نامه 19 صبحی صالح
19- و من كتاب له ( عليه السلام ) إلى بعض عماله
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَ قَسْوَةً وَ احْتِقَاراً وَ جَفْوَةً وَ نَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلًا لِأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ وَ لَا أَنْ يُقْصَوْا وَ يُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ
فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ وَ دَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَ الرَّأْفَةِ وَ امْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ وَ الْإِدْنَاءِ وَ الْإِبْعَادِ وَ الْإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج 18
و من كتاب له عليه السلام الى بعض عماله و هو المختار التاسع عشر من باب كتبه و رسائله
أما بعد فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك قسوة و غلظة و احتقارا و جفوة؛ فنظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم، و لا أن يقصوا و يجفوا لعهدهم؛ فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة، و داول لهم بين القسوة و الرأفة، و امزج لهم بين التقريب و الادناء، و الابعاد و الاقصاء إن شاء الله.
المصدر
قال اليعقوبي في تاريخه (ص 179 ج 2 طبع النجف): كتب علي عليه السلام إلى عمر بن أبي سلمة الأرحبي: أما بعد فإن دهاقين عملك شكوا غلظة و نظرت في أمرهم فما رأيت خيرا فلتكن منزلتك بين منزلتين جلباب لين بطرف من الشدة في غير ظلم و لا نقص، فإن هم أجبونا صاغرين فخذ مالك عندهم و هم صاغرون، و لا تتخذ من دون الله وليا فقد قال الله عز و جل: لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء، و قال تبارك و تعالى: و من يتولهم منكم فإنه منهم و فرعهم بخراجهم و قاتل من ورائهم، و إياك و دماءهم و السلام. انتهى.
الظاهر أنهما كتاب واحد نقل الرضي طائفة منه في النهج على ما هو أبه من التقاط الفصيح من كلامه عليه السلام و رفض ما عداه، و نقل اليعقوبي طائفة اخرى منه في تاريخه، إلا أن صدره روي بروايتين مختلفتين في الجملة، و يؤيده ما في شرح الفاضل البحراني من أن المنقول أن هؤلاء الدهاقين كانوا مجوسا فإن الأمير عليه السلام أمره على فارس و على البحرين كما في الاستيعاب و اسد الغابة فهذا الكتاب إنما كتبه إليه لما كان عامله على فارس لأنهم كانوا مجوسا يعبدون النار، و هذا القول لا ينافي قول الأمير عليه السلام: و قال جل و عز في أهل الكتاب- إلخ؛ لأنهم كانوا أهل كتاب لما مر في ذلك خبر مروي عنه عليه السلام من كتاب التوحيد للصدوق قدس سره حيث قال الأشعث بن قيس للأمير عليه السلام: يا أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث إليهم نبي؟ قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا و بعث إليهم رسولا- إلخ؛ فراجع إلى شرحنا على المختار الثامن من باب الكتب و الرسائل (ص 312 ج 17).
ثم إن العامل المذكور قد عرف في الكتب الرجالية بأبي حفص عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ربيب رسول الله صلى الله عليه و اله امه ام سلمة هند المخزومية زوج النبي صلى الله عليه و اله و شهد مع علي عليه السلام الجمل و استعمله على البحرين و على فارس و توفى بالمدينة أيام عبد الملك ابن مروان سنة ثلاث و ثمانين كما في الاستيعاب و الإصابة و اسد الغابة، و قد يأتي كتاب آخر من أمير المؤمنين علي عليه السلام إليه المعنون بقول الرضي و من كتاب له عليه السلام إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي و كان عامله على البحرين- إلخ، و هو الكتاب الثاني و الأربعون، و لا تنافي ظاهرا بين قولهم بكونه مخزوميا و بين قول اليعقوبي بكونه أرحبيا لأنه يمكن أن يكون من المخزومي ثم أحد أرحب بن دعام من همدان، و لم يذكر في الكتب الرجالية عمر بن أبي سلمة غيره إلا عمر بن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة و لكن لم يقل أحد بأن الأمير عليه السلام أمره على بلد أو قرية أو طائفة؛ على أنه قتل بالشام سنة اثنتين و ثلاثين مع بني امية كما في التقريب لابن حجر و قد كانت أمارة أمير المؤمنين علي عليه السلام من سنة خمس و ثلاثين.
