خطبه 105 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

105 و من خطبة له ع

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَعَ الْإِسْلَامَ- فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ- وَ أَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ- فَجَعَلَهُ أَمْناً لِمَنْ عَلِقَهُ- وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ- وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ- وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْهُ- وَ نُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ وَ فَهْماً لِمَنْ عَقَلَ- وَ لُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ- وَ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ- وَ تَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ- وَ عِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ وَ نَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ وَ ثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ- وَ رَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ وَ جُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ- فَهُوَ أَبْلَجُ الْمَنَاهِجِ وَ أَوْضَحُ الْوَلَائِجِ- مُشْرِفُ الْمَنَارِ مُشْرِقُ الْجَوَادِّ- مُضِي‏ءُ الْمَصَابِيحِ كَرِيمُ الْمِضْمَارِ- رَفِيعُ الْغَايَةِ جَامِعُ الْحَلْبَةِ- مُتَنَافِسُ السُّبْقَةِ شَرِيفُ الْفُرْسَانِ- التَّصْدِيقُ مِنْهَاجُهُ- وَ الصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ- وَ الْمَوْتُ غَايَتُهُ وَ الدُّنْيَا مِضْمَارُهُ- وَ الْقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ وَ الْجَنَّةُ سُبْقَتُهُ هذا باب من الخطابة شريف- و ذلك لأنه ناط بكل واحدة من اللفظات لفظة- تناسبها و تلائمها لو نيطت بغيرها لما انطبقت عليها- و لا استقرت في قرارها- أ لا تراه قال أمنا لمن علقه- فالأمن مرتب على الاعتلاق- و كذلك في سائر الفقر كالسلم المرتب على الدخول- و البرهان المرتب على الكلام- و الشاهد المرتب على الخصام- و النور المرتب‏ على الاستضاءة إلى آخرها- أ لا ترى أنه لو قال و برهانا لمن دخله- و نورا لمن خاصم عنه و شاهدا لمن استضاء به- لكان قد قرن باللفظة ما لا يناسبها- فكان قد خرج عن قانون الخطابة و دخل في عيب ظاهر- و توسم تفرس و الولائج جمع وليجة- و هو المدخل إلى الوادي و غيره- . و الجنة الترس و أبلج المناهج معروف الطريق- .

و الحلبة الخيل المجموعة للمسابقة- . و المضمار موضع تضمير الخيل- و زمان تضميرها و الغاية الراية المنصوبة- و هو هاهنا خرقة تجعل على قصبة- و تنصب في آخر المدى الذي تنتهي إليه المسابقة- كأنه ع جعل الإسلام- كخيل السباق التي مضمارها كريم- و غايتها رفيعة عالية و حلبتها جامعة حاوية- و سبقتها متنافس فيها و فرسانها أشراف- . ثم وصفه بصفات أخرى- فقال التصديق طريقه و الصالحات أعلامه و الموت غايته- أي إن الدنيا سجن المؤمن- و بالموت يخلص من ذلك السجن- و يحظى بالسعادة الأبدية- . قال و الدنيا مضماره- كأن الإنسان يجري إلى غاية هي الموت- و إنما جعلها مضمار الإسلام- لأن المسلم يقطع دنياه لا لدنياه بل لآخرته- فالدنيا له كالمضمار للفرس إلى الغاية المعينة- . قال و القيامة حلبته أي ذات حلبته فحذف المضاف- كقوله تعالى هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ أي ذوو درجات- . ثم قال و الجنة سبقته- أي جزاء سبقته فحذف أيضا

: مِنْهَا فِي ذِكْرِ النَّبِيِّ ص- حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لقَابِسٍ- وَ أَنَارَ عَلَماً لِحَابِسٍ- فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ- وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ- وَ بَعِيثُكَ نِعْمَةً وَ رَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً- اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً مِنْ عَدْلِكَ- وَ اجْزِهِ مُضَعَّفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ- اللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ- وَ أَكْرِمْ لَدَيْكَ نُزُلَهُ- وَ شَرِّفْ عِنْدَكَ مَنْزِلَهُ- وَ آتِهِ الْوَسِيلَةَ وَ أَعْطِهِ السَّنَاءَ وَ الْفَضِيلَةَ- وَ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ- غَيْرَ خَزَايَا وَ لَا نَادِمِينَ- وَ لَا نَاكِبِينَ وَ لَا نَاكِثينَ- وَ لَا ضَالِّينَ وَ لَا مُضِلِّينَ وَ لَا مَفْتُونِينَ قال الرضي رحمه الله تعالى- و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم- إلا أننا كررناه هاهنا- لما في الروايتين من الاختلاف قبسا منصوب بالمفعولية- أي أورى رسول الله ص قبسا- و القبس شعلة من النار- و القابس طالب الاستصباح منها- و الكلام مجاز و المراد الهداية في الدين- .و علما منصوب أيضا بالمفعولية- أي و أنا رسول الله ص علما- . لحابس أي نصب لمن قد حبس ناقته- ضلالا فهو يخبط لا يدري كيف يهتدي إلى المنهج- علما يهتدي به- .

