نامه 53 صبحی صالح
53- و من كتاب له ( عليه السلام ) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا
أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا
وَ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ
وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ يَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ
ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ
وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ
فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اللُّطْفَ بِهِمْ
وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَ الْخَطَإِ
فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَ قَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلَاكَ بِهِمْ
وَ لَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَ لَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ لَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَ لَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ
وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ
وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ
فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ
إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ
أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ
وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ
وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ
وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَ أَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَ إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ
وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ
وَ إِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَ جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَ مَيْلُكَ مَعَهُمْ
وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ
وَ اللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ
أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ
وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ وَ لَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَ لَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ
إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ
وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ
أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِكَ
ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ
وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَ لَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ
وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَ أَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ
وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ
فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا
وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ
وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَ لَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَ لَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَ الْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا
وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ
وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَ لَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ
وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ
وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ
وَ كُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَ وَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلىاللهعليهوآلهوسلم )عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً
فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَ زَيْنُ الْوُلَاةِ وَ عِزُّ الدِّينِ وَ سُبُلُ الْأَمْنِ وَ لَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ
ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَ يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ
ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ وَ يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَ عَوَامِّهَا
وَ لَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَ يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَ يَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ
ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ
وَ فِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ وَ لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ وَ لَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَ تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ:
فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً
مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَ مِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ
ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَ الْأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَ شُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ
ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا وَ لَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ وَ لَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ
وَ لَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَ لِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ
وَ لْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ
وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ
و إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَ لَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ وَ تَرْكِاسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ
فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَ تَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَ لَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيراً وَ لَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً
وَ ارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ
فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ
فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَ الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ:
ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ
وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَ أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَ أُولَئِكَ قَلِيلٌ
ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَ افْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ
فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا:
ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ
وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً
ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ
ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ
وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً
فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ:
وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ
وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا
فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ
وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ
مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ
فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ
وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ:
ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ
وَ لَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ وَ لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ
وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ
ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْءٌ
وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ
وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ
ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ
فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ
وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ وَ اعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ
فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلىاللهعليهوآلهوسلم )مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ
فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ:
ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً
وَ احْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى
وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ
وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ
ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ
وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ:
وَ اجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم )يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ
ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ
ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ
وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ
وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هوَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ
ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ
وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ
وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ
وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ
وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم )حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً
وَ أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ
وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ
وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ
وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ
مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ:
ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ
وَ لَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ
وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ
وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ:
وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ
وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ
وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ
فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ
فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ
وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ
وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ
وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ:
إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَ لَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ وَ لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ لَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ
وَ إِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ:
وَ إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ الثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَ الْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ
وَ إِيَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ
فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ
وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ
وَ إِيَّاكَ وَ الِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَ التَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ
امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ وَ احْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ السَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ( صلىاللهعليهوآلهوسلم )أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ
فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا:
وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ
مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَ جَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
وَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ السَّلَامُ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20
الفصل الخامس من عهده عليه السلام
و إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، و ظهور مودة الرعية، و أنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم، و لا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة [الامور] أمورهم، و قلة استثقال دولهم و ترك استبطاء انقطاع مدتهم، فافسح في آمالهم، و واصل في حسن الثناء عليهم و تعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع، و تحرض الناكل، إن شاء الله تعالى. ثم اعرف لكل امرىء منهم ما أبلى، و لا تضيفن بلاء امرىء إلى غيره، و لا تقصرن به دون غاية بلائه، و لا يدعونك شرف امرىء إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعة امرىء إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما. و اردد إلى الله و رسوله ما يضلعك من الخطوب و يشتبه عليك من الامور، فقد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول 59- النساء فالرد إلى الله: الأخذ بمحكم كتابه، و الرد إلى الرسول:الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.
اللغة
(قرة عين) لي و لك: أى فرح و سرور لي و لك، (الحيطة) على وزن الشيمة مصدر حاطه يحوطه حوطا و حياطة و حيطة: أى كلاه و رعاه، (استثقال) استفعال من الثقل: تحمل الشدة و الاستنكار بالقلب، (بطؤ) بالضم ككرم بطاء ككتاب و أبطأ ضد أسرع و منه الخبر: من بطأ به عمله لم ينفعه نسبه، أى من أخره عمله السيىء و تفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الاخرة شرف النسب، (فسحت) له في المجلس فسحا من باب نفع: فرجت له عن مكان يسعه و فسح المكان بالضم، و أفسح لغة.
(تهز الشجاع): يقال هزه و هز به إذا حركه، (و تحرض الناكل): قوله تعالى: و حرض المؤمنين على القتال، أي حثهم و التحريض الحث و الاحماء عليه، (أبلى): أي أظهر الاخلاص في الجهاد، (لا تضيفن): صيغة نهي مؤكدة بالثقيلة من أضاف يضيف: لا تنسبن، (ضعة): اسم مصدر من وضع يضع أي خسة مقامه و حسبه، (ما يضلعك): يقال ضلع بالفتح يضلع ضلعا بالتسكين أي مال عن الحق و حمل مضلع أي مثقل، (الخطوب): و هذا خطب جليل أي أمر عظيم.
الاعراب
استقامة العدل: خبر قوله أفضل، إلا بسلامة صدورهم: مستثنى مفرغ، ذووا: جمع ذا بمعنى صاحب: أي أصحاب الاخلاص في الجهاد، ما أبلى: يحتمل أن يكون لفظة ما مصدرية أي ابتلائه و يحتمل أن يكون موصولة بحذف العائد أي ما أبلا فيه، دون: ظرف مضاف إلى قوله: غاية بلائه، و لا ضعة: عطف على قوله:
شرف امرىء أي لا يدعونك ضعة امرىء، من الخطوب: لفظة من بيانية، غير المفرقة: صفة ثانية لقوله بسنته.
المعنى
قد تعرض عليه السلام في ضمن هذا الفصل المتعلق بالجند و امرائه للعدالة فقال:
(و إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد) و ذلك لارتباط إجراء العدل في البلاد بالجند من وجوه شتى نذكرها بعد التنبيه على نكتة مهمة في المقام، و هى أن الجند بمعناه العام هو المالك و القائم بالسيف في الرعية بحيث يكون القوة و القدرة على إجراء الامور بيده، و قد تفرع من الجند في النظامات العصرية ما يلي:
1- إدارة الشرطة العامة التي تنظر إلى إجراء الأمن في البلاد بحراسة الأسواق و الطرق و طرد اللصوص و أخذهم و معاقبتهم و طرد كل من يريد الاستفادة من الناس من غير طريقها القانوني و المحافظ على الأمن من جهة المنع عن النزاع و المضاربة و المقاتلة و ارتكاب الجنايات بأنواعها.
2- إدارة حفظ الانتظامات العامة السائدة على إدارة الشرطة.
3- إدارة الجيش الحافظ للأمن في البلاد تجاه هجوم الأعداء من الخارج.
و يرتبط العدل بالجند و فروعه من نواح شتى:
الف- من حيث أن كل سرقة أو جناية أو جنحة وقعت بين الناس فتعرض على إدارة الشرطة و هي التي تتصدى لدفعها و تتعرض لرفعها بعد وقوعها و تنظم أوراق الاعترافات و تشريح القضايا للعرض على المحاكمات فيكون مفتاح العدل بيد إدارة الشرطة من حيث انضباطها و حراستها للشعب حتى لا توجد فرصة للصوص فيسرقون متاع الناس و فرصة للنزاع و القتال فيحدث الجنايات بأنواعها، فهذا مبدأ إجراء العدل في البلاد و من حيث رعاية الحق و الحقيقة في تنظيم أوراق الاعترافات و الشهادات و تشريح القضايا و ضبطها على حقيقتها للعرض على المحاكم و إحقاق حق المظلوم عن الظالم، فلو كان الجند غير معتن بحراسة الناس و نظارة الطرق و الأسواق و الدور ليلا و نهارا لكثر السرقة و الجناية و اختل العدل و النظام، و لو كان الجندي غير دين و غير أمين فيأخذ الرشوة و يقع تحت نفوذ ذوى القدرة فلا يضبط الاعترافات و أوراق الشهادات على ما تحكى عن الواقع و يدسسها و يلطخها بالرشوة و أو غير ذلك فيختل الأمن و العدل و يكثر المظالم بين الشعب.
ب- من حيث أن الظلم و ثلم سياج العدل ينشأ غالبا من القدرة فالمقتدر هو الذى يطمع في أموال الضعفاء و أعراضهم و يتعرض للعدوان و التجاوز، فلما كان السيف و القدرة في يد الجندي فهو الذي يتعرض للظلم على أفراد الشعب. و قد ملىء كتب التواريخ من ارتكاب الامراء و الجنود الظلم على الناس من وجوه شتى و أكثر من يقع منهم الظلم و يختل بهم العدل في كل عصر هم الذين بيدهم السيف و السوط فيطمعون في أموال الناس و أعراضهم و يتجاوزون على حقوق غيرهم سيما إذا كان الوالي نفسه ظالما و متجاوزا فقد قال شاعر فارسي ما معناه:
لو أن الملك أكل تفاحة من الرعية ظلما و عدوانا يستأصل عبيده ألفا من شجرات التفاح ظلما و عدوانا.
و لو أخذ الملك من الرعية خمس بيضات ظلما يشوي جنده و عبيده ألف دجاجة من أموال الرعية ظلما و عدوانا.
ج- من حيث أن امراء الجنود كثيرا ما يطمحون إلى تحصيل مراتب أعلى و مناصب أغلى فيثيرون الفتن و يثورون على الولاة فتقع هناك حروب و ثورات تجر إلى القتل و النهب و الأسر و يشتعل نار الفتنة فتعم الأبرياء و الضعفاء من النساء و الولدان و المرضى و من لا حرج عليهم، و أكثر الفتن في التاريخ نشأت من مطامح و مطامع امراء الجيوش حتى في صدر الاسلام و في حكومة النبي عليه السلام، فهذا خالد بن الوليد أمره النبي صلى الله عليه و آله بعد فتح مكة فعدا على بني جذيمة و قتل منهم رجالا أبرياء فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه و آله فنادى: اللهم إني أبرا إليك مما فعل خالد، و بعث مولانا علي بن أبي طالب لتلافي خطأ خالد.
قال في سيرة ابن هشام «ص 283 ج 2 ط مصر»: بعث رسول الله صلى الله عليه و آله خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا و لم يبعثه مقاتلا و معه قبائل من العرب:
سليم بن منصور و مدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا سلاحهم، فقال خالد: ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا، قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة- إلى أن قال- فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه و آله رفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد بن الوليد.
قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: رأيت أني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها فأدخل على يده فنزعه، فقال أبو بكر الصديق «رض»: يا رسول الله، هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك بها بعض ما تحب و يكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله.
قال ابن هشام: و حدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه و آله فأخبره الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: هل أنكر عليه أحد؟ قال: نعم أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه، و أنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراجعه فاشتدت مراجعتهما، فقال عمر بن الخطاب: أما الأول يا رسول الله، فابنى عبد الله و أما الاخر فسالم مولى أبي حذيفة- إلى أن قال- ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم و أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج علي حتى جاءهم و معه مال قد بعث به رسول الله فودى لهم الدماء و ما اصيب لهم من الأموال حتى أنه ليدى لهم ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيء من دم و لا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي حين فرغ منهم: هل بقى لكم بقية من دم أو مال لم يوديكم؟ قالوا: لا، قال: فاني اعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه و آله مما لا يعلم و لا تعلمون …
و قد ارتكب خالد هذا في صدر حكومة أبي بكر قتل مالك بن نويرة و أسر أهله و قبيله على وجه وضيع و فضيح مما فت في عضد العدل الاسلامي بما لم يتدارك بعد، و إذا تصفحت تاريخ أي شعب من الشعوب و تأملت في أحوالهم وجدت أكثر الفتن و المظالم و الجنايات ناشئة من قبل الامراء و رءوس الجيوش، و تمد إلى هذا العصر المضيء بالقوانين و النظامات الدولية العامة الحائزة للامم المتحدة المحافظة على السلم و السلام في جميع الشعوب الملجا لدفع المظالم عن الأبرياء و الضعفاء و مع ذلك لا تمضى سنة بل و أشهر حتى تسمع ثورة عسكرية ناشئة من امراء الجيش هنا و هناك تتضمن مقاتل و مظالم لا تحصى.
و قد نادى عليه السلام في هذا الفصل الذي عقده في عهده التاريخي الذي لا مثيل له بحفظ العدالة و نبه على أن العدالة قرة عين الولاة مشيرا إلى أن استقامة العدل في البلاد مرتبطة بالجند من نواح كثيرة كما بيناه.
ثم توجه عليه السلام في هذا المقام إلى أهم ما يجب في نظام الدولة العادلة، و هو أن يكون الحكومة حكومة الشعب و أن يرى الشعب الحكومة ناشئة منه و حافظة لمصالحه فيودها و يحبها عن ظهر قلبه، فشرح رابطة الأمة و الشعب في حكومة كهذه في خمسة امور جذرية:
1- ظهور مودة الرعية و إظهارهم الحب لها.
2- سلامة صدورهم بالنسبة إلى الحكومة و عدم الحقد و الخصومة بالنسبة إليها.
3- إحاطتهم على ولاة الامور إحاطة الولدان بالوالد مع إظهار الإخلاص و النصيحة لها
4- عدم استثقال إدامة الحكم و الدولة نفورا عن مظالمها.
5- ترك تمنى انقطاع مدة غلبة الحكومة بزوالها رجاء للخلاص عن ظلمها و عدوانها.
و هذه هي امارات حكومة شعبية قائمة على درك الشعب و نيله لحقوقه السياسية المعبر عنه بحكومة الشعب على الشعب المبني على الديموقراطية الأصيلة الصحيحة و إمارة حكومة كهذه هو حسن رابطة الجند مع الشعب و الرعية بحيث يدرك الشعب أن الجند منه و له يحرس منافعه و يدفع عنه هجوم عدوه و يحفظ على العدل و المساواة بين أفراده.
و مما لا شك أن أكثر الحكومات قامت على القهر و الاضطهاد بالنسبة على الامة و الرعية خصوصا في مبادئ تأسيسها في العصور القديمة و بقي في التاريخ أعلام حكومات نمرودية و فرعونية كسمات لرجال جبار ظلام لا يتوقع منهم إلا الارهاب و النهب و ربما يرتعد الفرائض من سماع أسمائهم بعد دفنهم في عمق التاريخ من زمن بعيد، و إنما يظهر قهر الحكومات الجبارة و اضطهادها للرعية على أيدي الجند المأمورين لقهر الناس و قتلهم و أسرهم، فكان الناس من زمن بعيد و في أكثر الشعوب و الامم يواجهون الجندي كعدو ظالم لا ينتظر منه إلا الايلام و الارهاب فوصى عليه السلام في ضمن عهده هذا إلى السعى لقلب هذه الرابطة بين الشعب و الجند و تحويلها إلى رابطة ودية أخوية أسس الاسلام حكومته عليها، فانه جعل وظائف الجند من الامور العامة، و كلف بها جميع الامة ففي عصر النبي صلى الله عليه و آله كل المسلمين جنود و جنود الاسلام كل مسلم بالغ عاقل، فالجند الاسلامي ناش عن صميم الامة فلم يكن هناك جند و شعب متمايزون حتى يرهب الشعب من الجند و يتجاوز الجند على الشعب، و لما توسع الامة الاسلامية بالفتوحات المتواصلة المتوالية و دخل في ظل الاسلام شعوب شتى لم يتسم كلها بسمة الجند الاسلامي وصى عليه السلام في عهده هذا بحفظ الرابطة الودية بين الجند و سائر أفراد الشعب بحيث لا يدرك الشعب أن الجند صنف ممتاز عنه قاهر عليه و حاكم على أمره.
