نامه 18 صبحی صالح
18- و من كتاب له ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن عباس و هو عامله على البصرة
وَ اعْلَمْ أَنَّ الْبَصْرَةَ مَهْبِطُ إِبْلِيسَ وَ مَغْرِسُ الْفِتَنِ فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَ احْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَ قَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ لِبَنِي تَمِيمٍ وَ غِلْظَتُك عَلَيْهِمْ وَ إِنَّ بَنِي تَمِيمٍ لَمْ يَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ إِلَّا طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ وَ إِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْمٍ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَ لَا إِسْلَامٍ
وَ إِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحِماً مَاسَّةً وَ قَرَابَةً خَاصَّةً نَحْنُ مَأْجُورُونَ عَلَى صِلَتِهَا وَ مَأْزُورُونَ عَلَى قَطِيعَتِهَا
فَارْبَعْ أَبَا الْعَبَّاسِ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَا جَرَى عَلَى لِسَانِكَ وَ يَدِكَ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِي ذَلِكَ وَ كُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ وَ لَا يَفِيلَنَّ رَأْيِي فِيكَ وَ السَّلَامُ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج 18
و من كتاب له عليه السلام الى عبد الله بن عباس و هو عامله على البصرة و هو المختار الثامن عشر من باب كتبه و رسائله عليه السلام
اعلم أن البصرة مهبط إبليس، و مغرس الفتن؛ فحادث أهلها بالإحسان إليهم، و احلل عقدة الخوف عن قلوبهم؛ و قد بلغني تنمرك لبني تميم، و غلظتك عليهم، و إن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر، و إنهم لم يسبقوا بوغم في جاهلية و لا إسلام، و إن لهم بنا رحما ماسة و قرابة خاصة، نحن مأجورون على صلتها، و مأزورون على قطيعتها، فاربع أبا العباس- رحمك الله- فيما جرى على يدك و لسانك من خير و شر، فإنا شريكان في ذلك، و كن عند صالح ظني بك، و لا يفيلن رأيي فيك، و السلام.
المصدر
روى أن ابن عباس كان قد أضر ببني تميم حين ولي البصرة من قبل علي عليه السلام لما عرفهم به من العداوة يوم الجمل لأنهم كانوا من شيعة طلحة و الزبير و عائشة فتنكر عليهم و سماهم شيعة الجمل و أنصار عسكر[1] و حزب الشيطان فاشتد ذلك على نفر من شيعة علي عليه السلام من بني تميم منهم جارية بن قدامة[2] فكتب بذلك إلى علي عليه السلام يشكو ابن عباس فكتب عليه السلام إلى ابن عباس: «أما بعد فإن خير الناس عند الله أعملهم بطاعته فيما له و عليه، و أقولهم بالحق و إن كان مرا ألا و إنه بالحق قامت السماوات و الأرض فيما بين العباد فلتكن سريرتك فعلا، و ليكن حملك واحدا، و طريقتك مستقيمة و اعلم أن البصرة مهبط إبليس- إلخ.
أقول: هكذا قال العالم الشارح البحراني قدس سره في شرحه على النهج، و نقل عنه المحدث الجليل المجلسي رضوان الله عليه في ثامن البحار (ص 634 من الطبع الكمباني) و أتى به الفاضل الهادي كاشف الغطا رحمة الله عليه في مستدرك نهج البلاغة، و مداركه، و لكن روى أبو الفضل نصر بن مزاحم المنقري الكوفي المتوفى (212 ه ق) في كتابه صفين (ص 57 من الطبع الناصري) أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عبد الله بن عامر:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عامر أما بعد فإن خير الناس عند الله عز و جل أقومهم لله بالطاعة فيما له و عليه، و أقولهم بالحق و لو كان مرا، فإن الحق به قامت السماوات و الأرض و لتكن سريرتك كعلانيتك، و ليكن حكمك واحدا، و طريقتك مستقيمة، فإن البصرة مهبط الشيطان فلا تفتحن على يد أحد منهم بابا لا نطيق سده نحن و لا أنت و السلام.
