاهما مرويّان يقال: أو تر القوس أى جعل لها وترا و وترها توتى را شدّ وترها، و الوتر محرّكة شرعة القوس و معلقها و الجمع أوتار و (أسى) الجرح اسوا واسى داواه، اسوت بين القوم أصلحت و (أضحى) فيئها من ضحى الرجل إذا برز للشمس و (العيان) بالكسر المعاينة يقال لقيه عيانا أى معاينة لم يشكّ في رؤيته إيّاه و (دخل اليقين) أى تزلزل كما في قوله: كنت أرى اسلامه مدخولا، أى متزلزلا و (الرجعة) الرّجوع و (التقاة) الخوف و أصله تقية و زان تهمة.
الاعراب
ايمانا بالنصب بدل من ايمان الأوّل، و جملة تصعدان صفة للشهادتين، و جملة لا يخف آه تحتمل الوصفية أيضا و الحالية لوقوعها بعد نكرة مخصّصة بالوصف، و داعيها فاعل اسمع، و واعيها فاعل فاز، و الباء في قوله بالنصب و بالظماء للمقابلة، و أكل بالرفع خبر لمبتدأ محذوف، و قوله لا مالا حمل، لا للنّفى و ما لا منصوب بفعل محذوف يفسّره ما بعده، و جملة المنفي حال من فاعل يخرج، و طلبه بالرفع بدل اشتمال من المضمون و ليس فاعلا له على حدّ قولهم: جاءني المضروب أخوه، و ذلك لأنّ الرزق حصوله مضمون لا طلبه كما هو ظاهر، و يحتمل أن يكون رفعه بالابتداء و أولى بكم خبره، و جملة المبتدأ و الخبر في محلّ النصب خبرا ليكون، و الأول أحسن و أنسب.
المعنى
اعلم أنّ الغرض بهذه الخطبة الشريفة الأمر بملازمة التقوى و التنفير عن الدّنيا و الترغيب في العقبا افتتحها بالحمد و الثناء فقال: (الحمد للَّه الواصل الحمد بالنّعم و النّعم بالشكر) المراد بوصل أحدهما بالآخر شدّة الارتباط بينهما، فيكون التكرير للتأكيد أو أنه أراد بوصل الحمد بالنّعم ايجابه الحمد عليها و أمره به عند حصولها، و بوصل النّعم بالشّكر جعل الشكر سببا لمزيدها كما قال: لئن شكرتم لأزيدنّكم، و هذا هو الأظهر، و لذا اختار الشّكر على الحمد لمحا للآية الشريفة.
(نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه) و هذا من باب التشبيه المقلوب و الغرض منه عايد إلى المشبّه به و هو ايهام أنّه أتمّ من المشبّه و ان كان الحمد على الآلاء أكثر و أشهر، و مثله قوله:
و بدا الصّباح كأنّ غرّته وجه الخليفة حين يمتدح
فانه قصد ايهام أنّ وجه الخليفة أتمّ في الوضوح و الضّياء من الصّباح و ان كان الأمر بحسب الواقع بالعكس هذا، و فيه ارشاد للعباد على القيام بوظايف الحمد عند السّراء و الضرّاء، و الملازمة بمراسم التّحيّة و الثناء في حالتي الشدّة و الرّخاء لأنّ الرضاء بالقضاء و الصّبر على البلا يوجبان الثواب الجميل و الأجر الجزيل في العقبى فبذلك الاعتبار البلاء منه سبحانه أيضا نعمة توجب الحمد للَّه تعالى قال: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ الآيات.
و في رواية الكافي عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال إنّ فيما أوحى اللَّه تعالى إلى موسى بن عمران يا موسى بن عمران ما خلقت خلقا أحبّ إلىّ من عبدى المؤمن، و انى انما أبتليه لما هو خير له، و أزوى عنه لما هو خير له، و أنا أعلم بما يصلح عليه عبدى، فليصبر على بلائى و ليشكر نعمائي و ليرض بقضائى اكتبه في الصّديقين عندي إذا عمل برضائي و أطاع أمري (و نستعينه على هذه النفوس) المايلة بمقتضى جبلّتها إلى المفاسد و المقابح و الراغبة عن المنافع و المصالح (البطاء عمّا امرت به) من العبادات و الطّاعات (السّراع إلى ما نهيت عنه) من المعاصي و السّيئآت (و نستغفره ممّا أحاط به علمه و أحصاه كتابه) من صغاير الذّنوب و كبايرها و بواطن السّيئات و ظواهرها و سوالف الزّلّات و حوادثها (علم غير قاصر) عن شيء و لا يعزب عنه ممّا في الأرض و السّماء من شيء (و كتاب غير مغادر) شيء أى لا يغادر و لا يبقى صغيرة و لا كبيرة إلّا أحصيها.
(و نؤمن به) أى نصدّقه بقول مقول و عمل معمول و عرفان بالعقول و اتّباع الرّسول (ايمان من عاين الغيوب) و شاهد بعين اليقين الغيب المحجوب عن غمرة الموت و سكرته و ضيق القبر و ظلمته و طول البرزخ و وحشته و عقبات السّاعة و دواهيها و أهوال القيامة و شدائدها (و وقف) أى اطّلع (على الموعود) من الرّفد المرفود و الطلح المنضود و السّدر المخضود و الظل الممدود و غيرها ممّا وعد به المتّقون، أو النّار ذات الوقود و القيح و السّديد و العذاب الشّديد و نزل الحميم و تصلية الجحيم و نحوها ممّا وعد به المجرمون.
