59 و من كتاب له ع- إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ- مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ- فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً- فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ- فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ- وَ ابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ- رَاجِياً ثَوَابَهُ وَ مُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ- وَ اعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ- لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً- إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ- وَ أَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ أَبَداً- وَ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ- وَ الِاحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ- فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ- أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ وَ السَّلَامُ
الأسود بن قطبة
لم أقف إلى الآن على نسب الأسود بن قطبة- و قرأت في كثير من النسخ- أنه حارثي من بني الحارث بن كعب و لم أتحقق ذلك- و الذي يغلب على ظني أنه الأسود بن زيد- بن قطبة بن غنم الأنصاري من بني عبيد بن عدي- ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب- و قال إن موسى بن عقبة عده فيمن شهد بدرا قوله ع إذا اختلف هوى الوالي- منعه كثيرا من الحق قول صدق- لأنه متى لم يكن الخصمان عند الوالي سواء في الحق- جار و ظلم- .
ثم قال له فإنه ليس في الجور عوض من العدل- و هذا أيضا حق- و في العدل كل العوض من الجور- . ثم أمره باجتناب ما ينكر مثله من غيره- و قد تقدم نحو هذا- . و قوله إلا كانت فرغته كلمة فصيحة- و هي المرة الواحدة من الفراغ- و قد روي عن النبي ص أن الله يبغض الصحيح الفارغ- لا في شغل الدنيا و لا في شغل الآخرة- و مراد أمير المؤمنين ع هاهنا- الفراغ من عمل الآخرة خاصة- . قوله فإن الذي يصل إليك من ذلك- أفضل من الذي يصل بك- معناه فإن الذي يصل إليك- من ثواب الاحتساب على الرعية- و حفظ نفسك من مظالمهم و الحيف عليهم- أفضل من الذي يصل بك من حراسة دمائهم- و أعراضهم و أموالهم- و لا شبهة في ذلك لأن إحدى المنفعتين دائمة- و الأخرى منقطعة و النفع الدائم أفضل من المنقطع
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 17