وصيته عليه السلام باحياء الفضيلة و حفظ الحقوق
ثم أمر عليه السلام بعدم التضييق على امراء الجنود و حصرهم في درجة واحدة، بل التوسيع عليهم في الارتقاء إلى درجات أعلى بحسب ما لهم من الاستعداد و اللياقة لها فقال عليه السلام (فافسح في آمالهم).
و هذا كما جرى في التاريخ من أمر طارق بن زياد في ما بعد فانه أحد الامراء و القواد الأمجاد الأفذاذ في تاريخ الفتوحات الاسلامية بلغته همته إلى فتح الاندلس بعد استيلاء الجنود الاسلامية على سواحل البحر الأبيض من سورية و مصر إلى المغرب الأقصى إلى المراكش، و يوجب ذلك عبر مضيق جبل الطارق و الزحف على بلاد العدو وراء البحر و لا يرخص موسى بن نصير القائد العام للجنود الاسلامية في ذلك العصر لقصور همته أو غبطته على فتح كهذا من أحد قواده، و لكن طارق عزم على ذلك و عبر مضيق البحر في سبعة آلاف جندي و فتح مملكة اندلس، و أتى باية كبيرة من الرجولية و علو الهمة في تاريخ الفتوحات العسكرية فصار اندلس مملكة إسلامية غنية بالتمدن و العلم منذ ثمانية قرون بقيت آثارها إلى عصرنا هذا، و أمر عليه السلام بحسن الثناء على رجال كهذا و ضبط ما لهم من الماثر في الجهاد إحياء للفضيلة و ترغيبا لسائر الأفراد القاصري الهم و الهمة.
وصيته عليه السلام بالمساواة و ترك التبعيض
المساواة و التاخي أصل إسلامي مال إليه كل الشعوب في هذه العصور الأخيرة المنيرة بالتفكير و الاختراع، و ادرج في برنامج الحقوق العامة البشرية، و لكن المقصود منه ليس تساوي الأفراد في النيل من شئون الحياة: الصالح منهم و الطالح و الجاد منهم و الكسلان على نهج سواء، بل المقصود منه نيل كل ذي حق حقه من حظ الحياة على حسب رتبته العلمية و جده في العمل، فهذا الأصل يبتني على تعيين الحقوق، و قد شرح عليه السلام في هذا الفصل من كلامه هذا الأصل فقال (اعرف لكل امرىء منهم ما أبلى) فأمر بايصال حق الجهد و الاخلاص إلى صاحبه و عرفان هذا الحق بما يوجبه من الرتبة و الامتياز و فسر التبعيض البغيض في امور:
1- إضافة جهد رجل إلى غيره و احتسابه لغير صاحبه.
2- عدم استيفاء حق المجاهد الجاد و التقصير في رعاية حقه على ما يستحقه.
3- احتساب العمل الصغير من رجل شريف كبيرا رعاية لشرفه.
4- استصغار عمل كبير من رجل وضيع بحساب ضعته.
فهذه هى التبعيضات الممنوعة التي توجب سلب الحقوق عن ذوي الحقوق.
توصيته عليه السلام برعاية القانون و تبيين معناه و التثبت عند الترديد و الاشتباه
فالقانون في الحكومة الاسلامية هو نص القرآن الصريح و سنة الرسول الثابت الصحيح، فكثيرا ما يعرض امور على الوالي يشكل عليه حكمها و يشتبه عليه أمرها من جهة العرض على القانون فيختلف في حكمها الاراء و يتولد النزاع و قد بين الله حكمه بعد الأمر باطاعة القانون من وجوب إطاعة الله و إطاعة رسوله و إطاعة اولى الأمر الحافظ للقانون بعد الرسول صلى الله عليه و آله فقال «و إن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول».
و ينبغي البحث في مفاد هذه الاية من وجهين:
الأول أن هذا التنازع الذي يوجب في رفعه الرجوع إلى الله و رسوله هوما يقع بين أفراد الامة الاسلامية غير اولى الأمر الذي أوجب طاعتهم في رديف طاعة الله و طاعة رسوله، فيكون النزاع المردود إلى الله و رسوله تارة بين فردين من الامة، و اخرى بين فرد أو جمع من الامة مع اولى الأمر، أو مخصوص بالنزاع بين الامة غير اولى الأمر، و لا بد من القول بأن هذا النزاع لا يشمل اولى الأمر، لأن اولى الأمر عدوا واجب الطاعة كالله و الرسول و لا معنى لوجوب طاعة اولى الأمر و تصوير النزاع معهم بحيث يرد في رفعه إلى الله و الرسول، فاولوا الأمر مندرج في الرسول و لا بد من كونهم معصومين و مصونين عن الخطاء و الاشتباه و لا يجتمع وجوب طاعة اولى الأمر على الاطلاق مع كونهم طرفا في النزاع.
الثاني أن هذا التنازع المبحوث عنه في الاية لا بد و أن يكون في الشبهة الحكمية و في العلم بكبرى كلية للحكم الشرعي التي هو نص القانون المرجوع إليه، كاختلاف الصحابة في وجوب الغسل من الدخول بلا إنزال، فأنكره جمع قائلين بأن الماء من الماء حتى رجعوا إلى عموم قوله تعالى «أو لامستم النساء» الشامل للدخول بلا إنزال، و كالنزاع في حكم المجوس من حيث إنهم أهل الكتاب فيشملهم حكم الجزية أم ملحقون بالكافر الحربي حتى رجعوا بدلالة مولانا امير- المؤمنين عليه السلام إلى أنهم أهل كتاب لقوله تعالى «و أصحاب الرس»، و كالنزاع في أمر حلى الكعبة في زمان حكومة عمر، فقال قوم بجواز بيعها و صرفها في تجهيز الجنود الاسلامية لتقوية عساكر الاسلام حتى أرجعهم مولانا أمير المؤمنين إلى ما نزل في القرآن من أحكام الأموال و ما عمل به النبي صلى الله عليه و آله في حلي الكعبة من عدم التعرض لها.
و أما في الشبهات الموضوعية فقد ينازع الامة مع النبي صلى الله عليه و آله نفسه كما وقع في موارد:
منها في الخروج من الحصون للحرب مع المشركين في احد، فرأى النبي أولا التحصن فرد رأيه أكثر الصحابة فرجع إلى قولهم و أفضى إلى هزيمة المسلمين و قتل ما يزيد على سبعين من كبار الصحابة منهم حمزة بن عبد المطلب، و قد شرع الشورى بين النبي و المسلمين بهذا الاعتبار فقال الله تعالى «و شاورهم في الأمر- 159 آل عمران».
و قد أمر عليه السلام لرفع التنازع بالرجوع إلى محكم الكتاب فقال «فالرد إلى الله: الأخذ بمحكم الكتاب» و الظاهر منه أن المرجع عند النزاع أولا هو الرجوع إلى الايات المحكمة من القرآن التي وصفها الله تعالى بأنها ام الكتاب، فقال تعالى: «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات 7- آل عمران».
فما هى الاية المحكمة؟
الاية المحكمة هى التي لها دلالة واضحة على المعنى يتوافق عرف اللسان الذي نزل عليه القرآن على فهمه منها، و المحكم بحسب الاصطلاح هو الجامع بين النص و الظاهر الذي يتوافق عرف اللسان على فهمه من الكلام، قال الشيخ البهائي في زبدته في مبحث الدلالات: اللفظ إن لم يحتمل غير ما يفهم منه لغة فنص، و إلا فالراجح ظاهر و المرجوح مأول و الجامع بين الأولين محكم و بين الأخيرين متشابه.
فالمحكم هو الظاهر الدلالة على المعنى المقصود مضافا إلى كون معناه أمرا مفهوما للعموم لتضمنها حكما عمليا أو أصلا اعتقاديا كايات الأحكام و ما يدل على التوحيد و صفات الله الجلالية و الجمالية.
فان لم تكن الاية ظاهرة الدلالة على المقصود كالحروف المقطعة الواقعة في أوائل غير واحد من السور، أو تدل على معنى مبهم غامض يحتاج إلى البيان و التوضيح كقوله تعالى «و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية- 17- الحاقة» فليست من الايات المحكمة التي يرجع إليها عند الاختلاف.
فان لم تكن هناك آية محكمة ترفع النزاع فترجع إلى السنة الجامعة الغير المفرقة و هى قول أو تقرير صادر عن النبي صلى الله عليه و آله مجمع عليها بين أصحابه و ثابت عند الامة، و لم تكن النصوص و القضايا الصادرة عنه صلى الله عليه و آله المجمع عليها بين الأصحاب بقليل في ذلك العصر الذي صدر هذا العهد الشريف.
و نختم هذا الفصل بنقل تفسير هذه الاية الشريفة عن «مجمع البيان»:
«يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله» أى الزموا طاعة الله فى ما أمركم به و نهاكم عنه «و أطيعوا الرسول» أى و ألزموا طاعة رسوله أيضا، و إنما أفرد الأمر بطاعة الرسول و إن كانت طاعته مقترنة بطاعة الله، مبالغة في البيان و قطعا لتوهم من توهم أنه لا يجب لزوم ما ليس في القرآن من الأوامر- إلى أن قال- «و اولى الأمر منكم» للمفسرين فيه قولان: أحدهما أنه الامراء عن أبي هريرة و ابن عباس في إحدى الروايتين و ميمون بن مهران و السدي و اختاره الجبائي و البلخي و الطبري، و الاخر أنهم العلماء عن جابر بن عبد الله و ابن عباس في الرواية الاخرى و مجاهد و الحسن و عطا و جماعة، و قال بعضهم: لأنهم الذين يرجع إليهم في الأحكام و يجب الرجوع إليهم عند التنازع دون الولاة.
و أما أصحابنا فانهم رووا عن الباقر و الصادق عليهما السلام أن اولى الأمر الأئمة من آل محمد صلى الله عليه و آله أوجب الله طاعتهم بالاطلاق كما أوحب طاعته و طاعة رسوله و لا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الاطلاق إلا من ثبت عصمته و علم أن باطنه كظاهره و أمن منه الغلط، و إلا يلزم الأمر بالقبيح و ليس ذلك بحاصل في الامراء و لا العلماء سواهم، جل الله أن يأمر بطاعة من يعصيه أو بالانقياد للمختلفين في القول و الفعل، لأنه محال أن يطاع المختلفون كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه، و مما يدل على ذلك أيضا أن الله قرن طاعة اولى الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسوله بطاعته و أولو الأمر فوق الخلق جميعا كما أن الرسول فوق اولى الأمر و فوق سائر الخلق، و هذه صفة أئمة الهدى من آل محمد الذين ثبت إمامتهم و عصمتهم و اتفقت الامة على علو رتبتهم و عدالتهم، انتهى ما نقلناه عن التفسير.
الترجمة
و براستى بهترين چيزى كه باعث شادمانى و رضايت واليان است پابرجا شدن عدل و داد است در بلاد و ظهور دوستدارى رعيت است نسبت بانان، و براستى كه اين گنجينه دوستى و مهرورزى را از گنجدان دل آنان نتوان بر آورد مگر باين كه
1- سينه هاشان از كينه پاك باشد.
2- خير خواهى و اخلاص آنان نسبت بواليان محقق نشود مگر باين كه دوستانه و با اطمينان خاطر گرد واليان بر آيند و آن را بسود خود بدانند و سلطنت و تسلط والي را بر خود سنگين و ناروا نشمارند و براى زوال دولت و حكومت او روز شماره نكنند و بقاء حكومت او را بر خود ستم ندانند.
بايد ميدان آرزوى فرماندهان قشون را توسعه بخشى و راه ترقى را در برابر آنها باز گزارى و از آنها ستايش كنى و خدمات ارزنده اى كه انجام داده اند هميشه برشمارى و در نظر آرى زيرا هر چه بيشتر خدمات خوب آنها را ياد آور شوى دليران را بهتر برانگيزد و كناره گيران را تشويق بكار و خدمت باشد.
بايد براى هر كدام حق خدمت او را منظور دارى و خدمت يكى را بپاى ديگرى بحساب نياورى و كمتر از آنچه هست نشمارى، شرافت و مقام هيچكس باعث نشود كه خدمت اندك او را بزرگ بحساب آورى و زبونى و بينوائى هيچكس سبب نشود كه خدمت بزرگ او را بكم گيرى.
اگر تو را در احكام خدا و قانون شرع هدى مشكلى پيش آيد و شبهه اى در حكمى بدلت شود خداوند خودش مردم را در اين باره ارشاد كرده و فرموده:
«أيا كسانى كه گرويديد فرمان خدا را ببريد و فرمان رسول خدا را ببريد و از اولى الأمر را و اگر در باره حكمى ميان شما اختلاف و نزاعى رخ داد آن را از خدا و رسولش جويا شويد» رد حكم بخدا عبارت از عمل بايات روشن قرآن است، و رد حكم و جويا شدنش از رسول خدا بمعنى رجوع بسنت و روش مقرر و ثابت و مورد اتفاق آن حضرت است كه مورد اختلاف نباشد.
الفصل السادس من عهده عليه السلام
ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، و لا تمحكه الخصوم، و لا يتمادى في الزلة، و لا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، و لا تشرف نفسه على طمع و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، و أوقفهم في الشبهات، و آخذهم بالحجج، و أقلهم تبرما بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشف الأمور، و أصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل، ثم أكثر تعاهد قضائه، و افسح له في البذل ما يزيل علته، و تقل معه حاجته إلى الناس، و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدى الأشرار، يعمل فيه بالهوى، و تطلب به الدنيا.
اللغة
(الحكم) مصدر حكم يحكم و جاء منه حكم تحكيما و تحكم تحكما و حاكم و تحاكم و هو إنشاء نفساني يتعلق بالنسبة بين الموضوع و المحمول ايجابا أو سلبا فيسمى تصديقا و خبرا إذا حكى عما ورائه، و يحتمل الصدق، و الكذب و إنشاء إذا لم يحك بأقسامه من الأمر و النهي و القسم و الدعاء و غير ذلك، و ينسب إلى الشرع فيقال: الحكم الشرعي، و هو طلب الشارع الفعل أو تركه مع استحقاق الذم بمخالفته أو بدونه أو تسويته و يتولد منه الحكم الوضعي بأقسامه أو هو إنشاء مستقل في بعض صوره، و الحكم الشرعي عند الأشاعرة خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، و هذا التفسير أعم و أتم، و الحكم القضائى إنشاء إثبات حق لأحد المترافعين كما إذا اقيم البينة أو اعترف المدعى عليه أو نفيه كما إذا أنكر و حلف، (محك) الرجل: لج و ماحك زيد عمرا: لاجه، (الزلة): موضع الخطر و المزلة، المزلق، (الصرم): القطع، (لا يزدهيه): افتعال من الزهو و هو الكبر، (الاطراء): كثرة المدح، (الاغتيال): الأخذ على غرة.
