3 و من خطبة له و هي المعروفة بالشقشقية
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنْ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ- فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً- وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ- أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ- يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ- وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ- فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى- فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً سدلت دونها ثوبا أي أرخيت- يقول ضربت بيني و بينها حجابا- فعل الزاهد فيها الراغب عنها- و طويت عنها كشحا أي قطعتها و صرمتها- و هو مثل قالوا لأن من كان إلى جانبك الأيمن ماثلا- فطويت كشحك الأيسر فقد ملت عنه- و الكشح ما بين الخاصرة و الجنب- و عندي أنهم أرادوا غير ذلك- و هو أن من أجاع نفسه فقد طوى كشحه- كما أن من أكل و شبع فقد ملأ كشحه- فكأنه أراد أني أجعت نفسي عنها و لم ألقمها- و اليد الجذاء بالدال المهملة و بالذال المعجمة- و الحاء المهملة مع الذال المعجمة- كله بمعنى المقطوعة- و الطخية قطعة من الغيم و السحاب- و قوله عمياء تأكيد لظلام الحال و اسودادها- يقولون مفازة عمياء أي يعمى فيها الدليل-
و يكدح يسعى و يكد مع مشقة- قال تعالى إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً- و هاتا بمعنى هذه ها للتنبيه- و تا للإشارة و معنى تا ذي- و هذا أحجى من كذا أي أليق بالحجا و هو العقل- . و في هذا الفصل من باب البديع في علم البيان- عشرة ألفاظ- . أولها قوله لقد تقمصها- أي جعلها كالقميص مشتملة عليه- و الضمير للخلافة و لم يذكرها للعلم بها- كقوله سبحانه حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ- و كقوله كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ- و كقول حاتم
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصدر
و هذه اللفظة مأخوذة من كتاب الله تعالى- في قوله سبحانه وَ لِباسُ التَّقْوى- و قول النابغة
تسربل سربالا من النصر و ارتدى
عليه بعضب في الكريهة قاصل
– . الثانية قوله ينحدر عني السيل- يعني رفعة منزلته ع- كأنه في ذروة جبل أو يفاع مشرف- ينحدر السيل عنه إلى الوهاد و الغيطان- قال الهذلي
و عيطاء يكثر فيها الزليل
و ينحدر السيل عنها انحدارا
– . الثالثة قوله ع و لا يرقى إلي الطير- هذه أعظم في الرفعة و العلو من التي قبلها- لأن السيل ينحدر عن الرابية و الهضبة- و أما تعذر رقي الطير- فربما يكون للقلال الشاهقة جدا- بل ما هو أعلى من قلال الجبال- كأنه يقول إني لعلو منزلتي- كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها- قال أبو الطيب
فوق السماء و فوق ما طلبوا
فإذا أرادوا غاية نزلوا
و قال حبيب
مكارم لجت في علو كأنما
تحاول ثأرا عند بعض الكواكب
– . الرابعة قوله سدلت دونها ثوبا قد ذكرناه- . الخامسة قوله و طويت عنها كشحا قد ذكرناه أيضا- . السادسة قوله أصول بيد جذاء قد ذكرناه- . السابعة قوله أصبر على طخية عمياء قد ذكرناه أيضا- . الثامنة قوله و في العين قذى- أي صبرت على مضض كما يصبر الأرمد- . التاسعة قوله و في الحلق شجا- و هو ما يعترض في الحلق- أي كما يصبر من غص بأمر فهو يكابد الخنق- . العاشرة قوله أرى تراثي نهبا- كنى عن الخلافة بالتراث- و هو الموروث من المال- . فأما قوله ع إن محلي منها محل القطب من الرحى- فليس من هذا النمط الذي نحن فيه- و لكنه تشبيه محض- خارج من باب الاستعارة و التوسع- يقول كما أن الرحى لا تدور إلا على القطب- و دورانها بغير قطب لا ثمرة له و لا فائدة فيه- كذلك نسبتي إلى الخلافة- فإنها لا تقوم إلا بي و لا يدور أمرها إلا علي- . هكذا فسروه و عندي أنه أراد أمرا آخر- و هو أني من الخلافة في الصميم- و في وسطها و بحبوحتها- كما أن القطب وسط دائرة الرحى- قال الراجز
على قلاص مثل خيطان السلم
إذا قطعن علما بدا علم
حتى أنحناها إلى باب الحكم
خليفة الحجاج غير المتهم
في سرة المجد و بحبوح الكرم
و قال أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان-
فحللت منها بالبطاح
و حل غيرك بالظواهر
– . و أما قوله يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير- فيمكن أن يكون من باب الحقائق- و يمكن أن يكون من باب المجازات و الاستعارات- أما الأول فإنه يعني به طول مدة ولاية المتقدمين عليه- فإنها مدة يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير- . و أما الثاني فإنه يعني بذلك صعوبة تلك الأيام- حتى أن الكبير من الناس يكاد يهرم لصعوبتها- و الصغير يشيب من أهوالها- كقولهم هذا أمر يشيب له الوليد- و إن لم يشب على الحقيقة- .
و اعلم أن في الكلام تقديما و تأخيرا- و تقديره و لا يرقى إلي الطير- فطفقت أرتئي بين كذا و كذا- فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فسدلت دونها ثوبا- و طويت عنها كشحا- ثم فصبرت و في العين قذى إلى آخر القصة- لأنه لا يجوز أن يسدل دونها ثوبا و يطوي عنها كشحا- ثم يطفق يرتئي بين أن ينابذهم أو يصبر- أ لا ترى أنه إذا سدل دونها ثوبا- و طوى عنها كشحا فقد تركها و صرمها- و من يترك و يصرم لا يرتئي في المنابذة- و التقديم و التأخير طريق لاحب- و سبيل مهيع في لغة العرب- قال سبحانه الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ- وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً- أي أنزل على عبده الكتاب قيما- و لم يجعل له عوجا و هذا كثير- . و قوله ع حتى يلقى ربه بالوقف و الإسكان- كما جاءت به الرواية في قوله سبحانه ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ بالوقف أيضا
نسب أبي بكر و نبذة من أخبار أبيه
ابن أبي قحافة المشار إليه هو أبو بكر- و اسمه القديم عبد الكعبة- فسماه رسول الله ص عبد الله- و اختلفوا في عتيق فقيل كان اسمه في الجاهلية- و قيل بل سماه به رسول الله ص- و اسم أبي قحافة عثمان- و هو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب- بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب- و أمه ابنة عم أبيه- و هي أم الخير بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد- أسلم أبو قحافة يوم الفتح- جاء به ابنه أبو بكر إلى النبي ص و هو شيخ كبير- رأسه كالثغامة البيضاء فأسلم- فقال رسول الله ص غيروا شيبته- .
و ولي ابنه الخلافة و هو حي منقطع في بيته- مكفوف عاجز عن الحركة- فسمع ضوضاء الناس فقال ما الخبر- فقالوا ولي ابنك الخلافة- فقال رضيت بنو عبد مناف بذلك قالوا نعم- قال اللهم لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت- . و لم يل الخلافة من أبوه حي إلا أبو بكر- و أبو بكر عبد الكريم الطائع لله- ولي الأمر و أبوه المطيع حي- خلع نفسه من الخلافة و عهد بها إلى ابنه- و كان المنصور يسمي عبد الله بن الحسن بن الحسن- أبا قحافة تهكما به- لأن ابنه محمدا ادعى الخلافة و أبوه حي- . و مات أبو بكر و أبو قحافة حي- فسمع الأصوات فسأل فقيل مات ابنك- فقال رزء جليل- و توفي أبو قحافة في أيام عمر في سنة أربع عشرة للهجرة- و عمره سبع و تسعون سنة- و هي السنة التي توفي فيها نوفل- بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم- .
إن قيل بينوا لنا ما عندكم في هذا الكلام- أ ليس صريحه دالا على تظليم القوم- و نسبتهم إلى اغتصاب الأمر- فما قولكم في ذلك- إن حكمتم عليهم بذلك فقد طعنتم فيهم- و إن لم تحكموا عليهم بذلك- فقد طعنتم في المتظلم المتكلم عليهم- . قيل أما الإمامية من الشيعة- فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها- و تذهب إلى أن النبي ص- نص على أمير المؤمنين ع- و أنه غصب حقه- .
و أما أصحابنا رحمهم الله فلهم أن يقولوا- إنه لما كان أمير المؤمنين ع هو الأفضل و الأحق- و عدل عنه إلى من لا يساويه في فضل- و لا يوازيه في جهاد و علم و لا يماثله في سؤدد و شرف- ساغ إطلاق هذه الألفاظ- و إن كان من وسم بالخلافة قبله عدلا تقيا- و كانت بيعته بيعة صحيحة- أ لا ترى أن البلد قد يكون فيه فقيهان- أحدهما أعلم من الآخر بطبقات كثيرة- فيجعل السلطان الأنقص علما منهما قاضيا- فيتوجد الأعلم و يتألم- و ينفث أحيانا بالشكوى- و لا يكون ذلك طعنا في القاضي و لا تفسيقا له- و لا حكما منه بأنه غير صالح- بل للعدول عن الأحق و الأولى- و هذا أمر مركوز في طباع البشر- و مجبول في أصل الغريزة و الفطرة- فأصحابنا رحمهم الله لما أحسنوا الظن بالصحابة- و حملوا ما وقع منهم على وجه الصواب- و أنهم نظروا إلى مصلحة الإسلام- و خافوا فتنة لا تقتصر على ذهاب الخلافة فقط- بل و تفضي إلى ذهاب النبوة و الملة- فعدلوا عن الأفضل الأشرف الأحق إلى فاضل آخر دونه- فعقدوا له- احتاجوا إلى تأويل هذه الألفاظ- الصادرة عمن يعتقدونه في الجلالة و الرفعة- قريبا من منزلة النبوة- فتأولوها بهذا التأويل- و حملوها على التألم للعدول عن الأولى- .
و ليس هذا بأبعد من تأويل الإمامية قوله تعالى- وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى- و قولهم معنى عصى أنه عدل عن الأولى- لأن الأمر بترك أكل الشجرة كان أمرا على سبيل الندب- فلما تركه آدم كان تاركا للأفضل و الأولى- فسمي عاصيا باعتبار مخالفة الأولى- و حملوا غوى على خاب- لا على الغواية بمعنى الضلال- و معلوم أن تأويل كلام أمير المؤمنين ع- و حمله على أنه شكا من تركهم الأولى- أحسن من حمل قوله تعالى وَ عَصى آدَمُ على أنه ترك الأولى- .