اللغة
(مهبط) بكسر الباء كمجلس: موضع الهبوط: يقال: هبط هبوطا من باب ضرب أي انحدر و نزل؛ قال عز من قائل: و قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو (البقرة- 36)، (و مغرس) كمجلس أيضا موضع الغرس، يقال: غرس الشجر غرسا من ذلك الباب أيضا أي أثبته في الأرض، و يبنى اسما الزمان و المكان من الثلاثي الصحيح المجرد على وزن مفعل بكسر العين إذا كانت عين مضارعه مكسورة، و على مفعل بفتح العين إذا كانت عين المضارع مضمومة أو مفتوحة إلا إحدى عشرة لفظة أتت بكسر العين مع أن مضارعها مضموم؛ فالضابطة قائلة بأن المهبط و المغرس على وزن مفعل بالكسر، ففتح العين فيهما كما اختاره الشيخ محمد عبده ليس بصحيح، و نسختنا التي قوبلت على نسخة الرضي مشكولة بالكسر فيهما.
(حادث أهلها بالاحسان إليهم) أي تعاهدهم تعدهم به، قال ابن الأثير في النهاية في حديث الحسن: حادثوا هذه القلوب بذكر الله [فإنها سريعة الدثور] أي اجلوها به و اغسلوا الدرن عنها و تعاهدوها بذلك كما يحادث السيف بالصقال، ففي المقام أمره الأمير عليه السلام أن يجلو قلوب أهلها و يغسل درن الأحقان و الضغائن ورين الوساوس الموذية المودية عنها بصقال الاحسان و ماء البر. (تنمرك) النمر سبع معروف أصغر من الأسد و أخبث و أجرأ منه و هو منقط الجلد نقطا سودا و بيضا سمي به للنمر التي فيه و منه النمرة بفتح النون و كسر الميم و هي كساء فيه خطوط بيض و سود تلبسه الأعراب؛ و في البيان و التبيين (ص 68 ج 2) أن عمر بن الخطاب سأل عمرو بن معديكرب عن سعد، قال: كيف أميركم؟ قال: خير أمير، نبطي في حبوته، عربي في نمرته، أسد في تامورته، يعدل في القضية، و يقسم بالسوية، و ينفر في السرية، و ينقل إلينا حقنا كما تنقل الذرة؛ فقال عمر: لشد ما تقارضتما الثناء.
و التنمر: التشبه بالنمر إما في لبس ثوب من النمرة و نحوها يشبه جلده، و إما في التخلق بأخلاقه، و يفيد كلا الوجهين قول عمرو بن معديكرب:
قوم إذا لبسوا الحديد | تنمروا حلقا و قدا | |
[3] و هذا البيت من أبيات له مذكورة في الحماسة (الحماسة 34) يريد بالحديد حلقا الدروع التي نسجت حلقتين حلقتين، و بالحديد قدا اليلب و هو شبه درع كان يتخذ من القد أي إنهم إذا لبسوا الحديد الدروع و اليلب تشبهوا بالنمر في أفعالهم في الحرب فيكون حلقا و قدا كل واحد منهما بدلا عن الحديد و يجوز أن يريد بتنمروا أنهم تلونوا بألوان النمر لطول ثباتهم و ملازمتهم الحديد، و على هذا الوجه يصح أن يكون انتصاب حلقا و قدا على التميز، و يروى خلقا و قدا أي انهم تشبهوا بالنمر في أخلاقهم و خلقهم فيكون انتصابهما على التميز أيضا، هذا ما ذكره المرزوقي في شرح الحماسة؛ و قال الجوهري في الصحاح في معنى البيت:أي تشبهوا بالنمر لاختلاف ألوان القد و الحديد و لم يذكر الرواية الثانية.
و نقل الجوهري عن الاصمعي قال: تنمر له أي تنكر له و تغير و أوعده لأن النمر لا تلقاه أبدا إلا غضبان.
و في كنز اللغة: تنمر- مانند پلنگ خشمناك شدن، و لبس فلان لفلان جلد النمر إذا تنكر له و أظهر الحقد و الغضب و قيل: كانت ملوك العرب إذا جلست لقتل انسان لبست جلود النمور ثم أمرت بقتل من تريد قتله، و نقل الجاحظ في البيان و التبيين عن أبي الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني صاحب التفسير قال: سمعت يزيد بن المهلب يخطب بواسط فقال: «يا أهل العراق، يا أهل السبق و السباق، و مكارم الأخلاق، إن أهل الشام في أفواههم لقمة دسمة، زببت لها الأشداق، و قاموا لها على ساق، و هم غير تاركيها لكم بالمراء و الجدال؛ فالبسوا لهم جلود النمور».
