213 و من كلام له ع- لما مر بطلحة بن عبيد الله و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد- و هما قتيلان يوم الجمل
لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْمَكَانِ غَرِيباً- أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ قَتْلَى- تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ- أَدْرَكْتُ وَتْرِي مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ- وَ أَفْلَتَنِي أَعْيَارُ بَنِي جُمَحٍ- لَقَدْ أَتْلَعُوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْرٍ- لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ فَوُقِصُوا دُونَهُ
عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد
– هو عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد- بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس ليس بصحابي و لكنه من التابعين- و أبوه عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس- من مسلمة الفتح- و لما خرج رسول الله ص من مكة إلى حنين- استعمله عليها- فلم يزل أميرها حتى قبض رسول الله ص- و بقي على حاله خلافة أبي بكر الصديق- و مات هو و أبو بكر في يوم واحد- لم يعلم أحدهما بموت الآخر- و عبد الرحمن هذا هو الذي قال أمير المؤمنين فيه- و قد مر به قتيلا يوم الجمل لهفي عليك يعسوب قريش- هذا فتى الفتيان هذا اللباب المحض من بني عبد مناف- شفيت نفسي و قتلت معشري- إلى الله أشكو عجري و بجري- فقال له قائل- لشد ما أطريت الفتى يا أمير المؤمنين منذ اليوم- قال إنه قام عني و عنه نسوة لم يقمن عنك- و عبد الرحمن هذا هو الذي احتملت العقاب كفه يوم الجمل- و فيها خاتمه فألقتها باليمامة فعرفت بخاتمه- و علم أهل اليمامة بالوقعة- .
و رأيت في شرح نهج البلاغة للقطب الراوندي- في هذا الفصل عجائب و طرائف- فأحببت أن أوردها هاهنا- منها أنه قال في تفسير قوله ع- أدركت و ترى من بني عبد مناف- قال يعني طلحة و الزبير كانا من بني عبد مناف- و هذا غلط قبيح- لأن طلحة من تيم بن مرة- و الزبير من أسد بن عبد العزى بن قصي- و ليس أحد منهما من بني عبد مناف- و ولد عبد مناف أربعة- هاشم و عبد شمس و نوفل و عبد المطلب- فكل من لم يكن من ولد هؤلاء الأربعة- فليس من ولد عبد مناف- .
و منها أنه قال إن مروان بن الحكم من بني جمح- و لقد كان هذا الفقيه رحمه الله بعيدا عن معرفة الأنساب- مروان من بني أمية بن عبد شمس- و بنو جمح من بني هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب- و اسم جمح تيم بن عمرو بن هصيص- و أخوه سهم بن عمرو بن هصيص- رهط عمرو بن العاص- فأين هؤلاء و أين مروان بن الحكم- . و منها أنه قال- و أفلتتني أغيار بني جمح بالغين المعجمة- قال هو جمع غير الذي بمعنى سوى- و هذا لم يرو و لا مثله مما يتكلم به أمير المؤمنين- لركته و بعده عن طريقته- فإنه يكون قد عدل عن أن يقول- و لم يفلتني إلا بنو جمح إلى مثل هذه العبارة الركيكة المتعسفة بنو جمح
و اعلم أنه ع أخرج هذا الكلام- مخرج الذم لمن حضر الجمل مع عائشة زوجة النبي ص- من بني جمح- فقال و أفلتتني أعيار بني جمح- جمع عير و هو الحمار- و قد كان معها منهم يوم الجمل جماعة هربوا- و لم يقتل منهم إلا اثنان فممن هرب و نجا بنفسه- عبد الله الطويل بن صفوان بن أمية- بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح- و كان شريفا و ابن شريف- و عاش حتى قتل مع ابن الزبير بمكة- . و منهم يحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية بن خلف- عاش حتى استعمله عمرو بن سعيد الأشدق على مكة- لما جمع له بين مكة و المدينة- فأقام عمرو بالمدينة و يحيى بمكة- .
و منهم عامر بن مسعود بن أمية بن خلف- كان يسمى دحروجة الجعل لقصره و سواده- و عاش حتى ولاه زياد صدقات بكر بن وائل- و ولاه عبد الله بن الزبير بن العوام الكوفة- . و منهم أيوب بن حبيب بن علقمة- بن ربيعة بن الأعور بن أهيب بن حذافة بن جمح- عاش حتى قتل بقديد قتلته الخوارج- . فهؤلاء الذين أعرف حضورهم الجمل مع عائشة من بني جمح- و قتل من بني جمح مع عائشة عبد الرحمن بن وهب بن أسيد- بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح- و عبد الله بن ربيعة بن دراج العنبس- بن وهبان بن وهب بن حذافة بن جمح- لا أعرف أنه قتل من بني جمح ذلك اليوم غيرهما- فإن صحت الرواية و أفلتني أعيان بني جمح بالنون- فالمراد رؤساؤهم و ساداتهم- .
و أتلعوا أعناقهم رفعوها- و رجل أتلع بين التلع أي طويل العنق- و جيد تليع أي طويل- قال الأعشى-يوم تبدي لنا قتيله عن جيد تليع تزينه الأطواقو وقص الرجل إذا اندقت عنقه فهو موقوص- و وقصت عنق الرجل أقصها وقصا أي كسرتها- و لا يجوز وقصت العنق نفسها- . و الضمير في قوله ع لقد أتلعوا- يرجع إلى قريش أي راموا الخلافة فقتلوا دونها- .
فإن قلت- أ تقول إن طلحة و الزبير لم يكونا من أهل الخلافة- إن قلت ذلك تركت مذهب أصحابك- و إن لم تقله خالفت قول أمير المؤمنين لم يكونوا أهله- . قلت هما أهل للخلافة ما لم يطلبها أمير المؤمنين- فإذا طلبها لم يكونا أهلا لها لا هما و لا غيرهما- و لو لا طاعته لمن تقدم- و ما ظهر من رضاه به لم نحكم بصحة خلافته
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 11