google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
220-240 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 236/5 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

خطبه 238 صبحی صالح

238- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) في شأن الحكمين و ذم أهل الشام‏

جُفَاةٌ طَغَامٌ وَ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَ تُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ وَ يُعَلَّمَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ

لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ‏ أَلَا وَ إِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ وَ إِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَ شِيمُوا سُيُوفَكُمْ

فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ وَ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهَمَةُ فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ خُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ الْإِسْلَامِ أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى

«ذكر المقتولين فى صفين»

قال المسعودى فى مروج الذهب: قتل بصفين سبعون ألفا من أهل الشام و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا و كان المقام بصفين مأئة يوم و عشرة أيام و قتل بها من الصحابة ممن كان مع على خمسة و عشرون رجلا منهم عمار بن ياسر ابو اليقظان المعروف بابن سمية.

و قال فى موضع آخر من كتابه: و قد تنوزع فى مقدار من قتل من أهل الشام و العراق بصفين فذكر أحمد بن الدورقى عن يحيى بن معين ان عدة من قتل بها من الفريقين فى مأئة يوم و عشرة أيام، مأئة ألف و عشرة آلاف من الناس من أهل‏ الشام تسعون الفا و من أهل العراق عشرون الفا.

ثم قال: و نحن نذهب إلى أن عدد من حضر الحرب من أهل الشام بصفين أكثر مما قيل في هذا الباب هو خمسون و مأئة ألف مقاتل سوى الخدم و الأتباع و على هذا يجب أن يكون مقدار القوم جميعا من مقاتل منهم و من لم يقاتل من الخدم و غيرهم ثلاثمأة ألف بل أكثر من ذلك لأن أقل من فيهم معه واحد يخدمه و فيهم من معه الخمسة و العشرة من الخدم و الأتباع و أكثر من ذلك. و أهل العراق كانوا في عشرين و مأئة ألف مقاتل دون الاتباع و الخدم.

و اما الهيثم بن عدى الطائى و غيره مثل الشرقي ابن القطامي و أبي مخنف لوط ابن يحيى فذكروا ما قدمنا و هو أن جملة من قتل من الفريقين جميعا سبعون ألفا من أهل الشام خمسة و أربعون ألفا و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا فيهم خمسة و عشرون بدريا و ان العدد كان يقع بالقضيب و الاحصاء للقتلى في كل وقعة و تحصيل هذا يتفاوت لأن في قتلى الفريقين من يعرف و من لا يعرف و فيهم من غرق و فيهم من قتل فى البر فأكلته السباع فلم يدركهم الاحصاء و غير ذلك مما يعسر ما وصفنا. انتهى ما اردنا ذكره من مروج الذهب.

و قال نصر: في كتاب صفين: و اصيب من أهل شام خمسة و أربعون ألفا، و اصيب بها من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا.

أقول: لا خلاف في أن تلك الوقعة في صفين كانت وقعة عظمى و قد أكلت الحرب الفريقين و لا يخفى أن ضبط عدد المقتولين و احصائهم في مثل تلك الواقعة صعب جدا فيتطرق فيه اختلاف لا محالة كما ترى تنازع الناس في مقدار ما قتل من الفريقين فمن مقلل و مكثر. ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقرى عن عمر قال حدثني عبد الله بن عاصم الفايشي قال لما رجع على عليه السلام من صفين إلى الكوفة مر بالثورين يعنى ثور همدان سمع البكاء فقال ما هذه الاصوات؟ قيل هذا البكاء على من قتل بصفين قال أما انى شهيد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة، ثم مر بالفايشين فسمع الاصوات فقال مثل ذلك، ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة و صوتا مرتفعا عاليا فخرج اليه حارب بن الشرحبيل الشامى فقال على عليه السلام أ يغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الصياح و الرنين؟ قال: يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين او ثلاثا قدرنا على ذلك و لكن من هذا الحى ثمانون و مأئة قتيل فليس من دار إلا و فيها بكاء أما نحن معاشر الرجال فانا لا نبكى و لكن نفرح لهم بالشهادة فقال على عليه السلام رحم الله قتلاكم و موتاكم.

«بحث كلامى» الحق أن محاربي علي عليه السلام و منهم أصحاب صفين و الجمل بغاة كفرة و إليه ذهب جل أصحابنا الامامية رضوان الله عليهم و خالفهم في ذلك المعتزلة و سائر فرق العامة.

لنا قول رسول الله صلى الله عليه و آله المروى من فرق المسلمين عنه صلى الله عليه و آله: حربك حربي يا علي و لا شك أن محارب رسول الله صلى الله عليه و آله كافر.

قال المفيد رضوان الله عليه في كتابه الموسوم بالافصاح: و يدل أيضا على ذلك ما تواترت به الأخبار من قول النبي صلى الله عليه و آله حربك يا علي حربي و سلمك سلمي و قد ثبت انه لم يرد بذلك الخبر عن كون حرب أمير المؤمنين عليه السلام حربه على الحقيقة و انما اراد التشبيه في الحكم دون ما عداه و الا لكان الكلام لغوا ظاهر الفساد و إذا كان حكم حربه عليه السلام كحكم حرب الرسول صلى الله عليه و آله وجب اكفار محاربيه كما يجب بالاجماع اكفار محاربى رسول الله صلى الله عليه و آله.

و روى ابن مسعود: علي عليه السلام خير البشر من أبى فقد كفر، و عن أبى الزبير المكى كما فى منتهى المقال فى علم الرجال لمحمد بن إسماعيل المدعو بأبى على و غيره قال: رأيت جابرا يتوكأ على عصاه و هو يدور على سكك المدينة و مجالسهم و يقول على خير البشر من ابى فقد كفر معاشر الانصار أدبوا أولادكم على حب على فمن أبى فلينظر فى شأن امه.

و فى مناقب ابن المغازلى عن أبى ذر الغفارى رضوان الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله‏ من ناصب عليا على الخلافة بعدى فهو كافر و قد حارب الله و رسوله و من شك فى على فهو كافر.

و فى خصائص وحى المبين فى مناقب أمير المؤمنين لمصنفه يحيى بن الحسن ابن البطريق نقلا من كتب العامة باسناده عن قيس بن الربيع عن الاعمش عن عباية الربعى قال: بينا عبد الله بن عباس رضى الله عنه جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله صلى الله عليه و آله إذ أقبل رجل معتم بعمامة فجعل ابن عباس رضى الله عنه لا يقول قال رسول الله إلا و قال الرجل قال رسول الله فقال له ابن عباس سألتك بالله من أنت قال فكشف العمامة عن وجهه و قال يا أيها الناس من عرفنى فقد عرفنى و من لم يعرفني فانا جندب بن جنادة البدرى أبو ذر الغفارى سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله بهاتين و الا فصمتا و رأيته بهاتين و إلا فعميتا يقول: على قائد البررة و قاتل الكفرة، الحديث.

و أيضا ان مودته عليه السلام مودة الله تعالى و رسوله و نطق بذلك قوله عز من قائل‏ قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى‏ ففى الخصائص نقلا من مسند ابن حنبل باسناده عن الاعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنه قال لما نزل‏ قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى‏ قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجب علينا مودتهم؟ قال على و فاطمة و ابناهما، و كذا فى غير واحد من الأخبار بهذا المعنى بالاسانيد الكثيرة، و لا شك أن حب الله و رسوله من ضروريات الدين، و كذا بغضه عليه السلام و عداوته عداوة الله تعالى و رسوله فبغضه و حربه كفر كبغض الله و رسوله و حربهما سواء كان باجتهاد أم لا فان تحريم ذلك ضرورى و منصوص فلا يجوز الاجتهاد فيه.

و بذلك دريت و هن ما ذهب إليه شمس الدين محمود بن أبى القاسم أحمد الاصفهانى و الفاضل القوشجى فى شرحهما على تجريد المحقق الطوسي: من أن الحق محارب على عليه السلام يكون مخطئا ظاهرا فيكون من الفئة الباغية ان كانت محاربته عن شبهة، و الأخبار الواردة المتواترة فيما ذهبنا إليه حتى من العامة كثيرة غاية الكثرة و لولا خوف‏ الاطالة لذكرناها و في هذا القدر كفاية لمن لا يكون عميان القلب.

قال شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي قدس سره في كتاب الباغي من الخلاف: الباغي من خرج على إمام عادل و قاتله و منع تسليم الحق إليه و هو اسم ذم و في أصحابنا من يقول انه كافر و وافقنا على انه اسم ذم جماعة من علماء المعتزلة بأسرهم و يسمونهم فساقا و كذلك جماعة من أصحاب أبي حنيفة و الشافعي و قال أبو حنيفة: هم فساق على وجه التدين و قال أصحاب الشافعي: ليس باسم ذم عند الشافعي بل هو اسم من اجتهد فأخطأ بمنزلة من خالف من الفقهاء في بعض مسائل الاجتهاد.

ثم قال الشيخ رضوان الله عليه: دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم، و ايضا قوله صلى الله عليه و آله اللهم و ال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله صريح بذلك لأن المعاداة من الله لا تكون الا للكفار دون المؤمنين، و أيضا قوله صلى الله عليه و آله حربك يا على حربي و سلمك سلمي و حرب النبي صلى الله عليه و آله كفر فيجب أن يكون حرب علي عليه السلام مثل ذلك.

ثم قال: من سب الامام العادل وجب قتله و قال الشافعي يجب تعزيره و به قال جميع الفقهاء، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا قول النبي صلى الله عليه و آله من سب عليا فقد سبنى و من سبنى فقد سب الله و من سب الله و سب نبيه فقد كفر و يجب قتله، انتهى.

و قد مضت عدة الاخبار فى ذلك من نصر بن مزاحم و غيره ان معاوية إذا قنت لعن عليا و الحسن و الحسين و ابن عباس و مالكا و قيس بن سعد، و هذه المسألة مع انها من المسائل الكلامية تتعلق باصول الدين اتى بها الشيخ فى الخلاف و العلامة فى كتاب الجهاد من المختلف لتفرع كثير من المسائل الفقهية من ذلك الباب عليها على أن فيها تبكيتا للخصم و تحقيقا للحق.

فان قلت: يمكن أن يكون أصحاب الجمل و صفين جاهلين بمنزلة علي عليه السلام و من و لم تبلغ إليهم تلك الأخبار و الا لما حاربوه فلم يكونوا كافرين بل هما طائفتا المؤمنين اقتتلوا و قال الله عز من قائل‏ و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء إلى أمر الله‏.

قلت: من جانب التعصب و اللجاج و اللداد لا يشك ان هذا الايراد بمراحل من الانصاف كيف لا و الاخبار المتواترة في الباب و الاثار المنقولة من الأصحاب في علي عليه السلام لا ينكرها الا ألد الخصام و العنود الطغام و لو سلمنا ان بعضهم المستضعفين كانوا غافلين غير عالمين بذلك فلا ريب أن معاوية و شيطانه عمرو بن العاص و أشياعهما فممن لا شبهة فى عرفانهم بحق على عليه السلام فلا ريب فى كفرهم و من تأمل و نظر بعين العلم و الانصاف لا يرتاب ان معاوية كان فى الختل و الروغان اروغ من الثعلب و لعب بالدين بالنكراء و الشيطنة و بلغ إلى الالحاد و الكفر و العناد إلى مبلغ لم يكن بينه و بين فرعون الا درجة و فى الحقيقة ما اسلم و لكن استسلم و أسر الكفر حتى يجد اعوانا لأغراضه النفسانية.

و لنذكر فيه ما أورده أبو الفضل نصر بن مزاحم المنقرى الكوفي فى كتاب الصفين و ذلك الكتاب معروف بين الفرق و نصر فى نفسه ثقة ثبت صحيح النقل و كان من معاصرى الامام محمد الباقر بن على بن الحسين عليهما السلام و أثنى عليه الفريقان و قال فيه الشارح المعتزلي فهو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى و لا ادغال و هو من رجال اصحاب الحديث.

قال نصر: اخبرنى عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبى ثابت قال لما كان قتال صفين قال رجل لعمار يا أبا اليقظان ألم يقل رسول الله صلى الله عليه و آله قاتلوا الناس حتى يسلموا فاذا اسلموا عصموا منى دمائهم و أموالهم؟ قال: بلى و لكن و الله ما اسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر حتى وجدوا عليه اعوانا. و روى عن قطر بن خليفة عن منذر الثورى عن عمار بن ياسر مثله.

و روى عن الحكم بن ظهير عن إسماعيل عن الحسن و الحكم عن عاصم بن أبى النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قالا قال رسول الله صلى الله عليه و آله إذا رأيتم معاوية ابن أبى سفيان يخطب على منبرى فاضربوا عنقه قال الحسن فما فعلوا و لا افلحوا.

و روى عن عمرو بن ثابت عن إسماعيل عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله إذا رأيتم معاوية يخطب على منبرى فاقتلوه، قال فحدثنى بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدرى فلم نفعل و لم نفلح.

و روى عن يحيى بن يعلى عن الأعمش عن خثيمة قال: قال عبد الله بن عمرو ان معاوية في تابوت في الدرك الاسفل من النار و لولا كلمة فرعون أنا ربكم الاعلى ما كان أحد اسفل من معاوية.

و روى عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن سالم بن أبى الجعد عن أبى حرب بن أبى الاسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: شر خلق الله خمسة: إبليس، و ابن آدم الذى قتل أخاه، و فرعون ذو الاوتاد و رجل من بنى إسرائيل ردهم عن دينهم، و رجل من هذه الامة يبايع على كفره عند باب لد قال الرجل انى لما رأيت معاوية بايع عند باب لد ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه و آله فلحقت بعلى عليه السلام فكنت معه.

و روى عن جعفر الاحمر عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله يموت معاوية على غير الاسلام.

و روى عن جعفر الاحمر عن ليث عن محارب بن زياد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يموت معاوية على غير ملتى.

و روى عن عبد الغفار بن القاسم عن عدى بن ثابت عن البراء بن عاذب قال:اقبل أبو سفيان و معه معاوية فقال رسول الله صلى الله عليه و آله اللهم العن التابع و المتبوع اللهم عليك بالاقيعس فقال ابن البراء لابيه من الاقيعس؟ قال معاوية.

بيان الاقيعس مصغر أقعس و هو نعت من القعس بالتحريك بمعنى خروج الصدر و دخول الظهر و هو ضد الحدب و كان معاوية اقعس و رسول الله صلى الله عليه و آله قاله اقيعس تخفيفا و تحقيرا له.

و قال نصر: حدثنى يحيى بن يعلى بن عبد الجبار بن عباس عن عمار الدهنى‏ عن أبي المثنى عن عبد الله بن عمر قال ما بين تابوت معاوية و تابوت فرعون الا درجة و ما انخفضت تلك الدرجة الا انه قال انا ربكم الأعلى.

نصر أبو عبد الرحمن المسعودى حدثنى يونس بن الأرقم بن عوف عن شيخ من بكر بن وائل قال: كنا مع علي عليه السلام بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء فى رأس رمح فقال على عليه السلام هل تدرون ما امر هذا اللواء ان عدو الله عمرو ابن العاص اخرج له رسول الله صلى الله عليه و آله هذه الشقة فقال من يأخذها بما فيها؟ عمرو و ما فيها يا رسول الله؟ قال: فيها ان لا تقاتل به مسلما و لا تقربه من كافر فاخذها فقد و الله قربه من المشركين و قاتل به اليوم المسلمين و الذى فلق الحبة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و اسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منا إلا أنهم لم يدعوا الصلاة.