الاعراب
في نفسك: ظرف متعلق بقوله أفضل، ممن: لفظة من للتبعيض و الظرف مستقر و حال من فاعل أفضل، و أوقفهم: عطف على قوله أفضل، قليل: خبر اولئك يستعمل في المفرد و الجمع، ما يزيل علته: لفظة ما اسمية موصوفة بما بعدها أى شيئا أو بذلا يزيل علته، له عندك: ظرفان متعلقان بقوله اغتيال الرجال.
المعنى
يحتاج إدارة شئون الاجتماع إلى قانون كلي يتضمن تعيين الحقوق و الحدود بين الأفراد على الوجه الكلي، و إلى قانون يتضمن رفع الاختلاف بينهم عند النزاع و الخصومة في الحقوق التي يتضمنها القوانين العامة، و إلى قوة لإجراء هذه القوانين، و من هنا يقسمون قوى المجتمع الحاكمة على الشعب و الأمة إلى القوة المقننة و القوة القضائية و القوة المجرية، و هذه القوى الثلاثة هى أركان إدارة شعب و امة متمدنة مترقية و لا بد من استقلال كل. هذه القوى في شئونها و عدم مداخلة أي منها في الشئون المتعلقة بالقوة الاخرى حتى يستقيم الامور و تتحقق العدالة في المجتمع و يصل كل ذي حق إلى حقه.
و قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل من عهده للأشتر عليه الرحمة حين ولاه مصر إلى القوة القضائية و ما يلزم في القاضي من الأوصاف و الألقاب ليكون أهلا لتصدي منصب القضاء و الحكم بين الناس فقال (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك) فقد أدرج عليه السلام في هذه الجملة استقلال القوة القضائية حيث إن المتصدي للقضاء لا بد و أن يكون من أفضل أفراد الامة، و إذا كان من أفضل أفراد الامة فيكون مستقلا في أمره و لا يتسلط عليه غيره لأن المفضول لا يحكم على الفاضل و الأفضل، مضافا إلى ما أكد ذلك الاستقلال بما ذكره عليه السلام في آخر الفصل من قوله (و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك).
ثم فسر عليه السلام الأفضل بمن يحوز ألقابا ستة:
1- لا تضيق به الامور لقلة الاحاطة بوجوه تدبيرها و عدم قوة التحليل و التجزية للقضايا الواردة عليه فيحار فيها و يعرضه الشك و الترديد في حلها و فصلها.
2- كنايه و لا تمحكه الخصوم، قال في الشرح المعتزلي: جعله ما حكا أى لجوجا، و قال ابن ميثم: أى يغلبه على الحق باللجاج، و قيل: ذلك كناية عن كونه ممن يرتضيه الخصوم فلا تلاجه و يقبل بأول قوله.
أقول: يمكن أن يكون كناية عن كونه بشدة صلابته في أمره و هيبة ايمانه و تمسكه بالحق بحيث لا يطمع الخصوم في جعله محكا يمتحنونه هل يقبل الرشوة أم لا و هل يؤثر فيه التطميع و التهديد أم لا؟
3- و لا يتمادى في الزلة، حيث إن القاضي في معرض الاشتباه دائما من جهة تحيل المترافعين و تشبث كل واحد منهما في جلب نظر القاضي إلى الاعتماد بكون الحق له فاذا عرض له رأى ثم كشف له أنه خلاف الحق لا يتمادى في الزلة و لا يصعب عليه الرجوع إلى الحق.
4- لا يحصر من الرجوع إلى الحق إذا عرفه، قال الشارح المعتزلي:هو المعنى الأول بعينه، إلا أن ها هنا زيادة، و هو أنه لا يحصر أى لا يعيا في المنطق، لأن من الناس من إذا زل حصر عن أن يرجع و أصابه كالفهاهة و العي و أضاف ابن ميثم أنه لا يأبى للرجوع إلى الحق حفظا لجاهه و خوفا من الشناءة كما يفعله قضاة السوء.
5- أن لا يحدث نفسه بالطمع في الاستفادة من المترافعين فيتوجه إلى إلى الأوفر منهم ثروة أو جاها ليستفيد من ماله أو جاهه، ثم يجره ذلك إلى أخذ الرشوة و الميل عن الحق و الحكم بخلاف الحق.
6- أن يكون دقيقا في كشف القضية المعروضة عليه محققا لفهم الحقيقة و لا يكتفي بالنظر السطحي في فهم صدق المتداعيين و كذبهم، بل يكتنه القضية عن طرق كشف الجرم و عن طرق كشف الحقيقة و هى كثيرة غير محصورة جدا، و قد ظهر منه عليه السلام في قضاياه الكثيرة ما يقضي منه العجب.
فمما ذكر من ذلك أنه سافر عبد مع مولا له شاب فادعى العبد أثناء السفر أنه هو المالك لسيده و أنه عبده و عامل معه معاملة المسترق فدخلا كوفة و ترافعا عند علي عليه السلام و لم يكن هناك بينة لأحدهما و لم يعترف العبد المتجاوز للحقيقة بوجه من الوجوه، فأحضرهما يوما و أمر بحفر ثقبتين في جدار متعاكسا و أمرهما باخراج رأسهما من تلك الثقبتين، ثم نادى بصوت عال يا قنبر اضرب عنق العبد، فلما سمع العبد ذلك هابه و أخرج رأسه من الثقبة فورا فصار ذلك اعترافا له بالحقيقة، و قد قرر في محاكم هذه العصور طرائق هائلة في كشف الحقيقة و كشف الجرائم.
فهذه هى الصفات التي توجب فضيلة الفرد و تشكل له شخصية رهيبة تؤهله لتصدي منصب القضاوة، و لم يكتف عليه السلام بهذه الصفات حتى أكملها بستة اخرى فقال:
1- أوقف الرعية عند عروض الشبهة، فلا يأخذ بأحد طرفي الشبهة حتى يفحص و يبين له الحق بدليل علمي يوجب الاطمينان.
2- آخذهم بالحجج، فلا يقصر في جمع الدلائل و الأمارات على فهم الحقيقة من أي طريق كان.
3- و أقل الناس تضجرا و قلقا من مراجعة الخصوم، فلا ينهرهم و لا يصيح في وجوههم ليسع لهم بيان الحال و المال فينكشف له الحق و لا يضيع حق الخصوم قال الشارح المعتزلي: و هذه الخصلة من محاسن ما شرطه عليه السلام، فان القلق و الضجر و التبرم قبيح و أقبح ما يكون من القاضي.
4- أن يكون أصبر الناس على كشف حقيقة الامور بالبحث و جمع الدلائل.
5- أن يحكم عند وضوح الحق صريحا و قاطعا و لا يؤخر صدور الحكم.
6- أن لا يؤثر فيه المدح و الثناء من المتداعيين أو غيرهما فيصير متكبرا و لا يؤثر فيه تحريض الغير فيجلب نظره إلى أحد الخصمين.
و قد أعلن عليه السلام بعد بيان هذه الأوصاف بأن الواجدين لها قليل.
و اعلم أن القضاوة من شئون النبوة كما قال الله تعالى «فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما 65- النساء فهى من شئون الرياسة العامة على الدين و الدنيا الثابتة للنبي بالرسالة و للوصي بحكم الوصاية، و قد ورد في الحديث أن مسند القضاوة مجلس لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي، فلا بد من كسب هذا المنصب من النبي و الوصي، فلا يجوز تصدي القضاوة لأحد من عند نفسه و إن كان مجتهدا و واجدا لأوصاف القاضي.
قال في «الرياض» بعد ذكر شرائط القاضي: و اعلم أنه لا بد مع اجتماع هذه الشرائط من إذن الامام بالقضاء لمستجمعها خصوصا أو عموما، و لا يكفي مجرد اجتماعها فيه إجماعا لما مضى من اتفاق النص و الفتوى على اختصاصه عليه السلام بمنصب القضاء، فلا يجوز لأحد التصرف فيه إلا باذنه قطعا و منه ينقدح الوجه في ما اتفقوا عليه من أنه لا ينعقد القضاء بنصب العوام له، أى المستجمع للشرائط أو غيره بالطريق الأولى بينهم قاضيا، انتهى.
ثم استثنى بعد ذلك بقوله: نعم لو تراضى اثنان بواحد من الرعية فحكم بينهما لزم حكمه في حقهما في المشهور بين أصحابنا بل لم ينقلوا فيه خلافا أصلا مستندين إلى وقوع ذلك في زمن الصحابة و لم ينكر أحد منهم ذلك، انتهى.
أقول: لو تم الدليل على ذلك كان من موارد صدور الاذن على وجه العموم فكان قاضي التراضي قاضيا منصوبا بالأدلة العامة.
إلى أن قال: و مع عدم الامام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيت عليهم السلام الجامع للصفات المشترطة في الفتوى لقول أبي عبد الله عليه السلام: فاجعلوه قاضيا فقد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.
و قد نقل عن الشهيد الثاني في المسالك ما لفظه: ما تقدم من اشتراط نصب القاضي و إن كان فقيها و مجتهدا و عدم نفوذ حكمه إلا مع التراضي به مختص بحال حضور الإمام و تمكنه من نصب القضاة، و أما مع عدم ذلك إما لغيبته أو لعدم بسط يده فيسقط هذا الشرط من جملة الشروط و هو نصب الامام، انتهى.
ثم قال: و ينفذ عندنا قضاء الفقيه العدل الامامي الجامع لباقي الشروط و إن لم يتراض الخصمان بقوله لقول أبي عبد الله عليه السلام لأبي خديجة: إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه- إلى أن قال: و قريب منها رواية عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أ يحل ذلك؟ فقال عليه السلام من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فانما يأخذه سحقا و إن كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر الله تعالى أن يكفر به، قلت: كيف يصنعان؟ قال: انظروا إلى من كان منكم روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما- إلخ.
أقول: يستفاد من الحديثين أن الامام نصب الفقيه الجامع للشرائط قاضيا على وجه العموم فليس هناك استثناء عن اشتراط القضاء باذن الامام، و ظاهر الفقهاء أن القاضي يلزم أن يكون مجتهدا مطلقا فلا يجوز للمتجزي تصدي القضاء و إن كان استفادة ذلك من الحديثين مشكل.
و اعلم أنه قد ذكر الفقهاء للقاضي شرائط كما يلي:
قال في الرياض: و اعلم أن الصفات المشترطة فيه ستة: التكليف بالبلوغ و كمال العقل، و الايمان بالمعنى الأخص أي الاعتقاد بالاصول الخمسة، و العدالة و طهارة المولد عن الزنا، و العلم و لو بالمعنى الشامل للظن الاجتهادي بالحكم الشرعي القائم مقامه بالدليل القطعي فانه في الحقيقة علم و لو بوسيلة الظن فإنه في طريق الحكم لا نفسه، و الذكورة، بلا خلاف في شيء من ذلك أجده بيننا بل عليه الاجماع في عبائر جماعة كالمسالك و غيره في الجميع- إلى أن قال: و لا بد أن يكون ضابطا فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء، و هل يشترط علمه بالكتابة؟
الأشبه نعم- إلى أن قال: و لا ينعقد القضاء للمرأة و في انعقاده للأعمى تردد إلى أن قال: و الأقرب الأشهر أنه لا ينعقد له القضاء- انتهى.
أقول: لا ينطبق ما ذكره الفقهاء من شرائط القاضي على ما ذكره عليه السلام في هذا الفصل من الصفات الاثنتي عشر للقاضي فإن كلامه عليه السلام يخلو من كثير من هذه الشرائط كشرط الايمان بالمعنى الأخص، كيف و قد نصب شريحا قاضيا في أيام حكومته و لم يكن مؤمنا بالمعنى الأخص كما أن. كلامه خال عن اشتراط الذكورة و طهارة المولد، إلا أن يقال إن هذه الشرائط يستفاد من فحوى كلامه فإنها دون ما ذكره عليه السلام من الشرائط للقاضي بكثير مع التوجه إلى قوله عليه السلام (و اولئك قليل).
و هل يشترط هذه الشرائط التي عددها عليه السلام في القاضي على وجه الوجوب فلا يجوز نصب القاضي الفاقد لأحد هذه الشروط مطلقا أو عند وجود واجد هذه الشرائط؟ ظاهر كلام الفقهاء عدم وجوب رعاية وجود كل هذه الشرائط في القاضي و قد ذكروا بعضها من صفات مستحبة له.
قال في الرياض: النظر الثاني في الاداب و هى قسمان: مستحبة و مكروهة و لم يرد بكثير منها نص و لا رواية و لكن ذكرها الأصحاب فلا بأس بمتابعتهم مسامحة في أدلة السنن و الكراهة، فالمستحب إشعار رعيته و أخبارهم بوصوله إن إن لم يشتهر خبره، و الجلوس في قضائه في موضع بارز مثل رحبة أو فضاء يسهل الوصول إليه، و يكون مستقبل القبلة في جلوسه لتحصيل الفضيلة على قول و الأكثر على استحبابه، مستدبر القبلة ليكون وجوه الناس إليها نظرا إلى عموم المصلحة و أن يأخذ مبتدأ ما في يد الحاكم المعزول من حجج الناس و ودائعهم- إلى أن قال: و السؤال بعد ذلك عن أهل السجون و إثبات أسمائهم و البحث عن موجب اعتقالهم و حبسهم ليطلق من يجب إطلاقه، و يستحب تفريق الشهود عند الإقامة، فإنه أوثق خصوصا في موضع الريبة عدا ذوي البصائر و الشأن من العلماء و الصلحاء الأعيان فلا يستحب تفريقهم بل يكره و ربما يحرم لما يتضمن تفريقهم من الغضاضة و المهانة بهم بل ربما يحصل في ذلك كسر قلوبهم، و أن يستحضر من أهل العلم و الاجتهاد من يعاونه في المسائل المشتبهة.
و المكروهات: الاحتجاب أى اتخاذ الحاجب وقت القضاء، للنبوي: من ولى شيئا من امور الناس فاحتجب دون حاجتهم و فاقتهم احتجب الله تعالى دون حاجته و فاقته و فقره- إلى أن قال: و أن يقضي مع ما يشغل النفس كالغضب لغير الله تعالى و الجوع و العطش و المرض و غلبة النعاس و مدافعة الأخبثين و نحو ذلك من المشغلات كما يستفاد من الأخبار ففي النبوي: لا يقضي و هو غضبان، و في آخر:
لا يقضي إلا و هو شبعان- إلى أن قال: و أن يرتب و يعين قوما للشهادة دون غيرهم لما يترتب عليه من التضييق على الناس و الغضاضة من العدل الغير المرتب، و نقل قول بتحريمه نظرا إلى أن ذلك موجب لإبطال شهادة مقبولي الشهادة فانه ربما يتحمل الشهادة غيرهم فاذا لم تقبل شهادتهم ضاع الحق عن أهله و قد قال سبحانه «و أشهدوا ذوى عدل منكم» فأطلق، انتهى.