فإن قلت- فهل يجوز أن ينصب قبسا و علما- على أن يكون كل واحد منهما حالا- أي حتى أورى رسول الله في حال كونه قبسا- و أنار في حال كونه علما- قلت لم أسمع أورى الزند- و إنما المسموع ورى و ورى- و لم يجئ أورى إلا متعديا أورى زيد زنده- فإن حمل هاهنا على المتعدي- احتيج إلى حذف المفعول و يصير تقديره- حتى أورى رسول الله الزند حال كونه قبسا- فيكون فيه نوع تكلف و استهجان- . و البعيث المبعوث و مقسما نصيبا- و إن جعلته مصدرا جاز- . و النزول طعام الضيف- و الوسيلة ما يتقرب به- و قد فسر قولهم في دعاء الأذان- اللهم آته الوسيلة- بأنها درجة رفيعة في الجنة- و السناء بالمد الشرف و زمرته جماعته- . و خزايا جمع خزيان و هو الخجل المستحيي- مثل سكران و سكارى- و حيران و حيارى و غيران و غيارى- .

و ناكبين أي عادلين عن الطريق- و ناكثين أي ناقضين للعهد- . قلت سألت النقيب أبا جعفر رحمه الله- و كان منصفا بعيدا عن الهوى- و العصبية عن هذا الموضع فقلت له- قد وقفت على كلام الصحابة و خطبهم- فلم أر فيها من يعظم رسول الله ص تعظيم هذا الرجل- و لا يدعو كدعائه- فإنا قد وقفنا من نهج البلاغة- و من غيره على فصول كثيرة مناسبة لهذا الفصل- تدل على إجلال عظيم- و تبجيل شديد منه لرسول الله ص- فقال و من أين لغيره من الصحابة كلام مدون- يتعلم منه كيفية ذكرهم للنبي ص- و هل وجد لهم إلا كلمات مبتدرة- لا طائل تحتها- ثم قال إن عليا ع كان قوي الإيمان برسول الله ص- و التصديق له ثابت اليقين- قاطعا بالأمر متحققا له- و كان‏ مع ذلك يحب رسول الله ص- لنسبته منه و تربيته له- و اختصاصه به من دون أصحابه- و بعد فشرفه له لأنهما نفس واحدة في جسمين- الأب واحد و الدار واحدة و الأخلاق متناسبة- فإذا عظمه فقد عظم نفسه- و إذا دعا إليه فقد دعا إلى نفسه- و لقد كان يود أن تطبق دعوة الإسلام مشارق الأرض و مغاربها- لأن جمال ذلك لاحق به و عائد عليه- فكيف لا يعظمه و يبجله و يجتهد في إعلاء كلمته- .

فقلت له- قد كنت اليوم أنا و جعفر بن مكي الشاعر- نتجاذب هذا الحديث- فقال جعفر- لم ينصر رسول الله ص أحد- نصرة أبي طالب و بنيه له- أما أبو طالب فكفله و رباه- ثم حماه من قريش عند إظهار الدعوة- بعد إصفاقهم و إطباقهم على قتله- و أما ابنه جعفر- فهاجر بجماعة من المسلمين إلى أرض الحبشة- فنشر دعوته بها- و أما علي فإنه أقام عماد الملة بالمدينة- ثم لم يمن أحد من القتل و الهوان- و التشريد بما مني به بنو أبي طالب- أما جعفر فقتل يوم مؤتة- و أما علي فقتل بالكوفة- بعد أن شرب نقيع الحنظل و تمنى الموت- و لو تأخر قتل ابن ملجم- لمات أسفا و كمدا- ثم قتل ابناه بالسم و السيف و قتل بنوه الباقون مع أخيهم بالطف- و حملت نساؤهم على الأقتاب سبايا إلى الشام- و لقيت ذريتهم و أخلافهم بعد ذلك- من القتل و الصلب و التشريد في البلاد- و الهوان و الحبس و الضرب ما لا يحيط الوصف بكنهه- فأي خير أصاب هذا البيت من نصرته- و محبته و تعظيمه بالقول و الفعل- فقال رحمه الله و أصاب فيما قال- فهلا قلت يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا- قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ- بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- .

ثم قال و هلا قلت له- فقد نصرته الأنصار و بذلت مهجها دونه- و قتلت بين يديه في‏ مواطن كثيرة- و خصوصا يوم أحد ثم اهتضموا بعده- و استؤثر عليهم- و لقوا من المشاق و الشدائد ما يطول شرحه- و لو لم يكن إلا يوم الحرة- فإنه اليوم الذي لم يكن في العرب مثله- و لا أصيب قوم قط- بمثل ما أصيب به الأنصار ذلك اليوم- ثم قال إن الله تعالى زوى الدنيا- عن صالحي عباده و أهل الإخلاص له- لأنه لم يرها ثمنا لعبادتهم- و لا كفؤا لإخلاصهم- و أرجأ جزاءهم إلى دار أخرى غير هذه الدار- في مثلها يتنافس المتنافسون: مِنْهَا فِي خِطَابِ أَصْحَابِهِ- وَ قَدْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكُمْ- مَنْزِلَةً تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُمْ- وَ تُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُمْ- وَ يُعَظِّمُكُمْ مَنْ لَا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ- وَ لَا يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ- وَ يَهَابُكُمْ مَنْ لَا يَخَافُ لَكُمْ سَطْوَةً- وَ لَا لَكُمْ عَلَيْهِ إِمْرَةٌ- وَ قَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللَّهِ مَنْقُوضَةً فَلَا تَغْضَبُونَ- وَ أَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ- وَ كَانَتْ أُمُورُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ- وَ عَنْكُمْ تَصْدُرُ وَ إِلَيْكُمْ تَرْجِعُ- فَمَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ- وَ أَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ- وَ أَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللَّهِ فِي أَيْدِيهِمْ- يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ- وَ يَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ- لَجَمَعَكُمُ اللَّهُ لِشَرِّ يَوْمٍ لَهُمْ هذاخطاب لأصحابه- الذين أسلموا مدنهم و نواحيهم إلى جيوش معاوية- التي كان‏ يغير بها- على أطراف أعمال علي ع كالأنبار و غيرها- مما تقدم ذكرنا له- قال لهم إن الله أكرمكم بالإسلام- بعد أن كنتم مجوسا أو عباد أصنام- و بلغتم من كرامته إياكم بالإسلام منزلة عظيمة- أكرم بها إماؤكم و عبيدكم- و من كان مظنة المهنة و المذلة- .

و وصل بها جيرانكم- أي من التجأ إليكم من معاهد أو ذمي- فإن الله تعالى حفظ لهم ذمام المجاورة لكم- حتى عصم دماءهم و أموالهم- و صرتم إلى حال يعظمكم بها من لا فضل لكم عليه- و لا نعمة لكم عنده كالروم و الحبشة- فإنهم عظموا مسلمي العرب- لتقمصهم لباس الإسلام و الدين- و لزومهم ناموسه- و إظهارهم شعاره- . و يهابكم من لا يخاف لكم سطوة- و لا لكم عليه إمرة- كالملوك الذين في أقاصي البلاد- نحو الهند و الصين و أمثالها- و ذلك لأنهم هابوا دولة الإسلام- و إن لم يخافوا سطوة سيفها- لأنه شاع و ذاع أنهم قوم صالحون- إذا دعوا الله استجاب لهم- و أنهم يقهرون الأمم بالنصر السماوي و بالملائكة- لا بسيوفهم و لا بأيديهم- قيل إن العرب لما عبرت دجلة- إلى القصر الأبيض الشرقي بالمدائن- عبرتها في أيام مدها- و هي كالبحر الزاخر على خيولها و بأيديها رماحها- و لا دروع عليها و لا بيض- فهربت الفرس بعد رمي شديد منها للعرب بالسهام- و هم يقدمون و يحملون- و لا تهولهم السهام- فقال فلاح نبطي بيده مسحاته- و هو يفتح الماء إلى زرعه- لأسوار من الأساورة معروف بالبأس و جودة الرماية- ويلكم أ مثلكم في سلاحكم- يهرب من هؤلاء القوم الحاسرين- و لذعه باللوم و التعنيف- فقال له أقم مسحاتك فأقامها فرماها- فخرق الحديد حتى عبر النصل إلى جانبها الآخر- ثم قال انظر الآن- ثم رمى بعض العرب المارين عليه عشرين سهما- لم يصبه و لا فرسه منها بسهم واحد- و إنه لقريب منه غير بعيد- و لقد كان بعض السهام يسقط بين يدي الأسوار- فقال له بالفارسية- أ علمت أن القوم مصنوع لهم قال نعم- .

ثم قال ع- ما لكم لا تغضبون- و أنتم ترون عهود الله منقوضة و إن من العجب أن يغضب الإنسان- و يأنف من نقض عهد أبيه- و لا يغضب و لا يأنف لنقض عهود إلهه و خالقه- . ثم قال لهم- كانت الأحكام الشرعية إليكم- ترد مني و من تعليمي إياكم و تثقيفي لكم- ثم تصدر عنكم إلى من تعلمونه إياها- من أتباعكم و تلامذتكم- ثم يرجع إليكم- بأن يتعلمها بنوكم و إخوتكم- من هؤلاء الأتباع و التلامذة- ففررتم من الزحف- لما أغارت جيوش الشام عليكم- و أسلمتم منازلكم و بيوتكم و بلادكم إلى أعدائكم- و مكنتم الظلمة من منزلتكم- حتى حكموا في دين الله بأهوائهم- و عملوا بالشبهة لا بالحجة- و اتسعوا في شهواتهم و مآرب أنفسهم- . ثم أقسم بالله- إن أهل الشام لو فرقوكم تحت كل كوكب- ليجمعنكم الله ليوم و هو شر يوم لهم- و كنى بذلك عن ظهور المسودة- و انتقامها من أهل الشام و بني أمية- و كانت المسودة المنتقمة منهم عراقية و خراسانية

شرح‏ نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 7 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.