(و غم) الوغم بالفتح فالسكون: الحرب و القتال و الترة و الذحل الثقيل و الحقد الثابت في الصدر، قال ابن الأثير المتوفى «606 ه ق» في و غم من النهاية: و في حديث علي عليه السلام: «إن بني تميم لم يسبقوا بوغم في جاهلية و لا اسلام» الوغم: الترة، و جمعها أوغام، و وغم عليه بالكسر أي حقد و تو غم إذا اغتاظ. انتهى.
استعاره (رحما) قال الراغب في المفردات: الرحم رحم المرأة و منه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة يقال: رحم و رحم، قال تعالى:و أقرب رحما، انتهى، و في الأساس للزمخشري: وقعت النطفة في الرحم «هو الذي يصوركم في الأرحام» و هي منبت الولد و وعاؤه في البطن و بينهما رحم و رحم قال الهذلي:
و لم يك فظا قاطعا لقرابة | و لكن وصولا للقرابة ذا رحم | |
«و أقرب رحما» و هي علاقة القرابة و سببها.
(مأزورون) من الوزر فأصله موزورون بالواو إلا أنه عليه السلام قال:مأزورون طلبا للمطابقة بين مأجورين و مأزورين، و نحوه قوله عليه السلام لأشعث بن قيس إن صبرت جرى عليك القدر و أنت مأجور و إن جزعت جرى عليك القدر و أنت مأزور و سيأتي في الحكمة 291.
(اربع) بالباء الموحدة قال الجوهري: ربع الرجل يربع- من باب منع-إذا وقف و تحبس و منه قولهم اربع على نفسك و اربع على ظلعك أي ارفق بنفسك و كف، و في نسخة مخطوطة من النهج جاءت الكلمة بالتاء المثناة (ارتع) و كأنها مصحفة.
(لا يفيلن) فال رأيه يفيل فيالة و فيولة من باب ضرب أخطأ و ضعف، و فيل رأيه تفييلا: قبحه و ضعفه و خطاه، و رجل فائل الرأى و فيل الرأى أي ضعيفة، قال أبو الفرج محمد بن الحسين الكاتب:
و أعلم أني فائل الرأي مخطئ | و لكن قضاء لا اطيق غلابه[4] | |
الاعراب
«فحادث» الفاء فصيحة.«و إن بني تميم» الواو هنا و او الحال و لذا يجب أن تكسر ان في المقام لأن وقوع ان بعد واو الحال من المواضع التسعة التي يجب كسرها كما تقرر في النحو فراجع إلى شرح صدر الدين السيد علي خان الكبير على الصمدية في النحو للشيخ البهائي العاملي قدس سرهما، و هذا نحو قوله تعالى: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق و إن فريقا من المؤمنين لكارهون (الأنفال- 6) و قال أبو البقاء يعيش ابن علي في تفسيره التبيان في إعراب القرآن: الواو هنا- يعني في قوله تعالى و إن فريقا: للحال، و في تفسير الجلالين، و النيسابوري، و البيضاوي قوله تعالى:و إن فريقا من المؤمنين لكارهون في موضع الحال أي كما أخرجك في حال كراهتهم.
«و إنهم. و إن لهم» معطوفان على قوله و إن بني تميم، «لم يسبقوا» على صيغة المجهول «ماسة» صفة لقوله رحما لأنها مؤنثة، «فاربع» الفاء فصيحة و التقدير إذا كان حال البصرة و شأن بني تميم كذا فاربع، «أبا العباس» منصوب بالنداء و هو كنية لابن عباس، «رحمك الله» جملة معترضة، «فيما جرى» متعلق بقوله اربع «من خير و شر» بيان لما، «فانا شريكان» تعليل لقوله اربع «و كن» عطف على اربع، «و السلام» خبره محذوف أي و السلام عليك، أو و السلام على من اتبع الهدى، و نحوهما.
