و من كلام له عليه السّلام لما خوف من الغيلة
وَ إِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ جُنَّةً حَصِينَةً- فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي انْفَرَجَتْ عَنِّي وَ أَسْلَمَتْنِي- فَحِينَئِذٍ لَا يَطِيشُ السَّهْمُ وَ لَا يَبْرَأُ الْكَلْمُ
أقول: قد كان عليه السّلام خوّف من غيلة ابن ملجم- لعنه اللّه- مرارا. روى: أنّ الأشعث لقيه متقلّدا سيفه فقال له: ما يقلّدك السيف و ليس بأوان حرب فقال: أردت أنحربه جزور القرية. فأتى الأشعث عليّا عليه السّلام فأخبره و قال: قد عرفت ابن ملجم و فتكه فقال عليه السّلام: ما قتلنى بعد، و روى: أنّ عليّا عليه السّلام كان يخطب مرّة و يذكر أصحابه و ابن ملجم تلقاء المنبر فسمع و هو يقول: و اللّه لاريحنّهم منك. فلمّا انصرف علىّ أتوا به ملبّسا. فأشرف عليهم و قال: ما تريدون. فأخبروه بما سمعوا منه. فقال: فما قتلنى بعد، خلّوا عنه، و إنّ علىّ من اللّه جنّة. الفصل.
اللغة
و الغيلة: القتل على غفلة.
و الجنّة: ما تستر به من سلاح.
و طاش السهم: انحرف عن الغرض.
و الكلم: الجرح.
المعنى
و كنّى بالجنّة عن عناية اللّه بحفظ أسباب حياته في المدّة الممكنة له في القضاء الإلهيّ كناية بالمستعار. و وجه الاستعارة أنّ مع بقاء أسباب الحياة محفوظة لا يؤثّر فى الإنسان شيء من سهام المنيّة أبدا كما أنّ لابس الجنّة محفوظ بها من آثار السهام و نحوها. و وصفها بالحصينة ترشيحا للاستعارة، و كنّى بها أيضا عن قوّة ذلك الحفظ.
و كنّى بيومه عن وقت ضرورة موته، و بانفراج الجنّة عنه عن عدم بعض أسباب الحياة المستلزم لعدم الحياة و لحوق سهام الأمراض و هو ترشيح للاستعارة أيضا، و نسب إليها إسلامها له ملاحظة لتشبيهها بمن يحفظه ثمّ يسلّمه للقتل. و قوله: و حينئذ لا يطيش السهم. استعار لفظ السهم للأمراض الّتي هى أسباب الموت، و كنّى بعدم طيشه عن إنكائه و حصول الموت عنه، و لفظ الكلم للأثر الحاصل عن تلك الأسباب، و وجه الشبه في الاولى كونهما سببين للهلاك، و في الثانية ما يستلزمانه من التألّم، و رشّح الاولى بذكر الطيش و الثانية بذكر البرء. و من الشعر المنسوب إليه في ذلك.
أيّ يومىّ من الموت أفرّ يوم لم يقدر أم يوم قدر
يوم لم يقدر فلا أرهبه
يوم قد قدّر لا يغنى الحذر
و هو في ذلك ملاحظ لقوله تعالى وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا«» وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ«» و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 2 ، صفحهى 157