و انّما خصّ ايمان المعاين الواقف بالبيان لكونه أقوى درجات الايمان، فانّ من الايمان ما يكون بحسب التقليد، و منه ما يكون بحسب البرهان و هو علم اليقين، و أقوى منه الايمان بحسب الكشف و المشاهدة، و هو عين اليقين و ذلك هو الايمان الخالص.
و في الكافي باسناده عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى بالنّاس الصّبح فنظر إلى شابّ في المسجد و هو يخفق و يهوى برأسه مصفرا لونه و قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: كيف أصبحت يا فلان قال: أصبحت يا رسول اللَّه موقنا، فعجب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من قوله و قال: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك فقال: إنّ يقيني يا رسول اللَّه هو الّذي أخرنني و أسهر ليلي و أظمأ هو اجرى فعزفت نفسي عن الدّنيا و ما فيها حتّى كأني أنظر إلى عرش ربّي و قد نصب للحساب و حشر الخلايق لذلك و أنا فيهم، و كأنّي انظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة و يتعارفون على الأرائك متّكؤون، و كأنّي أنظر إلى أهل النّار و هم فيها معذّبون مصطرخون، و كأنّي الآن أسمع زفير النّار يدور في مسامعي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لأصحابه: هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالايمان، ثمّ قال له: ألزم ما أنت عليه، فقال الشاب: ادع اللَّه لي يا رسول اللَّه أن ارزق الشّهادة معك، فدعى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فاستشهد بعد تسعة نفر و كان هو العاشر.
و حيث كان ايمانه عليه السّلام من أقوى درجات الايمان و أعلى مراتبه، موصوفا بالخلوص و اليقين كما قال: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا اتبعه بقوله: (ايمانا نفى اخلاصه الشّرك و يقينه الشّك) أما نفى اخلاصه للشّرك فواضح، و أما نفى يقينه للشّك فلأنّ اليقين عبارة عن الاعتقاد بأنّ الأمر كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن أن لا يكون إلّا كذا، فهو مناف للشكّ لا محالة.
(و نشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله) و قد مضى تفصيل ما يتعلّق بالشّهادتين في شرح الفصل الثّاني من الخطبة الثانية و لا حاجة إلى الاعادة.
(شهادتين تصعدان القول) أى الكلم الطّيب (و ترفعان العمل) أى العمل الصّالح و إنما تكونان كذلك إذا كانتا صادرتين عن صميم القلب و وجه اليقين و خلوص الجنان فتكونان حينئذ فاتحة الاحسان و عزيمة الايمان تصعدان الكلمات الطيّبات، و ترفعان الأعمال الصّالحات، و تزيدان في الدّرجات، و تكفّران الخطيات و أمّا الصّادرة عن مجرّد اللّسان فلا فايدة فيها إلّا تطهير ظاهر الانسان، و خيرها زهيد و نفعها فقيد هذا.
و في قوله (لا يخفّ ميزان توضعان فيه و لا يثقل ميزان ترفعان عنه) دلالة على أنّ لهما مدخلية في ثقل الميزان و خفّته بوضعهما فيه و رفعهما عنه.
و يشهد به صريحا في الجملة ما قدّمنا روايتها في شرح الفصل الثّاني من الخطبة الثانية، من ثواب الأعمال عن أبي سعيد الخدرى عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال: قال اللَّه جلّ جلاله لموسى بن عمران: يا موسى لو أنّ السّماوات، و عامريهنّ عندي و الأرضين السبع في كفّة و لا إله إلّا اللَّه في كفة مالت بهنّ لا إله إلّا اللَّه.
ثمّ وصّى عليه السّلام العباد بما لا يزال يوصي به فقال: (اوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه التي هي) الذّخيرة و (الزاد و بها) المرجع و (المعاد زاد) يتقوّى به إلى طيّ منازل الآخرة و سلوك سبيل الجنان (مبلّغ) إلى غاية الرّضوان (و معاد منجح) يصادف عنده الفوز و النجاح و ينال به منتهى الارباح (دعا اليها) أى إلى التقوى (أسمع داع و وعاها) أى حفظها (خير واع) يحتمل أن يكون المراد بأسمع داع هو اللَّه سبحانه، لأنّه أشدّ المسمعين اسماعا، و قد دعى إليها كثيرا و ندب إليها في غير واحد من الكتب السّماويّة و غير آية من الآيات القرآنيّة و من جملتها قوله سبحانه: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى.
و بخير واع هو الأنبياء و المرسلون أو الاعمّ منهم و من ساير المسارعين إلى داعى اللَّه الّذين هم أفضل القوابل الانسانيّة، و أن يكون المراد بأسمع داع رسول اللَّه و بخير واع نفسه عليه السّلام.
و يؤيّده قوله تعالى: اذن واعية، بما روى في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال: لما نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: هي اذنك يا علي.
(فاسمع داعيها) أى لم يبق أحد من المكلّفين إلّا أسمعه تلك الدّعوة (و فاز واعيها) المتدبّر فيها الآخذ بها.