نصر عن أبي عبد الرحمن قال حدثنى العلاء بن يزيد القرشي عن جعفر بن محمد قال دخل زيد بن ارقم على معاوية فاذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما فقال له عمرو بن العاص اما وجدت لك مجلسا الا ان تقطع بينى و بين أمير المؤمنين؟ فقال زيد ان رسول الله صلى الله عليه و آله غزا غزوة و أنتما معه فرآكما مجتمعين فنظر اليكما نظرا شديدا ثم رآكما اليوم الثاني و اليوم الثالث كل ذلك يديم النظر اليكما فقال فى اليوم الثالث إذا رأيتم معاوية و عمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فانهما لن يجتمعا على خير.

نصر عن محمد بن فضيل عن يزيد بن أبى زياد عن سليمان بن عمرو بن الاحرص الازدى قال اخبرني أبو هلال انه سمع أبا برزة الاسلمى انهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه و آله فسمعوا غناء فتشر فواله فقام رجل فاستمع له و ذاك قبل أن يحرم الخمر فأتاهم ثم رجع فقال هذا معاوية و عمرو بن العاص يجيب احدهما الاخر و هو يقول:

يزال حوارى تلوح عظامه‏زوى الحرب عنه ان يحس فيقبرا

فرفع رسول الله صلى الله عليه و آله يديه فقال اللهم اركسهم فى الفتنة ركسا اللهم دعهم إلى النار دعا.

بيان قوله يزال حوارى أصله لا يزال حوارى حذف عنه لا كما حذف فى قوله تعالى‏ تالله تفتؤا تذكر يوسف‏ اى لا تفتؤ و الحوارى القريب و الحميم و يقال لأنصار الأنبياء الحواريون قال الله تعالى‏ من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله‏ و زوى الحرب عنه اى ستره موجبات الحرب و منعه عن ان يحس و يقبر فكان عظامه بمرأى من الناس تلوح.

نصر عن محمد بن فضيل عن أبى حمزة الثمالى عن سالم بن أبى الجعد عن عبد الله ابن عمر قال ان تابوت معاوية فى النار فوق تابوت فرعون و ذلك بان فرعون قال انا ربكم الأعلى.

نصر شريك عن ليث عن طاوس عن عبد الله بن عمر قال أتيت النبي صلى الله عليه و آله فسمعته يقول يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت و هو على غير سنتى فشق على ذلك و تركت أبى يلبس ثيابه و يجي‏ء فطلع معاوية.

نصر عن بليد بن سليمان حدثنى الاعمش عن على بن الاقمر قال وفدنا على معاوية و قضينا حوائجنا ثم قلنا لو مررنا برجل قد شهد رسول الله صلى الله عليه و آله و عاينه فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله حدثنا ما شهدت و رأيت قال ان هذا ارسل إلى يعني معاوية فقال لئن بلغني انك تحدث لأضربن عنقك فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت وددت أن احد سيف في جسدك على عنقي فقال و الله ما كنت لاقاتلك و لا اقتلك و ايم الله ما يمنعني ان احدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله قال فيه رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله ارسل إليه يدعوه و كان يكتب بين يديه فجاء الرسول فقال هو يأكل فاعاد عليه الرسول الثانية فقال هو يأكل فاعاد عليه الرسول الثالثة فقال هو يأكل فقال: لا اشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع؟ قال و خرج من فج فنظر رسول الله صلى الله عليه و آله إلى أبى سفيان و هو راكب و معاوية و أخوه احدهما قائد و الاخر سائق فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه و آله قال اللهم العن القائد و السائق و الراكب قلنا أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله؟ قال نعم و الا فصمتا اذ ناى كما عميتا عيناى.

نصر عن عبد العزيز بن الخطاب عن صالح بن أبى الاسود عن اسماعيل‏ عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله إذا رأيتم معاوية على منبرى يخطب فاقتلوه.

ثم قال الشيخ المفيد قدس سره فى كتابه الموسوم بالافصاح فى إمامة على ابن أبي طالب عليه السلام: و مما يدل على كفر محاربى أمير المؤمنين عليه السلام علمنا باظهارهم التدين بحربه و الاستحلال لدمه و دماء المؤمنين من ولده و عترته و أصحابه و قد ثبت أن استحلال دماء المؤمنين اعظم عند الله من استحلال جرعة خمر لتعاظم المستحق عليه من العقاب بالاتفاق و إذا كانت الامة مجمعة على اكفار مستحل الخمر و ان شهد الشهادتين و أقام الصلاة و آتى الزكاة فوجب القطع على كفر مستحلى دماء المؤمنين لانه أكبر من ذلك و اعظم في العصيان بما ذكرناه و إذا ثبت ذلك صح الحكم با كفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام على ما وصفناه.

«دليل آخر»

ثم قال رضوان الله عليه: و يدل أيضا على ذلك ما اجتمع عليه نقلة الاثار من قول الرسول صلى الله عليه و آله من آذى عليا فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله تعالى و لا خلاف بين أهل الاسلام ان المؤذى للنبي صلى الله عليه و آله بالحرب و السب و القصد له بالاذى و التعمد لذلك كافر خارج عن ملة الاسلام فاذا ثبت ذلك وجب الحكم با كفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما أوجبه النبي صلى الله عليه و آله من ذلك بما بيناه.

«دليل آخر»

و قال رحمه الله: و يدل أيضا على ذلك ما انتشرت به الأخبار و تلقاه العلماء بالقبول عن رواة الاثار من قول النبي صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، و قد ثبت أن من عادى الله تعالى و عصاه على وجه المعاداة فهو كافر خارج عن الايمان فاذا ثبت أن الله تعالى لا يعادى اولياءه و انما يعادى اعداءه و صح أنه معاد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السلام لعداوتهم له بما ذكرناه من حصول العلم بتدينهم بحربه بما ثبت به عداوة محاربي رسول الله صلى الله عليه و آله و يزول معه الارتياب وجب‏ اكفارهم على ما قدمناه انتهى ما أردنا نقله منه رحمه الله.

«اشكال و حل»

فان قلت: إذا كان محاربوا علي عليه السلام كفرة فلم لم يجر عليهم أحكام الكفر لما غلب عليهم من نهب أموالهم و سبى نسائهم و غير ذلك؟

قلت: كما ان للايمان مراتب و درجات كذلك للكفر، و النهب و السبى و أمثالهما من الاحكام يختص بمحاربى المشركين دون غيرهم من الكفار كما نرى من غزوات رسول الله صلى الله عليه و آله المشركين.

قال الشيخ الطوسى (ره) في كتاب الباغي من الخلاف: إذا وقع اسير من أهل البغي في المقاتلة كان للامام حبسه و لم يكن قتله و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: له قتله.

ثم قال: دليلنا اجماع الفرقة و أيضا روى عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله يا ابن ام عبد ما حكم من بغى من امتي؟ قال قلت: الله و رسوله أعلم فقال صلى الله عليه و آله لا يتبع و لا يحاز (و لا يجهز- خ ل) على جريحهم و لا يقتل اسيرهم و لا يقسم فيئهم و هذا نص و روى ان رجلا اسيرا جي‏ء به إلى علي عليه الصلاة و السلام يوم صفين فقال لا اقتلك صبرا إنى أخاف الله رب العالمين.

و قال العلامة قدس سره في كتاب الجهاد من المختلف: المشهور بين علمائنا تحريم سبى نساء البغاة و قال اختلف علماؤنا في قسمة ما حواه العسكر من أموال البغاة فذهب السيد المرتضى في المسائل الناصرية إلى أنها لا تقسم و لا تغنم قال و مرجع الناس في ذلك كله إلى ما قضى به أمير المؤمنين عليه السلام في محاربي أهل البصرة فانه منع من غنيمة أموالهم و قسمتها كما تقسم أموال الحرب و لا أعلم خلافا من الفقهاء في ذلك و لما رجع أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك قال أيكم تأخذ عائشة في سهمه و لا امتناع في مخالفة حكم قتال أهل البغى لقتال أهل الحرب كما خالفه في أنه لا يتبع موليهم و ان كان اتباع المولى من باقي المحاربين جائر و انما اختلف‏ الفقهاء في الانتفاع بدواب أهل البغى و سلاحهم في دار الحرب- إلى أن قال:- و روى أن عليا عليه السلام لما هزم الناس يوم الجمل قالوا له يا أمير المؤمنين ألا تأخذ أموالهم؟ قال: لا لانهم تحرموا بحرمة الاسلام فلا يحل أموالهم في دار الهجرة.

و بالجملة للبغاة الخارجين على الامام العادل أحكام تخص بهم و ان كانوا كافرين و للمشركين المحاربين أحكام تخص بهم و عنون الشيخ المفيد قدس سره في ذلك فصلا في كتابه الموسوم بالافصاح، و كذا الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي و لا بأس بنقل كلام المفيد لانه رحمه الله أوجز و افاد قال:

فان قالوا: فاذا كان محاربوا أمير المؤمنين عليه السلام كفارا عندكم بحربه مرتكبى العناد في خلافه فما باله عليه السلام لم يسر فيهم بسيرة الكفار فيجهز على جرحهم و يتبع مدبرهم و يغنم جميع أموالهم و يسبى نسائهم و ذراريهم و ما انكرتم ان يكون عدوله عن ذلك يمنع من صحة القول عليهم بالاكفار؟

قيل لهم: ان الذى وصفتموه في حكم الكفار انما هو شي‏ء يختص بمحاربي المشركين لم يوجد في حكم الاجماع و السنة فيمن سواهم في سائر الكفار فلا يجب ان يتعدى منهم إلى غيرهم بالقياس الا ترون ان أحكام الكافرين تختلف فمنهم من يجب قتله على كل حال، و منهم من يجب قتله بعد الامهال، و منهم من تؤخذ منه الجزية و يحقن دمه بها و لا يستباح، و منهم من لا يحل دمه و لا يؤخذ منه الجزية على حال، و منهم من يحل نكاحه، و منهم من يحرم بالاجماع فكيف يجب اتفاق الاحكام من الكافرين على ما اوجبتموه فيمن سميناه إذا كانوا كفارا و هى على ما بيناه في دين الاسلام من الاختلاف. ثم قال رحمه الله:

ثم يقال لهم: خبرونا هل تجدون في السنة أو الكتاب او الاجماع في طائفة من الفساق بقتل المقلين منهم و ترك المدبرين و حظر الاجهاز على جرحى المقاتلين و غنيمة ما حوى عسكرهم دون ما سواه من امتعتهم و أموالهم أجمعين، فان ادعوا معرفة ذلك و وجوده طولبوا بتعيينه فيمن عدا البغاة من محاربي أمير المؤمنين عليه السلام فانهم يعجزون عن ذلك و لا يستطيعون إلى اثباته سبيلا، و ان قالوا ان ذلك و ان كان غير

موجود في طائفة من الفاسقين فحكم أمير المؤمنين عليه السلام به في البغاة دليل على أنه في السنة أو الكتاب و ان لم يعرف وجه التعيين قيل لهم ما انكرتم أن يكون حكم أمير المؤمنين عليه السلام في البغاة ممن سميتموه دليلا بعد دليل انه حكم الله في طائفة من الكافرين موجود في السنة و الكتاب و ان لم يعرف الجمهور الوجه في ذلك على التعيين فلا يجب ان يخرج القوم من الكفر لتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم الله تعالى فيمن سواهم من الفاسقين و هذا ما لا فصل فيه. انتهى.

«اعتراض ورد»

اتى بهذا الاعتراض و رده الشيخ المفيد في الافصاح أيضا فقال:فان قالوا كيف يصح لكم اكفار أهل البصرة و الشام و قد سئل أمير المؤمنين عليه السلام عنهم فقال: اخواننا بغوا علينا، لم ينف عنهم الايمان و لا حكم عليهم بالشرك و الاكفار؟.

قيل لهم هذا خبر شاذ لم يأت به التواتر من الاخبار و لا اجمع على صحته رواة الاثار و قد قابله ما هو أشهر منه عن أمير المؤمنين عليه السلام و أكثر نقلة و أوضح طريقا من الاسناد و هو أن رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة و الناس مصطفون للحرب فقال له: على م نقاتل هؤلاء القوم يا أمير المؤمنين و نستحل دمائهم و هم يشهدون شهادتنا و يصلون إلى قبلتنا؟

فتلى عليه السلام هذه الاية رافعا بها صوته‏ و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون‏.

فقال الرجل حين سمع ذلك: كفار و رب الكعبة و كسر جفن سيفه و لم يزل يقاتل حتى قتل، و تظاهر الخبر عنه عليه السلام انه قال يوم البصرة: و الله ما قوتل أهل هذه الاية حتى اليوم‏ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله واسع عليم‏ و جاء مثل ذلك عن عمار و حذيفة رحمه الله عليهما- إلى أن قال:-

على أنا لو سلمنا لهم الحديث في وصفهم بالاخوة له عليه السلام لما منع من كفرهم كما لم يمنع من بغيهم و لم يضاد ضلالهم باتفاق مخالفينا و لا فسقهم عن الدين و استحقاقهم اللعنة و الاستخفاف و الاهانة و سلب اسم الايمان عنهم و الاسلام و القطع عليهم بالخلود في الجحيم قال الله تعالى‏ و إلى عاد أخاهم هودا* فأضافه إليهم بالاخوة و هو نبى الله و هم كفار بالله عز و جل و قال الله تعالى‏ و إلى ثمود أخاهم صالحا* و قال‏ و إلى مدين أخاهم شعيبا* و لم يناف ذلك كفرهم و لا يضاد ضلالهم و شركهم فأحرى أن لا يضاد تسمية أمير المؤمنين عليه السلام محاربيه بالاخوة مع كفرهم بحربه و ضلالهم عن الدين بخلافه و هذا بين لا اشكال فيه، انتهى.

«اعتراض آخر ورده»

ان قلت: قد مضى قوله عليه السلام في الخطبة الثالثة و الثلاثين عند خروجه لقتال أهل البصرة: مالى و لقريش و الله لقد قاتلتهم كافرين و لا قاتلنهم مفتونين و اني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم.

حيث إن قوله عليه السلام لاقاتلنهم مفتونين يدل على عدم كفرهم فى تلك الحال كما استفاد منه الشارح المعتزلي و قال: لان الباغي على الامام مفتون فاسق ثم قال و هذا الكلام يؤكد قول أصحابنا أن أصحاب صفين و الجمل ليسوا بكفار خلافا للامامية فانهم يزعمون انهم كفار.

قلت: رد هذا الاعتراض في بهجة الحدائق بان المفتون من أصابته الفتنة و هى تطلق على الامتحان و الضلال و الكفر و الاثم و الفضيحة و العذاب و غير ذلك و المراد بالمفتون ما يقابل الكافر الاصلى الذى لم يدخل فى الاسلام اصلا و لم يظهره اذ لا شك في أن من حاربه عليه السلام كافر لقوله صلى الله عليه و آله حربك حربي و غير ذلك من الاخبار و الادلة.

ان قلت: لو انهم كانوا كافرين فكيف خالطهم الأئمة عليهم السلام و المؤمنون و لم يجتنبوا من ذبائحهم و اسارهم و يعاملون معهم معاملة المسلم فى سائر الامور على‏ انه لزم الحكم بعدم قبول توبتهم و بقسمة أموالهم و باعتداد زوجاتهم عدة الوفاة و غير ذلك من الاحكام؟

قلت بعد ما دريت ان فرق الكفار مختلفة فاحكم بذلك ان أحكام الكفر أيضا مختلفة فحكم أهل الكتاب خلاف حكم من لا كتاب له من عبدة الاصنام و ان كان الفريقان كافرين مثلا ان أهل الكتاب يؤخذ منهم الجزية و يقرون على أديانهم و لا يفعل ذلك بعبدة الأصنام و كذا حكم الحربي خلاف حكم الذمى و كذا حكم المرتد خلاف حكم الجميع مع اتفاقهم في الكفر و لذا افتى الشيخ في الخلاف ان الباغي إذا قتل غسل و صلى عليه.

