و من كتاب له عليه السّلام إلى سلمان الفارسى رحمه اللّه قبل أيام خلافته
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ- لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا- فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا- لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا- وَ ضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا- لِمَا أَيْقَنْتَ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا- وَ تَصَرُّفِ حَالَاتِهَا- وَ كُنْ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا أَحْذَرَ مَا تَكُونُ مِنْهَا- فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ فِيهَا إِلَى سُرُورٍ- أَشْخَصَتْهُ عَنْهُ إِلَى مَحْذُورٍ
اللغة
أقول: أشخصته: أذهبته.
و مدار الفصل على الموعظة و ذمّ الدنيا، و ضرب لها مثلا، و ذكر من وجوه الشبه من جانب الممثّل به أمرين: أحدهما: ليّن المسّ و تماثله من جانب الدنيا رفاهيّة العيش و لذّاته. و الثاني: قتل سمّها و يماثله من الدنيا هلاك المنهمكين في لذّاتها يوم القيامة ثمّ أمره في مقامه بها بأوامر:
أحدها: أن يعرض عمّا يعجبه منها. و علّل وجوب إعراضه بقوله: لقلّة ما يصحبك منها، و هى صغرى ضمير تقديرها: ما يصحبك منها قليل، و تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك فينبغى أن يعرض عنه.
الثاني: أن يضع عنه هموم طلبها، و علّل وجوب ذلك بضمير صغراه قوله: لما أيقنت من فراقها: أى لأنك متيقّن لفراقها. و تقدير كبراه: و كلّما تيقّنت فراقه فواجب أن تضع همّك عن طلبه.
الثالث: أن يكون آنس ما يكون بها أحذر ما يكون منها. و ما مصدريّة، و آنس ينصب على الحال، و أحذر خبر كان: أى في حال كونك آنس بها كن أحذر ما تكون منها. و الغرض أن يحذر منها بقدر جهده و لا يأنس بها. و علّل وجوب الحذر منها بقوله: فإنّ صاحبها. إلى آخره. و هو صغرى ضمير تقديرها: فإنّها كلّما اطمأنّ صاحبها فيها. إلى آخره. و تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك فيجب أن يحذر صاحبه منه و لا يأنس إليه ينتج فالدنيا يجب أن يحذر صاحبها منها.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحهى 218