و قال في مبحث وظائف الحكم و آدابه: و هى أربع: الاولى يجب على القاضي التسوية بين الخصوم في السلام عليهما و رده إذا سلما عليه، و الكلام معهما و المكان لهما فيجلسهما بين يديه معا، و النظر إليهما و الإنصات و الاستماع لكلامهما، و العدل في الحكم بينهما و غير ذلك من أنواع الإكرام كالاذن في الدخول و طلاقة الوجه للنصوص المستفيضة- إلى أن قال: من جملته قول علي عليه السلام لشريح: ثم واس بين المسلمين بوجهك و منطقك و مجلسك حتى لا يطمع قريبك في حيفك، و لا يبأس عدوك من عدلك، انتهى.
و قد ذكر الشارح المعتزلي في هذا الشأن حديثا كما يلي: و استعدى رجل على علي بن أبي طالب عليه السلام عمر بن الخطاب و علي جالس، فالتفت عمر إليه، فقال: قم يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك، فقام فجلس معه و تناظرا ثم انصرف الرجل و رجع علي عليه السلام إلى محله، فتبين عمر التغير في وجهه،فقال:يا أبا الحسن، مالي أراك متغيرا، أكرهت ما كان؟ قال: نعم، قال: و ما ذاك؟
قال: كنيتني بحضرة خصمي، هلا قلت: قم يا علي فاجلس مع خصمك، فاعتنق عمر عليا، و جعل يقبل وجهه، و قال: بأبي أنتم بكم هدانا الله و بكم أخرجنا من الظلمة إلى النور.
و نذكر في آخر هذا الفصل ما ذكره الشارح المعتزلي في آداب القاضي نقلا عن الفقهاء:
قال: و قد ذكر الفقهاء في آداب القاضي امورا، قالوا:لا يجوز أن يقبل هدية في أيام القضاء، و لا يجوز قبولها في أيام القضاء ممن له حكومة و خصومة و إن كان ممن له عادة قديمة، و كذلك إن كانت الهدية أنفس و أرفع مما كانت قبل أيام القضاء لا يجوز قبولها، و يجوز أن يحضر القاضي الولائم و لا يحضر عند قوم دون قوم لأن التخصيص يشعر بالميل، و يجوز أن يعود المرضى، و يشهد الجنائز، و يأتي مقدم الغائب، و يكره له مباشرة البيع و الشراء، و لا يجوز أن يقضي و هو غضبان، و لا جائع و لا عطشان، و لا في حال الحزن الشديد، و لا الفرح الشديد، و لا يقضي و النعاس يعانيه، و المرض يقلقه،و لا هو يدافع الأخبثين، و لا في حر مزعج، و لا في برد مزعج، و ينبغي أن يجلس للحكم في موضع بارز يصل إليه كل أحد، و لا يحتجب إلا لعذر، و يستحب أن يكون مجلسه فسيحا لا يتأذي بذلك هو أيضا، و يكره الجلوس في المساجد للقضاء، فان احتاج إلى و كلاء جاز أن يتخذهم و يوصيهم بالرفق بالخصوم و يستحب أن يكون له حبس، و أن يتخذ كاتبا إن احتاج إليه و من شرط كاتبه أن يكون عارفا بما يكتب به عن القضاء، و اختلف في جواز كونه ذميا، و الأظهر أنه لا يجوز، و لا يجوز أن يكون كاتبه فاسقا، و لا يجوز أن يكون الشهود عنده قوما معينين بل الشهادة عامة في من استكمل شروطها.
و اعلم أنه من المقرر في القوانين القضائية في هذا العصر أن الحكم الصادر في قضية واحدة يقبل النقض مرتين، فقسموا الدائرة القضائية إلى ثلاث مراتب:
المحكمة الابتدائية التي يعرض عليها القضية أول مرة فاذا صدر حكم من قاضي هذه المحكمة يكون لمن صدر الحكم عليه أن يعرضه على محكمة الاستيناف و يطلب تجديد النظر فيه، و يجوز لقاضي محكمة الاستيناف نقض الحكم إن رأى فيه خللا من حيث القوانين القضائية، فان أبرمه فلمن هو عليه أن يعرضه مرة ثالثة إلى محكمة أعلى و هي محكمة التميز، فلها أن ينقضه إن رأت فيه خللا فان أبرمته يصير قطعيا باتا لا يقبل النقض، و قد أشار عليه السلام إلى هذه المراتب الثلاثة في ضمن هذا الفصل، فقوله عليه السلام (و لا يحصر من الفىء إلى الحق إذا عرفه) إشارة إلى الحكم الاستينافي، فإن الرجوع إلى الحق إنما يكون بعد صدور حكم ابتدائي في القضية المعروضة على محكمة القضاء، ثم أشار إلى الدرجة الثالثة بقوله (و أكثر تعاهد قضائه) فإن تعاهد القضاء، ثم أشار إلى الدرجة الثالثة بقوله (و أكثر تعاهد قضائه) فإن تعاهد القضاء و الفحص عنها من قبل الوالي يشمل الأحكام الصادرة في القضايا المعروضة، و فائدة الفحص و التعاهد عنها إنما يكون في نقضها إذا رأى الوالي فيها خللا.
ثم أوصى للقضاة بوفور البذل لهم بحيث يكفي لمؤونتهم و سد حاجاتهم،فلا يؤديهم ضيق المعيشة إلى أخذ الرشوة و الميل عن الحق.
ثم أوصى بحفظ جانبهم و إعطاء المنزلة العالية لهم عند الوالي بحيث لا يجترىء أحد على انتقادهم لدى الوالي و حط رتبتهم ليكون ذلك مظنة لتهديدهم من قبل ذوي النفوذ بالسعى في عزلهم إذا لم يوافقوا لما أرادوا منهم من الميل عن الحق بنفعهم و المقصود من هذه الجملة حفظ استقلال القوة القضائية عن القوة المقننة و القوة المجرية و عدم تدخل أحد فيها حتى يطمئن القاضي بنفسه و يعتقد أنه لا يحول بينه و بين تشخيص الحق في القضية المعروضة عليه أحد، فيفحص عن الحق و يميزه و يحكم به من دون خوف و لا وجل.
الترجمة
سپس برگزين براى قضاوت ميان مردم در اختلافات آنها بهترين رعاياى خود را در نظر خودت از كسانى كه داراى اين صفات باشند:
1- كارها بر آنها مشكل نگردند و در حل و فصل آنها در نمانند.
2- اهل دعوى آنها را به لجبازى نكشند و در معرض امتحان نياورند.
3- اگر بلغزش و خطائى دچار شدند دنبال آن نروند و بمحض اين كه فهميدند بحق برگردند.
4- رجوع و برگشت بحق پس از فهميدن آن بر آنها دشوار و ناهموار نباشد.
5- خود را در پرتگاه طمع نكشند و پيرامون آن نگردند.
6- بفهم سطحي و ابتدائي در قضايا اكتفاء نكنند و دنبال فهم نهائي و تحقيق كافي باشند.
با اين حال، از همه مردم در مورد شبهه و ابهام حق محتاطتر باشند، و از همه بيشتر دنبال دليل و حجت براى روشن شدن حق بگردند، و از مراجعت أهل دعوى دلگير و تنگ خلق نشوند، و از همه كس براى كشف حقيقت بردبارتر باشند و چون حق را روشن و گويا فهميدند در صدور حكم قاطع باشند.
از كسانى باشند كه ستايش آنها را فريفته و خود بين نسازد و تشويق و ترغيب در آنها مؤثر نگردد و دل آنها را نبرد، اينان كميابند.
سپس بسيار از قضاوت آنها بازرسى كن و بجريان كار آنها مطلع باش و براى قاضي بخشش فراوان كن و حقوق مكفي مقرردار باندازهاى كه رفع نياز او را بكند و حاجت وى را بمردم ديگر بحد أقل برساند.
براى او در نزد خود مقامى بس منيع مقرردار كه هيچكدام از خواص كار- گزاران تو بدان مقام طمع نورزند تا بدينوسيله از دستبرد مردان ديگر در پيشگاه تو نسبت بخود مصون باشند، در اين باره نظرى رسا داشته باش زيرا اين دين بدست مردمى بد اسير بوده است، و بهوى و هوس در آن عمل مىشده و آنرا وسيله بر آوردن آرزوهاى شيطاني كردند و بوسيله آن دنيا طلبى نمودند.
الفصل السابع من عهده عليه السلام
ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا، و لا تولهم محاباة و أثرة، فانهم [فإنهما] جماع من شعب الجور و الخيانة، و توخ منهم أهل التجربة و الحياء من أهل البيوتات الصالحة، و القدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، و أصح أعراضا و أقل في المطامع إشرافا، و أبلغ في عواقب الامور نظرا، ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، و غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، و حجة عليهم إن خالفوا أمرك، أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم، و ابعث العيون من أهل الصدق و الوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة، و الرفق بالرعية، و تحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، و وسمته بالخيانة، و قلدته عار التهمة. و تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم، و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج و أهله، و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، و أهلك العباد، و لم يستقم أمره إلا قليلا، فإن شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، و لا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، و تزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم، و تبجحك باستفاضة العدل فيهم، معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم، و الثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم و رفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم، من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته، و إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، و إنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، و سوء ظنهم بالبقاء، و قلة انتفاعهم بالعبر.
اللغة
(المحاباة): المعاطاة و العطاء بلا عوض، (الاثرة): الاستبداد و الانعام للحب و المودة، (الجماع): الجمع، (التوخي): التقصد، ثلمت الاناء من باب ضرب: كسرته من حافته، الثلمة كبرمة: الخلل الواقع في الحائط و غيره، (الحدوة): الحث، (وسمه) وسما و سمة: أثر فيه بسمة و كي، و الميسم بكسر الميم اسم الالة التي يكوى بها، يقال (ثقل) الشيء بالضم ثقلا و زان عنب و يسكن للتخفيف فهو ثقيل، (الشرب): النصيب من الماء، (البالة): القليل من الماء يبل به الأرض، و الظاهر أنه في الأراضي التي يسقيه الأمطار فحسب، فاذا قلت الأمطار يقال: اصيب بالبالة، (أحالت) الأرض: تغيرت عما عليه من الاستواء فلم ينجب زرعها و لا أثمر نخلها، و ذلك يكون على أثر السيول و الأمطار الغزيرة (البجح): الفرح، يقال: بجح بالشىء بالكسر و بالفتح لغة ضعيفة و بجحته فتبجح:
أى فرحته ففرح و في حديث: أهل الجنة في خيراتها يتبجحون، (معتمدا):قاصدا، (الاجمام): الاراحة، (الاعواز): الفقر.
الاعراب
اختبارا: مفعول له لقوله فاستعملهم، محاباة: مفعول له لقوله لا تولهم، توخ: أمر من توخى يتوخى، و أهل التجربة مفعوله، المتقدمة: صفة لقوله البيوتات، أخلاقا: منصوب على التميز من النسبة في قوله أكرم، ما تحت أيديهم:
ما موصولة و تحت أيديهم ظرف مستقر صلة و العائد محذوف أو مستتر في الظرف باعتبار متعلقه المقدر و يحتمل أن تكون موصوفة و ما بعدها صفتها أى شيئا تحت أيديهم، فان أحد منهم: أحد فاعل فعل مضمر يفسره قوله: بسط يده إلى خيانة اكتفيت بذلك شاهدا: جملة فعلية حالية و قوله فبسطت عليه العقوبة جزاء الشرط، بما يصلح أهله: ما موصولة و ما بعدها صلتها، سواهم: ظرف مستقر صلة لقوله من في لمن، إلا بهم: استثناء مفرغ، خففت عنهم: جزاء شرط لقوله فان شكوا، معتمدا: حال عن المخاطب، من بعد: بضم بعد مبنيا لكون المضاف إليه المحذوف منويا أى بعد ذلك الارفاق، طيبة: حال، من إعواز: من هنا للتعليل.
المعنى
قد انبسط النظم السياسي للبلاد في هذه العصور فيتشكل الحكومة من رئيس أو ملك يعين وزراء عديدة لكل شأن من شئون البلد، فوزير للحرب، و وزير للمالية، و وزير للامور الداخلية، و وزير للامور الخارجية، و وزير للعلوم، و وزير للاشغال العامة، و هكذا، و ربما يزيد الوزراء على عشرين وزيرا و يتشكل كل وزارة من مديريات و إدارات كثيرة يشتغل في امورها خلق كثير، و لكن النظم السياسي في صدر حكومة الاسلام كان بسيطا جدا، و هذا هو العلة الرئيسية لتقدم الاسلام و نفوذه في الامم و الشعوب، فكان ينبعث من قبل الخليفة لكل ناحية عامل، و الشغل الرئيسي لهذا العامل مهما كان مدار عمله وسيعا أمران:
1- إقامة الصلاة للناس بامامته فكان حضور الجماعة و الصلاة خلف العامل واجبا على كل المكلفين فيحضرون المسجد كل يوم في مواقيت الصلوات الخمسة و يصطفون وراء العامل فيصلي بهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة في صلاته و يلقنهم العقائد الاسلامية و يدر بهم للاصطفاف تجاه العدو في ميادين الجهاد، فكانت جامعة الصلاة مدرسة للمعارف و تعليم النظامات العسكرية لكل مسلم، و لا يشغل منه إلا مقدار ساعتين في كل يوم و ليلة، و يكون له الفرصة الكافية أن يذهب وراء مشاغله و حرفه المعتادة.
2- جمع الخراج من الدهاقين و الزارعين و يدخل في ضمنه الجزية المفروضة على أهل الكتاب الداخلين في ذمة الاسلام من اليهود و النصارى و المجوس، و هم الأكثرون عددا في هذا العصر المشتغلون بأمر الزراعة و العمران في شتى نواحي البلاد الاسلامية الممتدة من إفريقيا إلى حدود الصين، فكان شخصية الوالي هي النقطة الرئيسية في استقامة نظم البلاد الاسلامية و صحة مسير الاسلام نحو التقدم و الازدهار و نحو هدفه الاساسي الذي هو هداية الناس كافة كما قال الله تعالى:و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا، 28- السبأ و لا يوصل إلى هذا الهدف الرئيسي إلا برعاية القوانين الاسلامية و بث العدل الاسلامي و رعاية نوع البشر و إرائة طريق سعادته بالسيرة و العمل، فكان وظيفة العامل ثقيلة و دقيقة، و من هذه الجهة أوصى لانتخاب العمال بقوله (فاستعملهم اختبارا).
قال في الشرح المعتزلي «ج 17 ص 29 ط مصر»: و هم عمال السواد و الصدقات و الوقوف و المصالح و غيرها، فأمره أن يستعملهم بعد اختبارهم و تجربتهم و أن لا يوليهم محاباة لهم و لمن يشفع فيهم و لا إثرة و لا إنعاما عليهم.
أقول: لا وجه لاختصاص كلامه بصنف من العمال، بل المقصود منه مطلق العمال و من يلي أمر ناحية من البلاد، و الاثرة هو إظهار المحبة لأحد أو التعطف له لتودده أو حاجته أو غير ذلك من الدواعي الخصوصية، و في نسخة ابن ميثم:«فانهم جماع من الجور و الخيانة».