إن قيل لا تخلو الصحابة- إما أن تكون عدلت عن الأفضل- لعلة و مانع في الأفضل أو لا لمانع- فإن كان لا لمانع كان ذلك عقدا للمفضول بالهوى- فيكون باطلا- و إن كان لمانع- و هو ما تذكرونه من خوف الفتنة- و كون الناس كانوا يبغضون عليا ع و يحسدونه- فقد كان يجب أن يعذرهم أمير المؤمنين ع- في العدول عنه- و يعلم أن العقد لغيره هو المصلحة للإسلام- فكيف حسن منه أن يشكوهم بعد ذلك و يتوجد عليهم- . و أيضا فما معنى قوله- فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء- على ما تأولتم به كلامه- فإن تارك الأولى لا يصال عليه بالحرب- . قيل يجوز أن يكون أمير المؤمنين ع لم يغلب على ظنه- ما غلب على ظنون الصحابة- من الشغب و ثوران الفتنة- و الظنون تختلف باختلاف الأمارات- فرب إنسان يغلب على ظنه أمر يغلب على ظن غيره خلافه- و أما قوله أرتئي بين أن أصول- فيجوز أن يكون لم يعن به صيال الحرب- بل صيال الجدل و المناظرة- يبين ذلك أنه لو كان جادلهم- و أظهر ما في نفسه لهم- فربما خصموه بأن يقولوا له- قد غلب على ظنوننا أن الفساد يعظم و يتفاقم- إن وليت الأمر- و لا يجوز مع غلبة ظنوننا لذلك أن نسلم الأمر إليك- فهو ع قال- طفقت أرتئي بين أن أذكر لهم فضائلي عليهم- و أحاجهم بها فيجيبوني بهذا الضرب من الجواب- الذي تصير حجتي به جذاء مقطوعة- و لا قدرة لي على تشييدها و نصرتها- و بين أن أصبر على ما منيت به و دفعت إليه- . إن قيل إذا كان ع لم يغلب على ظنه- وجود العلة و المانع فيه- و قد استراب الصحابة و شكاهم لعدولهم- عن الأفضل الذي لا علة فيه عنده- فقد سلمتم أنه ظلم الصحابة و نسبهم إلى غصب حقه- فما الفرق بين ذلك و بين أن يستظلمهم لمخالفة النص- و كيف هربتم من نسبته لهم إلى الظلم لدفع النص- و وقعتم في نسبته لهم إلى الظلم- لخلاف الأولى من غير علة في الأولى- و معلوم أن مخالفة الأولى من غير علة في الأولى- كتارك النص- لأن العقد في كلا الموضعين يكون فاسدا- . قيل الفرق بين الأمرين ظاهر- لأنه ع لو نسبهم إلى مخالفة النص لوجب وجود النص- و لو كان النص موجودا- لكانوا فساقا أو كفارا لمخالفته- و أما إذا نسبهم إلى ترك الأولى من غير علة في الأولى- فقد نسبهم إلى أمر يدعون فيه خلاف ما يدعي ع- و أحد الأمرين لازم- و هو إما أن يكون ظنهم صحيحا أو غير صحيح- فإن كان ظنهم هو الصحيح فلا كلام في المسألة- و إن لم يكن ظنهم صحيحا- كانوا كالمجتهد إذا ظن و أخطأ فإنه معذور- و مخالفة النص أمر خارج عن هذا الباب- لأن مخالفه غير معذور بحال فافترق المحملان
مرض رسول الله و أمره أسامة بن زيد على الجيش
لما مرض رسول الله ص مرض الموت- دعا أسامة بن زيد بن حارثة- فقال سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل- فقد وليتك على هذا الجيش و إن أظفرك الله بالعدو- فأقلل اللبث و بث العيون و قدم الطلائع- فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين و الأنصار- إلا كان في ذلك الجيش- منهم أبو بكر و عمر- فتكلم قوم و قالوا- يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين و الأنصار- فغضب رسول الله ص لما سمع ذلك- و خرج عاصبا رأسه فصعد المنبر و عليه قطيفة- فقال أيها الناس- ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة- لئن طعنتم في تأميري أسامة- فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله- و ايم الله إن كان لخليقا بالإمارة- و ابنه من بعده لخليق بها و إنهما لمن أحب الناس إلي- فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم – ثم نزل و دخل بيته- و جاء المسلمون يودعون رسول الله ص- و يمضون إلى عسكر أسامة بالجرف- . و ثقل رسول الله ص و اشتد ما يجده- فأرسل بعض نسائه إلى أسامة و بعض من كان معه- يعلمونهم ذلك- فدخل أسامة من معسكره و النبي ص مغمور- و هو اليوم الذي لدوه فيه- فتطأطأ أسامة عليه فقبله- و رسول الله ص قد أسكت فهو لا يتكلم- فجعل يرفع يديه إلى السماء- ثم يضعهما على أسامة كالداعي له- ثم أشار إليه بالرجوع إلى عسكره- و التوجه لما بعثه فيه- فرجع أسامة إلى عسكره- ثم أرسل نساء رسول الله ص إلى أسامة يأمرنه بالدخول- و يقلن إن رسول الله ص قد أصبح بارئا- فدخل أسامة من معسكره يوم الإثنين- الثاني عشر من شهر ربيع الأول- فوجد رسول الله ص مفيقا- فأمره بالخروج و تعجيل النفوذ- و قال اغد على بركة الله- و جعل يقول أنفذوا بعث أسامة و يكرر ذلك- فودع رسول الله ص و خرج و معه أبو بكر و عمر- فلما ركب جاءه رسول أم أيمن- فقال إن رسول الله ص يموت- فأقبل و معه أبو بكر و عمر و أبو عبيدة- فانتهوا إلى رسول الله ص حين زالت الشمس- من هذا اليوم و هو يوم الإثنين- و قد مات و اللواء مع بريدة بن الحصيب- فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله ص و هو مغلق- و علي ع و بعض بني هاشم مشتغلون بإعداد جهازه و غسله- فقال العباس لعلي و هما في الدار- امدد يدك أبايعك- فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله- فلا يختلف عليك
اثنان- فقال له أ و يطمع يا عم فيها طامع غيري قال ستعلم- فلم يلبثا أن جاءتهما الأخبار- بأن الأنصار أقعدت سعدا لتبايعه- و أن عمر جاء بأبي بكر فبايعه و سبق الأنصار بالبيعة- فندم علي ع على تفريطه في أمر البيعة و تقاعده عنها- و أنشده العباس قول دريد-
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
– . و تزعم الشيعة أن رسول الله ص كان يعلم موته- و أنه سير أبا بكر و عمر في بعث أسامة- لتخلو دار الهجرة منهما فيصفو الأمر لعلي ع- و يبايعه من تخلف من المسلمين بالمدينة- على سكون و طمأنينة- فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله ص- و بيعة الناس لعلي ع بعده- كانا عن المنازعة و الخلاف أبعد- لأن العرب كانت تلتزم بإتمام تلك البيعة- و يحتاج في نقضها إلى حروب شديدة- فلم يتم له ما قدر و تثاقل أسامة بالجيش أياما- مع شدة حث رسول الله ص على نفوذه و خروجه بالجيش- حتى مات ص و هما بالمدينة- فسبقا عليا إلى البيعة و جرى ما جرى- . و هذا عندي غير منقدح- لأنه إن كان ص يعلم موته- فهو أيضا يعلم أن أبا بكر سيلي الخلافة- و ما يعلمه لا يحترس منه- و إنما يتم هذا و يصح- إذا فرضنا أنه ع كان يظن موته و لا يعلمه حقيقة- و يظن أن أبا بكر و عمر يتمالآن على ابن عمه- و يخاف وقوع ذلك منهما و لا يعلمه حقيقة- فيجوز إن كانت الحال هكذا أن ينقدح هذا التوهم- و يتطرق هذا الظن كالواحد منا له ولدان- يخاف من أحدهما
أن يتغلب بعد موته على جميع ماله- و لا يوصل أخاه إلى شيء من حقه- فإنه قد يخطر له عند مرضه الذي يتخوف أن يموت فيه- أن يأمر الولد المخوف جانبه بالسفر إلى بلد بعيد- في تجارة يسلمها إليه- يجعل ذلك طريقا إلى دفع تغلبه على الولد الآخر
حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ- فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَهُ-
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا
وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
– فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ- إِذْ عَقَدَهَا لآِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا- فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا- وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا- فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ- إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ- فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاضٍ- فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ مضى لسبيله مات و السبيل الطريق- و تقديره مضى على سبيله و تجيء اللام بمعنى على- كقوله
فخر صريعا لليدين و للفم
– . و قوله فأدلى بها من قوله تعالى- وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ- وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ- أي تدفعوها إليهم رشوة- و أصله من أدليت الدلو في البئر أرسلتها- . فإن قلت فإن أبا بكر إنما دفعها إلى عمر حين مات- و لا معنى للرشوة عند الموت- . قلت لما كان ع يرى أن العدول بها عنه إلى غيره- إخراج لها إلى غير جهة الاستحقاق- شبه ذلك بإدلاء الإنسان بماله إلى الحاكم- فإنه إخراج للمال إلى غير وجهه- فكان ذلك من باب الاستعارة- .
عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر بن الخطاب
و ابن الخطاب هو أبو حفص عمر الفاروق- و أبوه الخطاب بن نفيل بن عبد العزى- بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح- بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب- و أم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة- بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- . لما احتضر أبو بكر قال للكاتب اكتب- هذا ما عهد عبد الله بن عثمان- آخر عهده بالدنيا و أول عهده بالآخرة- في الساعة التي يبر فيها الفاجر و يسلم فيها الكافر- ثم أغمي عليه فكتب الكاتب عمر بن الخطاب- ثم أفاق أبو بكر فقال اقرأ ما كتبت- فقرأ و ذكر اسم عمر فقال أنى لك هذا- قال ما كنت لتعدوه فقال أصبت- ثم قال أتم كتابك قال ما أكتب- قال اكتب و ذلك حيث أجال رأيه و أعمل فكره- فرأى أن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما يصلح به أوله- و لا يحتمله إلا أفضل العرب مقدرة و أملكهم لنفسه- و أشدهم في حال الشدة و أسلسهم في حال اللين- و أعلمهم برأي ذوي الرأي- لا يتشاغل بما لا يعنيه و لا يحزن لما لم ينزل به- و لا يستحي من التعلم- و لا يتحير عند البديهة قوي على الأمور- لا يجوز بشيء منها حده عدوانا و لا تقصيرا- يرصد لما هو آت عتاده من الحذر- . فلما فرغ من الكتاب دخل عليه قوم من الصحابة- منهم طلحة فقال له ما أنت قائل لربك غدا- و قد وليت علينا فظا غليظا- تفرق منه النفوس و تنفض عنه القلوب- . فقال أبو بكر أسندوني و كان مستلقيا فأسندوه- فقال لطلحة أ بالله تخوفني- إذا قال لي ذلك غدا قلت له وليت عليهم خير أهلك- .