المعنى
كان ابن عباس عامل البصرة و خليفة أمير المؤمنين علي عليه السلام فيها بعد وقعة الجمل فإنه عليه السلام لما أراد الخروج من البصرة بعد أن وضعت الحرب أوزارها استعمله و استخلفه عليها، و قد مضى تفصيل ذلك في شرحنا على المختار الثاني من كتبه عليه السلام (ص 95 ج 17)، و كان عامله عليها قبله عثمان بن حنيف.
و البصرة أحدثها المسلمون و مصروها أيام عمر بن الخطاب، تفصيل ذلك مذكور في كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي المعروف بالبشاري (ص 117 طبع ليدن)، و أتى بأكثر منه تفصيلا و شرحا البلاذري في كتابه فتوح البلدان (ص 341- 370 طبع مصر 1350 ه ق).
و هذا الكتاب بعض ما كتبه عليه السلام إلى ابن عباس و سيأتي نقله على صورته الكاملة.
قوله عليه السلام: (اعلم أن البصرة مهبط إبليس، و مغرس الفتن) قد ذم عليه السلام البصرة و أهلها من قبل هذا الكتاب أيضا حين أراد الخروج من البصرة بعد الجمل و قد أشرنا إلى الروايات الواردة فيه في شرحنا على المختار الثاني من كتبه (ص 86- 89 ج 17)، و قوله عليه السلام أنها مهبط إبليس يحتمل وجوها:
منها أن تكون فيه اشارة إلى قوله تعالى لإبليس: فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين (الأعراف- 14) و قوله تعالى:قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين (الأعراف- 25)، بأن إبليس لما اخرج من الجنة و هبط إلى الأرض كانت أرض البصرة مهبطه و لكن الإنصاف أن الكلام يأبى عن هذا الوجه، و كلمة مهبط لا تدل عليه لأنها أعم من ذلك و قد قال تعالى لقوم موسى عليه السلام: اهبطوا مصرا (البقرة- 60) و في الأساس للزمخشري: هبط من بلد إلى بلد، فالمهبط يأتي بمعنى موضع الورود و النزول و لا يعتبر فيه الانحدار من عال إلى سافل مطلقا، نعم إن الهبوط إذا استعمل في الانسان و إبليس ففيه نوع استخفاف بخلاف الإنزال فإن الله تعالى ذكر الانزال في الأشياء التي نبه على شرفها كانزال الملائكة و القرآن و المطر و غير ذلك، و الهبط ذكر حيث نبه على الغض نحو: و قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو، فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها، اهبطوا مصرا؛ أفاده الراغب في المفردات.
و منها أن تكون فيه اشارة إلى أن البصرة قرية بعيدة عن العلماء و القراء و لم تكن مدينة فاضلة و إلا لم تكن مهبطه و ذلك لأن العلماء حصون كحصون سور المدينة لها.
و منها أن تكون فيه اشارة إلى أن البصرة موطن و محل له بأن تكون لها خواص أوجبت له أن يتخذها موطنا له، و قد مضى في شرح المختار الثاني من باب الكتب قول الأمير عليه السلام فيها: «الحمد لله الذي أخرجني من أخبث البلاد و أخشنها ترابا، و أسرعها خرابا، و أقربها من الماء، و أبعدها من السماء، بها مغيض الماء و بها تسعة أعشار الشر، و هي مسكن الجن- إلخ» (ص 88 ج 17) و كان إبليس من الجن كما مضى البحث عن ذلك في شرح المختار الثامن من باب الكتب (ص 286- 295 ج 17) و لما كان إبليس و قبيله و جنوده اتخذوها موطنا لهم فهي مهبطهم و مغرس الفتن.
و منها أن تكون فيه اشارة إلى أنها مهبط قوم تعلق إبليس بهم فغرسوا اصول الفتن في أراضي قلوبهم، و بذروا حبوب آراء ردية فيها حتى أثمرت ما أثمرت ففيه إشارة إلى هبوط جند المرأة و أتباع البهيمة فيها، و إذا تأملت فيما جرى على أمير المؤمنين علي عليه السلام منذ خلافته الظاهرية إلى شهادته كلها مولدة من هبوط القوم في البصرة فإنه أثار فتنة الجمل، و هي ولدت وقعة صفين، و هي ولدت وقعة نهروان، و هي ولدت أمر شهادته عليه السلام فهم غرسوا بهبوطهم فيها شجرة خبيثة أثمرت هذه الثمار السوء فكانت البصرة لذلك مهبط إبليس و مغرس الفتن.