و ذهب غير واحد من علمائنا بان البغاة محكوم بكفرهم باطنا إلا انه يعامل معهم في هذا الزمان المسمى بزمان الهدنة معاملة المسلم الحقيقي حتى يظهر الدولة الحقة عجل الله تعالى ظهورها فيجرى عليهم حينئذ حكم الكفار الحربيين.

و يشهد بما ذكر عدة روايات منها كما في الوسائل باسناده عن أبي بكر الحضرمي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لسيرة على فى أهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس إنه علم ان للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته قلت فاخبرنى عن القائم يسير بسيرته؟ قال: لا إن عليا عليه السلام سار فيهم بالمن لما علم من دولتهم و إن القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لانه لا دولة لهم.

و المروى عن الدعائم عن علي عليه السلام انه سئل عن الذين قاتلهم من أهل القبلة أ كافرون هم؟ قال عليه السلام كفروا بالاحكام و كفروا بالنعم ليس كفر المشركين الذين دفعوا النبوة و لم يقروا بالاسلام و لو كانوا كذلك ما حلت لنا مناكحهم و لا ذبائحهم و لا مواريثهم و غيرهما من الأخبار الواردة في الباب مما يطول ذكرها.

«ترجمة الحكمين و بعض آخر»

قد حضر في صفين رجال مجاهدون فى الله حق جهاده منهم أبو اليقظان عمار بن ياسر رضوان الله عليه قتله الفئة الباغية، و قد مضى نبذة من الكلام في ترجمته‏ بما يليق و يسع المقام.

و منهم عضد اسد الله مالك الأشتر رضى الله عنه و قد مضى بعض الاقوال في جلالة شأنه و نبالة قدره حسب ما يقتضى المقام و سيأتى ترجمته تفصيلا في باب المختار من كتبه و رسائله عليه السلام ان شاء الله تعالى، و منهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال و ابنه رضوان الله عليهما و قد علم جلالة شأنهما و ثبات أمرهما و عزمهما في نصرة الدين و الحماية عن الحق المبين بما ذكرنا من الاثار و الأخبار في شهادتهما رضى الله عنهما[2] و كذا غيرهم من حماة الحق و اعوان الدين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا و لزموا الصراط المستقيم و النهج القويم على حقيقة البصيرة، و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتيهم الله من فضله و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله و فضل و ان الله لا يضيع أجر المؤمنين.

و أبو وقاص جد هاشم المرقال اسمه مالك بن اهيب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب، و عم هاشم سعد بن أبي وقاص احد العشرة و أبوه عتبة بن أبي وقاص هو الذى كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه و آله يوم احد و كلم شفتيه و شج وجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه و يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم و هو يدعوهم إلى ربهم فانزل الله عز و جل‏ ليس لك من الأمر شي‏ء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون‏ و قال حسان بن ثابت فى ذلك اليوم:

إذا الله حيا معشرا بفعالهم‏و نصرهم الرحمن رب المشارق‏
فهدك ربى يا عتيب بن مالك‏و لقاك قبل الموت احدى الصواعق‏
بسطت يمينا للنبى محمدفدميت فاه قطعت بالبوارق‏
فهلا ذكرت الله و المنزل الذي‏تصير إليه عند احدى الصفائق‏
فمن عاذرى من عبد عذرة بعد ماهوى فى دجوجى شديد المضائق‏
و اورث عارا فى الحياة لأهله‏و فى النار يوم البعث ام البوائق‏

و انما قال عبد عذرة لأن عتبة بن أبي وقاص و اخوته و اقاربه فى نسبهم كلام ذكر ص‏ قوم من أهل النسب انهم من عذرة و انهم ادعياء في قريش و لهم خبر معروف و قصة مذكورة في كتب النسب، و تنازع عبد الله بن مسعود و سعد بن أبي وقاص في أيام عثمان في أمر فاختصما فقال سعد لعبد الله: اسكت يا عبد هذيل فقال له عبد الله: اسكت يا عبد عذرة، هذا ما نقلنا من الفاضل الشارح المعتزلي.

و في الاستيعاب أن هاشم المرقال كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله نزل الكوفة و كان من الفضلاء الخيار و كان من الأبطال و فقئت عينه يوم اليرموك و كان خيرا فاضلا شهد مع علي عليه السلام الجمل و شهد صفين و أبلا بلاء حسنا و بيده كانت راية علي عليه السلام على الرجالة يوم صفين و يومئذ قتل.

و كفى في فضل هاشم رضوان الله عليه ما قال فيه يعسوب الدين أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة السادسة و الستين: و قد اردت تولية مصر هاشم بن عتبة و لو وليته إياها لما خلى لهم العرصة و لا انهزهم الفرصة.

و ممن شهد بصفين من حوارى أمير المؤمنين عليه السلام و استشهد بها و قتله الفئة الباغية اويس القرنى رضوان الله عليه.

و المروى عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه كان يقول تفوح روائح الجنة من قبل قرن و ا شوقاه اليك يا اويس القرنى ألا و من لقيه فليقرأه منى السلام فقيل يا رسول الله و من اويس القرنى؟ قال: ان غاب عنكم لم تفتقدوه، و ان ظهر لكم لم تكترثوا به يدخل الجنة فى شفاعته مثل ربيعة و مضر يؤمن بى و لا يراني و يقتل بين يدي خليفتى أمير المؤمنين على بن أبي طالب فى صفين، و الروايات من الخاصة و العامة فى مدحه أكثر من أن يذكر.

و من استشهد بصفين من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام: عبد الله بن بديل بن ورقاء و خزيمة بن ثابت و جندب بن زهير و ابن التيهان و غير ذلك رضوان الله عليهم أجمعين و قال المسعودى فى مروج الذهب: و قتل بصفين من الصحابة ممن كان مع على عليه السلام خمسة و عشرون رجلا.

و ممن شهد مع علي صفين شبث بن ربعي كما مر قبل و هذا الرجل كان مضطرب الحال مشوش البال غير ثابت على طريق منافقا متلونا سفاكا متجريا تابع كل ناعق و مثير كل فتنة عاش طويلا حتى بلغ إلى أرذل العمر و حضر كربلاء مع عمر بن سعد فقاتل الحسين بن علي عليهما السلام نستعيذ بالله من سوء الخاتمة، و مسجد شبث احد المساجد الأربعة التي جددت فرحا لقتل الحسين عليه السلام و تخلف هو و عمرو ابن حريث و الاشعث و جرير بن عبد الله عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في مسيره إلى النهروان و اخبر عليه السلام بانهم يريدون تثبيط الناس عنه و بيعتهم للضب و قال عليه السلام:

أما و الله يا شبث و يا ابن حريث لتقاتلان ابني الحسين عليه السلام كما في البحار للمجلسي رحمه الله تعالى.

قال أبو زهير العبسى فانا سمعت شبث في أمارة مصعب يقول لا يعطى الله أهل هذا المصر خيرا أبدا و لا يسددهم لرشد ألا تعجبون أنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب عليه السلام و مع ابنه من بعده آل أبي سفيان حمس سنين ثم عدونا على ابنه و هو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية و ابن سمية الزانية ضلال يا لك من ضلال.

و قال ابن حجر في التقريب: شبث بفتح أوله و الموحدة ثم مثلثة ابن ربعي التميمي اليربوعي أبو عبد القدوس الكوفي مخضرم كان مؤذن سجاح ثم اسلم ثم كان ممن اعان على عثمان ثم صحب عليا ثم صار من الخوارج عليه ثم تاب فحضر قتل الحسين عليه السلام ثم كان ممن طلب بدم الحسين عليه السلام مع المختار ثم ولى شرطة الكوفة ثم حضر قتل المختار و مات بالكوفة فى حدود الثمانين انتهى.

بيان مخضرم بضم الميم و فتح الراء من ادرك الجاهلية و الاسلام و سجاح بفتح أولها كسحاب اسم امرأة ادعت النبوة و تنبى المسيلمة الكذاب أيضا في زمانها.

قال أبو جعفر الطبري في ذكر احداث السنة الحادية عشرة من الهجرة من تاريخه: و كانت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان هي و بنو أبيها عقفان في بنى تغلب فتنبت بعد موت رسول الله صلى الله عليه و آله بالجزيرة في بنى تغلب فاستجاب لها الهذيل- إلى أن قال-: ان مسيلمة الكذاب لما نزلت به سجاح أغلق الحصن دونها فقالت لها سجاح انزل قال: فنحى عنك أصحابك ففعلت فقال مسيلمة: اضربوا لها قبة و جمروها لعلها تذكر الباه ففعلوا فلما دخلت القبة نزل مسيلمة فقال ليقف ههنا عشرة و ههنا عشرة ثم دارسها فقال ما أوحى إليك؟ و قالت هل تكون النساء يبتدئن و لكن أنت ما أوحى إليك؟ قال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى اخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى.

قالت: و ما ذا أيضا؟ قال أوحى إلى أن الله خلق النساء أفراجا و جعل الرجال لهن أزواجا فنولج فيهن قعسا ايلاجا ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا فينتجن لنا سخالا انتاجا، قالت: أشهد انك نبى، قال: هل لك أن أتزوجك فاكل بقومي و قومك العرب؟

قالت: نعم. قال:

ألا قومى إلى النيك‏فقد هيى لك المضجع‏
و إن شئت ففي البيت‏و إن شئت ففي المخدع‏
و إن شئت سلقناك‏و إن شئت على أربع‏
و إن شئت بثلثيه‏و إن شئت به أجمع‏

قالت: بل به أجمع، قال: بذلك أوحى إلى، فاقامت عنده ثلاثا ثم انصرفت إلى قومها فقالوا ما عندك؟ قالت كان على الحق فاتبعته فتزوجته، قالوا فهل أصدقك شيئا؟ قالت لا، قالوا ارجعى إليه فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق (أن تزوج بغير صداق- ظ) فرجعت فلما رآها مسيلمة أغلق الحصن و قال مالك؟ قالت أصدقنى صداقا، قال من مؤذنك؟ قالت شبث بن ربعى الرياحى، قال على به فجاء فقال ناد فى أصحابك أن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم محمد صلاة العشاء الاخرة و صلاة الفجر، فانصرفت و معها أصحابها فيهم الزبرقان و عطارة بن حاجب و عمرو بن الأهتم و غيلان بن خرشة و شبث بن ربعى فقال عطارد بن حاجب:

أمست نبيتنا انثى نطيف بهاو أصبحت انبياء الناس ذكرانا

ثم إن ولد شبث عبد القدوس المعروف بأبى الهندى الشاعر كان زنديقا سكيرا و كذا سبطاه صالح بن عبد القدوس و غالب بن عبد القدوس فالصالح كان زنديقا طالحا قتله المهدى على الزندقة و صلبه على جسر بغداد، و غالب كان غالب أمره فى شرب الخمر و ادمانه و عاقبة أمره انه سقط عن السطح فى حال سكره فوجد ميتا و حكى انه كان مكتوبا على قبره.

اجعلوا ان مت يوما كفنى‏ورق الكرم و قبرى معصره‏
اننى ارجو من الله غدابعد شرب الراح حسن المغفرة

كان الفتيان يجيئون إلى قبره فيشربون و يصبون القدح على قبره.

و نظير البيتين المذكورين ما قاله أبو محجن فى أيام جاهليته كما فى الجزء الثالث من تاريخ أبى جعفر الطبرى من وقايع السنة الرابعة عشرة:

إذا مت فادفني إلى أصل كرمةتروى عظامى بعد موتى عروقها
و لا تدفنني بالفلاة فانني‏اخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
و تروى بخمر الحص لحدى فانني‏أسير لها من بعد ما قد أسوقها

ثم ان أمير المؤمنين علي عليه السلام كان يرسله إلى امور خطيرة لجرأته كما نقلنا من قبل ان عليا عليه السلام بعثه مع بشر بن عمرو و سعيد بن قيس إلى معاوية ليدعوه إلى الطاعة و الجماعة و اتباع أمر الله فلما وردوا على معاوية و ذهب سعيد بن قيس ليتكلم بدره شبث بن ربعى و قال لمعاوية انه لا يخفى علينا ما تطلب انك لا تجد شيئا تستغوى به الناس و تستميل به أهواءهم إلا أن قتل لهم قتل إمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه فاستجاب لك سفلة طغام رذال و قد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر و اجبت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب.

و أما ترجمة أبي موسى الأشعرى فنحن نذكر نقلا عن الشارح المعتزلي من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر المحدث و غيره ثم نتبع ذلك بما نقلناه من غيره.

قال ابن عبد البر: هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حصار بن حرب بن عامر بن‏ عمر بن بكر بن عامر بن عذر بن وابل بن ناجية بن الجاهر بن الأشعر، و اختلف في انه هل هو من مهاجرة الحبشة ام لا و الصحيح انه ليس منهم و لكنه اسلم ثم رجع إلى بلاد قومه فلم يزل بها حتى قدم هو و ناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه و آله فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر بن أبي طالب و أصحابه من أرض حبشة فوافوا رسول الله صلى الله عليه و آله بخيبر فظن قوم أن أبا موسى قدم من الحبشة مع جعفر و قيل انه لم يهاجر إلى الحبشة و انما أقبل في سفينة مع قوم من الأشعريين فرمت الريح سفينتهم إلى ارض الحبشة و خرجوا منها مع جعفر و اصحابه فكان قدومهم معا فظن قوم انه كان من مهاجرة الحبشة.

قال: و ولاه رسول الله صلى الله عليه و آله من محاليف اليمن زبيد و ولاه عمر البصرة لما عزل المغيرة عنها فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان فعزله عثمان عنها و ولاها عبد الله بن عمار بن كريز فنزل ابا موسى الكوفة حينئذ و سكنها فلما كره سعيد بن العاص و دفعوه عنها و لوا ابا موسى و كتبوا إلى عثمان يسألونه ان يوليه فأقره على الكوفة فلما قتل عثمان عزله على عليه السلام عنها فلم يزل واجدا لذلك على علي عليه السلام حتى جاء منه ما قال حذيفة فيه.

قال الشارح المعتزلي: و الكلام الذي قال فيه و قد ذكر عنده بالدين اما أنتم فتقولون ذلك و اما انا فاشهد انه عدو لله و لرسوله و حرب لهما في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار و كان حذيفة عارفا بالمنافقين اسر إليه رسول الله صلى الله عليه و آله امرهم و أعلمهم أسماءهم.

و روى ان عمارا سئل عن ابي موسى فقال لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما سمعته يقول: صاحب البرنس الاسود ثم كلح كلوحا علمت منه انه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط.

و روى عن سويد بن غفلة قال: كنت مع ابى موسى على شاطى الفرات في خلافة عثمان فروى لي خبرا عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال سمعته يقول: إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلا و أضلا من اتبعهما و لا ينفك أمر امتي حتى يبعثوا حكمين يضلان و يضلان من تبعهما، فقلت له:احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما قال: فخلع قميصه و قال: أبرء إلى الله من ذلك كما أبرء من قميصي هذا.

و كان علي عليه السلام يقنت عليه و على غيره فيقول اللهم العن معاوية اولا و عمرا ثانيا و أبا الاعور السلمى ثالثا و ابا موسى الأشعري رابعا.

و قال نصر في كتاب صفين: قال علي عليه السلام ان عبد الله بن قيس رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المدية. و نقل أيضا أبياتا عن بعض بعضها.