و يقال أصدق الناس فراسة ثلاثة- العزيز في قوله لامرأته عن يوسف ع- وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ- أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً- و ابنة شعيب حيث قالت لأبيها في موسى- يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ- و أبو بكر في عمر- . و روى كثير من الناس أن أبا بكر لما نزل به الموت- دعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرني عن عمر- فقال إنه أفضل من رأيك فيه إلا أن فيه غلظة- فقال أبو بكر ذاك لأنه يراني رقيقا- و لو قد أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه- و قد رمقته إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه- و إذا لنت له أراني الشدة عليه- ثم دعا عثمان بن عفان فقال أخبرني عن عمر- فقال سريرته خير من علانيته و ليس فينا مثله- فقال لهما لا تذكرا مما قلت لكما شيئا- و لو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان- و الخيرة لك ألا تلي من أمورهم شيئا- و لوددت أني كنت من أموركم خلوا- و كنت فيمن مضى من سلفكم- و دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر- فقال إنه بلغني أنك يا خليفة
رسول الله- استخلفت على الناس عمر- و قد رأيت ما يلقى الناس منه و أنت معه- فكيف به إذا خلا بهم- و أنت غدا لاق ربك فيسألك عن رعيتك- فقال أبو بكر أجلسوني ثم قال أ بالله تخوفني- إذا لقيت ربي فسألني قلت استخلفت عليهم خير أهلك- فقال طلحة أ عمر خير الناس يا خليفة رسول الله- فاشتد غضبه و قال إي و الله هو خيرهم و أنت شرهم- أما و الله لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك- و لرفعت نفسك فوق قدرها- حتى يكون الله هو الذي يضعها- أتيتني و قد دلكت عينك- تريد أن تفتنني عن ديني و تزيلني عن رأيي- قم لا أقام الله رجليك- أما و الله لئن عشت فواق ناقة و بلغني أنك غمصته فيها- أو ذكرته بسوء لألحقنك بمحمضات قنة- حيث كنتم تسقون و لا تروون و ترعون و لا تشبعون- و أنتم بذلك بجحون راضون فقام طلحة فخرج- . أحضر أبو بكر عثمان و هو يجود بنفسه- فأمره أن يكتب عهدا- و قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم- هذا ما عهد عبد الله بن عثمان إلى المسلمين أما بعد ثم أغمي عليه و كتب عثمان- قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب- و أفاق أبو بكر فقال اقرأ فقرأه- فكبر أبو بكر و سر- و قال أراك خفت أن يختلف الناس أن مت في غشيتي- قال نعم قال جزاك الله خيرا عن الإسلام و أهله- ثم أتم العهد و أمر أن يقرأ على الناس فقرئ عليهم- ثم أوصى عمر فقال له- إن لله حقا بالليل لا يقبله في النهار- و حقا في النهار لا يقبله بالليل- و إنه لا يقبل نافلة ما لم تؤد الفريضة- و إنما ثقلت موازين من اتبع الحق مع ثقله عليه- و إنما خفت موازين من اتبع الباطل لخفته عليه- إنما أنزلت آية الرخاء مع آية الشدة- لئلا يرغب المؤمن رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له- و لئلايرهب رهبة يلقى فيها بيده- فإن حفظت وصيتي- فلا يكن غائب أحب إليك من الموت و لست معجزة- ثم توفي أبو بكر- . دعا أبو بكر عمر يوم موته بعد عهده إليه- فقال إني لأرجو أن أموت في يومي هذا- فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى بن حارثة- و إن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس معه- و لا تشغلنكم مصيبة عن دينكم- و قد رأيتني متوفى رسول الله ص كيف صنعت- . و توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء- لثمان بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة – . و أما البيت الذي تمثل به ع- فإنه للأعشى الكبير أعشى قيس- و هو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل- من القصيدة التي قالها- في منافرة علقمة بن علاثة و عامر بن الطفيل- و أولها
علقم ما أنت إلى عامر
الناقض الأوتار و الواتر
يقول فيها
و قد أسلي الهم إذ يعتري
بجسرة دوسرة عاقر
زيافة بالرحل خطارة
تلوي بشرخي ميسة قاتر
شرخا الرحل مقدمه و مؤخره- و الميس شجر يتخذ منه الرحال- و رحل قاتر جيد الوقوع على ظهر البعير-
شتان ما يومي على كورها
و يوم حيان أخي جابر
أرمي بها البيداء إذ هجرت
و أنت بين القرو و العاصر
في مجدل شيد بنيانه
يزل عنه ظفر الطائر
– . تقول شتان ما هما و شتان هما- و لا يجوز شتان ما بينهما إلا على قول ضعيف- . و شتان أصله شتت كوشكان ذا خروجا من وشك- و حيان و جابر ابنا السمين الحنفيان- و كان حيان صاحب شراب و معاقرة خمر- و كان نديم الأعشى- و كان أخوه جابر أصغر سنا منه- فيقال إن حيان قال للأعشى- نسبتني إلى أخي و هو أصغر سنا مني- فقال إن الروي اضطرني إلى ذلك- فقال و الله لا نازعتك كأسا أبدا ما عشت- يقول شتان يومي و أنا في الهاجرة و الرمضاء- أسير على كور هذه الناقة- و يوم حيان و هو في سكرة الشراب- ناعم البال مرفه من الأكدار و المشاق- و القرو شبه حوض يتخذ من جذع- أو من شجر ينبذ فيه- و العاصر الذي يعتصر العنب و المجدل الحصن المنيع- . و شبيه بهذا المعنى قول الفضل بن الربيع- في أيام فتنة الأمين يذكر حاله و حال أخيه المأمون- إنما نحن شعب من أصل- إن قوي قوينا و إن ضعف ضعفنا- و إن هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوكعاء- يشاور النساء و يقدم على الرؤيا- قد أمكن أهل الخسارة و اللهو من سمعه- فهم يمنونه الظفر و يعدونه عقب الأيام- و الهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل- ينام نوم الظربان و ينتبه انتباه الذئب- همه بطنه و فرجه لا يفكر في زوال نعمة- و لا يروى في إمضاء رأي و لا مكيدة- قد شمر له عبد الله عن ساقه و فوق إليه أسد سهامه- يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ- و الموت القاصد قد عبا له المنايا على متون الخيل- و ناط له البلايا بأسنة الرماح و شفار السيوف- فهو كما قال الشاعر-
لشتان ما بيني و بين ابن خالد
أمية في الرزق الذي الله يقسم
يقارع أتراك ابن خاقان ليله
إلى أن يرى الإصباح لا يتلعثم
و آخذها حمراء كالمسك ريحها
لها أرج من دنها يتنسم
فيصبح من طول الطراد و جسمه
نحيل و أضحي في النعيم أصمم
– . و أمية المذكور في هذا الشعر- هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد- بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس- كان والي خراسان و حارب الترك- و الشعر للبعيث- . يقول أمير المؤمنين ع- شتان بين يومي في الخلافة مع ما انتقض علي من الأمر- و منيت به من انتشار الحبل و اضطراب أركان الخلافة- و بين يوم عمر حيث وليها على قاعدة ممهدة- و أركان ثابتة و سكون شامل- فانتظم أمره و اطرد حاله و سكنت أيامه- . قوله ع فيا عجبا أصله فيا عجبي- كقولك يا غلامي ثم قلبوا الياء ألفا- فقالوا يا عجبا كقولهم يا غلاما- فإن وقفت وقفت على هاء السكت- فقلت يا عجباه و يا غلاماه- قال العجب منه و هو يستقيل المسلمين- من الخلافة أيام حياته- فيقول أقيلوني ثم يعقدها عند وفاته لآخر- و هذا يناقض الزهد فيها و الاستقالة منها- و قال شاعر من شعراء الشيعة
حملوها يوم السقيفة
أوزارا تخف الجبال و هي ثقال
ثم جاءوا من بعدها
يستقيلون و هيهات عثرة لا تقال
– . و قد اختلف الرواة في هذه اللفظة- فكثير من الناس رواها- أقيلوني فلست بخيركم- و من الناس من أنكر هذه اللفظة و لم يروها- و إنما روى قوله وليتكم و لست بخيركم- و احتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الإمامة- و من رواها اعتذر لأبي بكر فقال إنما قال أقيلوني- ليثور ما في نفوس الناس من بيعته- و يخبر ما عندهم من ولايته- فيعلم مريدهم و كارههم و محبهم و مبغضهم- فلما رأى النفوس إليه ساكنة- و القلوب لبيعته مذعنة- استمر على إمارته و حكم حكم الخلفاء في رعيته- و لم يكن منكرا منه أن يعهد إلى من استصلحه لخلافته- . قالوا و قد جرى مثل ذلك لعلي ع- فإنه قال للناس بعد قتل عثمان-
دعوني و التمسوا غيري- فأنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا- و قال لهم اتركوني فأنا كأحدكم- بل أنا أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم
– فأبوا عليه و بايعوه فكرهها أولا- ثم عهد بها إلى الحسن ع عند موته- . قالت الإمامية هذا غير لازم- و الفرق بين الموضعين ظاهر- لأن عليا ع لم يقل إني لا أصلح و لكنه كره الفتنة- و أبو بكر قال كلاما معناه أني لا أصلح لها- لقوله لست بخيركم- و من نفى عن نفسه صلاحيته للإمامة- لا يجوز أن يعهد بها إلى غيره- . و اعلم أن الكلام في هذا الموضع- مبني على أن الأفضلية هل هي شرط في الإمامة أم لا- و قد تكلمنا في شرح الغرر- لشيخنا أبي الحسين رحمه الله تعالى في هذا البحث- بما لا يحتمله هذا الكتاب-
و قوله ع لشد ما تشطرا ضرعيها- شد أصله شدد كقولك حب في حبذا أصله حبب- و معنى شد صار شديدا جدا و معنى حب صار حبيبا- قال البحتري
شد ما أغريت ظلوم بهجري
بعد وجدي بها و غلة صدري
– . و للناقة أربعة أخلاف خلفان قادمان و خلفان آخران- و كل اثنين منهما شطر- و تشطرا ضرعيها اقتسما فائدتهما و نفعهما- و الضمير للخلافة و سمى القادمين معا ضرعا- و سمى الآخرين معا ضرعا لما كانا لتجاورهما- و لكونهما لا يحلبان إلا معا كشيء واحد- . قوله ع فجعلها في حوزة خشناء- أي في جهة صعبة المرام شديدة الشكيمة- و الكلم الجرح- . و قوله يغلظ- من الناس من قال كيف قال يغلظ كلمها- و الكلم لا يوصف بالغلظ و هذا قلة فهم بالفصاحة- أ لا ترى كيف قد وصف الله سبحانه العذاب بالغلظ- فقال وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ أي متضاعف- لأن الغليظ من الأجسام هو ما كثف و جسم- فكان أجزاؤه و جواهره متضاعفة- فلما كان العذاب أعاذنا الله منه متضاعفا سمي غليظا- و كذلك الجرح إذا أمعن و عمق- فكأنه قد تضاعف و صار جروحا فسمي غليظا- . إن قيل قد قال ع في حوزة خشناء فوصفها بالخشونة- فكيف أعاد ذكر الخشونة ثانية فقال يخشن مسها- . قيل الاعتبار مختلف- لأن مراده بقوله في حوزة خشناء- أي لا ينال ما عندها و لا يرام- يقال إن فلانا لخشن الجانب و وعر الجانب- و مراده بقوله يخشن مسها- أي تؤذي و تضر و تنكئ من يمسها- يصف جفاء أخلاق الوالي المذكور- و نفور طبعه و شدة بادرته- . قوله ع و يكثر العثار فيها و الاعتذار منها- يقول ليست هذه الجهة جددا مهيعا- بل هي كطريق كثير الحجارة لا يزال الماشي فيه عاثرا- . و أما منها في قوله ع و الاعتذار منها- فيمكن أن تكون من على أصلها- يعني أن عمر كان كثيرا ما يحكم بالأمر ثم ينقضه- و يفتي بالفتيا ثم يرجع عنها- و يعتذر مما أفتى به أولا- و يمكن أن تكون من هاهنا للتعليل و السببية- أي و يكثر اعتذار الناس عن أفعالهم و حركاتهم لأجلها- قال
أ من رسم دار مربع و مصيف
لعينيك من ماء الشئون و كيف
– . أي لأجل أن رسم المربع و المصيف هذه الدار- و كف دمع عينيك- . و الصعبة من النوق ما لم تركب و لم ترض- إن أشنق لها راكبها بالزمام خرم أنفها- و إن أسلس زمامها تقحم في المهالك- فألقته في مهواة أو ماء أو نار- أو ندت فلم تقف حتى ترديه عنها فهلك- . و أشنق الرجل ناقته إذا كفها بالزمام و هو راكبها- و اللغة المشهورة شنق ثلاثية- و في الحديث أن طلحة أنشد قصيدة- فما زال شانقا راحلته حتى كتبت له- و أشنق البعير نفسه إذا رفع رأسه يتعدى و لا يتعدى- و أصله من الشناق و هو خيط يشد به فم القربة- . و قال الرضي أبو الحسن رحمه الله تعالى- إنما قال ع أشنق لها و لم يقل أشنقها- لأنه جعل ذلك في مقابلة قوله أسلس لها و هذا حسن- فإنهم إذا
قصدوا الازدواج في الخطابة فعلوا مثل هذا- قالوا الغدايا و العشايا- و الأصل الغدوات جمع غدوة-و قال ص ارجعن مأزورات غير مأجورات – و أصله موزورات بالواو لأنه من الوزر- . و قال الرضي رحمه الله تعالى- و مما يشهد على أن أشنق بمعنى شنق- قول عدي بن زيد العبادي-
ساءها ما لها تبين في الأيدي
و إشناقها إلى الأعناق
قلت تبين في هذا البيت فعل ماض تبين يتبين تبينا- و اللام في لها تتعلق بتبين- يقول ظهر لها ما في أيدينا فساءها- و هذا البيت من قصيدة أولها-
ليس شيء على المنون بباق
غير وجه المسبح الخلاق
و قد كان زارته بنية له صغيرة اسمها هند- و هو في الحبس حبس النعمان- و يداه مغلولتان إلى عنقه فأنكرت ذلك- و قالت ما هذا الذي في يدك و عنقك يا أبت و بكت- فقال هذا الشعر و قبل هذا البيت-
و لقد غمني زيارة ذي قربى
صغير لقربنا مشتاق
ساءها ما لها تبين في الأيدي
و إشناقها إلى الأعناق
أي ساءها ما ظهر لها من ذلك- و يروى ساءها ما بنا تبين أي ما بان و ظهر- و يروى ما بنا تبين بالرفع على أنه مضارع- . و يروى إشناقها بالرفع عطفا على ما- التي هي بمعنى الذي و هي فاعلة- و يروى بالجر عطفا على الأيدي- .