ثمّ نبّه على آثار التقوى و خواصّها في الأولياء فقال (عباد اللَّه إنّ تقوى اللَّه حمت) أى منعت (أولياء اللَّه) من حماه سبحانه و هو (محارمه) كما قال صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ألا و إنّ لكلّ ملك حمى و انّ حمى اللَّه محارمه فمن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه، أى قرب أن يدخله (و الزمت قلوبهم مخافته) و خشيته (حتى اسهرت لياليهم و اظمأت هو اجرهم) نسبة السّهر إلى اللّيالي و الظماء إلى الهواجر من باب التوسّع و المجاز على حدّ قولهم: نهاره صائم و ليله قائم، و المراد أنّ التقوى و شدّة الخوف أوجبت سهرهم في اللّيالي للقيام إلى الصّلاة و الدّوام على المناجاة و عطشهم في الهواجر لملازمتهم بالصّيام و الكفّ عن الشراب و الطعام، فهم عمش العيون من البكاء ذبل الشفاه من الدعاء حدب الظهور من القيام خمص البطون من الصّيام، صفر الوجوه من السهر، عليهم غبرة الخاشعين.
(فأخذوا الراحة) في الاخرى (بالنصب) و التعب في الدّنيا (و الرّى) من عين سلسبيل (بالظّماء) و العطش في زمان قليل (و استقربوا الأجل فبادروا العمل و كذبوا الأمل فلاحظوا الأجل) يعني أنهم عدوّا الآجال أى مدّة الأعمار قريبا، فسارعوا إلى الأعمال الصّالحة و تهيّأوا زاد الآخرة، و أنهم كذّبوا الآمال الباطلة و لم يغترّوا بالامنيّات العاطلة فلاحظوا الموت.
و بما ذكرنا ظهر أنّ الأجل في الفقرة الاولى بمعنى مدّة العمر، و في الثانية بمعنى الموت، فلا تكرار كما ظهر أنّ الفاء في قوله: فبادروا، للسّببية مفيدة لسببيّة ما قبلها لما بعدها، و أمّا في قوله فلاحظوا فيحتمل أن تكون كذلك أى لا فادة سببيّة ما قبلها لما بعدها، و يحتمل العكس فيكون مفادها مفاد لام التعليل كما في قولك أكرم زيدا فانّه فاضل، يعنى أكرمه لكونه فاضلا، فيدلّ على أنّ فضله علّة لاكرامه.
و الاحتمالان مبنيّان على أنّ الدّنيا و الآخرة ضرّتان متضادّتان فبقدر التّوجّه إلى إحداهما يغفل عن الاخرى و طول الأمل انّما ينشأ من حبّ الدّنيا و الميل إليها، فلحاظ الآخرة أعنى الاجل و ما بعده و الالتفات إليها و التوجّه لها يستلزم الاعراض عن الدّنيا و عن الآمال الباطلة المتعلّقة بها لا محالة، و هو معني تكذيبها كما أنّ انتزاع محبّة الدّنيا عن القلب و عدم الاغترار بآمالها يستلزم ملاحظة الآخرة، فبين الأمرين ملازمة في الحقيقة يكون تكذيب الآمال سببا لملاحظة الآخرة و باعتبار آخر يكون ملاحظة الآخرة علّة لتكذيب الآمال و أعني بالعلية و السّببيّة الارتباط و الملازمة و ان لم تكن تامة فافهم جيدا.
و يمكن أن يراد بالأجل في الفقرة الاولى الموت، و في الثانية مدّة العمر عكس ما قدّمنا و يحتاج حينئذ إلى نوع تكلّف، بأن يراد بملاحظة الأجل ملاحظة قصر مدّة العمر و قلّتها حتّى يستفهم العلية المستفادة من الفاء فتدبّر.
ثمّ انّه عليه السّلام وصف الدّنيا بأوصاف منفّرة و عن الركون إليها فقال (ثمّ انّ الدّنيا دار فناء و عناء و غير و عبر) أى دار موصوفة بالفناء و المشقة و التغيّر و الاعتبار (فمن الفناء انّ الدّهر موتر قوسه) شبّه الدّهر بالرامي بالقوس على سبيل الاستعارة بالكناية، و الجامع بينهما أنّ الدّهر يرمى بمصائبه و حوادثه المستندة إلى القضاء الالهى الذي لا يتغيّر و لا يتبدّل، كما أنّ الرامي يرمي بسهامه الغير الخاطئة، و ذكر القوس تخييل، و ذكر الايتار ترشيح (و) رشّح ثانية بقوله (لا تخطي سهامه و) ثالثة بأنه (لا توسى جراحه) أى لا تداوى و لا تصلح.
و لما جعل الدّهر بمنزلة الرامى بيّن كيفيّة رميه بقوله (يرمى الحىّ بالموت و الصحيح بالسّقم و الناجي بالعطب) و الهلاك و قوله (آكل لا يشبع و شارب لا ينقع) يعني أنّ الدهر آكل لا يشبع من أكل لحوم الناس و افنائهم، و شارب لا يروى من شرب دمائهم، و هو من باب التّشبيه البليغ على حدّ قولنا زيد أسد، لا الاستعارة كما توهّمه البحراني، لأنّ مبنى الاستعارة على تناسى التشبيه مبالغة كما في قولك رأيت أسدا يرمى، فيلزمه أن لا يؤتي بطرفى التّشبيه معا في الكلام، لأنّ الاتيان بهما يبطل ذلك الغرض، و قد تقدّم تحقيقه في ديباجة الشرح.