و قد ذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى (ص 171 ج 6 طبع بيروت) عمرو بن سلمة بن عميرة الهمداني الأرحبي و قال: انه روى عن علي عليه السلام و عبد الله و كان شريفا، و لكن الأمير عليه السلام لم يستعمله، ثم اين هو و عمر بن أبي سلمة فالظن القوي المتاخم بالعلم بالفحص و الطلب حاصل لنا بأن عمر بن أبي سلمة الأرحبي هو عمر بن أبي سلمة المخزومي و الكتابان واحد. و الله هو العالم.
ثم قد عثرنا في هذه الأيام و الأوان على كتابين أحدهما مترجم بمستدرك نهج البلاغة و مداركه لمؤلفه العالم المتضلع: الهادي كاشف الغطاء، و الثاني بجمهرة رسائل العرب لجامعها الفاضل المتتبع: أحمد زكي صفوت، أما الأول فقد خصص للنهج خاصة و قد أتى بمدارك كثير من خطب النهج و رسائله و حكمه، و أما الثاني فموضوعه عام إلا أنه ذكر فيه كتبا و رسائل كثيرة لأمير المؤمنين علي عليه السلام مع الإشارة إلى ماخذه و مصادره غالبا من غير النهج أيضا؛ و لعمري إنهما قد بذلا الجهد في تأليفهما و أجادوا و أفادا، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا و لكن مصدر هذا الكتاب لأمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض عماله، و الذي قبله إلى عبد الله بن عباس ليس بمذكور فيهما.
و ليعلم أنا- لله الحمد- قد وفقنا بالعثور على كثير من مصادر ما في النهج، و خطب و رسائل و حكم للأمير عليه السلام بطرق عديدة و أسانيد كثيرة من الجوامع الروائية التي ألفها قبل الرضي علماؤنا الأقدمون، و هي تزيد على ما في الكتابين المذكورين بأضعاف مضاعفة.
اللغة
(دهاقين) بفتح الدال جمع دهقان بكسرها، فارسى معرب أصله دهگان مخفف ديهيگان ففي برهان قاطع: دهگان با كاف پارسى بر وزن و معنى دهقان است كه زراعت كننده و مزارع باشد و دهقان معرب آنست، و مردم تاريخى و تاريخ دان را نيز گفتهاند. انتهى. و كثيرا ما يستعمل في الفارسية على صورتها
المعربة قال الشاعر:
دهقان سالخورده چه خوش گفت با پسر | كاى نور چشم من بجز از كشته ندروى | |
و في البيان و التبيين للجاحظ (ص 345 ج 3) قال فتى طيب من ولد يقطين:
رب عقار باذرنجية | اصطدتها من بيت دهقان | |
قال ابن الأثير في النهاية: في حديث حذيفة انه استسقى ماء فأتاه دهقان بماء في إناء من فضة، الدهقان بكسر الدال و ضمها: رئيس القرية، و مقدم النساء، و أصحاب الزراعة؛ و هو معرب و نونه أصلية كقولهم تدهقن الرجل و له دهقنة موضع كذا؛ و قيل: النون زائدة و هو من الدهق الامتلاء و منه حديث علي عليه السلام أهداها إلي دهقان. انتهى.
أقول: قوله الدهقان بكسر الدال و ضمها مبني على أصلهم في التعريب: عجمي فالعب به ما شئت، و إلا فأصله بكسر الدال، و تفسيره برئيس القرية مبني على أصل الكلمة فانها مركبة من ده و گان و أحد معاني گان في الفارسية: الأمير و الرئيس و الملك و قد تطلق على الملك الظالم.
و قال الفيومي في المصباح: الدهقان معرب: يطلق على رئيس القرية و على التاجر و على من له مال و عقار، و داله مكسورة؛ و في لغة تضم و الجمع دهاقين و دهقن الرجل و تدهقن كثر ماله. انتهى.