و قال الرضي رحمه الله تعالى أيضا- و يروى أن رسول الله ص خطب الناس- و هو على ناقة قد شنق لها و هي تقصع بجرتها- . قلت الجرة ما يعلو من الجوف و تجتره الإبل- و الدرة ما يسفل و تقصع بها تدفع- و قد كان للرضي رحمه الله تعالى إذا كانت الرواية- قد وردت هكذا أن يحتج بها على جواز أشنق لها- فإن الفعل في الخبر قد عدي باللام لا بنفسه- قوله ع فمني الناس أي بلي الناس- قال منيت بزمردة كالعصاو الخبط السير على غير جادة- و الشماس النفار و التلون التبدل- و الاعتراض السير لا على خط مستقيم- كأنه يسير عرضا في غضون سيره طولا- و إنما يفعل ذلك البعير الجامح الخابط- و بعير عرضي يعترض في مسيره لأنه لم يتم رياضته- و في فلان عرضية أي عجرفة و صعوبة
طرف من أخبار عمر بن الخطاب
و كان عمر بن الخطاب صعبا- عظيم الهيبة شديد السياسة- لا يحابي أحدا و لا يراقب شريفا و لا مشروفا- و كان أكابر الصحابة يتحامون و يتفادون من لقائه- كان أبو سفيان بن حرب في مجلس عمر- و هناك زياد بن سمية و كثير من الصحابة- فتكلم زياد فأحسن و هو يومئذ غلام- فقال علي ع و كان حاضرا- لأبي سفيان و هو إلى جانبه- لله هذا الغلام لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه- فقال له أبو سفيان أما و الله لو عرفت أباه- لعرفت أنه من خير أهلك- قال و من أبوه قال أنا وضعته و الله في رحم أمه- فقال علي ع فما يمنعك من استلحاقه- قال أخاف هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي-
و قيل لابن عباس لما أظهر قوله في العول- بعد موت عمر و لم يكن قبل يظهره- هلا قلت هذا و عمر حي- قال هبته و كان امرأ مهابا- . و استدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر و كانت حاملا- فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها- فأجهضت به جنينا ميتا- فاستفتى عمر أكابر الصحابة في ذلك- فقالوا لا شيء عليك إنما أنت مؤدب- فقال له علي ع إن كانوا راقبوك فقد غشوك- و إن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطئوا- عليك غرة يعني عتق رقبة- فرجع عمر و الصحابة إلى قوله- . و عمر هو الذي شد بيعة أبي بكر و وقم المخالفين فيها- فكسر سيف الزبير لما جرده و دفع في صدر المقداد- و وطئ في السقيفة سعد بن عبادة- و قال اقتلوا سعدا قتل الله سعدا- و حطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة- أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب- و توعد من لجأ إلى دار فاطمة ع من الهاشميين- و أخرجهم منها- و لولاه لم يثبت لأبي بكر أمر و لا قامت له قائمة- .
و هو الذي ساس العمال و أخذ أموالهم في خلافته- و ذلك من أحسن السياسات- . و روى الزبير بن بكار- قال لما قلد عمر عمرو بن العاص مصر- بلغه أنه قد صار له مال عظيم من ناطق و صامت- فكتب إليه أما بعد- فقد ظهر لي من مالك ما لم يكن في رزقك- و لا كان لك مال قبل أن أستعملك- فأنى لك هذا فو الله لو لم يهمني في ذات الله- إلا من اختان في مال الله- لكثر همي و انتثر أمري- و لقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك- و لكني قلدتك رجاء غنائك- فاكتب إلي من أين لك هذا المال و عجل- .
فكتب إليه عمرو- أما بعد فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين- فأما ما ظهر لي من مال- فأنا قدمنا بلادا رخيصة الأسعار كثيرة الغزو- فجعلنا ما أصابنا في الفضول- التي اتصل بأمير المؤمنين نبؤها- و و الله لو كانت خيانتك حلالا ما خنتك و قد ائتمنتني- فإن لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك- و ذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني- فإذا كان ذاك فو الله ما دققت لك يا أمير المؤمنين بابا- و لا فتحت لك قفلا- فكتب إليه عمر- أما بعد فإني لست من تسطيرك الكتاب- و تشقيقك الكلام في شيء- و لكنكم معشر الأمراء قعدتم على عيون الأموال- و لن تعدموا عذرا- و إنما تأكلون النار و تتعجلون العار- و قد وجهت إليك محمد بن مسلمة- فسلم إليه شطر مالك- . فلما قدم محمد صنع له عمرو طعاما و دعاه فلم يأكل- و قال هذه تقدمة الشر و لو جئتني بطعام الضيف لأكلت- فنح عني طعامك و أحضر لي مالك- فأحضره فأخذ شطره- فلما رأى عمرو كثرة ما أخذ منه قال- لعن الله زمانا صرت فيه عاملا لعمر- و الله لقد رأيت عمر و أباه- على كل واحد منهما عباءة قطوانية- لا تجاوز مأبض ركبتيه و على عنقه حزمة حطب- و العاص بن وائل في مزررات الديباج- فقال محمد إيها عنك يا عمرو- فعمر و الله خير منك و أما أبوك و أبوه فإنهما في النار- و لو لا الإسلام لألفيت معتلقا شاة- يسرك غزرها و يسوؤك بكوؤها- قال صدقت فاكتم علي قال أفعل- قال الربيع بن زياد الحارثي- كنت عاملا لأبي موسى الأشعري على البحرين-
فكتب إليه عمر بالقدوم عليه هو و عماله- و أن يستخلفوا جميعا- فلما قدمنا المدينة- أتيت يرفأ حاجب عمر- فقلت يا يرفأ مسترشد و ابن سبيل- أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عماله- فأومأ إلي بالخشونة فاتخذت خفين مطارقين- و لبست جبة صوف و لثت عمامتي على رأسي- ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه- فصعد بصره فينا و صوب- فلم تأخذ عينه أحدا غيري فدعاني- فقال من أنت قلت الربيع بن زياد الحارثي- قال و ما تتولى من أعمالنا قلت البحرين- قال كم ترزق قلت ألفا قال كثير فما تصنع به- قلت أتقوت منه شيئا و أعود بباقيه على أقارب لي- فما فضل منهم فعلى فقراء المسلمين- قال لا بأس ارجع إلى موضعك- فرجعت إلى موضعي من الصف فصعد فينا و صوب- فلم تقع عينه إلا علي فدعاني- فقال كم سنك قلت خمس و أربعون- فقال الآن حيث استحكمت ثم دعا بالطعام- و أصحابي حديث عهدهم بلين العيش- و قد تجوعت له فأتى بخبز يابس و أكسار بعير- فجعل أصحابي يعافون ذلك و جعلت آكل فأجيد- و أنا أنظر إليه و هو يلحظني من بينهم- ثم سبقت مني كلمة تمنيت لها أني سخت في الأرض- فقلت يا أمير المؤمنين إن الناس يحتاجون إلى صلاحك- فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا- فزجرني ثم قال كيف قلت فقلت يا أمير المؤمنين- أن تنظر إلى قوتك من الطحين- فيخبز قبل إرادتك إياه بيوم- و يطبخ لك اللحم كذلك- فتؤتى بالخبز لينا و باللحم غريضا- فسكن من غربه و قال أ هاهنا غرت قلت نعم- فقال يا ربيع- إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب- من صلائق و سبائك و صناب- و لكني رأيت الله نعى على قوم شهواتهم- فقال أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا – ثم أمر أبا موسى بإقراري و أن يستبدل بأصحابي- . أسلم عمر بعد جماعة من الناس- و كان سبب إسلامه أن أخته و بعلها أسلما سرا من عمر- فدخل إليهما خباب بن الأرت يعلمهما الدين خفية- فوشى بهم واش إلى عمر فجاء دار أخته- فتوارى خباب منه داخل البيت- فقال عمر ما هذه الهينمة عندكم- قالت أخته ما عدا حديثا تحدثناه بيننا- قال أراكما قد صبوتما- قال ختنه أ رأيت إن كان هو الحق- فوثب عليه عمر فوطئه وطئا شديدا- فجاءت أخته فدفعته عنه فنفحها بيده- فدمي وجهها ثم ندم و رق و جلس واجما- فخرج إليه خباب فقال أبشر يا عمر- فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك الليلة- فإنه لم يزل يدعو منذ الليلة- اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام- . قال فانطلق عمر متقلدا سيفه- حتى- أتى إلى الدار التي فيها رسول الله ص يومئذ- و هي الدار التي في أصل الصفا- و على الباب حمزة و طلحة و ناس من المسلمين- فوجل القوم من عمر إلا حمزة فإنه قال قد جاءنا عمر- فإن يرد الله به خيرا يهده- و إن يرد غير ذلك كان قتله علينا هينا- و النبي ص داخل الدار يوحى إليه فسمع كلامهم- فخرج حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل سيفه- و قال ما أنت بمنته يا عمر- حتى ينزل الله بك من الخزي و النكال- ما أنزل بالوليد بن المغيرة- اللهم هذا عمر اللهم أعز الإسلام بعمر- فقال عمر أشهد أن لا إله إلا الله- و أشهد أن محمدا رسول الله- . مر يوما عمر في بعض شوارع المدينة فناداه إنسان- ما أراك إلا تستعمل عمالك و تعهد إليهم العهود- و ترى أن ذلك قد أجزأك- كلا و الله إنك المأخوذ بهم إن لم تتعهدهم-
قال ما ذاك قال عياض بن غنم يلبس اللين- و يأكل الطيب و يفعل كذا و كذا- قال أ ساع قال بل مؤد ما عليه- فقال لمحمد بن مسلمة الحق بعياض بن غنم- فأتني به كما تجده- فمضى محمد بن مسلمة حتى أتى باب عياض- و هو أمير على حمص و إذا عليه بواب- فقال له قل لعياض على بابك رجل يريد أن يلقاك- قال ما تقول قال قل له ما أقول لك- فقام كالمعجب فأخبره فعرف عياض أنه أمر حدث- فخرج فإذا محمد بن مسلمة فأدخله- فرأى على عياض قميصا رقيقا و رداء لينا- فقال إن أمير المؤمنين أمرني ألا أفارقك- حتى آتيه بك كما أجدك- فأقدمه على عمر و أخبره أنه وجده في عيش ناعم- فأمر له بعصا و كساء- و قال اذهب بهذه الغنم فأحسن رعيها- فقال الموت أهون من ذلك فقال كذبت- و لقد كان ترك ما كنت عليه أهون عليك من ذلك- فساق الغنم بعصاه و الكساء في عنقه فلما بعد رده- و قال أ رأيت إن رددتك إلى عملك أ تصنع خيرا- قال نعم و الله يا أمير المؤمنين- لا يبلغك مني بعدها ما تكره- فرده إلى عمله فلم يبلغه عنه بعدها ما ينقمه عليه- . كان الناس بعد وفاة رسول الله ص يأتون الشجرة- التي كانت بيعة الرضوان تحتها فيصلون عندها- فقال عمر أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى- ألا لا أوتي منذ اليوم بأحد عاد لمثلها- إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد- ثم أمر بها فقطعت- . لما مات رسول الله ص و شاع بين الناس موته- طاف عمر على الناس قائلا إنه لم يمت- و لكنه غاب عنا كما غاب موسى عن قومه- و ليرجعن فليقطعن أيدي رجال و أرجلهم يزعمون أنه مات- فجعل لا يمر بأحد يقول إنه مات إلا و يخبطه و يتوعده- حتى جاء أبو بكر فقال أيها الناس- من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات-