لو كان للقوم رأى يعظمون به‏بعد الخطار رموكم بابن عباس‏
لله در أبيه أيما رجل‏ما مثله لفصال الخطب في الناس‏
لكن رموكم بشيخ من ذوى يمن‏لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس‏
ان يخل عمرو به يقذفه في لجج‏يهوى به النجم تيسا بين أتياس‏

و في السياسة و الامامة للدينورى: ذكروا أن معاوية كتب إلى أبي موسى بعد الحكومة و هو بمكة. أما بعد فاكره من أهل العراق ما كرهوا منك و أقبل إلى الشام فانى خير لك من على و السلام.

فكتب إليه أبو موسى: أما بعد فانه لم يكن منى في علي إلا ما كان من عمرو فيك غير أنى أردت بما صنعت وجه الله و أراد عمرو بما صنع ما عندك و قد كان بيني و بينه شروط عن تراض فلما رجع عمرو رجعت، و أما قولك: إن الحكمين إذا حكما على أمر فليس للمحكوم عليه أن يكون بالخيار إنما ذاك في الشاة و البعير، و أما في امر هذه الامة فليست تساق إلى ما تكره و لن تذهب بين عجز عاجز و لا كيد كائد و لا خديعة فاجر، و أما دعاؤك إياى إلى الشام فليس لي بدل و لا إيثار عن قبر ابن إبراهيم ابي الأنبياء.

ثم ان الفاضل الشارح المعتزلي بعد ذكره ما تعتقده المعتزلة في ابى موسى نقلا من كتاب الكفاية لابن متويه انه قال أما ابا موسى فانه عظم جرمه بما فعله و ادى ذلك إلى الضرر الذى لم يخف حاله و كان علي عليه السلام يقنت عليه و على غيره- كمادريت- و روى عنه عليه السلام انه كان يقول في ابي موسى: صبغ بالعلم صبغا و سلخ منه سلخا و كذا بعد ما ذكر رواية الحكمين الضالين المضلين في بني إسرائيل و في هذه الامة من أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه و آله، و كذا بعد ما ذكر انه لم يثبت في توبته ما ثبت في توبة غيره، قال: و ذكرته لك لتعلم أنه عند المعتزلة من أرباب الكبائر و حكمه حكم أمثاله ممن واقع كبيرة و مات عليها. انتهى.

أقول: و ذكرنا طائفة من البراهين و الأدلة في كفر الخارجين على الامام العادل عليه السلام فليرجع.

قال ابن عبد البر و اختلف في تاريخ موته فقيل سنة اثنتين و أربعين، و قيل سنة اثنتين و خمسين، و قيل سنة أربع و أربعين، و اختلف في قبره فقيل مات بمكة و دفن بها و قيل مات بالكوفة و دفن بها.

و أما عمرو بن العاص فلا يخفى على أحد انه كان فاجرا غادرا ختالا و في الروغان و الخديعة و المكر يضرب به المثل و قد مضى شرذمة منها من قبل و سيأتي في باب المختار من الكتب و الرسائل كتاب أمير المؤمنين علي عليه السلام إليه و هو الكتاب التاسع و الثلاثون قوله عليه السلام: من عبد الله على أمير المؤمنين إلى الأبتر بن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل شانئ محمد و آل محمد في الجاهلية و الاسلام- إلى آخر ما قال- و نحن نذكر في شرح ذلك الكتاب بعون الملك الوهاب ما قيل في عمرو بن العاص، فلنعد إلى بيان جمل الخطبة تم المجلد الخامس عشر من هذه الطبعة الجديدة النفيسة فى اليوم الثالث من ذى القعدة الحرام سنة- 1383- و ذلك بتصحيح و ترتيب من العبد- السيد ابراهيم الميانجى- عفى عنه، و الحمد لله رب العالمين و يليه انشاء الله المجلد السادس عشر.

الجزء السادس عشر

[تتمة باب المختار من خطب أمير المؤمنين ع و أوامره‏]

[تتمة الخطبة السادسة و الثلاثون و المأتان‏]

[تتمة المعنى‏]

[في شأن الحكمين و ذم أهل الشام‏]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ملهم الصواب، و الصلاة على حججه الذين اوتوا الحكمة و فصل الخطاب، سيما على سيد الأنبياء محمد المصطفى، و أفضل الأوصياء على المرتضى و بعد فهذا هو المجلد الثاني من «تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة» فهو المجلد السادس عشر من المنهاج و نسأل الله تعالى التوفيق و السداد و الهداية إلى الخير و الرشاد.

قوله عليه السلام: (جفاة طغام عبيد اقزام) صدر كلامه بمذام‏ أهل الشام‏ تنفيرا عنهم أى هم قوم غلاظ الطبع قساة القلب افظاظ، و طغام اى هم اوغاد الناس و اراذلهم و الطغام كالطعام خلاف الهمام، و عبيد انما لم يذكر متعلق‏ العبيد ليفيد التعميم و يذهب السامع إلى كل مذهب ممكن اى هم‏ عبيد الدينار و عبيد الدنيا و عبيد النفس و الهوى.

و قيل: او لأن بعضهم لم يكونوا أحرارا و كانوا عبيدا حقيقة و حيث ان اللفظ مهمل يصدق بالبعض.

اقزام‏ اى هم اراذل الناس و أدانيهم.

قوله عليه السلام: (جمعوا من كل أوب و تلقطوا من كل شوب) هاتان الجملتان كأنما تدلان على معنى واحد و مطلب فارد اى هم‏ جمعوا من كل‏ ناحية و تلقطوا من‏ فرق مختلطة يعني انهم ليسوا بقوم أصيل بل تلقط بعضهم من ههنا و بعضهم من ههنا و في الجملة الأخيرة إشارة لطيفة أيضا إلى أنهم أوباش الناس و أسقاطهم.

قوله عليه السلام: (ممن ينبغي أن يفقه و يؤدب و يعلم و يدرب) يعني انهم قوم جهال بمعزل عن الكتاب و الدين فينبغى ان يفقهوا، و غير متأدبين باداب الحق و غير معتادين بالعادات الجميلة من محاسن الأفعال و مكارم الأخلاق فينبغى ان يؤدبوا أي‏ يعلموا الأدب و يدربوا أى يعودوا بتلك العادات الحسنة.

و قري‏ء يذرب بالذال المعجمة أيضا يقال ذرب المرأة طفلها تذريبا إذا حملته حتى يقضى حاجته و هذه القراءة تناسب الجملة التالية الاتية اى انهم صبيان صغار و اطفال لا يقدرون على شي‏ء و ينبغي أن يربوا في حجر مرب و يعيشوا في حضانة حاضن و المراد ان القوم الذين لم يتفقهوا في الدين و لا يعلمون شيئا ينبغي أن يعلموا و يدربوا بل صبيان ينبغي أن يذربوا فأنى لهم ان تقوموا مقام الصديقين و يجلسوا مجلس النبيين و يعرفوا انفسهم بأنهم خليفة الله و رسوله و يأخذوا ازمة امور الناس و يلوا امورهم أ فمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون؟.

و قد قال عمار في خطبة خطب بها أهل الكوفة يستنفر الناس إلى أمير المؤمنين على عليه السلام: أيها الناس عليكم بإمام لا يؤدب و فقيه لا يعلم و صاحب بأس لا ينكل و ذي سابقة في الإسلام ليست لأحد، إلخ. و قد برهن في محله أن من أوصاف الإمام انه يجب أن يكون أفضل من جميع الرعايا في جميع الصفات الكمالية فهو لا يؤدب و لا يعلم و سيأتي تحقيقه في شرح الخطبة التالية إنشاء الله.

كنايه قوله عليه السلام: (و يولى عليه و يؤخذ على يديه) قرئ‏ يولى‏ بالتشديد و التخفيف و على الأول يقال: ولاه الأمر تولية إذا جعله واليا عليه، و على الثاني يقال اولى فلانا على اليتيم إذا أوصاه عليه و اولاه الأمر ايلاء إذا جعله واليا عليه. و هذا كناية عن كونهم سفهاء لا يستحقون أن يلوا أمرا و يفوض اليهم فان العقل و النقل معاضدان على قبح تولية الأمور بأيدى السفهاء و ولايتهم عليها قال عز من قائل:

و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما فكيف الأحكام الإلهية و الأمور الشرعية و ما فيها مصالح العامة و حقوق الرعية بل ينبغي أن يمنعوا من التصرف و يحجر عليهم كما يحجر على الصبي و السفيه لعدم رشدهم يقال: أخذ على يد فلان إذا منعه عما يريد أن يفعله فمن بلغ في الغباوة و السفاهة إلى هذا الحد فكيف يرضى العقل و يمضي أن يقتدى به و هل هذا إلا ظلم عظيم، ألا و ان الرعية الفاجرة تهلك‏ بالإمام الفاجر.

قوله عليه السلام: (ليسوا من المهاجرين و الأنصار و لا من الذين تبوأوا الدار) أى سكنوها و هي إشارة إلى قوله تعالى في سورة الحشر و الذين تبوؤا الدار و الإيمان من قبلهم‏ الاية و لذا جاء في بعض نسخ الخطبة: و لا من الذين تبوأوا الدار و الايمان و أجمع المفسرون بأن الدار هي المدينة و هي دار الهجرة تبوأها الأنصار قبل المهاجرين و كانوا من أهل المدينة اسلموا بها قبل هجرة الرسول بسنتين و بنوا بها المساجد و أثنى عليهم بقوله عز من قائل‏ و الذين تبوؤا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون‏ فالذين تبوأوا الدار هم طائفة من الأنصار فكرر ذكرهم تأكيدا.

و قال الفاضل الشارح المعتزلي بقوله: و أيضا فان لفظة الأنصار واقعة على كل من كان من الأوس و الخزرج الذين أسلموا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و الذين تبوأوا الدار و الايمان‏ في الاية قوم مخصوصون منهم و هم أهل الاخلاص‏ و الايمان‏ التام فصار ذكر الخاص بعد العام كذكره تعالى جبرئيل و ميكال ثم قال: و الملائكة بعد ذلك ظهيرا و هما من الملائكة.

و أقول: أما المهاجرون فهم الذين هاجروا بلادهم أى تركوها و صاروا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و أما الذين اسلموا من أهل المدينة الرسول قبل هجرته او بعد هجرته فيسمون أنصارا و قد اشبعنا الكلام فيه قبل و الذين تبوأوا الدار و الايمان‏ قوم مخصوص منهم و هم الذين أسلموا قبل هجرته صلى الله عليه و آله و لذا قيدنا كلامنا بقولنا هم طائفة من الأنصار فصار ذكر الخاص بعد العام بهذا المعنى.

ثم على نسخة و الايمان يكون الايمان متبوءا على الاستعارة و في الكافي عن الصادق عليه السلام: الايمان بعضه من بعض و هو دار و كذلك الاسلام دار و الكفر دار، و لما انهم ثبتوا على الايمان و اطمأنت قلوبهم به سماه متبوءا و منزلا لهم. و قدر غير واحد من المفسرين في الاية لازموا و نظائره اى تبوأوا الدار و لازموا الايمان مثل قوله:

و رأيت زوجك في الوغى‏متقلدا سيفا و رمحا

اى معتقلا رمحا لأن الرمح لا يتقلد به بل يعتقل به يقال: فلان تقلد سيفه و اعتقل رمحه و كقول الشاعر:

علفتها تبنا و ماء بارداحتى شنت همالة عيناها

اى علفتها تبنا و سقيتها ماء باردا و إنما كان قوله هذا ذما لهم لأن عدم اتصافهم بها نقصان لهم بالقياس إلى المتصفين بها، و من تتبع آثار السلف يجد أن السابقة في الاسلام و الهجرة تعد من الفضائل و المفاخر و المدائح و من كان اسبق اسلاما و اقدم هجرة من الاخر يفضل عليه.

قوله عليه السلام: (الا و ان القوم اختاروا لأنفسهم اقرب القوم مما يحبون و انكم اخترتم لأنفسكم اقرب القوم مما تكرهون).

يعني‏ بالقوم‏ الأول أهل الشام و بالأخيرين الناس و ما كانوا يحبونه الغلبة على أهل العراق و الظفر بهم و اقرب الناس لهم من غرضهم ذلك هو عمرو بن العاص و إنما كان اقرب الناس إلى وصول غرضهم بمكره و حيله و خدائعه و ميله إلى معاوية و اتباعه اثره اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه و ينتظر ما يلقى اليه من فضل فريسته.

و الخطاب في انكم و اخواته إلى أهل العراق و ما يكرهه أهل العراق هو بعينه ما يحبه أهل الشام و هو صيرورة الأمر إلى معاوية بخذلان أهل العراق و انكسارهم و اقرب الناس منه أبو موسى الأشعرى إما لغباوته و سفاهته و فساد رأيه لأنه كان رجلا كليل الشفرة قريب القعر مدهوش الجنان و هو كما عرفه عمرو بن العاص حين تشاجرا:و انما مثله مثل الحمار يحمل اسفار الاية أو لبغضه عليا عليه السلام و انحرافه عنه لأنه عليه السلام عزله عن الكوفة لما قتل عثمان لما دريت من ترجمة الرجل من قبل و ما قال حذيفة فيه و غير ذلك مما قدمنا ذكره.

قوله عليه السلام: (و إنما عهدكم بعبد الله بن قيس بالأمس يقول: إنها فتنة فقطعوا أوتاركم و شيموا سيوفكم فان كان صادقا فقد اخطأ بمسيره غير مستكره و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة) عبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعرى كما دريت من ترجمته و المراد بالأمس‏ واقعة الجمل فانها كانت قبل واقعة صفين و التعبير بالأمس‏ كناية عن عدم مضي زمان طويل منها و عن انهم قريب العهد بها فلا يتأتى لهم انكار ما سمعوا من أبي موسى في الأمس و ادعاء الغفلة و النسيان عنه و كان أبو موسى ينهى أهل العراق عن نصرته عليه السلام عند مسيره إلى أهل البصرة و يأمرهم بالاعتزال عن الحرب و كان يرى أن قتال أهل القبلة فتنة يجب الاعتزال عنها و يقول: انها فتنة فقطعوا أوتاركم‏ يعني‏ أوتار قسيكم‏ و شيموا سيوفكم‏ اى اغمدوها، كناية عن ترك القتال و الاجتناب عنه.

«كلام أبى موسى الأشعرى لأهل الكوفة و نهيه اياهم عن نصرة» «أمير المؤمنين على عليه السلام بعد ما استنفر الناس اليه عليه السلام» «الحسن بن على و عمار بن ياسر عند مسيره عليه السلام إلى أهل البصرة»

قال أبو مخنف: ان أمير المؤمنين عليا عليه السلام لما توجه من المدينة إلى البصرة خطب الحسن بن علي عليه السلام و عمار بن ياسر أهل الكوفة يستنفران الناس إلى علي عليه السلام و بعد ما نقل خطبتهما قال: حدثنا الكلبي عن أبي صالح أن أبا موسى الأشعرى لما سمع خطبة الحسن و عمار قام فصعد المنبر و قال:

الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد فجمعنا بعد الفرقة و جعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة و حرم علينا دمائنا و أموالنا قال الله سبحانه‏ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل* و قال تعالى: و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها فاتقوا الله عباد الله و ضعوا أسلحتكم و كفوا عن قتال إخوانكم، أما بعد يا أهل الكوفة إن تطيعوا الله باديا و تطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوى إليكم المضطر و يأمن فيكم الخائف، إن عليا إنما يستنفركم لجهاد امكم عائشة و طلحة و الزبير حواري رسول الله صلى الله عليه و آله و من معهم من المسلمين و أنا أعلم بهذه الفتن، أنها إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت أسفرت. إني أخاف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا ثم يتركا كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض ثم يبقى رجرجة من‏ الناس لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن منكر إنها قد جائتكم فتنة كافرة لا يدرى من أين تؤتى، تترك حيران كأني أسمع رسول الله صلى الله عليه و آله بالأمس يذكر الفتن فيقول: أنت فيها نائما خير منك قاعدا و أنت فيها جالسا خير منك قائما و أنت فيها قائما خير منك ساعيا فشيموا سيوفكم و قصفوا رماحكم و انصلوا سهامكم و قطعوا أوتاركم و خلوا قريشا ترتق فتقها و تراب صدعها فان فعلت فلأنفسها ما فعلت و إن أبت فعلى أنفسها ما جنت، سمها في أديمها استنصحوني و لا تستغثوني و أطيعوني و لا تعصوني يتبين لكم رشدكم و تصلي هذه الفتنة من جناها.