(و من العناء) أى من عناء الدّنيا و مشقّتها (أنّ المرء يجمع) فيها (ما لا يأكل و يبنى ما لا يسكن) لا يزال مشغولا بالجمع و البناء حتى تتمّ المدّة و تقضى (ثمّ يخرج إلى اللَّه سبحانه) فيدع ما جمع و يذر ما بنى يأكله الأعقاب و الأبناء و يسكنه الأباعد و الأعداء (لا مالا حمل) ه إلى محطّه«» (و لا بناء نقل) ه إلى مخطّه و في هذا المعنى قال الشّاعر:
هبك بلّغت كلّما تشتهيه
و ملكت الزّمان تحكم فيه
هل قصارى الحياة إلّا الممات
يسلب المرء كلّ ما يقتنيه
(و من غيرها) أى تغيّر الدّنيا و انقلابها (انّك ترى المرحوم مغبوطا و المغبوط مرحوما) يعني ترى من يرحمه الخلايق بسبب الضّر و الفقر و المسكنة يصير في زمان قليل موصوفا باليسار و الرّخاء و السعة فيغبطونه بذلك، و ترى من يغبطه الخلائق بالعزّ و المنعة و الغنى يصير عمّا قليل مبتلا بالذلّ و الفقر و العناء، فيرحمونه لأجل ذلك.
و (ليس ذلك إلّا نعيما زلّ و بؤسا نزل) أى ليس كون المغبوط مرحوما إلّا بنعيم انتقل من المغبوط إلى غيره، أو شدّة نزلت عليه و فقر و سوء حال حلّ به (و من عبرها أنّ المرء يشرف على أمله فيقتطعه حضور أجله) أى يطلع على أمله و يعلو عليه بحيث يكاد يدركه فيحضر إذا أجله و يقتطعه عنه و يحول بينه و بينه (فلا أمل يدرك و لا مؤمّل يترك) ثمّ تعجب من بعض حالات الدّنيا و أطوارها و قال (فسبحان اللَّه ما أغرّ سرورها و أظماء ريّها و أضحى فيئها) أراد بالرّى استتمام لذّتها و بفيئها الرّكون إلى قنياتها و الاعتماد عليها، أى أيّ شيء أوجب لكون سرورها سببا للغرور، و كون ريّها سببا للعطش و ظلّها سببا للحرارة، فانّ الضحى هي وقت ارتفاع الشّمش و عنده تكون الحرارة.
و نسبة الغرور إلى السرور و الظماء إلى الرّى و الضحى إلى الفىء باعتبار أنّ سرورها و لذّاتها و زخارفها هي الصّوارف عن العمل للآخرة، و الشواغل عن الاقبال إلى اللَّه سبحانه، فكان سرورها أقوى سبب للاغترار بها، و ريّها من آكد الأسباب للعطش في الآخرة و الحرمان من شراب الأبرار، و فيئها من أقوى الدواعى إلى إيراده في حرّ الجحيم و تصلية الحميم.
و يحتمل أن يكون المراد باظماء ريّها أنّ الارتواء منها لا ينقع و لا ينفع من الغلة، بل يزيد في العطش كمن شرب من الماء المالح و الاجاج، فيكون كناية عن كون الاكثار منها سببا لمزيد الحرص عليها، و كذا يكون المراد باضحاء فيئها أنّ من طلب الراحة فيها اعتمادا على ما جمعها منها لا يجد فيها الراحة و لا ينجو به من حرارة الكبد و فرط المحبة إلى جمعها و تحصيلها و إكثارها، بل هو دائما في التّعب و العطب للتحصيل و الطلب إلى أن يموت فيكفن و يخرج فيدفن (لاجاء يردّ) به أراد به الموت (و لا ماض يرتد) أزاد به الميّت.
ثمّ تعجب ثانية و قال (فسبحان اللَّه ما أقرب الحىّ من الميّت للحاقه به و أبعد الميّت من الحىّ لانقطاعه عنه) و هو من أفصح الكلام و أحسنه في تأدية المرام يعرف ذلك من له دراية في صناعة البيان و إحاطة بلطايف فنّ المعان.
ثمّ نبّه على شدّة عقاب الآخرة و عظم ثوابها بقوله (إنّه ليس شيء بشرّ من الشرّ إلّا عقابه و ليس شيء بخير من الخير إلّا ثوابه) قال الشارح البحراني: يحتمل أن يريد الشرّ و الخير المطلقين و يكون ذلك للمبالغة إذ يقال للأمر الشريف: هذا أشدّ من الشديد و أجود من الجيد، و يحتمل أن يريد شرّ الدّنيا و خيرها، فانّ أعظم شرّ في الدّنيا مستحقر في عقاب اللَّه، و أعظم خير فيها مستحقر بالنسبة إلى ثواب اللَّه، انتهى.
و الاحتمال الأوّل أظهر، و عليه فالمراد انه ليس شيء يكون أشرّ الأشياء، إلّا عقاب ذلك الشّيء، و لا شيء يكون أعظم الأشياء خيرا إلّا ثواب ذلك الشيء.
إلّا أنّ الاحتمال الثاني يؤيّده قوله (و كلّ شيء من الدّنيا) خيرا كان أو شرّا (سماعه أعظم من عيانه) أما خيرها فلأنّ الانسان لا يزال يحرص على تحصيل الدّرهم و الدّينار و ساير القنيات الدّنيويّة، و يكون قلبه مشغولا بتحصيلها مسرورا بانتظار وصولها، فاذا وصل إليها هانت عليه و ارتفع وقعها لديه كما يشهد به التجربه و الوجدان، و أمّا شرّها فلأنّ أعظم شرّ يتصوّرها الانسان بالسّماع و يستهوله و يستنكره ممّن يفعله هو صورة القتل و الجرح، فاذا وقع في مثل تلك الأحوال و اضطرّ إلى المخاصمة و القتال سهل عليه ما كان يستصعبه منها، و هو معنى قوله في بعض كلماته الآتية: إذا هبت أمرا فقع فيه.