فالمقصود أن العمال الشاغلين للأعمال في زمان عثمان و من تقدمه كانوا جمعا من شعب الجور و الخيانة، فإن الخلفاء الذين تقمصوا الخلافة بغير حق و يخافون على مقامهم من ثورة طلاب الحق و يستعملون في أعمالهم من يوافقهم في نفاقهم و يعينهم على جورهم و شقاقهم ممن ينحرف عن الحق و يميل إلى الباطل لضعف عقيدته و رقة ديانته و ايمانه.
فانظر إلى أبي بكر المتحفظ على الظاهر و المتظاهر بحفظ السيرة النبوية قد اختار خالد بن وليد المنحرف عن أهل بيت النبوة و الحاسد الحاقد على مركز الولاية علي بن أبي طالب أمير الامراء في حكومته و فوض إليه قوة السيف الاسلامي و لقبه سيف الله و سيف شهره رسول الله مع وجود مات من الأبطال في الأصحاب ممن لهم القدمة في الاسلام و الاخلاص و النصيحة، فارتكب خالد جنايات و فضائح في العالم الاسلامي يقشعر الأبدان من سماعها.
و هذا عمر استعمل على الكوفة و هى أحد الثغور الاسلامية الرئيسية بما لها من الوسعة الشاملة من حدود نجد إلى تخوم خراسان مغيرة بن شعبة أحد أعداء أمير المؤمنين الألداء، و هو رجل الجناية و الخيانة من عصره الجاهلي قد التجأ بالاسلام على أثر جناية و خيانة فضيحة ارتكبها كما في سيرة ابن هشام «ص 213 ج 2 ط مصر» قال الزهري في حديثه: ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله عروة بن مسعود الثقفي- إلى أن قال: ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه و آله و هو يكلمه قال: و المغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه و آله في الحديد قال: فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه و آله و يقول: اكفف يدك عن وجه رسول- الله صلى الله عليه و آله قبل أن لا تصل إليك «أى المقرعة» قال: و يقول عروة: ويحك ما أفظك و أغلظك؟! قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه و آله فقال له عروة: من هذا يا محمد؟
قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، قال: أى غدر، و هل غسلت سوأتك إلا بالأمس، قال ابن هشام: أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بنى مالك من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف بنو مالك رهط المقتولين و الأحلاف رهط المغيرة فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية و أصلح ذلك الأمر، انتهى.
أقول: و كان قتلهم غدرا لأخذ هداياهم التي أعطاهم ملك اليمن فأخذها و فر بها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فأسلم و عرضها على رسول الله صلى الله عليه و آله فلم يقبلها، فارتكب في أيام عمله في الكوفة فضيحة الزنا و هو محصن مع ام جميل امرأة ذات بعل على ضوء النهار فاطلع على زناه أربعة من الصحابة و التابعين العاملين في دار- الحكومة منهم زياد بن أبيه فعرضوا أمره إلى عمر فطلبه و الشهود إلى المدينة و حاكمه بنفسه و أدى ثلاثة من الشهود شهادة تامة على ارتكابه الزنا، و لكن لما ورد زياد لأداء الشهادة قال له عمر: أرى وجه رجل لا يفتضح به أحد كبار أصحاب رسول الله، فلقنه بهذا الكلام ما أراد أن يلقنه، فقال زياد: رأيت مغيرة نائما مع ام جميل على فراش واحد و هو راكب على بطن ام جميل و سكت عن رؤيته دخوله فيها كالميل في المكحلة و نقص شهادته و لم ير عمر شهادته كافية فأمر بضرب سائر الشهود حد القذف و برأ مغيرة، و أي فضيحة في الاسلام أفضح من هذه؟.
و أما عمال عثمان فلا يحتاج جورهم و خيانتهم إلى توضيح فانه كالعيان المغني عن البيان، فقال عليه السلام: إن العمال السابقين كانوا جماعا من شعب الجور و الخيانة.
و لكن في نسخة المعتزلي «فانهما جماع من شعب الجور و الخيانة» و قال في شرحه: فانهما- يعني استعمال المحاباة و الاثرة- جماع من شعب الجور و الخيانة و قد تقدم شرح مثل هذه اللفظة، و المعنى أن ذلك يجمع ضروبا من الجور و الخيانة أما الجور فانه يكون قد عدل عن المستحق إلى غير المستحق ففي ذلك جور على المستحق، و أما الخيانة فلأن الأمانة تقتضي تقليد الأكفاء، فمن لم يعتمد ذلك فقد خان من ولاه.
و اغتر ابن ميثم بهذا التفسير فقال: فلا يوليهم محاباة و إثرة، كأن يعطونه شيئا على الولاية فيوليهم و يستأثر بذلك دون مشاورة فيه، فانهما أى المحاباة و الاثرة- كما هو مصرح به في بعض النسخ عوض الضمير- جماع من شعب الجور و الخيانة، أما الجور فللخروج بهما عن واجب العدل المأمور به شرعا، و أما الخيانة فلأن التحري في اختيارهم من الدين و هو أمانة في يد الناصب لهم،فكان نصبهم من دون ذلك بمجرد المحاباة و الاثرة خروجا عن الأمانة و نوعا من الخيانة.
أقول: لا يخفى ما في ما ذكره الشارحان من تطبيق جملة: جماع من شعب الجور و الخيانة على الانتخاب بالمحاباة و الاثرة من التكلف و التعسف، نعم لا إشكال في أن هذا الانتخاب جور و خيانة و لكن لا ينطبق عليه أنه جماع من شعب الجور و الخيانة إلا بالتكلف، فالأظهر أن هذه الجملة راجعة إلى العمال الشاغلين للأعمال قبل حكومته عليه السلام.
ثم أمر عليه السلام بانتخاب العمال من أهل البيوتات الصالحة و المتقدمة في الاسلام لما ذكرنا سابقا من أن كفيل تربية الأفراد في ذلك العصر هى الاسرة و البيت، و لم تكن هناك شهادة على صلاحية الفرد غير النظر في البيت و الاسرة التي ربى فيها و نشأ في ظلها، فقد وصف هؤلاء المربين في البيوت الصالحة بأنهم موصوفون بما يلزم للعامل من كرم الأخلاق و مصونية العرض و قلة الطمع و النظر في عواقب الامور.
ثم أوصى بوفور الأرزاق و الرواتب عليهم، لئلا يضطروا إلى الاختلاس مما في أيديهم من أموال الخراج و يتم الحجة عليهم إن خانوا.
ثم أوصى بتفقد أعمالهم و بث العيون عليهم لحثهم على حفظ الأمانة و الرفق بالرعية.
ثم شرع عقوبة الخائن الذي ثبت خيانته باتفاق أخبار العيون و المتفقدين في البدن بعرضهم على السياط و عزلهم عن العمل و إعلام خيانتهم للعموم و تقليدهم بعار التهمة و أثر ذلك انفصالهم عن شغلهم أبدا.
ثم توجه إلى أمر الخراج و هو المصدر الوحيد في هذا العصر لخزانة الحكومة و ما يلزمها من المصارف في شتى حوائجها من أرزاق الجند و رواتب العمال و الخدم، و نبه على أن المبدأ الوحيد للخراج هو عمران البلاد بالزرع و الغرس و ما يتحصل منه عوائد جديدة و بين أن التوليدات المثمرة إنما هى من الزراعة و تربية المواشي، و كليهما يتفقان على عمران البلاد و قدرة الزراع و الدهاقين المالية على العمل في الانتاج و التوليد و أن طلب الخراج مع قطع النظر عن العمران موجب للخراب و الاستيصال.
و من واجب العمران التوجه إلى الافات الطارئة في المحاصيل الزراعية و الحيوانية، فقال عليه السلام «فان شكوا ثقلا- أى جورا- في ضرب مقدار الخراج المضروب عليهم أو جور العمال في أخذه أو علة نحو أن يصيب الغلة آفة كالجراد و البرق و البرد و غيرها.
أو انقطاع شرب- بأن ينقص الماء في النهر أو طم القنوات في أثر السيول أو الزلازل و نحوها.
أو بالة- يعني قلة الأمطار في ما يسقى بماء المطر أو كثرة الأمطار الموجبة للسيول الجارفة للزرع و الشجر.
أو إحالة أرض اغتمرها غرق- يعني أن الأرض قد تحولت في أثر السيول أو تكرار الزرع فلم يحصل منها زرع لأن الغرق غمرها و أفسد زرعها.
أو أجحف بها عطش فأتلفها.
فلا بد من سماع الشكوى و التحقيق عنها و التخفيف على الزراع و الدهاقين و بذل المساعدة لهم بحيث يصلح أمرهم و يتمكنوا من الاشتغال بالعمران و نبه على أن هذا التخفيف و المساعدة لم يذهب هدرا، لأنه:
1- ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك.
2- زينة و افتخار لولايتك فان زينة الوالي عمران البلاد و راحة العباد.
3- تكتسب حسن ثنائهم عليك و تسر باستفاضة العدل فيهم مع اعتمادك على فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من توجهك عليهم و توجههم عليك بالوثوق بك و الاعتماد بعدلك و رفقك.
4- فربما حدث عليك حادث و تحتاج إلى الاقتراض منهم أو طلب المعونة منهم أو مساعدتهم لك بنفوسهم فيجيبونك و يساعدونك بطيب أنفسهم.
ثم انتج من ذلك ضابطتين عامتين هامتين:
1- العمران محتمل ما حملته.
2- يؤتى خراب الأرض من فقر أهلها و إعوازهم مصارف عمرانها.
ثم نبه على أن إعواز أهل الأرض ناش عن الولاة السوء الذي لا هم لهم إلا جمع المال و الأخذ من الرعايا بكل حال، لسوء ظنهم ببقائهم على العمل و خوفهم من العزل و عدم انتفاعهم بالعبر و اعتقادهم بالعقوبة من الله في الاخرة.
و قد نقل الشارح المعتزلي هنا ما يؤيد كلام مولانا لا بأس بنقله قال:
عهد سابور بن اردشير لابنه
و قد وجدت في عهد سابور بن أردشير إلى ابنه كلاما يشابه كلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا العهد و هو قوله:
و اعلم أن قوام أمرك بدرور الخراج، و درور الخراج بعمارة البلاد، و بلوغ الغاية في ذلك استصلاح أهله بالعدل عليهم، و المعونة لهم، فإن بعض الامور لبعض سبب، و عوام الناس لخواصهم عدة، و بكل صنف منهم إلى الاخر حاجة، فاختر لذلك أفضل من تقدر عليه من كتابك، و ليكونوا من أهل البصر و العفاف و الكفاية، و استرسل إلى كل أحد منهم شخصا يضطلع به، و يمكنه تعجيل الفراغ منه، فان اطلعت على أن أحدا منهم خان أو تعدى، فنكل به، و بالغ في عقوبته، و احذر أن تستعمل على الأرض الكثير خراجها إلا البعيد الصوت، العظيم شرف المنزلة و لا تولين أحدا من قواد جندك الذين هم عدة للحرب، و جنة من الأعداء شيئا من أمر الخراج، فلعلك تهجم من بعضهم على خيانة في المال، أو تضييع للعمل فان سوغته المال، و أغضيت له على التضييع كان ذلك هلاكا و إضرارا بك و برعيتك و داعية إلى فساد غيره، و إن أنت كافأته فقد استفسدته، و أضقت صدره، و هذا أمر توقيه حزم، و الإقدام عليه حزق، و التقصير فيه عجز.
و اعلم أن من أهل الخراج من يلجىء بعض أرضه و ضياعه إلى خاصة الملك و بطانته لأحد أمرين، أنت حرى بكراهتهما، إما لامتناع من جور العمال و ظلم الولاة، و تلك منزلة يظهر بها سوء أثر العمال و ضعف الملك و إخلاله بما تحت يده، و إما للدفع عما يلزم من الحق و التيسر له، و هذه خلة تفسد بها آداب الرعية، و تنقص بها أموال الملك، فاحذر ذلك، و عاقب الملتجئين و الملجأ إليهم.
الترجمة
سپس در كارهاى كارمندان و عمال خود بنگر و از روى امتحان و آزمايش آنان را بكار بگمار و بمحض دلخوشى و احسان به آنها يا خويش و اظهار خصوصيت با آنها كارگزارشان مكن، زيرا آنها مجموعهاى از تيرههاى جور و ستم و خيانتند.
از ميان آنان اهل تجربه و مردم آبرومند را انتخاب كن، كسانى كه از خانواده هاى خوب و پيشقدم در اسلام هستند و پيشرو بودند، زيرا كه آنان:
1- اخلاقى گرامى تر و اصيلتر دارند.
2- آبروى آنها نيالوده و محفوظ و بابروى خود علاقه دارند.
3- كمتر پيرامون طمع و جلب منافع مى گردند.
4- در عواقب امور و دنباله كارها نظرى رساتر و عميقتر دارند و ملاحظه عاقبت كار خود را بهتر مى كنند.
سپس حقوق و ارزاق مكفي بدانها بده زيرا وفور معيشت مايه اصلاح نفوس آنها است و سبب بى نيازى آنان از تصرف در اموالى كه زير دست آنها است مى شود و وسيله اتمام حجت بر آنها مى گردد در صورتى كه از دستور تو سرپيچند و در امانتت خيانت ورزند.
سپس كارهاى آنان را زير نظر بگير و ديده بانهاى درست و وفادار بر آنها بگمار، زيرا بازرسى پنهانى تو از كارهاى آنان موجب تشويق آنها است بر امانتدارى و خوشرفتارى با رعيت، معاونان خود را خوب بپا و اگر از آنها كسى دست بخيانت گشود و مورد اتفاق نظر خبر گزاران و ديدهبانان گرديد و گواهى آنانرا در باره
اثبات جرمش كافي دانستى او را زير تازيانه مجازات بكش و مسئول كار خودش بشناس و در معرض خوارى در آور و داغ خيانت بر پيشانى او بنه و جامه ننگين تهمت را در بر او كن.
از وضع خراج و در آمد املاك بازرسى كن بوجهى كه مايه بهبود خراجگزاران باشد، زيرا در بهبود امر خراج و بهبود حال خراجگزاران بهبود حال ديگران نهفته است و ديگران را جز بدانها بهبودى حال ميسر نيست، زيرا همه مردم نانخوران خراجند و خراجگزاران، و بايد توجه تو بابادى زمين بيشتر باشد از توجه بجلب خراج، زيرا خراج جز از زمين آباد بدست نيايد و هر كس آباد نكرده خراج خواهد شهرستانها را ويران و بندگان خدا را نابود سازد و جز اندك زمانى كارش درست نيايد.
اگر زارعان و دهقانان شكايت كردند از فزونى و گرانى مقدار خراج يا از آفت در زراعت يا قطع آب يا كمى باران يا دگرگونى و فساد زمين زراعت و درخت بواسطه آنكه سيل آنرا غرق كرده يا تشنگى بدان زيان رسانيده خراج آنها را تا حدى كه مايه بهبود حالشان باشد تخفيف بده و اين تخفيف كه مايه كمك بدانها است بر تو گران نيايد زيرا:
1- اين ذخيره و پس اندازيست در ملك كه بوسيله آباد كردن بلاد تو بتو برمي گردد.
2- سبب زيور و آرايش حكمرانى تواست.
