google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
1 نامه هاشرح و ترجمه میر حبیب الله خوئینامه هاشرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره ۱/3 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه ۱ صبحی صالح

باب المختار من کتب مولانا أمیر المؤمنین علی ( علیه ‏السلام  )، و رسائله إلى أعدائه و أمراء بلاده، و یدخل فی ذلک ما اختیر من عهوده إلى عماله، و وصایاه لأهله و أصحابه.

۱- و من کتاب له ( علیه‏ السلام  ) إلى أهل الکوفه عند مسیره من المدینه إلى البصره

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَى أَهْلِ الْکُوفَهِ جَبْهَهِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُخْبِرُکُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى یَکُونَ سَمْعُهُ کَعِیَانِهِ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَیْهِ فَکُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِینَ أُکْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ وَ کَانَ طَلْحَهُ وَ الزُّبَیْرُ أَهْوَنُ سَیْرِهِمَا فِیهِ الْوَجِیفُ وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِیفُ

وَ کَانَ مِنْ عَائِشَهَ فِیهِ فَلْتَهُ غَضَبٍ فَأُتِیحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ وَ بَایَعَنِی النَّاسُ غَیْرَ مُسْتَکْرَهِینَ وَ لَا مُجْبَرِینَ بَلْ طَائِعِینَ مُخَیَّرِینَ

وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَهِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا وَ جَاشَتْ جَیْشَ الْمِرْجَلِ وَ قَامَتِ الْفِتْنَهُ عَلَى الْقُطْبِ فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِیرِکُمْ وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّکُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۶

«حصار أهل مصر و الكوفة و غيرهم عثمان»

و في الإمامة و السياسة للدينوري: ذكروا أن أهل مصر أقبلوا إلى علي عليه السلام فقالوا: أ لم تر عدو الله ما ذا كتب فينا؟ قم معنا إليه فقد أحل الله دمه، فقال علي عليه السلام لا و الله لا أقوم معكم قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قال على عليه السلام: لا و الله ما كتبت إليكم كتابا قط فنظر بعضهم إلى بعض. ثم أقبل الأشتر النخعي من الكوفة في ألف رجل و أقبل ابن أبي حذيفة من مصر في أربعمائة رجل فأقام اهل الكوفة و أهل مصر بباب عثمان ليلا و نهارا و طلحة يحرض الفريقين جميعا على عثمان ثم إن طلحة قال لهم: إن عثمان لا يبالي ما حصرتموه و هو يدخل إليه الطعام و الشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه.

و في تاريخ الطبري: لما انكر عثمان أن يكون كتب الكتاب و قال هذا مفتعل قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك، قال: اجل و لكنه كتبه بغير امرى، قالوا: فإن الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك. قال: اجل و لكنه خرج بغير إذني، قالوا فالجمل جملك. قال: اجل و لكنه اخذ بغير علمي، قالوا: ما انت إلا صادق او كاذب فان كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما امرت به من سفك دمائنا بغير حقها و إن كنت صادقا فقد استحققت ان تخلع لضعفك و غفلتك و خبث بطانتك لأنه لا ينبغي لنا ان نترك على رقابنا من يقتطع مثل هذا الأمر دونه لضعفه و غفلته.

و قالوا له: إنك ضربت رجالا من اصحاب النبي صلى الله عليه و آله و غيرهم حين يعظونك و يأمرونك بمراجعة الحق عند من يستنكرون من اعمالك فأقد من نفسك من‏ ضربته و انت له ظالم.

فقال: الإمام يخطى‏ء و يصيب فلا اقيد من نفسي لأنى لو أقدت كل من أصبته بخطاء أتى على نفسي.

قالوا: إنك قد أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع فاذا كلمت فيها اعطيت التوبة ثم عدت إليها و إلى مثلها ثم قدمنا عليك فاعطيتنا التوبة و الرجوع إلى الحق و لا منافيك محمد بن مسلمة و ضمن لنا ما حدث من أمر فأخفرته فتبرأ منك و قال: لا أدخل في أمره فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك و نبلغ أقصى الأعذار إليك نستظهر بالله عز و جل عليك فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل و القطع و الصلب و زعمت أنه كتب بغير علمك و هو مع غلامك و على جملك و بخط كاتبك و عليه خاتمك فقد وقعت عليك بذلك التهمة القبيحة مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم و الأثرة في القسم و العقوبة للأمر بالتبسط من الناس و الإظهار للتوبة ثم الرجوع إلى الخطيئة و لقد رجعنا عنك و ما كان لنا أن نرجع حتى نخلعك و نستبدل بك من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله من لم يحدث مثل ما جربنا منك و لم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك فاردد خلافتنا و اعتزل امرنا فان ذلك أسلم لنا منك و أسلم لك منا.

فقال عثمان: فرغتم من جميع ما تريدون؟ قالوا: نعم. قال: أما بعد فانكم لم تعدلوا في المنطق و لم تنصفوا في القضاء أما قولكم تخلع نفسك فلا أنزع قميصا قمصنيه الله و لكني أتوب و أنزع و لا أعود لشي‏ء عابه المسلمون فإني و الله الفقير إلى الله الخائف منه.

قالوا: إن هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه و لم تقم عليه لكان علينا أن نقبل منك و أن ننصرف عنك، و لكنه قد كان منك من الاحداث قبل هذا ما قد علمت و لقد انصرفنا عنك في المرة الأولى و ما نخشى أن تكتب فينا و لا من اعتللت به بما وجدنا في كتابك مع غلامك و كيف نقبل توبتك و قد بلونا منك أن لا تعطى‏ من نفسك التوبة من ذنب إلا عدت عليه فلسنا منصرفين حتى نعزلك و نستبدل بك فإن حال من معك من قومك و ذوى رحمك و أهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم حتى نخلص إليك فنقتلك أو تلحق أرواحنا بالله. إلى أن قال: ثم انصرفوا عن عثمان و آذنوه بالحرب، و ارسل عثمان إلى محمد بن مسلمة فكلمه أن يردهم فقال: و الله لا أكذب الله في سنة مرتين.

قال الطبري: إن عليا جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تكلم كلاما يسمعه الناس منك و يشهدون عليه و يشهد الله على ما في قلبك من النزوع و الإنابة فان البلاد قد تمخضت عليك فلا آمن ركبا آخرين يقدمون من الكوفة فتقول يا علي اركب إليهم و لا أقدر أن أركب إليهم و لا أسمع عذرا و يقدم ركب آخرون من البصرة فتقول يا علي اركب إليهم فان لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك و استحققت «استخففت ظ» بحقك.

فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها و أعطى الناس من نفسه التوبة فقام فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس فو الله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله و ما جئت شيئا إلا و أنا أعرفه و لكنى مننتني نفسي و كذبتني و ضل عن رشدي و لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: من زل فليتب و من أخطأ فليتب و لا يتمادى في الهلكة إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق فأنا أول من اتعظ أستغفر الله مما فعلت و أتوب إليه فمثلي نزع و تاب فاذا نزلت فليأتني اشرافكم فليروني رأيهم فو الله لئن ردني الحق عبدا لأستنن بسنة العبد و لأذلن ذل العبد و لأكونن كالمرقوق إن ملك صبر و إن عتق شكر و ما عن الله مذهب إلا إليه فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنو إلى أبت يميني لتتابعني شمالي.

فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان و سعيدا و نفرا من بني أمية و لم يكونوا شهدوا الخطبة فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان الكلبية: لا بل اصمت فانهم و الله قاتلوه و مؤتموه إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها، فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت و ذاك‏ فو الله لقد مات أبوك و ما يحسن يتوضأ، فقالت له: مهلا يا مروان عن ذكر الاباء تخبر عن أبي و هو غائب تكذب عليه و إن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه أما و الله لو لا أنه عمه و أنه يناله غمه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه، فأعرض عنها مروان ثم قال: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت؟ قال: بل تكلم.

فقال مروان: بأبي أنت و امي و الله لوددت أن مقالتك هذه كانت و أنت ممتنع منيع فكنت أول من رضى بها و أعان عليها و لكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبيين و خلف السبيل الزبى و حين أعطى الخطة الذليلة الذليل و الله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها و إنك إن شئت تقربت بالتوبة و لم تقرب بالخطيئة و قد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس.

فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلمهم فاني استحيى ان اكلمهم.

فخرج مروان إلى الباب و الناس يركب بعضهم بعضا فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم؟ كأنكم قد جئتم لنهب شاهت الوجوه كل إنسان آخذ باذن صاحبه الا من اريد جئتم ترويدون ان تنزعوا ملكنا من ايدينا؟ اخرجوا عنا اما و الله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا امر لا يسركم و لا تحمدوا غب رأيكم ارجعوا إلى منازلكم فانا و الله ما نحن مغلوبين على ما في ايدينا.

فرجع الناس و خرج بعضهم حتى اتى عليا عليه السلام فاخبره الخبر فجاء علي عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال: اما رضيت من مروان و لا رضى منك إلا بتحرفك عن دينك و عن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به و الله ما مروان بذي رأى في دينه و لا نفسه و ايم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك و ما انا بعائذ بعد مقامي هذا لمعاتبتك اذهلت شرفك و غلبت على امرك.

فلما خرج علي عليه السلام دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته فقالت: قد سمعت قول على لك و إنه ليس يعاودك و قد اطعت مروان يقودك حيث شاء.

قال عثمان: فما اصنع؟ قالت: تتقى الله وحده لا شريك له و تتبع سنة صاحبيك من قبلك فانك متى اطعت مروان قتلك و مروان ليس له عند الناس قدر

و لا هيبة و لا محبة و إنما تركك الناس لمكان مروان فأرسل إلى علي عليه السلام فاستصلحه فإن له قرابة منك و هو لا يعصى، فأرسل عثمان إلى علي عليه السلام فأبى أن يأتيه و قال:

قد أعلمته له أنى لست بعائد. فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه فقال: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلم، فقال: إن بنت الفرافصة، فقال عثمان:لا تذكرنها بحرف فاسوى لك وجهك فهى و الله أنصح لي منك فكف مروان.

فلما رأى عثمان ما قد نزل به و ما قد انبعث عليه من الناس كتب إلى معاوية ابن أبي سفيان و هو بالشام: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن أهل المدينة قد كفروا و أخلفوا الطاعة و نكثوا البيعة فابعث إلى من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب و ذلول، ثم كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز و إلى أهل الشام: إن كان عندكم غياث فالعجل العجل فان القوم معاجلي.

«مخاطبة عثمان من أعلى القصر طلحة»

في الامامة و السياسة: إن عثمان لما منع الماء صعد على القصر و استوى في أعلاه ثم نادى أين طلحة؟ فأتاه فقال: يا طلحة أما تعلم أن بئر رومة كانت لفلان اليهودي لا يسقى أحدا من الناس منها قطرة إلا بثمن فاشتريتها بأربعين ألفا فجعلت رشائي فيها كرشاء رجل من المسلمين، لم أستأثر عليهم؟ قال: نعم، قال: فهل تعلم أن أحدا يمنع أن يشرب منها اليوم غيري؟ لم ذلك؟.

قال: لأنك بدلت و غيرت.

قال: فهل تعلم: أن رسول الله قال: من اشترى هذا البيت و زاده في المسجد فله به الجنة، فاشتريته بعشرين ألفا و أدخلته في المسجد. قال طلحة: نعم. قال:

فهل تعلم اليوم أحدا يمنع فيه من الصلاة غيري؟ قال: لا. قال: لم؟

قال: لأنك غيرت و بدلت.

«كلام عثمان في طلحة»

روى الطبرى- ص 411 ج 3 طبع مصر 1357 ه- باسناده عن عبد الله بن عباس‏ ابن ربيعة قال: دخلت على عثمان فتحدثت عنده ساعة، فقال: يا ابن عباس تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب عثمان فسمعنا كلاما منهم من يقول: ما تنتظرون به، و منهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع فبينا أنا و هو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد الله فوقف فقال أين ابن عديس؟ فقيل: ها هو ذا. فجائه ابن عديس فناجاه بشي‏ء ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرجل و لا يخرج من عنده، قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله، ثم قال عثمان: اللهم اكفني طلحة بن عبيد الله فانه حمل على هؤلاء و ألبهم و الله إنى لأرجو أن يكون منها صفر أو أن يسفك دمه إنه انتهك مني ما لا يحل له.

«انكار طلحة و الزبير على عثمان»

في الجمل للمفيد: لما أبى عثمان أن يخلع نفسه تولى طلحة و الزبير حصاره و الناس معهما على ذلك فحصروه حصرا شديدا و منعوه الماء و أنفذ إلى علي عليه السلام يقول: إن طلحة و الزبير قد قتلاني من العطش و الموت بالسلاح أحسن، فخرج عليه السلام معتمدا على يد المسود بن مخزمة الزهري حتى دخل على طلحة بن عبيد الله و هو جالس في داره يسوى نبلا و عليه قميص هندي فلما رآه طلحة رحب به و وسع له على الوسادة، فقال له علي عليه السلام إن عثمان قد أرسل إلى أنكم قد هلكتموه عطشا و أن ذلك ليس بالحسن و القتل بالسلاح أحسن و كنت قد آليت على نفسي أن لا أرد عنه أحدا بعد أهل مصر و أنا احب أن تدخلوا عليه الماء حتى تروا رأيكم فيه، فقال طلحة: لا و الله لا ننعمنه عينا و لا نتركه يأكل و لا يشرب، فقال علي عليه السلام: ما كنت أظن أن اكلم أحدا من قريش فيردني، دع ما كنت فيه يا طلحة، فقال طلحة: ما كنت أنت يا علي في ذلك من شي‏ء فقام علي عليه السلام مغضبا و قال:ستعلم يا ابن الحضرمية أكون في ذلك من شي‏ء أم لا، ثم انصرف.

قال: و روي أبو حذيفة بن إسحاق بن بشير القرشي أيضا قال: حدثني يزيد ابن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: و الله إني لأنظر إلى طلحة و عثمان‏ محصور و هو على فرس أدهم و بيده الرمح يجول حول الدار و كأني انظر إلى بياض ما وراء الدرع.

قال: و روى أبو إسحاق قال: لما اشتد الحصار بعثمان عمد بنو امية على إخراجه ليلا إلى مكة و عرف الناس فجعلوا عليه حرسا و كان على الحرس طلحة ابن عبيد الله و هو أول من رمى بسهم في دار عثمان.

قال: قال: و اطلع عثمان و قد اشتد به الحصار و ظمأ من العطش فنادى:

أيها الناس اسقونا شربة من الماء و أطعمونا مما رزقكم الله، فناداه الزبير بن العوام يا نعثل لا و الله لا تذوقه.

قال: و روى أبو حذيفة القرشي عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن تغلبة بن يزيد الحماني قال: أتيت الزبير و هو عند أحجار الزيت فقلت له: يا أبا عبد الله قد حيل بين أهل الدار و بين الماء فنظر نحوهم و قال: و حيل بينهم و بين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب‏ (سبأ: 54) فهذه الأحاديث من جملة كثيرة في هذا المعنى.

«كان عمرو بن العاص شديد التحريض و التأليب على عثمان»

روى أبو جعفر الطبري في التاريخ- ص 395 ج 3 طبع مصر 1357- أن عمرو بن العاص كان ممن يحرض على عثمان و يغرى به و لقد خطب عثمان يوما في أواخر خلافته فصاح به عمرو بن العاص اتق الله يا عثمان فإنك قد ركبت نهابير و ركبناها معك فتب إلى الله نتب فناداه عثمان و إنك ههنا يا ابن النابغة قملت و الله جبتك منذ تركتك من العمل فنودى من ناحية اخرى تب إلى الله و نودى من اخرى مثل ذلك و أظهر التوبة يكف الناس عنك قال: فرفع عثمان يديه مدا و استقبل القبلة فقال: اللهم اني أول تائب إليك و رجع منزله و خرج عمرو بن العاص حتى نزل منزله بفلسطين فكان يقول: و الله إن كنت لألقى الراعى فاحرضه عليه. و كذا نقل تأليبه على عثمان على التفصيل و التطويل في ص 392 فراجع.

و في ص 392 منه: كان عمرو بن العاص على مصر عاملا لعثمان فعزله عن الخراج و استعمله على الصلاة و استعمل عبد الله بن سعد على الخراج ثم جمعهما لعبد الله بن سعد فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على عثمان فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به فقال: يا ابن النابغة ما أسرع ما قمل جربان جبتك إنما عهدك بالعمل عاما أول أتطعن علي؟ و تأتيني بوجه و تذهب عني باخر و الله لو لا أكلة ما فعلت ذلك.

فقال عمرو: إن كثيرا مما يقول الناس و ينقلون إلى ولاتهم باطل فاتق الله يا أمير المؤمنين في رعيتك، فقال عثمان: و الله لقد استعملتك على ظلعك و كثرة القالة فيك، فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني و هو عني راض فقال عثمان: و أنا و الله لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستصمت و لكني لنت عليك فاجترأت على أما و الله لأنا أعز منك نفرا في الجاهلية و قبل أن ألى هذا السلطان فقال عمرو: دع عنك هذا فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه و آله و هذانا به قد رأيت العاص بن وائل و رأيت أباك عفان فو الله للعاص كان أشرف من أبيك، فانكسر عثمان و قال: ما لنا و لذكر الجاهلية، و خرج عمرو و دخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين و قد بلغت مبلغا يذكر عمرو بن العاص أباك؟ فقال عثمان: دع هذا عنك من ذكر آباء الرجال ذكروا أباه.

فخرج عمرو من عند عثمان و هو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيؤلبه على عثمان و يأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان و يأتي طلحة مرة فيؤلبه على عثمان و يعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلما كان حصر عثمان الأول خرج من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع فنزل في قصر له يقال له العجلان و هو يقول العجب ما يأتينا عن ابن عفان فبينا هو جالس في قصره ذلك و معه ابناه محمد و عبد الله و سلامة بن روح الجذامي إذ مر بهم راكب فناداه عمرو من أين قدم الرجل؟ فقال: من المدينة قال: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان، قال:تركته محصورا شديد الحصار، قال عمرو: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير و المكواة في النار فلم يبرح مجلسه ذلك حتى مر به راكب آخر فناداه عمرو ما فعل الرجل؟

يعني عثمان، قال: قتل، قال: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها ان كنت لأحرض عليه حتى أني لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل.

فقال سلامة بن روح: يا معشر قريش إنه كان بينكم و بين العرب باب وثيق فكسرتموه فما حملكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نخرج الحق من حافرة الباطل و أن يكون الناس في الحق شرعا سواء.

و كانت عند عمرو اخت عثمان لأمه ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ففارقها حين عزله.

بيان‏

جربان: بضم الأولين و تشديد الباء و بكسرهما أيضا: جيب الجبة و القميص و نحوهما و يقال بالفارسية گريبان جامه و يشبه أن يكون معربه. و قوله: قد يضرط العير و المكواة في النار، مثل يضرب للرجل يخوف الأمر فيجزع قبل وقوعه فيه و أول من قال ذلك عرفطة بن عرفجة الهزائي ذكر تفصيله أبو هلال العسكري في الباب الحادي و العشرين من جمهرة الأمثال و الميداني في الباب الحادي و العشرين من مجمع الأمثال فراجع.

«كلامه الاخر المخالف للأول الصريح في انه كان عبيد الدنيا»

قال المسعودي في مروج الذهب- ص 4 ج 2 طبع مصر 1346 ه-: و قد كان عمرو بن العاص انحرف عن عثمان لانحرافه و تولية مصر غيره فنزل الشام فلما اتصل به أمر عثمان و ما كان من بيعة علي كتب إلى معاوية يهزه و يشير عليه بالمطالبة بدم عثمان و كان فيما كتب به إليه: ما كنت صانعا إذا قشرت من كل شي‏ء تملكه فاصنع ما أنت صانع، فبعث إليه معاوية فسار إليه فقال له معاوية: بايعني قال: و الله لا اعينك من دينى حتى أنال من دنياك، قال: سل، قال: مصر طعمة فأجابه إلى ذلك و كتب له به كتابا و قال عمرو بن العاص في ذلك:

معاوى لا أعطيك ديني و لم أنل‏به منك دنيا فانظرن كيف تصنع‏
فان تعطني مصرا فأربح صفقةأخذت بها شيخا يضر و ينفع‏

روى الطبري أيضا (ص 560 ج 3) انه لما احيط بعثمان خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجها نحو الشام و معه ابناه عبد الله و محمد- إلى أن قال في كلام طويل- حتى قدم على معاوية فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان فقال عمرو بن العاص: أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم، و معاوية لا يلتفت إلى قول عمرو فقال ابنا عمرو لعمرو: ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك؟ انصرف إلى غيره، فدخل عمرو على معاوية فقال: و الله لعجب لك إني أرفد مما أرفدك و أنت معرض عني أما و الله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته و فضله و قرابته و لكنا إنما أردنا هذه الدنيا، فصالحه معاوية و عطف عليه. انتهى.

أقول: لا يخفى على اولى الدراية و الفطانة أن عمرو بن العاص كان بمعزل عن الحق و الصدق و ما كان همه إلا الدنيا و التقرب إلى أهلها و انه كأضرا به ممن سمعت أسامي بعضهم لعبوا بالدين و اتخذوا كتاب الله سخريا و كانوا أهل الختل و الغدر و قاموا إلى حرب ولى الله الأعظم سيد الموحدين علي أمير المؤمنين بالعداوة الواغرة في صدورهم و الضغائن الكامنة في قلوبهم حبا للدنيا الدنية و بغضا لأهل الله و هذا هو عمرو بن العاصى قال مرة لعثمان: فانك قد ركبت نهابير و ركبناها معك و قال تارة لشيعة عثمان: أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم، و اخرى اظهر خبث سريرته فقال لمعاوية: نقاتل من تعلم سابقته و فضله و قرابته (يعني عليا عليه السلام) و لكنا إنما اردنا هذه الدنيا.

«كلام عائشة في عثمان و انكارها عليه»

في الإمامة و السياسة و غيره من كتب السير: ان عائشة كانت أول من طعن على عثمان و اطمع الناس فيه و كانت تقول: اقتلوا نعثلا فقد فجر. و تعنى من نعثل عثمان. و قال عبيد بن ام كلاب مخاطبا إياها في ابيات له:

و أنت أمرت بقتل الإمام‏و قلت لنا إنه قد فجر

و تجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة و استتبعت أخاها.

في الجمل للمفيد «ره»: و أما تأليب عائشة على عثمان فهي أظهر مما وردت به الأخبار من تأليب طلحة و الزبير عليه فمن ذلك ما رواه محمد بن إسحاق صاحب السيرة عن مشايخه عن حكيم بن عبد الله قال: دخلت يوما بالمدينة إلى المسجد فاذا كف مرتفعة و صاحب الكف يقول: أيها الناس العهد قريب هذان نعلا رسول الله صلى الله عليه و آله و قميصه و كأني أرى ذلك القميص يلوح و أن فيكم فرعون هذه الأمة فإذا هي عائشة، و عثمان يقول لها: اسكتي ثم يقول للناس: انها امرأة و عقلها عقل النساء فلا تصغوا إلى قولها.