قال: فقام إليه عمار بن ياسر فقال: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول ذلك؟

قال: نعم، هذه يدي بما قلت: فقال: إن كنت صادقا فإنما عناك بذلك وحدك و اتخذ عليك الحجة فالزم بيتك و لا تدخلن في الفتنة أما اني أشهد أن رسول الله صلى الله عليه و آله أمر عليا بقتال الناكثين و سمي لي فيهم من سمى و أمره بقتال القاسطين و إن شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه و آله إنما نهاك وحدك و حذرك من الدخول في الفتنة ثم قال له: أعطنى يدك على ما سمعت فمد إليه يده فقال له عمار: غلب الله من غالبه و جاحده ثم جذبه فنزل عن المنبر.

أقول: و سيأتي تمام الكلام في شرح الكتاب الأول من باب المختار من كتبه عليه الصلاة و السلام.

ثم إن كلامه عليه السلام هذا احتجاج عليهم في اختيارهم أبا موسى للحكومة و صورة الاحتجاج: انكم يا أهل العراق قريبو العهد بقول أبي موسى يقول لكم عند مسيرى إلى أهل البصرة: هذه هي‏ الفتنة التي وعدنا بها و أمرنا بالاعتزال عنها فقطعوا أوتاركم و شيموا سيوفكم‏، فان كان أبو موسى في قوله هذا صادقا فقد أخطأ بمسيره‏ الينا و حضوره معنا في صفين و تكثيره سواد أهل العراق حالكونه‏ غير مستكره‏ في ذلك أي لم يكرهه و لم يجبره أحد في ذلك حتى يقال انه حضره مستكرها و إن لم يحارب و لم يسل السيف، و إن كان كاذبا و مختلفا فيه‏ فقد لزمته التهمة أى الكذب و الاختلاق فهو فاسق بكذبه، فعلى التقديرين صدق ام كذب قبح جعله حكما و لا ينبغي‏ حكومته في هذا الأمر الخطير الجليل و الاعتماد عليه فيه.

و قال الشارح الفاضل المعتزلي: هذا الكلام منه عليه السلام يؤكد صحة إحدى الروايتين في أمر أبي موسى فانه قد اختلفت الرواية هل حضر حرب صفين مع أهل العراق أم لا؟ فمن قال: حضر قال: حضر و لم يحارب و ما طلبه يمانيون من أصحاب علي عليه السلام ليجعلوه حكما كالأشعث بن قيس و غيره إلا و هو حاضر معهم في الصف و لم يكن منهم على مسافة و لو كان منهم على مسافة لما طلبوه و لكان لهم فيمن حضر غناء عنه، و لو كان على مسافة لما وافق علي عليه السلام على تحكيمه و لا كان علي عليه السلام ممن يحكم من لم يحضر معه و قال الأكثرون: إنه كان معتزلا للحرب بعيدا عن أهل العراق و أهل الشام.

ثم قال: فإن قلت: فلم لا يحمل قوله عليه السلام‏ فإن كان صادقا فقد أخطأ بسيره غير مستكره على مسيره‏ إلى أمير المؤمنين عليه السلام و أهل العراق حيث طلبوه ليفوضوا إليه أمر الحكومة؟

قلت: لو حملنا كلامه عليه السلام على هذا لم يكن لازما لأبي موسى و كان الجواب عنه هينا و ذلك لأن أبا موسى يقول: إنما أنكرت الحرب و ما سرت لاحارب و لا لأشهد الحرب و لا لاغرى بالحرب و إنما سرت للاصلاح بين الناس و اطفاء نائرة الفتنة فليس يناقض ما رويته عن الرسول من خبر الفتنة و لا ما قلته في الكوفة في واقعة الجمل فقطعوا أوتار قسيكم. انتهى ما اردنا من نقل كلامه.

أقول: إن أبا موسى حضر صفين و لم يحارب و لم يسل السيف كما نقلنا من قبل عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم و تاريخ أبي جعفر الطبرى ان القوم لما صفحوا عن رأى أمير المؤمنين علي عليه السلام و عصوه و أبوا إلا أبا موسى حكما لأهل العراق بعثوا إلى أبي موسى و قد اعتزل بأرض من أرض الشام يقال لها: عرض و اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال: إن الناس قد اصطلحوا فقال: الحمد لله رب العالمين، قال:و قد جعلوك حكما قال: إنا لله و إنا اليه راجعون فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي عليه السلام.

ثم إن قول القائل: و ما طلبه يمانيون إلا من كان حاضرا معهم و لو كان‏ على مسافة لما طلبوه و لكان لهم فيمن حضر غناء عنه، بديهي البطلان و يظهر وهنه بأدنى تأمل على أن ما سمعت من أهل النقل و حملة الاثار من أن أهل الشام لما رأوا انكسارهم و خذلانهم رفعوا المصاحف بالرماح خديعة و دهاء و مكيدة حتى أن أجمع الفريقان على أن يحييا ما أحيى القرآن و أن يميتا ما أمات القرآن ثم رجع كل فريق إلى أصحابه و قال الناس: قد رضينا بحكم القرآن فقال أهل الشام: فانا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص و قال الأشعث و القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد: فانا قد رضينا و اخترنا أبا موسى الأشعرى فقال لهم علي عليه السلام: إني لا أرضي بأبى موسى و لا أرى أن أوليه فقال الأشعث و يزيد بن حصين الطائى و مسعر بن فدكى في عصابة من القراء: إنا لا نرضي إلا به فانه قد حذرنا ما وقعنا فيه فعمدة ما استمسكوا بها في اختيارهم أبا موسى انه حذرهم عن الحرب و غير ذلك مما مر و لا فائدة في الاعادة و الاطالة و لا يخفى ان حضوره عندهم و غيابه عنهم سيان في غرضهم ذلك فالاحتمالات التي ذكرها القائل واهية موهونة جدا.

و أوهن منها ما قال: لو كان على مسافة لما وافق علي عليه السلام على تحكيمه و لا كان على ممن يحكم من لم يحضر معه، لأنه عليه السلام كان كارها و مستكرها و غير موافق في أبي موسى و حكينا من نصر و أبي جعفر الطبرى و غيرهما آنفا انه عليه السلام قال:

فان أبا موسى ليس لي برضا و قد فارقني و خذل الناس عني ثم هرب حتى أمنته بعد أشهر و لكن هذا ابن عباس اوليه ذلك قالوا: و الله ما نبالي أنت كنت او ابن عباس لا نريد إلا رجلا هو منك و من معاوية سواء ليس إلى واحد منكما بأدنى من الاخر قال علي: فاني أجعل الأشتر قال الأشعث: و هل سعر الأرض علينا غير الأشتر و هل نحن إلا في حكم الأشتر قال له علي عليه السلام: و ما حكمه؟ قال: حكمه ان يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكونن ما أردت و ما أراد إلى آخر ما نقلنا. و يقول عليه السلام:في هذه الخطبة أيضا: فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العباس‏.

و مع الاغماض و الصفح عن ذلك كله و لو قيل إن أبا موسى لم يحضر صفين قط و ما شهد حربا قلنا فقد أخطأ أيضا بمسيره‏ إلى القوم ليفوضوا اليه أمر الحكومة و لزمته التهمة لأنه روى كما نقلنا من قبل عن ابن عبد البر في الاستيعاب و المسعودى في مروج الذهب و نصر بن مزاحم في كتاب صفين و أبي محمد بن متويه المعتزلي و غيرهم عن سويد بن غفلة حيث قال: كنت مع أبى موسى على شاطي الفرات في خلافة عثمان فروى لي خبرا عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: سمعته يقول: إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلا و أضلا من اتبعهما و لا ينفك امر امتي حتى يبعثوا حكمين يضلان و يضلان من تبعهما فقلت له: احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما فخلع قميصه و قال: ابرء إلى الله من ذلك كما ابرء من قميصى هذا.

فنقول: إما أن يكون في نقل الخبر صادقا او كاذبا فان كان صادقا فهو الضال المضل و قد اخطأ بمسيره اليهم و دخوله في الحكومة فكيف يجوز أن يقول: انما سرت للاصلاح بين الناس و اطفاء نائرة الفتنة من شهد على نفسه بالضلال و الاضلال و كيف لا يناقض بعض قوله بعضا و هل هذا إلا التهافت.

و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة فهو فاسق فلا ينبغي الاعتماد عليه في هذا الخطب الخطير و قد كان في القوم من لم يكن فيه تلك التهمة و سوء الظن مع قوة العقل و صحة النظر و ظهور النصح مع جواز أن يكون رضاه لحب الحكومة فان الملك عقيم و للانتقام من على عليه السلام لما قد نقلنا من ابن عبد البر و غيره بعد ذكر عزله عليه السلام اياه عن الكوفة فلم يزل واجدا على على عليه السلام حتى جاء فيه ما قال حذيفة:إلى آخر ما نقلنا في ترجمة أبى موسى.

و سيأتى تمام الكلام فيه في كتابه عليه السلام الثالث و الستين اليه قوله عليه السلام من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد فقد بلغنى إلخ فارتقب.

بيان في مروج الذهب للمسعودى نقلت الرواية عن سويد بن علقمة و في غيره عن سويد بن غفلة و الأخير صواب و ما في مروج الذهب تصحيف من النساخ قال العلامة الحلى قدس سره في الخلاصة: قال البرقى إنه من اولياء أمير المؤمنين عليه السلام و هو سويد بن غفلة الجعفى، و في منتهى المقال في أحوال الرجال لأبى على نقلا عن مختصر تذكرة الذهبى: ولد عام الفيل او بعده بعامين و أسلم و قد شاخ فقدم المدينة و قد فرغوا من دفن المصطفى صلى الله عليه و آله- إلى ان قال: و كان ثقة نبيلا عابدا زاهدا قانعا باليسير كبير الشأن يكنى أبا امية، و قيل الجغفى بالغين المعجمة.

قوله عليه السلام: (فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العباس) يعني نحوه‏ بابن العباس‏ و اضربوا صدره‏ به، اى اجعلوا عبد الله بن العباس‏ حكما مقابلا لعمرو بن العاص‏ حتى يدفعه عما يريد، و قد نقلنا قبل من كتاب صفين (ص 270 طبع ايران الناصرى) لنصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام قال: لما أراد الناس عليا عليه السلام على أن يضع حكمين قال لهم على:

إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من‏ عمرو بن العاص‏ و انه لا يصلح للقرشي إلا مثله فعليكم‏ بعبد الله بن العباس‏ فارموه به فان عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله و لا يحل عقدة إلا عقدها و لا يبرم أمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلا أبرمه، فقال الأشعث: لا و الله لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة و لكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذا جعلوا رجلا من مضر فقال علي عليه السلام: إني أخاف أن يخدع يمنيكم فان عمرا ليس من الله في شي‏ء حتى إذا كان له في أمر هواه فقال الأشعث:و الله لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحب الينا من أن يكون ما نحب في حكمهما و هما مضريان، قال علي عليه السلام: قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا: نعم، قال: فاصنعوا ما أردتم، و في رواية اخرى فاصنعوا ما شئتم اللهم إني أبرء إليك من صنيعهم.

قوله عليه السلام: (و خذوا مهل الأيام) اى لا تهملوا المهلة فاغتنموا سعة الأيام‏ و فسحتها قبل أن تضيق و تفوت عنكم فاعملوا فيها ما ينبغي لكم.

قوله عليه السلام: (و حوطوا قواصي الإسلام) اى احفظوا نواحى بلاد الاسلام‏ و حدودها و أطرافها.

أقول: لما بلغ شرحنا إلى هنا كتب إلي صديق لي كتابا أظهر فيه شكوى إلى و أبرز حاجة، و طلب الإفتاء في رؤياء، و الرجل و إن كان ذا فضل لكنه لم يكن عارفا بالعلوم العربية حتى النحو و لغة العرب فذهبت إليه فأشكيته ثم انجر الكلام إلى مكتوبه فقال: أما الشكوى فإن بي شكاة مدة شهرين و لم تعدني، فأعذرته‏ بعدم العلم به، فقال: أما الحاجة فإلى مجلد من ناسخ التواريخ في ترجمة عيسى روح الله عليه السلام، و أما الرؤياء فرأيت في المنام أني اسافر معك حتى انتهينا إلى ثقب جبل فجاوزناه فاوينا إلى ناحية فاذن ان بي حيرة في أمري اقدم رجلا و أؤخر اخرى و لكنك جالس فرحا مبتهجا و حولك كتب كثيرة و أمعنت في الكتابة كأنك شاغل بتأليف كتاب فاسترقت البصر فرأيت أنك كتبت «حوطو».

فلما أخبرته بشرحنا هذا و أنه بلغ إلى قوله عليه السلام: «حوطوا قواصي الاسلام» عجب، و عجبت أيضا و لعمرى أن الرجل لم يكن مطلعا على أمرى و كنت غائبا عنه منذ سنة و بذلك تفألت بالخير في اقبالي إلى هذا الشرح المنيف و إقدامي عليه و أرجو من الله أن يوفقني للاتمام فانه ولي التوفيق و أن يجعل نفعه أعم و فائدته أتم.

اللهم آمين، و يرحم الله عبدا قال آمينا.

كنايه قوله عليه السلام: (ألا ترون إلى بلادكم تغزى و إلى صفاتكم ترمي) قد مر ان الصفاة في الأصل الحجر الصلد الضخم لا ينبت و لا تنفذ فيها السهام و هذه الكلمة كما يستفاد من مواضع كثيرة من استعمالهم يكني بها عن عرض الرجل و حيطته و حوزته و نظائرها مما لها شأن و يقال: فلان رمي صفاة فلان إذا دهاه بداهية قال ابن عم لأبي موسى مخاطبا إياه كما في كتاب صفين لنصر (ص 300 الطبع الناصري):

أبا موسى بليت فكنت شيخاقريب القعر مدهوش الجنان‏
رمي عمرو صفاتك يا ابن قيس‏بأمر لا تنوء به اليدان‏

و فلان لا تقرع له صفاة اى لا يناله أحد بسوء و لا يطمع فيه فقوله عليه السلام‏ ألا ترون‏ إلى آخره ترغيب لهم في حفظ حوزة الاسلام‏ و صيصيته و حياطة قواصي بلاده و تهييج لهم في دفع أيدى الأجانب عن بيضة الاسلام و أهله.

فاستثار عليه السلام نفوسهم بأن العدو طمع فيهم و قصد بلادهم و رمي صفاتهم حتى لا تفرق كلمتهم و لا تشتت وحدتهم فتذهب ريحهم و العدو هو معاوية الطغام و أتباعه الفجرة اللئام من أهل الشام.

