81 و من كلام له ع في صفة الدنيا
مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَ آخِرُهَا فَنَاءٌ- فِي حَلَالِهَا حِسَابٌ وَ فِي حَرَامِهَا عِقَابٌ- مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ- وَ مَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَ مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ- وَ مَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ- وَ مَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ قال الرضي رحمه الله- أقول و إذا تأمل المتأمل قوله ع و من أبصر بها بصرته- وجد تحته من المعنى العجيب و الغرض البعيد- ما لا يبلغ غايته و لا يدرك غوره- لا سيما إذا قرن إليه قوله و من أبصر إليها أعمته- فإنه يجد الفرق بين أبصر بها- و أبصر إليها واضحا نيرا و عجيبا باهرا العناء التعب- و ساعاها جاراها سعيا و واتته طاوعته- . و نظر الرضي إلى قوله أولها عناء و آخرها فناء- فقال
و أولنا العناء إذا طلعنا
إلى الدنيا و آخرنا الذهاب
و نظر إلى قوله ع في حلالها حساب و في حرامها عقاب- بعض الشعراء فقال-
الدهر يومان فيوم مضى
عنك بما فيه و يوم جديد
حلال يوميك حساب و في
حرام يوميك عذاب شديد
تجمع ما يأكله وارث
و أنت في القبر وحيد فريد
إني لغيري واعظ تارك
نفسي و قولي من فعالي بعيد
حلاوة الدنيا و لذاتها
تكلف العاقل ما لا يريد
و من المعنى أيضا قول بعضهم-
حلالها حسرة تفضي إلى ندم
و في المحارم منها الغنم منزور
و نظر الحسن البصري إلى قوله ع من استغنى فيها فتن- و من افتقر فيها حزن- فقال و قد جاءه إنسان يبشره بمولود له ذكر- ليهنك الفارس يا أبا سعيد فقال بل الراجل- ثم قال لا مرحبا بمن إن كان غنيا فتنني- و إن كان فقيرا أحزنني- و إن عاش كدني و إن مات هدني- ثم لا أرضى بسعيي له سعيا و لا بكدحي له كدحا- حتى أهتم بما يصيبه بعد موتي- و أنا في حال لا ينالني بمساءته حزن و لا بسروره جذل- . و نظر ابن المعتز إلى قوله ع- من ساعاها فاتته و من قعد عنها واتته- فقال الدنيا كظلك كلما طلبته زاد منك بعدا- . و نظرت إلى قوله ع و من أبصر بها بصرته- و من أبصر إليها أعمته فقلت-
دنياك مثل الشمس تدني إليك
الضوء لكن دعوة المهلك
إن أنت أبصرت إلى نورها
تعش و إن تبصر به تدرك
فإن قلت المسموع أبصرت زيدا- و لم يسمع أبصرت إلى زيد- قلت يجوز أن يكون قوله ع و من أبصر إليها- أي و من أبصر متوجها إليها- كقوله فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ- و لم يقل مرسلا و يجوز أن يكون- أقام ذلك مقام قوله نظر إليها لما كان مثله- كما قالوا في دخلت البيت و دخلت إلى البيت- أجروه مجرى ولجت إلى البيت لما كان نظيره
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 6