قوله عليه السلام (فحادث أهلها- إلى قوله: عن قلوبهم) الفاء فصيحة كما مر أي إذا كانت البصرة حالها كذا فحادث أهلها- إلخ و من الفاء هذه، و من قوله و احلل عقدة الخوف عن قلوبهم يستفاد أن أهل البصرة لم يكونوا بعد آمنين، بل كانوا خائفين، و كانوا يتربصون بهم ريب المنون، بل يستفاد من قوله انها مهبط إبليس و مغرس الفتن، و من تفريع حادث أهلها عليه ذلك أيضا فاسلوب الكلام يدل على اضطراب أوضاعها و احتمال اثاره فتنة فيها، و اقبال وقائع هائلة على أهلها و لذلك أمر الأمير عليه السلام ابن عباس بالإحسان إليهم و إزالة الخوف عنهم لئلا تحدث فتنة.
ثم إن قوله هذا في البصرة ذم على أهلها أيضا فانه يدل على اتباعهم إبليس بخروجهم عن حكومة سلطان العقل، و على أنهم أهل شقاق و نفاق، و على أن فيهم أهل التفتين و حزب الشيطان.
استعاره مرشحة قوله عليه السلام (و إن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر) النجم كثيرا ما يراد به فى لغة العرب سيد القوم و مقتداهم و المشهور من الناس من حيث إنهم يقتدون و يهتدون به و قال حسان بن ثابت في قصيدة يذكر فيها عدة أصحاب اللواء يوم احد:
تسعة تحمل اللواء و طارت | في رعاع من القنا مخزوم | |
إلى أن قال:
لم تطق حمله العواتق منهم | إنما يحمل اللواء النجوم | |
أي إنما يحمله الأشراف المشاهير من الناس، و القصيدة مذكورة في السيرة النبوية لابن هشام (ص 149 ج 2 طبع مصر 1375 ه)، و أتى الجاحظ في البيان و التبين أبياتا منها (ص 325 ج 2 طبع مصر 1380 ه)، و في ديوان الحسان، و لما استعار كلمة النجم لهذا المعنى رشح بمناسبة ظاهر اللفظ بقوله لم يغب و طلع، و المعنى كيف يجوز لنا التنمر لهم و الغلظة عليهم و الحال أن لهم هذه الخصال الثلاث:
أحدها أنه لم يمت منهم سيد إلا قام لهم آخر منهم مقامه، و كأنما يريد عليه السلام أن لهم سيدا مطاعا و أميرا خيرا مدبرا يجمع شمل امورهم و يلم شعث آرائهم و أهوائهم، و ينقذهم من المهالك، و يمنعهم عن الهوى فيما يوجب شينهم، و هذا التدبير و الاتحاد و الاقتداء بقدوة كذا كان لهم في كل دورة فلا ينبغي التنمر على قوم هذا شأنهم.
و الثاني أنهم لم يسبقوا بوغم في جاهلية و لا إسلام يعني بهذه الجملة أنهم كانوا أهل بأس و قوة و شجاعة و حمية في الجاهلية و الإسلام و يناسبه معنى التميم لغة فإنه بمعنى الشديد كما في نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي، فلا ينبغي التنمر و الغلظة على طائفة بلغوا في البأس و القوة هذه المرتبة أما معناها المطابقي فالأولى أن يحمل الوغم على الحقد و الغيظ لأنه يناسب المقام و اسلوب الكلام و ذلك لأن ابن عباس- كما دريت- إنما تنكر عليهم باتباعهم الناكثين و يسميهم حزب الشيطان و شيعة الجمل و أنصار عسكر لذلك و أوجب عملهم هذا حقدا في صدر ابن عباس و كأنه كان يسميهم بها تشفيا من غيظه، و يتنكر عليهم انتقاما منهم بفعلهم المنكر فنهاه الأمير عليه السلام عن ذلك و عرف له بني تميم بأنهم لم يسبقوا بوغم في جاهلية و لا اسلام، أي لم يسبقهم أحد كان له حقد و غيظ عليهم فيتنكر و يغلظ عليهم تشفيا منهم و نكاية فيهم لقوتهم و قهرهم، هذا هو الوجه الذي ينبغي أن يختار في معنا هذه الجملة في المقام.
