و من كلام له عليه السّلام
قاله لمروان بن الحكم بالبصرة قالوا: أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن و الحسين عليهما السلام إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فكلماه فيه، فخلى سبيله، فقالا له:
يبايعك يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام: أَ وَ لَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ- لَا حَاجَةَ
لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ- لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ- أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ
الْكَلْبِ أَنْفَهُ- وَ هُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ- وَ سَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَ مِنْ وَلَدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ
اللغة
أقول:
السّبة: الاست.
و الإمرة بالكسر: الولاية.
و كبش القوم: رئيسهم.
المعنى
و لمّا امتنع من بيعة مروان نبّه على سبب امتناعه من ذلك و هو أنّه مظنّة الغدر و ذلك قوله: إنّها كفّ يهوديّة. إذ من شأن اليهود الخبث و المكر و الغدر، ثمّ فسّر تلك الكناية بقوله: لو بايعنى بيده لغدر بسبّته، و ذكر السّبة إهانة له لأنّ الغدر من أقبح الرذائل فنسبته إلى السّبة أولى النسب. و العرب تسلك مثل ذلك في كلامها. قال المتوكّل يوما لأبى العيناء: إلى متى تمدح الناس و تذمّهم. فقال: ما أحسنوا و أساءوا، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين: إنّ اللّه تعالى رضى فمدح فقال نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ و سخط فذمّ فقال عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ و الزنيم ولد الزنا. ثمّ ذكر ممّا سيكون من أمر مروان ثلاثة امور:
أحدها: أنّه سيصير أميرا للمسلمين و نبّه على قصر مدّة إمارته بتشبيهها بلعقة الكلب أنفه، و وجه الشبه هو القصر، و كانت مدّة إمرته أربعة أشهر و عشرا، و روى ستّةأشهر، و إنّما خصّه بلعقة الكلب لأنّه في معرض الذمّ، و البحث في أمّا كهو في قوله: أمّا أنّه سيظهر عليكم.
الثاني: أنّه سيكون أبا للأكبش الأربعة. و كان له أربعة ذكور لصلبه و هم عبد الملك و ولى الخلافة، و عبد العزيز و ولى مصر، و بشر و ولى العراق، و محمّد و ولى الجزيرة، و يحتمل أن يريد بالأربعة أولاد عبد الملك و هم الوليد و سليمان و يزيد و هشام كلّهم و لوا الخلافة و لم يلها أربعة إخوة إلّا هم.
الثالث: ما يصدر منه و من ذريّته من الفساد في الأرض، و ما يلقى الناس منهم من القتل و انتهاك الحرمة. و كنّى عن قتلهم للناس و شدايد ما يلقون منهم بالموت الأحمر. و من لسان العرب وصف الأمر الشديد بالأحمر، و لعلّه لكون الحمرة وصف الدم كنّى به عن القتل، و روى يوما أحمر. و هو كناية عن مدّة أمرهم و وصفه بالحمرة كناية عن شدّته.
و فساد بني اميّة و دمارهم للإسلام و أهله مشهور، و في كتب التواريخ مسطور.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 2 ، صفحهى 204