ثم قال الشارح الفاضل المعتزلي: قوله عليه السلام‏ الا ترون‏ إلى آخره يدل على أن هذه الخطبة بعد انقضاء أمر التحكيم لأن معاوية بعد أن تم على أبى موسى من الخديعة ما تم استعجل أمره و بعث السرايا إلى اعمال علي عليه السلام، يقول: قد بلغت غارات أهل الشام حدود الكوفة التي هي دار الملك و سرير الخلافة و ذلك لا يكون إلا بعد الاثخان في غيرها من الأطراف.

أقول: كلامه عليه السلام‏ فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العباس‏ يدل على أن هذه الخطبة صدرت منه عليه السلام في أثناء تشاجر القوم في اختيار الحكمين كما نقلنا قولا آخر نظيره منه عليه السلام: فعليكم بعبد الله بن العباس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله إلى آخر ما مر آنفا، و لو كان بعد انقضاء التحكيم لما كان لكلامه عليه السلام ذلك مجال.

بل الظاهر من صورة احتجاجه عليه السلام عليهم يدل على أن الخطبة قبل انقضاء أمر التحكيم و إنما قالها عليه السلام توبيخا لهم بسوء رأيهم و قبح اختيارهم في أبي موسى و تنبيها لهم بأن‏ ابن العباس‏ ينبغي أن يجعل قبال‏ ابن العاص‏ و لا ينافي هذا قوله عليه السلام‏ أ لا ترون إلى بلادكم تغزى و إلى صفاتكم ترمى‏ لأن‏ أهل الشام‏ قبل انقضاء أمر التحكيم أيضا كانوا يغزون بلادهم و يرمون صفاتهم و طمعوا فيهم حتى فعلوا ما فعلوا، على انه يمكن أن يكون على صورة الاخبار حثالهم على اغتنام الفرصة و حياطة بيضة الاسلام و ايقاظا لهم بان الأعداء قد أشرفوا عليهم لو ذهبوا إلى رأيهم الفاسد و نظرهم الكاسد.

 «بحث كلامى»

«نقل مسألتين من تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى علم الهدى» «في ايراد شبهات و أجوبتها في المقام»

ذكر علم الهدى رضوان الله عليه في قسم تنزيه الأئمة من كتابه الموسوم بتنزيه الأنبياء عدة شبهات ربما تورد في المقام ثم تصدى للجواب عنها و نحن‏

نكتفي بمجرد نقلها عنه من غير بسط و زيادة منا قال رحمه الله:

«المسألة الأولى»

فان قيل: فما الوجه في تحكيمه عليه السلام أبا موسى الأشعرى و عمرو بن العاص و ما العذر في أن حكم في الدين الرجال؟ و هذا يدل على شكه في امامته و حاجته إلى علم (علمه- خ ل) بصحة طريقته.

ثم ما الوجه في تحكيمه فاسقين عنده عدوين له؟ أو ليس قد تعرض بذلك لأن يخلعا امامته و يشككا الناس فيه و قد مكنهما من ذلك بأن حكمهما و كانا غير متمكنين منه و لا أقوالهما حجة في مثله؟.

ثم ما العذر في تأخيره جهاد المرقة الفسقة و تأجيله ذلك مع امكانه و استظهاره و حضور ناصره؟

ثم ما الوجه في محو اسمه من الكتاب بالامامة و تنظره بمعاوية في ذكر نفسه بمجرد الاسم المضاف إلى الأب كما فعل ذلك به و أنتم تعلمون أن بهذه الأمور ضلت الخوارج مع شدة تخشنها في الدين و تمسكها بعلائقه و وثائقه؟

«الجواب عن الشبهة الأولى»

قلنا: كل أمر ثبت بدليل قاطع غير محتمل فليس يجوز أن نرجع عنه و نتشكك فيه لأجل أمر محتمل و قد ثبتت امامة أمير المؤمنين عليه السلام و عصمته و طهارته من الخطاء و براءته من الذنوب و العيوب بأدلة عقلية و سمعية فليس يجوز أن نرجع عن ذلك أجمع و لا عن شي‏ء منه لما وقع من التحكيم المحتمل للصواب بظاهره و قبل النظر فيه كاحتماله للخطاء و لو كان ظاهره أقرب إلى الخطاء و أدنى إلى مخالفة الصواب بل الواجب في ذلك القطع على مطابقة ما ظهر من المحتمل لما ثبت بالدليل و صرف ما له ظاهر عن ظاهره و العدول به إلى موافقة مدلول الدلالة التي لا يختلف مدلولها و لا يتطرق عليها التأويل و هذا فعلنا فيما ورد من آى القرآن التي تخالف بظاهرها الأدلة العقلية مما يتعلق به الملحدون او المجبرة او المشبهة، و هذه جملة قد كررنا ذكرها في كتابنا هذا لجلالة موقعها من الحجة و لو اقتصرنا في حل هذه الشبهة عليها لكانت مغنية كافية كما أنها كذلك فيما ذكرناه من الأصول لكنا نزيد وضوحا في تفصيلها و لا نقتصر عليها كما لم نفعل ذلك فيما صدرنا به هذا الكتاب من الكلام في تنزيه الأنبياء عليهم السلام عن المعاصي.

فنقول: إن أمير المؤمنين عليه السلام ما حكم مختارا بل احوج إلى التحكيم و الجي‏ء إليه لأن أصحابه عليه السلام كانوا من التخاذل و التقاعد و التواكل إلا القليل منهم على ما هو معروف مشهور و لما طالت الحرب و كثر القتل و جل الخطب ملوا ذلك و طلبوا مخرجا من مقارعة السيوف و اتفق من رفع أهل الشام المصاحف و التماسهم الرجوع اليها و اظهارهم الرضا بما فيها ما اتفق بالحيلة التي نصبها عدو الله عمرو ابن العاص و المكيدة التي كادبها لما أحس بالبوار و علو كلمة أهل الحق و أن معاوية و جنده مأخوذون قد علتهم السيوف و دنت منهم الحتوف فعند ذلك وجد هؤلاء الأغنام طريقا إلى الفرار و سبيلا إلى وقوف أمر المناجزة و لعل منهم من دخلت عليه الشبهة لبعده عن الحق و علظ فهمه و ظن أن الذي دعى اليه أهل الشام من التحكيم و كف الحرب على سبيل البحث عن الحق و الاستسلام للحجة لا على وجه المكيدة و الخديعة فطالبوه عليه السلام بكف الحرب و الرضا بما بذله القوم فامتنع عليه السلام من ذلك امتناع عالم بالمكيدة ظاهر على الحيلة و صرح لهم بأن ذلك مكر و خداع فأبوا و لجوا فأشفق عليه السلام في الامتناع عليهم و الخلاف لهم و هم جمة عسكره و أصحابه من فتنة صماء هي أقرب اليه من حرب عدوه و لم يأمن أن يتعدى ما بينه و بينهم إلى أن يسلموه إلى عدوه أو يسفكوا دمه.

فأجاب إلى التحكيم على مضض و ود من كان قد أخذ بخناق معاوية و قارب تناوله و أشرف على التمكن منه (منهم- خ ل) حتى أنهم قالوا للأشتر رحمه الله تعالى و قد امتنع من أن يكف عن القتال و قد أحس بالظفر و أيقن بالنصر: أ تحب انك ظفرت ههنا و أمير المؤمنين عليه السلام عند رفعهم المصاحف اتقوا الله و امضوا على حقكم فان القوم ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن و أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا و رجالا فكانوا شر أطفال و شر رجال انهم و الله ما رفعوا المصاحف ليعملوا بها و انما رفعوها خديعة و دهاء و مكيدة، فأجاب عليه السلام إلى التحكيم‏ دفعا للشر القوى بالشر الضعيف و تلافيا للضرر الأعظم بتحمل الضرر الأيسر.

و أراد أن يحكم من جهته عبد الله بن العباس رحمة الله عليه فأبوا عليه و لجوا كما لجوا في أصل التحكيم و قالوا: لا بد من يماني مع مصرى فقال عليه السلام: فضموا الأشتر و هو يماني إلى عمرو فقال الأشعث بن قيس: الاشتر هو الذى طرحنا فيما نحن فيه و اختاروا أبا موسى مقترحين له عليه عليه السلام ملزمين له تحكيمه فحكمهما بشرط أن يحكما بكتاب الله تعالى و لا يتجاوزاه و انهما متى تعدياه فلا حكم لهما و هذا غاية التحرز و نهاية التيقظ لأنا نعلم أنهما لو حكما بما في الكتاب لأصابا الحق و علما أن أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام أولى بالأمر و أنه لاحظ لمعاوية و ذويه في شي‏ء منه، و لما عدلا إلى طلب الدنيا و مكر أحدهما بصاحبه و نبذا الكتاب و حكمه وراء ظهورهما خرجا من التحكيم و بطل قولهما و حكمهما و هذا بعينه موجود في كلام أمير المؤمنين عليه السلام لما ناظر الخوارج و احتجوا عليه في التحكيم و كل ما ذكرناه في هذا الفصل من ذكر الأعذار في التحكيم و الوجوه المحسنة له مأخوذ من كلامه عليه السلام و قد روى عنه عليه السلام مفصلا مشروحا.

«الجواب عن الشبهة الثانية»

فأما تحكيمهما مع علمه بفسقهما فلا سؤال فيه إذ كنا قد بينا أن الاكراه وقع على أصل الاختيار و فرعه و أنه عليه السلام الجي‏ء إليه جملة ثم إلى تفصيله و لو خلي عليه السلام و اختياره ما أجاب إلى التحكيم أصلا و لا رفع السيف (السيوف- خ ل) عن أعناق القوم لكنه أجاب اليه ملجئا كما أجاب إلى من اختاره و بعينه كذلك و قد صرح عليه السلام بذلك في كلامه حيث يقول: لقد أمسيت أميرا و أصبحت مأمورا و كنت أمس ناهيا و أصبحت اليوم منهيا و كيف يكون التحكيم منه عليه السلام دالا على الشك و هو عليه السلام ناه عنه و غير راض به و مصرح بما فيه من الخديعة و إنما يدل ذلك على شك من حمله عليه و قاده اليه.

و إنما يقال: إن التحكيم يدل على الشك إذا كنا لا نعرف سببه و الحامل عليه او كان لا وجه له إلا ما يقتضي الشك، فأما إذا كنا قد عرفنا ما اقتضاه و ادخل‏ فيه و علمنا انه عليه السلام ما أجاب اليه إلا لدفع الضرر العظيم و لأن يزول الشبهة عن قلب من ظن به عليه السلام أنه لا يرضى بالكتاب و لا يجيب إلى تحكيمه، فلا وجه لما ذكروه، و قد أجاب عليه السلام عن هذه الشبهة بعينها في مناظرتهم لما قالوا له:أ شككت؟ فقال: عليه السلام أنا أولى بأن لا أشك في ديني أم النبي صلى الله عليه و آله أو ما قال الله تعالى لرسوله: قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين‏.

و أما قول السائل فانه عليه السلام تعرض لخلع امامته و مكن الفاسقين من أن يحكما عليه بالباطل فمعاذ الله أن يكون كذلك لأنا قد بينا أنه عليه السلام إنما حكمهما بشرط لو وفيا به و عملا عليه لأقرا امامته و أوجبا طاعته لكنهما عدلا عنه فبطل حكمهما فما مكنهما مع خلع امامته و لا تعرض منهما لذلك و نحن نعلم أن من قلد حاكما أو ولي أميرا ليحكم بالحق و يعمل بالواجب فعدل عما شرطه و خالفه لا يسوغ القول بأن من ولاه عرضه للباطل و مكنه من العدول عن الواجب و لم يلحقه شي‏ء من اللوم بذلك بل كان اللوم عائدا على من خالف ما شرط عليه.

«الجواب عن الشبهة الثالثة»

فأما تأخيره جهاد الظالمين و تأجيل ما يأتي من استيصالهم فقد بينا العذر فيه و أن أصحابه عليه السلام تخاذلوا و تواكلوا و اختلفوا و أن الحرب بلا أنصار و بغير أعوان لا يمكن و المتعرض لها مغرر بنفسه و أصحابه.

«الجواب عن الشبهة الرابعة»

فأما عدوله عن التسمية بأمير المؤمنين و اقتصاره على التسمية المجردة فضرورة الحال دعت اليها و قد سبقه إلى مثل ذلك سيد الأولين و الاخرين رسول الله صلى الله عليه و آله في عام الحديبية و قصته مع سهل بن عمرو و أنذره عليه السلام بأنه سيدعي إلى مثل ذلك و يجيب على مضض فكان كما أنذر و خبر رسول الله صلى الله عليه و آله و اللوم بلا اشكال زائل عما اقتدى فيه بالرسول صلى الله عليه و آله و هذه جملة تفصيلها يطول يطول و فيها لمن أنصف من نفسه بلاغ و كفاية.

«المسألة الثانية»

فان قيل: فإذا كان عليه السلام من أمر التحكيم على ثقة و يقين فلم روى عنه عليه السلام‏ أنه كان يقول بعد التحكيم في مقام بعد آخر: لقد عثرت عثرة لا أنحبر سوف أكيس بعدها و أستمر و أجمع الرأى (الشمل- خ ل) الشتيت المنتشر أ و ليس هذا إذعانا بأن التحكيم جرى على خلاف الصواب؟

«الجواب»

قلنا: قد علم كل عاقل قد سمع الأخبار ضرورة أن أمير المؤمنين عليه السلام و أهله و خلصاء شيعته و أصحابه كانوا من أشد الناس إظهارا لوقوع التحكيم من الصواب و السداد موقعه و أن الذى دعى اليه حسن و التدبير أوجبه و انه عليه السلام ما اعترف قط بخطاء فيه و لا أغضي عن الاحتجاج فيمن شك فيه و ضعفه كيف؟ و الخوارج إنما ضلت عنه و عصته (عاصته- خ ل) و خرجت عليه لأجل أنها أرادته على الاعتراف بالزلل في التحكيم فامتنع كل امتناع و أبى أشد إباء و قد كانوا يقنعون منه و يعاودون طاعته و نصرته بدون هذا الذي أضافوه اليه عليه السلام من الإقرار بالخطاء و اظهار التندم و كيف يمتنع من شي‏ء و يعترف بأكثر منه و يغضب من جزء و يجيب إلى كل هذا مما لا يظنه عليه السلام أحد ممن يعرفه حق معرفته.

و هذا الخبر شاذ ضعيف فإما أن يكون باطلا موضوعا أو يكون الغرض فيه غير ما ظنه القوم من الاعتراف بالخطاء في التحكيم. فقد روى عنه عليه السلام معني هذا الخبر و تفسير مراده منه و نقل من طرق معروفة موجودة في كتب أهل السير أنه عليه السلام لما سئل عن مراده بهذا الكلام قال: كتب إلى محمد بن أبي بكر بأن أكتب له كتابا في القضاء يعمل عليه فكتبت له ذلك و أنفذته اليه فاعترضه معاوية فأخذه فتأسف عليه السلام (فاسف- خ ل) على ظفر عدوه بذلك و أشفق من أن يعمل بما فيه من الأحكام و يوهم ضعفة أصحابه أن ذلك من علمه و من عنده فتقوى الشبهة به عليهم، و هذا وجه صحيح يقتضى التأسف و التندم و ليس في الخبر المتضمن للشعر ما يقتضى أن تندمه كان على التحكيم دون غيره و إذا جاءت رواية بتفسير ذلك عنه عليه السلام كان الأخذ بها أولى.

انتهى كلامه رحمه الله تعالى‏.