قال: و روى الحسن بن سعد قال: رفعت عائشة ورقة من المصحف بين عودتين من وراء حجلها و عثمان قائم ثم قالت: يا عثمان أقم ما في هذا الكتاب، فقال:

لتنتهين عما أنت عليه أو لأدخلن عليك حمر النار، فقالت له عائشة: أما و الله لأن فعلت ذلك بنساء النبي يلعنك الله و رسوله و هذا قميص رسول الله لم يتغير و قد غيرت سنته.

قال: و روى الليث بن أبي سليمان عن ثابت الأنصاري عن ابن أبي عامر مولى الأنصار قال: كنت في المسجد فمر عثمان فنادته عائشة يا غدر يا فجر أحقرت أمانتك و ضيعت رعيتك و لو لا الصلوات الخمس لمشى إليك الرجال حتى يذبحوك ذبح الشاة، فقال عثمان: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين‏ (التحريم: 11).

قال: و روى محمد بن إسحاق المدائني و حذيفة قال: لما عرفت عائشة أن الرجل مقتول تجهزت إلى مكة جاءها مروان بن الحكم و سعيد بن العاص فقالا لها: إنا لنظن أن الرجل مقتول و أنت قادرة على الدفع عنه و إن تقيمي يدفع الله بك عنه، قالت: ما أنا بقاعدة و قد قدمت ركابي و غريت غرائري و أوجبت الحج‏ على نفسي فخرج من عندها مروان يقول زخرف قيس على البلاد حتى إذا اضطربت فسمعت عائشة فقالت: أيها المتمثل هلم قد سمعت ما تقول أ تراني في شك من صاحبك و الله لوددت انه في غرارة من غرائري حتى إذا مررت بالبحر قذفته فيه. فقال مروان: قل و الله تبنيت قل و الله تبنيت.

قال: قال فسارت عائشة فاستقبلها ابن عباس بمنزل يقال له الصلعاء و ابن عباس يريد المدينة فقالت يا ابن عباس انك قد اوتيت عقلا و بيانا و إياك ان ترد الناس عن قتل الطاغية.و سيأتي طائفة من الأخبار في أقوالها له و ما فعلت بعد ذلك.

«قتل عثمان»

لما حصر الناس عثمان في داره منعوه الماء فأشرف على الناس و قال: ألا أحد يسقينا؟ قال المسعودي: فبلغ عليا طلبه للماء فبعث إليه بثلاث قرب ماء فما وصل إليه ذلك حتى خرج جماعة من موالي بني هاشم و بني اميه و ارتفع الصوت و كثر الضجيج و أحدقوا بداره بالسلاح و طالبوه بمروان فأبى أن يخلى عنه و في الناس بنو زهرة لأجل عبد الله بن مسعود لأنه كان من أحلافها. و هذيل لأنه كان منها و بنو مخزوم و أحلافها لعمار، و غفار و أحلافها لأجل أبي ذر، و تيم بن مرة مع محمد ابن أبي بكر و غير هؤلاء من خلق كثير.

قال الطبري: كان الحصر أربعين ليلة و النزول سبعين فلما مضت من الأربعين ثمان عشرة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من تهيأ إليهم من الافاق: حبيب من الشام و معاوية من مصر و القعقاع من الكوفة و مجاشع من البصرة فعندها حالوا بين الناس و بين عثمان و منعوه كل شي‏ء حتى الماء و قد كان يدخل على عليه السلام بالشي‏ء مما يريد و طلبوا العلل فلم تطلع عليهم علة فعثروا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا قوتلنا و ذلك ليلا.

فناداهم عثمان: ألا تتقون الله ألا تعلمون أن في الدار غيري؟ قالوا: لا و الله ما رميناك قال: فمن رمانا؟ قالوا: الله، قال: كذبتم إن الله عز و جل لو رمانا لم‏

يخطئنا و أنتم تخطئوننا و أشرف عثمان على آل حزم و هم جيرانه فسرح ابنا لعمرو إلى على بأنهم قد منعونا الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء فافعلوا و إلى طلحة و الزبير و إلى عائشة و أزواج النبي؛ فكان أولهم إنجادا له علي و ام حبيبة جاء علي عليه السلام في الغلس فقال: يا أيها الناس إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة فان الروم و فارس لتأسر فتطعم و تسقى.

قال الدينوري في الإمامة و السياسة و المسعودي و الطبري: بعث عثمان إلى علي عليه السلام يخبره أنه منع من الماء و يستغيث به فبعث إليه علي عليه السلام ثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه فقال طلحة: ما أنت و هذا؟ و كان بينهما في ذلك كلام شديد فبينما هم كذلك إذا أتاهم آت فقال لهم: إن معاوية قد بعث من الشام يزيد بن أسيد ممدا لعثمان في أربعة آلاف من خيل الشام فاصنعوا ما أنتم صانعون و إلا فانصرفوا.

قال المسعودي: فلما بلغ عليا أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن و الحسين و مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته و أمرهم أن يمنعوه منهم و بعث الزبير ابنه عبد الله على كره و بعث طلحة ابنه محمدا كذلك و أكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بهم فصدوهم عن الدار فاشتبك القوم و جرح الحسن و شج قنبر و جرح محمد بن طلحة فخشى القوم أن يتعصب بنو هاشم و بنو امية فتركوا القوم في القتال على الباب و مضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار فتسوروا عليها و كان ممن وصل إليه محمد بن أبي بكر و رجلان آخران و عند عثمان زوجته نائلة و أهله و مواليه مشاغيل بالقتال فصرعه محمد و قعد على صدره و أخذ بلحيته و قال: يا نعثل ما أغنى عنك معاوية و ما اغنى عنك ابن عامر و ابن أبي سرح.

فقال له عثمان: يا ابن أخي دع عنك لحيتى فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه فقال محمد: لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك و ما اريد بك أشد من قبضي على لحيتك و خرج عنه إلى الدار و تركه فدعا عثمان بوضوء فتوضأ و أخذمصحفا فوضعه في حجره ليحترم به و دخل الرجلان فوجداه فقتلاه يقال لأحدهما الموت الأسود خنق عثمان ثم خفقه ثم خرج فقال و الله ما رأيت شيئا قط ألين من حلقه و الله لقد خنقته حتى رأيت نفسه تتردد في جسده كنفس الجان.

قال الطبري: فدخل عليه كنانة بن بشر التجيبي فأشعره مشقصا فانتضح الدم على هذه الاية فسيكفيكهم الله و هو السميع العليم‏.

قال الدينوري: لما أخذ مصحفا فوضعه في حجره ليحترم به دخل عليه رجل من أهل الكوفة بمشقص في يده فوجأ به منكبه مما يلي الترقوة فأدماه و نضح الدم على ذلك المصحف و جاء آخر فضربه برجله و جاء آخر فوجأه بقائم سيفه فغشى عليه و محمد بن أبي بكر لم يدخل مع هؤلاء فتصايح نساؤه و رش الماء على وجهه فأفاق، فدخل محمد بن أبي بكر و قد أفاق فقال له: أى نعثل غيرت و بدلت و فعلت ثم دخل رجل من أهل مصر فأخذ بلحيته فنتف منها خصلة و سل سيفه و قال: افرجوا لي فعلاه بالسيف فتلقاه عثمان بيده فقطعها ثم دخل رجل آخر و هو كنانة بن بشر ابن عتاب التجيبي و معه جرز آخر من حديد فمشى إليه فقال: على أى ملة أنت يا نعثل؟ فقال: لست بنعثل و لكنى عثمان بن عفان و أنا على ملة إبراهيم حنيفا و ما أنا من المشركين؛ قال: كذبت و ضربه بالجرز على صدغه الأيسر فغسله الدم و خر على وجهه و قد قيل: ان عمرو بن الحمق طعنه بسهام تسع طعنات و كان فيمن مال عليه عمير بن ضابئ البرجمي التميمي و خضخض بسيفه بطنه.

و قال الطبري: رفع كنانة مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل اذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ثم علاه بالسيف حتى قتله، و روى رواية اخرى أن كنانة ضرب جبينه و مقدم رأسه بعمود حديد فخر لجبينه فضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجبينه فقتله.

فصرخت امرأته و قالت: قد قتل أمير المؤمنين فدخل الحسن و الحسين و من كان معهما من بني امية فوجدوه قد فاضت نفسه؛ قال المسعودي: فبلغ ذلك عليا و طلحة و الزبير و سعدا و غيرهم من المهاجرين و الأنصار فاسترجع القوم و دخل علي عليه السلام‏ الدار و هو كالواله الحزين فقال لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين و أنتما على الباب و لطم الحسن و ضرب الحسين و شتم محمد بن طلحة و لعن عبد الله بن الزبير.

و قال علي عليه السلام لزوجته نائلة بنت الفرافصة: من قتله و أنت كنت معه؟ فقالت دخل إليه رجلان و قصت خبر محمد بن أبي بكر فلم ينكر ما قالت و قال: و الله لقد دخلت عليه و أنا اريد قتله فلما خاطبني بما قال خرجت و لا أعلم بتخلف الرجلين عنى، و الله ما كان لي في قتله سبب و لقد قتل و أنا لا أعلم بقتله، و كان مدة ما حوصر عثمان في داره تسعا و اربعين يوما و قيل أكثر من ذلك.

«الموضع الذي دفن فيه عثمان»

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ: لبث عثمان بعد ما قتل ثلاثة أيام لا يستطيعون دفنه و لم يشهد جنازته الا مروان و ثلاثة من مواليه و ابنته الخامسة فناحت ابنته و أخذ الناس الحجارة و قالوا: نعثل نعثل و كادت ترجم. و قال ابن قتيبة: احتملوه على باب و انطلقوا مسرعين و يسمع وقع رأسه على اللوح و ان رأسه ليقول: طق طق.

فلما وضع ليصلى عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه و منعوهم ان يدفن بالبقيع فقال بعض من حمل جنازته: ادفنوه فقد صلى الله عليه و ملائكته، فقالوا: لا و الله لا يدفن في مقابر المسلمين ابدا فدفنوه في حائط يقال له: حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما ظهر معاوية بن ابي سفيان على الناس امر بهدم ذلك الحائط حتى افضى به إلى البقيع فأمر الناس ان يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين و لم يغسل عثمان و كفن في ثيابه و دمائه و دفنوه ليلا لأنهم لا يقدرون أن يخرجوا به نهارا.

و قال في نقل آخر: إن نائلة تبعتهم بسراج استسرجته بالبقيع و صلى عليه جبير بن مطعم و في نقل آخر صلى عليه مروان و أرادت نائلة أن تتكلم فزبرها القوم و قالوا: إنا نخاف عليه من هؤلاء الغوغاء أن ينبشوه، فرجعت نائلة إلى منزلها.

و قال ابن قتيبة في الإمامة و السياسة: ثم دلوه في حفرته فدفنوه و لم يلحدوه‏ بلبن، و حثوا عليه التراب حثوا.

و في تاريخ أبي جعفر الطبري أن حكيم بن حزام القرشي و جبير بن مطعم كلما عليا في دفنه و طلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ففعل و أذن لهم علي عليه السلام فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة و خرج به ناس يسير من أهله و هم يريدون به حائطا بالمدينة يقال له: حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما خرج على الناس رجموا سريره و هموا بطرحه فبلغ ذلك عليا فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه ففعلوا فانطلق حتى دفن في حش كوكب. و في نقل آخر منه: و جاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه فأرسل علي عليه السلام فمنع من رجم سريره و كف الذين راموا منع الصلاة عليه.

و كان الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخا عثمان لأمه فسمع الليلة الثانية من مقتل عثمان يندبه و هو يقول:

بني هاشم إيه فما كان بينناو سيف ابن أروى عندكم و حرائبه‏
بني هاشم ردوا سلاح ابن اختكم‏و لا تنهبوه ما تحل مناهبه‏
غدرتم به كيما تكونوا مكانه‏كما غدرت يوما بكسرى مرازبه‏

و هي أبيات، فأجابه عن هذا الشعر و فيما رمى به بني هاشم و نسب إليهم الفضل ابن العباس بن أبي لهب فقال:

فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم‏أضيع و ألقاه لدى الروع صاحبه‏
سلوا أهل مصر عن سلاح ابن اختنافهم سلبوه سيفه و حرائبه‏
و كان ولى العهد بعد محمدعلى و في كل المواطن صاحبه‏
على ولي الله أظهر دينه‏و أنت مع الأشقين فيما تحاربه‏
و أنت امرؤ من أهل صيفور مارح‏فما لك فينا من حميم تعاتبه‏
و قد أنزل الرحمن أنك فاسق‏فما لك في الإسلام سهم تطالبه‏

و قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط المذكور أيضا يحرض أخاه عمارة بن عقبة:

ألا إن خير الناس بعد ثلاثةقتيل التجيبي الذي جاء من مصر
فان يك ظني بابن امي صادقاعمارة لا يطلب بذحل و لا وتر
يبيت و أوتار ابن عفان عنده‏محيمه بين الخورنق و القصر

فأجابه الفضل بن عباس أيضا:

أ تطلب ثارا لست منه و لا له‏و أين ابن ذكوان الصفوري من عمرو
كما اتصلت بنت الحمار بامهاو تنسى أباها إذ تسامي اولى الفخر
ألا إن خير الناس بعد محمدوصي النبي المصطى عند ذى الذكر
و أول من صلى و صنو نبيه‏و أول من أردى الغواة لدى بدر
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم‏لكانوا له من ظلمه حاضرى النصر
كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله‏و أن يسلموه للأحابيش من مصر

«تذكرة»

قد مضت طائفة من الأقوال في حصر عثمان و هتف الناس باسم أمير المؤمنين علي عليه السلام للخلافة و قوله عليه السلام: ما زلت أذب عن عثمان حتى اني لأستحى و غيرها فى المختار 238 من كلامه عليه السلام في باب الخطب فراجع.

اقول: و لو لم يكن كلما نقلنا من احداث عثمان او بعضه مما يوجب خلعه و البراءة منه لوجب أن يكون الصحابة ينكر على من قصده من البلاد متظلما مما فعلوه و قدموا عليه و قد علمنا ان بالمدينة المهاجرين و الأنصار و كبار الصحابة لم ينكروا ذلك و صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث و لم يقبلوا ما جعله عذرا بل أسلموه و لم يدفعوا عنه بل اعانوا قاتليه و لم يمنعوا من قتله و حصره و منع الماء منه مع أنهم متمكنون من خلاف ذلك و ذلك أقوى الدليل على ما قلناه.

«جواب القاضى عبد الجبار عن بعض ما قدمناه و اعتذاره منه»

و قد تكلف القاضي عبد الجبار في الجواب عن بعض هذه الأمور على أن‏ إمامه قتل مظلوما بما لا يخفى وهنها عن من كان له أدنى بصيرة في سيرة عثمان و أحداثه المخالفة لسيرة الرسول و حكم القرآن و لكنا نذكر ما قال ثم نتبعه باعتراض علم الهدى له زيادة للبصيرة. قال القاضي: فأما قولهم إنه كتب إلى ابن أبي سرح حيث ولى محمد بن أبي بكر بأن يقتله و يقتل أصحابه فقد أنكر أشد التنكير حتى حلف عليه و بين أن الكتاب الذي ظهر ليس كتابه و لا الغلام غلامه و لا الراحلة راحلته و كان في جملة من خاطبه في ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقبل عذره و ذلك بين لأن قول كل أحد مقبول في مثل ذلك و قد علم أن الكتاب قد يجوز فيه التزوير فهو بمنزلة الخير الذي يجوز فيه الكذب.

ثم اعتذر عن قول من يقول قد علم أن مروان هو الذي زور الكتاب لأنه الذى كان يكتب عنه فهلا أقام الواجب فيه؟ بأن قال: ليس يجب بهذا القدر أن يقطع على أن مروان هو الذى فعل ذلك لأنه و إن غلب ذلك في الظن فلا يجوز أن يحكم به و قد كان القوم يسومونه تسليم مروان إليهم و ذلك ظلم لأن الواجب على الإمام أن يقيم الحد على من يستحقه أو التأديب و لا يحل له تسليمه من غيره فقد كان الواجب أن يثبتوا عنده ما يوجب في مروان الحد ليفعله به و كان إذا لم يفعل و الحال هذه يستحق التعنيف.

ثم ذكر أن الفقهاء ذكروا في كتبهم أن الأمر بالقتل لا يوجب قودا ولادية و لا حدا فلو ثبت في مروان ما ذكروه لم يستحق القتل و إن استحق التعزير لكنه عدل عن تعزيره لأنه لم يثبت قال: و قد يجوز أن يكون عثمان ظن أن هذا الفعل فعل بعض ما يعادى مروان تقبيحا لأمره لأن ذلك يجوز كما يجوز أن يكون من فعله و لا يعلم كيف كان اجتهاده و ظنه و بعد فان هذا الحديث من أجل ما نقموا عليه فان كان شي‏ء من ذلك يوجب خلع عثمان و قتله فليس إلا ذلك و قد علمنا أن هذا الأمر لو ثبت ما كان يوجب القتل لأن الأمر بالقتل لا يوجب القتل لا سيما قبل وقوع القتل المأمور به.

قال: فيقال لهم لو ثبت ذلك على عثمان أ كان يجب قتله؟ فلا يمكنهم إدعاء ذلك لأنه بخلاف الدين و لابد أن يقولوا: إن قتله ظلم فكذلك في حبسه في الدار و منعه من الماء فقد كان يجب أن يدفع القوم عن كل ذلك و أن يقال إن من لم يدفعهم و ينكر عليهم يكون مخطئا و في ذلك تخطئة أصحاب الرسول.

ثم ذكر أن مستحق القتل و الخلع لا يحل أن يمنع الطعام و الشراب و أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام لم يمنع أهل الشام من الماء في صفين و قد تمكن من منعهم و أطنب في ذلك إلى أن قال: و كل ذلك يدل على كونه مظلوما و أن ذلك كان من صنيع الجهال و أعيان الصحابة كارهون لذلك. ثم ذكر أن قتله لو وجب لم يجز أن يتولاه العوام من الناس و أن الذين أقدموا على قتله كانوا بهذه الصفة و إذا صح أن قتله لم يكن لهم فمنعهم و النكير عليهم واجب.

ثم ذكر أنه لم يكن منه ما يستحق القتل من ردة أوزنا بعد إحصان أو قتل نفس و انه لو كان منه ما يوجب القتل لكان الواجب أن يتولاه الإمام فقتله على كل حال منكر و انكار المنكر واجب، قال: و ليس أحد أن يقول إنه أباح قتل نفسه من حيث امتنع من دفع الظلم عنهم لأنه لم يمتنع من ذلك بل أنصفهم و نظر في حالهم و لأنه لو لم يفعل ذلك لم يحل لهم قتله لأنه إنما يحل قتل الظالم إذا كان على وجه الدفع.

قال: و المروي أنهم أحرقوا بابه و هجموا عليه في منزله و بعجوه بالسيف و المشاقص فضربوا يد زوجته لما وقعت عليه و انتهبوا متاع داره و مثل هذه القتلة لا يحل في الكافر و المرتد فكيف يظن أن الصحابة لم ينكر ذلك و لم يعده ظلما حتى يقال انه مستحق من حيث لم يدفع القوم عنه ثم قص شيئا من قصته في تجمع القوم عليه و توسط أمير المؤمنين عليه السلام لأمرهم و أنه بذل لهم ما أرادوه و أعتبهم و أشهد على نفسه بذلك حرفه و لم يأت به على وجهه و ذكر قصة الكتاب الذي وجدوه بعد ذلك المتضمن لقتل القوم و ذكر أن أمير المؤمنين عليه السلام واقفه على الكتاب فحلف أنه ما كتبه و لا أمر به فقال له: فمن تتهم؟ قال: ما أتهم أحدا و أن للناس لحيلا

و ذكر أن الرواية ظاهرة بقوله إن كنت أخطأت أو تعمدت فإني تائب مستغفر قال:فكيف يجوز و الحال هذه أن تهتك فيه حرمة الإسلام و حرمة البلد الحرام.

قال: و لا شبهة أن القتل على وجه الغيلة حرام لا يحل فيمن يستحق القتل فكيف فيمن لا يستحقه و لو لا أنه كان يمنع من محاربة القوم ظنا منه بأن ذلك يؤدى إلى القتل الذريع لكثرة نصاره و حكى أن الأنصار بذلت معونته و نصرته، و أن أمير المؤمنين عليه السلام بعث إليه الحسن عليه السلام فقال له: قل لأبيك فليأتني و أراد أمير المؤمنين عليه السلام المصير إليه فمنعه من ذلك ابنه محمد و استغاث بالنساء عليه حتى جاء الصريخ بقتل عثمان فمد يده إلى القبلة و قال: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان.

ثم قال: فإن قالوا إنهم اعتقدوا أنه من المفسدين في الأرض و أنه داخل تحت آية المحاربين، قيل لهم فقد كان يجب أن يتولى الإمام هذا الفعل لأن ذلك يجرى مجرى الحد: قال: و كيف يدعى ذلك و المشهور أنه كان يمنع من مقاتلتهم حتى روى أنه قال لعبيده و مواليه و قد هموا بالقتال: من أغمد سيفه فهو حر و قد كان مؤثرا للنكير لذلك الأمر إلا أنه بما لا يؤدى إلى إراقة الدماء و الفتنة فلذلك لم يستعن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و إن كان لما اشتد الأمر أعانه من أعانه لأن عند ذلك تجب النصرة و المعونة لا بأمره فحيث وقفت النصرة على أمره امتنعوا و توقفوا، و حيث اشتد الأمر كانت إعانته ممن أدركه دون من لم يقدر و يغلب ذلك في ظنه.

«اعتراض الشريف المرتضى علم الهدى على» «القاضى و جوابه عما تشبث به»

قال علم الهدى في الشافي بعد ما نقل قول القاضي من المغني: أما قوله «إنه أنكر الكتاب المتضمن لقتل محمد بن أبي بكر و أصحابه و حلف أن الكتاب ليس كتابه و لا الغلام غلامه و لا الراحلة راحلته و أن أمير المؤمنين عليه السلام قبل عذره» فأول ما فيه أنه حكى القصة بخلاف ما جرت عليه لأن جميع من روى هذه القصة ذكر أنه اعترف بالخاتم و الغلام و الراحلة و إنما أنكر أن يكون أمر بالكتاب‏ لأنه روى أن القوم لما ظفروا بالكتاب قدموا المدينة فجمعوا أمير المؤمنين عليه السلام و طلحة و الزبير و سعدا و جماعة الأصحاب ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم و اخبروهم بقصة الغلام فدخلوا على عثمان و الكتاب مع أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: أ هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: و البعير بعيرك؟ قال: نعم، قال: أ فأنت كتبت هذا الكتاب؟

قال: لا و حلف بالله أنه ما كتب الكتاب و لا أمر به، فقال له: فالخاتم خاتمك؟

فقال: نعم، قال: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك و لا تعلم به؟.

