و من خطبة له عليه السّلام
القسم الأول
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً ص نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ- وَ أَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ- وَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَ فِي شَرِّ دَارٍ- مُنِيخُونَ
بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَ حَيَّاتٍ صُمٍّ- تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وَ تَأْكُلُونَ الْجَشِبَ- وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ- الْأَصْنَامُ فِيكُمْ
مَنْصُوبَةٌ وَ الْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ
اللغة
أقول: الإناخة: المقام بالمكان. و الحيّة الصمّاء: هى الّتي لا تنزجر بالصوت كأنّها لا تسمع، و ربّما يراد بها الصلبة الشديدة. و الجشب: هو الطعام الغليظ الخشن، و يقال: هو الّذي لا إدام معه، و معصوبة: مشدودة.
المعنى
و اعلم أنّه عليه السّلام اقتصّ امورا وقعت ليحسن مدحها و ذمّها. فبدأ بذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر بعض أسباب غاية البعثة فإنّه. لمّا كانت الغاية منها هو جذب الخلق عن دار الغرور إلى الواحد الحقّ و كان ذلك الجذب تارة بالنذارة و تارة بالبشارة. و ذكر هنا النذارة، و خصّها بالذكر لأنّها السبب الأقوى في الردع فإنّ عامّة الخلق و جمهورهم قلّما يلتفتون إلى ما وعدوا به في الآخرة إذا قابلوا ذلك بلذّاتهم الحاضرة فإنّ تلك امور غير متصوّرة لهم إلّا بحسب الوصف الّذي إنّما ينكشف لهم عن امور محسوسة تشبه ما هم فيه أو أضعف عندهم. ثمّ إنّ نيلها مشروط بشرائط صعبة في الدنيا تكدّر عليهم ما هم فيه من حاضر لذّتهم مع براءتها عن الشروط و التكاليف الشاقّة فلذلك قلّما يلتفتون إلى الوعد عمّا هم فيه.
فكان السبب الأقوى في الردع و الالتفات إلى اللّه إنّما هو الإنذار و التخويف فإذا انضمّ إليه الوعد أفاد المجموع الغاية. و لمّا كان مقصوده عليه السّلام في هذا الموضع التوبيخ المطلق للعرب و ترقيق قلوبهم المشتملة على الفظاظة و القسوة كان الأليق هاهنا ذكر إنذار النبيّ للعالمين ليتذكّروا بذلك تفصيل الإنذارات الواردة في القرآن و السنّة، ثمّ أردف ذلك بذكر كونه أمينا على التنزيل ليتذكّروا أنّ الإنذارات الواردة هى من عند اللّه تعالى أتى بها الرسول غير خائن فيها بتبديل أو زيادة أو نقصان فيتأكّد في قلوبهم ما قد علموه من ذلك ليكون أدعى لهم إلى الانفعال عن أقوله، ثمّ شرع بعده في اقتصاص أحوالهم الّتي كانوا عليها، و الواو في قوله: و أنتم. للحال أي حال ما كنتم بهذه الصفات بعث محمّدا، و ذكر أحوالهم في معرض الذمّ لهم.
فذكر أنّهم كانوا على شرّ دين، و هو عبادة الأصنام من دون اللّه. و أعظم بذلك افتضاحا لمن عقل منهم أسرار الشريعة و عرف اللّه سبحانه. فلا أحسبه عند سماع هذا التوبيخ إلّا خجلا ممّا فرّط في جنب اللّه و يقول: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ، ثمّ أردف ذلك بتذكيرهم ما كانوا فيه من شرّ دار. و أراد نجد أو تهامة و أرض الحجاز، و بيّن كونها شرّا ببيان فساد أحوالهم، أمّا في مساكنهم فبانا ختهم بين الحجارة السود الخشن الّتي لا نداوة بها و لا نبات، و الحيّات الصمّ الّتي لا علاج لسمومها. و وصفها بالصمّ. لأنّ حيات تلك الأرض على غاية من القوّة و حدّة السموم لاستيلاء الحرارة و اليبس عليها، و أمّا في مشربهم فلأنّ الغالب علي المياه الّتي يشربونها أن يكون كدرة لا يكاد غير المعتاد بها أن يقبل عليها مع العطش إلّا عند الضرورة، و السبب الغالب في ذلك عدم إقامتهم بالمكان الواحد بل هم أبدا في الحلّ و الارتحال، و لا يحتفرون المياه و يصلحونها إلّا ريثماهم عليها. فربما كان بعضهم يحتفر و بعضهم يشرب. و مشاهدتهم توضح ذلك، و أمّا في مأكلهم فجشوبتها ظاهرة فإنّك تجد عامّتهم يأكل ما دبّ من حيوان، و سئل بعض العرب أىّ الحيوانات تأكلون في البادية فقال: نأكل كلّ ما دبّ و درج إلّا امّ حيين (امّ جبين خ) فقال السائل: ليت تدرى أمّ حيين السلامة. قال صاحب الجمل: و أمّ جبين: دويبة قدر كفّ الإنسان. و بعضهم يخلط الشعر بنوى التمر و يطحنها و يتخدّ منهما خبزا، و روى أنّهم كانو في أيّام المجاعة يلوّثون أوبار الإبل بدم القراد و يجفّفونها فإذا يبست و قوها و صنعوها طعاما، و أمّا في سفكهم الدماء بعضهم لبعض و قطع أرحامهم فظاهر أيضا فإنّ الولد كان يقتل أباه و بالعكس، و أمّا نصبهم للأصنام و عصب الآثام بهم في جاهليّتهم فغني عن البيان، و لفظ العصب مستعار للزوم الآثام لهم في تلك الحال عن معناه الأصلي و هي استعارة لفظ للنسبة بين محسوسين للنسبة بين معقولين أو بين معقول و محسوس، و إنّما ذكرهم عليه السّلام بهذه الأحوال لينبّههم لنسبة ما كانو عليه في الجاهليّة إلى ما هم عليه في تلك الحال من أضداد ذلك كلّه.
إذ بدّلوا ممّا كانوا فيه من فساد أحوالهم في الدنيا إلى صلاح حالهم فيها ففتحو المدن و كسروا الجيوش و قتلوا الملوك و غنموا أموالهم كما قال تعالى في المنّة عليهم و تذكيرهم أنواع ما أنعم عليهم به «وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها» و جعل لهم الذكر الباقي و الشرف الثابت. كلّ ذلك زيادة على هدايته لهم إلي الإسلام الّذي هو طريق دار السلام و سبب السعادة الباقيه.
و إنّما كان ذلك لسبب مقدم محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم إليهم و اعلم أنّ سياق هذا الكلام يقتضى مدح النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيما حذف من الفصل بعده ليبني عليه مقصودا له، و فيه تنبيه على دوام ملاحظة السامعين لنعماء اللّه عليهم فيلاحظوا استحقاقه لتمام العبادة عامّة أحوالهم، و يكونون في و جل من خوفه و في و شوق إليه. و اللّه يهدى من يشاء إلى صراط مستقم.
القسم الثاني و منها.
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِي- فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ- وَ أَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَ شَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا- وَ
صَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ- وَ عَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ
اللغة
أقول: ضننت بكسر النون: أى بخلت، و نقل الفرّاء بالفتح أيضا. و أغضيت على كذا: أى اطبقت عليه جفني. و القذى: ما يسقط في العين فيؤذيها. و الشجى: ما يعرض في الحلق عند الغبن و نحوه لا يكاد يسيغ الإنسان معه الشراب، و قد مرّ تفسيرهما. و أخذ بكظمه: أى بمجرى نفسه، و العلقم: شجر بالغ المرارة، و يصدق بالعرف على كلّ مرّ.
المعنى
و اعلم أنّ هذا الفصل يشمل على اقتصاص صورة حاله بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في أمر الخلافة و هو اقتصاص في معرض التظلّم و الشكاية ممّن يرى أنّه أحقّ منه بالأمر. فأشار إلى أنّه فكّر في أمر المقامة و الدفاع عن هذا الحقّ الّذي يراه أولى فرأى أنّه لا ناصر له إلّا أهل بيته و هم قليلون بالنسبة إلى من لا يعينه و من يعين عليه.