(قسوة) قسا قلبه يقسو من باب نصر قسوة: صلب و غلظ فهو قاس و قسي فالقسوة: غلظ القلب، قال الراغب في المفردات: أصله من حجر قاس، و المقاساة معالجة ذلك، قال تعالى: ثم قست قلوبكم- … فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله و قال تعالى: و القاسية قلوبهم- … و جعلنا قلوبهم قاسية و قرئ قسية أي ليست قلوبهم بخالصة من قولهم درهم قسي و هو جنس من الفضة المغشوشة فيه قساوة أي صلابة، قال الشاعر: صاح القسيات في أيدي الصياريف.
استعاره (الغلظة) بتثليث الغين: الخشونة و ضد الرقة، قال الراغب: أصله أن يستعمل في الأجسام لكن قد يستعار للمعاني كالكبير و الكثير، قال تعالى: و ليجدوا فيكم غلظة و قال: ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ و قال: فاستغلظ فاستوى على سوقه.
(جفوة) تقول: جفوته أجفوه جفوة و جفاء أى فعلت به ما ساءه و يقال على المجاز: أصابته جفوة الزمان و جفاوته كما في الأساس و الجفاء خلاف البر كما في الصحاح، و الجفوة: ضد المواصلة و المؤانسة كما في الأقرب.
(يدنوا) من الإدناء، يقال: أدنى الشيء إذا قربه إليه كثيرا، و منه قولهم: دخلت على الأمير فرحب بي و أدنى مجلسي.
(يقصوا) من الإقصاء خلاف الإدناء أي الإبعاد، يقال: أقصاه عنه إقصاء أي أبعده عنه كثيرا.
(يجفوا) من قولك جفوت الرجل أجفوه جفاء أي أعرضت عنه أو طردته فهو مجفو.
(جلبابا) قال في فتن البحار (ص 633 ج 8): الجلباب: الإزار، و الرداء أو الملحفة، أو المقنعة. انتهى، و قال الفيومي في المصباح: الجلباب ثوب أوسع من الخمار و دون الرداء، و قال ابن الأعرابي: الجلباب إزار، و قال ابن فارس:
الجلباب ما يغطى به من ثوب و غيره، و الجمع جلابيب، و تجلببت المرأة لبست الجلباب، انتهى ما في المصباح، قال الجوهري في الصحاح: الجلباب: الملحفة، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا:
تمشي النسور إليه و هي لاهية | مشى العذارى عليهن الجلابيب | |
و المصدر الجلببة و لم تدغم لأنها ملحقة، و في منتهى الأرب في لغة العرب:
جلباب كسرداب و سنمار: پيراهن و چادر زنان، و معجر يا چادرى كه زنان لباس خود را بدان از بالا بپوشند جلابيب جمع.(تشوبه) أي تخلطه، يقال: شاب الشيء يشوبه شوبا و شيابا من باب نصر أي خلطه، و في المثل هو يشوب و يروب يضرب لمن يخلط في القول و العمل.(طرف) بالتحريك طائفة من الشيء و قطعة منه، قال تعالى: ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين (آل عمران- 124) قال في الكشاف:ليهلك طائفة منهم بالقتل و الأسر و هو ما كان من يوم بدر من قتل سبعين و أسر سبعين من رؤساء قريش و صناديدهم.(داول) امر من المداولة، في القرآن الكريم: و تلك الأيام نداولها بين الناس (آل عمران- 124) قال البيضاوي أي نصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة و لهؤلاء اخرى كقوله:
فيوما علينا و يوما لنا | و يوما نساء و يوما نسر | |
و المداولة كالمعاورة يقال: داولت الشيء بينهم فتداولوه، انتهى، دالت الأيام أي دارت، و الله يداولها بين الناس أي يديلها، و الإدالة الإدارة، الماشي يداول بين قدميه أي يراوح بينهما، و في البحار: المداولة: المناوبة.
(الرأفة): الرحمة، قال تعالى: لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله (النور- 3) (امزج) امر من مزج الشيء بالشيء مزجا و مزاجا إذا خلطه به، و الادناء أشد قربا من التقريب، و الإقصاء أكثر بعدا من الإبعاد.
الاعراب
(فلم أرهم) أر، فعل للمتكلم وحده مجزوم بلم أصله أرأى من رأى يرأى لكن الهمزة هذه لا تستعمل في غير الماضي و يقال: يرى فالمتكلم وحده أرى و إذا اسقطت لامه بالجازمة صار أر، قال تعالى: أ لم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل و الأمر منه: ر، ريا، روا، رى، ريا، رين؛ و قد يستعمل غير الماضي على الأصل، و الماضي على غير الأصل للضرورة كقوله: و من يتملى العيش يرأى و يسمع، و قول آخر: صاح هل ريت أو سمعت براع.