و أمكن أن يفسر بوجوه اخرى: منها أن يقال: لم يسبقهم أحد بحقد لهم عليه لأنهم لعلو همتهم و شرافة نفوسهم لا يهتمون بأذى غيرهم و إسائته عليهم و لذلك لم يكن في قلوبهم ضغن و عداوة على أحد.
و منها أن يفسر الوغم بالترة فقال الجوهري في الصحاح: الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه و تره يتره وترا و ترة، و كذلك وتره حقه أي نقصه و قوله تعالى: و لن يتركم أعمالكم أي لن يتنقصكم في أعمالكم كما تقول دخلت البيت و أنت تريد دخلت في البيت، انتهى؛ فالمعنى أن بني تميم لم يهدر لهم دم، و لم ينقص أحد حقهم.
و منها أن يفسر الوغم بالحرب و القتال كقول شقيق بن سليك الأسدي يقول معتذرا إلى أبي أنس الضحاك بن قيس بن خالد الشيبانى الفهري (الحماسة 261):
أتاني عن أبي أنس وعيد | فسل لغيظة الضحاك جسمي | |
و لم أعص الأمير و لم اربه | و لم أسبق أبا أنس بوغم | |
و قول شقيق يشابه قول أبي دلامة زند بن الجون شهد مع روح بن حاتم المهلبي الحرب فقال له روح: تقدم و قاتل فقال أبو دلامة:
إني أعوذ بروح أن يقدمني | إلى البراز[5] فتخزى بي بنو أسد | |
إن البراز إلى الأقران أعلمه | مما يفرق بين الروح و الجسد | |
إلى آخر الأبيات المذكورة في الأغاني (ص 119 ج 9 طبع ساسي في أخبار أبي دلامة) و في عيون الأخبار (ص 164 ج 1) و في شرح المرزوقي على الحماسة (ص 778 ج 2).
الثالث أن لهم بنا- أي ببني هاشم- رحما ماسة و قرابة خاصة لأن نسب كل واحد من بني هاشم و بني تميم ينتهي إلى إلياس بن مضر: لأن هاشما هو ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، كما في السيرة النبوية لابن هشام؛ و تميما هو ابن مر بن اد بن طابخة بن إلياس بن مضر، كما في نهاية الأرب في معرفة العرب للقلقشندي.
و يمكن أن تكون فيه إشارة إلى مصاهرة كانت بين الأمير عليه السلام و بين بني تميم فإن إحدى زوجاته كانت ليلى بنت مسعود الحنظلية من بني تميم و ولدت له عبيد الله و أبا بكر كما في تاريخ اليعقوبي (ص 189 ج 2).
ثم إنه عليه السلام أكد مراعاة حق الرحم بقوله: نحن مأجورون على صلتها و مأزورون على قطيعتها، و قد قال عز من قائل: و اتقوا الله الذي تسائلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (النساء- 2)، و قال تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم (محمد- 25).
كنايه قوله عليه السلام: (فاربع- إلخ) قد تقدم في الإعراب أن الفاء فصيحة متفرعة على جميع ما تقدم من هذا الكتاب أي إذا كانت البصرة مهبط إبليس و مغرس الفتن و كانت منزلة بني تميم كذا فقف و تثبت و ارفق فيما يجرى على لسانك و يدك من خير و شر و نافع و ضار، و لا تعجل به، أمره أن يدارى مع الرعية في أقواله و أفعاله فان ما يجري على اللسان و اليد كناية عنهما، و سمى ابن عباس بكنيته أبي العباس تكريما له و العرب يقصد بها التعظيم و بعض النفوس تأنف أن تخاطب باسمها.