3- مايه جلب ستايش آنان و شادمانى تو بانتشار عدالت در باره آنها است در حالى كه بفزونى نيروى آنها اعتماد دارى بدانچه براى آنها ذخيره كردى و فراهم آوردى و جلب اعتماد آنها را بخود نمودى بوسيله آنكه آنها را بعدالت گسترى خود معتاد ساختى و با نرمش با آنها معامله كردى.
بعلاوه بسا باشد كه براى تو پيشامدى رخ دهد و گرفتارى پيش آيد و چون تو با آنها احسان كردى و خوشرفتارى نمودى و اعتماد آنها را جلب كردى در دنبال آن هر تقاضا را با طيب خاطر پذيرا شوند و بتو هر گونه كمك و مساعدت را از روى رضا و رغبت تقديم دارند.
بابادانى هر چه بار نهى بار مىكشد و همانا ويرانى سرزمينها زائيده ندارى و بى وسيلهاى أهل آن سرزمين است آيا ندارى و بيچارگى مردم از كجا ناشى مى شود؟
از توجه كارگزاران بجمع مال دنيا و ربودن دسترنج مردمان براى بدبينى آن كارگزاران نسبت به بقاء آنان بر سر كار خود و بواسطه كم عبرت گرفتن آنها از آنچه براى مردم با ايمان و با بصيرت مايه عبرتست.
الفصل الثامن من عهده عليه السلام
ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم، و اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك و أسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملإ، و لا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك، و إصدار جواباتها على الصواب عنك فيما يأخذ لك و يعطي منك، و لا يضعف عقدا اعتقده لك، و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الامور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل، ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك و استنامتك و حسن الظن منك، فإن الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم و حسن خدمتهم [حديثهم] و ليس وراء ذلك من النصيحة
و الأمانة شيء، و لكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا، و أعرفهم بالأمانة وجها، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله و لمن وليت أمره، و اجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها، و لا يتشتت عليه كثيرها، و مهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.
اللغة
(كتاب) جمع كاتب: من يتولي ديوان المكاتبات، (مكائد): جمع مكيدة: تدبير سري تجاه العدو، (لا تبطره): و قد تكرر في الحديث ذكر البطر و هو كما قيل: سوء احتمال الغنى و الطغيان عند النعمة و يقال: هو التجبر و شدة النشاط، و قد بطر بالكسر يبطر بالفتح- مجمع البحرين-.
(الملأ): قيل: الملأ جماعة من الناس يملئون العين و القلب هيبة، و قيل:
هم أشراف الناس و رؤساؤهم الذين يرجع إلى قولهم، (العقد): المعاهدة في أمر بين اثنين، (الفراسة) بالكسر الاسم من قولك تفرست فيه خيرا، و هي نوعان أحدهما ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون بعض أحوال الناس بنوع من الكرامات و إصابة الحدس و الظن و هو ما دل عليه ظاهر الحديث: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله، و ثانيهما نوع يعلم بالدلائل و التجارب، (استنام) إلى كذا: سكن إليه، (تغابيت) عنه: تغافلت عنه.
الاعراب
ممن لا تبطره: من للتبعيض، بحضرة ملأ: متعلق بقوله فيجترئ، فيما يأخذ: لفظة ما موصولة و ما بعدها صلتها و العائد محذوف، وراء ذلك، ظرف مستقر خبر ليس قدم على اسمها و هو شيء، بما ولوا: يجوز أن تكون ما مصدرية:
أى بالولاية التي ولوها و العائد محذوف على أي تقدير، كان في العامة: اسم كان مقدر فيه و في العامة ظرف مستقر خبر له، و أثرا تميز من قوله عليه السلام لأحسنهم ألزمته: جزاء قوله عليه السلام: مهما كان.
المعنى
من أهم النظامات الرئيسية في الدول الراقية و المتمدنة نظام الديوان و الكتاب، فقد اهتم به الملوك و الرؤساء من عهد قديم و تمثل في النظام الاسلامي في عهد النبي صلى الله عليه و آله في كتابة آى القرآن، و قد دار حول النبي في هذا العصر مع ندرة الكاتب في الامة العربية الاميين اثنى عشر كاتبا يوصفون بكتاب الوحى يرأسهم مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، و قد اهتم النبي صلى الله عليه و آله بتوفير الكتاب في الجامعة الإسلامية حتى جعل فداء أسرى الحروب الكاتبين تعليم الكتابة لعشر نفر من المسلمين، و كان علي عليه السلام هو الكاتب المخصوص للنبي صلى الله عليه و آله يتولي كتابة العهود و المواثيق بينه و بين الناس في مواقف كثيرة على الأكثر: منها كتابه عهد الصلح بين المسلمين و قبائل اليهود الساكنين حول المدينة في صدر الهجرة، كما في سيرة ابن هشام «ص 301 ج 1 ط مصر».
قال ابن إسحاق: و كتب رسول الله صلى الله عليه و آله كتابا بين المهاجرين و الأنصار و وادع فيه يهود و عاهدهم و أقرهم على دينهم و أموالهم و شرط عليهم و اشترط لهم.
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه و آله بين المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم «و» فلحق بهم و جاهد معهم إنهم امة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم و هم يفدون عانيهم بالمعروف و القسط بين المؤمنين و بنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى و كل طائفة تفدى عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين و بنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى و كل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين و بنو النجار على ربعتهم- إلى أن قال: و أنه من تبعنا من يهود فإن له النصر و الأسوة غير مظلومين و لا متناصرين عليهم- إلخ.
و هو عهد تاريخي غزير اللفظ و المعنى، و لم يصرح في السيرة باسم الكاتب و لكن الظاهر أنه علي بن أبي طالب عليه السلام- فتدبر.
و منها العهد التاريخي المنعقد بينه صلى الله عليه و آله مع قريش في واقعة الحديبية حيث منع قبائل قريش مكة عن دخول المسلمين مكة المكرمة لأداء العمرة و صدوهم في وادي حديبية و عرضوهم للحرب، فامتنع النبي صلى الله عليه و آله عن إثارة حرب في هذه الواقعة و تردد بينه و بين قريش عدة من الرجال حتى تمكن سهيل بن عمرو من عقد صلح بين النبي صلى الله عليه و آله مع قريش في ضمن شروط هامة ثقيلة على المسلمين و تولى علي عليه السلام كتابة هذا العهد، كما في سيرة ابن هشام «ص 216 ج 2 ط مصر»:
قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا أعرف هذا و لكن اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: اكتب باسمك اللهم، فكتبها، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو قال: فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم اقاتلك و لكن اكتب اسمك و اسم أبيك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و آله اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو و اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس و يكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم و من جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه و أن بيننا عيبة مكفوفة و أنه لا إسلال و لا إغلال و أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد و عهده دخل فيه و من أحب أن يدخل في عقد قريش و عهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش و عهدهم و أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة و أنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها- إلى أن قال: في بيان شهود الكتاب:
و علي بن أبي طالب و كتب و كان هو كاتب الصحيفة.
و قد بين عليه السلام في هذا الفصل نظام الديوان و ألقاب الكتاب اللائقين الأنجاب و نظم أمر الديوان و الكتاب في مباحث قيمة.
1- في شخصية الكاتب من الوجهة الأخلاقية و رعاية الأمانة و الصداقة و لم يتعرض عليه السلام لما يلزم في الكاتب من الوجهة الفنية و ما يجب عليه من تعلم الخط و تحصيل درجات علمية ليتمكن من الاشتغال بكتابة الديوان العالي لأنه معلوم بالضرورة لمن يعرض نفسه لهذا المنصب العالي فشغل الكتابة في ديوان رسمي يحتاج في عصرنا هذا إلى شهادة إتمام تحصيلات الدورة المتوسطة مضافا إلى ما يلزم له من التعلم الخصوصي لفن الكتابة و الفوز بجودة الخط.
و قد لخص الوصف العام للكاتب بقوله عليه السلام (فول على امورك خيرهم) قال ابن ميثم: و تفسير الخير هنا هو من كان تقيا قيما بما يراد منه من مصالح العمل.
أقول: كأنه غفل عن معنى التفضيل المصرح به في قوله عليه السلام: خيرهم.
قال في الشرح المعتزلي:
فصل في الكتاب و ما يلزمهم من الاداب
و اعلم أن الكاتب الذي يشير أمير المؤمنين عليه السلام إليه هو الذي يسمى الان في الاصطلاح العرفي وزيرا، لأنه صاحب تدبير حضرة الأمير، و النائب عنه في اموره و إليه تصل مكتوبات العمال و عنه تصدر الأجوبة، و إليه العرض على الأمير، و هو المستدرك على العمال، و المهيمن عليهم، و هو على الحقيقة كاتب الكتاب، و لهذا يسمونه الكاتب المطلق.
أقول: الوزارة منصب ممتاز عن الكتابة في عصرنا هذا و أظن أنه كان ممتازا في العصور السابقة، و إن كان الوزير يشتغل بالكتابة و إنشاء ما يهم من الكتب في بعض الأزمان، و في بعض الأحيان إلا أنه لا يدل على كون الكاتب هو الوزير، فقد كان في عهد هارون و مأمون يصدر التوقيعات الهامة في الامور
العامة المرتبطة بدار الخلافة بقلم يحيى بن خالد البرمكي و ابنه جعفر و فضل و لهم مقام الوزارة في ديوان الخلافة إلا أنه لم يعهد توصيفهم بالكاتب في كتب السير و التواريخ.
قال: و كان يقال للكاتب على الملك ثلث: رفع الحجاب عنه، و اتهام الوشاة عليه، و إفشاء السر لديه.
2- في تقسيم الكتاب إلى درجات و طبقات:
فمنهم كاتب السر، فأوصى فيه بأن يكون أجمع الكتاب للأخلاق الصالحة و لا يكون خفيف المزاج فيسوء فيه أثر خلواته مع الوالي و توديعه أسراره لديه فيعتريه البطر و الطغيان على الوالي فيجترئ عليه بإظهار الخلاف و الأنانية في المحضر الحافل بالأشراف و الرؤساء و الامراء فيهون الوالي بجرأته عليه و يضعف قدره عند الملأ.
و منهم كاتب الديوان العام الذي يرد عليه مكاتبات العمال و يتكلف جوابها فيوصي عليه السلام فيه أن يكون حافظا يقظا لا يسامح في اصدار جواب هذه الكتب على وجه الصواب سواء فيما يتعلق بأخذ الخراج و العوائد أو ما يتعلق باعطاء الرواتب و المصارف، فيضبط ذلك كله ليتمكن الوالى من النظر في الواردات و الصادرات.
و أن يكون فطنا ليقا في تنظيم مواد العهود و العقود بين الوالي و غيره من أصناف الرعايا أو الأجانب، و هذا أمر يحتاج إلى بصيرة فائقة و فطنة وقادة يقتدر صاحبها إلى تنظيم مواد المعاهدة محكمة غير مبهمة بحيث لا يمكن لطرف المعاهدة أن يجعل بعض جملها مبهمة و يفسرها على ما يريد كما أنه يحتاج التخلص عن المسئولية تجاه مقررات العهود إلى بصيرة و حسن تعبير عبر عليه السلام بقوله (و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك).
و اشترط في الكاتب أن يعرف قدره و يقف عند حده في إعمال النفوذ لدى الوالي و لا يغتر بصحبته مع الوالي و مجالسته معه لأداء ما يجب عليه من شغله في إنهاء الرسائل إليه و أخذ الإمضاء منه في جوابها فلا يحسب هذا الحضور و المجالسة التي يقتضيها شغله دلالا على الوالي فيطير فوق قدره.
ثم نبه على أن انتخاب الكتاب و انتصابهم في هذا الشغل الهام لا بد و أن يكون معتمدا على اختبار كامل في صلاحيتهم و لا يكتفي في إثبات لياقتهم بمجرد الحدس و الفراسة و حسن الظن الناشي عن التظاهر بالإخلاص و تقديم الخدمة لأن الرجال أهل تصنع و تظاهر ربما يغتر الوالي بهما و هم خلو من الاخلاص في الباطن.
و بين عليه السلام أن الدليل على صلاحيتهم سابقتهم في تولي الكتابة للصالحين قبل ذلك مع حسن أثرهم في نظر العامة و عرفان أمانتهم عند الناس.
ثم أشار إلى تفنن أمر الكتابة و وجوهها المختلفة فأمر بأن يجعل لكل من الامور رئيسا لائقا من الكتاب الماهرين في هذا الفن بحيث لا يقهره مشكل ورد عليه و لا يعجز عن الإدارة إذا تكثرت الواردات عليه، و نبه على أنه من الواجب الفحص عن صحة عمل الكتاب و عدم الغفلة عنهم فلو غفل عنهم و تضرر الناس منهم كان تبعته على الوالي و هو مسئول عنه.
و نذكر هنا وصية صدرت من ابرويز إلى كاتبه نقلا عن الشرح المعتزلي «ص 81 ج 17 ط مصر».
و قال أبرويز لكاتبه: اكتم السر، و اصدق الحديث، و اجتهد في النصيحة و عليك بالحذر، فان لك على أن لا اعجل عليك حتى أستأني لك، و لا أقبل فيك قولا حتى أستيقن، و لا أطمع فيك أحدا فتغتال، و اعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطها و في ظل مملكة فلا تستزيلنه، قارب الناس مجاملة من نفسك، و باعدهم مسامحة عن عدوك، و اقصد إلى الجميل ازدراعا لغدك و تنزه بالعفاف صونا لمروءتك، و تحسن عندي بما قدرت عليه، احذر لا تسرعن الألسنة عليك، و لا تقبحن الاحدوثة عنك، و صن نفسك صون الدرة الصافية، و أخلصها خلاص الفضة البيضاء و عاتبها معاتبة الحذر المشفق، و حصنها تحصين المدينة المنيعة، لا تدعن أن ترفع إلى الصغير فانه يدل على الكبير، و لا تكتمن عنى الكبير فإنه ليس بشاغل عن الصغير، هذب امورك، ثم القنى بها، و احكم أمرك، ثم راجعنى فيه، و لا تجترئن على فامتعض، و لا تنقبضن مني فأتهم، و لا تمرضن ما تلقاني به و لا تخدجنه، و إذا أفكرت فلا تعجل، و إذا كتبت فلا تعذر، و لا تستعن بالفضول فإنها علاوة على الكفاية، و لا تقصرن عن التحقيق فانها هجنة بالمقالة، و لا تلبس كلاما بكلام، و لا تبعدن معنى عن معنى، و اكرم لي كتابك عن ثلاث:
خضوع يستخفه، و انتشار يهجنه، و معان تعقد به، و اجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، و ليكن بسطة كلامك على كلام السوقة كبسطة الملك الذي تحدثه على الملوك، فاجعله عاليا كعلوه، و فائقا كتفوقه، فانما جماع الكلام كله خصال أربع: سؤالك الشيء، و سؤالك عن الشيء، و أمرك بالشيء، و خبرك عن الشيء، فهذه الخصال دعائم المقالات، إن التمس إليها خامس لم يوجد، و إن نقص منها واحد لم يتم، فاذا أمرت فأحكم، و إذا سألت فأوضح، و إذا طلبت فأسمح و إذا أخبرت فحقق، فانك إذا فعلت ذلك أخذت بجراثيم القول كله، فلم يشتبه عليك واردة، و لم تعجزك صادرة، أثبت في دواوينك ما أخذت، احص فيها ما أخرجت، و تيقظ لما تعطى، و تجرد لما تأخذ، و لا يغلبنك النسيان عن الاحصاء و لا الاناة عن التقدم، و لا تخرجن وزن قيراط في غير حق، و لا تعظمن إخراج الالوف الكثيرة في الحق، و ليكن ذلك كله عن مؤامرتي.