(و كلّ شيء من الآخرة) ثوابا كان أو عقابا (عيانه أعظم من سماعه) فانّ جلّ الخلق بل كلّهم إلّا الصّدّيقين إذا سمعوا أحوال الآخرة خيرها و شرّها إنما يتصوّرونها كأحوال الدّنيا و يزعمونها مثلها و يقيسونها إليها، بل بعضهم يتوهّمونها أهون منها مع أنّه لا نسبة لها إليها و لذلك قال عزّ من قائل في طرف الثواب: أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، و في طرف العقاب.
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ.
حيث جعل الرّؤية بالعين أعلى المراتب لأنّه يحصل بها ما لا يحصل بغيرها، و أمّا الصّدّيقون فلا تفاوت لهم بين السّماع و العيان، فقد قال سيّدهم و رئيسهم: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.
و حيث كانت أهوال الآخرة و شدايدها أعظم من أن تعبّر باللّسان و تدرك بالآذان و يطّلع عليها على ما هى عليها قبل خروج الأرواح من الأبدان (فليكفكم من العيان السّماع و من الغيب الخبر) أى ليكفكم من معاينة تلك الأهوال سماعها و ممّا غاب عنكم منها انبائها، و مما حجب منها أخبار المخبرين الصّادقين باخبارها لتأخذوا لها عدّتها و تهيّئوا لها جنّتها.
(و اعلموا أنّ ما نقص من الدّنيا و زاد في الآخرة خير ممّا نقص من الآخرة و زاد في الدّنيا) لأنّ ما يزاد للآخرة فهو باق دائم و ما يزاد للدّنيا فهو فان زائل و أيضا في زيادة الدّنيا طول الحساب و العقاب، و في زيادة العقبى مزيد الفوز و الثواب (فكم من منقوص رابح) كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ و قال: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (و) كم من (مزيد خاسر) لقوله سبحانه: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ و قوله تعالى: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية.
ثمّ قال (إنّ الّذى امرتم به أوسع ممّا نهيتم عنه و ما احلّ لكم أكثر مما حرّم عليكم) الأظهر أنّ الجملة الثانية توكيد للأولى فيكون المراد بالمأمور به في الأولى مطلق ما رخّص في ارتكابه فيعمّ الواجب و المندوب و المكروه و المباح بالمتساوى الطّرفين و بالنّهى عنه فيها ما نهى عنه نهى تحريم، و أوسعيّة الثاني بالنسبة إلى الأوّل على ذلك واضحة لأنّ المنهىّ عنه قسم واحد و المأمور به أقسام أربعة لا يقال: الأمر حقيقة في الوجوب على ما حقّق في الأصول فكيف يعمّ الأقسام لأنّا نقول: سلّمنا إلّا أنّه إذا قامت قرينة على المجاز لا يكون بأس بحمل اللفظ عليه و القرينة في المقام موجودة و هي الأوسعيّة و العلاقة هي اشتراك ساير الأقسام مع الواجب في أنّ كلا منها مأذون فيها مرخّص في فعلها و تناولها، و يدلّ على كثرة الحلال بالنسبة إلى الحرام صريحا قوله سبحانه: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً.
فانّ كلمة ما مفيدة للعموم و لفظ الجميع تأكيد لها، و اللّام للانتفاع فيدلّ على جواز الانتفاع بجميع ما في الأرض.
فان قلت: إنّ الآية لا تفيد العموم لأنّ شرط حمل المطلقات على العموم أن لا يكون المقام مقام الاجمال بل يكون مقام البيان، و ههنا ليس كذلك إذا المقصود بيان أنّ في خلق الأشياء منفعة لكم للايمان «للايماء ظ» أنّ جميع الأشياء مما ينتفع بها.
قلت: فيه بعد ما عرفت أنّ الموصول مفيد للعموم لا سيّما مع التوكيد بلفظ الجميع إنّ الآية واردة في مقام الامتنان المقتضى للتعميم كما لا يخفى، فيدلّ على إباحة الانتفاع و حلّه بجميع ما في الأرض فيكون الأصل الأوّلى في الجميع هو الحلّ و الاباحة إلى أن يقوم دليل على الحظر و الحرمة، فيحتاج إلى تخصيص ما ثبتت حرمته من عموم الآية، و يدلّ عليه أيضا قوله سبحانه: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
فانّ تخصيص المحرّمات بما بعد إلّا دليل على أنّ غير المستثنى ليس حراما، و عدم وجدان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم دليل على عدم وجود الحرمة واقعا، و يدلّ عليه أيضا قوله سبحانه: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، فانّ الطيّب هو ضدّ الخبيث الذي يتنفّر عنه الطّبع فيكون، المراد بالطّيبات ما تستلذّها الطباع فيدلّ على حلّية جميع المستلذّات و يخصّص بما دلّ على حرمة بعضها بالخصوص، و هذه الآيات تدلّ على إباحة جميع ما لم يقم دليل على حرمته، و لذا استدلّ بها الاصوليّون في مسألة الحظر و الاباحة على أنّ الأصل الأوّلى في الأشياء هو الاباحة.