و في رواية اخرى أنه لما واقفه قال له عثمان اما الخط فخط كاتبي و اما الخاتم فعلى خاتمي، قال: فمن تتهم؟ قال: أتهمك و أتهم كاتبي، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام مغضبا و هو يقول: بل هو امرك و لزم داره و قعد عن توسط امره حتى جرى ما جرى في امره و اعجب الأمور قوله لأمير المؤمنين عليه السلام إني أتهمك و تظاهره بذلك و تلقيه إياه في وجهه بهذا القول مع بعد أمير المؤمنين عليه السلام عن التهمة و الظنة في كل شي‏ء ثم في امره خاصة فإن القوم في الدفعة الأولى ارادوا ان يعجلوا له ما اخروه حتى قام أمير المؤمنين عليه السلام بأمره و توسطه و اصلحه و اشار إليه بأن يقاربهم و يعتبهم حتى انصرفوا عنه و هذا فعل النصيح المشفق الحدب المتحنن و لو كان عليه السلام و حوشى من ذلك متهما عليه لما كان للتهمة مجال عليه في امر الكتاب خاصة لأن الكتاب بخط عدو الله و عدو رسوله و عدو أمير المؤمنين عليه السلام مروان و في يد غلام عثمان و مختوم بخاتمه و محمول على بعيره فأى ظن تعلق بأمير المؤمنين عليه السلام في هذا المكان لو لا العداوة و قلة الشكر للنعمة. و لقد قال له المصريون لما جحد ان يكون الكتاب كتابه شيئا لا زيادة عليه في باب الحجة لأنهم قالوا: إذا كنت ما كتبته و لا امرت به فأنت ضعيف من حيث تم عليك أن يكتب كاتبك بما يختمه بخاتمك و ينفذه بيد غلامك على بعيرك بغير أمرك و من تم عليه مثل ذلك لا يصلح أن يكون واليا على امور المسلمين فاختلع عن الخلافة على كل حال و قد كان يجب على صاحب الكتاب أن يستحيى من قوله: إن أمير المؤمنين عليه السلام قبل عذره و كيف يقبل عذر من يتهمه و يشنعه و هو له ناصح و ما قاله أمير المؤمنين بعد سماع هذا القول منه معروف.

و قوله إن الكتاب يجوز فيه التزوير ليس بشي‏ء لأنه لا يجوز التزوير في الكتاب و الغلام و البعير و هذه الأمور إذا انضاف بعضها إلى بعض بعد فيها التزوير و قد كان يجب على كل حال أن يبحث عن القصة و عمن زور الكتاب و أنفذ الرسول و لا ينام عن ذلك و لا يقيم حتى يعرف من أين دهى و كيف تمت الحيلة عليه فيحترز من مثلها و لا يغضى عن ذلك إغضاء خائف له ساتر عليه مشفق من بحثه و كشفه.

فأما قوله «انه و إن غلب في الظن أن مروان كتب الكتاب فإن الحكم بالظن لا يجوز و تسليمه إلى القوم على ما ساموه إياه ظلم لأن الحد و التأديب إذا وجب عليه فالإمام يقيمه دونهم» فتعلل منه بالباطل لأنا لا نعمل إلا على قوله في أنه لم يعلم أن مروان هو الذي كتب الكتاب و إنما غلب في ظنه أما كان يستحق بهذا الظن بعض التعنيف و الزجر و التهديد أو ما كان يجب مع وقوع التهمة و قوة الأمارات في أنه جالب للفتنة و سبب الفرقة أن يبعده عنه و يطرده عن داره و يسلبه نعمته و ما كان يخصه به من إكرامه و ما في هذه الأمور أظهر من أن ينبه عليه.

فأما قوله «إن الأمر بالقتل لا يوجب قودا و لا دية لا سيما قبل وقوع القتل المأمور به» فهب أن ذلك على ما قال أما يوجب على الامر بالقتل تأديبا و لا تعزيرا و لا طردا و لا إبعادا، و قوله: لم يثبت ذلك، فقد مضى ما فيه و بينا أنه لم يستعمل فيه ما يجب استعماله من البحث و الكشف و تهديد المتهم و طرده و إبعاده و التبرء من التهمة بما يتبرأ به من مثلها.

فأما قوله: «إن قتله ظلم و كذلك حبسه في الدار و منعه من الماء و إن استحق القتل أو الخلع لا يحل أن يمنع الطعام و الشراب و اطنابه في ذلك، و قوله إن من لم يدفع عن ذلك من الصحابة يجب أن يكون مخطئا، و قوله إن قتله أيضا لو وجب لم يجز أن يتولاه العوام من الناس» فباطل لأن الذين قتلوه لا ينكر أن يكونوا ما تعمدوا قتله و إنما طالبوه بأن يخلع نفسه لما ظهر من أحداثه و يعتزل الأمر اعتزالا يتمكنون معه من إقامة غيره فلج و صمم على الامتناع و أقام على أمر واحد فقصد القوم بحصره إلى أن يلجئوه إلى خلع نفسه فاعتصم بداره و اجتمع إليه نفر من أوباش بني امية يدفعون عنه ثم يرمون من دنى من الدار فانتهى الأمر إلى القتال بتدريج ثم إلى القتل و لم يكن القتال و لا القتل مقصودا في الأصل و إنما أفضى الأمر إليهما بتدريج و ترتيب و جرى ذلك مجرى ظالم غلب إنسانا على رحله و متاعه فالواجب على المغلوب أن يمانعه و يدافعه ليخلص ماله من يده و لا يقصد إلى إتلافه و لا قتله فان افضى الأمر إلى ذلك بلا قصد كان معذورا و إنما خاف القوم في التأني به و الصبر عليه إلى أن يخلع نفسه من كتبه التي طارت في الافاق يستنصر عليهم و يستقدم الجيوش إليه و لم يأمنوا أن يرد بعض من يدفع عنه فيؤدى ذلك إلى الفتنة الكبرى و البلية العظمى.

و أما منع الماء و الطعام فما فعل ذلك إلا تضيقا عليه ليخرج و يحوج إلى الخلع الواجب عليه و قد يستعمل في الشريعة مثل ذلك فيمن لجأ إلى الحرم من ذوى الجنايات فتعذر إقامة الحد عليه لمكان الحرم، على أن أمير المؤمنين عليه السلام قد أنكر منع الماء و الطعام و أنفذ من مكن من حمل ذلك لأنه قد كان في الدار من النساء و الحرم و الصبيان من لا يحل منعه الطعام و الشراب و لو كان حكم المطالبة بالخلع و التجمع عليه و التظاهر فيه حكم منع الطعام و الشراب في القبح و المنكر لأنكره أمير المؤمنين عليه السلام و منع منه كما منع من غيره فقد روى عنه عليه السلام أنه لما بلغه أن القوم قد منعوا من في الدار من الماء قال عليه السلام لا أرى ذلك في الدار صبيان و عيال لا أرى أن يقتل هؤلاء عطشا بجرم عثمان فصرح بالمعنى الذي ذكرناه و معلوم أن أمير المؤمنين عليه السلام ما أنكر المطالبة بالخلع بل كان مساعدا على ذلك مشاورا فيه.

فأما قوله «إن قتل الظالم إنما يحل على سبيل الدفع» فقد بينا أنه لا ننكر أن يكون قتله وقع على هذا الوجه لأن في تمسكه بالولاية عليهم و هو لا يستحقها في حكم الظالم لهم فمدافعته واجبة.

فأما ما قصة من قصة الكتاب الموجود فقد حرفها لأنا قد ذكرنا شرحها الذي‏ وردت به الرواية و هو بخلاف ما ذكروه.

و أما قوله «إنه قال: إن كنت أخطأت أو تعمدت فإني تائب إلى الله أستغفر» فقد أجابه القوم عن هذا فقالوا: هكذا قلت في المرة الأولى و خطبت على المنبر بالتوبة و الاستغفار ثم وجدنا كتابك بما يقتضى الإصرار على أقبح ما عتبنا منه فكيف نثق بتوبتك و استغفارك.

فأما قوله «إن القتل على وجه الغيلة لا تحل فيمن يستحق القتل فكيف فيمن لا يستحقه» فقد بينا أنه لم يكن على سبيل الغيلة و أنه لا يمتنع أن يكون إنما وقع على سبيل المدافعة.

فأما ادعائه أنه منع من نصرته و اقسم على عبيده في ترك القتال فقد كان ذلك لعمرى في ابتداء الأمر طلبا للسلامة و ظنا منه بأن الأمر يصلح و القوم يرجعون عما هم عليه و ما هموا به، فلما اشتد الأمر و وقع اليأس من الرجوع و النزوع لم يمنع أحدا من نصرته و المحاربة عنه و كيف يمنع من ذلك و قد بعث إلى أمير المؤمنين عليه السلام يستنصره و يستصرخه و الذي يدل على ذلك أنه لم يمنع في الابتداء من محاربتهم إلا للوجه الذي ذكرناه دون غيره أنه لا خلاف بين أهل الرواية في أن كتبه تفرقت في الافاق يستنصر و يستدعى الجيوش فكيف يرغب عن نصرة الحاضر من يستدعى نصرة الغائب.

فأما قوله: «إن أمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يأتيه حتى منعه ابنه محمد» فقول بعيد مما جاءت به الرواية جدا لأنه لا اشكال في أمير المؤمنين عليه السلام لما واجهه عثمان بأنه يتهمه و يستغشه انصرف مغضبا عاملا على أنه لا يأتيه أبدا قائلا فيه ما يستحقه من الأقوال.

فأما قوله في جواب سؤال من قال إنهم اعتقدوا فيه أنه من المفسدين في الأرض و آية المحاربين تتناوله «و قد كان يجب أن يتولى الإمام ذلك الفعل بنفسه لأن ذلك يجرى مجرى الحد» فطريف لأن الإمام يتولى ما يجرى هذا المجرى إذا كان منصوبا ثابتا و لم يكن على مذهب أكثر القوم هناك إمام يقوم بالدفع عن‏

الدين و الذب عن الامة جاز أن يتولى ذلك بنفوسها و ما رأيت أعجب من ادعاء مخالفينا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله كانوا كارهين لما جرى عليه و أنهم كانوا يعتقدونه منكرا و ظلما و هذا يجرى عند من تأمله مجرى دفع الضرورة قبل النظر في الأخبار و سماع ما ورد من شرح هذه القصة لأنه معلوم أن ما يكرهه جميع الصحابة أو أكثرهم في دار عزهم و بحيث ينفذ أمرهم و نهيهم لا يجوز أن يتم و معلوم أن نفرا من أهل مصر لا يجوز أن يتم و معلوم أن نفرا من أهل مصر لا يجوز أن يقدموا المدينة و أن يغلبوا جميع المسلمين على آرائهم و يفعلوا ما يكرهونه بإمامهم بمرأى منهم و مسمع و هذا معلوم بطلانه بالبداهة و الضرورات قبل مجي‏ء الاثار و تصفح الأخبار و تأملها.

و قد روى الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبي جعفر القاري مولى بني مخزوم قال: كان المصريون الذين حصروا عثمان ستمائة عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوى و كنانة بن بشير الكندي و عمرو بن الحمق الخزاعي، و الذين قدموا من الكوفة مأتين عليهم مالك بن الحرث الأشتر النخعي و الذين قدموا من البصرة مأئة رجل رئيسهم حكيم بن جبلة العبدي و كان أصحاب النبي صلى الله عليه و آله الذين خذلوه لا يرون أن الأمر يبلغ بهم إلى القتل و لعمري لو قام بعضهم فحثا التراب في وجوه اولئك لانصرفوا و هذه الرواية تضمنت من عدد القوم الوافدين في هذا الباب اكثر مما تضمنه غيرها.

و روى شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: قلت له:

كيف لم يمنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله عن عثمان؟ قال: إنما قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله. و روى عن أبي سعيد الخدري أنه سئل عن مقتل عثمان هل شهده واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله؟ قال: نعم شهده ثمانمائة، و كيف يقال: إن القوم كانوا كارهين و هؤلاء المصريون كانوا يغدون إلى كل واحد منهم و يروحون و يشاورونه فيما يصنعونه، و هذا عبد الرحمن بن عوف و هو عاقد الأمر لعثمان و جالبه إليه و مصيره في يده يقول على ما رواه الواقدي و قد ذكر له عثمان في مرضه الذي مات فيه عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه فبلغ عثمان ذلك فبعث إلى بئر كان يسقى منها

نعم عبد الرحمن فمنع منها و وصي عبد الرحمن أن لا يصلى عليه عثمان فصلى عليه الزبير أو سعد بن أبي وقاص و قد كان حلف لما تتابعت أحداثه ألا يكلم عثمان أبدا.

و روى الواقدي قال: لما توفى أبو ذر بالربذة تذاكر أمير المؤمنين عليه السلام و عبد الرحمن فعل عثمان فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هذا عملك فقال له عبد الرحمن فإذا شئت فخذ سيفك و آخذ سيفى انه خالف ما أعطاني.

فأما محمد بن مسلمة فانه أرسل إليه عثمان يقول له عند قدوم المصريين في الدفعة الثانية: اردد عني فقال: لا و الله لا أكذب الله في سنة مرتين، و إنما عني بذلك أنه كان أحد من كلم المصريين في الدفعة الأولى و ضمن لهم عن عثمان الرضا و في رواية الواقدي أن محمد بن مسلمة كان يؤتى و عثمان محصور، فيقال له:

عثمان مقتول فيقول: هو قتل نفسه فأما كلام أمير المؤمنين عليه السلام طلحة و الزبير و عائشة و جميع الصحابة واحدا و احدا فلو تعاطينا ذكره لطال به الشرح و من أراد أن يقف على أقوالهم مفصلة و ما صرحوا به من خلعه و الإجلاب عليه فعليه بكتاب الواقدي فقد ذكر هو و غيره من ذلك ما لا زيادة عليه في هذا الباب.

«اعتراض القاضى عبد الجبار في المغنى على الطاعنين» «على عثمان بأحداثه»

نقل عنه الشريف المرتضى علم الهدى في الشافي انه قال: و نحن نقدم قبل الجواب عن هذه المطاعن مقدمات تبين بطلانها على الجملة ثم نتكلم على تفصيلها.

حكى عن أبي علي أن ذلك لو كان صحيحا لوجب من الوقت الذي ظهر ذلك من حاله أن يطلبوا رجلا ينصب للإمامة و أن يكون ظهور ذلك كموته لأنه لا خلاف أنه متى ظهر من الإمام ما يوجب خلعه أن الواجب على المسلمين إقامة إمام سواه فلما علمنا أن طلبهم لإقامة إمام كان بعد قتله و لم يكن من قبل و التمكن قائم فذلك من أدل الدلالة على بطلان ما أضافوه إليه من الأحداث.

قال: و ليس لأحد أن يقول لم يتمكنوا من ذلك لأن المتعالم من حالهم‏ و قد حصروه و منعوه التمكن من ذلك خصوصا و هم يدعون أن الجميع كانوا على حول واحد في خلعه و البراءة منه. قال: و معلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حوصر فيها و قتل بل كانت تحصل من قبل حالا بعد حال فلو كان ذلك يوجب الخلع و البراءة لما تأخر من المسلمين الإنكار عليه و لكان كبار الصحابة المقيمين بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد لأن أهل العلم و الفضل بالنكير في ذلك أحق من غيرهم. قال: فقد كان يجب على طريقتهم أن تحصل البراءة و الخلع من أول يوم حدث فيه منه ما حدث و لا ينتظر حصول غيره من الأحداث لأنه لو وجب انتظار ذلك لم ينته إلى حد إلا و ينتظر غيره.

ثم ذكر أن امساكهم عن ذلك إذا تيقنوا الأحداث منه يوجب نسبة الخطاء إلى جميعهم و الضلال فلا يجوز ذلك. و قال: و لا يمكنهم أن يقولوا إن علمهم بذلك حصل في الوقت الذي منع لأن في جملة الأحداث التي يذكرونها ما تقدم هذه الحال بل كلها أو جلها تقدم هذا الوقت و إنما يمكنهم أن يتعلقوا فيما حدث في الوقت بما يذكرون من حديث الكتاب النافذ إلى ابن أبي سرح بالقتل و ما أوجب كون ذلك حدثا يوجب كون غيره حدثا فكان يجب أن يفعلوا ذلك من قبل و احتمال المتقدم للتأويل كاحتمال المتأخر و بعد فليس يخلو من أن يدعوا أن طلب الخلع وقع من كل الأمة أو من بعضهم فإن ادعوا ذلك في بعض الأمة فقد علمنا أن الإمامة إذا ثبتت بالإجماع لم يجز إبطالها بالخلاف لأن الخطاء جائز على بعض الأمة و إن ادعوا في ذلك الإجماع لم يصح لأن من جملة الإجماع عثمان و من كان ينصره و لا يمكن إخراجه من الإجماع بأنه يقال إنه كان على باطل لأن بالإجماع يتوصل إلى ذلك و لما يثبت. قال: على أن الظاهر من حال الصحابة أنها كانت بين فريقين اما من ينصره فقد روى عن زيد بن ثابت أنه قال لعثمان و من معه الأنصار ائذن لنا ننصرك. و روى مثل ذلك عن ابن عمر و أبي هريرة و المغيرة بن شعبة و الباقون يمتنعون انتظار الزوال العارض لا لأنه لو ضيق عليهم الأمر في الدفع ما فعلوا بل المتعالم من حالهم ذلك.

ثم ذكر ما روى من انفاذ أمير المؤمنين الحسن و الحسين إليه و انه لما قتل لامهما على وصول القول إليه ظنا منه بأنهما قصرا. و ذكر أن أصحاب الحديث يروون عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: ستكون فتنة و اختلاف و أن عثمان و أصحابه يومئذ على الهدى و ما روى عن عائشة من قولها قتل و الله مظلوما. قال و لا يمتنع أن يتعلق بأخبار آحاد في ذلك لأنه ليس هناك أمر ظاهر يدفعه نحو دعواهم أن جميع الصحابة كانوا عليه لأن ذلك دعوى منهم و إن كان فيه رواية فمن الاحاد و إذا تعارضت الروايات سقطت و وجب الرجوع إلى أمر ثابت و هو ما ثبت من أحواله السليمة و وجوب توليه.

قال: و ليس يجوز أن يعدل عن تعظيمه و صحة إمامته بامور محتملة فلا شي‏ء مما ذكروه إلا و يحتمل الوجه الذى هو صحيح.

ثم ذكر أن للإمام أن يجتهد رأيه في الأمور المنوطة به و يعمل فيها على غالب ظنه و قد يكون مصيبا و إن أفضت إلى عاقبة مذمومة و أكد ذلك و أطنب فيه.

«اعتراض علم الهدى على هذه الكلمات»

اعترض عليه في الشافي بقوله: فاما ما حكاه عن أبي علي من قوله «لو كان ما ذكروه من الأحداث قادحا لوجب من الوقت الذى ظهرت فيه أن يطلبوا رجلا ينصبونه في الإمامة لأن ظهور الحدث كموته قال فلما رأيناهم طلبوا إماما بعد قتله دل على بطلان ما أضافوه إليه من الأحداث» فليس ذلك بشي‏ء معتمد لأن تلك الأحداث و إن كان مزيلة عندكم لامامته و فاسخة لها و مقتضية لأن يعقدوا لغيره الإمامة فانهم لم يقدموا على نصب غيره مع تشبثه خوفا من الفتنة و التنازع و التجاذب و أرادوا أن يخلع نفسه حتى تزول الشبهة و ينشط من يصلح للإمامة لقبول العقد و التكفل بالأمر و ليس يجرى ذلك مجرى موته لأن موته يحسم الطمع في استمرار ولايته و لا يبقى شبهة في خلو الزمان من إمام، و ليس كذلك حدثه الذي يسوغ فيه التأويل على بعده و يبقى معه الشبهة في استمرار أمره و ليس نقول: إنهم لم يتمكنوا من ذلك‏ كما سأل نفسه بل الوجه في عدولهم ما ذكرناه من ارادتهم لحسم المواد و إزالة الشبهة و قطع أسباب الفتنة.

فأما قوله «إنه معلوم من هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حصر فيها و قتل بل كانت تقع حالا بعد حال فلو كانت توجب الخلع و البراءة لما تأخر من المسلمين الإنكار عليه و لكان المقيمون بالمدينة من الصحابة أولى بذلك من الواردين من البلاد» فلا شك أن الأحداث لم تحصل في وقت واحد إلا أنه غير منكر أن يكون نكيرهم إنما تأخر لأنهم تأولوا ما ورد عليهم من أفعاله على أجمل الوجوه حتى زاد الأمر و تفاقم و بعد التأويل و تعذر التخريج لم يبق للظن الجميل طريق فحينئذ أنكروا و هذا مستمر على ما قدمنا ذكره من أن العدالة و الطريقة الجميلة تتأول في الفعل و الأفعال القليلة بحسب ما تقدم من حسن الظن به ثم ينتهى الأمر بعد ذلك إلى بعد التأويل و العمل على الظاهر القبيح.

على أن الوجه الصحيح في هذا الباب أن أهل الحق كانوا معتقدين لخلعه من أول حدث بل معتقدين لأن إمامته لم تثبت وقتا من الأوقات و إنما منعهم من اظهار ما في نفوسهم ما قدمناه من أسباب الخوف و التقية و لأن الاغترار بالرجل كان عاما فلما تبين أمره حالا بعد حال و اعرضت الوجوه عنه و قل العاذلة قويت الكلمة في عزله و هذا إنما كان في آخر الأمر دون أوله فليس يقتضي الامساك إلى الوقت الذي وقع الكلام فيه نسبة الخطاء إلى الجميع على ما ظنه.

فأما دفعه أن يكون الأمة أجمعت على خلعه باخراجه نفسه و خروج من كان في حيزه عن القوم» فليس بشي‏ء لأنه إذا ثبت أن من عداه و عدا عبيده و الرهط من فجار أهله و فساقهم كمروان و من جرى مجراه كانوا مجمعين على خلعه فلا شبهة أن الحق في غير حيزه لأنه لا يجوز أن يكون هو المصيب و جميع الأمة مبطل و إنما يدعى أنه على الحق من تنازع في إجماع من عداه فأما مع تسليم ذلك فليس يبقى شبهة و ما نجد مخالفينا يعتبرون في باب الإجماع الشذاذ عنه و النفر القليل الخارجين منه ألا ترى أنهم لا يحلفون بخلاف سعد و ولده و أهله في بيعة أبي بكر لقلتهم‏ و كثرة من بازائهم و كذلك لا يعتدون بخلاف من امتنع من بيعة أمير المؤمنين عليه السلام و يجعلونه شاذا لا تأثير له فكيف فارقوا هذه الطريقة في خلع عثمان و هل هذا إلا تقلب و تلون.

فأما قوله «إن الصحابة بين فريقين اما من ينصره كزيد بن ثابت و ابن عمر و فلان و فلان و الباقون ممتنعون انتظار الزوال العارض و لأنه ما ضيق عليهم الأمر في الدفع عنه» فعجيب لأن الظاهر أن انصاره هم الذين كانوا معه في الدار يقاتلون عنه و يدفعون الهاجمين عليه فقط، فأما من كان في منزله ما أغنى عنه فتيلا لا يعد ناصرا و كيف يجوز ممن أراد نصرته و كان معتقدا لصوابه و خطاء الطالبين لخلعه أن يتوقف عن النصرة طلبا لزوال العارض و هل يراد النصرة إلا لدفع العارض و بعد زواله لا حاجة إليها و ليس يحتاج في نصرته إلى أن يضيق هو عليهم الأمر فيها بل من كان معتقدا لها لا يحتاج حمله إلى إذنه فيها و لا يحفل بنهيه عنها لأن المنكر مما قد تقدم أمر الله تعالى فيه بالنهى عنه فليس يحتاج في إنكاره إلى أمر غيره.