(أهلا) مفعول ثان لقوله لم أر، (لأن) الجار متعلق بالأهل، (لشركهم) اللام للتعليل، و كذا لعهدهم، و الأفعال الثلاثة منصوبة بحذف النون بأن، (فالبس)الفاء فصيحة أي إذا كان أمرهم على هذا المنوال من الشرك و العهد فالبس- إلخ جملة (تشوبه …) صفة لقوله جلبابا، (داول) معطوف على البس و كذلك امزج.(إن شاء الله) متعلق بكل واحد من أفعال الأمر الثلاثة.
المعنى
تقدم في المصدر أن عمر بن أبي سلمة كان أميرا على فارس من قبل أمير المؤمنين عليه السلام و كان أهل فارس يومئذ مشركين؛ و شكا أكابرهم و أرباب أملاكهم إلى أمير المؤمنين عليه السلام غلظته و خشونته عليهم و احتقاره و استصغاره إياهم فكتب عليه السلام إليه أن يسلك معهم مسلكا متوسطا بأن تكون منزلته معهم بين منزلتين جلباب لين بطرف من الشدة فلا يدنيهم كل الدنو لأنهم ليسوا لذلك أهلا لكونهم مشركين و لا يبعدهم كل الإبعاد و لا يجفوهم لكونهم معاهدين، فإن معاملتهم بذلك النهج يمنعهم عن التمرد و الطغيان عن المعاهدة و الذمة، و يحفظ عظمة الدين و صولته و قوته في أعينهم، و يوجب تأليف قلوبهم و مراعاة شرائط المعاهدة في حقهم و عدم خلل في انتظام امورهم.
و جعل عليه السلام الاتصاف بهذا النهج الوسط جلبابا على التجسيم و التشبيه تصويرا له كقوله تعالى: فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف (النحل- 114).
و كلامه هذا وزان ما قاله لمعقل بن قيس في الكتاب الثاني عشر: فقف من أصحابك وسطا و لا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم من يهاب البأس، و وزان قوله: الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله و لم يؤيسهم من روح الله و لم يؤمنهم من مكر الله.
ثم قيد أوامره بالمشية إما تحريضا له إلى العمل المطابق لأوامره، كأنه قال أرجو منك أن تفعل بما أشرنا عليك؛ و إما تنبيها له على أن ما أشرنا عليك من المماشاة معهم و معاملتهم بذلك النحو انما يجب أن يكون على وجه يرضاه الله و يشاءه، كأنه عليه السلام يقوله: إني و إن كنت أمرتك بها و لكنك تعاشرهم و تعيش فيهم و ترى أحوالهم و أفعالهم فعليك بعمل معهم يحبه الله و يرضاه و إما طلبا من الله تعالى المدد و التوفيق له بعمل ما أمره بها.
الترجمة
اين نامه ايست كه أمير المؤمنين علي عليه السلام به عمر بن أبي سلمة كه از جانب آن حضرت حاكم فارس بود نوشته است- و آن كتاب نوزدهم از باب كتب و رسائل نهج البلاغة است:
أما بعد دهقانان شهر تو از درشتى و سنگدلى و خوار داشتن و بدى تو شكايت كرده اند پس در باره شان نگريستم و انديشه كردم نه آنانرا شايسته نزديك گردانيدن ديدم زيرا كه مشركند. و نه سزاوار دور گردانيدن و طرد كردن از آن روى كه با ايشان عهد بستيم و در ذمه ما هستند و چون أمرشان بدين منوال است پس بپوش برايشان جامه نرمى كه پود آن پاره اى از درشتى باشد و روزگار را برايشان ميان سخت دلى و مهرباني بگردان، و بياميز با ايشان ميان نزديك گردانيدن و بنهايت نزديكى رساندن، و ميان دور ساختن و بغايت دور ساختن اگر خدا بخواهد (يعنى با اين همه چون تو نزديكى و با آنها حشر دارى و كارشان را از نزديك مىنگرى آن چنان با آنها رفتار كن كه خدا بخواهد و مرضي او باشد).
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی