خطبه 197 صبحی صالح
197- و من كلام له ( عليه السلام ) ينبه فيه على فضيلته لقبول قوله و أمره و نهيه
وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله )أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّهِ وَ لَا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَ لَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الْأَبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ فِيهَا الْأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا
وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله )وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي وَ لَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ (صلى الله عليه وآله )وَ الْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي
فَضَجَّتِ الدَّارُ وَ الْأَفْنِيَةُ مَلَأٌ يَهْبِطُ وَ مَلَأٌ يَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَ مَيِّتاً
فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ وَ لْتَصْدُقْنِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَ لَكُمْ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج12
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و السادسة و التسعون من المختار فى باب الخطب
و لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله أنّي لم أردّ على اللّه و لا على رسوله ساعة قطّ، و لقد واسيته بنفسي في المواطن الّتي تنكص فيها الأبطال، و تتأخّر فيها الأقدام، نجدة أكرمني اللّه بها، و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّ رأسه لعلى صدري، و لقد سالت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي، و لقد ولّيت غسله- صلّى اللّه عليه و آله- و الملائكة أعواني، فضجّت الدّار و الأفنية، ملاء يهبط، و ملاء يعرج، و ما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلّون عليه حتّى و اريناه في ضريحه، فمن ذا أحقّ به منّي حيّا و ميّتا، فانفذواعلى بصائركم، و لتصدق نيّاتكم في جهاد عدوّكم، فو الّذي لا إله إلّا هو إنّي لعلى جادّة الحقّ، و إنّهم لعلى مزلّة الباطل، أقول ما تسمعون، و أستغفر اللّه لي و لكم.
اللغة
(المستحفظون) بصيغة المفعول من استحفظه الشيء أى أودعه عنده و طلب منه أن يحفظه فهو مستحفظ و ذاك مستحفظ و (واسيته) من المواساة يقال واسيته و آسيته و بالهمزة أفصح و (نكص) عن الشيء نكوصا من باب قعد أحجم عنه، و نكص على عقبيه رجع قال تعالى فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ».
و (النّجدة) البأس و الشدّة و الشجاعة و (النفس) بسكون الفاء الدّم و بالتحريك واحد الأنفاس و (فناء) الدّار وزان كساء ما اتّسع أمامها أو ما امتدّ من جوانبها و الجمع أفنية و فنى و (الضجيج) الصّياح عند المكروه و الجزع و (الهينمة) بفتح الهاء الصّوت الخفىّ و قيل الكلام الخفىّ لا يفهم و (الضّريح) القبر أو الشقّ وسطه و الأول هو المراد هنا و (المزلّة) الموضع الذى تزلّ فيه قدم الانسان كالمزلفة
الاعراب
الواو في قوله: و لقد في المواضع الخمسة كلّها للقسم و المقسم به محذوف و اللّام جواب القسم، قوله: نجدة، منصوب على المفعول له و العامل واسيته قال الشّارح المعتزلي: منصوب على المصدر و العامل محذوف و الأوّل أظهر.
و قوله: ملاء يهبط و ملاء يعرج، مرفوعان بالابتداء و لا يضرّ كونهما: نكرتين لتضمّن الفايدة العظيمة، و جملة و ما فارقت، في محلّ النصب على الحال من فاعل يهبط و يعرج، و جملة يصلّون استينافيّة بيانيّة و تحتمل الانتصاب محلّا على الحال من هينمة أى ما فارقت سمعى هينمتهم حالكونهم يصلّون، و الأوّل أولى لاحتياج الثّاني إلى نوع تكلّف و قوله: حيّا و ميّتا، حالان من الضمير المجرور في به و الفاء في قوله: فانفذوا، فصيحة
المعنى
اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة مسوقة لبيان جملة من مناقبة الجميلة و خصائصه المختصّة به المفيد لمزيد اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قربه منه استدلالا بذلك على أنّه أحقّ و أولى بالخلافة و القيام مقامه صلّى اللّه عليه و آله و أنّه على الحقّ و غيره على الباطل، و غرضه منه تنبيه المخاطبين على وجوب إطاعته فيما يأمرهم به من جهاد الأعداء المبطلين.
إذا عرفت ذلك فأقول: إنّه ذكر خمسا من فضايله و صدّر كلا بالقسم البارّ تأكيدا للغرض المسوق له الكلام و تنبيها على أنّ اتّصافه بها جميعا حقّ لا يعتريه ريب و لا يدانيه شكّ.
اولها ما أشار إليه بقوله (و لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله انّى لم أردّ على اللّه و لا على رسوله ساعة قطّ) المراد بالمستحفظون خيار الصحابة المطلعون على أسرار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سيرته و معجزاته و كراماته و عهوده و مواثيقه و الملاحم الواقعة في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نحو ذلك ممّا يتعلّق به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، في نفسه و في أوصيائه و أتباعه من الأمور المعظمة الّتي يهتمّ بها في الشريعة و لها مدخل في قوام أركان الدّين و إعلاء لواء الشرع المبين الذين كلّفوا بحفظ ذلك كلّه و امروا بأن يبلغوها و يؤدّوها في مقام الضرورة و الحاجة.
و إنّما خصّ علم ما ذكره بهؤلاء مع عدم اختصاصه بهم لأنّ هؤلاء بمقتضى تصلّبهم في الدّين لا يكتمون الشهادة و لا يغيّرونها و لا يبدّلونها في مقام الحاجة للأغراض الدّنيويّة الفاسدة كما كتمها جمع منهم مثل زيد بن أرقم و أنس بن مالك و نظرائهم.
كما روى في البحار من الخصال و الأمالى عن جابر الجعفي عن جابر بن عبد اللّه الأنصارى قال: خطبنا عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس إنّ قدام منبركم هذا أربعة رهط من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منهم انس بن مالك و البراء بن عازب الأنصارى و الأشعث بن قيس الكندى و خالد بن يزيد البجلى ثمّ أقبل بوجهه على أنس بن مالك فقال: يا أنس إن كنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه ثمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك اللّه حتّى يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة و أمّا أنت يا أشعث فان كنت سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول: من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه ثمّ لم تشهد لى اليوم بالولاية فلا أماتك اللّه حتّى يذهب بكر يمتيك.
و أمّا أنت يا خالد بن يزيد إن كنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه ثمّ لم تشهد لى اليوم بالولاية فلا أماتك اللّه إلّا ميتة جاهليّة.
و أمّا أنت يا براء بن عازب إن كنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه ثمّ لم تشهد لى بالولاية فلا أماتك اللّه إلّا حيث هاجرت منه.
قال جابر بن عبد اللّه الأنصارى: و اللّه لقد رأيت أنس بن مالك قد ابتلى ببرص يغطيه بالعمامة فما يستتره.
و لقد رأيت الأشعث بن قيس و قد ذهبت كريمتاه و هو يقول: الحمد للّه الذى جعل دعاء أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب عليه السّلام بالعمى فى الدّنيا و لم يدع علىّ بالعذاب في الاخرة فأعذّب.
و أمّا خالد بن يزيد فانّه مات فأراد أهله أن يدفنوه و حفر له في منزله فسمعت بذلك كندة فجاءت بالخيل و الابل فعقرتها على باب منزله فمات ميتة جاهلية.
و أمّا البراء بن عازب فانّه ولّاه معاوية اليمن فمات بها و منها كان هاجر.
فقد ظهر بذلك أنّ المستحفظين هم المكلّفون بحفظ الامور المهمّة المعتدّ بها في أمر الدين، و أنّ تخصيصهم بالعلم لعدم كتمانهم لما حملوه لو رجع الخاطئون اليهم.
و اما أنّه عليه السّلام ما ردّ على اللّه و رسوله أبدا فهو معلوم محقّق لا خفاء فيه بل من ضروريّات المذهب لملكة العصمة المانعة من مخالفته للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله.
و قال الشّارح المعتزلي: و الظاهر أنّه يرمز في قوله عليه السّلام: لم أردّ على اللّه و لا على رسوله ساعة قط، إلى أمور وقعت من غيره كما جرى يوم الحديبيّة عند سطر كتاب الصّلح، فانّ بعض الصحابة أنكر ذلك، و قال: يا رسول اللّه أ لسنا المسلمين قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بلى قال: أ و ليسوا الكافرين قال: بلى، قال: فكيف نعطي الدّنية من دنيانا و اللّه لو أجد أعوانا لم أعط الدّنية أبدا، فقال أبو بكر لهذا القائل: ويحك الزم غرزه«» فو اللّه إنّه لرسول اللّه و إنّ اللّه لا يضيعه، ثمّ قال له: أ قال لك أنّه سيدخلها هذا العام قال: لا، قال: فسيدخلها، فلمّا فتح النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مكّة و أخذ مفاتيح الكعبة دعاه فقال: هذا الّذى وعدتم به.
قال الشّارح: و اعلم أنّ هذا الخبر صحيح لا ريب فيه، و النّاس كلّهم رووه و ليس عندى بقبيح و لا بمستهجر أن يكون سؤال هذا الشخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عما سأله عنه على سبيل الاسترشاد و التماسا لطمأنينة النّفس. فقد قال اللّه تعالى لخليله إبراهيم وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ.
و قد كانت الصحابة يراجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الامور و تسأله عمّا يثبتهم عليها و تقول له أ هذا منك أم من اللّه.
و أمّا قول أبي بكر له: الزم غرزه فو اللّه انّه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فانّما هو تاكيد و تثبيت على عقيدته الّتي في قلبه، و لا يدلّ ذلك على الشّك فقد قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله «وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا» و كلّ أحد لا يستغنى عن زيادة اليقين و الطمأنينة.
قال: و قد كانت وقعت من هذا القائل أمور دون هذا القصة، كقوله: دعنى أضرب عنق أبي سفيان، و قوله: دعنى أضرب عنق عبد اللّه ابن أبيّ، و قوله: دعنى أضرب عنق حاطب بن أبي بلتعة، و نهي النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن التّسرع إلى ذلك و جذبه ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين قام على جنازة ابن سلول يصلّى و قوله: تستغفر لرأس المنافقين.
و ليس في ذلك جميعه ما يدلّ على وقوع القبيح منه و إنّما كان الرّجل مطبوعا على الشدّة و الشّراسة و الخشونة و كان يقول ما يقول على مقتضى السجيّة الّتي طبع عليها، و على أيّ حال كان فلقد نال الاسلام بولايته و خلافته خيرا كثيرا، انتهى.
أقول: مراد الشارح بهذا الرّجل الذى حكى عنه هذه الأباطيل هو عمر بن الخطاب، و إنّما ترك التّصريح باسمه ملاحظة لجانبه، و لقد عكس في شرح قوله عليه السّلام: فصيّرها في حوزة خشناء، من الخطبة الثالثة و قال هناك: قال عمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم تقل لنا ستدخلونها فى ألفاظ نكره حكايتها حتّى شكاه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أبى بكر و حتى قال له أبو بكر: الزم بغرزه فو اللّه إنه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، انتهى.
فصرّح باسمه و طوى عن تحصيل مقاله و فضول كلامه استكراها و استهجانا لما صدر منه من الرّدّ و المخالفة و إساءة الأدب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و استحياء منه عليه السّلام.
و لكن غير خفىّ على المنصف البعيد عن العصبيّة و الهوى أنّ شناعة ما صدر من هذا الرّجل لا يمكن أن يتدارك بالستر و الكتمان و الابهام عن اسمه تارة و الاجمال عن هذيانه اخرى، و نعم ما قيل:
و لن يصلح العطار ما أفسد الدّهر
فلقد صدر منه من القول الشنيع القبيح ما هو أشدّ و أعظم من ذلك، و هو ما قاله لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى مرضه الذى مات فيه لما قال صلّى اللّه عليه و آله: ائتونى بكتف و دواة اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا، فقال عمر: إنّ الرّجل ليهجر.
و فى البحار من المجلّد الثاني من صحيح مسلم فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يهجر.
و أما ما اعتذر به الشارح عن مثالبه بأنه ليس بقبيح أن يكون سؤال هذا الرّجل على سبيل الاسترشاد و التماسا لطمأنينة النفس.
ففيه أنه لو كان غرضه الاسترشاد دون الاعتراض لا كتفى بما سمعه من النبىّ صلّى اللّه عليه و آله له و أمسك عن فضول كلامه و لم يغضبه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى يشكو إلى أبى بكر، فعلم بذلك أنه أراد التعريض و الاعتراض كما علم عدم جواز قياس سؤاله بسؤال الخليل عليه السّلام الذى كان غرضه منه الطمأنينة كما صرّح به بقوله: بلى و لكن ليطمئنّ قلبى، و ستعرف مزيد توضيحه بما نحكيه من البحار فى التنبيه الاتى.
و أما سؤال ساير الصّحابة عنه صلّى اللّه عليه و آله في الامور و قولهم له: أ هذا من اللّه أو منك.
ففيه أنّ سؤالهم ذلك أيضا كان ناشيا عن جهالتهم، لأنّهم لو كانوا معتقدين بما أنزل اللّه في حقّه من قوله: و ما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحى يوحى، و مذعنين بأنّ جميع ما يقوله و يفعله بوحى من اللّه سبحانه و اذن منه عزّ و جلّ، لم يكن لهم حاجة إلى السّؤال، و لسلّموا في جميع أفعاله و أقواله تسليما.
و أما التّمثيل على نفى الشّكّ عن عمر بقوله تعالى وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.
ففيه أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله قد قامت الأدلّة القاطعة من العقل و النقل على عصمته و على رسوخه في الدّين، و الاية و إن كان الخطاب فيها ظاهرا متوجها إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا أنّ المراد بها امّته من قبيل ايّاك أعنى و اسمعى يا جاره.
و على إبقائه على ظاهره فالمراد بتثبيته صلّى اللّه عليه و آله، هو تثبيته بالنّبوة و العصمة و الألطاف الخفيّة الالهيّة، لما قد دللنا على أنه كان معصوما، و أمّا عمر فأىّ دليل على أنّه لم يكن شاكا في الدّين حتّى يقال إنّ قول أبي بكر له: فو اللّه إنه لرسول اللّه، لم يكن لأجل الشكّ بل لتثبيته على عقيدته، فافهم جيّدا.
و اما دنس جذبه بثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين إرادته الصّلاة على ابن سلول فلا يطهره النّيل و لا الرّسّ.
إذ فيه من القباحة و المخالفة و الاعتراض و سوء الأدب و التّعريض ما لا مزيد عليه.
مضافا إلى قوله: كيف تستغفر لرأس المنافقين أ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و العياذ باللّه جاهلا بتكليفه الشّرعى فعلّمه عمر، و قد كان معالم الدّين منه ظهرت و أحكام الشّرع المبين منه اخذت، و هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شارعها و صادعها.
و قيامه على جنازة ابن سلول و صلاته عليه إمّا من جهة أداء حقّ ولده و هو عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي سلول فلقد كان مؤمنا.
و إمّا من جهة أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلّى عليه لا ترحّما له بل دعا عليه بالنار و العذاب و لم يكن به بأس.
و أمّا استغفاره صلّى اللّه عليه و آله فلكونه صلّى اللّه عليه و آله، مخيّرا بين الاستغفار و عدم الاستغفار.
و يوضح ما ذكرته ما رواه في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لمّا مات عبد اللّه بن أبي سلول حضر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جنازته فقال عمر لرسول اللّه: يا رسول اللّه أ لم ينهك اللّه أن تقوم على قبره فسكت فقال: يا رسول اللّه أ لم ينهك اللّه أن تقوم على قبره فقال له: ويلك و ما يدريك ما قلت إنّى قلت: اللهمّ احش جوفه نارا و املاء قبره نارا و اصله نارا، قال أبو عبد اللّه صلوات اللّه عليه: فأبدى من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما كان يكره.
و فى الصافى من تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ انّها نزلت لمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة و مرض عبد اللّه بن أبي و كان ابنه عبد اللّه مؤمنا فجاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أبوه يجود بنفسه فقال: يا رسول اللّه بأبي أنت و امّي إن لم تأت أبي كان ذلك عارا علينا، فدخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المنافقون عنده، فقال ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه: يا رسول اللّه استغفر له، فاستغفر له، فقال عمر: أ لم ينهك يا رسول اللّه أنتصلّي عليهم أو تستغفر لهم فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأعاد عليه، فقال له: ويلك إنّى خيّرت إنّ اللّه يقول استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، الاية.
فلمّا مات عبد اللّه جاء ابنه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه أ رأيت تحضر جنازته فحضر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قام على قبره فقال له عمر: يا رسول اللّه أ و لم ينهك اللّه أن تصلّى على أحد منهم مات أبدا و أن تقوم على قبره فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ويلك و هل تدرى ما قلت، إنّما قلت: اللهمّ احش قبره نارا و جوفه نارا و اصله النار، فبدا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما لم يكن يحبّ.
و فى الصافى عن العياشي عن الباقر عليه السّلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لابن عبد اللّه بن أبيّ اذا فرغت من أبيك فأعلمنى، و كان قد توفّى فأتاه فأعلمه فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نعليه للقيام فقال له عمر: أ ليس قد قال اللّه تعالى: و لا تصلّ على أحد منهم مات أبدا و لا تقم على قبره، فقال صلّى اللّه عليه و آله له: ويلك أو ويحك إنّما أقول: اللهمّ املاء قبره نارا و املاء جوفه نارا، و اصله يوم القيامة نارا و فى رواية اخرى أنّه أخذ بيد ابنه في الجنازة فمضى فتصدّى له عمر ثمّ قال: أما نهاك ربك عن هذا أن تصلّي على أحد منهم مات أبدا أو تقوم على قبره فلم يجبه، فلما كان قبل أن ينتهوا به إلى القبر أعاد عمر ما قاله أوّلا، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعمر عند ذلك: ما رأيتنا صلّينا له على جنازة و لا قمنا له على قبر.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ ابنه رجل من المؤمنين و كان يحقّ علينا أداء حقّه، فقال عمر: أعوذ باللّه من سخط اللّه و سخطك يا رسول اللّه.
قال فى الصّافي بعد ايراد هذه الرّوايات: أقول: و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حييا كريما كما قال اللّه عزّ و جلّ: فيستحيى منكم و اللّه لا يستحيى من الحقّ، فكان يكره أن يفتضح رجل من أصحابه ممّن يظهر الايمان، و كان يدعو على المنافق و يورّى أنّه يدعو له، و هذا معنى قوله صلّى اللّه عليه و آله لعمر: ما رأيتنا صلّينا له على جنازة و لا قمنا له على قبر، و كذا معنى قوله في حديث القمّي: خيّرت فاخترت، فورّى عليه السّلام باختيار الاستغفارو أمّا قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه: فاستغفر له فلعلّه استغفر لابنه لمّا سأل لأبيه الاستغفار و كان يعلم أنه من أصحاب الجحيم، و يدلّ على ما قلنا قوله: فبدا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما لم يكن يحبّ، انتهى.
فقد اتّضح بما ذكرنا كلّ الوضوح نكتة قيام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قبر ابن سلول و صلاته عليه، و علّة ما صدر منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الاستغفار.
و مع الغضّ عن ذلك أيضا فهو صلّى اللّه عليه و آله أعلم بعلل ما يقول و يفعل، و بوجوه المصالح الكامنة فيما يأتي و يأمر به، فلا حقّ للجلف الجافى ابن حنتمة و أمثاله من الأوغاد الطعام أن يعترضوا على سيّد الأنام و رسول الملك العلّام عليه و آله آلاف التحيّة و الاكرام.
و أما ما اعتذر به الشارح المعتزلي أخيرا من أنّ الرّجل كان مطبوعا على الشدّة و الشراسة و الخشونة و كان يقول ما يقول على مقتضى سجيّته التي طبع عليها.
فقد تقدّم جوابه في شرح الفصل الثاني من الخطبة الشقشقية.
و محصّل ما قلناه هناك إنّ خشونة سجيّته و جفاوة طبيعته إن كانت بالغة إلى مرتبة لم يبق له معها اختيار في الامساك عن فضول كلامه و سقطات لسانه و الكفّ عن هجره و هذيانه، فيتوجّه عليه أنّ من كان كذلك يعدّ في زمرة المجانين فكيف يصلح لامامة الأمة و خلافة النبوّة.
و إن لم تكن بالغة إلى تلك المرتبة فذلك الاعتذار لا يدفع عنه العار و الشنار كما لم يدفع عن ابليس استحقاق النار و سخط الجبّار، و لم يرفع عنه لؤم الاستكبار حين استكبر بمقتضى الجبلة النارية و اعتذر به في قوله: خلقتني من نار و خلقته من طين، بل استحقّ اللّعنة و الابعاد إلى يوم الدّين و خلّد في الجحيم أبد الابدين.
و أما قول الشارح و على أىّ حال كان فلقد نال الاسلام بولايته و خلافته خيرا كثيرا.
فيه أنه هب أنّ إنهاض الجيوش و بعث العساكر و فتح بعض البلاد كان في زمانخلافته و بأمره، و لكن إذا كان أصل الخلافة باطلة حسبما عرفته في تضاعيف الشرح مرارا فأيّ ثمر اخرويّ له في هذه الخيرات النائلة منه إلى الاسلام على فرض تسليمها لأنّه عزّ و جلّ إنّما يتقبّل من المتّقين، بل كلّ ما صدر منه في أيّام ولايته و خلافته و مخالفته للّه و لرسوله كان عليه وزرا و وبالا دون أن يكون له ثوابا و نوالا
كمطعمة الرّمان ممّا زنت به
جرت مثلا للخائن المتصدّق
فقال لها أهل البصيرة و التّقى
لك الويل لا تزنى و لا تتصدّق
بل لو قيست سيئة من سيئاته و هي غصب الخلافة من آل بيت الرّسول و إحراقه لباب ابنته البتول و ما كان بأمره من كسر ضلعها و سقوط جنينها، و ما نشأت من تلك الشجرة الملعونة الخبيثة و ثمرته من أعظم الظّلم في وقعة الطّف الّذي لا يتصوّر ظلم فوقه، إلى سيّئات جميع الامّة لرجحت عليها فضلا عن ساير جرايمه و بدعاته و محدثاته التي بقيت على صفحات الأيام، و استمرّت إلى يوم القيامة و القيام، فليحملنّ أوزارها كاملة و من أوزار الّذين بها يعملون، و سيعلم الذين ظلمو آل محمّد حقّهم أىّ منقلب ينقلبون.
الثانية ما أشار إليه بقوله (و لقد واسيته في المواطن الّتي تنكص) و ترجع (فيها الأبطال) و الأنجاد (و تتأخّر فيها الأقدام) من أجل (نجدة) و شجاعة (أكرمنى اللّه بها) و جعلها مخصوصة بي و آثرني بها على غيري.
قال الشّارح المعتزلي: و هذا يعني المواساة ممّا اختصّ عليه السّلام بفضيلته غير مدافع ثبت معه يوم احد و فرّ النّاس و ثبت معه يوم حنين و فرّ النّاس، و ثبت تحت رايته يوم خيبر حتّى فتحها و فرّ من كان بعث من قبله.
أقول: أوّل مواساته عليه و آله آلاف التحيّة و الثناء مبيته على فراش خاتم الأنبياء حتى باهى اللّه به ملائكة السماء، فوهب نفسه للّه تعالى و بذلها لنبيّه المصطفى و بات على فراشه لينجو به من كيد الأعداء، و يتمّ له بذلك السلامة و البقاء، و ينتظم له به الغرض في الدّعاء إلى الحنيفيّة البيضاء، فكان ذلك سبب نجاة النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و بقائه و حقن دمه حتى صدع بأمر ربّه.
و لولاه عليه السّلام لما تمّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التبليغ و الأداء و لا استدام له العمر و البقاء و لظفر به الحسدة و الأعداء فلما أصبحوا و عرفوا تفرّقوا عنه و انصرفوا و قد ضلّت لهم الحيل و انقطع بهم الأمل و انتقض ما بنوه من التدبير و خابت لهم الظنون.
و كان بذلك انتظام الايمان و إرغام الشيطان و خذلان أهل الكفر و العدوان، و هذه منقبة لم يشركه عليه السّلام فيها أحد من أهل الاسلام و قد انزل فيه محكم التبيان و هو قول اللّه وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ و أما مواساته له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مواطن جهاده، و مواطن جدّه و اجتهاده، و مقامات جداله بالسنة الاسنة و جلاده، فهو فوق حدّ الاحصاء، متجاوز عن حدّ العدوّ الاستقصاء.
منها غزوة بدر التي هدّت قوى الشرك، و قذفت طواغيته في قليب الهلك، و دوّخت مردة الكفار، و سقتهم كاسات الدّمار و البوار، و نقلتهم من القليب إلى النار.
فيومها اليوم الذى لم يأت الدّهر بمثله، و أفاض اللّه فيه من أحسن فضله، أنزل فيه الملائكة لتأييد رسوله تفضيلا له على جميع رسله، و حباه من علوّ القدر ما لم ينله أحد من قبله، و أشرب صناديد قريش كاس أسره و قتله، و جبرئيل ينادى أقدم حيزوم لاظهار دينه على الدّين كلّه، و أمير المؤمنين كان فارس تلك الملحمة فما تعدّ الأسد الغضاب بشسع نعله، و مسعّر تلك الحرب العوان ينصب على الأعداء انصباب السحاب و وبله، و نار سطوته و نجدته تتسعّر تسعر النار في دقيق الغضا و جزله.
و قد عرفت في شرح الفصل الثامن من الخطبة المأة و الحادية و التسعين أنّ نصف القتلي في تلك الوقعة و كانوا سبعين رجلا كان قتيله باشر بنفسه قتله من دون شركة غيره له.
و منها غزوة أحد قال في كشف الغمّة في حديث عمران بن حصين قال: لمّا تفرّق النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جاء عليّ عليه السّلام متقلّدا بسيفه حتّىقام بين يديه فرفع رأسه إليه و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له: ما لك لم تفرّ مع النّاس فقال: يا رسول اللّه أرجع كافرا بعد إسلامي فأشار إلى قوم انحدروا من الجبل، فحمل عليهم فهزمهم فجاء جبرئيل، و قال: يا رسول اللّه قد عجبت الملائكة من حسن مواساة عليّ لك بنفسه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يمنعه من ذلك و هو منّي و أنا منه فقال جبرئيل: و أنا منكما.
و فيه عن زيد بن وهب قال: قلت لابن مسعود: انهزم النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى لم يبق معه إلّا عليّ عليه السّلام و أبو دجانة و سهل قال: انهزم النّاس إلّا عليّ وحده، و ثاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نفر كان أوّلهم عاصم بن ثابت و أبو دجانة و سهل بن حنيف، و لحقهم طلحة بن عبيد اللّه، فقلت له: فأين كان أبو بكر و عمر قال: كانا فيمن تنحّى، فقلت: فأين كان عثمان قال: جاء بعد ثالثة من الوقعة فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لقد ذهبت فيها عريضة، قلت: فأين كنت قال: فيمن تنحّى، قلت: فمن حدّثك بهذا قال: عاصم بن ثابت و سهل بن حنيف، قلت: إنّ ثبوت عليّ في ذلك المقام لعجب، قال: إن تعجب منه فقد تعجّبت منه الملائكة أما علمت أنّ جبرئيل قال في ذلك اليوم و هو يعرج إلى السّماء: لا سيف إلّا ذو الفقار لا فتى إلّا عليّ، فقلنا: و من أين علم أنّ جبرئيل قال ذلك قال: سمع النّاس النّداء بذلك و أخبرهم به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال كاشف الغمة: و روى عن عكرمة قال: سمعت عليّا يقول: لمّا انهزم النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم احد لحقنى من الجزع عليه ما لم أملك نفسي و كنت أضرب بسيفي بين يديه فرجعت أطلبه فلم أره فقلت. ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليفرّ و ما رأيته في القتلي و أظنّه رفع من بيننا إلى السّماء، فكسرت جفن سيفي و قلت: لاقاتلنّ به حتّى اقتل، و حملت على القوم فأفرجوا فاذا أنا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد وقع مغشيّا عليه، فنظر إلىّ و قال: ما فعل النّاس يا عليّ قلت: كفروا يا رسول اللّه و ولّوا الدّبر و أسلموك، فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال: ردّهم عنّي، فحملتعليهم أضربهم يمينا و شمالا حتّى فرّوا فقال صلّى اللّه عليه و آله: أما تسمع مديحك في السّماء إنّ ملكا اسمه رضوان ينادى: لا سيف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا عليّ، فبكيت سرورا و حمدت اللّه على نعمته.
قال: و قد ذكر أهل السّير قتلى احد من المشركين و كان جمهورهم قتلي أمير المؤمنين عليه السّلام و انصرف المشركون إلى مكّة و انصرف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة فاستقبلته فاطمة و معها إناء فيه ماء فغسل به وجهه، و لحقه أمير المؤمنين عليه السّلام، و قد خضب الدّم يده إلى كتفه و معه ذو الفقار، فناوله فاطمة و قال: خذى هذا السّيف فقد صدقنى اليوم و قال عليه السّلام:
أفاطم هاك السّيف غير ذميم
فلست برعديد و لا بمليم
«» أميطى دماء الكفر عنه فانّه
سقا آل عبد الدّار كاس حميم
لعمرى لقد أعذرت في نصر أحمد
و طاعة ربّ بالعباد عليم
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: خذيه يا فاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه، و قد قتل اللّه صناديد قريش بيده.
و منها غزوة الأحزاب المعروفة بغزاة خندق قال المفيد في الارشاد: و قد روى قيس بن الرّبيع قال: حدّثنا أبو هارون العبدى عن ربيعة السّعدى قال: أتيت حذيفة بن اليمان فقلت يا أبا عبد اللّه إنّا لنتحدّث عن عليّ عليه السّلام و مناقبه فيقول لنا أهل البصرة: إنّكم لتفرطون في على عليه السّلام، فهل أنت تحدّثنى بحديث فيه قال حذيفة: يا ربيعة و ما تسألنى عن علىّ فو الذى نفسى بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كفّة الميزان منذ بعث اللّه محمّدا إلى يوم الناس هذا، و وضع عمل علىّ عليه السّلام في الكفّة الأخرى لرجح عمل علىّ عليه السّلام على جميع أعمالهم، فقال ربيعة: هذا الذى لا يقام و لا يقعد، فقال حذيفة: يا لكع و كيف لا يحمل و أين كان أبو بكر و عمر و حذيفة و جميع أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم عمرو بن عبدود و قد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلّهم ما خلاعليّا عليه السّلام، فانّه برز إليه و قتله اللّه على يده، و الذى نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى يوم القيامة قال في كشف الغمّة: رأيت في بعض الكتب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال حين بارز علىّ عمرو بن عبدود: خرج الاسلام كلّه إلى الشرك كلّه.
قال: و روى أنّ عبد اللّه بن مسعود كان يقرأ: و كفى اللّه المؤمنين القتال بعلىّ و كان اللّه قويّا عزيزا.
قال: و في قتل عمرو يقول حسان بن ثابت:
أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغى
بجنوب يثرب غارة لم تنظر
فلقد وجدت سيوفنا مشهورة
و لقد وجدت جيادنا لم تقصر
و لقد رأيت غداة بدر عصبة
ضربوك ضربا غير ضرب المحشر
أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة
يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
قال: و لمّا بلغ شعر حسان بنى عامر أجابه فتى منهم فقال يردّ عليه فخره:
كذبتم و بيت اللّه لا تقتلوننا
و لكن بسيف الهاشميّين فافخروا
بسيف ابن عبد اللّه أحمد في الوغا
بكفّ علىّ نلتم ذاك فاقصروا
فلم تقتلوا عمرو بن ودّ و لا ابنه
و لكنه الكفّ الجسور الغضنفر
علىّ الذى في الفخر طال بناؤه
فلا تكثروا الدّعوى علينا فتحقروا
ببدر خرجتم للبراز فردّكم
شيوخ قريش جهرة و تأخّروا
فلما أتاهم حمزة و عبيدة
و جاء علىّ بالمهنّد يخطر
فقالوا نعم أكفاء صدق و أقبلوا
إليهم سراعا إذ بغوا و تجبّروا
فجال علىّ جولة هاشميّة
فدمّر هم لما عتوا و تكبّروا
فليس لكم فخر علينا بغيرنا
و ليس لكم فخر يعدّ و يذكر
و منها غزوة وادى الرّمل و تسمى غزوة ذات السلسلة.
و قد كان الفتح فيها لأمير المؤمنين عليه السّلام خاصة بعد أن كان فيها من غيره من الافساد ما كان، و فيها نزل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سورة و العاديات فتضمّنت ذكر مافعله أمير المؤمنين فيها.
قال المفيد: روى عن امّ سلمة قالت: كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قائلا في بيتى إذ انتبه فزعا من منامه فقلت له: اللّه جارك قال: صدقت و اللّه جارى لكن هذا جبرئيل يخبرني أنّ علينا قادم، ثمّ خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليا عليه السّلام فقام المسلمون له صفّين مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلما بصر النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ترجّل عن فرسه و أهوى إلى قدميه يقبلهما، فقال له عليه السّلام: اركب فانّ اللّه تعالى و رسوله عنك راضيان فبكى أمير المؤمنين عليه السّلام فرحا و انصرف إلى منزله، و تسلّم المسلمون الغنايم «إلى أن قال» ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله له: يا على لو لا أننى أشفق أن تقول فيك طوايف من امتى ما قالت النصارى فى عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمرّ بملاء منهم إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك.
و منها غزوة الحديبيّة.
و فيها أقبل سهيل بن عمرو إلى النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال له يا محمّد إنّ أرقاءنا لحقوا بك فارددهم علينا، فغضب رسول اللّه حتّى تبيّن الغضب فى وجهه ثمّ قال: لتنتهنّ يا معاشر قريش أو ليبعثنّ اللّه عليكم رجلا امتحن اللّه قلبه بالايمان يضرب رقابكم على الدين، فقال بعض من حضر: يا رسول اللّه أبو بكر ذلك الرّجل قال: لا، قال: فعمر، قال: لا، و لكنه خاصف النعل فى الحجرة، فتبادر الناس إلى الحجرة ينظرون من الرّجل فاذا هو أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب عليه السّلام رواه المفيد فى الارشاد، و رواه فى كشف الغمة و صحيح الترمذى نحوه.
و منها غزوة خيبر قال المفيد: ثمّ تلت الحديبيّة خيبر و كان الفتح فيها لأمير المؤمنين عليه السّلام بلا ارتياب فظهر من فضله فى هذه الغزاة ما أجمع عليه نقلة الرّواة و تفرّد فيها مناقب لم يشركه فيها أحد من الناس.
و قال كاشف الغمة: قال ابن طلحة: و تلخيص المقصد فيها على ما ذكره أبو محمّد عبد الملك بن هشام فى كتاب السيرة النبويّة يرفعه بسنده عن ابن الأكوع قال:
بعث النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبا بكر برايته و كانت بيضاء إلى بعض حصون خيبر فقاتل ثمّ رجع و لم يكن فتح و قد جهد، ثمّ بعث عمر بن الخطاب فكان كذلك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لاعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله يفتح اللّه على يديه ليس بفرّار، قال سلمة: فدعا عليّا و هو أرمد فتفل في عينيه ثم قال: خذ هذه الرّاية فامض بها حتّى يفتح اللّه عليك، فخرج يهرول و أنا خلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم«» من حجارة تحت الحصن، فاطلع عليه يهودىّ من الحصن فقال: من أنت قال: أنا علىّ بن أبي طالب فقال اليهودى: علوتم حصننا و ما انزل على موسى أو كما قال، فما رجع حتّى فتح اللّه على يديه.
و منها فتح مكّة.
قال المفيد ره: و فيما ذكرناه من أعمال أمير المؤمنين عليه السّلام، في قتل من قتل من أعداء اللّه بمكة و إخافة من أخاف و معونة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على تطهير المسجد من الأصنام و شدّة بأسه في اللّه و قطع الأرحام في طاعة اللّه عزّ و جلّ أوّل دليل على تخصيصه من الفضل بما لم يكن لأحد منهم سهم فيه حسبما قدمناه.
و منها غزوة حنين.
فاستظهر فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكثرة الجمع، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معه عشرة آلاف من المسلمين فظنّ أكثرهم أنهم لن يغلبوا لما شاهدوا من كثرة جمعهم و عددهم و عدّتهم و أعجب أبا بكر الكثرة يومئذ فقال لن نغلب اليوم من قلّة فكان الأمر بخلاف ما ظنّوه و عانهم«» أبو بكر.
فلمّا التقوا لم يلبثوا و انهزموا بأجمعهم فلم يبق مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا تسعة من بني هاشم و عاشرهم أيمن بن امّ ايمن، و قتل رحمه اللّه و ثبت التّسعة الهاشميّون رئيسهم أمير المؤمنين عليه السّلام و رجعوا بعد ذلك و تلاحقوا و كانت الكرّة لهم على المشركين فأنزل اللّه في إعجاب أبي بكر بالكثرة وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يريد عليّا عليه السّلام و من ثبت معه من بني هاشم.
قال كاشف الغمّة بعد شرح هذه الغزوة: فانظر إلى مفاخر أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه الغزاة و مناقبه، و جل بفكرك في بدايع فضله و عجايبه، و احكم فيها برأى صحيح الرّاى صايبه، و أعجب من ثباته حين فرّ الشّجاع على أعقابه، و لم ينظر في الأمر و عواقبه، و اعلم أنّه عليه السّلام أحقّ بالصّحبة حين لم ير مفارقة صاحبه، و تيقّن أنّه إذا حمّ الحمام لم ينتفع المرء بغير أهله و أقاربه، فاذا صحّ ذلك عندك بدلايله و بيّناته، و عرفته بشواهده و علاماته، فاقطع أنّ ثبات من ثبت من نتايج ثباته، و أنّهم كانوا أتباعا له في حروبه و مقاماته، و أنّ رجوع من رجع من هزيمته فانّما كان عند ما بان لهم من النّصر و أماراته.
قال الشارح الفقير: هذا قليل من كثير و يسير من جم غفير من مناقبه و مفاخره و مجاهداته و مواساته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوردته باقتضاء المقام و شرحا لمعنى قوله عليه السّلام: و لقد واسيته في المواطن الّتي تنكص فيها الأبطال و تتأخر فيها الأقدام و كم له عليه السّلام من الاثار و المناقب و الأخبار الّتي لا تستر، و المفاخر و الفضائل و المجاهدات المثبتة في كتب التواريخ و السّير، و كم له من المزايا و الخلال و البلاء المذكور في النّزال، و لا صدرت منه عليه السّلام، هذه الأفعال إلّا عن نجدة و شجاعة تذلّ لها الأبطال، و تقلّ لديها الأهوال، و لا تقوم بوصفها الأقلام و الأقوال، و لا يحتاج في اثباتها إلى تجشّم الاستدلال، و على الجملة و التفصيل فمقام بأسه و نجدته لا ينال و ما ذا بعد الحقّ إلّا الضّلال.
الثالثة ما أشار إليه بقوله (و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و انّ رأسه لعلى صدرى) قيل: لعلّه عليه السّلام أسنده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى صدره عند اشتداد مرضه، و قيل: انّه كان رأسه على ركبته فيكون رأسه صلّى اللّه عليه و آله، في صدره عند اكبابه عليه، و الأول أظهر.
و يؤيده ما في البحار عن أمالي الشّيخ عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: كنتعند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في مرضه الّذى قبض فيه و كان رأسه في حجرى و العبّاس يذبّ عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فاغمى عليه اغماء ثمّ فتح عينه فقال: يا عبّاس يا عمّ رسول اللّه اقبل وصيّتى و اضمن دينى و عداتى، فقال العباس: يا رسول اللّه أنت أجود من الرّيح المرسلة و ليس في مالى وفاء لدينك و عداتك، فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك ثلاثا يعيده عليه و العبّاس فى كلّ ذلك يجيبه بما قال أوّل مرّة.
قال: فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لأقولنّها لمن يقبلها و لا يقول يا عبّاس مثل مقالتك، فقال: يا على اقبل وصيّتى و اضمن دينى و عداتى.
قال: فخنقتنى العبرة و ارتج جسدى و نظرت إلى رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يذهب و يجيء في حجرى فقطرت دموعى على وجهه و لم اقدر أن اجيبه، ثمّ ثنّى فقال: اقبل وصيّتى و اضمن دينى و عداتى قال: قلت: نعم بأبي و امّى قال: اجلسنى، فأجلسته فكان ظهره في صدرى فقال: يا على أنت أخي في الدّنيا و الاخرة، و وصيّى و خليفتى في أهلي.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: يا بلال هلمّ سيفى و درعى و بغلتى و سرجها و لجامها و منطقتي الّتي أشدّ بها على درعى، فجاء بلال بهذه الأشياء فوقف بالبغلة بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا على قم فاقبض، فقال: قمت و قام العبّاس فجلس مكاني فقمت فقبضت ذلك، فقال: انطلق به إلى منزلك، فانطلقت ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قائما فنظر إلىّ ثمّ عمد إلى خاتمه فنزعه ثمّ دفعه إلىّ فقال: هاك يا عليّ هذا لك فى الدّنيا و الاخرة و البيت غاصّ من بني هاشم و المسلمين.
فقال: يا بنيّ هاشم يا معشر المسلمين لا تخالفوا عليّا فتضلّوا و لا تحسدوه فتكفروا، يا عبّاس قم من مكان عليّ عليه السّلام، فقال: تقيم الشيخ و تجلس الغلام فأعادها ثلاث مرّات فقام العبّاس فنهض مغضبا و جلست مكانى.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عبّاس يا عمّ رسول اللّه لا اخرج من الدّنيا و أنا ساخط عليك فيدخلك سخطى عليك النّار فرجع و جلس.
و من الامالي أيضا عنه عليه السّلام في حديث قال:
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا علي أجلسني، فأجلسته و أسندته إلى صدرى قال عليّ عليه السّلام: فلقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليثقل ضعفا و هو يقول يسمع أهل البيت أعلاهم و أدناهم: إنّ أخي و وصيّي و وزيري و خليفتي في أهلي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، يقضي ديني و ينجز وعدي، يا بني هاشم يا بني عبد المطلب لا تبغضوا عليّا و لا تخالفوا عن أمره فتضلّوا، و لا تحسدوه و ترغبوا عنه فتكفروا، أضجعنى يا علي فأضجعته، الحديث.
و فى البحار من الأمالي أيضا باسناده عن ابن أبي رافع عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: دخلت على نبيّ اللّه و هو مريض فاذا رأسه في حجر رجل أحسن ما رأيت من الخلق و النّبي نائم، فلمّا دخلت عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال الرّجل: ادن إلى ابن عمّك فأنت أحقّ به منّى، فدنوت منهما فقام الرّجل و جلست مكانه و وضعت رأس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجرى كما كان في حجر الرّجل، فمكث ساعة ثمّ إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله استيقظ فقال: أين الرّجل الّذى كان رأسى في حجره فقلت: لمّا دخلت عليك دعانى إليك ثمّ قال: ادن إلى ابن عمّك فأنت أحقّ به منّى ثمّ قام فجلست مكانه، فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فهل تدرى من الرّجل قلت: لا بأبي و امّى، فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ذاك جبرئيل كان يحدّثنى حتّى خفّ عنّى وجعى و نمت و رأسى في حجره.
و أما كيفية وفاته صلوات اللّه و سلامه عليه و آله
ففى البحار من امالي الصّدوق باسناده عن ابن عبّاس قال: لمّا مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عنده أصحابه، قام إليه عمّار بن ياسر فقال له: فداك أبي و امّي يا رسول اللّه فمن يغسلك منّا إذا كان ذلك منك قال: ذلك عليّ ابن أبي طالب لأنّه لا يهم بعضو من أعضائي إلّا أعانته الملائكة على ذلك.
فقال له: فداك أبي و امّي يا رسول اللّه فمن يصلّى عليك منّا إذا كان ذلكمنك قال: منه رحمك اللّه.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: يا ابن أبي طالب إذا رأيت روحى قد فارقت جسدى فاغسلنى و انق غسلى و كفنى في طمرىّ هذين أو في بياض مصر حبرة و برديمان، و لا تغال في كفنى و احملونى حتّى تضعونى على شفير قبرى، فأوّل من يصلّى عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصى عددهم إلّا اللّه جلّ و عزّ ثمّ الحافّون بالعرش ثمّ سكّان أهل سماء فسماء ثمّ جلّ أهل بيتي و نسائي الأقربون فالأقربون يؤمون ايماء و يسلمون تسليما لا يؤذوني بصوت نادبة «نائحة خ» و لا مرنّة ثمّ قال: يا بلال هلمّ عليّ بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متعصّبا بعمامته متوكئا على قوسه حتّى صعد المنبر فحمد اللّه و أثني عليه ثمّ قال: معاشر أصحابي أىّ نبيّ كنت لكم أ لم اجاهد بين أظهركم أ لم تكسر رباعيّتي أ لم يعفر جبيني أ لم تسل الدّماء على حرّ وجهى حتّى كنفت«» لحيتى أ لم اكابد الشدّة و الجهد مع جهّال قومى أ لم أربط حجر المجاعة على بطنى قالوا: بلى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لقد كنت للّه صابرا، و عن منكر بلاء اللّه ناهيا، فجزاك اللّه عنّا أفضل الجزاء.
قال صلّى اللّه عليه و آله: و أنتم فجزاكم اللّه ثمّ قال: إنّ ربّي عزّ و جلّ حكم و اقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم، فناشدتكم باللّه أىّ رجل منكم كانت له قبل محمّد مظلمة إلّا قام فليقتصّ منه فالقصاص في دار الدّنيا أحبّ إلىّ من القصاص في دار الاخرة على رءوس الملائكة و الأنبياء.
فقام إليه رجل من أقصى القوم يقال له: سوادة بن قيس فقال له: فداك أبي و امّى يا رسول اللّه إنّك لمّا أقبلت من الطايف استقبلتك و أنت على ناقتك الغضباء و بيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب و أنت تريد الرّاحلة فأصاب بطنى فلا أدرى عمدا أو خطاء.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: معاذ اللّه أن أكون تعمّدت، ثمّ قال: يا بلال قم إلى منزل فاطمة فائتنى بالقضيب الممشوق.
فخرج بلال و هو ينادى في سكك المدينة: معاشر الناس من ذا الذى يعطى القصاص من نفسه قبل يوم القيامة فهذا محمّد صلّى اللّه عليه و آله يعطى القصاص من نفسه قبل يوم القيامة.
و طرق بلال الباب على فاطمة عليها السّلام و هو يقول: يا فاطمة قومى فوالدك يريد القضيب الممشوق فأقبلت فاطمة عليها السّلام و هى تقول: يا بلال و ما يصنع والدى بالقضيب و ليس هذا يوم القضيب، فقال بلال: يا فاطمة أما علمت أنّ والدك قد صعد المنبر و هو يودّع أهل الدّين و الدّنيا، فصاحت فاطمة عليها السّلام و قالت: و اغماه لغمك يا أبتاه من للفقراء و المساكين و ابن السبيل يا حبيب اللّه و حبيب القلوب، ثمّ ناولت بلالا القضيب، فخرج حتّى ناوله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أين الشيخ فقال الشيخ: ها أنا ذا يا رسول اللّه بأبي أنت و امّى فقال: فاقتصّ منّى حتى ترضى، فقال الشيخ: فاكشف لى عن بطنك يا رسول اللّه، فكشف عن بطنه فقال الشيخ: بأبي أنت و امّى يا رسول اللّه أ تأذن لى أن أضع فمى على بطنك فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من النار.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، يا سوادة بن قيس أ تعفو أم تقتصّ فقال: بل أعفو يا رسول اللّه، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اللهمّ اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن محمّد نبيك.
ثمّ قام رسول اللّه فدخل بيت امّ سلمة و هو يقول، ربّ سلّم امة محمّد من النار و يسّر عليهم الحساب، فقالت امّ سلمة: يا رسول اللّه ما لي أراك مغموما متغيّر اللون فقال صلّى اللّه عليه و آله، نعيت إلى نفسى هذه الساعة فسلام لك في الدّنيا فلا تسمعين بعد هذا اليوم صوت محمّد أبدا، فقالت أمّ سلمة: واحزناه حزنا لا تدركه الندامة عليك يا محمّد ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ادع لي حبيبة قلبي و قرّة عيني فاطمة، فجاءت فاطمة و هي تقول: نفسى لنفسك الفداء و وجهى لوجهك الوفاء يا أبتاه ألا تكلّمنى كلمة فانى أنظر إليك و أراك مفارق الدّنيا و أرى عساكر الموت تغشاك شديدا.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لها: يا بنية إنّى مفارقك فسلام عليك منّى، قالت: يا أبتاه فأين
الملتقى يوم القيامة قال صلّى اللّه عليه و آله: عند الحساب، قالت: فان لم ألقك عند الحساب قال: عند الشفاعة لامتى، قالت: فان لم ألقك عند الشفاعة لأمتك قال: عند الصراط جبرئيل عن يميني و ميكائيل عن يسارى و الملائكة خلفى و قدّامى ينادون ربّ سلم امة محمّد من النار و يسّر عليهم الحساب، قالت فاطمة: فأين والدتى خديجة قال: في قصر له أربعة أبواب إلى الجنة.
ثمّ اغمى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فدخل بلال و هو يقول: الصّلاة رحمك اللّه، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صلّى بالنّاس و خفّف الصّلاة.
ثمّ قال: ادعوا لى عليّ بن أبي طالب و اسامة بن زيد، فجاءا فوضع صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده على عاتق عليّ و الاخرى على اسامة ثمّ قال: انطلقا بي إلى فاطمة، فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها فاذا الحسن و الحسين يبكيان و يصطرخان و هما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء و وجوهنا لوجهك الوقاء.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من هذان يا عليّ فقال عليه السّلام: ابناك الحسن و الحسين، فعانقهما و قبّلهما و كان الحسن عليه السّلام أشدّ بكاء فقال صلّى اللّه عليه و آله: كفّ يا حسن فقد شققت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فنزل ملك الموت قال: السلام عليك يا رسول اللّه قال: و عليك السّلام يا ملك الموت لي إياك حاجة، قال: و ما حاجتك يا نبيّ اللّه قال: حاجتي أن لا تقبض روحى حتى يجيئني جبرئيل فتسلم علىّ و اسلم عليه.
فخرج ملك الموت و هو يقول: يا محمّداه، فاستقبله جبرئيل فى الهواء فقال: يا ملك الموت قبضت روح محمّد قال: لا يا جبرئيل سألنى أن لا أقبضه حتى يلقاك فتسلم عليه و يسلم عليك، فقال جبرئيل: يا ملك الموت أما ترى أبواب السماء مفتّحة لروح محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أما ترى الحور العين قد تزيّن لروح محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثم نزل جبرئيل فقال: السلام عليك يا أبا القاسم فقال: و عليك السلام يا جبرئيل ادن منى حبيبى جبرئيل، فدنا منه، فنزل ملك الموت فقال له جبرئيل: يا ملك الموت احفظ وصية اللّه في روح محمّد، و كان جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ملك الموت
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 12 ، صفحهى 236
آخذ بروحه، فلما كشف الثوب عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نظر إلى جبرئيل فقال له عند الشدائد تخذلني، فقال: يا محمّد إنك ميّت و انهم ميّتون، كلّ نفس ذائقة الموت.
فروى عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى ذلك المرض كان يقول: ادعوا الى حبيبى فجعل يدعا له رجل بعد رجل فيعرض عنه فقيل لفاطمة عليها السّلام امضى إلى علىّ فما نرى رسول اللّه يريد غير عليّ، فبعث فاطمة إلى علىّ عليه السّلام فلما دخل فتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عينيه و تهلّل وجهه ثم قال: إليّ يا علي إليّ يا علي فما زال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يدنيه حتى أخذه بيده و أجلسه عند رأسه ثمّ اغمى عليه فجاء الحسن و الحسين عليهما السّلام يصيحان و يبكيان حتى وقعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأراد علىّ أن ينحيهما عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال يا على دعنى أشمّهما و يشمّانى و أتزوّد منهما و يتزوّدان منّي أما أنهما سيظلمان بعدي و يقتلان ظلما فلعنة اللّه على من يظلمهما يقول ذلك ثلاثا.
ثمّ مدّ يده إلى علىّ فجذبه إليه حتى أدخله تحت ثوبه الذى كان عليه، و وضع فاه على فيه و جعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة صلوات اللّه عليه و آله.
فانسلّ علىّ من تحت ثيابه و قال: اعظم اللّه اجوركم فى نبيّكم فقد قبضه اللّه إليه، فارتفعت الأصوات بالضجة و البكاء فقيل لأمير المؤمنين عليه السّلام: ما الذى ناجاك به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين أدخلك تحت ثيابه فقال: علّمنى ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب قال الشارح عفى اللّه عنه: ما فى هذا الحديث من قصة سوادة مناف للاصول المحكمة و الأدلة القاطعة العقلية و النقلية الدّالة على كون الأنبياء معصومين من السهو و الخطاء و النسيان كعصمتهم من المعاصى مطلقا حسبما عرفته تفصيلا فى شرح الفصل الثاني عشر من الخطبة الاولى، فلا بدّ من تأويله على وجه لا ينافي العصمة أو ردّه لمخالفته لاصول مذهب الاماميّة، و لعلّ الصدوق رواه بناء على مذهبه من تجويزه السهو على النبيّ كما صرّح به فى الفقيه و غيره.
و فى كشف الغمة من كتاب أبى إسحاق الثعلبى قال: دخل أبو بكر على النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد ثقل فقال: يا رسول اللّه متى الأجل قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد حضر، قال أبو بكر: اللّه المستعان على ذلك فالى ما المنقلبقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إلى السدرة المنتهى و الجنة المأوى و إلى الرفيق الأعلى و الكاس الأوفى و العيش المهنىّ، قال أبو بكر: فمن يلي غسلك قال: رجال أهل بيتى الأدنى فأدنى قال: ففيم نكفنك قال: فى ثيابى هذه التي عليّ أو فى حلّة يمانية أو في بياض مصر قال: كيف الصلاة عليك فارتجت الأرض بالبكاء.
فقال لهم النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: مهلا عفى اللّه عنكم إذا غسلت فكفنت فضعونى على سريرى فى بيتى على شفير قبرى ثمّ اخرجوا عنى ساعة فان اللّه تبارك و تعالى أوّل من يصلّي عليّ ثمّ يأذن الملائكة في الصّلاة علىّ، فأوّل من ينزل جبرئيل ثمّ إسرافيل ثمّ ميكائيل ثمّ ملك الموت عليهم السّلام فى جنود كثير من الملائكة بأجمعها، ثمّ ادخلوا علىّ زمرة زمرة فصلّوا عليّ و سلموا تسليما و لا تؤذوني بتزكية«» و لا رنّة، و ليبدأ بالصلاة علىّ الأدنى فالأدنى من أهل بيتى، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان زمرا.
قال أبو بكر: فمن يدخل قبرك قال: الأدنى فالأدنى من أهل بيتى مع ملائكة لا ترونهم، قوموا فأدّوا عنّى إلى من ورائكم فقلت للحارث بن مرّة: من حدّثك بهذا الحديث قال: عبد اللّه بن مسعود عن عليّ عليه السّلام قال: كان جبرئيل ينزل على النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى مرضه الذى قبض فيه فى كلّ يوم و ليلة فيقول: السلام عليك إنّ ربّك يقرؤك السلام فيقول: كيف تجدك و هو أعلم بك و لكنه أراد أن يزيدك كرامة و شرفا إلى ما أعطاك على الخلق و أراد أن يكون عيادة المريض سنة فى امتك.
فيقول له النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن كان وجعا: يا جبرئيل أجدنى وجعا، فقال له جبرئيل اعلم يا محمّد أنّ اللّه لم يشدد عليك و ما من أحد من خلقه أكرم عليه منك، و لكنه أحبّأن يسمع صوتك و دعاءك حتّى تلقاه مستوجبا للدّرجة و الثواب الذى أعدّ لك و الكرامة و الفضيلة على الخلق.
و إن قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أجدني مريحا في عافية قال له: فاحمد اللّه على ذلك فانّه يحبّ أن تحمده و تشكره ليزيدك إلى ما أعطاك خيرا فانّه يحبّ أن يحمد و يزيد من شكر.
قال: و انّه نزل عليه في الوقت الذى كان ينزل فيه فعرفنا حسّه فقال عليّ عليه السّلام فخرج من كان في البيت غيرى، فقال له جبرئيل: يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام و يسألك و هو أعلم بك كيف تجدك فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أجدني ميّتا، قال له جبرئيل: يا محمّد ابشر فانّ اللّه إنّما أراد أن يبلّغك بما تجد ما أعدّ لك من الكرامة قال له النّبي صلّى اللّه عليه و آله: إنّ ملك الموت استأذن عليّ فأذنت له فدخل و استنظرته مجيئك فقال له جبرئيل: يا محمّد إنّ ربك إليك مشتاق فما استاذن ملك الموت على أحد قبلك و لا يستأذن على أحد بعدك فقال له النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تبرح يا جبرئيل حتّى يعود.
ثمّ أذن للنساء فدخلن عليه فقال لابنته: ادني منّي يا فاطمة فأكبّت عليه فناجاها فرفعت رأسها فعيناها تهملان دموعا، فقال لها: ادني منّي فدنت منه فأكبّت عليه فناجاها فرفعت رأسها و هي تضحك.
فتعجّبنا لما رأينا، فسألناها فأخبرتنا أنّه نعى إليها نفسه فبكت فقال لها يا بنيّة لا تجزعي فانّي سألت اللّه أن يجعلك أوّل أهل بيتي لحاقا بي فأخبرني أنّه قد استجاب لي فضحكت قال: ثمّ دعا النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و الحسين عليهما السّلام فقبّلهما و شمّهما و جعل يترشفهما و عيناه تهملان.
قال الشارح عفى اللّه عنه: و لقد كنت عند نقلي هذه الرّواية للثعلبي كاد أن يشرح قلبي بالسّكاكين ممّا تضمّنه صدرها من شنيع فعل أبي بكر و إصراره فى سؤال الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من أجله و غسله و دفنه و كفنه و منقلبه فى هذه الحال من شدّةمرضه و ضعفه، و قد أحاطت به غمرات الالام، و غشيته طوارق الأوجاع و الأسقام، و كيف تمالك نفسه و لم تخنقه عبرته و بالغ فى السّؤال حتّى ارتجّت الأرض بالبكاء و ألجأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ردعه بقوله: مهلا، فيا للّه ما أقلّ حياء الرّجل و أسوء أدبه و أقسى قلبه و أقبح فعله.
و فى البحار من المناقب عن سهل بن أبي صالح عن ابن عبّاس أنّه اغمى على النبىّ صلّى اللّه عليه و آله فى مرضه فدقّ بابه، فقالت فاطمة: من ذا قال: أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول اللّه أ تأذنون لي في الدّخول عليه فأجابت امض رحمك اللّه لحاجتك فرسول اللّه عنك مشغول.
فمضى ثمّ رجع فدقّ الباب و قال: غريب يستأذن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أ تاذنون للغرباء فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من غشيته و قال: يا فاطمة أ تدرين من هذا قالت: لا يا رسول اللّه، قال: هذا مفرّق الجماعات و منقض «منغص» اللّذات، هذا ملك الموت ما استأذن و اللّه على أحد قبلى و لا يستأذن على أحد بعدى، استأذن عليّ لكرامتي على اللّه ائذنى له فقالت: ادخل رحمك اللّه، فدخل كريح هفافة و قال: السلام على أهل بيت رسول اللّه، فأوصى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى عليّ عليه السّلام بالصبر عن الدّنيا و بحفظ فاطمة و بجمع القرآن و بقضاء دينه و بغسله و أن يعمل حول قبره حايط و بحفظ الحسن و الحسين.
و فى كشف الغمة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: لمّا حضرت النبيّ الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه عليّ عليه السّلام فقال: ما حاجتك قال: اريد الدّخول على رسول اللّه فقال علىّ: لست تصل إليه فما حاجتك فقال الرّجل: إنه لا بدّ من الدّخول عليه، فدخل علىّ عليه السّلام فاستأذن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاذن له فدخل فجلس عند رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ قال: يا نبيّ اللّه إنّي رسول اللّه إليك، قال: و أيّ رسل اللّه أنت قال: أنا ملك الموت أرسلنى إليك يخيّرك بين لقائه و الرّجوع إلى الدّنيا، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فامهلنى حتّى ينزل جبرئيل فأستشيره.
و نزل جبرئيل فقال: يا رسول اللّه الاخرة خير لك من الاولى و لسوف يعطيك ربك فترضى، لقاء اللّه خير لك، فقال عليه السّلام لقاء ربّي خير لى فامض لما امرت به، فقال جبرئيل لملك الموت: لا تعجل حتى أعرج الى السماء «ربى خ» و أهبط، قال ملك الموت: لقد صارت نفسه في موضع لا أقدر على تأخيرها، فعند ذلك قال جبرئيل: يا محمّد هذا آخر هبوطى إلى الدّنيا إنما كنت أنت حاجتى فيها.
و فى البحار من كتاب اعلام الورى قال الصادق عليه السّلام: قال جبرئيل: يا محمّد هذا آخر نزولى إلى الدّنيا إنما كنت أنت حاجتى منها، قال: و صاحت فاطمة و صاح المسلمون و يضعون التراب على رؤوسهم و مات صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة، و روى أيضا لاثنى عشر ليلة من ربيع الأوّل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تسليما كثيرا.
الرابعة ما أشار إليه بقوله (و لقد سالت نفسه في كفّى فأمررتها على وجهى) قال الشارح البحراني: أراد بنفسه دمه يقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قاء وقت موته دما يسيرا و إنّ عليا عليه السّلام مسح بذلك الدّم وجهه، و لا ينافي ذلك نجاسة الدّم لجواز أن يخصّص دم الرّسول كما روى أن أبا طيبة الحجام شرب دمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين حجمه فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا لا ينجع بطنك، انتهى كلامه، و مثله الشارح المعتزلي.
أقول: أمّا طهارة دم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا ريب فيها كما قال الشاعر:
فان تفق الأنام و أنت منهم
فانّ المسك بعض دم الغزال
و يشهد بها آية التطهير فان قلت: لو كان طاهرا لم حذّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبا سعيد الخدرى من شربه كما رواه في البحار من تفسير الامام في حديث طويل قال فيه: و أما الدّم فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله احتجم مرّة فدفع الدّم الخارج منه إلى أبى سعيد الخدرى و قال له: غيّبه، فذهب فشربه فقال صلّى اللّه عليه و آله له: ما صنعت به قال له: شربته يا رسول اللّه، قال: أ لم أقل لك غيّبه فقال له: غيّبته في وعاء حريز، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إيّاك و أن تعود لمثل هذا، ثمّ اعلم أنّ اللّه قد حرّم على النّار لحمك و دمك لما اختلط بلحمى و دمى.
قلت: لعلّ تحذيره عن شربه لأجل حرمته لا لأجل النّجاسة.
و أمّا حمل النفس في قوله عليه السّلام: و لقد سالت نفسه بمعنى الدّم فلا يخفى بعده بل ضعفه، و الأقوى عندى أن يراد بالنّفس نفسه النّاطقة القدسيّة الّتي هي مبدء الفكر و الذّكر و العلم و الحلم و النّباهة، و لها خاصيّة الحكمة و النّزاهة، فيكون محصّل المراد بالكلام أنّ روحه الطيبة الكاملة الّتي هى المصداق الحقيقى لقوله: قل الرّوح من أمر ربّى، و المقصود الأصلى بقوله: و نفخت فيه من روحى، لما فارقت جسده الطاهر فاضت بيدى فمسحت بها على وجهى.
و لعلّ هذا مراد من قال إنّ المراد بسيلان النّفس هبوب النفس عند انقطاع الأنفاس، هذا.
و انّما مسح بها على وجهه إما تيمّنا أو لحكمة عظيمة لا نعرفها.
و انما فعل عليه السّلام ذلك بوصيّة منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما رواه في البحار من مناقب ابن شهر آشوب قال: و من طريقة أهل البيت عليهم السّلام أنّ عايشة دعت أباها فأعرض عنه و دعت حفصة أباها فأعرض عنه و دعت أمّ سلمة عليّا فناجاه طويلا ثمّ اغمى عليه فجاء الحسن و الحسين عليهما السّلام يصيحان و يبكيان حتّى وقعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أراد علىّ عليه السّلام أن ينحّيهما عنه، فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال: يا عليّ دعهما أشمّهما و يشمّاني و أتزوّد منهما و يتزوّدان منّي.
ثمّ جذب عليّا عليه السّلام تحت ثوبه و وضع فاه على فيه و جعل يناجيه، فلمّا حضره الموت قال له: ضع رأسى يا على في حجرك فقد جاء أمر اللّه فاذا فاضت نفسى فتناولها بيدك و امسح بها وجهك ثمّ وجّهنى إلى القبلة و تولّ أمرى و صلّ علىّ أوّل النّاس و لا تفارقنى حتّى توارينى في رمسى و استعن باللّه عزّ و جلّ.
و أخذ علىّ برأسه فوضعه في حجره فاغمي عليه فبكت فاطمة فأومى إليها بالدنوّ منه، فأسرّ إليها شيئا تهلّل وجهها- القصّة- .
ثمّ قضى صلّى اللّه عليه و آله و مدّ أمير المؤمنين عليه السّلام يده اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ثمّ وجّهه و مدّ عليه ازاره و استقبل بالنّظر في أمره.
و فى البحار من كتاب اعلام الورى قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ثمّ وجّهه و غمّضه و مدّ عليه ازاره و اشتغل بالنّظر في أمره.
الخامسة ما أشار إليه بقوله (و لقد وليت) أى باشرت (غسله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الملائكة أعوانى) باطنا، و الفضل بن عباس يعينه ظاهرا و كان مباشرته بغسله صلّى اللّه عليه و آله أيضا بوصيّته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
كما يدل عليه ما رواه في البحار من المناقب عن أبان بن بطة قال يزيد بن بلال قال علىّ عليه السّلام: أوصى النبّي ألّا يغسّله أحد غيرى فانّه لا يرى عورتى أحد إلّا طمست عيناه، قال: فما تناولت عضوا إلّا كأنّما يقلّبه معى ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله.
و روى أنّه لمّا أراد علىّ عليه السّلام غسله استدعا الفضل بن عباس ليعينه و كان مشدود العينين و قد أمره علىّ عليه السّلام بذلك إشفاقا عليه من العمى، و في هذا المعنى قال العبدى:
من ولى غسل النّبي و من لفّقه من بعد في الكفن
و قال آخر:
غسّله إمام صدق طاهر من دنس
الشرك و أسباب الغير
فأورث اللّه عليّا علمه
و كان من بعد إليه يفتقر
و فى البحار من كتاب الطرف لابن طاوس نقلا من كتاب الوصيّة للشّيخ عيسى بن المستفاد الضّرير عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا على أضمنت دينى تقضيه عنّى قال: نعم. قال: اللّهمّ فاشهد، ثمّ قال: يا على تغسلنى و لا يغسلني غيرك فيعمى بصره، قال علىّ عليه السّلام و لم يا رسول اللّه قال: كذلك قال جبرئيل عن ربّى أنّه لا يرى عورتى غيرك إلّا عمىبصره، قال عليّ عليه السّلام فكيف أقوى عليك وحدي قال: يعينك جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و ملك الموت و إسماعيل صاحب السماء الدّنيا، قلت: فمن يناولني الماء قال: الفضل بن العباس من غير أن ينظر إلى شيء منّى فانّه لا يحلّ له و لا لغيره من الرّجال و النساء النظر إلى عورتى، و هى حرام عليهم، فاذا فرغت من غسلى فضعنى على لوح و أفرغ علىّ من بئرى بئر غرس أربعين دلوا مفتّحة الأبواب أو قال أربعين قربة شككت أنا في ذلك ثمّ ضع يدك يا على على صدرى و احضر معك فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام من غير أن ينظروا إلى شيء من عورتى ثمّ تفهّم عند ذلك تفهم ما كان و ما هو كائن إنشاء اللّه.
و من كتاب فقه الرّضا و قال جعفر عليه السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أوصى إلى علىّ أن لا يغسلني غيرك، فقال علىّ عليه السّلام: يا رسول اللّه من يناولني الماء و انّك رجل ثقيل لا استطيع أن اقلبّك فقال: جبرئيل معك يعاونك و يناولك الفضل الماء، و قل له فليغطّ عينيه فانّه لا يرى أحد عورتى غيرك إلّا انفقات عيناه، قال: كان الفضل يناوله الماء و جبرئيل يعاونه و علىّ يغسّله.
و قوله (فضجّت الدّار و الأفنية ملاء يهبط و ملاء يعرج) نسبة الضجيج إلى الدار و الأفنية من التوسّع، و الاسناد إلى المكان، و المراد به ضجيج الملائكة النّازلين فيهما حين موته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بكاؤهم عليه مثل ضجيج ساير الحاضرين لديه.
و يشهد بذلك ما في البحار من كتاب الطرف لابن طاوس في الحديث الذى قدّمنا روايته آنفا و فيه بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله تفهم ما كان و ما هو كائن: أقبلت يا عليّ قال: نعم قال: اللّهمّ فاشهد.
قال: يا عليّ ما أنت صانع لو قد تأمّر القوم عليك بعدي وتقدّموا عليك و بعث إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة ثمّ لبّبت بثوبك تقاد كما يقاد الشّارد من الابل مذموما مخذولا محزونا مهموما و بعد ذلك ينزل بهذه الذّلّ.
قال: فلمّا سمعت فاطمة ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صرخت و بكت، فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبكائها و قال: يا بنيّة لا تبكين و لا تؤذين جلساءك من الملائكة، هذا جبرئيلبكى لبكائك و ميكائيل و صاحب سرّ اللّه إسرافيل، يا بنية لا تبكين فقد بكيت السّماوات و الأرض لبكائك.
فقال عليّ عليه السّلام: يا رسول اللّه انقاد للقوم و أصبر على ما أصابنى من غير بيعة لهم ما لم اصب أعوانا لم اناجز القوم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ اشهد.
و فيه من الكتاب المذكور أيضا من كتاب الوصيّة لعيسى الضّرير عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: لمّا كانت اللّيلة الّتي قبض النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فى صبيحتها دعى عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام و اغلق عليه و عليهم الباب، و قال: يا فاطمة و أدناها منه فناجاها من اللّيل طويلا، فلمّا طال ذلك خرج علىّ و معه الحسن و الحسين و أقاموا بالباب و الناس خلف الباب و نساء النّبي ينظرون إلى علىّ و معه ابناه.
فقالت عايشة: لأمر ما أخرجك منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلا بابنته دونك في هذه السّاعة فقال علىّ عليه السّلام قد عرفت الذى خلا بها و أرادها له و هو بعض ما كنت فيه و أبوك و صاحباه ممّا قد سمّاه، فوجمت أن تردّ عليه كلمة قال عليّ عليه السّلام: فما لبثت أن نادتني فاطمة عليها السّلام فدخلت على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و هو يجود بنفسه فبكيت و لم أملك نفسى حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لي: ما يبكيك يا على ليس هذا أو ان البكاء فقد حان الفراق بينى و بينك فاستودعك اللّه يا أخى فقد اختار لي ربّي ما عنده، و إنما بكائي و غمّي و حزنى عليك و على هذه- أى فاطمة أن تضيع بعدى، فقد أجمع القوم على ظلمكم و قد استودعكم اللّه و قبلكم منّى وديعة يا عليّ قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء و أمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها فهي الصّادقة المصدّقة.
ثمّ ضمها إليه و قبّل رأسها و قال: فداك أبوك يا فاطمة، فعلا صوتها بالبكاء ثمّ ضمها إليه و قال: و اللّه لينتقمنّ اللّه ربّي و ليغضبنّ لغضبك، فالويل ثمّ الويل للظالمين ثمّ بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو قال عليّ عليه السّلام: فو اللّه لقد حسبت بضعة منّي قد ذهبت لبكائه صلّى اللّه عليه و آله حتّى هملت عيناه مثل المطر حتّى بلّت دموعه لحيته و ملاءة كانت عليه و هو يلتزم فاطمة لا يفارقها و رأسه على صدرى و أنا مسنده و الحسن و الحسين يقبلان قدميه و يبكيان بأعلى أصواتهما قال عليّ عليه السّلام: فلو قلت إنّ جبرئيل في البيت لصدقت لأنّى كنت اسمع بكاء و نغمة لا أعرفها و كنت أعلم أنّها أصوات الملائكة لا أشكّ فيها، لأنّ جبرئيل لم يكن في مثل تلك اللّيلة يفارق النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لقد رأيت بكاء منها أحسب أنّ السّماوات و الأرضين قد بكت لها.
ثمّ قال لها: يا بنيّة اللّه خليفتي عليكم و هو خير خليفة.
و الّذى بعثني بالحقّ لقد بكى لبكائك عرش اللّه و ما حوله من الملائكة و السّماوات و الأرضون و ما بينهما.
يا فاطمة و الذى بعثني بالحقّ لقد حرّمت الجنّة على الخلايق حتّى أدخلها و أنّك لأوّل خلق اللّه يدخلها بعدى كاسية حالية ناعمة، يا فاطمة هنيئا لك.
و الذى بعثني بالحقّ إنّك لسيّدة من يدخلها من النّساء، و الّذى بعثني بالحقّ إنّ جهنّم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرّب و لا نبىّ مرسل إلّا صعق، فينادى إليها أن يا جهنّم يقول لك الجبّار اسكني بعزّى و استقرّى حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد إلى الجنان لا يغشيها قتر و لا ذلّة.
و الذي بعثني بالحقّ ليدخلنّ حسن و حسين، حسن عن يمينك و حسين عن يسارك و لتشرفنّ من أعلى الجنان بين يدي اللّه فى المقام الشريف و لواء الحمد مع علىّ بن أبي طالب يكسى إذا كسيت و يحبى إذا حبيت.
و الّذي بعثني بالحقّ لأقومنّ لخصومة أعدائك و ليندمنّ قوم أخذوا حقّك و قطعوا مودّتك و كذبوا عليّا و ليختلجنّ دوني فأقول: امّتى امّتى، فيقال: انّهم بدلوا بعدك و صاروا إلى السّعير.
قال الشارح عفى اللّه عنه: و إنّما أوردت هذه الرّواية بتمامها و طولها مع كون موضع الحاجة منها بعضها كأكثر الأخبار المتقدّمة في شرح هذه الخطبة،لكونها متضمّنة مثل ساير ما تقدّم للغرض الّذى سوق هذه الخطبة لأجله مؤكّدة له، و هو إفادة مزيد اختصاصه عليه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قرباه منه، على أنا أحببنا أن يكون شرح هذه الخطبة متكفلا لجمل أخبار وفاة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.
و قوله (و ما فارقت سمعى هينمة منهم) أى لم يغب أصواتهم عن سمعى و لم تخف علىّ، و يدلّ عليه عموم الأخبار المفيدة لكونه محدثا يسمع صوت الملك و لا يرى شخصه، و قد تقدّمت جملة منها فى التنبيه الثاني من شرح الفصل الثامن من الخطبة المأة و الحادية و التسعين.
و يدل عليه خصوصا بل يدلّ على رؤيته عليه السّلام لهم أيضا فى تلك الحال ما رواه فى البحار من كتاب بصاير الدّرجات عن أحمد بن محمّد و أحمد بن اسحاق عن القاسم بن يحيى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هبط جبرئيل و معه الملائكة و الرّوح الذين كانوا يهبطون فى ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم فى منتهى السماوات إلى الأرض يغسّلون النبيّ معه و يصلّون عليه معه و يحفرون له، و اللّه ما حفر له غيرهم حتى إذا وضع فى قبره نزلوا مع من نزل، فوضعوه فتكلّم، و فتح لأمير المؤمنين سمعه فسمعه يوصيهم به فبكى عليه السّلام و سمعهم يقولون لا نالوه جهدا و انما هو صاحبنا بعدك إلّا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرّتنا هذه.
حتّى إذ مات أمير المؤمنين عليه السّلام رأى الحسن و الحسين عليهما السّلام مثل ذلك الذى رأى و رأيا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعين الملائكة مثل الذى صنعوا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
حتّى اذا مات الحسن عليه السّلام رأى منه الحسين مثل ذلك و رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليا عليه السّلام يعينان الملائكة.
حتى إذا مات الحسين عليه السّلام رأى عليّ بن الحسين عليهما السّلام منه مثل ذلك و رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليا و الحسن عليهما السّلام يعينون الملائكة.
حتّى إذا مات عليّ بن الحسين عليهما السّلام رأى محمّد بن عليّ مثل ذلك و رأى النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و عليا و الحسن و الحسين عليهم السّلام يعينون الملائكة.
حتى إذا مات محمّد بن علىّ عليهما السّلام رأى جعفر عليه السّلام مثل ذلك و رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليا و الحسن و الحسين و علىّ بن الحسين عليهم السّلام يعينون الملائكة.
حتّى إذا مات جعفر عليه السّلام رأى موسى عليه السّلام منه مثل ذلك، هكذا يجري إلى آخر و قوله (يصلّون عليه) صريح في صلاة الملائكة، و قد مرّ في شرح قوله عليه السّلام: و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رواية الأمالي إنّ أوّل من يصلّى عليه هو اللّه سبحانه ثمّ الملائكة، ثمّ المسلمون.
و روى في الكافي بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لما قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلّت عليه الملائكة و المهاجرون و الأنصار فوجا فوجا و قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول في صحّته و سلامته: إنّما انزلت هذه الاية علىّ في الصّلاة بعد قبض اللّه لى: إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما.
و فى البحار من الاحتجاج و في رواية سليم بن قيس الهلالى عن سلمان الفارسي أنّه قال: أتيت عليّا عليه السّلام و هو يغسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد كان أوصى أن لا يغسله غير عليّ عليه السّلام و أخبر عنه أنّه لا يريد أن يقلّب منه عضو إلّا قلب له، و قد قال أمير المؤمنين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من يعينني على غسلك يا رسول اللّه قال: جبرئيل.
فلمّا غسّله و كفّنه أدخلنى و أدخل أبا ذر و المقداد و فاطمة و حسنا و حسينا عليهم السّلام فتقدّم و صففنا خلفه و صلّى عليه، و عايشة فى الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثمّ ادخل عشرة عشرة من المهاجرين و الأنصار فيصلّون و يخرجون، حتى لم يبق أحد من المهاجرين و الأنصار إلّا صلّى عليه، الخبر.
و من كتاب اعلام الورى قال أبان: و حدّثنى أبو مريم عن أبي جعفر عليه السّلام قال قال الناس: كيف الصلاة عليه فقال عليّ عليه السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إمامنا حيا و ميتا فدخل عليه عشرة عشرة فصلّوا عليه يوم الاثنين و ليلة الثلثاء حتّى صلّى عليه كبيرهم و صغيرهم و ذكرهم و انثاهم و ضواحي المدينة بغير إمام.
و من المناقب قال أبو جعفر عليه السّلام قال الناس: كيف الصلاة فقال علىّ عليه السّلام إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إمام حيا و ميتا فدخل عليه عشرة عشرة فصلّوا عليه يوم الاثنين و ليلة الثلثاء حتى الصّباح و يوم الثلثاء حتّى صلّى عليه الأقرباء و الخواص، و لم يحضر أهل السقيفة و كان عليّ عليه السّلام أنفذ اليهم بريدة، و إنّما تمّت بيعتهم بعد دفنه و من المناقب و سئل الباقر عليه السّلام كيف كانت الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال لمّا غسله أمير المؤمنين و كفّنه و سجّاه و ادخل عليه عشرة فداروا حوله، ثمّ وقف أمير المؤمنين عليه السّلام في وسطهم فقال: إنّ اللّه و ملائكته، الاية فيقول القوم مثل ما يقول حتّى صلّى عليه أهل المدينة و أهل العوالى.
قال المحدّث العلامة المجلسي (قد) بعد إيراد هذه الأخبار في البحار: يظهر من مجموعها أنّ الصّلاة الحقيقيّة هي التي كان أمير المؤمنين عليه السّلام صلّاها أوّلا مع الستة المذكورين في خبر سليم، و لم يدخل في ذلك سوى الخواص من أهل بيته و أصحابه لئلّا يتقدّم أحد من لصوص الخلافة في الصلاة أو يحضر أحد من هؤلاء المنافقين فيها، ثمّ كان يدخل عشرة عشرة من الصحاب فيقرأ الاية و يدعون و يخرجون من غير صلاة.
و قوله (حتّى و اريناه في ضريحه) روى فى البحار من المناقب قال: و اختلفوا أين يدفن فقال بعضهم: في البقيع، و قال آخرون: في صحن المسجد، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ اللّه لم يقبض نبيا إلّا في أطهر البقاع فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها، فاتّفقت الجماعة على قوله و دفن في حجرته.
و من فقه الرّضا عليه السّلام و قال جعفر عليه السّلام فلما أن فرغ من غسله و كفنه أتاه العباس فقال: يا عليّ إنّ الناس قد اجتمعوا على أن يدفن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى بقيع المصلّى و أن يؤمّهم رجل منهم، فخرج علىّ عليه السّلام إلى الناس فقال: يا أيها الناس أما تعلمون أنّ رسول اللّه إمامنا حيا و ميتا و هل تعلمون أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعن من جعل القبور مصلّى، و لعن من جعل مع اللّه إلها و لعن من كسر رباعيّته و شقّ لثته، قال: فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت قال: و إنى أدفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى البقعة التي قبض فيها، الحديث.
و من أعلام الورى عن أبى جعفر عليه السّلام قال: و خاض المسلمون فى موضع دفنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال علىّ عليه السّلام: إنّ اللّه لم يقبض نبيا فى مكان إلّا و ارتضاه لرمسه فيه، و إنى دافنه فى حجرته التي قبض فيها، فرضى المسلمون بذلك.
فلما صلّى المسلمون عليه أنفذ العباس إلى أبى عبيدة بن الجراح و كان يحفر لأهل مكة و يضرح، و أنفذ إلى زيد بن سهل أبي طلحة و كان يحفر لأهل المدينة و يلحد فاستدعاهما و قال: اللهمّ خر لنبيك، فوجد أبو طلحة فقيل له: احفر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فحفر له لحدا و دخل أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و العباس و الفضل و اسامة بن زيد ليتولّوا دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فنادت الأنصار من وراء البيت: يا على إنا نذكرك اللّه و حقّنا اليوم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يذهب ادخل منّا رجلا يكون لنا حظّ به من مواراة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال ليدخل أوس بن خولى رجل من بنى عوف بن الخزرج و كان بدريا، فدخل البيت و قال له عليّ عليه السّلام: انزل القبر فنزل، و وضع علىّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على يديه ثمّ ولاه فى حفرته، ثمّ قال له: اخرج فخرج، و نزل علىّ عليه السّلام فكشف عن وجهه و وضع خدّه على الأرض موجّها إلى القبلة على يمينه ثمّ وضع عليه اللبن و أهال عليه التراب.
و من الدّيوان المنسوب إليه عليه السّلام في رثائه صلوات اللّه و سلامه عليه و آله:
أ من بعد تكفين النّبي و دفنه
بأثوابه آسى على هالك ثوى
رزئنا رسول اللّه فينا فلن نرى
بذاك عديلا ما حيينا من الرّدى
و كان لنا كالحصن من دون أهله
له معقل حرز حريز من الرّدى
و كنّا بمرآه نرى النّور و الهدى
صباحا مساء راح فينا أو اغتدى
لقد غشيتنا ظلمة بعد موته
نهارا فقد زادت على ظلمة الدّجى
فيا خير من ضمّ الجوانح و الحشا
و يا خير ميت ضمّه الترب و الثرى
كأنّ امور الناس بعدك ضمّنت
سفينة موج حين في البحر قد سما
و ضاق فضاء الأرض عنهم برجة
لفقد رسول اللّه إذ قيل قد مضى
فقد نزلت بالمسلمين مصيبة
كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا
فلن يستقلّ الناس تلك مصيبة
و لم يجبر العظم الذى منهم و هى
و في كلّ وقت للصلاة يهيجه
بلال و يدعو باسمه كلّما دعا
و يطلب أقوام مواريث هالك
و فينا مواريث النّبوة و الهدى
و قالت فاطمة عليها السّلام في رثائه صلّى اللّه عليه و آله أيضا:
إذا اشتدّ شوقى زرت قبرك باكيا
أنوح و أشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الصّحراء علّمتني البكا
و ذكرك أنساني جميع المصائب
فان كنت عنّى في التّراب مغيّبا
فما كنت عن قلب الحزين بغائب
و لها صلوات اللّه و سلامه عليها أيضا:
إذا مات يوما ميّت قلّ ذكره
و ذكر أبي قد مات و اللّه أزيد
تذكّرت لمّا فرق الموت بيننا
فعزّيت نفسي بالنّبي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
فقلت لها إنّ الممات سبيلنا
و من لم يمت في يومه مات في غد
و لها أيضا ما اشتهر في الألسنة و الأفواه:
ما ذا على من شمّ تربة أحمد
أن لا يشمّ مدى الزّمان غواليا
صبّت علىّ مصائب لو أنّها
صبّت على الأيام صرن لياليا
هذا، و لمّا مهّد عليه السّلام المقدمات المفيدة لمزيد اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قربه منه في حال حياته و حين مماته حسبما عرفته تفصيلا تحقيقا فرّع على ذلك قوله: (فمن ذا أحقّ به منى حيّا و ميتا) و هو استفهام على سبيل الانكار و الابطال يقتضى أنّ ما بعده غير واقع و أنّ مدّعيه كاذب فيفيد كونه أولى به في حياته و أحقّ بالخلافة و الوصاية بعد موته، و هو حقّ لا ريب فيه على رغم الناصب الجاحد و المبغض المعاند.
(فانفذوا) أى أسرعوا إلى قتال عدوّكم مستقرّين (على بصائركم) و عقايدكم الحقّة (و لتصدق نياتكم في جهاد عدوّكم) أى أنهضوا إلى عدوّكم بنيّات صادقة و قلوب طاهرة سالمة من اعتراض الشك و الرّيب و الشبهة و لا يوسوسنكمالشيطان بكونهم من أهل القبلة و الاسلام غير جايز قتلتهم و قتالهم، لأنكم اتباع الامام الحقّ و هم تابعوا الامام الباطل (فو) اللّه (الذى لا إله الّا هو إنّى لعلي جادّة الحقّ و انّهم لعلى مزلّة الباطل) كما يشهد به النّبوى المعروف بين الفريقين: علىّ مع الحقّ و الحقّ مع علىّ.
و لا يخفى حسن المقابلة بين جادّة الحقّ و بين مزلّة الباطل كما لا يخفى لطف إضافة الجادّة إلى الحقّ و إضافة المزلّة إلى الباطل، لأنّ طريق الحقّ لما كان واضحا جليا ثابتا بالبيّنة و البرهان يوصل سالكها إلى منزل الزلفى و جنّات النعيم و طريق الباطل لما كان تمويها و تدليسا مخالفا للواقع يزلّ فيه قدم سالكه و يزلق فيهوى إلى دركات الجحيم.
(أقول ما تسمعون) من قول حقّ و كلام صدق (و أستغفر اللّه لي و لكم).
تنبيهان:الاول
روى الشارح المعتزلي في شرح هذه الخطبة من قصّة وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما هو ظاهر بل نصّ في الطعن على المتخلّفين المنتحلين للخلافة و على المتعصّبين لهم السالكين لطريقتهم من العامّة العمياء أحببت أن أذكر ملخّص ما أورده مما يطعن به عليهم فأقول: قال الشارح: قد روى من قصّة وفاة رسول اللّه عليه السّلام أنه عرضت له الشّكاة الّتي عرضت في أواخر من سنة إحدى عشرة للهجرة فجهّز جيش اسامة بن زيد بالمسير إلى البلقاء حيث أصيب زيد و جعفر من الرّوم.
و خرج صلّى اللّه عليه و آله في تلك اللّيلة إلى البقيع و قال: إنّى قد امرت بالاستغفار عليهم فقال صلّى اللّه عليه و آله: يا أهل القبور ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلا.
ثمّ انصرف إلى بيته، فخطب الناس في غده و أعلمهم بموته ثمّ نزل فصلّىبالناس صلاة حفيفة، ثمّ دخل بيت امّ سلمة.
ثمّ انتقل إلى بيت عايشة يعلّله النساء و الرّجال، أمّا النساء فأزواجه و بنته، و أما الرّجال فعليّ عليه السّلام و العباس و الحسن و الحسين و كانا غلامين يومئذ و كان الفضل بن العباس يدخل احيانا إليهم.
ثمّ حدث الاختلاف بين المسلمين أيّام مرضه.
فأوّل ذلك التنازع الواقع يوم قال: ايتوني بدواة و قرطاس، و تلى ذلك حديث التخلّف عن جيش اسامة، ثمّ اشتدّ به المرض و كان عند خفّة مرضه يصلّي بالناس بنفسه، فلما اشتدّ به المرض أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس.
و قد اختلف في صلاته بهم فالشيعة تزعم أنه لم يصلّ بهم إلّا صلاة واحدة و هى الصلاة التي خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيها يتهادى بين عليّ و الفضل فقام في المحراب مقامه و تأخّر أبو بكر، و الصحيح عندى و هو الأكثر الأشهر أنها لم تكن آخر الصلاة في حياته بالناس جماعة و أنّ أبا بكر صلّى بالناس بعد ذلك يومين.
ثمّ مات صلّى اللّه عليه و آله فمن قائل يقول توفّي لليلتين بقيتا من شهر صفر و هو الذى تقوله الشيعة، و الأكثرون أنه توفّى فى شهر ربيع الأوّل بعد مضىّ أيام منه، و قد اختلفت الرّواية في موته فأنكر عمر ذلك و قال: إنه لم يمت و إنه غاب و إنه سيعود فثناه أبو بكر هذا القول و تلى عليه الايات المتضمّنة أنه سيموت، فرجع إلى قوله و صلّوا عليه ارسالا لا يؤمّهم أحد، و قيل: إنّ عليا عليه السّلام أشار بذلك فقبلوه و أنا أعجب من ذلك لأنّ الصلاة عليه كانت بعد بيعة أبي بكر فما الذى منع من أن يتقدّم أبو بكر فيصلّي عليه إماما و تنازعوا في تلحيده و تضريحه فأرسل العباس عمّه إلى أبي عبيدة بن الجراح و كان يحفر لأهل مكة و يضرح على عادتهم رجلا و أرسل إلى أبي طلحة الأنصارى و كان يلحد لأهل المدينة على عادتهم، رجلا و قال: اللهمّ اختر لنبيّك، فجاء أبو طلحة فلحد له و ادخل في اللحد و تنازعوا فيمن ينزل معه القبر فمنع علىّ الناس أن ينزلوا معه و قال: لا ينزلقبره غيرى و غير العباس، ثمّ أذن في نزول الفضل و اسامة بن زيد مولاهم ثمّ ضجّت الأنصار و سألت أن ينزل منها رجل في قبره فانزلوا أوس بن خولى و كان بدريا.
فأمّا الغسل فانّ عليّا تولّاه بيده و كان الفضل يصبّ عليه الماء، انتهى ما أهمّنا نقله من كلامه و وجوه الطعن في تلك القضيّة على ما صدر من أهل الخلافة غير خفيّة على الفطن العارف إلّا أنا ننبّه على بعضها لكونها أشدّ تشنيعا و طعنا.
أولها ما أشار إليه الشارح بقوله: فأوّل ذلك التنازع الواقع يوم قال ايتونى بدواة و قرطاس، فقد روت العامّة و الخاصة أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أراد في مرضه أن يكتب لامّته كتابا لئلّا يضلّوا بعده و لا يختلفوا، فطلب دواة و كتفا أو نحو ذلك فمنع عمر من احضار ذلك و قال: إنه ليهجر، أو ما يؤدّى هذا المعنى، و قد وصفه اللّه سبحانه بأنه لا ينطق عن الهوى و أنّ كلامه ليس إلّا وحيا يوحى، و كثر اختلافهم و ارتفعت أصواتهم حتّى تسأم و تزجّر فقال بعضهم: احضروا ما طلب، و قال بعضهم: القول ما قاله عمر، و قد قال اللّه سبحانه وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً و قال تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً روى في البحار من كتاب الطرايف للسيّد عليّ بن طاوس رضى اللّه عنه أنّه قال: من أعظم طرايف المسلمين أنّهم شهدوا جميعا أنّ نبيّهم أراد عند وفاته أن يكتب لهم كتابا لا يضلّون بعده أبدا، و أنّ عمر بن الخطاب كان سبب منعه من ذلك الكتاب و سبب ضلال من ضلّ من امّته و سبب اختلافهم و سفك الدّماء بينهم و تلف الأموال و اختلاف الشريعة و هلاك اثنين و سبعين فرقة من أصل فرق الاسلام و سبب خلود من يخلد في النار منهم، و مع هذا كلّه فانّ أكثرهم أطاع عمر بن الخطاب الذى قد شهدوا عليه بهذه الأحوال في الخلافة و عظموه و كفّروا بعد ذلك من يطعن فيه و هم من جملة الطاعنين، و ضلّلوا من يذمّه و هم من جملة الضّالين،و تبرّءوا ممن يقبّح ذكره و هم من جملة المقبّحين فمن روايتهم في ذلك ما ذكره الحميدى في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرّابع من المتفق عليه في صحّته من مسند عبد اللّه بن عباس قال: لمّا احتضر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في بيته رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هلمّوا أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا، فقال عمر بن الخطاب: إنّ النّبي قد غلبه الوجع و عندكم القرآن حسبكم كتاب ربكم.
و في رواية ابن عمر من غير كتاب الحميدى قال عمر: إنّ الرّجل ليهجر.
و في كتاب الحميدى قالوا ما شأنه هجر.
و في المجلّد الثاني من صحيح مسلم فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يهجر.
قال الحميدى: فاختلف الحاضرون عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فبعضهم يقول: القول ما قاله النبي صلّى اللّه عليه و آله فقرّبوا إليه كتابا يكتب لكم، و منهم من يقول: القول ما قاله عمر.
فلمّا اكثروا اللفظ «اللّغط» و الاختلاط قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: قوموا عنّى فلا ينبغي عندى التنازع، فكان ابن عباس يبكى حتّى يبلّ دموعه الحصا و يقول: يوم الخميس و ما يوم الخميس.
قال راوى الحديث فقلت: يا ابن عباس و ما يوم الخميس فذكره عبد اللّه بن عباس يوم منع رسول اللّه من ذلك الكتاب، و كان يقول: الرّزية كلّ الرّزية ما حال بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بين كتابه.
و ثانيها حديث التخلّف عن جيش اسامة، فانّ أبا بكر و عمر و عثمان كانوا من جيشه، و قد كرّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا اشتدّ مرضه الأمر بتجهيز جيشه و لعن المتخلّف عنه فتأخّروا عنه و اشتغلوا بعقد البيعة فى سقيفة بني ساعدة و خالفوا أمره، و شملهم اللّعن و ظهر أنّهم لا يصلحون للخلافة.
قال أصحابنا: و لو تنزّلنا عن هذا المقام و قلنا بما ادّعاه بعضهم من عدم كون أبي بكر من الجيش نقول: لا خلاف أنّ عمر منهم، و قد منعه أبو بكر من النّفوذ معهم، و هذا كالأوّل في كونه معصية و مخالفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،اما انّهم كانوا من جيش اسامة، فقد رواه علم الهدى في الشّافي بطرق كثيرة من العامّة.
قال ره: إنّ كون أبي بكر في جيش أسامة قد ذكره أصحاب السير و التواريخ.
قال: و قد روى البلادرى فى تاريخه و هو معروف ثقة كثير الضّبط و برىء من ممائلة الشيعة: إنّ أبا بكر و عمر كانا معا في جيش اسامة و اورد روايات اخر من أراد الاطلاع عليها فعليه بالمراجعة إلى الكتاب المذكور، و ستطلع عليه ممّا نحكيه عن المفيد في الارشاد في الطعن الاتى.
و أما تخلّفهم عن الجيش فلا ينازع فيه أحد.
و أما أنّ ذلك قادح في خلافتهم و موجب للطعن عليهم، فلاستحقاقهم بسبب التخلف للّعن الصّريح من اللّه و من رسوله، و الملعون لا يصلح للامامة.
أمّا اللعن من اللّه فانّهم لمّا خالفوا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد تأكيده و تكريره آذوه فيدخلون في عموم قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ و قوله وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و أمّا لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلما رواه الشهرستانى في كتاب الملل و النّحل عند ذكر الاختلافات الواقعة في مرض النّبي صلّى اللّه عليه و آله: الخلاف الثاني أنه قال جهّزوا جيش اسامة لعن اللّه من تخلّف عن جيش اسامة، فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره و اسامة قد برز من المدينة، و قال قوم: قد اشتدّ مرض النّبي فلا تسع قلوبنا لمفارقته و الحال هذه، فنصبر حتى نبصر أىّ شيء يكون من أمره.
و ثالثها صلاة أبي بكر بالناس و عدم إقرار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليها دليل على عدم قابليّته للامامة في الصلاة فكيف بامامة الامّة قال المفيد في كتاب الارشاد في قصّة وفاة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و استمرّ به المرض في بيت عايشة أيّاما و ثقل فجاء بلال عند صلاة الصّبح و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مغمور بالمرض فنادى: الصلاة رحمكم اللّه، فاوذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بندائه فقال: يصلّي بالناس بعضهم فانّي مشغول بنفسي فقالت عايشة: مروا أبا بكر،و قالت حفصة: مروا عمر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين سمع كلامهما و رأى حرص كلّ واحدة منهما على التنويه بأبيها و افتنانهما بذلك و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيّ: اكففن فانّكنّ صويحبات يوسف ثمّ قام عليه السّلام مبادرا خوفا من تقدّم أحد الرّجلين، و قد كان أمرهما بالخروج مع اسامة و لم يك عنده أنّهما قد تخلّفا، فلمّا سمع من عايشة و حفصة ما سمع علم أنهما متأخّران عن أمره، فبدر لكفّ الفتنة و إزالة الشّبهة فقام عليه الصلاة و السلام و أنه لا يستقلّ على الأرض من الضّعف، فأخذ بيده عليّ بن أبي طالب و الفضل بن العباس فاعتمد عليهما و رجلاه تخطان الأرض من الضّعف.
فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأومأ إليه بيده أن تأخّر عنه، فتأخّر أبو بكر، و قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مقامه، فكبّر و ابتدء الصلاة الّتي كان قد ابتدأها و لم يبن على ما مضى من أفعاله، فلمّا سلّم انصرف إلى منزله.
و استدعا أبا بكر و عمر و جماعة ممّن حضر بالمسجد من المسلمين ثمّ قال: أ لم آمركم أن تنفذوا جيش اسامة فقالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: فلم تأخّرتم عن أمرى قال أبو بكر: إني خرجت ثمّ رجعت لاجدّد بك عهدا، و قال عمر: يا رسول اللّه إنّى لم أخرج لأنّنى لم أحبّ أن أسأل عنك الرّكب، فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله نفّذوا جيش اسامة يكرّرها ثلاث مرات.
ثمّ اغمي عليه من التّعب الذى لحقه و الأسف الذى ملكه فمكث هنيئة مغمى عليه، و بكى المسلمون و ارتفع النحيب من أزواجه و ولده و ساء المسلمين و جميع من حضر من المسلمين، فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنظر إليهم.
ثمّ قال: ايتونى بدواة و كتف لأكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا، ثمّ اغمى عليه فقام بعض من حضره يلتمس دواة و كتفا فقال له عمر: ارجع فانّه يهجر فرجع و ندم من حضر على ما كان منهم من التّضجيع«» في احضار الدّواة و الكتف و تلاوموا بينهم و قالوا: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسولاللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فلما أفاق قال بعضهم: أ لا نأتيك بدواة و كتف يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: أ بعد الذى قلتم لا، و لكنّي اوصيكم بأهل بيتى خيرا و أعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، انتهى ما أهمّنا نقله من كلامه رضي اللّه عنه.
و قد ذكرناه بطوله لأنّه قد ثبت أنه ثقة مقبول الكلام عند العامة و الخاصة لا مغمز فيه لأحد و لا يطعن بالعصبيّة و الهوى.
ثمّ أقول: يا اولى الأبصار انظروا بنظر الانصاف و الاعتبار إلى سوء حركات هؤلاء الأوغاد الأشرار كيف آذوا رسول اللّه في تلك الحال و قد استولت عليه غمرات الأمراض و الالام و طوارق الأوجاع و الأسقام، و لم يتركوه و حاله ليستريح في فراشه و يشغل بنفسه، حتى ألجئوه إلى الخروج إلى المسجد و رجلاه يخطان الأرض و كابدوه الغصص بالتخلف عن الجيش و نسبوه إلى الهذيان عند طلب الكتف و الدواة لعنهم اللّه و أبعدهم و عذّبهم عذابا أليما.
رابعها إنكار عمر لموته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بلوغه في الجهل إلى حيث لم يعلم بأنّ كلّ نفس ذائقة الموت و أنه يجوز الموت عليه و أنّه اسوة الأنبياء في ذلك، فقال: و اللّه ما مات حتّى يقطع أيدي رجال و أرجلهم، فقال له أبو بكر أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ و قوله تعالى وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ.
قال: فلمّا سمعت ذلك أيقنت بوفاته و سقطت إلى الأرض و علمت أنه قد مات فمن بلغ من غاية الجهل إلى هذه المرتبة كيف يليق بالخلافة الكلّية و الرّياسة الإلهيّة
الثانيلما كان هذه الخطبة الشريفة التي نحن في شرحها مسوقة لذكر مناقبهو خصائصه الجميلة المخصوصة به المفيدة لكونه أحقّ و أولى بالخلافة و الامامة من غيره، أحببت أن اورد رواية متضمنة لجلّ كراماته و بيناته التي لم يشركه فيها أحد تأكيدا للغرض المسوق له الخطبة الشريفة و تكميلا له و هو: ما رواه في البحار من الخصال عن القطان و السنان و الدقاق و المكتب و الوراق جميعا عن ابن زكريّا القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن سليمان بن حكيم عن ثور بن يزيد عن مكحول قال: قال أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب عليه السّلام: لقد علم المستحفظون من أصحاب النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله أنه ليس فيهم رجل له منقبة إلّا و قد شركته فيها و فضلته، و لى سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد منهم، قلت: يا أمير المؤمنين فأخبرني بهنّ فقال عليه السّلام: إنّ أول منقبة لي أنّي لم اشرك باللّه طرفة عين و لم أعبد اللّات و العزّى و الثانية أنّي لم أشرب الخمر قطّ.
و الثالثة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استوهبنى من أبى في صباى فكنت أكيله و شريبه و مونسه و محدّثه.
و الرابعة أنّي أوّل الناس ايمانا و اسلاما.
و الخامسة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: يا علي أنت منّى بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي و السادسة أنّي كنت آخر الناس عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وليته في حفرته.
و السابعة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنا مني على فراشه حيث ذهب إلى الغار و سجّانى ببرده فلما جاء المشركون ظنّوني محمّدا فأيقظوني و قالوا: ما فعل صاحبك فقلت: ذهب في حاجته، فقالوا: لو كان هرب لهرب هذا معه.
و أما الثامنة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علّمني ألف باب من العلم يفتح كلّ باب ألف باب، و لم يعلّم ذلك أحدا غيري.
و أما التاسعة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لي: يا عليّ إذا حشر اللّه عزّ و جل الأوّلين و الاخرين نصب لي منبرا فوق منابر النّبيّين و نصب لك منبرا فوق منابر الوصيّينفترتقى عليه
و أما العاشرة فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا اعطى في القيامة شيئا إلّا سألت لك مثله.
و أما الحادية عشرة فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنت أخي و أنا أخوك يدك في يدي حتّى ندخل الجنّة.
و أما الثانية عشرة فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يا عليّ مثلك في امّتي كمثل سفينة نوح من ركبهافترتقى عليه و أما العاشرة فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا اعطى في القيامة شيئا إلّا سألت لك مثله.
و أما الحادية عشرة فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنت أخي و أنا أخوك يدك في يدي حتّى ندخل الجنّة.
و أما الثانية عشرة فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يا عليّ مثلك في امّتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى و من تخلّف عنها غرق.
و أما الثالثة عشرة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمّمني بعمامة نفسه بيده و دعى لي بدعوات النّصر على أعداء اللّه فهزمتهم باذن اللّه عزّ و جلّ.
و أما الرابعة عشرة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرنى أن امسح يدي على ضرع شاة قد يبس ضرعها فقلت: يا رسول اللّه بل امسح أنت، فقال: يا عليّ فعلك فعلي، فمسحت عليها يدي فدرّ علىّ من لبنها فسقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شربة، ثمّ أتت عجوز فشكت الظماء فسقيتها فقال رسول اللّه: انّى سألت اللّه عزّ و جلّ أن يبارك فى يدك ففعل
و أما الخامسة عشرة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوصى إليّ و قال: يا عليّ لا يلي غسلي غيرك، و لا يواري عورتي غيرك، فانّه إن رأى عورتي غيرك تفقأت عيناه، فقلت له: كيف لي بتقليبك يا رسول اللّه فقال: إنّك ستعان، فو اللّه ما أردت أن اقلّب عضوا من أعضائه إلّا قلب لي.
و أما السادسة عشرة فانّى أردت أن أجرّده عليه السّلام فنوديت: يا أخ «وصىّ خ» محمّد لا تجرّده فغسلته و القميص عليه، فلا و اللّه الذي أكرمه بالنّبوة و خصّه بالرسالة ما رأيت له عورة خصّنى اللّه بذلك من بين أصحابه.
و أما السابعة عشرة فانّ اللّه عزّ و جلّ زوّجني فاطمة و قد كان خطبها أبو بكر و عمر، فزوّجنى اللّه من فوق سبع سماواته فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هنيئا لك يا علي فانّ اللّه عزّ و جلّ قد زوّجك فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة و هي بضعة منّى فقلت: يا رسول اللّه أ و لست منك قال: بلى يا عليّ أنت منّى و أنا منك كيميني من شمالي لا أستغنى عنكفي الدّنيا و الاخرة.
و أما الثامنة عشرة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يا عليّ أنت صاحب لواء الحمد في الاخرة و أنت يوم القيامة أقرب الخلايق منّي مجلسا يبسط لي و يبسط لك فأكون في زمرة النّبيّين و تكون فى زمرة الوصيّين، و يوضع على رأسك تاج النّور و اكليل الكرامة يحف بك سبعون ألف ملك حتّى يفرغ اللّه عزّ و جلّ من حساب الخلايق
و أما التاسعة عشرة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لي: ستقاتل النّاكثين و القاسطين و المارقين فمن قاتلك منهم فانّ لك بكلّ رجل منهم شفاعة في مأئة ألف من شيعتك فقلت يا رسول اللّه فمن الناكثون قال: طلحة و الزبير سيبايعانك بالحجاز و ينكثانك بالعراق فاذا فعلا ذلك فحاربهما فانّ في قتالهما طهارة لأهل الأرض، قلت: فمن القاسطون قال: معاوية و أصحابه، قلت: فمن المارقون قال: أصحاب ذو الثّدية و هم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرمية فاقتلهم فانّ في قتلهم فرجا لأهل الأرض و عذابا مؤجّلا عليهم و ذخرا لك عند اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة.
و أما العشرون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: مثلك في امتي مثل باب حطة في بني إسرائيل فمن دخل في ولايتك فقد دخل الباب كما أمره اللّه عزّ و جلّ
و أما الحادية و العشرون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنا مدينة العلم و عليّ بابها و لن يدخل المدينة إلّا من بابها، ثمّ قال: يا عليّ إنّك سترعى ذمّتي و تقاتل على سنّتي و تخالفك امّتي.
و أما الثانية و العشرون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق ابنيّ الحسن و الحسين من نور ألقاه إليك و إلى فاطمة، و هما يهتزّان كما يهتزّ القرطان إذا كانا في الاذنين، و نورهما متضاعف على نور الشهداء سبعين ألف ضعف، يا عليّ إنّ اللّه عزّ و جلّ قد وعدني أن يكرمهما كرامة لا يكرم بها أحدا ما خلا النبيّين و المرسلين.
و أما الثالثة و العشرون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاني خاتمه في حياته و درعه و منطقه و قلّدني سيفه و أصحابه كلّهم حضور و عمّي العبّاس حاضر، فخصّني اللّهعزّ و جلّ بذلك دونهم.
و أما الرابعة و العشرون فانّ اللّه عزّ و جلّ أنزل على رسوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول اللّه اصدق قبل ذلك بدرهم، و و اللّه ما فعل هذا أحد من أصحابه قبلي و لا بعدي، فأنزل اللّه عزّ و جلّ أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الاية فهل تكون التّوبة إلّا من ذنب كان
و أما الخامسة و العشرون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى أدخلها أنا و هي محرّمة على الأوصياء حتى تدخلها أنت، يا علي إنّ اللّه تبارك و تعالى بشّرني فيك ببشرى لم يبشّر بها نبيا قبلي بشّرني بأنك سيّد الأوصياء و أنّ ابنيك الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة يوم القيامة.
و أما السادسة و العشرون فانّ جعفرا أخي الطيار في الجنّة مع الملائكة المزيّن بالجناحين من درّ و ياقوت و زبرجد.
و أما السابعة و العشرون فعمّى حمزة سيّد الشهداء.
و أما الثامنة و العشرون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ اللّه تعالى وعدني فيك وعدا لن يخلفه، جعلني نبيا و جعلك وصيا، و ستلقى من امّتي من بعدي ما لقى موسى من فرعون فاصبر و احتسب حتى تلقانى، فاوالي من والاك و اعادى من عاداك
و أما التاسعة و العشرون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يا عليّ أنت صاحب الحوض لا يملكه غيرك و سيأتيك قوم فيستسقونك فتقول: لا و لا مثل ذرّة، فينصرفون مسودّة وجوههم و سترد عليك شيعتي و شيعتك فتقول روّوا رواء مرويّين فيردون مبيّضة وجوههم.
و أما الثلاثون فانّي سمعته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يحشر امتي يوم القيامة على خمس رايات: فأوّل راية ترد عليّ راية فرعون هذه الامة و هو معاوية، و الثانية مع سامرى هذه الامة عمرو بن العاص، و الثالثة مع جاثليق هذه الامة و هو أبو موسى الأشعري و الرابعة مع أبى الأعور السلمى، و أما الخامسة فمعك يا على تحتها المؤمنون و أنتإمامهم، ثمّ يقول اللّه تبارك و تعالى للأربعة: ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرّحمة، و هم شيعتى و من والاني و قاتل معي الفئة الباغية و الناكثة عن الصراط، و باب الرحمة هم شيعتى، فينادى هولاء أ لم نكن معكم قالوا: بلى و لكنكم فتنتم أنفسكم و تربّصتم و ارتبتم و غرّتكم الأمانيّ حتّى جاء أمر اللّه و غرّكم باللّه الغرور، فاليوم لا يؤخذ منكم فدية و لا من الذين كفروا مأويكم النار هى موليكم و بئس المصير ثمّ ترد امتي و شيعتي فيروون من حوض محمّد صلّى اللّه عليه و آله و بيدي عصا عوسج اطرد بها أعدائي طرد غريبة الابل.
و أما الحادية و الثلاثون فانى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: لو لا أن يقول فيك الغالون من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمرّ بملاء من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون.
و أما الثانية و الثلاثون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى نصرنى بالرّعب فسألته أن ينصرك بمثله فجعل لك من ذلك مثل الذي جعله لى.
و أما الثالثة و الثلاثون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التقم اذني و علّمني ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة فساق اللّه عزّ و جلّ ذلك إلى لسان نبيّه.
و أما الرابعة و الثلاثون فانّ النصارى ادّعوا أمرا فأنزل اللّه عزّ و جلّ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ فكانت نفسي نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و النساء فاطمة و الأبناء الحسن و الحسين، ثمّ ندم القوم فسألوا الاعفاء فأعفاهم، و الذى أنزل التوراة على موسى و الفرقان على محمّد لو باهلوا لمسخوا قردة و خنازير.
و أما الخامسة و الثلاثون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجّهنى يوم بدر فقال: ايتنى بكفّ حصياة مجموعة فى مكان واحد، فأخذتها ثمّ شممتها فاذا هي طيبة تفوح منها رايحة المسك، فأتيته بها فرمى بها وجوه المشركين و تلك الحصيات أربع منها كن من الفردوس و حصاة من المشرق و حصاة من المغرب و حصاة من تحت العرش مع كلّ حصاة مأئة ألف ملك مددا لنا، لم يكرم اللّه عزّ و جلّ بهذه الفضيلة أحدا قبل و لا بعد.
و أما السادسة و الثلاثون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: ويل لقاتلك انه أشقى من ثمود و من عاقر الناقة و إنّ عرش الرّحمن ليهتزّ لقتلك فابشر يا على فانك فى زمرة الصديقين و الشهداء و الصالحين.
و أما السابعة و الثلاثون فانّ اللّه تبارك و تعالى قد خصّنى من بين أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعلم النّاسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه و الخاص و العام، و ذلك ممّا منّ اللّه به عليّ و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال لي الرّسول: يا عليّ إنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن ادنيك و لا أقصيك«» و اعلمك و لا أجفوك و حقّ علىّ أن اطيع ربّي و حقّ عليك أن تعى.
و أما الثامنة و الثلاثون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعثنى بعثا و دعا لى بدعوات و اطلعنى على ما يجري بعده، فحزن لذلك بعض أصحابه صلّى اللّه عليه و آله و قال: لو قدر محمّد أن يجعل ابن عمّه نبيّا لجعله، فشرّفنى اللّه بالاطلاع على ذلك على لسان نبيّه.
و أما التاسعة و الثلاثون فانّى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: كذب من زعم أنّه يحبّنى و يبغض عليّا، لا يجتمع حبّى و حبّه إلّا في قلب مؤمن، إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل أهل حبّى و حبّك يا علي في أوّل زمرة السابقين إلى الجنّة، و جعل أهل بغضى و بغضك في أوّل الضالّين من امّتى إلى النار.
و أما الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجّهنى في بعض الغزوات إلى ركيّ فاذا ليس فيه ماء، فرجعت إليه فأخبرته، فقال: أ فيه طين فقلت: نعم فقال: ايتني منه، فأتيت منه بطين فتكلّم فيه ثمّ قال: ألقه في الرّكيّ فألقيته فاذا الماء قد نبع حتّى امتلأ جوانب الرّكيّ، فجئت إليه فأخبرته فقال لي وفّقت يا عليّ و ببركتك نبع الماء، فهذه المنقبة خاصّة لي من دون أصحاب النّبي.
و أما الحادية و الاربعون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: ابشر يا عليّ فانّ جبرئيل عليه السّلام أتانى فقال لي: يا محمّد إنّ اللّه تبارك و تعالى نظر إلى أصحابك فوجد ابن عمّك و ختنك على ابنتك فاطمة خير أصحابك، فجعله وصيّك و المؤدّي عنك.
و أما الثانية و الاربعون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: ابشر يا عليّ فانّ منزلك في الجنّة مواجه منزلي، و أنت معي في الرّفيق الأعلى في أعلى عليّين، قلت: يا رسول اللّه و ما أعلى عليّون فقال: قبّة من درّة بيضاء لها سبعون ألف مصراع مسكن لي و لك يا علي.
و أما الثالثة و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ رسخ حبّي في قلوب المؤمنين، و كذلك رسخ حبّك يا علي في قلوب المؤمنين و رسخ بغضي و بغضك في قلوب المنافقين، فلا يحبّك إلّا مؤمن تقي، و لا يبغضك إلّا منافق كافر.
و أما الرابعة و الأربعون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لن يبغضك من العرب إلّا دعىّ، و لا من العجم إلّا شقيّ، و لا من النساء إلّا سلقلقية.
و أما الخامسة و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دعاني و أنا رمد العين فتفل في عينى و قال: اللّهمّ اجعل حرّها في بردها و بردها في حرّها، فو اللّه ما اشتكت عيني إلى هذه السّاعة.
و أما السادسة و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر أصحابه و عمومته بسدّ الأبواب و فتح بابي بأمر اللّه عزّ و جلّ، فليس لأحد منقبة مثل منقبتي.
و أما السابعة و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمرني في وصيّته بقضاء ديونه و عداته، فقلت: يا رسول اللّه قد علمت أنّه ليس عندي مال، فقال: سيعينك اللّه فما أردت أمرا من قضاء ديونه و عداته إلّا يسّره اللّه لي حتّى قضيت ديونه و عداته و أحصيت ذلك فبلغ ثمانين ألفا و بقى بقيّة فأوصيت الحسن أن يقضيها.
و أما الثامنة و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاني في منزلي و لم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيام فقال: يا عليّ هل عندك من شيء فقلت: و الذى أكرمك بالكرامة و اصطفاك بالرّسالة ما طعمت و زوجتى و ابناى منذ ثلاثة أيّام فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة ادخلي البيت و انظري هل تجدين شيئا، فقالت: خرجت الساعة فقلت: يا رسول اللّه أدخله أنا فقال: ادخل باسم اللّه، فدخلت فاذا بطبق موضوععليه رطب و جفنة من ثريد، فحملتها إلى رسول اللّه فقال صلّى اللّه عليه و آله: يا علي رأيت الرسول الذى حمل هذا الطعام فقلت: نعم، فقال: صفه لي، فقلت: من بين أحمر و أخضر و أصفر، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تلك خطط جناح جبرئيل مكلّلة بالدرّ و الياقوت، فأكلنا من الثريد حتى شبعنا فما راى إلّا خدش أيدينا و أصابعنا، فخصّني اللّه عزّ و جلّ بذلك من بين أصحابه «الصحابة».
و أما التاسعة و الاربعون فانّ اللّه تبارك و تعالى خصّ نبيّه بالنّبوة، و خصّني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالوصيّة، فمن أحبّنى فهو سعيد يحشر في زمرة الأنبياء عليهم السّلام.
و أما الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعث ببراءة مع أبي بكر، فلمّا مضى أتى جبرئيل فقال: يا محمّد لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك، فوجّهني على ناقتة الغضباء، فلحقته بذي الحليفة فأخذتها منه، فخصّني اللّه عزّ و جلّ بذلك منه.
و أما الحادية و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقامني للنّاس كافّة يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلىّ مولاه، فبعدا و سحقا للقوم الظالمين.
و أما الثانية و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يا علي ألا اعلّمك كلمات علّمنيهنّ جبرئيل فقلت: بلى، قال: قل «يا رازق المقلّين و يا راحم المساكين و يا أسمع السّامعين و يا أبصر النّاظرين و يا أرحم الرّاحمين ارحمني و ارزقني».
و أما الثالثة و الخمسون فانّ اللّه تبارك و تعالى لن يذهب بالدّنيا حتّى يقوم منّا القائم يقتل و لا يقبل الجزية و يكسر الصليب و الأصنام و يضع الحرب أوزارها، و يدعو إلى أخذ المال فيقسمه بالسّوية و يعدل في الرّعية.
و أما الرابعة و الخمسون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يا علىّ سيلعنك بنو اميّة و يردّ عليهم ملك بكلّ لعنة ألف لعنة، فاذا قام القائم عليه السّلام لعنهم أربعين سنة.
و أما الخامسة و الخمسون سمعت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: سيفتتن فيك طوايف من امّتى فتقول: إنّ رسول اللّه لم يخلف شيئا فبما ذا أوصى عليّا، أو ليس كتاب ربّي أفضل الأشياء بعد اللّه عزّ و جلّ، و الذي بعثني بالحقّ لأن لم تجمعه باتقانلم يجمع أبدا، فخصّني اللّه عزّ و جلّ بذلك من دون الصّحابة.
و أما السادسة و الخمسون فانّ اللّه تبارك و تعالى خصّني بما خصّ به أولياءه و أهل طاعته، و جعلني وارث محمّد صلّى اللّه عليه و آله فمن ساءه ساءه، و من سرّه سرّه، و أومى بيده نحو المدينة.
و أما السابعة و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان في بعض الغزوات ففقد الماء فقال لي: يا عليّ قم إلى هذه الصّخرة و قل: أنا رسول رسول اللّه انفجري إليّ ماء، فو اللّه الذي أكرمه بالنّبوة لقد أبلغتها الرّسالة فاطلع منها مثل ثدي البقر فسال من كلّ ثدي منها ماء، فلمّا رأيت ذلك أسرعت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأخبرته فقال: انطلق يا عليّ فخذ من الماء، فجاء القوم حتّى ملاؤا قربهم و أدواتهم و سقوا دوابهم و شربوا و توضّؤا، فخصّني اللّه عزّ و جلّ بذلك من دون الصّحابة.
و أما الثامنة و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمرني في بعض غزواته و قد نفد الماء و قال: يا علي ايت بثور، فأتيته به فوضع يده اليمنى و يدي معها في الثور، فقال: انبع، فنبع الماء من بين أصابعنا.
و أما التاسعة و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجّهني إلى خيبر، فلما أتيته وجدت الباب مغلقا فزعزعته شديدا فقلعته و رميت به أربعين خطوة فدخلت، فبرز إليّ مرحب فحمل إليّ و حملت عليه و سقيت الأرض دمه، و قد كان وجّه رجلين من أصحابه فرجعا منكسفين
و أما الستون فانّي قتلت عمرو بن عبدود و كان يعدّ بألف رجل.
و أما الحادية و الستون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا عليّ مثلك في امّتي مثل قل هو اللّه أحد، فمن أحبّك بقلبه فكأنّما قرء ثلث القرآن، و من أحبّك بقلبه و أعانك بلسانه فكأنّما قرء ثلثي القرآن، و من أحبّك بقلبه و لسانه و نصرك بيده فكأنّما قرء القرآن كلّه.
و أما الثانية و الستون فانّي كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جميع المواطنو الحروب و كانت رايته معي.
و أما الثالثة و الستون فانّي لم أفرّ من الزّحف قطّ، و لم يبارزني أحد إلّا سقيت الأرض من دمه.
و أما الرابعة و الستون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اتي بطير مشويّ من الجنّة فدعى اللّه عزّ و جلّ أن يدخل عليه أحبّ الخلق إليه، فوفّقني اللّه تعالى للدّخول عليه حتى أكلت معه من ذلك الطير.
و أما الخامسة و الستون فانّي كنت اصلّي في المسجد فجاء سائل فسأل و أنا راكع فناولته خاتمي من اصبعي، فأنزل اللّه تبارك و تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ.
و أما السادسة و الستون فانّ اللّه تبارك و تعالى ردّ عليّ الشّمس مرّتين و لم يردّها على أحد من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله غيري.
و أما السابعة و الستون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أن ادعى بامرة المؤمنين في حياته و بعد موته، و لم يطلق ذلك لأحد غيري
و أما الثامنة و الستون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: يا عليّ إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أين سيّد الأنبياء فأقوم، ثمّ ينادي أين سيّد الأوصياء فتقوم و يأتيني رضوان بمفاتيح الجنّة و يأتيني مالك بمقاليد النّار فيقولان: إنّ اللّه جلّ جلاله أمرنا أن ندفعها إليك و يأمرك أن تدفعها إلى عليّ بن أبي طالب، فتكون يا علي قسيم الجنّة و النّار.
و أما التاسعة و السبعون فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لولاك ما عرف المنافقون من المؤمنين.
و أما السبعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نام و نومّنى و زوجتى فاطمة و ابنيّ الحسن و الحسين و ألقى علينا عباءة قطوانيّة فأنزل اللّه تبارك و تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و قال جبرئيل: أنا منكم يا محمّد فكان سادسنا جبرئيل
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن امام مبين است در ذكر مزيد اختصاص خود بحضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أولويّت خود بخلافت مى فرمايد: و البته دانسته اند مطلعان بأسرار رسالت كه مامور بحفظ آن بودند أز صحابه محمّد صلّى اللّه عليه و آله اين كه بدرستى من ردّ ننموده ام بر خداى تعالى و بر رسول او هر ساعتى فرمايش آنها را، و بتحقيق مواسات نمودم من با آن بزرگوار بنفس خودم در مواردى كه پس برمي گشتند در آنها شجاعان، و تأخير مى نمودند در آنها قدمها بجهت سطوت و شجاعتى كه گرامى داشته بود خداى تعالى مرا بان.
و بتحقيق كه قبض شد روح پر فتوح حضرت رسالت ماب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم در حالتى كه سر مبارك او بالاى سينه من بود، و بتحقيق كه سيلان نمود نفس نفيس آن بر گزيده پروردگار در دست من، پس كشيدم من آن را بر روى خودم.
و بتحقيق مباشر شدم غسل آن سيّد أبرار را صلّى اللّه عليه و آله و سلّم در حالتى كه ملائكه معين من بودند، پس ناله نمود خانه و اطراف خانه، جماعتى هبوط مى كردند و جماعتى عروج مى نمودند، و مفارقت نكرد قوّه سامعه من از صوت ايشان، نماز مى كردند بر آن تا اين كه دفن كرديم و پنهان نموديم آن برگزيده ناس را در قبر خود پس كيست كه أولى باشد بأوأز من در حالت زندگى او و در حالت مردگى او پس بشتابيد بر بصيرتهاى خودتان و بايد كه با صدق رفتار نمائيد در جهاد دشمن خودتان.
پس قسم بپروردگارى كه نيست معبود بحقى غير از او، بدرستى كه من بر راه راست حقّم و بدرستى كه ايشان بر محلّ لغزش باطلند، مى گويم آن چيزى را كه مى شنويد و طلب مغفرت مي كنم از پروردگار عزّ و جلّ از براى خود و از براى شما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»