فإنّه لم يكن له معين يغلب على الظنّ إلّا بنى هاشم كالعبّاس و بنيه و أبي سفيا بن الحرث بن عبد المطلب و من يخصّهم، و ضعفهم و قلّتهم عن مقاومة جمهور الصحابة ظاهر، فضنّ بهم على الموت لعلمه أنّهم لو قاوم بهم لقتلوا ثمّ لا يحصل على مقصوده، و لمّا ضنّ بهم عن الموت لزمه ما ذكر من الامور و هى الإغضاء على القذى، و كنّى بالإغضاء على القذى عن صبره عن المقاومة كناية بالمستعار، و وجه المشابهة بينهما استلزامهما للألم البالغ، و بالقذى عمّا يعتقده ظلما في حقّه،
و كذلك قوله: و شربت على الشجى. ملاحظة لوجه الشبه بين ما يجرى له من الامور الّتي توجب له الغضب و الغبن و بين الماء الّذي يشرب على الشجى و هو استلزامهما الأذى و عدم التلذّذ و الاساغة. و لذلك استعار له لفظة الشرب،
و كذلك قوله: و صبرت على أخذ الكظم و على أمرّ من طعم العلقم. فيه استعارات حسنة للفظ أخذ الكظم كنّى بها عن أخذ الوجوه عليه و تضييق الأمر فيما يطلبه، و لفظ المرارة الّتي هي حقيقة في الكيفيّة المخصوصة للأجسام لما يجده من التألّم بسبب فوت مطلوبه، و وجه المشابهة في هاتين الاستعارتين لزوم الأذى أيضا، و أمّا أنّ الّذي وجده أمرّ من العلقم فظاهر إذ لا نسبة للألم البدنيّ في الشدّة إلى الألم النفسانيّ. و أعلم أنّه قد اختلف الناقلون لكيفيّة حاله بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فروى المحدّثون من الشيعة و غيرهم أخبارا كثيرة ربما خالف بعضها بعضا بحسب اختلاف الأهواء: منها و هو الّذي عليه جمهور الشيعة أنّ عليّا عليه السّلام امتنع من البيعة لأبى بكر بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم و امتنع معه جماعة بنى هاشم كالزبير و أبى سفيان بن الحرث و العبّاس و بنيه و غيرهم و قالوا: لا نبايع إلّا عليّا عليه السّلام و أنّ الزبير شهر سيفه فجاء عمر في جماعة من الأنصار فأخذ سيفه فضرب به الحجر فكسره و حملت جماعتهم إلى أبى بكر فبايعوه و بايع معهم علىّ إكراها،
و قيل: إنّ عليّا عليه السّلام اعتصم ببيت فاطمة عليها السّلام و علموا أنّه مفرد فتركوه، و روى نضر بن مزاحم في كتاب صفّين أنّه كان يقول. لو وجدت أربعين ذوى عزم لقاتلت، و منها و هو الّذي عليه جمهور المحدّثين من غير الشيعة أنّه امتنع من البيعة ستّة أشهر حتّى ماتت فاطمة فبايع بعد ذلك طوعا،
و في صحيحى مسلم و البخارى: كانت وجوه الناس مختلف إليه و فاطمة لم تمت بعد فلمّا ماتت انصرفت وجوه الناس عنه. فخرج و بايع ابا بكر، و على الجملة فحال الصحابة في اختلافهم بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و ما جرى في سقيفة بنى ساعدة و حال علىّ في طلب هذا لأمر ظاهر، و العاقل إذا طرح العصبيّة و الهوى عن نفسه و نظر فيما نقله الناس في هذا المعنى علم ما جرى بين الصحابة من الاختلاف و الاتّفاق، و هل بايع علىّ طوعا أو كرها و هل ترك المقاومة عجزا أو اختيارا. و لمّا لم يكن غرضنا إلّا تفسير كلامه كان الاشتغال بغيرذلك تطويلا و فضولا خارجا عن المقصود. و من رام ذلك فعليه بكتب التواريخ.
القسم الثالث و منها:
وَ لَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً- فَلَا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَ خَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ- فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا- فَقَدْ
شَبَّ لَظَاهَا وَ عَلَا سَنَاهَا- وَ اسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ
اللغة
أقول: خزيت: أى ذلّت و هانت، و الاهبة: الاستعداد، و اعدّوا: أى هيّؤوا، و عدّة الحرب: ما يعدّ لها من الآلات و السلاح. و شبّ لظاها: أى أوقدت نارها و اثيرت، و روى شبّ بالبناء للفاعل أى ارتفع لهبها. و السنا مقصورا: الضؤ. و الشعار: ما يلي الجسد من الثياب، و يلازمه.
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من الكلام اقتصاص ذكر عليه السّلام فيه حال عمرو بن العاص مع معاوية. فذكر أنّه لم يبايعه حتّى شرط أن يؤتيه على بيعته ثمنا، و ذلك أنّه لمّا نزل عليه السّلام بالكوفة بعد فراغه من أمر البصرة كتب إلى معاوية كتابا يدعوه فيه إلى البيعة فأهمّه ذلك. فدعا قوما من أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان فأجابوه و أراد الاستظهار في أمره فأشار عليه أخوه عتبة بن أبي سفيان بالاستعانة بعمرو بن العاص و كان بالمدينة فاستدعاه فلمّا قدم عليه و عرف حاجته إليه تباعد عنه و جعل يمدح عليّا عليه السّلام في وجهه و يفضّله
ليخدعه عمّا يريد منه. فمن ذلك أنّ معاوية قال له يوما: يا أبا عبد اللّه إنى أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الّذي عصى اللّه و شقّ عصا المسلمين و قتل الخليفة و أظهر الفتنة و فرّق الجماعة و قطع الرحم. فقال عمرو: من هو. قال: علىّ. فقال: و اللّه يا معاوية ما أنت و علىّ حملي بعير، ليس لك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا جهاده و لا علمه و اللّه إنّ له مع ذلك لحظّا في الحرب ليس لأحد غيره. و لكنّى قد تعوّدت من اللّه إحسانا و بلاء جميلا. فما تجعل لى إن بايعتك على حربه و أنت تعلم ما فيه من الغرور و الخطر قال له: حكمك.
قال له: مصر الطعمة. فلم يزل معاوية يتلكّأ عليه و يماطله و هو يمتنع عن مساعدته حتّى رضى معاوية أن يعطيه مصر. فعاهده على ذلك و بايع عمر و معاوية، و كتب له بمصر كتابا.
فذلك معنى قوله عليه السّلام: و لم يبايع معاوية حتّى شرط أن يؤتيه على البيعة ثمنا، ثمّ أردف ذلك بالدعاء على البايع لدينه و هو عمرو بعدم الظفر في الحرب أو بالتمن بقوله: فلا ظفرت يد البايع، و ألحقه بالتوبيخ و الذّم للمبتاع بذكر هو ان أمانته عليه و هى بلاد المسلمين و أموالهم الّتي أفاءها اللّه عليهم، و يحتمل أن يكون إسناد الخزى إلى الأمانة إسنادا مجازّيا أو على سبيل إضمار الفاعل يفسّره المبتاع أى و الخزى المبتاع في أمانته بخيانته لها، و ذهب بعض الشارحين إلى أنّ المراد بالبايع معاوية و بالمبتاع عمرو.
و هو ضعيف. لأنّ الثمن إذا كان مصرا فالمبتاع هو معاوية. ثمّ لمّا ظهرت دعوة معاوية لأهل الشام و مبايعة عمرو له كان ذلك من دلائل الحرب فلذلك أمر عليه السّلام أصحابه بالتأهّب لها و إعداد عدّتها، و كنّى عمّا ذكرناه من إمارات وقوعها بقوله: و قد شبّ لظاها و علا سناها. كناية بالمستعار. و وجه المشابهة بين لهب النار و سناها و أمارات الحرب كونها علامات على أمرين هما مظنّة الهلاك و محلّ الفتنة، و يحتمل أن يكون إطلاق لفظ السنا ترشيحا للاستعارة، ثمّ أردف ذلك بالأمر بالصبر في الحرب و استشعاره إمّا أن يراد به اتّخاذه شعارا على وجه استعارته من الثوب لملازمته الجسد، أو يراد اتّخاذه علامة لأنّ شعار القوم علامتهم أيضا، و يحتمل أن يكون اشتقاقه من الشعور أى ليكن في شعوركم الصبر و إن كان الأشتقاقيّون يردّون الشعار بالمعنى الثاني إلى الشعور.
و قوله: فإنّ ذلك أدعى إلى النصر. بيان لفائدة اتّخاذ الصبر شعارا أو علامة، أمّا إن كان المقصود ألزموا أنفسكم الصبر فظاهر أنّ لزوم الصبر من أقوى أسباب النصر، و إن كان المقصود اتّخذوه علامة فلأنّ من كان الصبر في الحرب علامة له يعرفه الخصم بها كان الخصم يتصوّرها منه أدعى إلى الانقهار فكان المستشعر لتلك العلامة أدعى إلى القهر و النصر، و إن كان المراد إخطاره بالبال فلأنّه سبب لزومه. و باللّه التوفيق.