هداية و ارشاد

قد ذكرنا بعضا من الأشعار القديمة ممن شهد صفين مع أمير المؤمنين علي عليه السلام وصفوه عليه السلام بانه وصي رسول الله صلى الله عليه و آله و عرفوه بذلك و قائلوها سنام المسلمين من الصحابة و غيرهم و كبارهم في صدر الاسلام و عليهم تثنى الخناصر، و كذا نرى كثيرا من الأشعار يجل عن الاحصاء المقولة في وقعة الجمل و غيرها المتضمنة كونه عليه السلام وصي رسول الله صلى الله عليه و آله و من نظر فيها بعين الدراية و الانصاف رأى أن الحق ما ذهب اليه الطائفة الحقة المحقة إلامامية الاثنا عشرية و قاطبة الشيعة في خلافته و إمامته عليه السلام لأن هذه الكلمة الصادرة من هؤلاء العظام مع قربهم بزمان رسول الله صلى الله عليه و آله بل ادراك كثير منهم اياه مما يعتني بها و يبجلها من يطلب الحق و يبحث عنه و نحن نذكر شر ذمة منها ههنا تذكرة و تنبيها لأولى الدراية و النهى و نذكر الأشعار و ندع ذكر الوقائع التي قيل الشعر فيها ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقرى و هو من قدماء رجال الحديث مدحه الفريقان بالتوثيق (ص 12 الطبع الناصرى) قال جرير أبياتا منها:

أتانا كتاب علي فلم‏نرد الكتاب بأرض العجم‏
رسول المليك و من بعده‏خليفتنا القائم المدعم‏
عليا عنيت وصي النبي‏يجالد عنه غوات الأمم‏
له الفضل و السبق و المكرمات‏و بيت النبوة لا يهتضم‏

و فيه (ص 15): و مما قيل على لسان الأشعث:

أتانا الرسول رسول علي‏فسر بمقدمه المسلمونا
رسول الوصي وصي النبي‏له الفضل و السبق في المؤمنينا

ثم قال: و مما قيل على لسان الأشعث أيضا:

أتانا الرسول رسول الوصي‏علي المهذب من هاشم‏
رسول الوصي وصي النبي‏و خير البرية من قائم‏
وزير النبي و ذى صهره‏و خير البرية في العالم‏
و خير البرية في العالم‏له الفضل و السبق بالصالحات‏

و فيه (ص 28) كتب جرير إلى شرحبيل أبياتا منها:

و ما لعلي في ابن عفان سقطةبأمر و لا جلب عليه و لا قتل‏
وصي رسول الله من دون أهله‏و فارسه الأولى به يضرب المثل‏

و في بعض النسخ: و فارسه الحامي به يضرب المثل و فيه (ص 73) قال النجاشي:

رضينا بما يرضى علي لنا به‏و إن كان فيما يأت جدع المناخر
وصي رسول الله من دون أهله‏و وارثه بعد العموم الأكابر

و فيه (ص 204) قال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:

و أيقنوا أن من أضحى يخالفكم‏أضحى شقيا و أضحى نفسه خسرا
فيكم وصي رسول الله قائدكم‏و أهله و كتاب الله قد نشرا
و لا تخافوا ضلالا لا أبالكم‏سيحفظ الدين و التقوى لمن صبرا

و فيه (ص 222) قال الفضل بن عباس:

و قلت له لو بايعوك تبعتهم‏فهذا علي خير حاف و ناعل‏
وصي رسول الله من دون أهله‏و فارسه إن قيل هل من منازل‏

و فيه (ص 25) قال أمير المؤمنين علي عليه السلام أبياتا منها:

يا عجبا لقد سمعت منكراكذبا على الله يشيب الشعرا
يسترق السمع و يغشى البصراما كان يرضى أحمد لو خبرا
ان يقرنوا وصيه و الأبتراشاني الرسول و اللعين الأخزرا

و فيه (ص 191) قال النضر بن عجلان الأنصارى أبياتا منها:

كيف التفرق و الوصي امامنالا كيف إلا حيرة و تخاذلا
لا تعتبن عقولكم لا خير في‏من لم يكن عند البلابل عاقلا
و ذروا معاوية الغوي و تابعوادين الوصي لتحمدوه آجلا

و فيه (ص 202) قال عبد الرحمن بن ذويب الأسلمي ابياتا منها:

يقودهم الوصي اليك حتى‏يردك عن غواتك و ارتياب‏

و من الأشعار التى تتضمن هذه اللفظة و قيل في حرب الجمل ما قال غلام من بنى ضبة شاب معلم من عسكر عايشة، خرج يوم الجمل و هو يقول:

نحن بنو ضبة أعداء علي‏ذاك الذي يعرف قدما بالوصي‏
و فارس الخيل على عهد النبي‏ما انا عن فضل على بالعمي‏
لكنني انعي بن عفان التقي‏ان الولي طالب ثار الولي‏

و ما قال حجر بن عدي الكندي في يوم الجمل:

يا ربنا سلم لنا علياسلم لنا المبارك الرضيا
المؤمن الموحد النقيالا خطل الرأي و لا غويا
بل هاديا موفقا مهدياو احفظه ربي و احفظ النبيا
فيه فقد كان له ولياثم ارتضاه بعده وصيا

و ما قال خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين و كان بدريا في يوم الجمل يخاطب عائشة من ابيات بعضها:

أعايش خلي عن علي و عيبه‏بما ليس فيه إنما انت والده‏
وصي رسول الله من دون أهله‏و أنت على ما كان من ذاك شاهده‏

و ما قال خزيمة أيضا:

ليس بين الأنصار في حجمة الحرب‏و بين العداة إلا الطعان‏
و قراع الكماة بالقصب البيض‏إذا ما تحطم المران‏
فادعها تستجب من الخزرج‏و الأوس يا على جبان‏
يا وصي النبي قد اجلت الحرب‏الأعادى و سارت الاظعان‏
و استقامت لك الأمور سوى‏الشام و في الشام تظهر الإذعان‏
حسبهم ما رأوا و حسبك مناهكذا نحن حيث كنا و كانوا

و ما قال عمرو بن اجنحة يوم الجمل خطابا للحسن بن علي عليهما السلام:

حسن الخير يا شبيه أبيه‏قمت فينا مقام خير خطيب‏

إلى أن قال:

و أبي الله أن يقوم بما قام‏به ابن الوصي و ابن النجيب‏
ان شخصا بين النبي لك الخيرو بين الوصي غير مشوب‏

و ما قال زجر بن قيس الجعفي في يوم الجمل:

اضربكم حتى تقروا لعلي‏خير قريش كلها بعد النبي‏
من زانه الله و سماه الوصي‏ان الولي حافظ ظهر الولي‏
كما الغوى تابع أمر الغوي‏

و قال الفضل بن عباس (كما في تاريخ الطبري ص 449 ج 3 طبع مصر 1357 ه) في ابيات له:

ألا إن خير الناس بعد محمدوصي النبي المصطفى عند ذى الذكر
و أول من صلي و صنو نبيه‏و أول من أردى الغوات لدى بدر

و قال عمار بن ياسر في الخطبة التى استنفر أهل الكوفة إلى أمير المؤمنين وصي رسول الله صلى الله عليه و آله قال في أبيات له كما نقله الشيخ الأجل المفيد في الجمل ص 117 طبع النجف:

رضينا بقسم الله إذ كان قسمناعليا و أبناء الرسول محمد
أتاكم سليل المصطفى و وصيه‏و أنتم بحمد الله عارضه الندى‏

و ما قال زياد بن لبيد الأنصارى كان من أصحاب علي عليه السلام يوم الجمل من ابيات بعضها:

إنا اناس لا نبالي من عطب‏و لا نبالي في الوصي من غضب‏

و ما قال عبد الله بن بدليل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل:

يا قوم للخطة العظمى التي حدثت‏حرب الوصي و ما للحرب من آسى‏
الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت‏تلك القبائل أخماسا لأسداس‏

و ما قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحرب بن عبد المطلب:

و منا علي ذاك صاحب خيبرو صاحب بدر يوم سالت كتائبه‏
وصي النبي المصطفى و ابن عمه‏فمن ذا يدانيه و من ذا يقاربه‏

و ما قال عبد الرحمان بن جعيل:

لعمرى لقد بايعتم ذا حفيظةعلى الدين معروف العفاف موفقا
عليا وصي المصطفى و ابن عمه‏و أول من صلي أخا الدين و التقي‏

و ما قال أبو الهيثم التيهان و كان بدريا من أبيات بعضها:

ان الوصي امامنا و ولينابرح الخفا و باحث الأسرار

و ما قال عمر بن حارثة الأنصارى في محمد بن الحنفية يوم الجمل من أبيات بعضها:

سمي النبي و شبه الوصي‏و رايته لونها العندم‏

و ما قال رجل من الأزد يوم الجمل:

هذا علي و هو الوصي‏أخاه يوم النجوة النبي‏
و قال هذا بعدى الولي‏وعاه واع و نسي الشقي‏

و قال آخر:

إني أدين بما دان الوصي به‏يوم الخريبة من قتل المحلينا
و بالذى دان يوم النهر دنت به‏و شاركت كفه كفي بصفينا
تلك الدماء معا يا رب في عنقي‏ثم اسقني مثلها آمين آمينا

و قال أبو الأسود كما في الاغاني (ص 10 ج 7 طبع ساسي):

احب محمدا حبا شديداو عباسا و حمزة و الوصيا

و أتى بكثير من هذه الأبيات الشارح المعتزلي في ذيل شرح الخطبة الثانية من النهج أيضا و نقلها عنه المجلسي الثاني في المجلد التاسع من بحار الأنوار (ص 364 الطبع الكمپاني). و السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوى في كتاب المراجعات (المراجعة 108) و كذا نرى كثيرا من الأخبار و الروايات المنقولة من الفريقين انه عليه السلام كان يعرف بالوصي عند المسلمين في صدر الاسلام بل صدر منه بعض المعجزات الذي لا يصدر إلا من نبي أو وصي و كفى في ذلك حديث الراهب الذي بلغ في‏ الشهرة حد الشمس في وسط السماء و أتى به علماء الكلام في كتبهم الكلامية و منهم نصير الملة و الدين المحقق الطوسى في التجريد و ذكره في الشرح شراح الفريقين كالعلامة الحلى و شمس الدين محمود بن أحمد الاصبهانى و الفاضل القوشجى و غيرهم و قد أومأنا من قبل فذلكة ذلك الحديث من القوشجى و لا بأس بذكرها تفصيلا لاشتماله على ضروب من المعجز ظهرت من وصي خاتم الأنبياء فأسلم الراهب فاهتدى هكذا يصنع الحق بأهله و أتى به نصر المتقدم ذكره في كتاب صفين و المجلسى في البحار و الشارح المعتزلي في شرح النهج و الشيخ السديد المقلب بالمفيد في الارشاد و غيرهم مما يطول الكلام بعدها و احصائها فقال الشيخ المفيد:

و من ذلك ما رواه أهل السير و اشتهر الخبر به في العامة و الخاصة حتى نظمه الشعراء و خطب به البلغاء و رواه الفهماء و العلماء من حديث الراهب بأرض كربلاء و الصخرة و شهرته يغنى عن تكلف ايراد الاسناد له، و ذلك ان الجماعة روت أن أمير المؤمنين عليه السلام لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد و نفد ما كان عندهم من الماء فأخذوا يمينا و شمالا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا فعدل بهم أمير المؤمنين عليه السلام عن الجادة و سار قليلا فلاح لهم دير في وسط البرية فسار بهم نحوه حتى إذا صار في فنائه أمر من نادى ساكنه بالاطلاع اليه فنادوه فاطلع، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هل قرب قائمك هذا من ماء يتغوث به هؤلاء القوم؟ فقال:

هيهات بينى و بين الماء أكثر من فرسخين و ما بالقرب منى شي‏ء من الماء و لو لا إننى أوتى بما يكفيني كل شهر على التقتير لتلفت عطشا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أسمعتم ما قال الراهب؟ قالوا: نعم، أ فتأمرنا بالمسير إلى حيث أوما إليه لعلنا ندرك الماء و بنا قوة؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا حاجة لكم إلى ذلك و لوى عنق بغلته نحو القبلة و أشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال لهم: اكشفوا الأرض في هذا المكان فعدل منهم جماعة إلى الموضع فكشفوه بالمساحى فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع، فقالوا: يا أمير المؤمنين ههنا صخرة لا تعمل فيها المساحى. فقال لهم:

إن هذه الصخرة على الماء فان زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلعها فاجتمع القوم و راموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا و استصعبت عليهم فلما رآهم عليه السلام قد اجتمعوا و بذلوا الجهد في قلع الصخرة و استصعب عليهم لوى رجله عن سرجه حتى صار على الأرض ثم حسر عن ذراعيه و وضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحركها ثم قلعها بيده و دحى بها أذرعا كثيرة فلما زالت من مكانها ظهر لهم بياض الماء فبادروا إليه فشربوا منه فكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم و أبرده و أصفاه فقال لهم: تزودوا و ارتووا ففعلوا ذلك.

ثم جاء عليه السلام إلى الصخرة فتناولها بيده و وضعها حيث كانت فأمر أن يعفي أثرها بالتراب و الراهب ينظر من فوق ديره فلما استوفي علم ما جرى نادى أيها الناس أنزلوني أنزلوني فاحتالوا في إنزاله فوقف بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام فقال له:

يا هذا أنت نبي مرسل؟ قال: لا. قال: فملك مقرب؟ قال: لا قال: فمن أنت: قال:أنا وصي رسول الله محمد بن عبد الله خاتم النبيين صلى الله عليه و آله قال: ابسط يدك اسلم لله تبارك و تعالى على يديك فبسط أمير المؤمنين عليه السلام يده و قال له: اشهد الشهادتين فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و أشهد أنك وصي رسول الله و أحق الناس بالأمر من بعده، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام عليه شرائط الإسلام.

ثم قال عليه السلام له: ما الذي دعاك الان إلى الاسلام بعد طول مقامك في هذا الدير على الخلاف؟ قال: اخبرك يا أمير المؤمنين إن هذا الدير بنى على طلب قالع هذه الصخرة و مخرج الماء من تحتها و قد مضى عالم قبلي فلم يدركوا ذلك و قد رزقنيه الله عز و جل إنا نجد في كتاب من كتبنا و ناثر من علمائنا أن في هذا الصقع عينا عليها صخرة لا يعرف مكانها إلا نبي أو وصي نبي و انه لا بد من ولي لله يدعو إلى الحق آيته معرفة مكان هذه الصخرة و قدرته على قلعها و إني لما رأيتك قد فعلت ذلك تحققت ما كنا ننتظره و بلغت الأمنية منه فأنا اليوم مسلم على يديك و مؤمن بحقك و مولاك فلما سمع ذلك أمير المؤمنين عليه السلام بكى حتى اخضلت لحيته من الدموع و قال: الحمد لله الذى لم أكن عنده منسيا الحمد لله الذي كنت في كتبه‏ مذكورا.

ثم دعى عليه السلام الناس فقال لهم: اسمعوا ما يقول أخوكم المسلم، فسمعوا مقاله و كثر حمدهم لله و شكرهم على النعمة التي أنعم بها عليهم في معرفتهم بحق أمير المؤمنين عليه السلام. ثم ساروا و الراهب بين يديه في جملة أصحابه حتى لقي أهل الشام و كان الراهب في جملة من استشهد معه فتولى عليه السلام الصلاة عليه و دفنه و أكثر من الاستغفار له و كان إذا ذكره يقول: ذاك مولاى.