و من كان يعبد رب محمد فإنه حي لم يمت- ثم تلا قوله تعالى- أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ- قالوا فو الله لكان الناس ما سمعوا هذه الآية- حتى تلاها أبو بكر- و قال عمر لما سمعته يتلوها هويت إلى الأرض- و علمت أن رسول الله قد مات- . لما قتل خالد مالك بن نويرة و نكح امرأته- كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري- فركب فرسه و التحق بأبي بكر- و حلف ألا يسير في جيش تحت لواء خالد أبدا- فقص على أبي بكر القصة- فقال أبو بكر لقد فتنت الغنائم العرب- و ترك خالد ما أمر به- فقال عمر إن عليك أن تقيده بمالك فسكت أبو بكر- و قدم خالد فدخل المسجد- و عليه ثياب قد صدئت من الحديد- و في عمامته ثلاثة أسهم- فلما رآه عمر قال أ رياء يا عدو الله- عدوت على رجل من المسلمين فقتلته و نكحت امرأته- أما و الله إن أمكنني الله منك لأرجمنك- ثم تناول الأسهم من عمامته فكسرها- و خالد ساكت لا يرد عليه- ظنا أن ذلك عن أمر أبي بكر و رأيه- فلما دخل إلى أبي بكر و حدثه- صدقه فيما حكاه و قبل عذره- فكان عمر يحرض أبا بكر على خالد- و يشير عليه أن يقتص منه بدم مالك- فقال أبو بكر إيها يا عمر- ما هو بأول من أخطأ فارفع لسانك عنه- ثم ودى مالكا من بيت مال المسلمين- . لما صالح خالد أهل اليمامة و كتب بينه و بينهم كتاب الصلح- و تزوج ابنة مجاعة بن مرارة الحنفي- وصل إليه كتاب أبي بكر لعمري يا ابن أم خالد- إنك لفارغ حتى تزوج النساء- و حول حجرتك دماء المسلمين لم تجف بعد- في كلام أغلظ له فيه- فقال خالد هذا الكتاب ليس من عمل أبي بكر- هذا عمل الأعيسر يعني عمر-
عزل عمر خالدا عن إمارة حمص في سنة سبع عشرة- و إقامة للناس و عقله بعمامته- و نزع قلنسوته عن رأسه- و قال أعلمني من أين لك هذا المال- و ذلك أنه أجاز الأشعث بن قيس بعشرة آلاف درهم- فقال من الأنفال و السهمان- فقال لا و الله لا تعمل لي عملا بعد اليوم- و شاطره ماله و كتب إلى الأمصار بعزله- و قال إن الناس فتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه- و أحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع- . لما أسر الهرمزان حمل إلى عمر من تستر إلى المدينة- و معه رجال من المسلمين- منهم الأحنف بن قيس و أنس بن مالك- فأدخلوه المدينة في هيئته و تاجه و كسوته- فوجدوا عمر نائما في جانب المسجد- فجلسوا عنده ينتظرون انتباهه- فقال الهرمزان و أين عمر قالوا ها هو ذا- قال أين حرسه قالوا لا حاجب له و لا حارس- قال فينبغي أن يكون هذا نبيا- قالوا إنه يعمل بعمل الأنبياء- و استيقظ عمر فقال الهرمزان فقالوا نعم- قال لا أكلمه أو لا يبقى عليه من حليته شيء- فرموا ما عليه و ألبسوه ثوبا صفيقا- فلما كلمه عمر أمر أبا طلحة أن ينتضي سيفه- و يقوم على رأسه ففعل- ثم قال له ما عذرك في نقض الصلح و نكث العهد- و قد كان الهرمزان صالح أولا ثم نقض و غدر- فقال أخبرك قال قل قال و أنا شديد العطش- فاسقني ثم أخبرك فأحضر له ماء- فلما تناوله جعلت يده ترعد- قال ما شأنك قال أخاف أن أمد عنقي- و أنا أشرب فيقتلني سيفك- قال لا بأس عليك حتى تشرب- فألقى الإناء عن يده فقال ما بالك- أعيدوا عليه الماء و لا تجمعوا عليه بين القتل و العطش- قال إنك قد أمنتني قال كذبت قال لم أكذب- قال أنس صدق يا أمير المؤمنين- قال ويحك يا أنس- أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور و البراء بن مالك- و الله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك- قال أنت يا أمير المؤمنين قلت- لا بأس عليك حتى تشرب- و قال له ناس من المسلمين
مثل قول أنس- فقال للهرمزان ويحك أ تخدعني- و الله لأقتلنك إلا أن تسلم ثم أومأ إلى أبي طلحة- فقال الهرمزان أشهد أن لا إله إلا الله- و أشهد أن محمدا رسول الله فأمنه و أنزله المدينة- . سأل عمر عمرو بن معديكرب عن السلاح- فقال له ما تقول في الرمح قال أخوك و ربما خانك- قال فالنبل قال رسل المنايا تخطئ و تصيب- قال فالدرع قال مشغلة للفارس متعبة للراجل- و إنها مع ذلك لحصن حصين- قال فالترس قال هو المجن و عليه تدور الدوائر- قال فالسيف قال هناك قارعت أمك الهبل- قال بل أمك قال و الحمى أضرعتني لك- . و أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة- مات أبو بكر فناح النساء عليه و فيهن أخته أم فروة- فنهاهن عمر مرارا و هن يعاودن- فأخرج أم فروة من بينهن و علاها بالدرة- فهربن و تفرقن- . كان يقال درة عمر أهيب من سيف الحجاج- و في الصحيح أن نسوة كن عند رسول الله ص قد كثر لغطهن- فجاء عمر فهربن هيبة له- فقال لهن يا عديات أنفسهن- أ تهبنني و لا تهبن رسول الله- قلن نعم أنت أغلظ و أفظ- . و كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه- و يفتي بضده و خلافه- قضى في الجد مع الإخوة قضايا كثيرة مختلفة- ثم خاف من الحكم في هذه المسألة- فقال من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم- فليقل في الجد برأيه- .
و قال مرة لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي- إلا ارتجعت ذلك منها- فقالت له امرأة ما جعل الله لك ذلك- إنه تعالى قال وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً- أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً- فقال كل النساء أفقه من عمر حتى ربات الحجال- أ لا تعجبون من إمام أخطأ و امرأة أصابت- فاضلت إمامكم ففضلته- . و مر يوما بشاب من فتيان الأنصار و هو ظمآن- فاستسقاه فجدح له ماء بعسل فلم يشربه- و قال إن الله تعالى يقول أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا- فقال له الفتى يا أمير المؤمنين- إنها ليست لك و لا لأحد من هذه القبيلة- اقرأ ما قبلها وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ- أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا- فقال عمر كل الناس أفقه من عمر- . و قيل إن عمر كان يعس بالليل- فسمع صوت رجل و امرأة في بيت فارتاب- فتسور الحائط فوجد امرأة و رجلا و عندهما زق خمر- فقال يا عدو الله- أ كنت ترى أن الله يسترك و أنت على معصيته- قال يا أمير المؤمنين إن كنت أخطأت في واحدة- فقد أخطأت في ثلاث- قال الله تعالى وَ لا تَجَسَّسُوا و قد تجسست- و قال وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها و قد تسورت- و قال فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا و ما سلمت- . و قال متعتان كانتا على عهد رسول الله و أنا محرمهما- و معاقب عليهما- متعة النساء و متعة الحج- و هذا الكلام و إن كان ظاهره منكرا- فله عندنا مخرج و تأويل- و قد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم- .
و كان في أخلاق عمر و ألفاظه جفاء و عنجهية ظاهرة- يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد- و يتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده- فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله ص- و معاذ الله أن يقصد بها ظاهرها- و لكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته و لم يتحفظ منها- و كان الأحسن أن يقول مغمور أو مغلوب بالمرض- و حاشاه أن يعني بها غير ذلك- . و لجفاة الأعراب من هذا الفن كثير- سمع سليمان بن عبد الملك أعرابيا يقول في سنة قحط-
رب العباد ما لنا و ما لكا
قد كنت تسقينا فما بدا لكا
أنزل علينا القطر لا أبا لكا
– . فقال سليمان أشهد أنه لا أب له و لا صاحبه و لا ولد- فأخرجه أحسن مخرج- . و على نحو هذا يحتمل كلامه في صلح الحديبية- لما قال للنبي ص أ لم تقل لنا ستدخلونها- في ألفاظ نكره حكايتها- حتى شكاه النبي ص إلى أبي بكر- و حتى قال له أبو بكر الزم بغرزه فو الله إنه لرسول الله- . و عمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم- حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة- بل مفارقة دار الإسلام كلها- و عاد مرتدا داخلا في دين النصرانية لأجل لطمة لطمها- و قال جبلة بعد ارتداده متندما على ما فعل-
تنصرت الأشراف من أجل لطمة
و ما كان فيها لو صبرت لها ضرر
فيا ليت أمي لم تلدني و ليتني
رجعت إلى القول الذي قاله عمر
: حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ- جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى- مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ- حَتَّى صِرْتُ أَقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ- لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا- فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ- وَ مَالَ الآْخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ اللام في يا لله مفتوحة- و اللام في و للشورى مكسورة- لأن الأولى للمدعو و الثانية للمدعو إليه- قال
يا للرجال ليوم الأربعاء أما
ينفك يحدث لي بعد النهي طربا
– . اللام في للرجال مفتوحة و في ليوم مكسورة- و أسف الرجل إذا دخل في الأمر الدنيء- أصله من أسف الطائر إذا دنا من الأرض في طيرانه- و الضغن الحقد- . و قوله مع هن و هن- أي مع أمور يكنى عنها و لا يصرح بذكرها- و أكثر ما يستعمل ذلك في الشر- قال على هنوات شرها متتابع- . يقول ع إن عمر لما طعن جعل الخلافة في ستة- هو ع أحدهم ثم تعجب من ذلك- فقال متى اعترض الشك في مع أبي بكر- حتى أقرن بسعد بن أبي وقاص- و عبد الرحمن بن عوف و أمثالهما- لكني طلبت الأمر و هو موسوم بالأصاغر منهم- كما طلبته أولا و هو موسوم بأكابرهم- أي هو حقي فلا أستنكف من طلبه- إن كان المنازع فيه جليل القدر أو صغير المنزلة- . و صغا الرجل بمعنى مال الصغو الميل بالفتح و الكسر
قصة الشورى
و صورة هذه الواقعة أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة- و علم أنه ميت استشار فيمن يوليه الأمر بعده- فأشير عليه بابنه عبد الله فقال لاها الله إذا- لا يليها رجلان من ولد الخطاب حسب عمر ما حمل- حسب عمر ما احتقب- لاها الله لا أتحملها حيا و ميتا- ثم قال إن رسول الله مات- و هو راض عن هذه الستة من قريش- علي و عثمان و طلحة و الزبير- و سعد و عبد الرحمن بن عوف- و قد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم- ثم قال إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني- يعني أبا بكر- و إن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله ص- ثم قال ادعوهم لي فدعوهم- فدخلوا عليه و هو ملقى على فراشه يجود بنفسه- . فنظر إليهم فقال أ كلكم يطمع في الخلافة بعدي فوجموا- فقال لهم ثانية فأجابه الزبير و قال- و ما الذي يبعدنا منها وليتها أنت فقمت بها- و لسنا دونك في قريش و لا في السابقة و لا في القرابة- . قال الشيخ أبو عثمان الجاحظ- و الله لو لا علمه أن عمر يموت في مجلسه ذلك- لم يقدم على أن يفوه من هذا الكلام بكلمة- و لا أن ينبس منه بلفظة- . فقال عمر أ فلا أخبركم عن أنفسكم- قال قل فإنا لو استعفيناك لم تعفنا- فقال أما أنت يا زبير فوعق لقس- مؤمن الرضا كافر الغضب يوما إنسان و يوما شيطان- و لعلها لو أفضت إليك ظلت يومك- تلاطم بالبطحاء على مد من شعير- أ فرأيت إن أفضت إليك- فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا- و من يكون يوم تغضب- و ما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة- و أنت على هذه الصفة- .