فأما زيد بن ثابت فقد روى ميله إلى عثمان فما نعنى ذلك و بازائه جميع الأنصار و المهاجرين و لميله إليه سبب معروف قد روته الرواة فان الواقدي قد روى في كتاب الدار أن مروان بن الحكم لما حصر عثمان الحصر الأخير جاء إلى زيد بن ثابت فاستصحبه إلى عائشة ليكلمها في هذا الأمر فمضيا إليها و هي عازمة إلى الحج فكلماها في أن تقيم و تذب عنه فأقبلت على زيد بن ثابت فقالت: و ما منعك يا ابن ثابت و لك الاساويف قد قطعها لك عثمان و لك كذا و كذا و أعطاك من بيت المال زها عشرة ألف دينار؟ قال زيد: فلم أرجع عليها حرفا واحدا.

قال: و أشارت إلى مروان بالقيام فقام مروان و هو يقول متمثلا حرق قيس على البلاد حتى إذا اضطرمت أجد ما، فنادته عايشة و قد خرج من العتبة:يا ابن الحكم أعلى تمثل الاشعار؟ قد و الله سمعت ما قلت، أ تراني في شك من صاحبك؟ و الذي نفسي بيده لوددت أنه الان في غرارة من غرائري مخيطة عليها فألقيها في البحر الأخضر، قال زيد: فخرجنا من عندها على الناس.

و روى الواقدي: أن زيد بن ثابت اجتمع عليه عصبة من الأنصار و هو يدعوهم إلى نصر عثمان فوقف عليه جبلة بن عمرو بن حية المازني فقال له جبلة: ما يمنعك يا زيد أن تذب عنه أعطاك عشرة ألف دينار و أعطاك حدائق من نخل ما لم ترث من أبيك مثل حديقة منها.

فأما ابن عمر فان الواقدي أيضا روى عن ابن عمر أنه قال: و الله ما كان منا إلا خاذل أو قاتل و الأمر في هذا أوضح من أن يخفى.

فأما ذكره إنفاذ أمير المؤمنين عليه السلام الحسن و الحسين» فانما أنفذهما إن كان أنفذهما ليمنعان من انتهاك حريمه و تعمد قتله و منع حرمه و نسائه من الطعام و الشراب و لم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع كيف و هو مصرح بأنه بأحداثه مستحق للخلع و القوم الذين سعوا في ذلك إليه كانوا يغدون و يروحون إليه و معلوم منه ضرورة أنه كان مساعدا على خلعه و نقض أمره لا سيما في المرة الأخيرة.

فأما ادعائه أنه لعن قتلته فهو يعلم ما في هذا من الروايات المختلفة التي هي أظهر من هذه الرواية و إن صحت فيجوز أن يكون محمولة على لعن من قتله متعمدا لقتله قاصدا إليه فإن ذلك لم يكن لهم.

فأما ادعائه أن طلحة رجع لما ناشده عثمان يوم الدار فظاهر البطلان و غير معروف في الرواية و الظاهر المعروف أنه لم يكن على عثمان أشد من طلحة يوم الدار و لا أغلظ و لو حكينا من كلامه فيه ما قد روى لافنينا قطعة كبيرة من هذا الكتاب.

و قد روى: أن عثمان كان يقول يوم الدار: اللهم اكفني طلحة و يكرر ذلك علما منه بأنه أشد القوم عليه.

و روى أن طلحة كان عليه يوم الدار درع و هو يرامي الناس و لم ينزع عن القتال حتى قتل الرجل.

فأما ادعائه من الرواية «عن النبي صلى الله عليه و آله أنه ستكون فتنة و أن عثمان و أصحابه‏

يومئذ على الهدى» فهو يعلم أن هذه الرواية الشاذة لا يكون في مقابلة المعلوم ضرورة من إجماع الأمة على خلعه و خذله و كلام وجوه المهاجرين و الأنصار فيه و بإزاء هذه الرواية مما يملأ الطروس عن النبي صلى الله عليه و آله و غيره مما يتضمن ضد ما تضمنته و لو كانت هذه الرواية معروفة لكان عثمان أولى الناس بالاحتجاج بها يوم الدار و قد احتج عليهم بكل غث و سمين، و قبل ذلك لما خوصم و طولب بأن يخلع نفسه، و لاحتج عنه بعض أصحابه و أنصاره و في علمنا بأن شيئا من ذلك لم يكن دلالة على أنها مصنوعة.

فأما ما رواه عن عائشة من قولها: «قتل و الله مظلوما» فأقوال عايشة فيه معروفة معلومة و إخراجها قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و هى تقول: هذا قميصه لم يبل و قد بليت سنته و غير ذلك مما لا يحصى كثرة.

فأما مدحها و ثناؤها عليه فانما كان عقيب علمها بانتقال الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام و السبب فيه معروف و قد وقفت عليه و قوبل بين كلامها فيه متقدما و متأخرا.

فأما قوله: «لا يمتنع أن يتعلق بأخبار الاحاد في ذلك لأنها في مقابلة ما يدعونه مما طريقه أيضا الاحاد» فواضح البطلان لأن إطباق الصحابة و أهل المدينة إلا من كان في الدار معه على خلافه و أنهم كانوا بين مجاهد و مقاتل مبارز و بين خاذل متقاعد معلوم ضرورة لكل من سمع الأخبار و كيف يدعى أنها من جملة الاحاد حتى يعارض بأخبار شاذة نادرة و هل هذا إلا مكابرة ظاهرة؟

فأما قوله: «إنا لا نعدل عن ولايته بامور محتملة» فقد مضى الكلام في هذا المعنى و قلنا ان المحتمل هو ما لا ظاهر له و الذي يتجاذ به الأمور المختلفة فأما ما له ظاهر فلا يسمى محتملا و إن سماه بهذه التسمية فقد بينا أنه مما يعدل من أجله عن الولاية و فصلنا ذلك تفصيلا بينا.

فأما قوله «إن للإمام أن يجتهد رأيه في الأمور المنوطة به و يكون مصيبا و إن أفضت إلى عاقبة مذمومة» فأول ما فيه أنه ليس للإمام و لا غيره أن يجتهد في الأحكام و لا يجوز العمل فيها إلا على النصوص. ثم إذا سلمنا الاجتهاد فلا شك أن‏ ههنا امورا لا يسوغ فيها الاجتهاد حتى يكون من خبرنا عنه بأنه اجتهد فيها غير مصدق و تفصيل هذه الجملة يبين عند الكلام على ما تعاطاه من الأعذار في أحداثه.

أقول: من نظر في فعل كبار الصحابة من المهاجرين و الأنصار بعثمان أنهم حصروه أربعين ليلة و منعوه من الماء و خذلوه حتى قتل و قد كان يمكنهم الدفع عنه على أنهم أعانوا قاتليه بل شهد قتله ثمانمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و تركوه بعد القتل ثلاثة أيام و لم يدفنوه حتى قام ثلاثة نفر من بني امية فأخذوه بالليل سرقة و دفنوه لكيلا يعلم بهم أحد و دفنوه في حش كوكب مقبر يهود يدل على عظم أحداثه و كبر معاصيه و الحق كما قال محمد بن مسلمة برواية الواقدي المتقدمة إن عثمان قتل نفسه، على أن خاذليه كانوا خيرا من ناصريه لأن الذين نصره كان أكثرهم فساقا كمروان بن الحكم و أضرابه و خذله المهاجرون و الأنصار، و كفى في المقام إعراض أمير المؤمنين علي عليه السلام عن نصرته آخر الأمر مع قدرته على ذلك و قوله عليه السلام الله قتله. على أنه عليه السلام نصحه و نصره غير مرة و ما أراد عثمان منه عليه السلام نصحا و إلا لتاب من قوادحه حقيقة و لما خدع الناس مرة بعد مرة، و من تتبع كتب السير و التواريخ و سمع مقالات كبار الصحابة و عظماء القوم في عثمان و توبته ظاهرا من أحداثه دفعة ثم نقضه التوبة و فعله ما فعل دفعة اخرى درى أن عثمان اتخذ دين الله لعبا و بيت المال طعما له و لبني امية و أتباعه و ذوي رحمه ممن سمعت شناعة حالهم و بشاعة أمرهم، و أن أجوبة القاضي عبد الجبار و اشياعه الواهية ناشئة من التعصب، و أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كان معتزلا للفتنة بقتل عثمان و أنه بعد عن منزله في المدينة لأن لا تتطرق عليه الظنون برغبته في البيعة بالأمر على الناس و أن الصحابة لما كان من أمر عثمان ما كان التمسوه و بحثوا عن مكانه حتى وجدوه فصاروا إليه و سألوه القيام بالأمة. و نص أبو جعفر الطبري في التاريخ انه لما حصر عثمان كان علي عليه السلام بخيبر و أن معاوية و أهل البصرة اتهموا عليا عليه السلام بدم عثمان اتباعا لتسويلات شيطانية و أن اسناد دم عثمان إليه عليه السلام تهمة و بهتان‏ ليس إلا و هذه التهمة كفران النعمة و قلة الشكر لأن أمير المؤمنين عليه السلام نصر عثمان من بدو الأمر لما استنصره غير مرة و لقد مضى قوله عليه السلام في الكلام 238 من المختار في باب الخطب: و الله لقد دفعت عنه (يعني عن عثمان) حتى خشيت أن أكون آثما، و لعمري أن أمير المؤمنين عليه السلام أشار على عثمان بامور كان صلاحه فيها و لو قبلها لم يحدث عليه ما حدث فلما رأى عليه السلام أفعاله و أقواله كما سمعت خرج من عنده مغضبا تركه مخذولا حتى ذاق ما ذاق.

ثم ليعلم أن طلحة و الزبير و عائشة فيما صنعوه في أيام عثمان من أوكد أسباب ما تم عليه من الخلع و الحصر و سفك الدم و الفساد و ذلك ظاهر بين لذوى العقول السليمة من آفة التعصب و التقليد و سيتضح أشد ايضاح في شرح الكتب الاتية.

و اعلم أنه ليس غرضنا من ذكر أحداث عثمان و ما نقم الناس منه إبطالا لامامته بعد ظهورها منه فان هذا البحث انما يختص بمن قال بإمامته قبل أحداثه و رجع عنها عند وقوع أحداثه و هم الخوارج و من وافقهم و أما عندنا معاشر الإمامية لم يثبت إمامة الرجل و أشباهه وقتا من الأوقات لما قدمنا في شرح الخطبة 237 ان الإمامة عندنا رئاسة إلهية و الله تعالى أعلم حيث يجعلها و أن الإمام يجب أن يكون منصوبا و منصوصا من الله تعالى و معصوما من جميع الذنوب و منزها من العيوب مطلقا و أنها عهد الله لا ينال الظالمين فالحري بنا أن نعود إلى الشرح:

قول الرضي رضى الله عنه: «و من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره إليهم من المدينة إلى البصرة» أقول: إنما كان مسيره عليه السلام إلى البصرة لقتال أصحاب الجمل فيليق أن نذكر ما كان سبب ذلك القتال و علة وقوعه في البصرة على الاجمال ليكون القاري على بصيرة. و اعلم ان الناس بعد قتل عثمان أتوا أمير المؤمنين عليا عليه السلام منزله فقالوا إن هذا الرجل قد قتل و لابد للناس من إمام و لا يصلح لامامة المسلمين سواك و لا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة و لا أقرب من رسول الله صلى الله عليه و آله فقال عليه السلام: لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا، فاختاروا فقالوا: و الله ما نختار غيرك. فلما انصرفوا عنه عليه السلام كلم بعضهم بعضا فقالوا: يمضى قتل عثمان في البلاد فيسمعون بقتله و لا يسمعون أنه بويع لأحد بعده فيثور كل رجل منهم في ناحية فلا نأمن أن يكون في ذلك الفساد فلنرجع إلى علي عليه السلام فلا نتركه حتى يبايع فيطمئن الناس و يسكنون.

فاختلفوا إليه عليه السلام مرارا ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا له: إنه لا يصلح الناس إلا بامرة و قد طال الأمر فو الله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك فقال عليه السلام:ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفية و لا تكون إلا عن رضا المسلمين، قال عبد الله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه و أبي هو إلا المسجد فلما دخل دخل المهاجرون و الأنصار فبايعوه.

أقول: و لقد مضى في الخطبة الواحدة و التسعين قوله عليه السلام للناس- لما اريد على البيعة بعد قتل عثمان-: دعونى و التمسوا غيرى فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول و إن الافاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت و اعلموا أنى إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و لم اصغ إلى قول القائل و عتب العاتب و إن تركتمونى فأنا كأحدكم و لعلي أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم و أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا. و رواه أبو جعفر الطبري في التاريخ أيضا مسندا (ص 256 ج 3 طبع مصر 1357 ه).

«بيعة طلحة و الزبير عليا (ع) و انهما أول من بايعه (ع)»

قال الشيخ المفيد في الجمل: روي أبو إسحاق بن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة عن إدريس عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم قال: جاء طلحة و الزبير إلى علي عليه السلام و هو متعوذ بحيطان المدينة فدخلا عليه و قالا ابسط يدك نبايعك فإن الناس لا يرضون إلا بك فقال لهما: لا حاجة لي في ذلك و أن أكون لكما وزيرا خير من أن أكون لكما أميرا فليبسط قرشى منكما يده ابايعه. فقالا إن الناس لا يؤثرون غيرك و لا يعدلون عنك إلى سواك فابسط يدك نبايعك أول الناس فقال: إن بيعتي لا تكون سرا فامهلا حتى أخرج إلى المسجد. فقالا: بل نبايعك ههنا ثم نبايعك في المسجد فبايعاه أول الناس ثم بايعه الناس على المنبر أولهم طلحة بن عبيد الله و كانت يده شلاء فصعد المنبر إليه فصفق على يده و رجل من بني أسد يزجر الطير قائم ينظر إليه فلما رأى أول يد صفقت على يد أمير المؤمنين عليه السلام يد طلحة و هي شلاء قال: إنا لله و إنا إليه راجعون أول يد صفقت على يده شلاء يوشك أن لا يتم هذا الأمر ثم نزل طلحة و الزبير و بايعه الناس بعدهما.

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ: لما قتل عثمان خرج على عليه السلام إلى السوق و ذلك يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فاتبعه الناس و بهشوا في وجهه فدخل حائط بنى عمرو بن مبذول و قال لأبي عمرة بن عمرو بن محصن أغلق الباب فجاء الناس فقرعوا الباب فدخلوا فيهم طلحة و الزبير فقالا: يا علي ابسط يدك فبايعه طلحة و الزبير فنظر حبيب بن ذؤيب إلى طلحة حين بايع فقال: أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر و خرج علي إلى المسجد فصعد المنبر و عليه إزار و طاق و عمامة خز و نعلاه في يده متوكئا على قوس فبايعه الناس.

و قال الطبري في نقل آخر: لما اختلف الناس إليه عليه السلام مرارا للبيعة فقال عليه السلام لهم: إنكم قد اختلفتم إلى و أتيتم و إني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم و إلا فلا حاجة لي فيه؟ قالوا: ما قلت من شي‏ء قبلناه إن شاء الله فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه فقال: إني كنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا و إنه ليس لي أمر دونكم إلا أن مفاتيح مالكم معى ألا و إنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم رضيتم؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك إلا نفيرا يسيرا كانوا عثمانية منهم حسان بن ثابت و كعب بن مالك و مسلمة بن مخلد و أبو سعيد الخدرى و محمد بن مسلمة و النعمان بن بشير و زيد ابن ثابت و رافع بن خديج و فضالة بن عبيد و كعب بن عجرة. قال: فقال رجل لعبد الله بن حسن كيف أبى هؤلاء بيعة علي عليه السلام و كانوا عثمانية؟ قال: أما حسان‏ فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع و أما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان و بيت المال فلما حصر عثمان قال: يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله مرتين فقال أبو أيوب:ما تنصره إلا أنه أكثر لك من العضدان، فأما كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزنية و ترك ما أخذ منهم له.

و في نقل آخر فيه: بايع الناس عليا عليه السلام بالمدينة و تربص سبعة نفر فلم يبايعوه منهم سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن عمر و صهيب و زيد بن ثابت و محمد بن مسلمة و سلمة بن وقش و اسامة بن زيد و لم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع.

و في الإمامة و السياسة أن عمار بن ياسر استأذن عليا عليه السلام أن يكلم عبد الله ابن عمر و محمد بن مسلمة و سعد بن أبي وقاص في بيعتهم عليا عليه السلام فأبوا- و بعد نقل مكالمة عمار لكل واحد منهم قال-: فانصرف عمار إلى علي عليه السلام فقال له على عليه السلام: دع هؤلاء الرهط اما ابن عمر فضعيف، و اما سعد فحسود، و ذنبى إلى محمد ابن مسلمة انى قتلت اخاه يوم خيبر: مرحب اليهودى.

«كلامه (ع) لما تخلف هؤلاء عن بيعته»

في الارشاد للمفيد قدس سره: و من كلامه عليه السلام حين تخلف عن بيعته عبد الله ابن عمر بن الخطاب و سعد بن أبى وقاص و محمد بن مسلمة و حسان بن ثابت و اسامة ابن زيد، ما رواه الشعبى قال: لما اعتزل سعد و من سميناه أمير المؤمنين عليه السلام و توقفوا عن بيعته حمد الله و اثنى عليه ثم قال: ايها الناس إنكم بايعتمونى على ما بويع عليه من كان قبلى و إنما الخيار للناس قبل أن يبايعوا فإذا بايعوا فلا خيار لهم و إن على الإمام الاستقامة و على الرعية التسليم و هذه بيعة عامة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام و اتبع غير سبيل أهله و لم تكن بيعتكم إياى فلتة و ليس أمري و أمركم واحد و إني اريدكم لله و أنتم تريدونني لأنفسكم و أيم الله لأنصحن للخصم و لأنصفن للمظلوم و قد بلغني عن سعد و ابن مسلمة و اسامة و عبد الله و حسان بن ثابت امور كرهتها و الحق بيني و بينهم.

أقول: أتى بكلامه هذا الشريف الرضي في النهج. و لكن لم يفسر هو و لا أحد من الشراح الذين نعرفهم سببه كما فسره المفيد على أن بينهما تفاوتا في الكيف و الكم فانه نقل هكذا: و من كلامه عليه السلام: لم تكن بيعتكم إياى فلتة و ليس أمري و أمركم واحدا إني اريدكم لله و أنتم تريدونني لأنفسكم أيها الناس أعينوني على انفسكم و أيم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه و لأقودن الظالم بخزامته حتى اورده منهل الحق و إن كان كارها (الكلام 136 من باب الخطب).

و في كتاب الجمل للشيخ الأجل المفيد قدس سره: انه روى أبو مخنف لوط بن يحيى عن محمد بن عبد الله بن سوادة و طلحة بن الأعلم و أبي عثمان اجمع قالوا: بقيت المدينة بعد قتل عثمان خمسة أيام و أميرها الواقض بن حرب و الناس يلتمسون من يجيبهم لهذا الأمر فلا يجدون فيأتون المصريون عليا عليه السلام فيختبئ عنهم و يلوذ بحيطان المدينة فاذا لقوه يأبى عليهم.

قال: و روى إسحاق بن راشد عن الحميد بن عبد الرحمن عن ابن أثري قال: ألا احدثك بما رأت عيناى و سمعت اذناى لما التقى الناس عند بيت المال قال علي عليه السلام لطلحة: ابسط يدك ابايعك فقال طلحة: أنت أحق بهذا الأمر منى و قد اجتمع لك من هؤلاء الناس ما لم يجتمع لي، فقال علي عليه السلام: ما خشيناك غيرك فقال طلحة: لا تخش فو الله لا تؤتي من قبلي، و قام عمار بن ياسر و الهيثم بن التيهان و رفاعة بن أبي رافع و مالك بن عجلان و أبو أيوب خالد بن زيد فقالوا لعلي عليه السلام إن هذا الأمر قد فسد و قد رأيت ما صنع عثمان و ما أتاه من خلاف الكتاب و السنة فابسط يدك لنبايعك لتصلح من أمر الأمة ما قد فسد، فاستقال علي عليه السلام و قال: قد رأيتم ما صنع بي و عرفتم رأى القوم فلا حاجة لي فيهم فاقبلوا على الأنصار و قالوا يا معشر الأنصار أنتم أنصار الله و أنصار رسوله و برسوله أكرمكم الله و قد علمتم فضل علي و سابقته في الإسلام و قرابته و مكانته من النبي صلى الله عليه و آله و إن ولي ينالكم خيرا.

فقال القوم: نحن أرضى الناس به ما نريد به بدلا ثم اجتمعوا عليه و ما يزالوابه حتى بايعوه.

و باسناده عن ابن أبي الهيثم بن التيهان قال: يا معشر الأنصار و قد عرفتم رأيى و نصيحتى و مكانى من رسول الله صلى الله عليه و آله و اختياره إياى فردوا هذا الأمر إلى أقدمكم إسلاما و أولاكم برسول الله صلى الله عليه و آله لعل الله أن يجمع به الفتكم و يحقن به دماءكم فأجابه القوم بالسمع و الطاعة.

و روى سيف عن رجاله قال: اجتمع الناس إلى علي عليه السلام و سألوه أن ينظر في امورهم و بذلوا له البيعة فقال لهم: التمسوا غيري، فقالوا له: ننشدك الله أما ترى الفتنة ألا تخاف الله في ضياع هذه الأمة فلما ألحوا عليه قال لهم: إنى لو أجبتكم حملتكم على ما أعلم و إن تركتموني كنت لأحدكم «كأحدكم ظ».

قالوا: قد رضينا بحلمك «بحملك ط» و ما فينا مخالف لك فاحملنا على ما تراه ثم بايعه الجماعة.

أقول: إن أمير المؤمنين عليه السلام كره إجابة القوم على الفور و البدار لعلمه بعاقبة الأمور و إقدام القوم على الخلاف عليه و للظاهرة له و الشنان و القوم ألحوا فيما دعوه إليه و لم يمنعهم إبائه عليه السلام من الإجابة عن الالحاح فيما أرادوا و اذكروه بالله عز و جل و قالوا له إنه لا يصلح لامامة المسلمين سواك و لا نجد أحدا يقوم بهذا الأمر غيرك يصلح امور الدين و يقوم لحياطة الاسلام و المسلمين فبايعوه عليه السلام على السمع و الطاعة.

«أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما بويع له بالخلافة» «و اختلاف الأقوال فيه و التوفيق بينهما على التحقيق»

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ (ص 457 ج 3 طبع مصر 1357 ه):

بويع علي عليه السلام يوم الجمعة لخمس بقبن من ذي الحجة فأول خطبة خطبها على عليه السلام حين استخلف فيما كتب به إلى السرى عن شعيب عن سيف عن سليمان بن أبى المغيرة عن على بن الحسين: حمد الله و أثنى عليه فقال: إن الله عز و جل أنزل كتابا هاديا

بين فيه الخير و الشر فخذوا بالخير و دعوا الشر، الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة، إن الله حرم حرما غير مجهولة و فضل حرمة المسلم على الحرم كلها و شد بالإخلاص و التوحيد المسلمين و المسلم من سلم الناس من لسانه و يده إلا بالحق لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادروا أمر العامة و خاصة أحدكم الموت فإن الناس أمامكم و إن ما من خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فانما ينتظر الناس أخراهم اتقوا الله عباده في عباده و بلاده إنكم مسؤلون حتى عن البقاع و البهائم أطيعوا الله عز و جل و لا تعصوه و إذا رأيتم الخير فخذوا به و إذا رأيتم الشر فدعوه و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض.

