و من كتاب له عليه السّلام إلى عبد اللّه بن العباس
و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية أَمَّا بَعْدُ- فَإِنَّ الْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ- وَ يَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ- فَلَا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ- مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ- أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ- وَ لَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أَوْ إِحْيَاءُ حَقٍّ- وَ لْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ- وَ أَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ- وَ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ
المعنى
أقول: قد سبق شرحه إلّا كلمات يسيرة فيه:
منها: أنّه نبّهه على لزوم فضيلتي العفّة و الحلم بالنهى عن أن يجعل بلوغ لذّته من دنياه أو شفاء غيظه اللذين هما طرفا الإفراط و التفريط من الفضيلتين المذكورتين أفضل ما نال منها في نفسه. ثمّ نبّهه على ما ينبغي أن يكون أفضل في نفسه من دنياه و هو إطفاء الباطل و إحياء الحقّ. و إطفاء الباطل تنبيه على وجه استعمال قوّتي الشهوة و الغضب و هو أن يكون الغرض من فعلها دفع الضرورة و بقدر الحاجة. و منها: أنّه أمره في الرواية الاولى أن يكون فرحه بما نال من آخرته، و أمره هنا أن يكون سروره بما قدّم لنفسه من زاد التقوى و هو أمر بمقدّمة الآخرة.
و أمره في الرواية الأولى أن يكون أسفه على ما فات من آخرته، و أمره هنا أن يكون أسفه على ما خلّف: أى ترك من العمل. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحهى 215