قوله عليه السلام: (فإنا شريكان في ذلك) علل التثبت بقوله هذا، أي اربع و تثبت فيما يجري على يدك و لسانك لأنا شريكان في ذلك أي أنا و أنت شريكان في ما جرى على يدك و لسانك، و إنما كان الأمير عليه السلام شريكه فيه لأنه كان سببا بعيدا فيما جرى على يد ابن عباس و لسانه و هو كان نائبا عنه و سببا قريبا في أفعاله و أقواله و كل ما صنع بالرعية فإنما هو باتكائه عليه عليه السلام و إلا لما كان له مكنة و قدرة على ذلك.
ثم إن قوله هذا يهدينا إلى حقيقة اخرى و هي أن الفرد الانساني لما كان بمنزلة عضو من هيكل اجتماعه و لم يكن تعيشه مرتبطا لشخصه خاصة بل يؤثر أثرا من سنخ فعله و قوله في الاجتماع فكل ما صدر عن يده و لسانه و له بقاء في الاجتماع و يعمل به غيره و لو بعد مماته فهو شريك العامل في ذلك الأثر الصادر منه قال عز من قائل: و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى (النجم 41- 43).
و قال تعالى: سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين (الصافات 78- 79).
و في البحار (ص 181 من الجزء الثاني من ج 15) نقلا عن ثواب الأعمال للصدوق رحمه الله بإسناده عن ميمون القداح عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيما عبد من عباد الله سن سنة هدى كان له أجر مثل أجر من عمل بذلك من غير أن ينقص من اجورهم شيء، و أيما عبد من عباد الله سن سنة ضلالة كان عليه مثل وزر من فعل ذلك من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
و قد عقد المجلسي بابا في ذلك روى فيه عدة روايات عن أهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين قريبة بهذا المضمون كلها تشير إلى هذه الحقيقة.
و قد روى في المجلد السابع عشر (ص 188) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:لا يتكلم أحد بكلمة هدى فيؤخذ بها إلا كان له مثل أجر من أخذ بها، و لا يتكلم بكلمة ضلالة فيؤخذ بها إلا كان عليه مثل وزر من أخذ بها.
قوله عليه السلام (و كن عند صالح ظني بك) أي كن مراقبا لنفسك في ما يجري على يدك و لسانك بحيث إنك ترى نفسك حاضرة عند صالح ظني بك فانظر فيما تفعل و تقول هل هو مرضي عندي أم لا فإذا رأيت رضاي فيه فافعل.
قوله عليه السلام: (و لا يفيلن رأيي فيك) لما استعمله الأمير عليه السلام على البصرة، و استصلحه لذلك و كان ابن عباس ممن يثق الأمير عليه السلام به و إلا لما كان يستخلفه على البصرة نبهه على أن لا يعمل ما يوجب سلب وثوقه به و ضعف رأيه فيه.
الترجمة
اين نامه ايست كه ولي الله الأعظم أمير المؤمنين علي عليه السلام به عبد الله بن عباس كه عامل و حاكم آن حضرت بر أهل بصره بود فرستاد.
در روايت آمده كه ابن عباس در بصره بر بني تميم درشتي و بدخوئى مي كرد و آنان را پيروان جمل و ياران عسكر- كه نام شتر عائشه بود- و حزب شيطان مى ناميد از آن روى كه بني تميم در جنگ جمل از طرفداران و أتباع طلحة و زبير و عائشه بودند.
اين رفتار ابن عباس بر گروهى از بني تميم كه از شيعيان أمير عليه السلام بودند و از جمله آنان جارية بن قدامه بود گران آمد نامه اى بأمير نوشته و از دست ابن عباس شكايت كردند، أمير عليه السلام اين نامه را به ابن عباس نوشت:
أما بعد بهترين مردم در نزد خدا آن كسى است كه بطاعت او- خواه در آنچه آنكه به سود او است و خواه در آنچه كه بزيان او است- عمل كنندهتر باشد، و به گفتار حق اگر چه براى او ناگوار و تلخ باشد گوياتر؛ آگاه باش كه آسمانها و زمين بحق و عدل براى بندگان برپا است، پس مطابق انديشه ات كردار داشته باش، و با همه يكسان باش، و راه راست پيش گير، و بدانكه بصره فرودگاه شيطان و جاى نشانيدن درخت فتنه است پس أهل آن را وعده باحسان و نيكى ده- يعنى با آنان احسان و نيكى كن و به بخشش و دستگيرى آنانرا دلشاد دار- و گره بيم از دلشان بگشا.
