خطبه 97 شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام

الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ- وَ الْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ- نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ- وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ- وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ- وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً وَ بِذِكْرِهِ نَاطِقاً- فَأَدَّى أَمِيناً وَ مَضَى رَشِيداً- وَ خَلَّفَ فِينَا رَايَةَ الْحَقِّ- مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ- وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ- وَ مَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ- دَلِيلُهَا مَكِيثُ الْكَلَامِ- بَطِي‏ءُ الْقِيَامِ سَرِيعٌ إِذَا قَامَ- فَإِذَا أَنْتُمْ أَلَنْتُمْ لَهُ رِقَابَكُمْ- وَ أَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِكُمْ- جَاءَهُ الْمَوْتُ فَذَهَبَ بِهِ- فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ- حَتَّى يُطْلِعَ اللَّهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ وَ يَضُمُّ نَشْرَكُمْ- فَلَا تَطْمَعُوا فِي غَيْرِ مُقْبِلٍ- وَ لَا تَيْأَسُوا مِنْ مُدْبِرٍ- فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِهِ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ- وَ تَثْبُتَ الْأُخْرَى فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً- أَلَا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ ص كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ- إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ- فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللَّهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ- وَ أَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ

اللغة
أقول: مرق: خرج من الدين. و زهق: هلك. و المكيث: البطى‏ء المتأنّى. و خوى النجم: سقط للمغيب. و الصنيعة: النعمة.

المعنى
و هذا الفصل يشتمل على إعلامهم بما يكون بعده من أمر الأئمّة و تعليمهم ما ينبغي أن يفعل الناس معهم و يمنّيهم بظهور إمام من آل محمّد عقيب آخر، و وعدهم‏ بتكامل صنايع اللّه فيهم بما يأمّلونه من ظهور إمام منتظر.

فقوله: الحمد للّه. إلى قوله: حقوقه.
 شكر له تعالى باعتبار أمرين: أحدهما: نشره لفضله في خلقه. الثاني: بسطه فيهم بالجود يده، و يده نعمته مجازا لتقدّسه تعالى عن الجارحة، و هو من باب إطلاق اسم السبب على المسبّب، و ظاهر كون الجود مبدءا للنعمة، و النشر و البسط و إن كانا حقيقة في الأجسام إلّا أنّهما من الاستعارات الشائعة الّتى قاربت الحقيقة ثمّ أكّد ذلك الحمد بتعميمه باعتبار كلّ صادر عنه من رخاء و شدّة. إذ الشدائد اللاحقة من نعمه أيضا فإنّها إذا قوبلت بصبر جميل استلزمت ثوابا جزيلا كما قال تعالى «وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ» الآية، و ظاهر أنّ أسباب النعم نعم و لمّا حمده على ما لحق من نعمائه طلب منه المعونة على رعاية واجب حقوقه، و استعار لفظ الصادع للرسول و وجهها أنّه شقّ بأمر اللّه بيضة الشرك و قلوب المشركين فأخرج ما كان فيها من الكفر و الجهل و نطق بذكره تعالى فأودعها إيّاه فأدّى ما امر به أمينا عليه و قبضه اللّه إليه مرشدا له إلى حضرة قدسه و منازل الأبرار من ملائكته، و صادعا و ناطقا و أمينا و رشيدا أحوال، و أشار براية الحقّ الّتي خلّفها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى كتاب اللّه و سنّته، و أشار بتقدّمها و التخلّف عنها إلى طرفى الإفراط و التفريط من فضيلة الاستقامة عليها: أى أن من كان تحتها لاحقا بها فهو على حاقّ الوسط من الفضائل، و من تقدّمها كان على طرف الإفراط و قد تعدّى في طلب الدين و أغلى فيه على جهل فمرق منه كما فعلت الخوارج، و من تخلّف عنها كان على طرف التفريط و التقصير فهلك في طريق الضلال و الحيرة، و لفظ الراية مستعار، و وجه المشابهة كون الكتاب و السنّة مقصدين لتابعهما يهتدى بهما في سبيل اللّه كما أنّ الراية كذلك، و أشار بدليلها إلى نفسه استعارة، و وجهها أنّ الإمام مظهر و مبيّن لأحكام الكتاب و السنّة و ما خفى منهما للسالكين إلى اللّه كما يرفع الراية حاملها لتابعيه ليقتدوا به ثمّ أشار إلى صفات ذلك الدليل، و كنّى بقوله: مكيث الكلام عن تروّيه و تثبّته في أقواله و ما يشير به و يحكم، و بقوله: بطى‏ء القيام عن تأنّيه في حركته في وجوه المصالح إلى حين استثباته‏ الرأى الأصلح و وجه المصلحة، و بقوله: سريع إذا قام. عن مبادرته إلى وجوه المصلحة و انتهاضه (انتهازه خ) الفرص ثمّ أخذ يذكّرهم بموته، و كنّى بقوله: ألنتم له رقابكم. من خضوعهم لطاعته و انقيادهم لأمره، و بقوله: و أشرتم إليه بالأصابع عن اشتهاره فيهم و تعيّنه و تعظيمهم له، و أشار إلى أنّه إذا تمّ الإسلام به توفّى، و نبّه بقوله: فلبثتم بعده ما شاء اللّه. إلى أنّهم يخلون عن إمام يجمعهم مدّة، و الاشارة إلى مدّة بنى اميّة، و بقوله: حتّى يطلع اللّه لكم. إلى قوله: نشركم. على أنّه لابدّ لهم بعد تلك المدّة من شخص يجمعهم، و طلوعه ظهوره و تعيّنه للرياسة بعد اختفاء. فقيل: هو الإمام المنتظر. و قيل: هو قائم بنى العبّاس بعد انقضاء دولة بنى أميّة.