أقول: أتى بهذه الخطبة الرضي رضي الله عنه في النهج و بين النسختين تفاوت في بعض العبارات فارجع إلى الخطبة 166 من النهج أولها: إن الله سبحانه أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير و الشر فخذوا نهج الخير تهتدوا و اصدفوا عن سمت الشر تقصدوا- إلى آخرها.

ثم الظاهر أن الخطبة 21 من النهج و هي قوله عليه السلام «فإن الغاية أمامكم و إن ورائكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فانما ينتظر بأولكم آخركم» التي جعلها الرضى خطبة بحيالها جزء من تلك الخطبة و الاختلاف بين الخطبتين في النهج في كلمة واحدة فقط لأنها في الخطبة 21 تكون «فان الغاية أمامكم» و في الخطبة 166 «فان الناس أمامكم» و إنما افرد ذلك الجزء بالذكر لأنه جمع و جازة الألفاظ و جزالة المعنى على حد كلت ألسن الناس عن أن تأتي بمثله و تتفوه بشبهه و هو كما قال الرضي: لو وزن بعد كلام الله سبحانه و بعد كلام رسول الله صلى الله عليه و آله بكل كلام لمال به راجحا و برز عليه سابقا، قال: فأما قوله عليه السلام تخففوا تلحقوا فما سمع كلام أقل منه مسموعا و لا أكثر محصولا، إلى آخر ما قال.

ثم إن ابن قتيبة الدينوري قال في الإمامة و السياسة: و ذكروا أن البيعة لما تمت بالمدينة خرج علي عليه السلام إلى المسجد الشريف فصعد المنبر فحمد الله تعالى و أثنى عليه و وعد الناس من نفسه خيرا و تألفهم جهده ثم قال عليه السلام: لا يستغنى‏

الرجل و إن كان ذا مال و ولد عن عشيرته و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم هم أعظم الناس حيطة من ورائه و إليهم سعيه و أعطفهم عليه إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الأمور و من يقبض يده عن عشيرته فانه يقبض عنهم يدا واحدة و تقبض عنه أيد كثيرة و من بسط يده بالمعروف ابتغاء وجه الله تعالى يخلف الله له ما أنفق في دنياه و يضاعف له في آخرته، و اعلموا أن لسان صدق يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال فلا يزدادن أحدكم كبرياء و لا عظمة في نفسه و لا يغفل أحدكم عن القرابة أن يصلها بالذي لا يزيده إن أمسكه و لا ينقصه إن أهلكه، و اعلموا أن الدنيا قد أدبرت و الاخرة قد أقبلت ألا و إن المضمار اليوم و السبق غدا ألا و إن السبقة الجنة و الغاية النار ألا إن الأمل يسهى القلب و يكذب الوعد و يأتي بغفلة و يورث حسرة فهو غرور و صاحبه في عناء فافزعوا إلى قوام دينكم و إتمام صلاتكم و أداء زكاتكم و النصيحة لامامكم و تعلموا كتاب الله و اصدقوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و أوفوا بالعهد إذا عاهدتم و أدوا الأمانات إذا ائتمنتم و ارغبوا في ثواب الله و ارهبوا عذابه و اعملوا الخير تجزوا خيرا يوم يفوز بالخير من قدم الخير.

أقول: هذه الخطبة المنقولة من الدينوري مذكورة في النهج (الخطبة 28) و نقلها المفيد في الارشاد مبتدأة من قوله عليه السلام و اعلموا أن الدنيا قد أدبرت و لم يبينا بأن الخطبة خطبها عليه السلام لما تمت البيعة له عليه السلام كما صرح به الدينوري مع أن بين النسخ اختلافا سيما بين ما في الإمامة و السياسة و بين ما في النهج و الإرشاد.

و لا يخفى أن ظاهر كلام الدينوري أن ما نقله هو أول خطبة خطبها بعد تمام البيعة و إن كان يمكن بالدقة أن يستفاد منه عدم كونه أول خطبة خطبها في خلافته عليه السلام لكنه خلاف الظاهر من عبارته.

ثم إن المفيد قدس سره قال في الجمل (ص 77 طبع النجف): قوله عليه السلام في أول خطبة خطبها بعد قتل عثمان و بيعة الناس له: قد مضت امور كنتم فيها غير محمودى الرأى أما لو أشاء لقلت و لكن عفى الله عما سلف سبق الرجلان و قام الثالث كالغراب همته بطنه و فرجه يا ويله لو قص جناحه و قطع رأسه لكان خيرا له حتى‏

انتهى إلى قوله- و قد أهلك الله فرعون و هامان و قارون، فما يتصل بهذه الخطبة إلى آخرها.

أقول: ما نقله المفيد «ره» مذكور بعضها في الخطبة 177 من النهج أولها:

لا يشغله شأن و لا يغيره زمان و لا يحويه مكان و لا يصفه لسان لا يعزب عنه عدد قطر الماء- إلى آخرها- و صرح الشارح المحقق ابن ميثم البحراني رحمه الله في شرح النهج (ص 354 طبع 1276 المطبوعة بالحجر) بأن هذه الخطبة اعني الخطبة 177 من النهج خطب بها أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد مقتل عثمان في أول خلافته كما أنه و الشارح الفاضل المعتزلي و الشريف الرضى و الطبرى و غيرهم صرحوا بأن الخطبة 166 من النهج المذكورة آنفا أول خطبة خطبها في أول خلافته.

«التوفيق بين تلك الأقوال و وجه الجمع فيها»

فبعد الفحص و التتبع و الغور في الأخبار و السير و الأقوال و التأمل في فحوى الخطب الموسومة من النهج حصل لنا أن الخطبة 21 من النهج و الخطبة 28 و الخطبة 166 و الخطبة 177 كانت جميعا خطبة واحدة خطبها عليه السلام في أول خلافته و ذكر المؤلفون في كل موضع جزء منها فتشتت في النهج فجعل كل جزء خطبة على حدة. فلنرجع إلى ما كنا فيه.

«الناكثان طلحة و الزبير و علة نكثهما بيعة أمير المؤمنين (ع)»

و اعلم أن ظاهر الفتنة بالبصرة إنما أحدثه طلحة و الزبير من نكث البيعة التي بذلاها لأمير المؤمنين عليه السلام طوعا و اختيارا و ايثارا و خروجهما عن المدينة إلى مكة على اظهار منهما ابتغاء العمرة فلما وصلاها اجتمعا مع عائشة و عمال عثمان الهاربين بأموال المسلمين إلى مكة طمعا فيما احتجبوه منها و خوفا من أمير المؤمنين عليه السلام و اتفاق رأيهم على الطلب بدم عثمان و التعلق عليه في ذلك بانحياز قتلة عثمان و حاصريه و خاذليه من المهاجرين و الأنصار و أهل مصر و العراق و كونهم جندا له و أنصارا و اختصاصهم به في حربهم منه و مظاهرته لهم بالجميل و قوله فيهم الحسن من‏

الكلام و ترك إنكار ما منعوه بعثمان و الأعراض عنهم في ذلك، و شبهوا بذلك على الضعفاء و اغتروا به السفهاء و أوهموهم بذلك لظلم عثمان و البراءة من شي‏ء يستحق به ما صنع به القوم من احصاره و خلعه و المنازعة إلى دمه فأجابهم إلى مرادهم من الفتنة من استغووه بما وصفناه و قصدوا البصرة لعلمهم أن جمهور أهلها من شيعة عثمان و أصحاب عامله ابن عمه كان بها و هو عبد الله بن كريز بن عامر و كان ذلك منهم ظاهرا و باطنا بخلافه كما تدل عليه الأخبار و يوضح عن صحة الحكم به الاعتبار، ألا ترى أن طلحة و الزبير و عائشة باجماع العلماء بالسير و الاثار هم الذين كانوا أوكد السبب لخلع عثمان و حصره و قتله و أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يزل يدفعهم عن ذلك و يلطف في منعهم عنه و يبذل الجهد في إصلاح حاله مع المنكرين عليه العائبين له بأفعاله و المحتجين عليه بأقواله فلنذكر طائفة من الأخبار في سبب نكث طلحة و الزبير البيعة و إثارتهما فتنة الجمل.

في الامامة و السياسة للدينوري: ذكروا أن الزبير و طلحة أتيا عليا عليه السلام بعد فراغ البيعة فقالا: هل تدرى على ما بايعناك يا أمير المؤمنين؟ قال على عليه السلام:

نعم على السمع و الطاعة و على ما بايعتم عليه أبا بكر و عمر و عثمان، فقالا: لا و لكنا بايعناك على أنا شريكاك في الأمر. قال على عليه السلام: لا، و لكنكما شريكان في القول و الاستقامة و العون على العجز و الأولاد. قال: و كان الزبير لا يشك في ولاية العراق و طلحة في اليمن فلما استبان لهما أن عليا غير موليهما شيئا أظهرا الشكاة فتكلم الزبير في ملاء من قريش، فقال: هذا جزاؤنا من على، قمنا له في أمر عثمان حتى أثبتنا عليه الذنب و سببنا له القتل و هو جالس في بيته و كفى الأمر فلما نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا، فقال طلحة: ما اللوم إلا أنا كنا ثلاثة من أهل الشورى كرهه أحدنا و بايعناه و أعطيناه ما في أيدينا و منعنا ما في يده فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا. قال: فانتهى قولهما إلى على عليه السلام فدعا عبد الله بن عباس و كان استوزره، فقال له: بلغك قول هذين الرجلين؟ قال: نعم، بلغنى قولهما. قال: فما ترى؟

قال: أرى أنهما أحبا الولاية فول البصرة الزبير و ول طلحة الكوفة فانهما ليسا

بأقرب إليك من الوليد و ابن عامر من عثمان، فضحك على عليه السلام ثم قال: ويحك إن العراقين بهما الرجال و الأموال و متى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع و يضربا الضعيف بالبلاء و يقويا على القوى بالسلطان، و لو كنت مستعملا أحدا لضره و نفعه لاستعملت معاوية على الشام و لو لا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأى. قال: ثم أتى طلحة و الزبير إلى علي عليه السلام فقالا: يا أمير المؤمنين ائذن لنا إلى العمرة فان تقم إلى انقضائها رجعنا إليك و إن تسر نتبعك، فنظر إليهما علي عليه السلام و قال: نعم، و الله ما العمرة تريدان و إنما تريدان أن تمضيا إلى شأنكما فمضيا.

و قال المسعودي في مروج الذهب: انهما استأذنا عليا عليه السلام في العمرة فقال عليه السلام لعلكما تريدان البصرة و الشام فأقسما أنهما لا يريدان غير مكة.

أقول: و سيأتى طائفة من الأقوال و الأخبار فيهما بعيد هذا و إن ما يستفيد المتتبع الخبير من سبب نكث الرجلين البيعة هو يأسهما مما كانا يرجوان به من قتل عثمان بن عفان من البيعة لأحدهما بالامامة و اتساق الأمر في البيعة لعلى بن أبي طالب ثم انه عليه السلام ما وليهما شيئا لأنهما لم يكونا أهلا لذلك لما قد سمعت و تأكد سبب النكث بذلك.

في الجمل للمفيد: لما أيس الرجلان من نيل ما طمعا فيه من التأمر على الناس و التملك لأمرهم و بسط اليد عليهم و وجدا الأمة لا تعدل بأمير المؤمنين عليه السلام أحدا و عرفا رأى المهاجرين و الأنصار و من ذلك أرادا الحظوة عنده بالبدار إلى بيعته و ظنا بذلك شركائه في أمره و تحققا أنهما لا يليان معه أمرا و استقر الأمر على أمير المؤمنين عليه السلام ببيعة المهاجرين و الأنصار و بنى هاشم و كافة الناس إلا من شذ من بطانة عثمان و كانوا على خفاء لاشخاصهم مخافة على دمائهم من أهل الايمان، فصارا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فطلب منه طلحة ولاية العراق و طلب منه الزبير ولاية الشام فأمسك علي عليه السلام عن إجابتهما في شي‏ء من ذلك فانصرفا و هما ساخطان و قد عرفا ما كان غلب في ظنهما قبل من رأيه فتركاه يومين أو ثلاثة أيام ثم صارا إليه و استأذنا عليه‏

فأذن لهما و كان في علية داره فصعدا إليه و جلسا عنده بين يديه و قالا يا أمير المؤمنين قد عرفت حال هذه الأزمنة و ما نحن فيه من الشدة و قد جئناك لتدفع إلينا شيئا نصلح به أحوالنا و نقضى به حقوقا علينا.

فقال عليه السلام قد عرفتما ما لي بينبع‏[1] فإن شئتما كتبت لكما منه ما تيسر.

فقالا: لا حاجة لنا في مالك بينبع فقال عليه السلام لهما: ما أصنع؟ فقالا له: أعطنا من بيت المال شيئا لنا فيه كفاية. فقال عليه السلام سبحان الله و أى يدلى في بيت المال و ذلك للمسلمين و أنا خازنهم و أمين لهم، فإن شئتما رقيتما المنبر و سألتما ذلك ما شئتما فإن أذنوا فيه فعلت، و أنى لي بذلك و هو لكافة المسلمين شاهدهم و غائبهم لكنى أبدى لكما عذرا فقالا ما كنا بالذي نكلفك ذلك و لو كلفناك لما أجابك المسلمون فقال لهما: فما أصنع؟ قالا: قد سمعنا ما عندك ثم نزلا من العلية و كان في أرض الدار خادمة لأمير المؤمنين عليه السلام سمعتهما يقولان: و الله ما بايعنا بقلوبنا و إن كنا بايعنا بألسنتنا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه و من أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (الفتح: 11) فتركاه يومين آخرين و قد جاءهما الخبر بإظهار عائشة بمكة ما أظهرته من كراهة أمره و كراهة من قتل عثمان و الدعاء إلى نصره و الطلب بدمه و أن عمال عثمان قد هربوا من الأمصار إلى مكة بما احتجبوه من أموال المسلمين و لخوفهم من أمير المؤمنين عليه السلام و من معه من المهاجرين و الأنصار و أن مروان بن الحكم ابن عم عثمان و يعلى بن منبه خليفته و عامله كان باليمن و عبد الله بن عامر بن كريز ابن عمه و عامله كان على البصرة و قد اجتمعوا مع عائشة و هم يدبرون الأمر في الفتنة فصارا إلى أمير المؤمنين عليه السلام و تيمما وقت خلوته فلما دخلا عليه قالا يا أمير المؤمنين قد جئناك نستأذنك للخروج في العمرة لأنا بعيد العهد بها ائذن لنا فيها.

فقال عليه السلام: و الله ما تريدان العمرة و لكنكما تريدان الغدرة، و إنما تريدان البصرة. فقالا: اللهم غفرا ما نريد إلا العمرة. فقال عليه السلام احلفا لى بالله العظيم انكما لا تفسدان على أمر المسلمين و لا تنكثان لي بيعة و لا تسعيان في فتنة فبذلا ألسنتهما بالأيمان المؤكدة فيما استحلفهما عليه من ذلك.

فلما خرجا من عنده عليه السلام لقيهما ابن عباس فقال لهما: أذن لكما أمير المؤمنين؟

فقالا: نعم. فدخل على أمير المؤمنين فابتدأه عليه السلام فقال: يا ابن عباس! أ عندك الخبر؟ قال: قد رأيت طلحة و الزبير فقال عليه السلام انهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا و لا ينكثا و لا يحدثا فسادا و الله يا ابن عباس و إني أعلم أنهما ما قصدا إلا الفتنة فكأني بهما و قد صارا إلى مكه ليسعيا إلى حربي فإن يعلى بن منبه الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق و فارس لينفق ذلك و سيفسدان هذان الرجلان على أمري و يسفكان دماء شيعتي و أنصاري.

قال عبد الله بن عباس: إذا كان ذلك عندك يا أمير المؤمنين معلوم فلم أذنت لهما و هلا حبستهما و أوثقتهما بالحديد و كفيت المسلمين شرهما؟

فقال عليه السلام: يا ابن عباس أ تأمرني بالظلم بدءا و بالسيئة قبل الحسنة و أعاقب على الظنة و التهمة و أؤاخذ بالفعل قبل كونه؟ كلا و الله لا عدلت عما أخذ الله على من الحكم و العدل و لا ابتدأ بالفصل يا ابن عباس انني أذنت لهما و أعرف ما يكون منهما و لكني استظهرت بالله عليهما و الله لأقتلنهما و لأخيبن ظنهما و لا يلقيان من الأمر مناهما و أن الله يأخذهما بظلمهما لى و نكثهما بيعتي و بغيهما علي.

أقول: قد علمت سابقا مما نقلنا من الفريقين أن طلحة كان أول من رمى بسهم في دار عثمان و قال: لا ننعمنه عينا و لا نتركه يأكل و لا يشرب، و لما حيل بين أهل دار عثمان و بين الماء فنظر الزبير نحوهم و قال و حيل بينهم و بين ما يشتهون- الاية، و غير ذلك مما قالوا لعثمان و فعلوا به مما لا حاجة إلى إعادته ثم دريت أنهما أول من بايع عليا عليه السلام على ما قد فصلنا و بينا ثم نكثا بيعته بالسبب الذى ذكرناه و العجب أنهما مع ما فعلا بعثمان جعلا دم عثمان مستمسكا و نهضا إلى طلب‏

دمه فحاربا أمير المؤمنين عليه السلام و شيعته الموحدين المسلمين و من تأمل حق التأمل في جميع ما قدمنا علم أنهما و أضرابهما لم يكونوا فيما صنعوه على جميل طوية في الدين و لا نصيحة للمسلمين و أن الذي أظهروه من الطلب بدم عثمان إنما كان تشبيها و تلبيسا على العامة و المستضعفين. نعوذ بالله من همزات الشياطين و نسأله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا فانها رأس كل خطيئة و اسها.

«خلاف عائشة على على (ع) و أطوار أحوالها و أقوالها فيه (ع) و في عثمان»

قد علمت مما سبق أن عائشة كانت أول من طعن على عثمان و أطمع الناس فيه و كانت تقول: اقتلوا نعثلا و صرحت بانه طاغية و أمرت بقتل عثمان و نادته بقولها يا غدر يا فجر و أرائته قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و نعليه و قالت له انها لم يتغير و أنت غيرت سنته، و نهت ابن عباس عن أن يرد الناس عن قتل الطاغية تعنى بالطاغية عثمان و غيرها مما نقلناها من الفريقين. هذا هو طور.

ثم لما قتل عثمان بن عفان خرج البغاة إلى الافاق فلما وصل بعضهم إلى مكة سمعت بذلك عائشة فاستبشرت بقتله و قالت قتلته عماله إنه أحرق كتاب الله و أمات سنة رسول الله صلى الله عليه و آله فقتله الله، فقالت للناعي: و من بايع الناس؟ فقال لها الناعي: لم أبرح من المدينة حتى أخذ طلحة بن عبد الله نعاجا لعثمان و عمل مفاتيح لأبواب بيت المال و لا شك أن الناس قد بايعوه فقالت اى هذا لأصيبع وجدوك لها محسنا و بها كافيا، ثم قالت شدوا رحلي فقد قضيت عمرتي لأتوجه إلى منزلي فلما شدوا رحالها و استوت على مركبها سارت حتى بلغت شرقاء (موضع معروف بهذا الاسم) لقيها إبراهيم بن عبيد بن ام كلاب فقالت: ما الخبر؟ فقال: قتل عثمان، قالت: قتل نعثل، فقالت: أخبرني عن قصته و كيف كان أمره؟ فقال لها:

لما أحاط الناس بالدار رأيت طلحة بن عبد الله قد غلب على الأمر و اتخذ مفاتيح على بيوت الأموال و الخزائن و تهيأ ليبايع له فلما قتل عثمان مال الناس إلى علي بن أبي طالب و لم يعدلوا به طلحة و لا غيره و خرجوا في طلب على يقدمهم الأشتر

و محمد بن أبي بكر و عمار بن ياسر حتى أتوا عليا و هو في بيت سكن فيه فقالوا له بايعنا على الطاعة لك فتفكر ساعة فقال الأشتر: يا علي إن الناس لا يعدلون بك غيرك فبايع قبل أن يختلف الناس، قال و كان في الجماعة طلحة و الزبير فظننت أن سيكون بين طلحة و الزبير و على كلام قبل ذلك، فقال الأشتر لطلحة: قم يا طلحة فبايع ثم قم يا زبير فبايع فما تنتظران فقاما فبايعا و أنا أرى أيديهما على يد علي يصفقانهما ببيعته ثم صعد علي بن أبي طالب المنبر فتكلم بكلام لا أحفظ إلا أن الناس بايعوه يومئذ على المنبر و بايعوه من الغد فلما كان اليوم الثالث خرجت و لا أعلم ما جرى بعدي.

فقالت: يا أخا بني بكر أنت رأيت طلحة بايع عليا؟ فقلت: اى و الله رأيته بايعه و ما قلت إلا رأيت طلحة و الزبير أول من بايعه فقالت: إنا لله اكره و الله الرجل و غصب علي بن أبي طالب أمرهم و قتل خليفة الله مظلوما، ردوا بغالي فرجعت إلى مكة، قال: و سرت معها فجعلت تسألني في المسير و جعلت اخبرها ما كان فقالت لي هذا بعهدي و ما كنت أظن أن الناس يعدلون عن طلحة مع بلائه يوم احد، قلت فإن كان بالبلاء فصاحبه الذى بويع ذو بلاء و عناء، فقالت يا أخا بنى بكر لا نسألك هذا غير حتى إذا دخلت مكة فسألك الناس ما رد ام المؤمنين فقل: القيام بدم عثمان و الطلب به.

و جاءها يعلى بن منبه فقال لها: قد قتل خليفتك الذى تحرضين على قتله فقالت: برأت إلى الله ممن قتله، قال: الان، ثم قال لها: أظهرى البراءة ثانيا من قاتله.

فخرجت عائشة إلى المسجد فابتدأت بالحجر فتسترت فيه و نادى مناديها باجتماع الناس إليها فلما اجتمعوا تكلمت من وراء الستر و جعلت تتبرأ ممن قتل عثمان و تدعو إلى نصرة عثمان و تنعاه إلى الناس و تبكيه و تشهد أنه قتل مظلوما و جاءها عبد الله بن الحضرمي عامل عثمان على مكة فقال: قرت عينك قتل عثمان و بلغت ما أردت من أمره، فقالت: سبحان الله أنا طلبت قتله إنما كنت عاتبة

عليه من شي‏ء أرضاني فيه قتل و الله من خير من عثمان بن عفان و أرضى عند الله و عند المسلمين و الله ما زال قاتله (تعنى أمير المؤمنين عليا عليه السلام) مؤخرا منذ بعث محمد صلى الله عليه و آله و بعد أن توفى عدل عنه الناس على خيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله و لا يرونه أهلا للأمر و لكنه رجل يحب الإمرة و الله لا تجتمع عليه و لا على أحد من ولده إلى قيام الساعة. ثم قالت: معاشر المسلمين ان عثمان قتل مظلوما و لقد قتل عثمان من اصبع عثمان خير منه و جعلت تحرض الناس على خلاف أمير المؤمنين و تحثهم على نقض عهده.