و مثلها في الدّلالة عليها قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهى، إلّا أنّ ذلك يدلّ على الاباحة الظاهريّة فيما شكّ في إباحته و حرمته، و هذه علىالاباحة الواقعية، فمعناه أنّ كلّ شيء مرخّص فيه من قبل الشارع حتّى يرد فيه نهى، فالناس في سعة مما لم يعلم بورود نهى فيه.
ثمّ انّ اصالة الاباحة كما تجرى في الأعيان مثل التفاح و نحوه بقوله: خلق لكم ما في الأرض جميعا، فيباح الأفعال المتعلّقة بها كذلك تجرى في الأفعال كالغنا مثلا ان فرض عدم قيام دليل على حرمته لقوله: احلّ لكم الطيبات، فالأصل المذكور يجرى في القسمين المذكورين من دون تأمّل.
و ربّما يقال: باختصاص اصالة الاباحة بالأعيان و أنّ الأصل الدّال على حلّية الأفعال يسمّى باصالة الحلّ فهما أصلان ناظران إلى موردين و نحن نقول إنّ ذلك لا بأس به إذ لا مشاحة في الاصطلاح لكن لا يختصّ أحدهما بالحجّية دون الآخر ضرورة أنّ الأدلة وافية بحجّيتهما معا و ان كانا مختلفي المورد.
و على ذلك فيمكن أن لا يجعل العطف في كلامه عليه السّلام تفسيريّا بأن يكون المراد بما امرتم به و ما نهيتم عنه الأعيان المباحة و المنهيّة، و بما حلّ و ما حرّم الأفعال المحلّلة و المحرّمة.
و كيف كان فلمّا أفصح عن كون المباح أوسع من المنهىّ و الحلال أكثر من الحرام أمر بترك المحرّمات و المنهيّات فقال (فذروا) أى اتركوا (ما قلّ لما كثر و ما ضاق لما اتّسع) يعني أنّه بعد ما كان الحرام قليلا و الحلال كثيرا فلا حرج عليكم في ترك الأوّل و أخذ الثاني، و لا عسر في ذلك و كذلك المباح و المحظور نعم لو كان الأمر بالعكس لكان التكليف أصعب، و لكنّه سبحانه منّ على عباده بما بين السّماء و الأرض، و جعل الملّة سمحة سهلة، و ما جعل في الدّين من حرج علما منه بضعف النفوس عن القيام بمراسم عبوديّته بمقتضى الجبلّة البشريّة، فسبحان اللَّه ما أعظم مننه و أسبغ نعمه و أوسع كرمه.
ثمّ نهى عن تقديم طلب الرّزق على الاشتغال بالعبادة و ترجيحه عليه فقال (قد تكفّل لكم بالرّزق و أمرتم بالعمل) أما الأمر بالعمل فواضح، و أمّا التكفّل بالرّزق فقد تقدّم الكلام فيه و في معنى الرّزق بما لا مزيد عليه في شرح الفصل الأوّل من فصول الخطبة التسعين (فلا يكون المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم عمله) و هذا يدلّ صريحا على المنع من ترجيح الطّلب على العمل حسب ما اشرنا إليه، و لا دلالة فيه على ترك الطّلب بالكليّة، بل المستفاد من الرّوايات الكثيرة كراهة ذلك مثل الأول.
منها ما رواه في الكافي باسناده عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام رجل قال لأقعدنّ في بيتى و لاصلّينّ و لأصومنّ و لأعبدنّ ربّي فأما رزقي فسيأتيني فقال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: هذا أحد الثلاثة الّذين لا يستجاب لهم.
و فيه عن معلّى بن خنيس قال سأل أبو عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل و أنا عنده فقيل أصابته الحاجة، فقال: ما يصنع اليوم قيل في البيت يعبد ربّه، قال: فمن أين قوته قال: من عند بعض اخوانه، فقال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: و اللَّه للّذي يقوته أشدّ عبادة منه.
ثمّ وبّخهم بقوله (مع أنّه و اللَّه لقد اعترض الشّك و دخل اليقين) أى اعترض الشّك في المضمون و المفروض و تزلزل اليقين بضمان المضمون و بفرض المفروض (حتّى كأنّ الّذي ضمن لكم قد فرض عليكم) فبالغتم في تحصيله و طلبه و الجدّ له (و كأنّ الّذى فرض عليكم قد وضع عنكم) فتوانيتم فيه و لم تبالوا به (فبادروا العمل) المأمور به قبل حلول الموت (و خافوا بغتة الأجل) و فجأة الفوت (فانه لا يرجى من رجعة العمر) و عوده (ما يرجى من رجعة الرّزق) هذا في مقام التعليل للمبادرة إلى العمل و ترجيحه على طلب الرزق بيانه: أنّ العمر ظرف للعمل و ما فات و مضى منه فلا يعود و لا يرجى عوده و يفوت العمل كساير الزّمانيّات المتعلّقة به بفواته لا محالة و لا يمكن استدراكه بعينه فاذا وجب المبادرة إليه و الاتيان به و إليه اشير في قوله عليه السّلام:
ما فات مضى و ما سيأتيك فأين
قم فاغتنم الفرصة بين العدمين
و قال آخر:
إنّما هذه الحياة متاع
و السّفيه الغوىّ من يصطفيها
ما مضى فات و المؤمّل غيب
ذلك السّاعة الّتي أنت فيها
و أمّا الرزق فهو مقسوم و ما نقص منه في الماضى أمكن جبرانه في الغابر، و إليه أشار بقوله (ما فات اليوم من الرزق رجى غدا زيادته و ما فات أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته) لأنّ العمر عبارة عن زمان الحياة و مدّته و الزّمان كمّ متّصل غير قارّ الذات، و الجزء الثّاني منه عادم للجزء الأوّل، و الجزء الثّالث عادم للجزء الثاني و هكذا فلا يمكن رجوع الجزء الأوّل بعد مضيّه أبدا، و هذا بخلاف الرّزق كالمآكل و المشارب و الأموال، فانّ الانسان إذا فاته شيء منها قدر على ارتجاعه بعينه إن كان عينه باقية، و ما لا يبقى عينه يقدر على اكتساب مثله، نعم يشكل ذلك لو عممنا الرزق بالنّسبة إلى التّنفس في الهواء، فانه كالعمل أيضا من الزّمانيات لا يمكن استدراكه، اللّهم إلّا أن يقال إنّه فرد نادر، و نظر الامام عليه السّلام في كلامه إلى الأفراد الشائعة و الأعمّ الأغلب، فانّ ساير أفراد الرّزق عموما قابل للاستدراك.