و قوله: فلا تطمعوا في غير مقبل.
 أى من لم يقبل على طلب هذا الأمر ممّن هو أهله و متعيّن له و آثر تركه إلى الخلوة باللّه فلا تطمعوا فيه فإنّ له باللّه شغلا عن كلّ شي‏ء. و قيل: المراد بغير المقبل من انحرف عن الدين بارتكاب منكر فإنّه لا يجوز الطمع في أن يكون أميرا لكم، و روى فلا تطعنوا في عين مقبل: أى من أقبل عليكم من أهل البيت طالبا لهذا الأمر و هو أهل له فكونوا معه، و كنّى بالطعن في عينه عن دفعه عمّا يريد.

و قوله: و لا تيأسوا من مدبر. إلى قوله: تثبتا جميعا.
 أراد أنّ من أدبر عن طلب الخلافة ممّن هو أهل لها فلا ينبغي أن يحصل الإياس من عوده و إقباله على الطلب فلعلّه إنّما أدبر عن ذلك لاختلال بعض الشرائط الّتي يتعيّن عليه معها القيام، و كنّى عن اختلال بعض أحواله من قلّة ناصر و نحوه بزوال إحدى قائمتيه و بثبات الاخرى من وجود بعض الشرائط كثبات أهليّته للطلب أو بعض أنصاره معه، و بقوله: فترجعا حتّى تثبتا. عن تكامل شرائط قيامه و لا ينافي النهى عن اليأس هاهنا النهى عن الطمع في غير المقبل لجواز أن ينهى عن الطمع فيه حال إعراضه و إدباره عن الطلب لاختلال بعض شرائطه و النهى عن الإياس منه لجواز حصول شرائط القيام فيه و تكاملها.

و قوله: ألا إنّ مثل آل محمّد. إلى قوله: طلع نجم.
تعيين للأئمّة من آل محمّد. قالت الإماميّة: هم الاثنى عشر من أهل البيت.
و شبّههم بالنجوم و وجه التشبيه أمران: أحدهما: أنّهم يستضاء بأنوار هداهم في سبيل اللّه كما يستضي‏ء المسافر بالنجوم في سفره و يهتدى بها. الثاني: ما أشار إليه بقوله: كلما خوى نجم طلع نجم و هو كناية عن كونهم كلّما خلا منهم سيّد قام سيّد، و الإماميّة يستدلّون بهذا الكلام منه عليه السّلام على أنّه لا يخلو زمان من وجود قائم من أهل البيت يهتدى به في سبيل اللّه.

و قوله: فكأنّكم. إلى آخر.
 إشارة إلى منّة اللّه عليهم بظهور الإمام المنتظر و إصلاح أحوالهم بوجوده.
و وجدت له عليه السّلام في أثناء بعض خطبه في اقتصاص ما يكون بعده فصلا يجرى مجرى الشرح لهذا الوعد، و هو أن قال: يا قوم اعلموا علما يقينا أنّ الّذى يستقبل قائمنا من أمر جاهليّتكم ليس بدون ما استقبل الرسول من أمر جاهليّتكم و ذلك أنّ الامّة كلّها يومئذ جاهليّة إلّا من رحم اللّه فلا تعجلون فيجعل الخرق بكم، و اعلموا أنّ الرفق يمن و في الإناة بقاء و راحة و الإمام أعلم بما ينكر، و لعمرى لينزعنّ عنكم قضاة السوء و ليقبضنّ عنكم المراضين، و ليعزلنّ عنكم امراء الجور، و ليطهرنّ الأرض من كلّ غاش، و ليعملنّ فيكم بالعدل، و ليقومنّ فيكم بالقسطاس المستقيم، و ليتمنّأنّ أحيائكم لأمواتكم رجعة الكرّة عمّا قليل فيعيشوا إذن فإنّ ذلك كائن.
للّه أنتم بأحلامكم كفّوا ألسنتكم و كونوا من وراء معايشكم فإنّ الحرمان سيصل إليكم و إن صبرتم و احتسبتم و ائتلفتم أنّه طالب و تركم و مدرك لثاركم و آخذ بحقّكم، و أقسم باللّه قسما حقا أنّ اللّه مع الّذين اتّقوا و الّذين هم محسنون.

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن‏ ميثم بحرانی)، ج 3 ، صفحه‏ى 6

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.