ثم أقبل على طلحة و كان له مبغضا- منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر- فقال له أقول أم أسكت- قال قل فإنك لا تقول من الخير شيئا- قال أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد- و البأو الذي حدث لك- و لقد مات رسول الله ص ساخطا عليك- بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب- . قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ رحمه الله تعالى- الكلمة المذكورة أن طلحة لما أنزلت آية الحجاب- قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله ص- ما الذي يغنيه حجابهن اليوم و سيموت غدا فننكحهن- قال أبو عثمان أيضا لو قال لعمر قائل أنت قلت- إن رسول الله ص مات و هو راض عن الستة- فكيف تقول الآن لطلحة إنه مات ع ساخطا عليك- للكلمة التي قلتها- لكان قد رماه بمشاقصه- و لكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا- فكيف هذا- . قال ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال- إنما أنت صاحب مقنب من هذه المقانب تقاتل به- و صاحب قنص و قوس و أسهم- و ما زهرة و الخلافة و أمور الناس- . ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال- و أما أنت يا عبد الرحمن- فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك- لرجح إيمانك به- و لكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك- و ما زهرة و هذا الأمر- . ثم أقبل على علي ع فقال- لله أنت لو لا دعابة فيك أما و الله لئن وليتهم- لتحملنهم على الحق الواضح و المحجة البيضاء- ثم أقبل على عثمان فقال هيها إليك- كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك- فحملت بني أمية و بني أبي معيط على رقاب الناس- و آثرتهم بالفيء فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب- فذبحوك على فراشك ذبحا- و الله لئن فعلوا لتفعلن و لئن فعلت ليفعلن- ثم أخذ بناصيته فقال- فإذا كان ذلك فاذكر قولي فإنه كائن- .
ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب السفيانية- و ذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر- و ذكر أبو عثمان في هذا الكتاب عقيب رواية هذا الخبر- قال و روى معمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لأهل الشورى- إنكم إن تعاونتم و توازرتم و تناصحتم- أكلتموها و أولادكم- و إن تحاسدتم و تقاعدتم و تدابرتم و تباغضتم- غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان- و كان معاوية حينئذ أمير الشام- . ثم رجع بنا الكلام إلى تمام قصة الشورى- ثم قال ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري- فدعوه له فقال انظر يا أبا طلحة- إذا عدتم من حفرتي- فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم- فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجيله- و اجمعهم في بيت و قف بأصحابك على باب البيت- ليتشاوروا و يختاروا واحدا منهم- فإن اتفق خمسة و أبى واحد فاضرب عنقه- و إن اتفق أربعة و أبى اثنان فاضرب أعناقهما- و إن اتفق ثلاثة و خالف ثلاثة- فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن- فارجع إلى ما قد اتفقت عليه- فإن أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها- و إن مضت ثلاثة أيام و لم يتفقوا على أمر- فاضرب أعناق الستة- و دع المسلمين يختاروا لأنفسهم- . فلما دفن عمر جمعهم أبو طلحة- و وقف على باب البيت بالسيف- في خمسين من الأنصار حاملي سيوفهم- ثم تكلم القوم و تنازعوا- فأول ما عمل طلحة أنه أشهدهم على نفسه- أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان- و ذلك لعلمه أن الناس لا يعدلون به عليا و عثمان- و أن الخلافة لا تخلص له و هذان موجودان- فأراد تقوية أمر عثمان و إضعاف جانب علي ع- بهبة أمر لا انتفاع له به و لا تمكن له منه- .
فقال الزبير في معارضته- و أنا أشهدكم على نفسي- أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي- و إنما فعل ذلك لأنه لما رأى عليا قد ضعف- و انخزل بهبة طلحة حقه لعثمان دخلته حمية النسب- لأنه ابن عمة أمير المؤمنين ع- و هي صفية بنت عبد المطلب و أبو طالب خاله- و إنما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي ع- باعتبار أنه تيمي و ابن عم أبي بكر الصديق- و قد كان حصل في نفوس بني هاشم- من بني تيم حنق شديد لأجل الخلافة- و كذلك صار في صدور تيم على بني هاشم- و هذا أمر مركوز في طبيعة البشر- و خصوصا طينة العرب و طباعها- و التجربة إلى الآن تحقق ذلك- فبقي من الستة أربعة- . فقال سعد بن أبي وقاص- و أنا قد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن- و ذلك لأنهما من بني زهرة و لعلم سعد أن الأمر لا يتم له- فلما لم يبق إلا الثلاثة- قال عبد الرحمن لعلي و عثمان- أيكما يخرج نفسه من الخلافة- و يكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين- فلم يتكلم منهما أحد- فقال عبد الرحمن أشهدكم أنني قد أخرجت نفسي- من الخلافة على أن أختار أحدهما- فأمسكا فبدأ بعلي ع و قال له- أبايعك على كتاب الله و سنة رسول الله- و سيرة الشيخين أبي بكر و عمر- فقال بل على كتاب الله و سنة رسوله و اجتهاد رأيي- فعدل عنه إلى عثمان فعرض ذلك عليه فقال نعم- فعاد إلى علي ع فأعاد قوله فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثا- فلما رأى أن عليا غير راجع عما قاله- و أن عثمان ينعم له بالإجابة صفق على يد عثمان- و قال السلام عليك يا أمير المؤمنين- فيقال إن عليا ع قال له- و الله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه- ما رجا صاحبكما من صاحبه- دق الله بينكما عطر منشم- .
قيل ففسد بعد ذلك بين عثمان و عبد الرحمن- فلم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن – ثم نرجع إلى تفسير ألفاظ الفصل- أما قوله ع فصغا رجل منهم لضغنه فإنه يعني طلحة- و قال القطب الراوندي يعني سعد بن أبي وقاص- لأن عليا ع قتل أباه يوم بدر- و هذا خطأ فإن أباه أبو وقاص- و اسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة- بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب مات في الجاهلية حتف أنفه- . و أما قوله و مال الآخر لصهره- يعني عبد الرحمن مال إلى عثمان- لأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحته- و أم كلثوم هذه هي أخت عثمان من أمه أروى بنت كريز- . و روى القطب الراوندي أن عمر لما قال- كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها-
قال ابن عباس لعلي ع ذهب الأمر منا- الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان- فقال علي ع و أنا أعلم ذلك- و لكني أدخل معهم في الشورى- لأن عمر قد أهلني الآن للخلافة- و كان قبل ذلك يقول- إن رسول الله ص قال- إن النبوة و الإمامة لا يجتمعان في بيت- فأنا أدخل في ذلك لأظهر للناس- مناقضة فعله لروايته الذي ذكره الراوندي غير معروف- و لم ينقل عمر هذا عن رسول الله ص- و لكنه قال لعبد الله بن عباس يوما يا عبد الله- ما تقول منع قومكم منكم- قال لا أعلم يا أمير المؤمنين قال اللهم غفرا- إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة و الخلافة- فتذهبون في السماء بذخا و شمخا- لعلكم تقولون إن أبا بكر أراد الإمرة عليكم و هضمكم- كلا لكنه حضره أمر لم يكن عنده أحزم مما فعل- و لو لا رأي أبي بكر في بعد موته لأعاد أمركم إليكم- و لو فعل ما هنأكم مع قومكم- إنهم لينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره- . فأما الرواية التي جاءت- بأن طلحة لم يكن حاضرا يوم الشورى- فإن صحت فذو الضغن هو سعد بن أبي وقاص- لأن أمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس و الضغينة التي عنده على علي ع من قبل أخواله- الذين قتل صناديدهم و تقلد دماءهم- و لم يعرف أن عليا ع قتل أحدا من بني زهرة- لينسب الضغن إليه- . و هذه الرواية هي التي اختارها أبو جعفر- محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ- قال لما طعن عمر قيل له لو استخلفت- يا أمير المؤمنين فقال من أستخلف- لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته- و قلت لربي لو سألني-
سمعت نبيك يقول أبو عبيدة أمين هذه الأمة
و لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته- و قلت لربي إن سألني-
سمعت نبيك ع يقول إن سالما شديد الحب لله
فقال له رجل ول عبد الله بن عمر- فقال قاتلك الله و الله ما الله أردت بهذا الأمر- ويحك كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته- لا أرب لعمر في خلافتكم- ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي- إن تك خيرا فقد أصبنا منه و إن تك شرا يصرف عنا- حسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد- و يسأل عن أمر أمة محمد- . فخرج الناس من عنده- ثم راحوا إليه فقالوا له لو عهدت عهدا- قال قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم- أن أولي أمركم رجلا هو أحراكم أن يحملكم على الحق-
و أشار إلى علي ع فرهقتني غشية- فرأيت رجلا يدخل جنة قد غرسها- فجعل يقطف كل غضة و يانعة فيضمها إليه- و يصيرها تحته فخفت أن أتحملها حيا و ميتا- و علمت أن الله غالب أمره عليكم بالرهط- الذي قال رسول الله عنهم إنهم من أهل الجنة- ثم ذكر خمسة عليا و عثمان و عبد الرحمن و الزبير و سعدا- . قال و لم يذكر في هذا المجلس طلحة- و لا كان طلحة يومئذ بالمدينة- ثم قال لهم انهضوا إلى حجرة عائشة فتشاوروا فيها- و وضع رأسه و قد نزفه الدم- فقال العباس لعلي ع لا تدخل معهم و ارفع نفسك عنهم- قال إني أكره الخلاف قال إذن ترى ما تكره- فدخلوا الحجرة فتناجوا حتى ارتفعت أصواتهم- فقال عبد الله بن عمر إن أمير المؤمنين لم يمت بعد- ففيم هذا اللغط- و انتبه عمر و سمع الأصوات فقال- ليصل بالناس صهيب- و لا يأتين اليوم الرابع من يوم موتي إلا و عليكم أمير- و ليحضر عبد الله بن عمر مشيرا- و ليس له شيء من الأمر- و طلحة بن عبيد الله شريككم في الأمر- فإن قدم إلى ثلاثة أيام فأحضروه أمركم- و إلا فأرضوه و من لي برضا طلحة- فقال سعد أنا لك به و لن يخالف إن شاء الله تعالى- . ثم ذكر وصيته لأبي طلحة الأنصاري- و ما خص به عبد الرحمن بن عوف- من كون الحق في الفئة التي هو فيها- و أمره بقتل من يخالف- ثم خرج الناس فقال علي ع لقوم معه من بني هاشم- إن أطيع فيكم قومكم من قريش لم تؤمروا أبدا- و قال للعباس عدل بالأمر عني يا عم-
قال و ما علمك قال قرن بي عثمان – و قال عمر كونوا مع الأكثر- فإن رضي رجلان رجلا و رجلان رجلا- فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن- فسعد لا يخالف ابن عمه- و عبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان- فيوليها أحدهما الآخر- فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئا- فقال العباس لم أدفعك إلى شيء- إلا رجعت إلي مستأخرا بما أكره- أشرت عليك عند مرض رسول الله ص- أن تسأله عن هذا الأمر فيمن هو فأبيت- و أشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة فأبيت- و قد أشرت عليك حين سماك عمر في الشورى اليوم- أن ترفع نفسك عنها و لا تدخل معهم فيها فأبيت- فاحفظ عني واحدة- كلما عرض عليك القوم الأمر فقل لا إلا أن يولوك- و اعلم أن هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الأمر- حتى يقوم لك به غيرك- و ايم الله لا تناله إلا بشر لا ينفع معه خير- فقال ع أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان- و ليحدثن البدع و الأحداث و لئن بقي لأذكرنك- و إن قتل أو مات ليتداولنها بنو أمية بينهم- و إن كنت حيا لتجدني حيث تكرهون- ثم تمثل
حلفت برب الراقصات عشية
غدون خفافا يبتدرن المحصبا
ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة
نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا
– . قال ثم التفت فرأى أبا طلحة الأنصاري فكره مكانه- فقال أبو طلحة لا ترع أبا حسن- فلما مات عمر و دفن و خلوا بأنفسهم للمشاورة في الأمر- و قام أبو طلحة يحجبهم بباب البيت- جاء عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة فجلسا بالباب- فحصبهما سعد و أقامهما- و قال إنما تريدان أن تقولا حضرنا و كنا في أصحاب الشورى- . فتنافس القوم في الأمر و كثر بينهم الكلام- فقال أبو طلحة أنا كنت لأن تدافعوها- أخوف مني عليكم أن تنافسوها- أما و الذي ذهب بنفس عمر- لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي وقفت لكم- فاصنعوا ما بدا لكم- . قال ثم إن عبد الرحمن قال لابن عمه سعد بن أبي وقاص- إني قد كرهتها و سأخلع نفسي منها- لأني رأيت الليلة روضة خضراء كثيرة العشب- فدخل فحل ما رأيت أكرم منه- فمر كأنه سهم لم يلتفت إلى شيء منها حتى قطعها- لم يعرج- و دخل بعير يتلوه تابع أثره حتى خرج منها- ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه و مضى قصد الأولين- ثم دخل بعير رابع فوقع في الروضة يرتع و يخضم- و لا و الله لا أكون الرابع- و إن أحدا لا يقوم مقام أبي بكر و عمر فيرضى الناس عنه- . ثم ذكر خلع عبد الرحمن نفسه من الأمر- على أن يوليها أفضلهم في نفسه- و أن عثمان أجاب إلى ذلك و أن عليا ع سكت- فلما روجع رضي على موثق أعطاه عبد الرحمن- أن يؤثر الحق و لا يتبع الهوى- و لا يخص ذا رحم و لا يألو الأمة نصحا- و أن عبد الرحمن ردد القول بين علي و عثمان متلوما- و أنه خلا بسعد تارة- و بالمسور بن مخرمة الزهري تارة أخرى- و أجال فكره و أعمل نظره- و وقف موقف الحائر بينهما- قال
قال علي ع لسعد بن أبي وقاص- يا سعد اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ- أسألك برحم ابني هذا من رسول الله ص- و برحم عمي حمزة منك- ألا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرا
– قلت رحم حمزة من سعد هي أن أم حمزة- هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة- و هي أيضا أم المقوم و حجفل- و اسمه المغيرة و الغيداق- أبناء عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف- هؤلاء الأربعة بنو عبد المطلب من هالة- و هالة هذه هي عمة سعد بن أبي وقاص- فحمزة إذن ابن عمة سعد و سعد ابن خال حمزة- . قال أبو جعفر- فلما أتى اليوم الثالث جمعهم عبد الرحمن- و اجتمع الناس كافة فقال عبد الرحمن أيها الناس- أشيروا علي في هذين الرجلين- فقال عمار بن ياسر- إن أردت ألا يختلف الناس فبايع عليا ع- فقال المقداد صدق عمار- و إن بايعت عليا سمعنا و أطعنا- فقال عبد الله بن أبي سرح- إن أردت ألا تختلف قريش فبايع عثمان- قال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي صدق- إن بايعت عثمان سمعنا و أطعنا- فشتم عمار ابن أبي سرح و قال له- متى كنت تنصح الإسلام- . فتكلم بنو هاشم و بنو أمية و قام عمار- فقال أيها الناس إن الله أكرمكم بنبيه- و أعزكم بدينه- فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم- فقال رجل من بني مخزوم- لقد عدوت طورك يا ابن سمية- و ما أنت و تأمير قريش لأنفسها- فقال سعد يا عبد الرحمن افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس- فحينئذ عرض عبد الرحمن على علي ع- العمل بسيرة الشيخين فقال بل أجتهد برأيي- فبايع عثمان بعد أن عرض عليه فقال نعم-
فقال علي ع ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا- فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ- و الله ما وليته الأمر إلا ليرده إليك- و الله كل يوم في شأن – .
فقال عبد الرحمن- لا تجعلن على نفسك سبيلا يا علي- يعني أمر عمر أبا طلحة أن يضرب عنق المخالف- فقام علي ع فخرج- و قال سيبلغ الكتاب أجله- فقال عمار يا عبد الرحمن- أما و الله لقد تركته- و إنه من الذين يقضون بالحق و به كانوا يعدلون- فقال المقداد تالله ما رأيت- مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم- وا عجبا لقريش لقد تركت رجلا ما أقول- و لا أعلم أن أحدا أقضى بالعدل و لا أعلم و لا أتقى منه- أما و الله لو أجد أعوانا- فقال عبد الرحمن اتق الله يا مقداد- فإني خائف عليك الفتنة- .
و قال علي ع إني لأعلم ما في أنفسهم- إن الناس ينظرون إلى قريش- و قريش تنظر في صلاح شأنها- فتقول إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا- و ما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش
– . قال و قدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان- فتلكأ ساعة ثم بايع- .و روى أبو جعفر رواية أخرى أطالها و ذكر خطب أهل الشورى و ما قاله كل منهم- و ذكر كلاما قاله علي ع في ذلك اليوم- و هو الحمد لله الذي اختار محمدا منا نبيا- و ابتعثه إلينا رسولا- فنحن أهل بيت النبوة و معدن الحكمة- أمان لأهل الأرض و نجاة لمن طلب- إن لنا حقا إن نعطه نأخذه- و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى- لو عهد إلينا رسول الله ص عهدا لأنفذنا عهده- و لو قال لنا قولا لجالدنا عليه حتى نموت- لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق و صلة رحم- و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم- اسمعوا كلامي و عوا منطقي- عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع- تنتضى فيه السيوف و تخان فيه العهود- حتى لا يكون لكم جماعة- و حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة و شيعة لأهل الجهالة- .
قلت و قد ذكر الهروي في كتاب الجمع بين الغريبين- قوله و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و فسره على وجهين- أحدهما أن من ركب عجز البعير يعاني مشقة- و يقاسي جهدا- فكأنه قال و إن نمنعه نصبر على المشقة- كما يصبر عليها راكب عجز البعير- . و الوجه الثاني أنه أراد نتبع غيرنا- كما أن راكب عجز البعير يكون رديفا لمن هو أمامه- فكأنه قال و إن نمنعه نتأخر و نتبع غيرنا- كما يتأخر راكب البعير- .
و قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل- استجيبت دعوة علي ع في عثمان و عبد الرحمن- فما ماتا إلا متهاجرين متعاديين- أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه و قال لرسوله- قل له لقد وليتك ما وليتك من أمر الناس- و إن لي لأمورا ما هي لك- شهدت بدرا و ما شهدتها- و شهدت بيعة الرضوان و ما شهدتها- و فررت يوم أحد و صبرت- فقال عثمان لرسوله قل له أما يوم بدر- فإن رسول الله ص ردني إلى ابنته لما بها من المرض- و قد كنت خرجت للذي خرجت له- و لقيته عند منصرفه فبشرني بأجر مثل أجوركم- و أعطاني سهما مثل سهامكم- و أما بيعة الرضوان- فإنه ص بعثني أستأذن قريشا في دخوله إلى مكة- فلما قيل له إني قتلت- بايع المسلمين على الموت لما سمعه عني- و قال إن كان حيا فأنا أبايع عنه- و صفق بإحدى يديه على الأخرى- و قال يساري خير من يمين عثمان- فيدك أفضل أم يد رسول الله ص- و أما صبرك يوم أحد و فراري فلقد كان ذلك- فأنزل الله تعالى العفو عني في كتابه- فعيرتني بذنب غفره الله لي- و نسيت من ذنوبك ما لا تدري أ غفر لك أم لم يغفر- . لما بنى عثمان قصره طمار بالزوراء- و صنع طعاما كثيرا و دعا الناس إليه- كان فيهم عبد الرحمن فلما نظر للبناء و الطعام قال- يا ابن عفان لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك- و إني أستعيذ بالله من بيعتك- فغضب عثمان و قال أخرجه عني يا غلام فأخرجوه- و أمر الناس ألا يجالسوه- فلم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس- كان يأتيه فيتعلم منه القرآن و الفرائض- و مرض عبد الرحمن فعاده عثمان و كلمه فلم يكلمه حتى مات: إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ- بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ- وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ- خَضْمَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ- إِلَى أَنِ انْتَكَثَ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ- وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ نافجا حضنيه رافعا لهما- و الحضن ما بين الإبط و الكشح- يقال للمتكبر جاء نافجا حضنيه- و يقال لمن امتلأ بطنه طعاما جاء نافجا حضنيه- و مراده ع هذا الثاني- و النثيل الروث و المعتلف موضع العلف- يريد أن همه الأكل و الرجيع- و هذا من ممض الذم و أشد من قول الحطيئة الذي قيل- إنه أهجى بيت للعرب-
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
و الخضم أكل بكل الفم و ضده القضم- و هو الأكل بأطراف الأسنان- و قيل الخضم أكل الشيء الرطب- و القضم أكل الشيء اليابس- و المراد على التفسيرين لا يختلف- و هو أنهم على قدم عظيمة من النهم- و شدة الأكل و امتلاء الأفواه- و قال أبو ذر رحمه الله تعالى إن بني أمية- يخضمون و نقضم و الموعد لله- و الماضي خضمت بالكسر و مثله قضمت- . و النبتة بكسر النون كالنبات- تقول نبت الرطب نباتا و نبتة- و انتكث فتله انتقض و هذه استعارة- و أجهز عليه عمله تمم قتله- يقال أجهزت على الجريح- مثل ذففت إذا أتممت قتله- و كبت به بطنته كبا الجواد إذا سقط لوجهه- و البطنة الإسراف في الشبع
نتف من أخبار عثمان بن عفان
و ثالث القوم هو عثمان بن عفان بن أبي العاص- بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- كنيته أبو عمرو و أمه أروى بنت كريز- بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس- . بايعه الناس بعد انقضاء الشورى و استقرار الأمر له- و صحت فيه فراسة عمر- فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس- و ولاهم الولايات و أقطعهم القطائع- و افتتحت إفريقية في أيامه- فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان- فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحي-
أحلف بالله رب الأنام
ما ترك الله شيئا سدى
و لكن خلقت لنا فتنة
لكي نبتلى بك أو تبتلى
فإن الأمينين قد بينا
منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهما غيلة
و لا جعلا درهما في هوى
و أعطيت مروان خمس البلاد
فهيهات سعيك ممن سعى
– . الأمينان أبو بكر و عمر- . و طلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة- فأعطاه أربعمائة ألف درهم- . و أعاد الحكم بن أبي العاص- بعد أن كان رسول الله ص قد سيره- ثم لم يرده أبو بكر و لا عمر- و أعطاه مائة ألف درهم- . و تصدق رسول الله ص بموضع سوق بالمدينة- يعرف بمهزور على المسلمين- فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم- . و أقطع مروان فدك- و قد كانت فاطمة ع طلبتها بعد وفاة أبيها ص-تارة بالميراث و تارة بالنحلة فدفعت عنها- . و حمى المراعي حول المدينة كلها- من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني أمية- . و أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه- من فتح إفريقية بالمغرب- و هي من طرابلس الغرب إلى طنجة- من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين- . و أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال- في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم- بمائة ألف من بيت المال- و قد كان زوجه ابنته أم أبان- فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح- فوضعها بين يدي عثمان و بكى- فقال عثمان أ تبكي أن وصلت رحمي قال لا- و لكن أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال- عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله- في حياة رسول الله ص- و الله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا- فقال ألق المفاتيح يا ابن أرقم فأنا سنجد غيرك- . و أتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة- فقسمها كلها في بني أمية- و أنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة- فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضا- بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنة- . و انضم إلى هذه الأمور أمور أخرى نقمها عليه المسلمون- كتسيير أبي ذر رحمه الله تعالى إلى الربذة- و ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أضلاعه- و ما أظهر من الحجاب و العدول عن طريقة عمر- في إقامة الحدود و رد المظالم- و كف الأيدي العادية و الانتصاب لسياسة الرعية- و ختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية- يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين- و اجتمع عليه كثير من أهل المدينة- مع القوم الذين وصلوا من مصر- لتعديد أحداثه عليه فقتلوه- . و قد أجاب أصحابنا عن المطاعن في عثمان- بأجوبة مشهورة مذكورة في كتبهم- و الذي نقول نحن إنها و إن كانت أحداثا- إلا أنها لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه-
و قد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة- حيث لم يستصلحوه لها و لا يعجلوا بقتله- و أمير المؤمنين ع أبرأ الناس من دمه- و قد صرح بذلك في كثير من كلامه- من ذلك قوله ع و الله ما قتلت عثمان و لا مالأت على قتله
– و صدق ص: فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَ النَّاسُ إِلَيَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ- يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ- حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ- مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ- فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ- وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ فَسَقَ آخَرُونَ- كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلَامَ اللَّهِ حَيْثُ يَقُولُ- تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ- لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً- وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ- بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا- وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا عرف الضبع ثخين و يضرب به المثل في الازدحام- و ينثالون يتتابعون مزدحمين- و الحسنان الحسن و الحسين ع- و العطفان الجانبان من المنكب إلى الورك- و يروى عطافي و العطاف الرداء و هو أشبه بالحال- إلا أن الرواية الأولى أشهر- و المعنى خدش جانباي لشدة الاصطكاك منهم و الزحام- و قال القطب الراوندي- الحسنان إبهاما الرجل و هذا لا أعرفه- .
و قوله كربيضة الغنم أي كالقطعة الرابضة من الغنم- يصف شدة ازدحامهم حوله و جثومهم بين يديه- . و قال القطب الراوندي- يصف بلادتهم و نقصان عقولهم- لأن الغنم توصف بقلة الفطنة- و هذا التفسير بعيد و غير مناسب للحال- . فأما الطائفة الناكثة فهم أصحاب الجمل- و أما الطائفة الفاسقة فأصحاب صفين- و سماهم رسول الله ص القاسطين- و أما الطائفة المارقة فأصحاب النهروان- و أشرنا نحن بقولنا- سماهم رسول الله ص القاسطين- إلى قوله ع ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين – و هذا الخبر من دلائل نبوته ص- لأنه إخبار صريح بالغيب- لا يحتمل التمويه و التدليس- كما تحتمله الأخبار المجملة- و صدق قوله ع و المارقين-
قوله أولا في الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية – و صدق قوله ع الناكثين- كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء- و قد كان ع يتلو وقت مبايعتهم له- فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ- . و أما أصحاب صفين- فإنهم عند أصحابنا رحمهم الله مخلدون في النار لفسقهم- فصح فيهم قوله تعالى- وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً- . و قوله ع حليت الدنيا في أعينهم- تقول حلا الشيء في فمي يحلو و حلي لعيني يحلى- و الزبرج الزينة من وشي أو غيره و يقال الزبرج الذهب- . فأما الآية فنحن نذكر بعض ما فيها- فنقول إنه تعالى لم يعلق الوعد- بترك العلو في الأرض و الفساد- و لكن بترك إرادتهما- و هو كقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ- علق الوعيد بالركون إليهم و الميل معهم- و هذا شديد في الوعيد- .
و يروى عن أمير المؤمنين ع أنه قال إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله- أحسن من شراك نعل صاحبه – فيدخل تحت هذه الآية- و يقال إن عمر بن عبد العزيز كان يرددها حتى قبض: أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ- لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ- وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ- أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبِ مَظْلُومٍ- لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا- وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا- وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ فلق الحبة من قوله تعالى فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى- و النسمة كل ذي روح من البشر خاصة- . قوله لو لا حضور الحاضر- يمكن أن يريد به لو لا حضور البيعة- فإنها بعد عقدها تتعين المحاماة عنها- و يمكن أن يريد بالحاضر من حضره من الجيش- الذين يستعين بهم على الحرب- و الكظة بكسر الكاف- ما يعتري الإنسان من الثقل و الكرب- عند الامتلاء من الطعام- و السغب الجوع- و قولهم قد ألقى فلان حبل فلان على غاربه-
أي تركه هملا يسرح حيث يشاء من غير وازع و لا مانع- و الفقهاء يذكرون هذه اللفظة في كنايات الطلاق- و عفطة عنز ما تنثره من أنفها عفطت تعفط بالكسر- و أكثر ما يستعمل ذلك في النعجة- فأما العنز فالمستعمل الأشهر فيها النفطة بالنون- و يقولون ما له عافط و لا نافط أي نعجة و لا عنز- فإن قيل أ يجوز أن يقال العفطة هاهنا الحبقة- فإن ذلك يقال في العنز خاصة عفطت تعفط- قيل ذلك جائز إلا أن الأحسن- و الأليق بكلام أمير المؤمنين ع التفسير الأول- فإن جلالته و سؤدده تقتضي- أن يكون ذاك أراد لا الثاني- فإن صح أنه لا يقال في العطسة عفطة إلا للنعجة- قلنا إنه استعمله في العنز مجازا- .
يقول ع لو لا وجود من ينصرني- لا كما كانت الحال عليها أولا بعد وفاة رسول الله ص- فإني لم أكن حينئذ واجدا للناصر مع كوني مكلفا- إلا أمكن الظالم من ظلمه لتركت الخلافة- و لرفضتها الآن كما رفضتها قبل- و لوجدتم هذه الدنيا عندي أهون من عطسة عنز- و هذا إشارة إلى ما يقوله أصحابنا- من وجوب النهي عن المنكر عند التمكن: قَالُوا وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ- عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ- فَنَاوَلَهُ كِتَاباً فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ- فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- لَوِ اطَّرَدَتْ مَقَالَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ- فَقَالَ هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ- تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلَامٍ قَطُّ- كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلَامِ- أَلَّا يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ
قوله عليه السلام في هذه الخطبة- كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم- و إن أسلس لها تقحم- يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام- و هي تنازعه رأسها خرم أنفها- و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها- تقحمت به فلم يملكها- يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه- و شنقها أيضا ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق- و إنما قال ع أشنق لها و لم يقل أشنقها- لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها- فكأنه قال إن رفع لها رأسها بالزمام- يعني أمسكه عليها- و في الحديث أن رسول الله ص خطب على ناقة- و قد شنق لها فهي تقصع بجرتها- و من الشاهد على أن أشنق بمعنى شنق- قول عدي بن زيد العبادي-
ساءها ما لها تبين في الأيدي
و إشناقها إلى الأعناق
سمي السواد سوادا لخضرته بالزروع و الأشجار و النخل- و العرب تسمي الأخضر أسود- قال سبحانه مُدْهامَّتانِ يريد الخضرة- و قوله لو اطردت مقالتك- أي أتبعت الأول قولا ثانيا- من قولهم اطرد النهر إذا تتابع جريه- . و قوله من حيث أفضيت- أصل أفضى خرج إلى الفضاء- فكأنه شبهه ع حيث سكت عما كان يقوله- بمن خرج من خباء أو جدار إلى فضاء من الأرض- و ذلك لأن النفس و القوى و الهمة- عند ارتجال الخطب و الأشعار تجتمع إلى القلب- فإذا قطع الإنسان و فرغ- تفرقت و خرجت عن حجر الاجتماع و استراحت-
و الشقشقة بالكسر فيهما- شيء يخرجه البعير من فيه إذا هاج- و إذا قالوا للخطيب- ذو شقشقة فإنما شبهوه بالفحل- و الهدير صوتها- . و أما قول ابن عباس ما أسفت على كلام إلى آخره- فحدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي- في سنة ثلاث و ستمائة قال- قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد- المعروف بابن الخشاب- هذه الخطبة- فلما انتهيت إلى هذا الموضع قال لي- لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له- و هل بقي في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة- لتتأسف ألا يكون بلغ من كلامه ما أراد- و الله ما رجع عن الأولين و لا عن الآخرين- و لا بقي في نفسه أحد لم يذكره إلا رسول الله ص- . قال مصدق و كان ابن الخشاب صاحب دعابة و هزل قال فقلت له أ تقول إنها منحولة- فقال لا و الله و إني لأعلم أنها كلامه- كما أعلم أنك مصدق- قال فقلت له إن كثيرا من الناس يقولون- إنها من كلام الرضي رحمه الله تعالى- فقال أنى للرضي و لغير الرضي هذا النفس- و هذا الأسلوب- قد وقفنا على رسائل الرضي- و عرفنا طريقته و فنه في الكلام المنثور- و ما يقع مع هذا الكلام في خل و لا خمر- ثم قال و الله لقد وقفت على هذه الخطبة- في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة- و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها- و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب- قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي- . قلت و قد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في- تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي-
إمام البغداديين من المعتزلة- و كان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة- و وجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبة- أحد متكلمي الإمامية- و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف- و كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى- و مات في ذلك العصر- قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجودا