خطبه 93 شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام

القسم الأول
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ فَلَا شَيْ‏ءَ قَبْلَهُ- وَ الْآخِرِ فَلَا شَيْ‏ءَ بَعْدَهُ- وَ الظَّاهِرِ فَلَا شَيْ‏ءَ فَوْقَهُ- وَ الْبَاطِنِ فَلَا شَيْ‏ءَ دُونَهُ

المعنى

أقول: أثنى على اللّه سبحانه باعتبارات أربعة: الأوّليّة و الآخريّة و الظاهريّة و الباطنيّة، و أكّد كلّ واحد منها بكماله فكمال الأوّليّة بسلب قبليّة شي‏ء عنه، و كمال الآخريّة بسلب بعديّة كلّ شي‏ء له، و الظاهريّة بسلب فوقيّة شي‏ء له، و الباطنيّة بسلب شي‏ء دونه. و المراد بالظاهر هنا العالى فلذلك حسن تأكيده بسلب فوقيّة الغير له، و بالباطن الّذى بطن خفيّات الامور علما و هو بهذا الاعتبار أقرب الأشياء إليها فلذلك حسن تأكيده بسلب ما هو دونه: أى ما هو أقرب إليها منه و حصلت حينئذ المقابلة بين الدانى و العالى، و يحتمل أن يريد بالظاهر البيّن و يكون معنى قوله: فلا شي‏ء فوقه: أى لا شي‏ء يوازى وجوده و يحجبه عن معرفة خلقه به. و بالباطن الخفىّ و معنى فلا شي‏ء دونه: أى في الخفاء، و قد سبق بيان هذه الاعتبارات الأربعة غير مرّة. و باللّه التوفيق.


القسم الثاني منها فى ذكر الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم

مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ- وَ مَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ- فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ- وَ مَمَاهِدِ السَّلَامَةِ- قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الْأَبْرَارِ- وَ ثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الْأَبْصَارِ- دَفَنَ اللَّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ- وَ أَطْفَأَ بِهِ الثَّوَائِرَ أَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً- وَ فَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً- أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ- وَ أَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ- كَلَامُهُ بَيَانٌ وَ صَمْتُهُ لِسَانٌ

اللغة

أقول: المماهد: جمع ممهد، و الميم زائدة. و ثنيت إليه: أى صرفت. و الضغاين: الأحقاد. و النوائر: جمع نائرة، و هى العداوة و المخاصمة: و الأقران: الأخوان المقترنون.

المعنى

و أشار بمستقرّه إلى مكّة و كونها خير مستقرّ لكونها امّ القرى و مقصد خلق اللّه و محلّ كعبته، و يحتمل أن يريد محلّه من جود اللّه و عنايته و ظاهر كونه خير مستقرّ، و استعار لفظ المنبت و المعدن، و قد مرّ بيان وجه استعارتهما، و مماهد السلامة محالّ التوطئة لها، و هى كناية من مكّة و المدينة و ما حولها فإنّها محلّ لعبادة اللّه و الخلوة به الّتى هى مهاد السلامة من عذابه، و إنّما كانت كذلك لكونها دار القشف خالية عن المشتهيات و القينات الدنيويّة، و يحتمل أن يريد بمماهد السلامة ما تقلّب فيه و نشأ عليه من مكارم الأخلاق الممهّدة للسلامة من سخط اللّه و في قوله: و قد صرفت نحوه أفئدة الأبرار. تنبيه على أنّ الصارف هو لطف اللّه و عنايته بهم بالفات قلوبهم إلى محبّته و الاستضاءة بأنوار هداه، و لمّا استعار لفظ الأزمّة للأبصار ملاحظة لشبهها بمقاود الإبل رشّح تلك الاستعارة بذكر الثنى و كنّى بذلك عن التفات الخلق إليه بأبصار بصايرهم و تلقىّ الرحمة الإلهيّة منه ثمّ استعار لفظ الدفن لإخفاء الأحقاد به بعد أن كانت ظاهرة مجاهرا بها. و لفظ الإطفاء لإزالة العدوات بين العرب بالتأليف بين قلوبهم كما قال تعالى في إظهار المنّة على عباده وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ‏ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً«» و الأقران المفرّق لهم هم المتألّفون على الشرك. و قوله: أعزّ به الذلّة. أى ذلّة الإسلام و أهله، و أذلّ به العزّة: أى عزّة الشرك و أهله، و بين كلّ قرينتين من هذه الستّ مقابلة و مطابقة فقابل بالتفريق التأليف و بالذلّة الإعزاز و بالعزّة الإذلال.

و قوله: و كلامه بيان. إى لما انغلق من أحكام كتاب اللّه كقوله تعالى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ.

و قوله: و صمته لسان. استعار لفظ اللسان لسكوته، و وجه المشابهة أنّ سكوته صلى اللّه عليه و آله و سلّم مستلزم للبيان من وجهين: أحدهما: أنّه يسكت عمّا لا ينبغي من القول فيعلّم الناس السكوت عن الخوض فيما لا يعينهم الثاني: أنّ الصحابة كانوا إذا فعلوا فعلا على سابق عادتهم فسكت عنهم و لم ينكره عليهم علموا بذلك أنّه على حكم الاباحة. فكان سكوته عنهم في ذلك بيانا له و أشبه سكوته عنه باللسان المعرب عن الأحكام. و باللّه التوفيق.


شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 2 ، صفحه‏ى 401

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.