ثم قال المفيد رحمه الله تعالى: و في هذا الخبر ضروب من المعجز أحدها علم الغيب و الثاني القوة التي خرق العادة بها و تميز بخصوصيتها من الأنام مع ما فيه من ثبوت البشارة به في كتب الله الأولى و ذلك مصداق قوله تعالى‏ ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل‏ و في مثل ذلك يقول السيد إسماعيل بن محمد الحميرى رحمه الله في قصيدته البائية المذهبة:

و لقد سرى فيما يسير بليلةبعد العشاء بكربلا في موكب‏
حتى أتى متبتلا في قائم‏ألقي قواعده بقاع مجدب‏
يأتيه ليس بحيث يلقي عامراغير الوحوش و غير أصلع أشيب‏
فدنى فصاح به فأشرف ماثلاكالنصر فوق شظية من مرقب‏
هل قرب قائمك الذى بوئته‏ماء يصاب فقال ما من مشرب‏
إلا بغاية فرسخين و من لنابالماء بين نقى و قي سبسب‏
فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى‏ملساء تلمع كاللجين المذهب‏
قال اقلبوها انكم إن تقلبواترووا و لا تروون إن لم تقلب‏
فاعصوا صبوا في قلعها فتمنعت‏منهم تمنع صعبة لم تركب‏
حتى إذا أعيتهم أهوى لهاكفا متى ترد المغالب تغلب‏
فكأنها كرة بكف خزورعبل الذراع دحى بها في ملعب‏
فسقاهم من تحتها متسلسلاعذبا يزيد على الألذ الأعرب‏
حتى إذا شربوا جميعا ردهاو مضى فخلت مكانها لم يقرب‏

و زاد فيها ابن ميمونة قوله:

و آيات راهبها سريرة معجزفيها و آمن بالوصي المنجب‏
و مضي شهيدا صادقا في نصره‏أكرم به من راهب مترهب‏
أعني ابن فاطمة الوصي و من يقل‏في فضله و فعاله لا يكذب‏
رجلا كلا طرفيه من سام و ماحام له بأب و لا بأب أب‏
من لا يفر و لا يرى في معرك‏إلا و صارمه الخضيب المضرب‏

ثم الظاهر من كتاب صفين لنصر أن هذه الرواية التي نقلناها من الشيخ المفيد قدس سره ملفقة من روايتين و كذا الظاهر أن إحداهما ما نظمها الحميرى و الأخرى ما نظمها ابن ميمونة، و ذلك لأن نصر بن مزاحم روى أولا رواية الراهب و الصخرة و لم يذكر إن هذا الراهب استشهد معه عليه السلام بصفين. ثم روى رواية اخرى من راهب آخر في مكان آخر لم يكن فيه ذكر صخرة و ماء أصلا بل الراهب أتى بكتاب فقرأه عنده عليه السلام.

و بعض ما ذكرنا من المفيد في ذيل تلك الرواية أتى به نصر في ذيل هذه الرواية و لا بعد في تعدد تلك الواقعة لأنه كانت في نواحي الجزيرة و بلادها الواقعة في مسيره عليه السلام ديورة كثيرة و فيها رهبان كما صرحت و نصت بذلك الكتب الجغرافية القديمة و منها- كتاب حدود العالم من المشرق إلى المغرب المؤلف في 372 من الهجرة (ص 91 طبع الطهران 1352 ه) مع أن إحداهما وقعت في ظهر الكوفة من العراق و الأخرى في الرقة من بلاد الجزيرة.

و لا بأس بنقل ما في كتاب نصر (ص 77 الطبع الناصرى) لأن كتاب الراهب يليق أن يقرأ على ظهر القلب: نصر عبد العزيز بن سباء عن حبيب بن أبي ثابت قال أبو سعيد التميمى المعروف بعقيصا: قال: كنا مع علي في مسيره إلى الشام حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد قال: عطش الناس و احتاجوا إلى‏ الماء فانطلق بنا علي عليه السلام حتى أتانا على صخرة ضرس من الأرض كانها ربضة عنز ثم أمرنا فأكفاناها عليه و سار الناس حتى إذا مضينا قليلا، قال علي عليه السلام منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذى شربتم منه؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين فانطلقوا اليه فانطلق منا رجال ركبانا و مشاتا فاقتصصنا الطريق حتى انتهينا إلى المكان الذى نرى انه فيه قال: فطلبناها فلم نقدر على شي‏ء حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم أين الماء الذى هو عندكم؟

قالوا: ما قربنا ماء قالوا:بلى إنا شربنا منه، قالوا: أنتم شربتم منه؟ قلنا نعم. قال: ما بنى هذا الدير إلا لذلك الماء و ما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.

قال نصر: ثم مضى أمير المؤمنين عليه السلام حتى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب و النمر بن قاسط بالجزيرة ثم سار أمير المؤمنين عليه السلام حتى اتى الرقة و جل أهلها عثمانية- إلى أن قال: قال عمر بن سعد: حدثني مسلم الملائى عن حبة عن علي عليه السلام قال: لما نزل على الرقة بمكان يقال له: بليخ على جانب الفرات فنزل راهب من صومعة فقال لعلي: ان عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه عيسى بن مريم أعرضه عليك؟ قال علي عليه السلام: نعم فما هو؟ قال الراهب:

بسم الله الرحمن الرحيم الذى قضى فيما قضى و سطر فيما سطر أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب و الحكمة و يدلهم على سبيل الله لا فظ و لا غليظ و لا صخاب في الأسواق و لا يجزى بالسيئة السيئة و لكن يعفو و يصفح امته الحمادون الذين يحمدون الله في كل نشز و في كل صعود و هبوط تذل ألسنتهم بالتهليل و التكبير و ينصره الله على كل من ناواه فإذا توفاه الله اختلفت امته ثم اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من امته بشاطي‏ء هذا الفرات يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يقضى بالحق و لا يرتشى في الحكم. الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت الريح و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظماء يخاف الله في السر و ينصح له في العلانية و لا يخاف في الله لومة لائم من أدرك ذلك النبي من أهل هذه البلاد فامن به كان ثوابه رضواني و الجنة و من أدرك ذلك العبدالصالح فلينصره فان القتل معه شهادة.

ثم قال الراهب: فانا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك، قال حبة: فبكي علي عليه السلام ثم قال: الحمد لله الذى لم يجعلني عنده منسيا الحمد لله الذى ذكرني في كتب الأبرار. و مضى الراهب معه و كان فيما ذكروا يتغدى مع علي و يتعشى حتى اصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي عليه السلام: اطلبوه فلما وجدوه صلي عليه و دفنه و قال: هذا منا أهل البيت و استغفر له مرارا.

 «خاتمة في كلمة صفين»

صفين بكسر الصاد و تشديد الفاء كسجين موضع على الفرات من الجانب الغربى بطرف الشام كما في مجمع البحرين للطريحي و في كتاب حدود العالم السابق ذكره قال: الرقة و الرائقة بلدتان عظيمتان مخضرتان متصلتان على شاطي الفرات و وقعت حرب صفين في حدودهما من الجانب الاخر من الفرات. و هي اسم غير منصرف للتأنيث و التعريف و لا تقبل حرف التعريف اعنى كلمة أل و الشواهد في ذلك ما قال عمرو بن الحمق الخزاعي:

يقول عرسي لما أن رأت أرقى‏ما ذا يهيجك من أصحاب صفينا
أ لست في عصبة يهدى الا له بهم‏أهل الكتاب و لا بغيا يريدونا

و ما قال النعمان بن عجلان الأنصارى:

سائل بصفين عنا عند وقعتناو كيف كان غداة المحك نبتدر

و ما قال آخر كما مر آنفا:

و بالذي دان يوم النهر دنت به‏و شاركت كفه كفى بصفينا

لا يقال: تأنيثها غير لازم لجواز أن تعبر بالمكان و الموضع و نظائرهما لأنا نقول: إنهم لما وجدوها غير منصرف و فحصوا عن العلتين المانعتين عن الصرف و لم يجدوا غير العلمية سببا آخر عبروها بالأرض و البقعة و نظائرها حتى يتم السببان كما فعلوا بعمر و زفر. و اختلفوا في نونها أ هي أصلية أم زائدة فمال الجوهري في‏ الصحاح و الفيروزآبادي في القاموس و الأكثر إلى الأول حيث ذكروها في باب النون من كتبهم اللغوية و الأدبية فعلى هذا وزنها فعيل كضليل من صفن الفرس صفونا من باب ضرب إذا قام على ثلاث قوائم و طرف حافر الرابعة أو من صفن القوم إذا صفوا لاقدامهم لا يخرج بعضها من بعض و من صفن الرجل إذا صف قدميه و الاخرون إلى أنها زائدة فهي فعلين من الصف كالغسلين من الغسل حيث ذكروها في باب الفاء. فعلي الأول صيغت للمبالغة كنظائرها من سكيت و خريت و ظليم و ضليل، لكثرة الخيل و الرجال في تلك الواقعة الدالة بالكناية على كثرة الفارس و الراجل، و على الثاني أيضا يمكن أن يقال إن الياء و النون زيد تافيها مبالغة لكثرة الصفوف في تلك الوقعة على ضابطة كثرة المباني تدل على كثرة المعاني فعلى التقديرين التسمية بها تكون بعد وقوع تلك الوقعة العظيمة فيها و كم لها من نظير و إنما الكلام في ان قبل هذه التسمية بما ذا كانت سميت هل كان لها اسم فترك أو لم تسم باسم خاص رأسا؟ فحصنا و لم نجد في ذلك شيئا و كلما وجدنا في تسميتها بصفين إنما كان متأخرا عن تلك الواقعة، على انه لا يهمنا و العلم عند الله تعالى.

و إنما اطلنا الكلام في شرح هذه الخطبة لاشتمال تلك الوقعة على مطالب أنيقة مفيدة من اخلاقية و اجتماعية و حكمية و كلامية ينتفع الكل بذى الموائد و لأن كثيرا من كتبه عليه السلام و رسائله الاتية ككثير من خطبه الماضية تتعلق بصفين و بذلك سهل الخطب لنا في تفسير ما يأتي إن شاء الله المعين الوهاب، مع أنا فيما قدمنا أتينا بكثير من خطبه و كلماته لم يأت بها الشريف الرضي رضوان الله عليه في النهج و كم من خطبة و كتاب و كلمة حكمة منه عليه السلام جمعنا مع الأسانيد و المصادر و كذا وجدنا مصادر كثير مما في النهج و السند ( (ها)) فيها يكون ببالى ان الحقها في آخر شرحنا على النهج بعنوان مستدرك النهج و مصادرها إن أخذ التوفيق بيدى و ساعدني الدهر بعون ربي‏. 

الترجمة

از جمله خطبه بلاغت نظام آن قدوه انام عليه السلام در شأن حكمين ابو موسى‏ اشعرى و عمرو عاص و در مذمت اهل شام است.

(شاميان از پيروان معاوية بن ابى سفيان بودند و بقتال با أمير مؤمنان على عليه السلام برخاستند و در صفين مدتى مديد كارزارى شديد كردند و از دو سپاه بسيار كشته شدند و بيست و پنج تن از صحابه پيغمبر صلى الله عليه و آله كه عمار ياسر از آن جمله بود و در ركاب ظفر انتساب أمير المؤمنين در إعلاى كلمه حق و نصرت دين جهاد مى ‏كردند بدرجه رفيعه شهادت رسيدند، و رسول اكرم باتفاق شيعه و سنى بعمار فرمودند: إنما تقتلك الفئة الباغية يعنى اى عمار تو را گروه ستمكار مى‏ كشند كه در جنگ صفين لشكر معاويه وى را بكشتند. سرانجام لشكر معاويه شكست خوردند و چون آثار ذل و انكسار در خود مشاهده كردند بحيلت و خدعت عمرو عاص عيار قرآنها بر سر نيزه‏ها برافراشتند و فرياد زدند: كتاب الله بيننا و بينكم، اهل عراق كه لشكر على عليه السلام بودند جز تنى چند آن پيشنهاد را پذيرفتند و هر چه امير المؤمنين ايشان را نصيحت كرد كه اين خدعت است و فريب نخوريد فايده نكرد عاقبت در حباله حيلت عمرو در افتادند، و اتفاق كردند كه هر يك از فريقين حكمى انتخاب كنند و بحكم آن دو تسليم شوند، أهل شام عمرو عاص را برگزيدند و أهل عراق ابو موسى را أمير المؤمنين از اين رأى روى درهم كشيد و موافق رأى بلندش نيامد و گفت: فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن عباس، ولى سربازان گول از رأى أمير سر باز زدند تا ديدند آنچه كه ديدند) اهل شام ستمكارانى ناكس و بندگانى پست‏اند، گرد آمده از هر سوى و برچيده از هر آميخته‏ اند، گروهى كه بايد آنان را دين و ادب و دانش آموخت و بكارهاى ستوده واداشت و بر آنان ولى گمارد و دستشان را گرفت تا خودسرى و خودكامى كارى نكنند (يعنى كودكان و سفيه انند كجا آنان را رسد كه زمام امور امت در دست گيرند و در كار دين و ملت پاى پيش نهند) نه از مهاجرند و نه از انصار و نه از آن انصارى كه پيش از هجرت پيغمبر صلى الله عليه و آله در مدينه بودند و اسلام آوردند.

آگاه باشيد كه اين قوم يعنى اهل شام حكم براى خودشان عمرو عاص را برگزيدند كه نزديكترين مردم است بدانچه كه دوست دارند، و شما اى مردم عراق حكم براى خودتان ابو موسى را اختيار كرديد كه نزديك‏ترين مردم است بدآنچه كه ناخوش داريد (اهل شام دوست داشتند كه بر مردم عراق مستولى گردند و عمرو عاص در وصول به اين غرض از همه بهتر و نزديكتر براى آنان بود و مردم عراق از همان كه شاميان مى ‏خواستند كراهت داشتند و ابو موسى نزديكترين افراد بود به آن چه كه اينان ناخوش مى ‏داشتند يعنى ابو موسى به پيروزى اهل شام و شكست اهل عراق از همه مايل‏تر و نزديك‏تر بود يا از بلاهت غريزى او كه بالأخره در دام مكر و حيله عمرو عاص افتاد و يا از عداوتى كه با امير المؤمنين على عليه السلام داشت در كمين انتقام بود چنانكه در تفسير خطبه شرح داده‏ايم) سپس حضرت در مقام احتجاج برآمده و فرمود:

ياد داريد كه عبد الله قيس (ابو موسى اشعرى عبد الله بن قيس است) ديروز (يعنى در جنگ جمل) مى ‏گفت: اين فتنه‏ايست، پس زههاى كمان را ببريد و شمشيرها را در غلاف كنيد (كنايه از اين كه از جنگ حذر كنيد و دست بداريد، در اين باره از پيغمبر روايتى نقل كرده كه در شرح تذكر داده‏ايم) اگر راست گفت پس اين كه بدون اكراه آمد و در فتنه افتاد و بلشكر عراق پيوست بخطا رفت، و اگر دروغ گفت، فاسق است (در هر حال چنين كسى را در امر دين و ملت حكم قرار دادن و به او اعتماد كردن قبيح است) پس دفع كنيد (بزنيد و دور سازيد) سينه عمرو عاص را بعبد الله عباس (يعنى عبد الله بن عباس را حكم قرار دهيد كه او مى‏تواند با عمرو بن عاص برابرى كند و با او برآيد و از اغراض شومش جلوگيرى كند) و فرصت را از دست مدهيد و مرزهاى كشورهاى اسلامى را حفظ كنيد آيا نمى‏ بينيد كه دشمنان به شهرهاى شما روى آوردند و سنگ شما را هدف گرفته‏ اند (يعنى در شما طمع كرده ‏اند كه آهنگ جنگ و قصد اضمحلال استقلال شما دارند)

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

 

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=