و من كتاب له عليه السّلام إلى كميل بن زياد النخعي، و هو عامله على هيت، ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْيِيعَ الْمَرْءِ مَا وُلِّيَ وَ تَكَلُّفَهُ مَا كُفِيَ- لَعَجْزٌ حَاضِرٌ وَ رَأْيٌ مُتَبَّرٌ- وَ إِنَّ تَعَاطِيَكَ الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِيسِيَا- وَ تَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ الَّتِي وَلَّيْنَاكَ- لَيْسَ بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا وَ لَا يَرُدُّ الْجَيْشَ عَنْهَا- لَرَأْيٌ شَعَاعٌ- فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ الْغَارَةَ- مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ- غَيْرَ شَدِيدِ الْمَنْكِبِ وَ لَا مَهِيبِ الْجَانِبِ- وَ لَا سَادٍّ ثُغْرَةً وَ لَا كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً- وَ لَا مُغْنٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ وَ لَا مُجْزٍ عَنْ أَمِيرِهِ وَ السَّلامُ
اللغة
أقول: المتبّر: الهالك و الفاسد. و الشعاع: المتفرّق.
المعنى
و قوله: أمّا بعد. إلى قوله: متبّر. اعلم أنّ في صدر الكتاب إجمالا كما جرت عادة الخطيب ما يريد أن يوبخه عليه من تعاطيه أمرا مع إهماله ما هو أهمّ منه. ثمّ ذكر غرضه من الكتاب مفصّلا بقوله: و إنّ تعاطيك. إلى قوله: شعاع. ثمّ نفّره عن ذلك الرأي بما فيه من المفاسد و الرذائل: أحدهما: كونه جسرا. و استعار لفظ الجسر له باعتبار عبور العدوّ عليه إلى غرضه، و روى: حسرا. و هو أيضا مجاز باعتبار خلوّ مسالحه عن العسكر الّذي يبغى به العدوّ فهو كالحاسر عديم اللامة. الثاني: كونه غير شديد المنكب، و كنّى بذلك عن ضعفه، و كذلك كونه غير مهيب الجانب. الثالث: كونه غير سادّ ثغرة. الرابع: و لا كاسر شوكة عدوّه. و الخامس: و لا مغن عن أهل مصره في دفع عدوّهم. السادس: و لا مجز عن أميره فيما يريده منه.
شرح نهج البلاغة (ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحهى 200