و قوله عليه السّلام (الرّجاء مع الجائي و اليأس مع الماضي) مؤكّد لما سبق و أراد بالجائي الرّزق و بالماضى العمر.
و لما أمرهم بالمبادرة إلى العمل مخافة بغتة الأجل أكّد ذلك بالأمر بملازمة التقوى فقال (فاتّقوا اللَّه حقّ تقاته) أى حقّ تقواه و ما يجب منها و هو استفراغ الوسع في القيام بالواجبات و الاجتناب عن المحرّمات (و لا تموتنّ إلّا و أنتم مسلمون) و هو اقتباس من الآية في سورة آل عمران قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ الآية.
قال في مجمع البيان معناه و اتّقوا عذاب اللَّه أى احترسوا و امتنعوا بالطاعة من عذاب اللَّه كما يحقّ، فكما يجب أن يتّقى ينبغي أن يحترس منه، و ذكر في قوله حقّ تقاته وجوه أحدها أن يطاع فلا يعصى و يشكر فلا يكفر و يذكر فلا ينسى، و هو المرويّ عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام و ثانيها أنه اتّقاء جميع معاصيه و ثالثها أنّه المجاهدة في اللَّه و أن لا تأخذه فيه لومة لائم و أن يقام له بالقسط في الخوف و الأمن و قوله:وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
معناه لا تتركوا الاسلام و كونوا عليه حتّى إذا ورد عليكم الموت صادفكم عليه، و انما قال بلفظة النّهى عن الموت من حيث إنّ الموت لا بدّ منه و إنما النّهي في الحقيقة عن ترك الاسلام لأن لا يهلكوا بالانقطاع عن التّمكّن منه بالموت إلّا أنه وضع كلام موضع كلام على جهة التّصرّف و الابدال بحسن الاستعارة و زوال اللّبس و روى عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: و أنتم مسلّمون، بالتشديد و معناه مستسلمون لما أتى به النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم منقادون له، و اللَّه الموفّق.
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن حضرت است در تنبيه بر تقوى و پرهيزكارى و تزهيد از اين جهان فانى باين قرار كه مى فرمايد: حمد بي قياس معبود بحقّيرا سزاست كه وصل كننده است حمد را بنعمتها، و پيوند كننده است نعمتها را بشكر، حمد مى كنيم بر نعماء او همچنان كه سپاس مى كنيم بر بلاء او، و طلب اعانت مى كنيم از او بر اين نفسهائى كه دير حركت كننده اند از آنچه مأمور شده اند بأو شتابنده اند بسوى آنچه نهى گشته اند از آن، و استغفار مى كنيم از او از آنچه كه احاطه كرده بأو علم آن، و شمرده است او را كتاب آن علمى كه كوتاه نيست از چيزى، و كتابى كه ترك كننده نيست چيزى را و ايمان مى آوريم او را مثال ايمان كسى كه ديده باشد غيبها را بعين اليقين، و واقف بشود بچيزى كه وعده داده شده است از أحوال يوم الدّين، ايمانى كه نفى كند اخلاص آن شرك را از دلها، و زايل نمايد يقين او شكّ را از قلبها، و شهادت مى دهيم باين كه نيست هيچ معبود بحقّى بجز خدا در حالتى كه يكتا است شريك نيست او را، و باين كه محمّد بن عبد اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بنده پسنديده و پيغمبر برگزيده او است، شهادتينى كه بلند مى گردانند گفتار پاكيزه را و رفع مي كنند عمل صالح را در حالتى كه سبك نمى شود ميزانى كه نهاده شوند آن دو شهادت در او و سنگين نمى شود ميزاني كه برداشته شوند آن دو شهادت از آن.
وصيّت مي كنم شما را اى بندگان خدا بتقوى و پرهيزكارى از خدا چنان پرهيزكارى كه آن است توشه راه آخرت و با او است رجوع بحضرت ربّ العزّة، چنان توشه كه رساننده است بمقصود، و رجوعى كه ادراك كننده است مطلوب را دعوت نمود بسوى آن تقوى شنواننده ترين دعوت كنندگان، و حفظ نمود و نگاه داشت آنرا بهترين نگاه دارندگان، پس شنوانيد دعوت كننده آن، و فايز شد نگاه دارنده آن.