بمن خبر رسيد كه با بني تميم پلنگخوئى و درشتى روا مى دارى با اين كه بني تميم كسانى هستند كه ستارهاى از ايشان غروب نكرد مگر اين كه ديگرى از ايشان طلوع كرد- يعنى آنان هميشه داراى بزرگى پيشوا و از أهل شرف و كرامت بودند- و كسى بر ايشان چه در زمان جاهليت و چه در زمان اسلام سبقت نگرفته كه به كينه توزى و خشم گرفتن و دشمنى بر آنان سخت گيرد و درشتى كند (يعنى آنان مردم شجاعت و حميت و قوت و نبرد بودند)، و ايشان را با ما رحامتى پيوسته و خويشى خاصى است (جد أعلاى بني هاشم و بني تميم الياس بن مضر است- و ديگر اين كه أمير عليه السلام با بني تميم رحامت بمصاهرت داشت) كه به صله رحم پاداش خوب يابيم و به قطع آن كيفر بد؛ پس اى أبو العباس- خدا رحمتت كند- در نيك و بدى كه از دست و زبانت جارى مى شود آهستگى كن و تأني و رفق پيشه گير و هموار باش و با رعيت مدارا كن كه من و تو در نيك و بد تو شريكيم (زيرا ابن عباس عامل آن حضرت بود و آنچه ميكرد باتكاء و اعتماد و پشت گرمى باو بود، و أمير عليه السلام سبب بعيد در كارهاى او است چنانكه ابن عباس سبب قريب و هر دو در آنها شريك) و باش در نزد گمان شايسته من بتو، و بايد رأى من در باره تو سست نگردد، و السلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی
____________________________________________________________
[1] ( 1) كان عسكر اسم جمل عائشة.
[2] ( 2) قد حرف في شروح نهج البلاغة و تراجمه العربية و الفارسية جارية بن قدامة بحارثة بن قدامة، فراجع الى التقريب و الاصابة لابن حجر، و الطبقات الكبرى لابن سعد( ص 56 ج 7 من طبع بيروت)، و روى الكشى في رجاله أن أمير المؤمنين عليه السلام وجهه الى أهل نجران عند ارتدادهم عن الاسلام، و قال أبو على في منتهى المقال: و وجد على كتاب الشيخ رحمه الله هكذا: قال محمد بن ادريس هذا( يعنى حارثة بن قدامة بالحاء و الثاء) اغفال واقع في التصنيف و انما هو جارية بالجيم و هو جارية بن قدامة السعدى التميمى أحد خواص على عليه السلام صاحب السرايا و الالوية و الميل يوم صفين و كان ينبغي أن يكون فى باب الجيم بغير شك- منه.
[3] ( 1) صدر القصيدة على ما في الحماسة:\s\iُ ليس الجمال بمئزر\z فاعلم و ان رديت بردا\z ان الجمال معادن\z و مناقب أورثن مجدا\z اعددت للحدثان\z سابغة و عداء علندى\z\E\E و قال الثعالبى في يتيمة الدهر( ص 233 ج 3): لما حصل الصاحب بن عباد فى رقعة جرجان على الفيل الذى كان في عسكر خراسان أمر من بحضرته من الشعراء أن يصفوه في تشبيب قصيدة على وزن قافية قول عمرو بن معديكرب: اعددت للحدثان، البيت فأتى بثلاث قصائد حسان معروفة بالفيليات لابى القاسم عبد الصمد بن بابك، و أبى الحسن الجوهرى، و أبى محمد الخازن، و بعض أبيات الجوهرى مذكور في باب البلار و البراهمة من كتاب كليلة و دمنة المترجم بالفارسى لنصر الله المنشى، كما قد اشرنا اليه من تعليقتنا عليه( ص 473 طبع طهران 1382 ه ق).
[4] ( 1) صححنا البيت في باب الاسد و الثور من كتاب كليلة و دمنة( ص 154 طبع طهران 1382 ه).
[5] ( 1)( القتال- خ ل)