الترجمة
سپس در حال كاتبان آستانت نظر كن و كارهايت را به بهترين آنان بسپار و نامه هاى محرمانه و حاوى تدبيرات خود را مخصوص كسى كن كه:
1- بيشتر از همه واجد اخلاق شايسته و نيك باشد.
2- احترام و مقام مخصوص نزد تو او را مست و بيخود نسازد تا در حضور بزرگان و سروران با تو اظهار مخالفت كند و نسبت بتو گستاخى و دليرى كند.
3- غفلت و مسامحه كارى مايه كوتاه آمدن او از عرض نامههاى عمال تو
بر تو و صدور پاسخهاى درست آنها نگردد چه در باره آنچه براى تو دريافت مىشود و چه در باره آنچه از طرف تو پرداخت مىگردد.
4- عهد نامهاى كه براى تو تنظيم ميكند سست و شكننده نباشد، و از آزاد كردن تو از قيد مقررات عهدنامهها بوسيله تفسيرهاى پذيرفته عاجز نماند.
5- باندازه خود و حدود مداخله او در كارها نادان و نفهميده نباشد زيرا كسى كه اندازه خود را نداند باندازه و قدر و مرتبه ديگران نادانتر باشد.
سپس بايد انتخاب و انتصاب آنان در مقام منيع كاتبان متكى بخوشبيني و دلباختگى و خوش گمانى تو نباشد زيرا مردان زرنگ راه جلب فراست و خوشبينى واليان را بوسيله ظاهر سازى و تظاهر بخوش خدمتى خوب مىشناشند، در صورتى كه در پس اين ظاهر سازى هيچ اخلاص و حقيقتى وجود ندارد و ليكن بايد آنها را بوسيله تصدى كارهاى مربوطه براى نيكان پيش از خود بيازمائى، و هر كدام نزد عموم مردم خوش سابقهتر و بأمانت دارى معروفترند بر گزينى كه اين خود دليل است بر اين كه نسبت به پروردگار خود بكسى كه از جانب او متصدى ولايت و فرمانگزارى شدى خير انديشى كردى.
و بايد براى هر نوعى از كارهاى خود رئيسى براى دفتر مربوطه انتخاب كنى كه كارهاى مهم او را مقهور و درمانده نسازند و كارهاى بسيار او را پريشان نكنند، و بايد بدانى هر عيبى در كاتبان تو باشد و مايه زيان گردد تو خود مسئول آنى.
الفصل التاسع من عهده عليه السلام
ثم استوص بالتجار و ذوي الصناعات و أوص بهم خيرا، المقيم منهم و المضطرب بماله، و المترفق ببدنه [بيديه]، فإنهم مواد المنافع، و أسباب المرافق، و جلابها من المباعد و المطارح في برك و بحرك، و سهلك و جبلك، [و] حيث لا يلتئم الناس لمواضعها، و لا يجترءون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته، و صلح لا تخشى غائلته، و تفقد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك و اعلم- مع ذلك- أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، و شحا قبيحا، و احتكارا للمنافع، و تحكما في البياعات، و ذلك باب مضرة للعامة، و عيب على الولاة، فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله- صلى الله عليه و آله- منع منه، و ليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به، و عاقبه في غير إسراف.
اللغة
(المضطرب بماله): التاجر الذي يدور بماله من بلد إلى بلد للكسب، (جلاب) جمع جالب، (المطارح) جمع مطرح: الأرض البعيدة، (البائقة):
الداهية، (الغائلة): الشر، (حواشي البلاد)، أطرافها، (الشح)، البخل مع حرص فهو أشد من البخل لأن البخل في المال و هو في مال و معروف تقول: شح يشح من باب قتل و في لغة من باب ضرب و تعب فهو شحيح- مجمع البحرين.
(الاحتكار): حبس المنافع عن الناس عند الحاجة إليها، (التحكم في البياعات): التطفيف في الوزن و الزيادة في السعر، (السمحة) بفتح فسكون أى السهلة التي لا ضيق فيها و لا حرج و سمح به يسمح بفتحتين سموحا و سماحا و سماحة أي جاد، (قارف): قارف الذنب و غيره إذا داناه و لا صقه و إن شئت إذا أتاه و فعله- مجمع البحرين.
الاعراب
استوص بالتجار: مفعوله محذوف: أى أوص نفسك بذلك، أوص بهم خيرا حذف مفعوله: أى أوص عما لك، المقيم: بدل أو عطف بيان للضمير في بهم و المضطرب عطف عليه، المترفق ببدنه، بيان لقوله ذو الصناعات، فانهم سلم: أى اولو سلم فحذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه للمبالغة و الضمير في بائقته يرجع إلى السلم باعتبار اولى السلم، و هكذا الكلام في قوله صلح- إلخ.
في كثير منهم ظرف مستقر خبر إن، البياعات جمع بياع مصدر بايع أي المبايعات، عيب على الولاة عطف على قوله باب مضرة، بيعا مفعول مطلق نوعي بموازين عدل: جار و مجرور متعلق بقوله بيعا، و أسعار عطف على قوله موازين، من البائع من بيانية.
المعنى
انتقل عليه السلام بعد تنظيم الحكومة إلى الاجتماع و ما يصلح به أمر الامة و ركنه التجارة و الصناعة، و التجارة شغل شريف حث عليها في الشرع الاسلامي لكونها وسيلة لتبادل الحاصلات الأولية و التوليدات الصناعية، و هذا التبادل ركن الحياة الاجتماعية و نظام الحيوية المدنية، و قد ورد أخبار كثيرة في مدح التجارة و الترغيب إليها ففي الخبر أنه تسعة أعشار الرزق في التجارة و واحدة في سائر المكاسب.
قال في الوسائل في مقدمات كتاب التجارة: و بإسناده عن روح عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: تسعة اعشار الرزق في التجارة.
و روى بسنده عن عبد المؤمن الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: البركة عشرة أجزاء: تسعة أعشارها في التجارة و العشر الباقي في الجلود. قال الصدوق: يعني بالجلود الغنم.
و بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: تعرضوا للتجارات فإن لكم فيها غنى عما في أيدى الناس، و إن الله عز و جل يحب المحترف الأمين المغبون غير محمود و لا مأجور.
و بإسناده عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن محمد الزعفراني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من طلب التجارة استغنى عن الناس، قلت: و إن كان معيلا؟ قال: و إن كان معيلا إن تسعة أعشار الرزق في التجارة.
و بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التجارة تزيد في العقل.
و بالإسناد عن علي بن الحكم، عن أسباط بن سالم، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسألنا عن عمر بن مسلم ما فعل؟ فقلت: صالح و لكنه قد ترك التجارة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: عمل الشيطان- ثلاثا- أما علم أن رسول الله صلى الله عليه و آله اشترى عيرا أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضى دينه و قسم في مراتبه، يقول الله عز و جل «رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله- إلى آخر الاية 37- النور» يقول القصاص: إن القوم لم يكونوا يتجرون، كذبوا و لكنهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها و هم أفضل ممن حضر الصلاة و لم يتجر.
و الأخبار في هذا الموضوع كثيرة مستفيضة، و كفى في فضل التجارة أنها كانت شغل النبي صلى الله عليه و آله قبل أن يبعث نبيا، و قد سافر إلى الشام في التجارة مع عمه أبي طالب و هو غلام لم يبلغ الحلم، ثم صار عاملا لخديجة بنت خويلد و سافر إلى الشام للتجارة مرة اخرى، و قد أعجبت خديجة أمانته و كفايته فطلبت منه أن يزوجها.
و الظاهر من حديث أسباط بن سالم الانف الذكر أنه لم يدع الاشتغال بها بعد البعثة و تحمل أعباء النبوة، كما يستفاد ذلك من تعيير قريش له بقولهم:
«ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق- كما في الاية 7 من سورة الفرقان».
و قد وصف عليه السلام التجار بما لا مزيد عليه من خدمتهم في الاجتماع الانساني و حمايتهم المدنية البشرية فقال:
1- (و المضطرب بماله) أى من يجعل ماله متاعا يدور به في البلاد البعيدة يقطع المفاوز و يعرض نفسه للأخطار ليصل حوائج كل بلد إليه.
2- فانهم مواد المنافع و أسباب المرافق.
قد اهتم الدول الراقية و الشعوب المتقدمة في هذه العصور بأمر التجارة و أدركوا حقيقة ما أفاده عليه السلام في هذه الجملة القصيرة قبل قرون طويلة من أن التجارة مواد المنافع، و قد أبلغ عليه السلام في إفادة ما للتجارة من الأهمية في أمر الاقتصاد حيث جاء بكلمة المواد جمعا مضافا مفيدا للعموم، و بكلمة المنافع جمعا معرفا باللام مفيدا للاستغراق، فأفاد أن كل مادة لكل منفعة مندرج في أمر التجارة، فالتجارة تحتاج إلى ما يتجر به من الأمتعة و إلى سوق تباع تلك الأمتعة، ثم يؤخذ بدلها متاعا آخر و يبدل بمتاع آخر فيستفاد من هذه المبادلات كلها أرباحا.
و قد بلغ أهمية التجارة في هذه القرون المعاصرة إلى حيث صارت محورا للسياسة العامة للدول العظمى فكانوا يبحثون عن الاراضي التي يحصل منها مواد نافعة كالمعادن الغزيرة من النفط و الذهب و الفضة و المحاصيل الزراعية التي تصرف في صناعة النسج و غيرها، ثم ينقلونها إلى بلادهم و يصنعون منها أنواع الأمتعة التي يحتاج إليها كل شعب من الشعوب، و يبحثون عن الأسواق التي يصرف منها هذه المصنوعات، فصارت هذه المنافع التجارية أساسا لسياسة الدول و مثارا للحروب الهائلة و مدارا للمعاملة مع الشعوب، تحيلت الدول العظمي في الحيلولة بين الشعوب المتأخرة ذات المواد الصالحة للصنعة كالنفط و أنواع المعادن و المحاصيل الزراعية المتحولة إلى المنسوجات، و بين الرقي و التقدم في أمر الصنعة و العلم بادارة المكائن الصناعية.
و قد ابتلت امة ايران و شعبها بهذه العرقلة السياسية و المكيدة الحيالة منذ قرون و سلطت على معادنها و منافعها و أسواقها دول حيالة عظمى دبرت تأخرها في أمر الصناعة منذ قرون، و قد غفلت امة ايران و شعبها بل الامم الاسلامية كلهم من هذه الجملة من كلام مولانا أمير المؤمنين في أمر التجار (فإنهم مواد المنافع و أسباب المرافق).
و قد كان التجارة العالمية في القرون المزدهرة الاسلامية أيام الخلفاء العباسيين الاول في يد المسلمين، فكانوا يجوبون البحار و البراري شرقا و غربا في جميع القارات بوسيلة السفن الأرياحية الخطيرة و يحملون أنواع الأمتعة إلى تلك البلاد البعيدة و الجزر النائية و يبدلونها بما في هذه البلاد و الجزر البحرية من أنواع المحاصيل و النقود و يزرعون العقائد الإسلامية في قلوب أهاليها، فنحن نعلم الان في رسوخ الإسلام إلى بلاد نائية و قارات متنائية كإفريقيا و جزائر أندونوسيا و أبعد منها، و كان المبلغون الأولون للاسلام في هذه البلاد البعيدة حتى الصين و اليابان هم تجار المسلمين الأبطال في القرون الزاهية الاسلامية، فكانوا يدخلون تلك البلاد و يخالطون أهلها تجارا سالمين و يحببون إليهم الإسلام بأعمالهم الإسلامية النيرة الجاذبة، فيعمل الإسلام فيهم كجهاز حي نشيط يتوسع و ينمو حتى بلغ أهل الإسلام في جميع الأصقاع ماة ملايين، و هذا أهم المنافع التجارية التي نالها المسلمون في عصور نشاطهم و تقدمهم، و هذا أحد الأسرار المخزونة في قوله عليه السلام:فإنهم مواد المنافع و أسباب المرافق.
و قد نبه عليه السلام إلى أن الروابط التجارية تفيد الشعوب و عامة البشرية من جهة أنها سبب استقرار السلم و الصلح بين أفراد الامة و بين الشعوب فقال عليه السلام (فانهم سلم لا تخاف بائقته و صلح لا تخشى غائلته) فيا لها من جملة ذهبية حية في هذه القرون المعاصرة، و في القرن العشرين العطشان لاستقرار الصلح العالمي و السلم العام بين الشعوب.
فالرابطة التجارية المبنية على تبادل المنافع و الحوائج تكون ودية و أخوية دائما و هذا هو أساس الوداد العقلاني الصادق الثابت فإن المتبادلين للحوائج و المنافع يحب كل منهما الاخر لأن حب أحدهما للاخر يرجع إلى حب الذات الذى هو الحب الثابت للانسان، فان الانسان يحب ذاته قبل كل شيء فحبه لذاته ذاتي و يحب كل شيء لحبه بذاته حبا عرضيا بواسطة في الثبوت أو العروض، فالرابطة التجارية سواء كانت بين فردين أو شعبين أو شعوب شتى رابطة ودية سلمية نافرة للحرب و التنازع، فالشعوب المحبة للسلام ساعون لبسط التجارة الحرة الداعية إلى الود و التفاهم المتبادل، فإن كل أحد يحب من يقضى حاجته و ينفعه، و الحب الزواجي الذي هو أساس تزويج ثابت لا بد و أن يرجع إلى هذا المعنى و يدرك كل من الزوجين أن الاخر يتبادل معه قضاء الحوائج و تبادل المنافع.
و أما الحب الغريزي القائم بين الام و ولدها فلا يصح أن يكون مبدءا للمعاهدات و العقود، و هو الذي يعبر عنه بالعشق في لسان الأدب و الشعر، و هو حب كاذب خارج عن تحت الارادة و الادارة و أحسن ما عبر عنه ما نقل عن الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا في تعريف العشق من أنه: مرض سوداوى يزول بالجماع و السفر و يزيد بالفكر و النظر.
و الشعوب المحبة للسلام في عالم البشرية يسعون وراء عقد روابط تجارية حرة مع الشعوب الاخرى مبنية على تبادل المنافع و الحوائج و يسعون وراء التجارة بالتهاتر أى تبادل الحاجيات بنوع آخر منها و لا تقيدون بيوعهم بأخذ النقود، فالتجارة الحرة تكون أساسا للسلم بين الشعوب كما أشار إليه عليه السلام بقوله (فإنهم سلم لا تخاف بائقته و صلح لا تخشى غائلته) و قد فسر البائقة بالداهية فيفيد أن التجارة الحرة ليس فيها دهاء و مكر و قصد سوء من قبيل الاستعمار و التسلط و صلح ليس ورائه مضرة و هلاك.