اى بندگان خدا بدرستى كه تقوى و پرهيزكارى از خداى تعالى حفظ نمود دوستان خدا را از محرّمات آن، و لازم گردانيد قلبهاى ايشان را ترس او را تا اين كه بيدار گردانيد آن ترس شبهاى ايشان را بجهة عبادت، و تشنه ساخت روزهاى گرم ايشان را بجهة روزها و كثرت طاعت، پس فرا گرفتند استراحت آخرت را بعوض چند روزها زحمت، و سيرابى را بعوض تشنگى، و نزديك شمردند مدّت عمر را، پس مبادرت نمودند بسوى أعمال صالحه، و تكذيب نمودند آرزوهاى باطله را، پس ملاحظه كردند مرگ را.
پس بدرستى كه دنيا دار فنا و مشقّت و تغيّر و عبرت است، پس از جمله فناء دنيا اين است كه روزگار بزه كرده كمان خود را، خطا نمى كند تيرهاى او، و دوا كرده نمى شود زخمهاى او، مى اندازد زنده را بمرگ، و تندرست را به بيمارى، و رستگار را بهلاكت و گرفتارى، خورنده ايست كه سير نمى شود، و آشامنده ايست كه سيراب نمى باشد، و از جمله مشقّتهاى دنيا اين است كه بدرستى كه مرد جمع مي كند چيزى را كه نمى خورد، و بنا مي كند چيزى را كه ساكن نمى شود، پس بيرون مى رود بسوى خدا در حالتى كه نه مالى باشد كه برداشته باشد، و نه بنائى باشد كه نقل نمايد.
و از جمله تغيّرات دنيا اين است كه تو مى بينى فقير عاجزيكه خلايق بحال او رحم مى نمايند غبطه برده شده بجهة ثروت و مال، و كسى كه بحال او غبطه مى نمايند رحم شده بجهة فقر وفاقه يعنى در اندك زمانى پريشاني فقير برفاه حال مبدّل مى شود و رفاه حال غني بفقر تبديل مى يابد، نيست اين حال يعني تبدّل حال غني به پريشاني مگر نعمتى كه منتقل شده باشد، و شدّتى كه فرود آمده باشد.
و از جمله عبرتهاى دنيا اينست كه مرد مشرف و نزديك مى شود بادراك آرزوى خود پس جدا مي كند او را حاضر شدن مرگ او، پس سبحان اللَّه چه چيز سبب غرور گردانيده شادى دنيا را، و تشنه ساخته سيرابى دنيا را، و گرم گردانيده سايه دنيا را، نه آينده باز گردانيده مى شود نه بر گذشته رجوع مى نمايد.
پس سبحان اللَّه چه چيز غريب و عجيب باعث شده بر نزديكى زنده از مرده بجهة سرعت لحوق او بآن، و چه چيز باعث شده بدورى مرده از زنده بجهة بريده شدن او از آن، بدرستى كه نيست بدتر از بد مگر عقاب آن، و نيست بهتر از خوب مگر ثواب آن، و هر چيز از دنيا شنيدن آن بزرگتر است از ديدن آن، و هر چيزى از آخرت ديدن او بزرگتر است از شنيدن آن، پس بايد كه كفايت نمايد شما را از ديدن امور اخروى شنيدن آن، و از غيبها خبر او، و بدانيد آن چيزى كه ناقص شود از دنيا و زياده شود بر آخرت بهتر است از چيزى كه ناقص شود از آخرت و زايد شود بر دنيا، پس بسا كم شدهايست كه باعث ربح و منفعت است، و بسا زياده ايست كه باعث ضرر و خسارت.
بدرستى كه آن چيزى كه خداوند شما را أمر فرموده بآن فراخ تر است از چيزى كه نهى فرموده خدا شما را از آن، و چيزى كه حلال شده از براى شما أكثر است از چيزى كه حرام شده بر شما، پس ترك نمائيد چيزى كه اندك است از براى چيزى كه بسيار است، و چيزى كه تنگ است از براى چيزى كه وسعت دارد، بتحقيق كه كفالت شده است از براى شما بروزى، و مأمور شده ايد بعمل، پس بايد نباشد چيزى كه ضمانت شده است از براى شما طلب كردن آن اولى بشما از چيزى كه فرض و واجب شده است بر شما عمل آن.
با وجود اين بحق خدا پيش آمده است شما را شك در ضمان روزى و مدخول و متزلزل شده است يقين در فرض ربّ العالمين حتى اين كه گويا آنچه كه ضمانت شده براى شما واجب كرده شده است بر شما و چيزى كه فرض كرده بر شما انداخته شده است از گردن شما، پس بشتابيد بسوى عمل، و بترسيد از ناگهان رسيدن أجل، پس بدرستى كه اميد گرفته نمى شود از باز گشتن عمر آنچه كه اميد گرفته مى شود از باز گشتن روزى، آنچه كه فوت شده است امروز از روزى اميد گرفته مى شود فردا افزونى آن، و آنچه كه فوت شده است ديروز از عمر اميد گرفته نمىشود امروز بازگشتن آن، اميد با آينده است كه روزى فردا است، و نوميدى با گذشته است كه عمر ديروزى است بس، و بترسيد از خدا حق تقوى و ترسكارى، و مميريد مگر در حالتى كه شما هستيد مسلمان و تسليم داريد حكم ملك منّان.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»