و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ- وَ الِاسْتِمَاعِ إِلَى كِتَابِكَ- لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي وَ مُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي- وَ إِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الْأُمُورَ- وَ تُرَاجِعُنِي السُّطُورَ- كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحْلَامُهُ- وَ الْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُهُ مَقَامُهُ- لَا يَدْرِي أَ لَهُ مَا يَأْتِي أَمْ عَلَيْهِ- وَ لَسْتَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ- وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَوْ لَا بَعْضُ الِاسْتِبْقَاءِ- لَوَصَلَتْ إِلَيْكَ مِنِّي قَوَارِعُ تَقْرَعُ الْعَظْمَ- وَ تَهْلِسُ اللَّحْمَ- وَ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ- عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ- وَ تَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحَتِكَ
اللغة
أقول: موهّن: مضعّف. و بهظه: أثقله. و القوارع: الشدائد. و تهلس اللحم.
تذهب به، و تسحبه، و تقرب منه النهس. و ثبّطه عن كذا: شغله.
و مدار الفصل على منافرته و توبيخه.
فقوله: أمّا بعد. إلى قوله: فراستى: أى مضعّف رأيى و فراستي فيك لغلبة ظنّي أنّ مكاتبتك و جوابك لا فايدة فيه. ثمّ شبّهه في محاولته أمر الشام و ما يخدعه من جعل أمر الخلافة فيه بعده و مراجعته السطور أى الكتب في ذلك بالمستثقل في النوم، الغريق فيه، و انتصب السطور بحذف الجارّ إمّا في أو الباء، و أشار إلى وجه الشبه بقوله: تكذبه أحلامه. و أراد أنّ تخيّلاته و أمانيه في وصول هذا الأمر إليه تخيّلات كاذبة صادرة عن جهل غالب كالأحلام الكاذبة للمستغرق في نومه إذا استيقظ لم يجدها شيئا، و كذلك شبّهه بالمتحيّر القائم، و أشار إلى وجهه بقوله: يبهظه.
إلى قوله: عليه. و بيانه أنّ معاوية مجدّ في هذا الأمر متحيّر في تحصيله متهوّر في طلبه مع جهله بعاقبة سعيه هل هى خير أو شرّ كالقائم المتحيّر في الأمر يتعب بطول مقامه و لا يعرف غايته من قيامه. ثمّ لم يرض له بذلك التشبيه بل زاد مبالغة في غفلته و نومه في مرقد طبيعته و حيرته و قال: و لست به: أى و لست بهذا شبيها فيكون هو أصلا لك في الشبه غير أنّه بك شبيه: أى إنّك أصل له في ذلك الشبه. ثمّ أقسم لولا بعض الاستبقاء: أى للامور المصلحيّة لوصلت إليه منه قوارع. و أراد شدائد الحرب، و كنّى عن شدّتها بكونها تقرع العظم و تهلس اللحم. ثمّ أعلمه في معرض توبيخه أنّ الشيطان قد ثبّطه عن مراجعة أحسن اموره و هو الدخول في طاعته و ترك الفتنة و أن يأذن أى يصغى اذنه لمقال نصيحة. و هو جذب له إليهما بنسبة تركه لهما إلى تثبيط الشيطان. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحهى 230