72 و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس رضي الله عنه
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَسْتُ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ- وَ لَا مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ- وَ اعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ- يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ- وَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ- فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ- وَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِكَ قد تقدم شرح مثل هذا الكلام- و هذا معنى مطروق- قد قال الناس فيه فأكثروا- قال الشاعر
قد يرزق العاجز الضعيف و ما
شد بكور رحلا و لا قتبا
و يحرم المرء ذو الجلادة و الرأي
و من لا يزال مغتربا
و من جيد ما قيل في هذا المعنى- قول أبي يعقوب الخريمي-
هل الدهر إلا صرفه و نوائبه
و سراء عيش زائل و مصائبه
يقول الفتى ثمرت مالي و إنما
لوارثه ما ثمر المال كاسبه
يحاسب فيه نفسه في حياته
و يتركه نهبا لمن لا يحاسبه
فكله و أطعمه و خالسه وارثا
شحيحا و دهرا تعتريك نوائبه
أرى المال و الإنسان للدهر نهبة
فلا البخل مبقية و لا الجود خاربه
لكل امرئ رزق و للرزق جالب
و ليس يفوت المرء ما خط كاتبه
يخيب الفتى من حيث يرزق غيره
و يعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه
يساق إلى ذا رزقه و هو وادع
و يحرم هذا الرزق و هو يغالبه
و إنك لا تدري أ رزقك في الذي
تطالبه أم في الذي لا تطالبه
تناس ذنوب الأقربين فإنه
لكل حميم راكب هو راكبه
له هفوات في الرخاء يشوبها
بنصرة يوم لا توارى كواكبه
تراه غدوا ما أمنت و تتقي
بجبهته يوم الوغى من يحاربه
لكل امرئ إخوان بؤس و نعمة
و أعظمهم في النائبات أقاربه
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 18