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ: إن عائشة لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن ام كلاب‏[2] و هو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى امه فقالت له مهيم؟ قال قتلوا عثمان فمكثوا ثمانيا، قالت: ثم صنعوا ما ذا؟

قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت: و الله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة و هي تقول: قتل و الله عثمان مظلوما و الله لأطلبن بدمه. فقال لها ابن ام كلاب: و لم؟ فو الله إن أول من أمال حرفه لأنت و لقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه و قد قلت و قالوا و قولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن ام كلاب:

منك البداء و منك الغيرو منك الرياح و منك المطر
و أنت أمرت بقتل الإمام‏و قلت لنا إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله‏و قاتله عندنا من أمر
و لم يسقط السقف من فوقناو لم ينكسف شمسنا و القمر
و قد بايع الناس ذا تدر إيزيل الشبا و يقيم الصعر
و يلبس للحرب أثوابهاو ما من و في مثل من قد غدر

 

فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت و اجتمع إليها الناس فقالت: يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوما و و الله لأطلبن بدمه.

بيان‏

مهيم على وزان جعفر كلمة استفهام يستفهم بها معناها ما حالك، و ما شأنك و ما حدث، و ما الخبر، و امثالها المناسبة للمقام. قولها: ليت أن هذه انطبقت على هذه. تعنى أن السماء انطبقت على الأرض.

ثم لما تجهز القوم وعبوا العسكر و خرجوا إلى البصرة لاثارة الفتنة و إنارة الحرب و كانت عائشة معهم على الجمل الأدب انتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب عليه ناس من بني كلاب فعوت كلابهم على الركب حتى نفرت صعاب ابلها فقالت: ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملها: الحوأب فاسترجعت و ذكرت ما قيل لها في ذلك فأمسكت زمام بعيرها فقالت و إنها لكلاب الحوئب ردوني ردوني إلى حرم رسول الله لا حاجة لي في المسير فاني سمعت رسول الله يقول: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوئب فيقتل عن يمينها و يسارها قتلى كثيرة.

فقال ابن الزبير: بالله ما هذا الحوأب و لقد غلط فيما أخبرك به و كان طلحة في ساقة الناس فلحقها فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب فسارت لوجهها. قال المسعودى في مروج الذهب، شهد مع ابن الزبير و طلحة خمسون رجلا ممن كان معهم فكان ذلك أول شهادة زورا قيمت في البصرة. انتهى كلامه.

و قال الدينوري في الإمامة و السياسة: فقال لها محمد بن طلحة: تقدمى رحمك الله و دعى هذا القول. و أتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفته أول الليل و أتاها ببينة زور من الأعراب فشهدوا بذلك فزعموا أنها أول شهادة

زور شهد بها في الإسلام.

و روى أبو جعفر الطبري في التاريخ بإسناده عن الزهري (ص 485 ج 3 طبع مصر 1357 ه) قال: بلغني أنه لما بلغ طلحة و الزبير منزل على بذي قار انصرفوا إلى البصرة فأخذوا على المنكدر فسمعت عائشة نباح الكلاب فقالت أى ماء هذا؟

فقالوا الحوأب فقالت إنا لله و إنا إليه راجعون إنى لهيه قد سمعت رسول الله يقول و عنده نساؤه ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب فأرادت الرجوع فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال كذب من قال إن هذا الحوأب و لم يزل حتى مضت.

أقول: حديث الحوأب مما اتفق به الفريقان و روته الخاصة و العامة بطرق عديدة و أسانيد كثيرة.

بيان‏

قال ابن الأثير في النهاية: و في الحديث أنه صلى الله عليه و آله قال لنسائه ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب، أراد الأدب فأظهر الإدغام لأجل الحوأب، و الأدبب: الكثير وبر الوجه. و المنقول من السيوطى في بعض تصانيفه انه قد يفك ما استحق الادغام لاتباع كلمة أخرى كحديث ايتكن صاحبة الجمل- إلخ. قولها: إنى لهيه، اللام لام الابتداء تدخل بعد ان المكسورة و تسمى اللام المزحلفة بالقاف و الفاء و بنو تميم يقولون زحلوقة بالقاف و أهل العالية زحلوفة بالفاء سميت بذلك لأن أصل إن زيدا لقائم مثلا لأن زيدا قائم فكرهوا افتتاح الكلام بحرفين مؤكدين فزحلفوا اللام دون أن لئلا يتقدم معمولها عليها.

و هى ضمير راجعة إلى المرأة و الها في آخره للسكت نحو قوله تعالى: و ما أدراك ما هيه‏ (القارعة: 8). و نقل الحديث في الإمامة و السياسة للدينوري هكذا:

قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول لنسائه كأنى باحداكن قد نبحها كلاب الحوأب و إياك أن تكوني أنت يا حميراء- ص 63 ج 1 طبع مصر 1377 ه.

ثم قال أبو جعفر الطبري في التاريخ: إن عائشة في فتنة الجمل ركبت‏

جملها و كان جملها يدعى عسكرا و البسوا هودجها الأدراع و قتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل فلما عقر الجمل و هزم الناس احتمل محمد بن أبي بكر عائشة فضرب عليها فسطاط فوقف علي عليه السلام عليها فقال: استفززت الناس و قد فزوا فألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا في كلام كثير فقالت عائشة: يا ابن أبي طالب ملكت فأسجح نعم ما أبليت قومك اليوم، فسرحها على عليه السلام و أرسل معها جماعة من رجال و نساء و جهزها و أمر لها باثنى عشر ألفا- إلى آخر ما قال.

ثم قال الفاضل الشارح المعتزلي (ص 159 ج 2 طبع طهران 1302 ه):

قد تواترت الرواية عنها باظهار الندم انه كانت تقول ليته كان لى من رسول الله صلى الله عليه و آله بنون عشرة كلهم مثل عبد الرحمن بن عبد الحارث بن هشام و ثكلتهم و لم يكن يوم الجمل، و أنها كانت تقول: ليتنى مت قبل يوم الجمل، أنها كانت إذا ذكرت ذلك اليوم تبكى حتى تبل خمارها.

أقول: و مما ذكرنا من الفريقين من اختلاف أقوالها و أطوار أحوالها دريت أن المرأة كالرجلين طلحة و الزبير ما أظهرت من الطلب بدم عثمان إنما كان تشبيها و تلبيسا على العامة و المستضعفين و أن القوم لم يكونوا فيما صنعوه على جميل طوية في الدين و لا نصيحة للمسلمين و علمت من فعل عائشة أنها كانت عمدت على التوجه إلى المدينة قبل أن تعرف ما كان من أمر المسلمين راجية بتمام الأمر بعد عثمان لطلحة و الزبير زوج اختها فلما صارت ببعض الطريق لقيت الناعي لعثمان فاستبشرت بنعيه له فلما اخبرت أن البيعة تمت لأمير المؤمنين ساءها ذلك و أحزنها و أظهرت الندم على ما كان منها في التأليب على عثمان فأسرعت راجعة إلى مكة حتى فعلت ما فعلت. على أن عائشة كانت تبغض عليا عليه السلام و إنما أثارت الفتنة و حثت القوم عليه عليه السلام بالعداوة و الشنان و من ذلك ما رواه كافة العلماء عنها أنها كانت تقول لم يزل بيني و بين على من التباعد ما يكون بين بنت الأحماء و منهم أبو جعفر الطبرى رواه في التاريخ ج 3 ص 547 طبع مصر 1357 ه.

و من ذلك أيضا ما رواه كافة العلماء و منهم الطبري في التاريخ ص ج 433 2

روى بإسناده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله لما مرض في مرضه الذي توفى فيه- إلى أن قالت- و هو صلى الله عليه و آله في بيت ميمونة فدعا نسائه فاستأذنهن أن يمرض في بيتى فأذن له فخرج رسول الله صلى الله عليه و آله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس و رجل آخر تخط قدماه صلى الله عليه و آله الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيتي، قال أبو جعفر الطبري: قال عبيد الله: فحدثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس فقال هل تدرى من الرجل؟ قلت لا، قال: علي بن أبي طالب عليه السلام و لكنها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير و هي تستطيع.

و من ذلك ما رواه الشيخ الأجل المفيد قدس سره في الجمل ص 68 طبع النجف: لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام جاء الناعي فنعى أهل المدينة فلما سمعت عائشة بنعيه استبشرت و قالت متمثلة:

فإن يك ناعيا فلقد نعاه‏بناع ليس في فيه التراب‏

فقالت لها زينب بنت أبي سلمي: العلي تقولين؟ فتضاحكت ثم قالت أنسي فاذا نسيت فذكروني ثم خرت ساجدة شكرا على ما بلغها من قتله و رفعت رأسها و هي تقول:

فألقت عصاها و استقر بها النوى‏كما قر عينا بالإياب المسافر

و قال (ره) هذا من الأخبار التي لا ريب فيها و لا مرية في صحتها لاتفاق الرواة عليها.

و من ذلك ما في الجمل أيضا و قد روى عن مسروق أنه قال: ادخلت عليها فاستدعت غلاما باسم عبد الرحمن قالت: عبدي، قلت لها: فكيف سميته عبد الرحمن؟ قالت حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل علي.

و من ذلك الخبر المشهور الذي رواه نقلة الاثار انه لما بعث إليها أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة أن ارتحلى عن هذه البلدة قالت لا أريتم مكاني هذا فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام أم و الله لترتحلين أو لأنفذن إليك نسوة من بكر بن وائل يأخذنك بشقاق حداد فقالت لرسوله ارتحل فبالله احلف ما كان مكان أبغض‏

إلى من مكان يكون هو فيه. و غيرها من الأخبار الواردة في بغضها أمير المؤمنين عليه السلام.

«خروج عائشة و طلحة و الزبير و اتباعهم و اشياعهم» «من مكة إلى البصرة»

لما تم أمر البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام و أيس طلحة و الزبير مما كانا يرجوان به من قتل عثمان من البيعة لأحدهما بالإمامة و تحققت عائشة تمام الأمر لأمير المؤمنين عليه السلام و عرف عمال عثمان أن أمير المؤمنين عليه السلام لا يقرهم على ولاياتهم و انهم إن ثبتوا في أماكنهم أو صاروا إليه طالبهم الخروج مما في أيديهم من أموال الله تعالى و حذروا من عقابه على تورطهم في خيانة المسلمين عمل كل فريق منهم على التحرز منه و احتال في الكيد له و اجتهد في تفريق الناس عنه فسار القوم من كل مكان إلى مكة استعاذة بها و سكنوا إلى ذلك المكان و عائشة بها و طمعوا في تمام كيدهم لأمير المؤمنين للتحيز إليها و التمويه على الناس بها و جعلت عائشة تحرض الناس على خلاف أمير المؤمنين و تحثهم على نقض عهده و لحق إلى مكة جماعة من منافقي قريش و صار إليها عمال عثمان الذين هربوا من أمير المؤمنين عليه السلام و لحق بها عبد الله بن عمر بن الخطاب و أخوه عبيد الله و مروان بن الحكم و أولاد عثمان و عبيده و خاصته من بني امية و انحازوا إليها و جعلوها الملجأ لهم فيما دبروه من كيد أمير المؤمنين عليه السلام.

و لما عرف طلحة و الزبير حال القوم عمدا على اللحاق بها و التعاضد على شقاق أمير المؤمنين فاستأذنا أمير المؤمنين في العمرة كما نقلنا آنفا و سارا إلى مكة خالعين الطاعة و ناكثين البيعة و كان ظهورهما إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر فلما وردا إليها فيمن تبعهما من أولادهما و خاصتهما طافا بالبيت طواف العمرة و سعيا بين الصفا و المروة و بعثا إلى عائشة عبد الله بن الزبير بالخروج علي أمير المؤمنين عليه السلام.

و جعل عبد الله بن أبي ربيعة يحرض الناس على الخروج و كان قد صحب مالا جزيلا فانفقه في جهاز الناس إلى البصرة، و كان يعلي بن منبه التميمي عاملا لعثمان على الجند فوافي الحج ذلك العام فلما بلغه قول ابن أبي ربيعة خرج من داره و قال: أيها الناس من خرج لطلب دم عثمان فعلى جهازه و حمل معه عشرة آلاف دينار فجعل يعطيها الناس و اشترى أربعمائة بعير و أناخها بالبطحاء و حمل عليها الرجال.

و لما اتصل أمير المؤمنين عليه السلام خبر ابن أبي ربيعة و ابن منبه و ما بذلاه من المال في شقاقه و الإفساد عليه قال: و الله إن ظفرت بابن منبه و ابن أبي ربيعة لأجعلن أموالهما في سبيل الله، ثم قال: بلغني أن ابن منبه بذل عشرة آلاف دينار في حربي من أين له عشرة آلاف دينار سرقها من اليمن ثم جاء بها لإن وجدته لأخذته بما أقر به.

و لما رأت عائشة اجتماعهم بمكة من مخالفة أمير المؤمنين عليه السلام تأهبت للخروج و مناديها يقول: من كان يريد المسير فليسر فإن ام المؤمنين سائرة إلى البصرة تطلب بدم عثمان فلما تحقق عزم القوم على المسير إلى البصرة اجتمع طلحة و الزبير و عائشة و خواصهم و قالوا نحب أن نسرع النهضة إلى البصرة فإن بها شيعة عثمان و عامله عبد الله بن عامر و قد عمل على استمداد الجنود من فارس و بلاد المشرق لمعونته على الطلب بدم عثمان و قد كاتبنا معاوية بن أبي سفيان أن ينفذ لنا الجنود من الشام فإن أبطينا من الخروج خفنا من أن يدهمنا على بمكة أو في بعض الطريق فيمن يراى رأيه خوفا من أن يفرق كلمتنا و إذا أسرعنا المسير إلى البصرة و أخرجنا عامله منها و قتلنا شيعته بها و استعنا بأمواله منها كنا على الثقة من الظفر بابن أبي طالب و إن أقام بالمدينة سيرنا إليه جنودا حتى نحصره فيخلع نفسه أو نقتله كما قتل عثمان و إن سار فهو كالئ و نحن حامون و هو على ظاهر البصرة و نحن بها متحصنون فلابد له إلا أن يريح المسلمين من فتنته‏

. «تحذير ام سلمة عائشة من الخروج و نصحها لها طورا بعد» «طور و اباء عائشة عن القبول»

قال المفيد في الجمل: روى الواقدي عن أفلح بن سعيد عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن أبي رافع عن ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه و آله قالت: كنت مقيمة بمكة تلك السنة حتى دخل المحرم فلم أر إلا برسول طلحة و الزبير جاءني عنهما يقول ان ام المؤمنين عائشة تريد أن تخرج للطلب بدم عثمان فلو خرجت معها رجونا أن يصلح بكما فتق هذه الأمة فأرسلت إليهما و الله ما بهذا امرت و لا عائشة لقد أمرنا الله أن نقر في بيوتنا لا نخرج للحرب أو للقتال مع أن أولياء عثمان غيرنا و الله لا يجوز لنا عفو و لا صلح و لا قصاص و ما ذاك إلا لولد عثمان، و اخرى نقاتل علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين ذا البلاء بهذا الأمر و العناء و أولى الناس بهذا الأمر و الله ما أنصفتما رسول الله صلى الله عليه و آله في نسائه حيث تخرجوهن إلى العراق و تتركوا نساءكم في بيوتكم.

ثم قال فيه: و بلغ ام سلمة اجتماع القوم و ما خاضوه فيه فبكت حتى اخضل خمارها ثم ادنت ثيابها فلبستها و تخفرت و مشت إلى عائشة لتعظها و تصدها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة و تقعدها عن الخروج مع القوم فلما صارت إليها قالت: إنك عدت رسول الله صلى الله عليه و آله، و بين امته و حجابك مضروب على حرمته و قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه و ملك خفرك فلا تضحيها الله الله من وراء هذه الأمة قد علم رسول الله صلى الله عليه و آله مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل بل نهاك عن الفرط في البلاء و أن عمود الدين لا يقام بالنساء إن انثلم و لا يشعب بهن إن انصدع فصدع النساء غض الأطراف و حف الأعطاف و قصر الوهادة و ضم الذيول و ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه و آله عارضك ببعض الفلاة ناضه قلوصا من منهل إلى آخر أن قد هتكت صداقته و تركت عهدته أن يغير الله بك لهواك على رسول الله صلى الله عليه و آله تردين و الله لو سرت سيرك هذا ثم قيل لي ادخلى الفردوس لاستحييت أن ألقى رسول الله صلى الله عليه و آله هاتكة حجابا قد ستره على اجعلي حصنك بيتك و قاعة البيت قبرك حتى‏

تلقينه و أنت على ذلك أطوع ما تكوني له ما لزمتيه و انظرى نبوع الدين ما حلت عنه.

فقالت لها عائشة: ما أعرفني بوعظك و اقبلني لنصحك و لنعم المسير مسير فزعت إليه و أنا بين سائرة و متأخرة فان انعد فمن غير حرج و إن أسير فإلى ما لابد من الإزياد منه.

فلما رأت ام سلمة أن عائشة لا تقنع عن الخروج عادت إلى مكانها و بعثت إلى رهط من المهاجرين و الأنصار قالت لهم لقد قتل عثمان بحضرتكم و كانا هذان الرجلان- أعني طلحة و الزبير- يشعيان عليه كما رأيتم فلما قضى أمره بايعا عليا عليه السلام و قد خرجا الان عليه زعما أن يطلبا بدم عثمان و يريدان أن يخرجا حبيسة رسول الله صلى الله عليه و آله معهم و قد عهد إلى جميع نسائه عهدا واحدا أن يقرن في بيوتهن فإن كان مع عائشة عهد سوى ذلك تظهره و تخرجه إلينا نعرفه فاتقوا الله عباد الله فإنا نأمركم بتقوى الله و الاعتصام بحبله و الله ولي لنا و لكم، فشق كثير على طلحة و الزبير عند سماع هذا القول من ام سلمة.

ثم أنفذت ام سلمة إلى عائشة فقالت لها: قد وعظتك فلم تتعظي و قد كنت أعرف رأيك في عثمان و أنه لو طلب منك شربة ماء لمنعتيه ثم أنت اليوم تقولين إنه قتل مظلوما و تريدين أن تثيرى لقتال أولى الناس بهذا الأمر قديما و حديثا فاتقى الله حق تقاته و لا تعرضي لسخطه.

فأرسلت إليها عائشة أما ما كنت تعرفيه من رأيى في عثمان فقد كان و لا أجد مخرجا منه إلا الطلب بدمه و أما على فاني آمره برد هذا الأمر شوري بين الناس.

فانفذت إليها أم سلمة أما أنا فغير واعظة لك من بعد و لا مكلمة جهدي و طاقتي و الله إني لخائفة عليك البوار ثم النار و الله ليخيبن ظنك و لينصرن الله ابن أبي طالب على من بغي عليه و ستعرفين عاقبة ما أقول و السلام.

أقول: و قد أتى بما ذكرنا من تحذير ام سلمة عائشة ابن قتيبة الدينورى‏

في الإمامة و السياسة (ص 56 ج 1 طبع مصر 1377 ه) و الفاضل الشارح المعتزلي ابن أبي الحديد في الجزء الثاني من شرحه على نهج البلاغة، و بين النسخ اختلاف في بعض الجمل في الجملة ففي الأول: و قد علمت أن عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال و لا يراب بهن إن انصدع، حماديات النساء غض الأبصار و ضم الذيول.

«خروج على (ع) إلى الربذة»

لما تأهب القوم للمسير إلى البصرة جاء عليا عليه السلام الخبر عن أمرهم قد توجهوا نحو العراق فدعا ابن عباس و محمد بن أبي بكر و عمار بن ياسر و سهل بن حنيف و أخبرهم بذلك فقال أشيروا على بما اسمع منكم القول فيه، فقال عمار:

الرأى أن نسير إلى الكوفة فان أهلها لنا شيعة و قد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة، و قال ابن عباس: الرأي عندى يا أمير المؤمنين أن تقدم رجالا إلى الكوفة فيبايعوا لك و تكتب إلى الأشعري (يعني أبا موسى الأشعري و كان عاملا لعثمان على الكوفة) أن يبايع لك ثم بعده المسير حتى نلحق بالكوفة فنعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة و تكتب إلى ام سلمة فتخرج معك فانها لك قوة.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام بل أنهض بنفسي و من معى في اتباع الطريق وراء القوم فان أدركتهم بالطريق أخذتهم و إن فاتوني كتبت إلى الكوفة و استمددت الجنود إلى الأمصار و سرت إليهم، و أما ام سلمة فاني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة.

ثم نادى أمير المؤمنين عليه السلام في الناس: تجهزوا للمسير فان طلحة و الزبير قد نكثا البيعة و نقضا العهد و أخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لاثارة الفتنة و سفك دماء أهل القبلة، ثم رفع يديه إلى السماء فقال:

اللهم إن هذين الرجلين قد بغيا علي و نكثا عهدي و نقضا عهدى و شقياني بغير حق سومها ذلك اللهم خذهما بظلمهما و اظفرني بهما و انصرني عليهما ثم خرج في سبعمائة رجل من المهاجرين و الأنصار و استخلف على المدينة تمام بن عباس و بعث قثم بن‏

عباس إلى مكة و لما رأى عليه السلام التوجه إلى القوم ركب جملا أحمر و هو يقول:

سيروا مبلين و حثوا السيرافي طلحة التميمي و الزبيرا
إذ جلبا شرا و عافا خيرايا رب أدخلهم غدا سعيرا

و سار مجدا في السير حتى بلغ الربذة بين الكوفة و مكة من طريق الجادة فوجد القوم قد فاتوا فنزل بها فأقام بها أياما فكتب إلى أهل الكوفة:

«كتاب على (ع) إلى أهل الكوفة من الربذة» «و خطبته التي خطب بها الناس في الربذة»

قال أبو جعفر الطبري في التاريخ (ص 493 طبع مصر 1357 ه): حدثني عمر قال:

حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم، عن محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن أبيه قال كتب علي عليه السلام إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اخترتكم و النزول بين أظهركم لما أعرف من مودتكم و حبكم لله عز و جل و لرسوله صلى الله عليه و آله فمن جاءني و نصرني فقد أجاب الحق و قضى الذي عليه.

أقول: كتابه هذا ليس بمذكور في النهج و نقله الطبرى على وجه آخر أيضا قال (ص 394 ج 3): كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد و طلحة قال: لما قدم على عليه السلام الربذة أقام بها و سرح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر و محمد ابن جعفر و كتب إليهم إني اخترتكم على الأمصار و فزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا و أنصارا و أيدونا و انهضوا إلينا فالإصلاح ما نريد لتعود الأمة إخوانا و من أحب ذلك و آثره فقد أحب الحق و آثره و من أبغض ذلك فقد أبغض الحق و غمصه.