و أمر عليه السلام بتفقد أحوال التجار و النظارة عليهم تكميلا لتوصيته لهم بالخيرو الحماية لرؤوس أموالهم عن التلف و السرقة بأيدى اللصوص، و هذه توصية بإقرار الأمن في البلاد و في طرق التجارة بحرا و برا، و قد التفت الامم الراقية إلى ذلك فاهتموا باستقرار الأمن في البلاد و الطرق، و في حفظ رءوس الأموال التجارية عن المكائد و الدسائس المذهبة لها، فقال عليه السلام: (تفقد امورهم بحضرتك) أى في البلد، (و في حواشي بلادك) أي في الطرق و الأماكن البعيدة.
ثم نبه عليه السلام إلى خطر في أمر التجارة يتوجه إلى عامة الناس المحتاجين في معاشهم إلى شراء الأمتعة من الأسواق، و هو خلق الشح و طلب الادخار و الاستكثار من المال الكامن في طبع الكثير من التجار، فانه يؤول إلى الاستعمار و التسلط على اجور الزراع و العمال إلى حيث يؤخذون عبيدا و أسرى لأصحاب رءوس الأموال فوصفهم بقوله عليه السلام: (أن في كثير منهم):
1- (ضيقا فاحشا) أى حبا بالغا في جلب المنافع و ازدياد رقم الأموال المختصة به ربما يبلغ إلى الجنون و لا يقف بالملايين و المليارات.
2- (و شحا قبيحا) يمنع من السماح على سائر الأفراد بما يزيد على حاجته بل بما لا يقدر على حفظه و حصره.
3- (و احتكارا للمنافع) بلا حد و لا حساب حتى ينقلب إلى جهنم كلما قيل لها: هل امتلئت؟ يجيب: هل من مزيد؟
4- (و تحكما في البياعات) أى يؤول ذلك الحرص الجهنمي إلى تشكيل الشركات و الانحصارات الجبارة فيجمعون حوائج الناس بمكائدهم و قوة رءوس أموالهم و يبيعونها بأى سعر أرادوا و بأي شروط خبيثة تحفظ مزيد منافعهم و تقهر الناس و تشدد سلاسل مطامعهم و مظالمهم على أكتافهم و استنتج عليه السلام من ذلك مفسدتين مهلكتين:
الف- (باب مضرة للعامة) و أى مضرة أعظم من الأسر الاقتصادي في أيدي ثعابين رءوس الأموال.
ب- (و عيب على الولاة) و أي عيب أشنأ من تسليم الامة إلى هذا الأسر المهلك.
فشرع عليه السلام لسد هذه المفاسد، المنع من الاحتكار للمنافع، فنلفت نظر القراء الكرام إلى أن الاحتكار على وجهين.
1- احتكار الأجناس و هو موضوع بحث الفقهاء في باب البيع حيث حكموا بحرمة الاحتكار أو كراهته على خلاف بين الفقهاء، فقد عده المحقق في المختصر النافع في المكروهات فقال بعد عد جملة منها: و الاحتكار، و قال صاحب الرياض في شرحه: و هو حبس الطعام، كما عن الجوهري أو مطلق الأقوات يتربص به الغلاء للنهى عنه في المستفيضة.
منها الصحيح، إياك أن تحتكر، المعتبر بوجود فضالة المجمع على تصحيح رواياته في سنده فلا يضر اشتراك راويه بين الثقة و الضعيف، و على تقدير تعينه فقد ادعى الطوسى الإجماع على قبول روايته، و لذا عد موثقا و ربما قيل بوثاقته، و فيه: لا يحتكر الطعام إلا خاطئ، و لذا قيل: يحرم، كما عن المقنع و المرتضى و الحلي و أحد قولي الحلبي و المنتهى و به قال في المسالك و الروضة، و لا يخلو عن قوة- إلى أن قال: و إنما يكون الاحتكار الممنوع منه في خمسة:
الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و السمن، على الأشهر- إلى أن قال:
و قيل: كما عن المبسوط و ابن حمزة أنه يكون في الملح أيضا، و قواه في القواعد و المسالك و أفتى به صريحا في الروضة تبعا للمعته، و لعله لفحوى الأخبار المتقدمة لأن احتياج الناس إليه أشد مع توقف أغلب الماكل عليه- إلى أن قال: و إنما يتحقق الكراهة إذا اشتراه و استبقاه لزيادة الثمن مع فقده في البلد و احتياج الناس إليه و لا يوجد بايع و لا باذل مطلقا غيره، فلو لم يشتره بل كان غلته لم يكره كما عن النهاية للصحيح: الحكرة أن يشترى طعاما ليس في المصر غيره، و نحوه الخبر المتقدم عن المجالس لكنه ضعيف السند، و مع ذلك الشرط فيه كالأول يحتمل وروده مورد الغالب فالتعميم أجود، وفاقا للمسالك عملا بالاطلاق و التفاتا إلى مفهوم التعليل في الصحيح المتقدم: يكره أن يحتكر و الناس ليس لهم طعام- إلى أن قال: و يشترط زيادة على ما مر أن يستبقيه في زمان الرخص أربعين يوما و في الغلاء ثلاثة أيام، فلا حكرة قبل الزمانين في الموضعين لرواية ضعيفة عن المقاومة لما مر و تقييده قاصرة، و يجبر الحاكم المحتكر على البيع مع الحاجة إجماعا، كما في ب وقيح و كلام جماعة و هو الحجة مضافا إلى الخبرين في أحدهما أنه مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن يخرج في بطون الأسواق و حيث ينطلق الناس إليها.
و هل يسعر الحاكم السعر عليه حينئذ الأصح الأشهر لا، مطلقا وفاقا للطوسي و الرضي و الحلي و الشهيد الثاني للأصل و عموم السلطنة في المال، و خصوص الخبر:
لو قومت عليهم، فغضب صلى الله عليه و آله حتى عرف الغضب من وجهه فقال: أنا أقوم عليهم إنما السعر إلى الله تعالى يرفعه إذا شاء و يضعه إذا شاء.
خلافا للمفيد و الديلمي فيسعر عليه بما يراه الحاكم من المصلحة لانتفاء فائدة الإجبار لا معه لجواز الاجحاف في القيمة، و فيه منع انحصار الفائدة فيما ذكره مع اندفاع الاجحاف بما يأتي.
و لا بن حمزة و الفاضل و اللمعة فالتفصيل بين اجحاف المالك فالثاني، و عدمه فالأول، تحصيلا لفائدة الإجبار و دفعا لضرر الاجحاف، و فيهما نظر فقد يحصلان بالأمر بالنزول عن المجحف و هو و إن كان في معنى التسعر إلا أنه لا ينحصر على قدر خاص.
هذا خلاصة ما ذكره الفقهاء في باب الاحتكار نقلناه عن الرياض مزدوجا شرحه مع متن المختصر النافع للمحقق رحمه الله.
2- احتكار المنافع، كما عبر في كلامه عليه السلام و الظاهر أن احتكار المنافع التي عنونه عليه السلام غير الاحتكار المعنون في الفقه، و المقصود منه الحرص على أخذ الأرياح و المنافع من التجارات زائدا عن المقدار المشروع على الوجه المشروع بحيث يؤدي هذا الحرص و الولع إلى تشكيل الشركات و ضرب الانحصارات التي شاع في هذه العصور و مال إليه أرباب رءوس الأموال الهامة في الشركات النفطية و الانحصارات المعدنية و يدل على ذلك امور:
1- أنه عليه السلام جعل ثمرة الضيق الفاحش و الشح القبيح احتكار المنافع، و الاحتكار المعنون في الفقه هو احتكار الأجناس و الحبوبات المعينة، و الفرق بينهما ظاهر.
2- أنه عليه السلام عطف على قوله «احتكارا للمنافع» قوله «و تحكما في البياعات» و البياعات جمع معرف بالألف و اللام يفيد العموم، و الاحتكار الفقهي لا ينتج هذا المعنى بل التحكم في البياعات و التسلط على الأسواق معنى آخر ناش عن الانحصارات التجارية التي توجدها أرباب رءوس الأموال.
3- ما رواه في الوسائل بسنده عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن أحمد بن النضر، عن أبي جعفر الفزارى قال: دعا أبو عبد الله عليه السلام مولى يقال له مصادف فأعطاه ألف دينار و قال له: تجهز حتى تخرج إلى مصر فإن عيالي قد كثروا، قال: فتجهز بمتاع و خرج مع التجار إلى مصر، فلما دنوا من مصر استقبلتهم قافلة خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة و كان متاع العامة فأخبروهم أنه ليس بمصر منه شيء فتحالفوا و تعاقدوا على أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار دينارا، فلما قبضوا أموالهم انصرفوا إلى المدينة فدخل مصادف على أبي عبد الله عليه السلام و معه كيسان كل واحد ألف دينار فقال: جعلت فداك هذا رأس المال و هذا الاخر ربح، فقال: إن هذا الربح كثير و لكن ما صنعتم في المتاع؟ فحدثه كيف صنعوا و تحالفوا، فقال: سبحان الله تحلفون على قوم مسلمين أن لا تبيعوهم إلا بربح الدينار دينارا، ثم أخذ أحد الكيسين و قال: هذا رأس مالي و لا حاجة لنا في هذا الربح، ثم قال: يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال. و قد رواه بسندين آخرين مع اختلاف يسير.
أقول: يستفاد من هذا الحديث أن التجار أو جدوا في معاملتهم مع أهل مصر انحصارا و هم محتاجون على المتاع فأخذوا منهم مائة في المائة من الربح
فلما اطلع الإمام على عملهم لم يتصرف في هذا الربح لأنه مأخوذ من أرباب الحاجة إلى المتاع بالتحالف و إيجاد الانحصار الموضعي، و هذا هو عين ما يستعمله أصحاب الشركات و الانحصارات في هذا العصر و هو ما عبر عنه علي عليه السلام «باحتكار المنافع و التحكم في البياعات» فيستفاد من ذلك كله أن كبرى احتكار المنافع كبرى مستقلة، و مغايرة مع كبرى الاحتكار المعنون في الفقه، و أنه تشريع علوي كما أن المنع عن الاحتكار في الطعام تشريع نبوي.
فاحتكار المنافع في مورد تحالف الشركات و الانحصارات على أسعار معينة في الأمتعة فيخرج وضع السوق عن طبعه المبني على مجرد العرضة و التقاضا من دون مداخلة أمر آخر في ذلك، و حينئذ لا بد أن يداخل الحكومة و ينظر في أمر الأسعار و يعين للأجناس سعرا عادلا يوافق مقدرة الناس المحتاجين إلى هذه الأمتعة و يمنع التجار الانحصاريين عن الاجحاف بالناس في أسعارهم الناشئة عن أهوائهم و ولعهم بجمع الأموال و الإغارة على العمال و الزراع في مص دمائهم و أخذ اجورهم.
و أما الاحتكار الفقهي المبني على مجرد الامتناع عن بيع الأطعمة المدخرة انتظارا لارتفاع سعره فهو في مورد لا مداخلة لأرباب رءوس الأموال في السوق و كان السوق على طبعه العادى و السعر حينئذ ينطبق على مقتضى تقاضا المبتاعين و مقدار عرضة البايعين و هو السعر الذي يلهمه الله في قلوب أهل السوق فيتوافقون عليه كما في حديث الوسائل في أبواب الاحتكار بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه و آله، أنه مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق و حيث تنظر الأبصار إليها فقيل لرسول الله صلى الله عليه و آله:
لو قومت عليهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه و آله حتى عرف الغضب في وجهه فقال: أنا أقوم عليهم؟ إنما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء.
فقوله عليه السلام «فامنع من الاحتكار» يرجع إلى المنع عن احتكار المنافع و إيجاد الشركات الانحصارية و تعليله بأن رسول الله صلى الله عليه و آله منع الاحتكار يحتمل وجهين:
1- أنه أخذ عن رسول الله صلى الله عليه و آله المنع عن الاحتكار المطلق بحيث يشمل احتكار المنافع و احتكار الأطعمة، فنقله عنه دليلا على ما أمر به من المنع عن احتكار المنافع.
2- أنه ذكر منع رسول الله صلى الله عليه و آله عن احتكار الأطعمة تنظيرا و بيانا لحكمة التشريع مع أنه لا يحكم و لا يقول إلا ما علمه رسول الله صلى الله عليه و آله.
و قد تبين مما ذكرنا أن الحق في مسئلة حق تسعير الحاكم و عدمه، هو التفصيل بين ما إذا كان وضع السوق طبيعيا عاديا منزها عن مداخلة أرباب رءوس الأموال و أطماعهم فلا يجوز للحاكم تسعير الطعام أو المتاع الذى اجبر مالكه على عرضه للبيع و يرجع في السعر إلى طبع السوق الملهم من طبع العرضة و التقاضا.
و أما إذا كان السوق تحت نفوذ أرباب رءوس المال و مطامعهم و حملوا عليه الانحصارات الرأسمالية أو ما بحكمها فلا بد للحاكم من تعيين السعر العادل، كما قال عليه السلام «و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع».
الترجمة
سپس در باره بازرگانان و صنعتگران سفارش خواه باش، و در باره آنان بخوبى و رعايت حال سفارش، كن، چه بازرگانان صاحب بنگاه و اقامتگاه در شهر و روستا و چه بازرگانان دوره گرد كه سرمايه خود را بهمراه خود بهر شهر و ديار مى گردانند و آن صنعتگرانى كه با دسترنج خود وسيله آسايش ديگران را فراهم مى سازند، زيرا آنان مايه هاى سودهاى كلان و وسائل آسايش هم نوعانند و هر كالا را از سرزمينهاى دور دست و پرتگاهها بدست مى آورند، از بيابان تو و از درياى تو و از سرزمينهاى هموار تو و از كوهستانهايت و از آن جائى كه عموم مردم با آنها سرو كارى ندارند و رفت و آمدى نمى كنند و جرئت رفتن بدان سرزمينها را ندارند.
زيرا كه بازرگانان و صنعتگران مردمى سالمند و از نيرنگ و آهنگ شورش و جنگ آنان بيمى در ميان نيست، مردمى صلح دوست و آرامش طلبند و از زيان آنان هراسى در ميان نيست.
و بايد از حال و وضع آنها بازرسى كنى چه آنكه در كنار تو و در شهر و ديار تو باشند و يا در كنارههاى دور دست كشور و محور حكمرانى تو.
و بدانكه با اين حال بسيارى از آنها بسيار تنگ نظرند و گرفتار بخل و دريغى زشت و زننده و در پى انباشتن سودهاى كلانند و تسلط بر انجام همه گونه معاملات و اين خود مايه زيان عموم رعايا و ننگ و نكوهش بر حكمرانانست، از احتكار غدقن كن، زيرا رسول خدا صلى الله عليه و آله از آن غدقن كرده، و بايد فروش هر متاع فروشى آزاد و روا و بوسيله ترازوهاى درست و نرخهاى عادلانهاى باشد كه بهيچكدام از طرفين معامله از فروشنده و خريدار ستمى نشود و هر كس پس از غدقن تو دستش باحتكار و انباشتن سود آلوده شد او را شكنجه كن و عقوبت نما و از حد مگذران
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی