و من كتاب له عليه السّلام إلى المنذر بن الجارود العبدى، و قد خان في بعض ما ولاه من أعماله
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ- وَ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ- وَ تَسْلُكُ سَبِيلَهُ- فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً- وَ لَا تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَاداً- تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ- وَ تَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ- وَ لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً- لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ- وَ مَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ- أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ- أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ- فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قال الرضى: و المنذر هذا هو الذى قال فيه أمير المؤمنين عليه السّلام: إنه لنظار فى عطفيه، مختال فى برديه، تفال فى شراكيه.
اللغة
أقول: العتاد: العدّة. و الشسع: سير بين الإصبعين في النعل العربي.
و مدار الفصل على توبيخه بسبب خيانته.
فذكر سبب غروره و هو قياسه في الصلاح على أبيه الجارود العبدي في أنّه يتبع ما كان عليه من الهدى. ثمّ ذكر ما رقّى إليه عنه من الفارق من أربعة أوجه:
أحدها: انقياده لهواه في كلّ ما يقوده إليه.
الثاني: إعراضه عمّا يعتدّ به لآخرته من صالح الأعمال.
الثالث: كونه يعمر دنياه بما يستلزم خراب آخرته من تناول الحرام.
الرابع: كونه يصل عشيرته بما يقطع دينه من ذلك. و راعى السجع في القرينتين. ثمّ أخذ في توبيخه و الحكم بنقصانه و حقارته إن حقّ ما نسب إليه ذلك بتفضيل جمل أهله و شسع نعله عليه. و جمل الأهل ممّا يتمثّل به في الهوان. و أصله فيما قيل: أنّ الجمل يكون لأب القبيلة فيصير ميراثا لهم يسوقه كلّ منهم و يصرفه في حاجته فهو ذليل حقير بينهم. ثمّ حكم في معرض توبيخه على من كان بصفته أنّه لا يصلح لولاية عمل يراد له الوالي. و راعى في القرائن الأربع السجع المتوازي. فالقدر بإزاء الأمر و الخيانة بإزاء الأمانة. و إنّما قال: أو يشرك في أمانة. لأنّ الخلفاء امناء اللّه في بلاده فمن ولّوه من قبلهم فقد أشركوه في أمانتهم. و قوله: أو يؤمن على خيانة. أي حال خيانتك. لأنّ كلمة على تفيد الحال. ثمّ بعد توبيخه استقدمه عليه عزلا له. و الّذي حكاه السيّد- رحمه اللّه- من وصف أمير المؤمنين عليه السّلام له فكناية عن تكبّره. و التفل في الشراك: نفخ الغبار عنه. و الحكاية مناسبة للكتاب لاشتمالها على الذمّ. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحهى 228