قال: فمضى الرجلان و بقى علي عليه السلام بالربذة يتهيأ و أرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة و سلاح و أمر أمره و قام في الناس فخطبهم و قال:

إن الله عز و جل أعزنا بالإسلام و رفعنا به و جعلنا به إخوانا بعد ذلة و قلة و تباغض و تباعد فجرى الناس على ذلك ما شاء الله الإسلام دينهم و الحق فيهم و الكتاب إمامهم حتى اصيب هذا الرجل بأيدى هؤلاء القوم الذي نزغهم الشيطان‏

لينزع بين هذه الأمة ألا إن هذه الأمة لابد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال: إنه لابد مما كائن أن يكون ألا و إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة شرها فرقة تنتحلني و لا تعمل بعملي فقد أدركتم و رأيتم فالزموا دينكم و اهدوا بهدى نبيكم صلى الله عليه و آله و اتبعوا سنته و أعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه القرآن فالزموه و ما أنكره فردوه و ارضوا بالله جل و عز ربا و بالإسلام دينا و بمحمد صلى الله عليه و آله نبيا و بالقرآن حكما و إماما.

أقول: ذلك الكتاب و هذه الخطبة أيضا ليسا بمذكورين في النهج- ثم لا يخفى على المتضلع في الايات القرآنية أن هذه الخطبة يبين لنا بطنا من بطون القرآن بل يظهر لنا سرا من أسرار القدر بأن هذه الأمة لابد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فلعل هذا ما يشير إليه بعض الاى القرآني يأتي هذه الأمة مثل الذين خلوا من قبلها.

ثم قال الطبرى: إنه عليه السلام بعث محمد بن أبي بكر إلى الكوفة و محمد بن عون فجاء الناس إلى أبي موسى يستشيرونه في الخروج فقال أبو موسى: أما سبيل الاخرة فأن تقيموا، و أما سبيل الدنيا فأن تخرجوا و أنتم أعلم، و بلغ المحمدين قول أبي موسى فبايناه و أغلظا له فقال: أما و الله إن بيعة عثمان في عنقي و عنق صاحبكما الذي أرسلكما إن أردنا أن نقاتل لا نقاتل حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان.

فانطلقا إلى علي عليه السلام فوافياه بذي قار و أخبراه الخبر و قد خرج مع الأشتر و قد كان يعجل إلى الكوفة فقال علي عليه السلام: يا أشتر أنت صاحبنا في أبي موسى و المعترض في كل شي‏ء اذهب أنت و عبد الله بن عباس فاصلح ما أفسدت فخرج عبد الله بن عباس و معه الأشتر فقدما الكوفة و كلما أبا موسى و استعانا عليه باناس من الكوفة فقال للكوفيين: أنا صاحبكم يوم الجرعة و أنا صاحبكم اليوم فجمع الناس و خطبهم و استنفرهم إلى أمير المؤمنين عليه السلام‏

. «نزول أمير المؤمنين عليه السلام ذا قار و كتابه إلى» «أبى موسى عبد الله بن قيس الأشعرى»

ثم سار علي عليه السلام بمن معه حتى نزل بذي قار ثم دعا عليه السلام هاشم بن عتبة المرقال و كتب معه كتابا إلى أبي موسى الأشعري و كان بالكوفة من قبل عثمان أن يوصل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه و كان مضمون الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم من على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد فإني أرسلت إليك هاشم بن عتبة المرقال لتشخص معه من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا شيعتي و أحدثوا في هذه الأمة الحدث العظيم فاشخص الناس إلى معه حين يقدم بالكتاب عليك فلا تحبسه فإني لم أقرك في المصر الذي أنت فيه إلا أن تكون من أعواني و أنصاري على هذا الأمر و السلام.

فقدم هاشم بالكتاب على أبى موسى فدعى أبو موسى السائب بن مالك الأشعرى فأقرأه الكتاب، و قال له: ما ترى؟ فقال له السائب: اتبع ما كتب به إليك، فأبى أبو موسى ذلك و كسر الكتاب و محاه و بعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه و يتوعده بالسجن فقال السائب بن مالك: فأتيت هاشما فأخبرته بأمر أبي موسى.

فكتب هاشم إلى أمير المؤمنين عليه السلام أما بعد يا أمير المؤمنين فإني قدمت بكتابك على امرء شاق عاق بعيد الرحم ظاهر الغل و الشقاق و قد بعثت إليك بهذا الكتاب مع المغل بن خليفة أخي ظني و هو من شيعتك و أنصارك و عنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك و اكتب إلي برأيك أتبعه و السلام.

فلما قدم الكتاب إلى علي عليه السلام و قرأه دعا الحسن ابنه و عمار بن ياسر و قيس بن سعد و بعثهم إلى أبي موسى و كتب معهم.

«كتاب على عليه السلام إلى أبى موسى الأشعرى ثانيا»

من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد يا ابن الحائك‏[3]

و الله إني كنت لا أرى بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا و لا جعل لك فيه نصيبا و قد بعثت لك الحسن و عمارا و قيسا خل لهم المصر و أهله و اعتزل عملنا منسوبا مدحورا فان فعلت و إلا أمرتهم أن ينابذوك على سوى إن الله لا يحب الخائنين فإن أظهروا عليك قطعوك إربا إربا و السلام على من شكر النعم و رضي البيعة و عمل لله رجاء العاقبة.

فقدم الحسن عليه السلام و عمار و قيس الكوفة مستنفرين لأهلها و كان أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى أهل الكوفة كتابا كان معهم و هو الكتاب الأول من باب المختار من كتب أمير المؤمنين عليه السلام أى ذلك الكتاب المعنون للشرح و أتينا به في صدر هذا الباب و قد ذكرنا النسختين منه احداهما ما في النهج و الأخرى ما في الجمل للمفيد.

و اعلم أن هذين الكتابين منه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعري ليسا بمذكورين في النهج و قد نقلناهما من الجمل للمفيد (ص 115 طبع النجف) و تاريخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ص 512 ج 3 طبع مصر 1357 ه) و بين النسختين اختلاف في بعض العبارات و سيأتي الكتاب الثالث و الستين منه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعرى و قد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل: من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك- إلخ. فقد حان أن نتصدى جمل الكتاب بعون الله الملك الوهاب و نذكر تتمة واقعة الجمل في شرح الكتاب التالي إن شاء الله تعالى:

كنايه قوله عليه السلام: (من عبد الله على أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب) قد قدمنا في تفسير لغات الكتاب أن الجبهة لها معنيان: الجماعة و موضع السجود من الرأس و قد يكنى على الثاني أعيان الناس و سادتهم و اشرافهم من حيث أن للجبهة حرمة و شرفا في الوجه و لذا توضع على الأرض في السجدة و هذا هو المراد في المقام بقرينة السنام‏ فصدر عليه السلام كتابه بمدحهم بقوله‏ جبهة الأنصار و سنام العرب‏ لأنهم كانوا بين أعوانه عليه السلام كالجبهة و السنام في العزة و الرفعة و صار أهل‏

الكوفة آخر الأمر أنصاره عليه السلام و الكوفة دار هجرته كما أن أهل المدينة صاروا أنصار رسول الله صلى الله عليه و آله و المدينة دار هجرته. ثم لا يخفى أن مثل هذا المقام يقتضي تصدير الكتاب بالألفاظ الدالة على التحبيب و تأليف القلوب و الترغيب فيما يراد فصدره بالمدح اجتذابا لهم إلى ما يريد من نصرته على الناكثين.

قوله عليه السلام: (أما بعد فإني اخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه) قد أثبتنا و حققنا أن الناس لما رأوا أن عثمان أحدث ما أحدث و فعل ما فعل نقموها منه و طعنوا عليه و حصروه أربعين ليلة و منعوه من الماء أياما للأغراض التي قدمناها و علل بيناها و شهد قتله ثمانمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله حتى قيل إن المجمعين على قتل عثمان كانوا أكثر من المجمعين على بيعته، و أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام لقد دفع عنه غير مرة حتى قال: و الله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما و غير ذلك مما لا حاجة إلى إعادتها و أن طلحة و الزبير و عائشة فيما صنعوه في عثمان كانت من أوكد أسباب ما تم على عثمان من الخلع و الحصر و سفك دمه و الفساد، و سمعت أقوال الفريقين في طلحة أنه كان أول من رمي بسهم في دار عثمان و في الزبير ما قال لعثمان و في انكار عايشة عليه و أنها كانت أول من طعن على عثمان و أطمع الناس فيه.

و دريت أن طلحة و الزبير كانا أول من بايع أمير المؤمنين عليه السلام إلا أنهم لما رأوا خيبتهم من الامال الدنيوية و يأسهم من الأغراض الشهوانية و الشيطانية نكثوا البيعة و استمسكوا بطلب دم عثمان تشبيها و تلبيسا على العامة و المستضعفين و اتهموا أمير المؤمنين عليه السلام بقتله و عزوا دمه إليه و من نظر فيما قدمنا في تفسير هذا الكتاب علم أن الناكثين و أضرابهم و أتباعهم قد لعبوا بالدين و أنما كان قصدهم التملك للأمر و التأمر على المسلمين. ثم لما كانت شبهة قتل عثمان مبدأ كل فتنة نشأت في الإسلام من فتنة الجمل و صفين و نهروان حتى أن بني امية تمسكوا بها في منع الماء من ريحانة رسول الله صلى الله عليه و آله سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عليه السلام و قتله فأخبر علي عليه السلام‏ أهل الكوفة عن أمر عثمان‏ و الأحوال التى جرت عليه مما نقمها الناس منه و طعنوا فيه على حد ايضاح يكون سمعه‏

لمن لم يشهده كعيانه أى كانه شهد تلك الواقعة و رآها بعينه ليعلم تنزيهه عليه السلام عن اسناد قتل عثمان إليه و أن اسناد دمه إليه عليه السلام تهمة و بهتان ليس إلا و أنه عليه السلام أبرء الناس من دم عثمان.

قوله عليه السلام: (إن الناس طعنوا عليه) هذا شروع في الإخبار عن أمر عثمان‏، و إنما صرح عليه السلام بأن الناس طعنوا عليه ليعلم‏ أهل الكوفة أن الناس نقموا من عثمان بالقوادح التي ارتكبها و طعنوا عليه بالأحداث التي أحدثها مما سمعتها من كتب الفريقين و فيه إشارة إلى مبدأ قتله.

قوله عليه السلام: (فكنت رجلا من المهاجرين) قال الفاضل الشارح المعتزلي:

و من لطيف الكلام قوله عليه السلام: فكنت رجلا من المهاجرين‏ فإن في ذلك من التخلص و التبرى ما لا يخفى على المتأمل ألا ترى أنه لم تبق عليه في ذلك حجة لطاعن من حيث كان قد جعل نفسه كواحد من عرض‏ المهاجرين‏ الذين بنفر يسير منهم انعقدت خلافة أبي بكر و هم أهل الحل و العقد و إنما كان الإجماع حجة لدخولهم فيه. انتهى قوله.

أقول: إن الشارح خلط الحق بالباطل و ذلك لأن من هاجر مع رسول الله و من هاجر الهجرتين كان له رتبة و رفعة و شرف بين سائر الصحابة و كان المهاجرون يباهون بالمهاجرة كما ترى في كثير من الجوامع التي دونت لمعرفة الصحابة و هذا مما لا مرية فيه مثلا ان أمير المؤمنين عليه السلام قال: في الكلام 56 من باب الخطب:

و أما البراءة فلا تتبرأوا مني فإني ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة.

و أما أن جميع ما قاله المهاجر و فعله إلا رسول الله صلى الله عليه و آله و وصيه على أمير المؤمنين سواء كان واحدا أو أكثر فلم يثبت صوابه بل تحقق خطاؤهم في بعض الموارد لأن هؤلاء المهاجرين‏ لم يكونوا معصومين عن الخطاء و لم يثبت عصمتهم و لم يدع احد العصمة فيهم سيما في الواقعة التي أشارت إليه من انعقاد خلافة أبي بكر بنفر يسير منهم، و كون الإجماع حجة لدخولهم فيه ففيه ما فيه و كيف يكون ذلك الإجماع حجة و لم يكن فيه أفضل المهاجرين و أقدم المسلمين و سيد الموحدين و من كان‏

من رسول الله صلى الله عليه و آله بمنزلة هارون من موسى، على أنه قد طعن ذلك الإجماع الحاصل من هؤلاء النفر غير واحد من كبار رسول الله صلى الله عليه و آله ممن تثني عليهم الخناصر و هذا هو خزيمة بن ثابت الأنصارى ذو الشهادتين طعن إجماعهم و انكر عليهم فعلهم و قال:

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفاعن هاشم ثم منها عن أبي حسن‏
أليس أول من صلي بقبلتهم‏و أعرف الناس بالاثار و السنن‏
و آخر الناس عهدا بالنبي و من‏جبريل عون له في الغسل و الكفن‏
من فيه ما فيهم لا يمترون به‏و ليس في القوم ما فيه من الحسن‏
ما ذا الذي ردكم عنه فنعلمه‏ها إن بيعتكم من أغبن الغبن‏

و في نسخة:

ها إن بيعتكم من أول الفتن‏

.

و هذا هو العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه و آله دعا أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: امدد يدك يا ابن أخي أبايعك ليقول الناس عم رسول الله صلى الله عليه و آله بايع ابن عم رسول الله فلا يختلف عليك اثنان.

و هؤلاء أهل اليمامة لما عرفوا تقلد أبي بكر أنكروا أمره و امتنعوا من حمل الزكاة حتى أنفذ اليهم الجيوش فقتلهم و حكم عليهم بالردة عن الإسلام.

و لو أطنبنا الكلام في ذلك لكثر بنا الخطب و لخرجنا عن اسلوب الكلام و موضوع الكتاب.

قوله عليه السلام: (اكثر استعتابه و اقل عتابه) لا يخفى دلالة كلامه عليه السلام هذا على حسن طويته و لطف رويته بالناس و ذلك لأن الناصح الكريم إذا رأى غيره في صوب غير صواب لا يلومه بألفاظ خشنة و لا ينهى عنه بعنف و لا يشمت به و لا يفرح ببليته و لا يوبخه بفعله لأنها من ديدن الجهال و دأب من لم يطلع بسر الله في القدر، بل يعظه بالرفق و اللين فإن الرفق يمن و الحزق شوم و لذا قال عليه السلام: اكثر استعتابه و اقل عتابه‏ أى‏ اكثر استرضائه و نصحه ليرجع عما صارت سبب سخط القوم عليه و نقموها منه، أو اكثر استرضاء القوم عنه كما دريت أن أمير المؤمنين دفع عنه غير مرة حتى قال عليه السلام: و الله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما (الخطبة

238 من النهج).

و قال عليه السلام أيضا: و الله ما زلت أذب عنه حتى أني لأستحى (تاريخ الطبرى ج 3 ص 410 طبع مصر 1357 ه) و مما حققناه في شرح هذا الكتاب و في شرح الخطبة 238 دريت أن عثمان لو قبل ما أشار أمير المؤمنين على عليه السلام عليه من امور كان صلاحه فيها لم يحدث عليه ما حدث‏[4] و إنما ذاق ما ذاق بإبائه عن مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام و إعراضه عن نصحه. و لقد أتي الرضى (ره) بطائفة من نصحه عليه السلام له في باب الخطب (الكلام 163) قوله عليه السلام: إن الناس ورائي و قد استسفروني بينك و بينهم إلخ- و نقله أبو جعفر الطبري في التاريخ ص 376 ج 3 و الشيخ المفيد في الجمل ص 84.

قوله عليه السلام‏ و اقل عتابه‏، أى ما عاتبت عليه و ما كلمته باللوم و التوبيخ لما حققنا في البحث اللغوى أن المراد من‏ اقل‏ هنا النفي و ذلك لما سمعت أن من دأب كرام الناس الرفق و اللين و اللطف و ترك الخشونة و العنف مع الناس حتى في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و نعم ما اشار إليه الشيخ الرئيس في آخر النمط التاسع من الاشارات: العارف لا يعنيه التجسس و التحسس و لا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر كما يعتريه الرحمة فانه مستبصر لسر الله في القدر و أما إذا أمر بالمعروف أمر برفق ناصح لا بعنف معير. و قال المحقق الطوسي في الشرح: إذا أمر العارف بالمعروف امر برفق ناصح لا بعنف معير أمر الوالد ولده و ذلك لشفقته على جميع خلق الله على أنه لم ينقل أنه وبخه و لامه على أفعاله بل كان يعظه.

هذا إذا كان المراد من لفظة اقل‏ عتابه نفي العتاب و إذا كان المراد منها حمل العتاب فالمعنى اني حملت عتابه و مع ذلك كنت اكثر استعتابه و نصحه و ما منعني‏

عتابه عن نصحه و ذلك لما علمت من الأخبار السالفة أن عثمان قد عدله عليه السلام بمروان بن الحكم و قال له عليه السلام: فو الله ما أنت عندى بأفضل من مروان، و لما شيع عليه السلام أبا ذر قال عثمان: من يعذرني من علي رد رسولي إلى أن قال: و الله لنعطينه حقه و غير ذلك مما نقلناها من الفريقين و هو عليه السلام مع ذلك كان يكثر استعتابه لكن عثمان أبى منه عليه السلام النصح كما دريت.

كنايه قوله عليه السلام: (و كان طلحة و الزبير أهون سيرهما فيه الوجيف و أرفق حدائهما العنيف) كنى عليه السلام بالجملتين عن شدة سعيهما في قتل عثمان حتى أن السير الوجيف كان أهون‏ ما يسيران في قتله، و الحداء العنيف‏ كان أرفق فعلهما فيه. و قد ذهب بعض إلى أن سيرهما عثمان و حداءهما إياه كان أهونه‏ الوجيف و أرفقه العنيف‏ أعنى أن ذلك البعض شبه‏ طلحة و الزبير بالسائق و الحادى و عثمان بالإبل مثلا و لكنه و هم لأن السير و إن جاء لكل واحد من اللزوم و التعدي لكن كلامه عليه السلام ينادي بأعلى صوته على خطاء ما ذهب إليه ذلك البعض و صواب ما فسرناه من أنهما سارا أشد سرعة من السير الوجيف‏ حتى أن السير الوجيف كان أهون سيرهما في‏ قتله و كذا الجملة التالية. و هذا ظاهر لا غبار عليه.

ثم إنك قد علمت مما قدمنا من أخبار الفريقين عمل‏ طلحة و الزبير و أقوالهما في عثمان و نذكر نبذة منها ههنا على الاختصار: لما حصر عثمان صعد على القصر و نادى طلحة ثم سأله عن علة حصره و منعه من الماء فأجابه مرتين: لأنك بدلت و غيرت- الإمامة و السياسة للدينوري ص 38 ج 1 طبع مصر 1377 ه-.

و روى أبو جعفر الطبرى- ص 411 ج 3 طبع مصر 1357 ه- قال طلحة لأصحابه لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرجل و لا يخرج من عنده فقال عثمان اللهم اكفنى طلحة بن عبيد الله فانه حمل على هؤلاء و ألبهم إني لأرجو أن يكون منها صفرا أو أن يسفك دمه إنه انتهك مني ما لا يحل له، و في الجمل للمفيد- ص 60 طبع النجف-: روى أبو إسحاق إنه لما اشتد الحصار بعثمان و ظمأ من العطش فنادى: يا أيها الناس اسقونا شربة من الماء و أطعمونا مما

رزقكم الله، فناداه الزبير بن العوام يا نعثل لا و الله لا تذوقه.

ثم قال: لما اشتد الحصار بعثمان عمد بنو امية على إخراجه ليلا إلى مكة و عرف الناس فجعلوا عليه حرسا و كان على الحرس طلحة بن عبيد الله و هو أول من رمى بسهم في دار عثمان.

قوله عليه السلام‏ (و كان من عائشة فيه فلتة غضب) السبب في‏ فلتة غضبها عليه هو ما قدمنا أن عثمان جعل مال المسلمين طعمة له و لبني امية و أتباعه و ذويه و عشيرته و آثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي هي عدة للمسلمين نحو ما نقلنا من الفريقين أنه دفع إلى أربعة أنفس من قريش زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار و أعطى مروان مأئة ألف على فتح إفريقية و يروى خمس افريقية، و نحو ما رووا أن أبا موسى بعث بمال عظيم من البصرة فجعل عثمان يقسمه بين أهله و ولده بالصحاف و غير ذلك مما مر من قوادحه و مطاعنه و ما نقمها الناس منه.

و قال الدينورى في الإمامة و السياسة: إن‏ عائشة كانت أول من طعن على عثمان و أطمع الناس فيه، و كانت‏ عائشة تقول اقتلوا نعثلا فقد فجر، و في رواية اخرى كانت تقول: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.

و روى الشيخ الأجل المفيد في الجمل- ص 61 طبع النجف- عن محمد بن إسحاق صاحب السيرة عن مشايخه عن حكيم بن عبد الله قال: دخلت يوما بالمدينة إلى المسجد فإذا كف مرتفعة و صاحب الكف يقول: أيها الناس العهد قريب هذان نعلا رسول الله و قميصه و كأني أرى ذلك القميص يلوح و أن فيكم فرعون هذه الأمة فإذا هي عائشة و عثمان يقول لها: اسكتي ثم يقول للناس إنها امرأة و عقلها عقل النساء فلا تصغوا إلى قولها، و في رواية اخرى كما قدمناها أنها قالت له: هذا قميص رسول الله صلى الله عليه و آله لم يتغير و قد غيرت سنته يا نعثل، و اخرى أنها قالت لابن عباس:

إياك أن ترد الناس عن قتل الطاغية و تعنى بالطاغية و نعثل عثمان و غير ذلك من الأخبار التي جاءت في إنكار عائشة و تأليبها على عثمان و إغرائها الناس بقتل عثمان قد قدمنا طائفة منها و كان نعثل اسم يهودى طويل اللحية و شبهت عائشة

عثمان به.

ايجاز قوله عليه السلام‏ (فاتيح له قوم فقتلوه) قد يحذف الفاعل للجهل به أو لغرض لفظي أو معنوى أو للإبهام أو للعلم به أو لغيرها مما قرر في محله و يمكن أن يكون حذفه في المقام للعلم به نحو قوله تعالى‏ غيض الماء و قضي الأمر أى غاض الله الماء و قضى الله الأمر فحذف الفاعل للعلم به و كذا في المقام فالمعنى أن قتله كان بتقدير إلهى أى قدر الله و هيأ قوما له فقتلوه و لقائل أن يقول: إن كلامه عليه السلام في‏ طلحة و الزبير و عائشة له قوما فقتلوه و الأخبار المتقدمة تؤيد هذا الاحتمال لأنهم قد حثوا و حرضوا و أغروا الناس على قتله كما دريت فحذف الفاعل للعلم به و للإيجاز في اللفظ، و يمكن أن يكون للإبهام كما أفاد القطب الراوندي انه عليه السلام إنما بنى الفعل للمفعول و لم يقل أتاح الله أو أتاح الشيطان ليرضى بذلك الفريقان و بالجملة لا يخفى لطف كلامه عليه السلام حيث أتى بالفعل المجهول.

قوله عليه السلام: (و بايعني الناس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيرين) قد حققنا و برهنا أن المتعين في المستكره بكسر الراء أى غير كارهين و قوله عليه السلام‏ و لا مجبرين‏ أى غير مكرهين، و قد مضى في الخطبة 238 أن عثمان لما كان محصورا كان الناس يذكرون أمير المؤمنين عليا عليه السلام على رءوس الأشهاد و كانوا يهتفون باسمه عليه السلام للخلافة و قالوا لعثمان إنك قد أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع و ما كان لنا أن نرجع حتى نخلعك و نستبدل بك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله من لم يحدث مثل ما جربنا منك و لم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك فاردد خلافتنا و اعتزل أمرنا فإن ذلك أسلم لنا منك و يعنون بذلك الصحابي أمير المؤمنين عليا عليه السلام فلما رأى عثمان أن قلوب الجماعة مائلة إليه سأله الخروج إلى ينبع ليقل هتف الناس باسمه للخلافة.

و قد بينا آنفا أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يمتنع من بيعة الناس له فيختبئ عنهم و يلوذ بحيطان المدينة، و لما اجتمع الناس إليه و سألوه أن ينظر في‏

امورهم و بذلوا له البيعة قال لهم: التمسوا غيري‏، و لما جاء طلحة و الزبير إليه عليه السلام و هو متعوذ بحيطان المدينة فدخلا عليه و قالا له: ابسط يدك نبايعك فإن الناس لا يرضون إلا بك، قال عليه السلام لهما لا حاجة لي في ذلك و أن أكون لكما وزيرا خير من أن أكون‏ أميرا فقالا إن الناس لا يؤثرون غيرك و لا يعدلون عنك إلى سواك فابسط يدك نبايعك أول الناس، ثم ألح الناس في ذلك عليه فقالوا نحن أرضى الناس به ما نريد به بدلا و قالوا له ننشدك الله أما ترى الفتنة ألا تخاف الله في ضياع هذه الأمة و قالوا إن تجبنا إلى ما دعوناك إليه من تقليد الأمر و قبول البيعة و إلا انفتق في الإسلام ما لا يمكن رتقه و انصدع في الدين ما لا يستطاع شعبه فلما ألحوا عليه قال لهم‏ اني‏ لو أجبتكم‏ حملتكم على‏ ما أعلم و إن تركتموني‏ كنت لأحدكم، قالوا قد رضينا بحلمك و ما فينا مخالف لك فاحملنا على ما تراه ثم بايعه الجماعة فتداكوا عليه تداك الإبل على حياضها يوم ورودها حتى شقوا أعطافه و وطئوا ابنيه الحسن و الحسين لشدة ازدحامهم عليه و حرصهم على البيعة له.

و لقد مضى كلامه عليه السلام في ذلك لما اريد على البيعة بعد قتل عثمان: دعوني و التمسوا غيري‏- إلى قوله: و أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا (الخطبة 91).

ثم المراد من قوله عليه السلام هذا أن الناس بايعوه غير كارهين و لا مكرهين بل طاعين مخيرين و لم يحدث عليه السلام ما يغاير كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و آله فلا يجوز لهم أن ينكثوا بيعته عليه السلام فضلا عن أن يحاربوه قال عز من قائل‏ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه‏ الاية و ذكر أصحاب السير و منهم المسعودي في مروج الذهب- ص 11 ج 2 طبع مصر 1346 ه- ثم نادى علي عليه السلام طلحة حين رجع الزبير يا أبا محمد- أبو محمد كنية الزبير- ما الذى أخرجك؟ قال: الطلب بدم عثمان قال علي عليه السلام قتل الله أولانا بدم عثمان أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: اللهم وال من والاه و عاد من عاداه؟ و أنت أول من بايعني ثم نكثت و قد قال الله عز و جل: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه‏ فقال استغفر الله ثم رجع.

و في الإمامة و السياسة: قال له علي عليه السلام أو لم تبايعني يا أبا محمد طائعا غير مكره‏؟ فما كنت لأترك بيعتي: قال طلحة: بايعتك و السيف على عنقي، قال:

ألم تعلم أني ما أكرهت أحدا على البيعة؟ و لو كنت مكرها أحدا لأكرهت سعدا و ابن عمر و محمد بن مسلمة أبو البيعة و اعتزلوا فتركتهم، قال طلحة: كنا في الشورى ستة فمات اثنان و قد كرهناك و نحن ثلاثة، قال علي عليه السلام إنما كان لكما ألا ترضيا قبل الرضا و قبل البيعة و أما الان فليس لكما غير ما رضيتما به إلا أن تخرجا مما بويعت عليه بحدث فإن كنت أحدثت حدثا فسموه لي.

بيان‏

أراد طلحة بقوله و السيف على عنقي أنه بايعه بالإجبار و الإكراه و أن سيف الأشتر على عنقه.

ثم إنا نرى كثير من الناكثين اعترفوا بظلمهم عليا عليه السلام بنقضهم و نكثهم عهده و بيعته عليه السلام ففي الجمل للمفيد- ص 207 طبع النجف-: روى أبو مخنف عن العدوى عن أبي هاشم عن البريد عن عبد الله بن المخارق عن هاشم بن مساحق القرشي قال: حدثنا أبي أنه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم فقال بعضهم لبعض و الله لقد ظلمنا هذا الرجل- يعنون أمير المؤمنين عليا عليه السلام- و نكثنا بيعته من غير حدث و الله لقد ظهر علينا فما رأينا قط أكرم سيرة منه و لا أحسن عفوا بعد رسول الله صلى الله عليه و آله تعالوا حتى ندخل عليه و نعتذر إليه فيما صنعناه، قال فصرنا إلى بابه فاستأذناه فأذن لنا. فلما مثلنا بين يديه جعل متكلمنا يتكلم فقال عليه السلام انصتوا أكفكم إنما أنا بشر مثلكم فإن قلت حقا فصدقوني و إن قلت باطلا فردوا على انشدكم الله أ تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و آله قبض و أنا أول الناس به و بالناس من بعده؟ قلنا اللهم نعم، قال فعدلتم عني و بايعتم أبا بكر فأمسكت و لم احب أشق عصا المسلمين و أفرق بين جماعتهم، ثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت و لم اهيج الناس و قد علمت أني كنت أولى الناس بالله و برسوله و بمقامه فصبرت حتى قتل و جعلني سادس ستة فكففت و لم احب أن افرق بين المسلمين، ثم بايعتم عثمان فطغيتم عليه و قتلتموه و أنا جالس في بيتي و أتيتموني و بايعتموني كما بايعتم أبا بكر و عمر فما بالكم‏

وفيتم لهما و لم تفوا لي و ما الذى منعكم من نكث بيعتهما و دعاكم إلى نكث بيعتي؟

فقلنا له: كن يا أمير المؤمنين كالعبد الصالح يوسف إذ قال‏ لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين‏ فقال عليه السلام: لا تثريب عليكم اليوم و أن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث بإسته، يعني مروان بن الحكم.

و قد تكلم عليه السلام في الموضعين من باب الخطب في وصف بيعته بالخلافة أحدهما الخطبة 53 قوله عليه السلام فتداكوا علي تداك الإبل الهيم يوم ورودها- إلخ.

و ثانيهما القريب من الأول في بعض الكلم و الجمل، الكلام 227 من باب الخطب قوله عليه السلام: و بسطتم يدي فكففتها و مددتموها فقبضتها ثم تداككتم علي تداك الإبل اليهم على حياضها يوم ورودها- إلخ. و مال الشارح البحراني إلى أن كلامه الأول أعني الخطبة 53 أشار إلى صفة أصحابه بصفين و لكنه و هم و الصواب ما أشرنا إليه.

و قال الشارح المعتزلي في شرح تلك الخطبة: اختلف الناس في بيعة أمير المؤمنين عليه السلام فالذى عليه أكثر الناس و جمهور أرباب السير أن طلحة و الزبير بايعاه طائعين غير مكرهين ثم تغيرت عزائمهما و فسدت نياتهما و غذرا به و قال الزبيريون منهم عبد الله بن مصعب و الزبير بن بكار و شيعتهم و من وافق قولهم من بني تميم بن مرة أرباب العصبية لطلحة إنهما بايعا مكرهين، و إن الزبير كان يقول: بايعت و اللج على قفى و اللج سيف الأشتر و قفى لغة هذلية إذا أضافوا المنقوص إلى أنفسهم قلبوا الألف ياء و أدغموا احدى اليائين في الأخرى فيقولون: قد وافق ذلك هوى أى هواى و هذه عصى أى عصاى.

انتهى المجلد السادس عشر من هذه الطبعة الجديدة القيمة في اليوم الثاني عشر من شهر شعبان المعظم سنة- 1384- بتصحيح و تهذيب من العبد- السيد ابراهيم الميانجى- عفى عنه و عن والديه في المطبعة المباركة الاسلامية بطهران. و يليه انشاء الله: المجلد السابع عشر و الحمد لله رب العالمين.

الجزء السابع عشر

[تتمة باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين ع و رسائله إلى أعدائه و أمراء بلاده‏]

[تتمة المختار الاول من كتبه عليه السلام و رسائله‏]

[تتمة المعنى‏]

قوله عليه السلام: (و اعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها) أي أن مدينة الرسول صلى الله عليه و آله فارقت‏ أهلها و خلت منهم و كذا أهلها فارقوها على ما بينا في تفسير لغات الكتاب. و أما مراده عليه السلام منه فقال بعضهم: إنه عليه السلام يخبرهم من قوله‏ و اعلموا- إلى- على القطب‏، عن سبب حركته و خروجه من المدينة أن المدينة قامت فيها رحى الفتنة و اضطربت أحوال ساكنيها و امورهم و جاشت جيش المرجل من الهرج و المرج، و انقلبت أحوال البلد و تبدلت بحيث ليس المقام فيها للناس سيما للمؤمنين و الخواص بميسور، و لذا خرج منها و جعل الكوفة مهاجره و مقر خلافته.

أقول: لا يخفى على أن هذا التفسير لا يناسب المقام و لا يوافق قوله عليه السلام‏ فأسرعوا إلى أمير كم و بادروا جهاد عدوكم‏، فانه عليه السلام كتب إليهم الكتاب ليستنفرهم إلى‏ الجهاد كما صرح به في ذيل الكتاب و نفر من المدينة نحو البصرة لجهاد الناكثين، لا أنه يخبرهم عن صرف سبب خروجه منها، و هذا ظاهر لا كلام فيه.

كنايه [و اعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها] و يقرب من هذا التفسير ما قيل: إنه عليه السلام كنى بقلعها بأهلها و قلعهم‏ بها عن اضطراب امورهم بها و عدم استقرار قلوبهم من ثوران هذه الفتنة.

أقول: الظاهر أنه عليه السلام لما أخبر أهل الكوفة عن أمر عثمان و عن سيرته معه و عما جرى عليه من‏ طلحة و الزبير و عائشة و عن بيعة الناس أعلمهم أن منهم من نكثوا البيعة و أثاروا الفتنة و نشطوا أقواما على الحرب و هيجوا بين الناس الشر و العداوة و الشحناء حتى أقاموا الحرب، فنهضوا أهل المدينة مجاهدين في سبيل الله أعداء الله لإطفاء هذه النائرة و إزالة الفتنة نهضة خلت المدينة من أهلها و فارقها ساكنوها، سيما أنهم كانوا من أفعال عثمان و شيعته متألمين، فلما رأوا أن آل عثمان تمسكوا بدم عثمان تفتينا لم يلبثوا في المدينة خوفا من أن تشيع الفتنة و يفسد المبطلون، فبادروا إلى جهاد عدوهم فقلعوا بالمدينة مسرعين.

فهو عليه السلام أراد إعلام أهل الكوفة بنهوض أهل المدينة على ذلك الحد ليرغبوا في الجهاد و ينصروا دين الله و ينهضوا لقتال أصحاب الجمل معهم و يهتموا همتهم في إماتة الباطل و إزاحة أهله، و لذا أمرهم عليه السلام بالسرعة إليه و المبادرة بالجهاد.

قوله عليه السلام: (و جاشت جيش المرجل) أي غلت كغليان الماء في القدر. و المراد إخبار أهل الكوفة باضطراب أهل المدينة و ولعهم بالجهاد لما علموا بمسير الناكثين و أتباعهم إلى البصرة لإثارة الفتنة. و هذا أيضا تحريض أهل الكوفة على النهضة و الجهاد.

تشبيه قوله عليه السلام: (و قامت الفتنة على القطب) أي‏ الفتنة التي أثارها الناكثون و أتباعهم‏ قامت على القطب‏، شبه‏ الفتنة بالرحى بقرينة القطب‏، أي أن رحى‏ الفتنة دائرة و المراد أن الفتنة قائمة و نارها مشتعلة فاسرعوا إلى إطفائها، ففيها أيضا تحريض أهل الكوفة على الجهاد.

و قد قدر بعض الشارحين الجملة بقوله: قامت الفتنة في المدينة على القطب حيث فسرها بأن رحى‏ الفتنة في المدينة دائرة، و لا يخفى أن ذلك التقدير غير مناسب للمقام لأن فتنة الحرب حين إرساله عليه السلام الكتاب إلى أهل الكوفة كانت في البصرة بين أصحاب الجمل و عامله عليه السلام عثمان بن حنيف قائمة كما سيتضح في شرح الكتاب الثاني إن شاء الله تعالى.

و هو عليه السلام كان ساعتئذ في ذي قار كما دريت مما حققنا آنفا، و بالجملة أنه عليه السلام أعلم أهل الكوفة بأن‏ الفتنة قائمة على القطب‏ و لا حاجة إلى ذلك التقدير فكأنما اغتر ذلك البعض من الجمل المتقدمة.

ثم يمكن أن يقال: إنه عليه السلام أراد بالقطب‏ نفسه، فانه عليه السلام قطب الاسلام و المسلمين يقال: فلان قطب بني فلان أي سيدهم الذي يدور عليه أمرهم، و كذا يقال لصاحب الجيش: قطب رحى الحرب تشبيها بالنقطة التي يدور عليها الفلك و يسمونها قطب الفلك، فيكون المعنى أن تلك‏ الفتنة أقبلت إليه‏ و قامت‏ و هجمت عليه فتكون كلمة على، على هذا الوجه للضرر و على الوجه الأول للإستعلاء

و يمكن أن يكون على الوجهين للإستعلاء، فاذا كانت‏ الفتنة قائمة على القطب‏ بهذا المعنى فللرعية أن تعاونوه بإطفائها و نجاته منها لأنهم في الحقيقة ينجون أنفسهم منها و ينصرون دين الله، و يطلبون بذلك رفعتهم و منزلتهم، و نعم ما قال الشاعر:

لك العز إن مولاك عز و إن يهن‏فأنت لدى بحبوحة الهون كاهن!

و يمكن أن يجعل كلمة الأمير في قوله الاتي قرينة على إرادة هذا المعنى من‏ القطب‏.

و بعد ما بادر ذهننا إلى هذا المعنى فرأينا أن المولى فتح الله القاساني فسر القطب في شرحه الفارسي على النهج بهذا الوجه، فالحمد لله على الوفاق.

قوله عليه السلام‏ (فأسرعوا إلى أميركم و بادروا جهاد عدوكم إن شاء الله تعالى) أي إذا سمعتم ما قلنا من عمل الناكثين و ما فعل أهل المدينة لإزهاق الباطل و نصرة الدين، فأسرعوا إلى أميركم‏ يعني بالأمير نفسه عليه السلام، و بادروا جهاد عدوكم‏ يعني بالعدو أصحاب الجمل.

الترجمة

باب دوم از بابهاى سه‏ گانه نهج البلاغة: در نامه ‏ها و رساله‏ هاى برگزيده أمير المؤمنين علي عليه السلام كه بدشمنانش و أميران شهرهايش نوشته است، و در اين باب نيز فرمانهاى برگزيده‏اى كه بعمال خويش فرستاد، و وصيتها و اندرزها كه بدودمان و يارانش فرمود، نگاشته آمد.

اين يكى از نامه‏ هاى آن قطب اسلام و مسلمين است كه هنگامى از مدينه بسوى بصره، براى خاموش كردن آتش فتنه أصحاب جمل رهسپار شد، در جايى بنام ذى قار رسيد، آنرا بمردم كوفه نوشت و از ايشان يارى خواست و فرزندش إمام حسن مجتبى و عمار بن ياسر و قيس را بسوى كوفه گسيل داشت كه نامه را بكوفيان رسانند و ايشان را بمدد و نصرت خوانند. و اين نخستين كتاب اين باب است:

اين نامه‏ ايست از بنده خدا علي أمير المؤمنين بمردم كوفه كه پيشانى يارى‏ كنندگان دين و كوهان عربند (كنايه از اين كه آنان در شرف نسبت بأنصار دين چون پيشانى نسبت به پيكرند و برفعت در ميان عرب همچون كوهان نسبت با شتر) شما را از أمر عثمان خبر دهم چنانكه شنيدن آن همچون ديدن آن باشد:

همانا كه مردم عثمان را بأفعال او عيب كردند و بر او طعن و إنكار نمودند من مردى از مهاجرين بودم كه بسيار از او درخواست مى ‏كردم كه مردم را خوشنود سازد، و همواره او را نصيحت مى ‏كردم و براه رستگارى دلالت مى ‏نمودم، و از سرزنش او خود دارى مى ‏نمودم، و هيچ او را سرزنش نمى ‏كردم (چه معنى «اقل عتابه» در اينجا بمعنى نفى عتاب است نه اين كه كمتر او را سرزنش مى‏ كردم چنانكه مترجمين باشتباه رفته‏ اند، و در شرح بيان كرده ‏ايم كه مردان خدا برفق و مدارا نهى از منكر مي كنند و از درشتى سر باز زنند، و ممكن است كه معنى جمله چنين باشد كه من همواره عثمان را نصيحت و دلالت مى‏ كردم و سرزنش او را بر خويشتن تحميل مى‏ كردم و بتوبيخ او از إرشاد و هدايتش دريغ نداشتم، چه عثمان از اندرزهاى أمير المؤمنين عليه السلام مى‏ رنجيد و مى ‏گفت كه ابو الحسن نمى ‏خواهد دودمان مرا در نعمت آسايش ببيند، و اين بنا بر وجهى است كه «أقل» را بمعنى بر مى‏ دارم و حمل مي كنم، بگيريم، چنانكه در بحث لغوى اين كتاب تحقيق كرده‏ ايم كه «اقل» هم براى نفى و هم براى حمل استعمال مى‏ شود).

و سست‏ ترين رفتنشان در كشتن او رفتن بشتاب و اضطراب بود، و نرم‏ترين راندنشان راندن سخت (يعنى آن دو در كشتن عثمان شتاب بسيار مى ‏كردند و مردم را بر آن بر مى‏ انگيختند هنگامى كه عثمان در حصر بود و آب را برويش بستند از طلحه سبب خواست، طلحه در جواب گفت: چون تو دين خدا را تبديل كردى و تغيير دادى، و آن گاه كه تشنگى بر او چيره شد و ندا درداد كه اى مردم ما را آب دهيد و از آنچه خدا بر شما روزى كرد ما را بخورانيد، زبير بعثمان خطاب كرد و گفت: اى نعثل و الله هرگز آب نخواهى چشيد، و طلحه اول كسى بود كه تير بخانه عثمان رها كرد، و گفتار طلحه و زبير در قتل عثمان و تحريض و ترغيب‏ آن دو مردم را بر آن بسيار است).

و از عائشه در باره او خشمى ناگهانى بود (سبب خشم وى بر عثمان اين بود كه مى‏ گفت عثمان اموال مسلمانان را طعمه خويش و خويشاوندانش گردانيد و دودمان و پيروانش را بدان برگزيد و دين خدا را تغيير داد و از سنت رسول إعراض كرد، گاهى عثمان بر منبر بود كه عائشه نعلين و پيراهن پيغمبر را در ميان مجلس بمردم نموده و گفت: اين نعلين و پيراهن رسول خدا هنوز كهنه نشده كه فرعون اين امت عثمان دين خدا را تبديل كرده است. و مى ‏گفت: بكشيد نعثل را كه او فاجر است، و نيز مى ‏گفت: بكشيد نعثل را خدا نعثل را بكشد. و نعثل مردى يهود بود دراز ريش كه عائشه عثمان را بدان تشبيه مى ‏كرده است، و عائشه اول كسى بود كه بر عثمان طعن كرده است و كارهاى او را عيب گرفته و مردم را بر كشتن او بر انگيخت).

پس برايش گروهى مقدر شد كه او را كشتند و مردم با من بيعت كردند بى ‏آنكه بيعت با مرا ناخوش و ناپسند داشته باشند و كاره باشند، و بى آنكه إجبار شده باشند بلكه بميل و رغبت و اختيار بيعت كردند. بدانيد كه مدينه از اهلش خالى شد و مردم از آن بر كنده شدند (يا اين كه مدينه با اهلش بر كنده شد و أهل آن با مدينه، كه در دلالت مقصود آكداست، و خلاصه اين كه مردم مدينه از آنجا بيرون آمدند بقصد يارى دين خدا و جهاد في سبيل الله در ركاب أمير المؤمنين عليه السلام براى خاموش كردن آتش فتنه اصحاب جمل، اين گفتار حضرت براى ترغيب و تهييج أهل كوفه است كه در جهاد و نصرت دين تأسى بأهل مدينه كنند).

و مدينه چون ديگ بجوش آمده است (مراد اين است كه وقتى مردم ديدند گروهى ببهانه خون عثمان بيعت را شكستند و نقض عهد كردند و قصد تفتين دارند بخصوص كه از افعال عثمان سخت رنج ديدند و دل آزرده بودند براى دفع آنان چنان نهضت و قيام كردند كه از اضطراب و هيجان گويا چون ديگ بجوش آمدند)

فتنه بر قطب ايستاده است (كنايه از اين كه آسياى فتنه دور مى‏ زند يعنى آتش فتنه مشتعل است يا اين كه مراد أمير المؤمنين عليه السلام از قطب خود آن حضرت باشد چه آن بزرگوار قطب إسلام و مسلمين و مدار إيمان و أهل آن است، يعني فتنه اصحاب جمل بر آن بزرگوار روى آورده است و بر آن قطب عالم إمكان دور مى ‏زند) پس بشتابيد بسوى أمير خود و پيشى گيريد بجهاد دشمن خود اگر خدا خواهد.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

_____________________________________________________________

[1] ( 1) قد مضى البيان في ينبع في شرح الكلام 238 من المختار في باب الخطب فراجع.

[2] ( 1) هذا الرجل ذكر اسمه في الإمامة و السياسة: عبيد، و في الجمل للمفيد: ابراهيم ابن عبد بن ام كلاب.

[3] ( 1) نقل الكتاب المسعودى في مروج الذهب هكذا: كتب إلى أبي موسى: اعتزل عملنا يا ابن الحائد مذموما مدحورا فما هذا أول يومنا منك و ان لك فيها لهنات و هنيات( ص 7 ج 2 طبع مصر 1346 ه).

[4] ( 1) يقال: أشار إليه إذا أومأ إليه و أشار عليه إذا أمره و نصحه و دله على وجه الصواب.

و قال الشارح المعتزلي في مقدمة شرح على النهج في فضائله( ع): و أما الراى و التدبير فكان من أسد الناس رأيا و أصحهم تدبيرا هو الذى اشار على عثمان بامور كان صلاحه فيها و لو قبلها لم يحدث عليه ما حدث- إلخ ..

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=